المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : محاولة التنقيص من مقامها (عليها السلام)


الشيخ عباس محمد
09-07-2017, 05:07 PM
السؤال: محاولة التنقيص من مقامها (عليها السلام)
ذكر الكليني في فروع الكافي:
لما زوج رسول الله صلى الله عليه وآله عليا فاطمة عليها السلام دخل عليها وهي تبكي، فقال لها: ما يبكيك فوالله لو كان في أهلي خير منه ما زوجتك وما أنا أزوجه ولكن الله زوجك (1).
وذكر الكليني أيضا:
عن أبي عبدالله عليه السلام قال: إن فاطمة عليها السلام قالت لرسول الله: زوجتني بالمهر الخسيس؟ فقال لها رسول الله صلى الله عليه وآله: ما أنا زوجتك، ولكن الله زوجك من السماء (2).
وذكر محمد الباقر المجلسي في جلاء العيون بالفارسية وترجمته بالعربية:
قال الإمام محمد الباقر عليه السلام في كشف الغمة بأنه اشتكت يوما فاطمة إلى النبي صلى الله عليه وسلم: أن عليا ما يأتيه من الأموال يقسمها بين الفقراء والمساكين؟ فقال عليه الصلاة والسلام: أتريدين أن أسخط أخي وابن عمي؟ اعلمي أن سخطه سخطي وسخطي سخط الله، فقالت فاطمة: إني أعوذ بالله من غضب الله وغضب رسوله (3).
... وهل هذا ممكن وهي الكريمة بنت الكريم وعجبا للشيعة كيف يدعون محبة السيدة الطاهرة الزهراء بعد أن قد نسبوا إليها مثل هذه الأمور الدنيئة التي لا تليق بأية امرأة شريفة فكيف بها رضي الله عنها.
وذكر أحمد بن أبي طالب الطبرسي في الاحتجاج:
ثم انكفأت عليها السلام وأمير المؤمنين عليه السلام يتوقع رجوعها إليه ويتطلع طلوعها عليه فلما استقرت بها الدار قالت لأمير المؤمنين عليه السلام يا بن أبي طالب اشتملت شملة الجنين وقعدت حجرة الظنين نقضت قادمة الأجدل فخانك ريش الأعزل، هذا ابن أبي قحافة يبتزني نحلة أبي وبلغة ابني، لقد أجهد في خصامي، وألفيته ألد في كلامي حتى حبستني قيلة نصرها والمهاجرة وصلتها وغضت الجماعة دوني طرفها فلا دافع ولا مانع، خرجت كاظمة وعدت راغمة أضرعت خدك يوم أضعت حدك، افترست الذئاب وافترشت التراب، ما كففت قائلا ولا أغنيت طائلا ولا خيار لي ليتني مت قبل هنيئتي ودون ذلتي عذيري الله منه عاديا ومنك حاميا ويلاي في كل شارق، ويلاي في كل غارب، مات العمد ووهن العضد، شكواي إلى أبي وعدواي إلى ربي، اللهم إنك أشد منهم قوة وحولا، وأشد بأسا وتنكيلا، فقال أمير المؤمنين عليه السلام: لا ويل لك بل الويل لشانئك ثم نهنهي عن وجدك يا بنت الصفوة وبقية النبوة فما ونيت عن ديني ولا أخطأت مقدوري، فإن كنت تريدين البلغة، فرزقك مضمون وكفيلك مأمون، وما أعد لك أفضل ما قطع عنك فاحتسبي الله، فقالت: حسبي الله، وأمسكت (4).
هل يعقل أن تخاطب السيدة البتول الزهراء رضي الله عنها زوجها سيدنا علي رضي الله عنه بهذا الأسلوب الذي لا ترتضيه أية زوجة عاقلة شريفة في يومنا هذا
وإن حكمنا فرضا بصدق هذه الرواية فينتج عنه والعياذ بالله وقاحة السيدة الطاهرة فاطمة رضي الله عنها وغلظتها وشراستها في حق زوجها، وجبن سيدنا علي رضي الله عنه وتخاذله أمام الناس في أمر حق، وهل يعقل ذلك وهو أسد الله الغالب الحيدر الكرار ذو الشجاعة والبطولات النادرة، ولا أدري أين تذهب عقول الشيعة الذين يدعون محبة علي وفاطمة ثم يأتون بهذه السخافات التي تخالف ما يدعونه
وذكر أحمد بن أبي طالب الطبرسي أيضا في الاحتجاج:
فقال سلمان: فلما كان الليل حمل علي فاطمة على حمار وأخذ بيد ابنيه الحسن والحسين فلم يدع أحدا من أهل بدر من المهاجرين ولا من الأنصار إلا أتى منزله وذكر حقه ودعا إلى نصرته.... فأصبح لم يوافه منهم أحد غير أربعة، فقلت لسلمان: من الأربعة؟ قال: أنا وأبوذر والمقداد والزبير بن العوام، أتاهم من الليلة الثانية...ثم الثالثة فما وفى أحد غيرنا (5).
وذكر الطبرسي أيضا: (فلما كان الليل حمل فاطمة على حمار ثم دعاهم إلى نصرته فما استجاب له رجل، غيرنا أربعة (6).
أفليس تجوال سيدنا علي ببضعة الرسول صلى الله عليه وسلم السيدة الزهراء وأخذها إلى باب كل فرد من المسلمين في إهانة للسيدة الزهراء ولسيدنا علي رضي الله عنه أيضا، وهل يعقل أنه بعد هذه الجهود كلها لم يستجب لهم أحد خاصة بنو هاشم؟ إنما هي رواية وضعها الروافض كذبا وزورا.

(1) فروع الكافي-الجزء الثاني،كتاب النكاح ص157.
(2) المرجع السابق-الجزء الثاني ص157.
(3) جلاء العيون للمجلسي ص61،طبعة إيران.
(4) الاحتجاج للطبرسي،لمصنفه أحمد بن أبي طالب الطبري، ص145.
(5) المرجع السابق ص157.
(6) المرجع السابق ص158.

الجواب:

بالنسبة للرواية الاولى:
رواها الكليني في (الكافي) عن عدة من أصحابنا عن أحمد بن محمد بن خالد البرقي والمعروف أن العدة عن البرقي هم أربعة: علي بن إبراهيم وعلي بن محمد بن عبد الله وأحمد بن عبد الله وعلي بن الحسن, كما عن العلاّمة في (الخلاصة).
أي أن الكليني يروي عن أربعة أشخاص عن البرقي رواية مرسلة لم يوصل يعقوب بن شعيب سندها الى رسول الله (ص).
ورواها الطوسي في (الأمالي) عن الأشعري عن البرقي بنفس السند وصلها يعقوب بن شعيب عن الصادق (ع) عن رسول الله (ص) أي أن الرواية في (أمالي الطوسي) موصولة.
فأصبح عندنا أربعة رواة يروونها مرسلة وراو واحد يرويها بنفس السند موصولة مع أن الأربعة هم من شيوخ الكليني الأقرب إلى زمن صدور النص والمقدم كتابه (الكافي) على (أمالي الطوسي).
فمن هذا نرجح أن الأصل في الرواية كونها مرسلة.
ثم إن نفس متن الرواية ليس فيه شيء يدل على ما يراد القائه في ذهن السامع من شبه فليس فيها إلاّ أن رسول الله (ص) دخل على فاطمة (ع) وهي تبكي فقال:... الخ. أما ما سبب بكائها أو أنها قالت لرسول الله (ص) شيء فالرواية ساكتة عنه. وسيأتيك توضيحنا بعد الكلام على الرواية الثانية.

الرواية الثانية:
رواها الكليني عن علي بن إبراهيم عن عبد الله بن إسحاق عن الحسن بن علي بن سليمان عمّن حدثه عن أبي عبد الله (ع)، وهي كما ترى من إرسالها , ثم أن عبد الله بن إسحاق لم يذكر في الرجال والحسن بن علي بن سليمان لم يوثق.
وهذا ديدن من يشنع علينا! يتمسك بمثل هذه الروايات دون التحقيق لأجل الوصول إلى الحق.
وإلاّ فقد روى الصدوق في (من لا يحضره الفقيه) عن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: لما زوج رسول الله (ص) فاطمة من علي (عليهما السلام) أتاه ناس من قريش, فقالوا: انك زوجت عليّ بمهر خسيس فقال لهم: ما أنا زوجت علياً ولكن الله عزوجل زوجه ليلة اسري بي ... (الحديث) (من لا يحضره الفقيه 3: 401).
والفطن يلاحظ أن زواج علياً (ع) من فاطمة (ع) كان بعد غزوة بدر في المدينة ومن كان من قريش في المدينة فهم المهاجرون وأن منهم من خطب فاطمة (ع) ورده النبي (ص) وقد ذكرت أسماؤهم في كتب الرجال والحديث، وأن في بعض الروايات كما ستأتي أن بعض نساء قريش دخلن على فاطمة وعيرنها فذهبت تبكي الى رسول الله (ص) فأجابها بمثل الجواب في الرواية السابقة، ومن يدرس الروايات بصورة موضوعية ويضم إليها تشخيص من كان يعادي علياً من القريشيين يعرف من أعترض على رسول الله (ص) بخصوص مهر فاطمة ومن عير فاطمة من الناس بفقر علي (ع)، وان لم تذكر أسماؤهم في الروايات لغاية لا تخفى على الفطن.
وفي (أمالي الطوسي): أخبرنا أبو عمر, قال: أخبرنا أحمد, قال: حدثنا محمد بن أحمد بن الحسن, قال: حدثنا موسى بن إبراهيم المروزي, قال: حدثنا موسى بن جعفر عن أبيه عن جده (عليهم السلام) عن جابر بن عبد الله قال: لما زوج رسول الله (ص) فاطمة (ع) من علي (ع) أتاه ناس من قريش فقالوا:... الخ (امالي الطوسي: 257)، واسنده إلى جابر بن عساكر في (تأريخه 127:42). وفي (روضة الواعظين) عن الأعمش عن المنصور الدوانيقي لما أرسل إليه في الليل: قال: فقلت أخبرني أبي عن أبيه عن جده قال: كنا قعوداً عند رسول الله (ص) إذا جاءت فاطمة (ع) تبكي بكاءاً شديداً فقال لها رسول الله: (ما يبكيك يا فاطمة؟) قالت: يا أبه عيرتني نساء قريش وقلن ان أباك زوجك من معدم لا مال له, فقال لها النبي (ص): (لا تبكين فو الله ما زوجتك حتى زوجك الله من فوق عرشه ... الخ) (روضة الواعظين: 22). ورواه الكوفي في (مناقب أمير المؤمنين، والخوارزمي في مناقبه وابن المغازلي في مناقبه بعدة أسانيد، ورواه الصدوق في أماليه بعدة أسانيد وغيرهم كلهم عن الأعمش).
وفي (إرشاد المفيد): أخبرني أبو الحسين محمد بن المظفر البزاز قال: حدثنا عمر بن عبد الله بن عمران قال: حدثنا أحمد بن بشير, قال: حدثنا عبيد الله بن موسى, عن قيس عن أبي هارون قال: أتيت أبا سعيد الخدري رحمه الله فقلت: هل شهدت بدراً؟ فقال نعم, قال: سمعت رسول الله (ص) يقول لفاطمة وقد جاءته ذات يوم تبكي وتقول: يا رسول الله عيرتني نساء قريش بفقر علي , فقال لها النبي (ص): (أما ترضين يا فاطمة إني زوجتك أقدمهم سلماً وأكثرهم علماً, أن الله اطلع على أهل الأرض اطلاعة فاختار ... الخ) (الإرشاد 1: 36). وفي (اليقين) ـ لابن طاووس ـ عن أبي جعفر بن بابويه: حدثنا محمد بن الحسن بن سعيد الهاشمي قال: حدثنا فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي قال: حدثنا محمد بن علي الهمداني قال: حدثنا أبو الحسن بن خلف بن موسى بن الحسن الواسطي بواسط قال: حدثنا عبد الأعلى الصنعاني قال : حدثنا عبد الرزاق قال: حدثنا معمر عن أبي يحيى عن مجاهد عن ابن عباس قال: لما زوج رسول الله (ص) علياً (ع) فاطمة (ع) تحدثن نساء قريش وغيرهن وعيرنها وقلن: زوجك رسول الله (ص) من عائل لا مال له، فقال لها رسول الله (ص) : (يا فاطمة, أما ترضين ان الله تبارك وتعالى اطلع اطلاعة ... الخ) (اليقين: 424).
ولكن روى الطبراني في (المعجم الكبير) بنفس السند قال: حدثنا محمد بن جابان الجنديسابوري والحسن بن علي المعمري قالا ثنا عبد الرزاق عن معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال: لما زوج النبي (ص) فاطمة علياً ،قالت فاطمة: يا رسول الله زوجتني من رجل فقير ليس له شيء، فقال رسول الله (ص): (أما ترضين يا فاطمة أن الله عز وجل... الخ).
وقال: حدثنا الحسن بن علي المعمري ثنا عبد السلام بن صالح الهروي ثنا عبد الرزاق أنا معمر عن ابن أبي نجيح عن مجاهد عن ابن عباس قال: لما زوج النبي (ص) علياً من فاطمة ، قالت زوجتني من عائل لا مال له، فقال لها: (أما ترضين أن يكون الله اطلع إلى الأرض... الخ )(المعجم الكبير 11: 77). ومثله في (تاريخ بغداد 4: 418، وتاريخ دمشق 42: 136).
فانظر إلى تحريفهم وحذفهم ما يدل إلى أن القول قول نساء قريش ونسبته إلى فاطمة (عليها السلام) وحاشاها!!
وفي (مناقب الخوارزمي): أنبأني مهذب الأئمة أبو المظفر عبد الملك بن علي بن محمد الهمداني ـ نزيل بغداد ـ أنبأنا محمد بن علي بن ميمون النرسي حدثنا محمد بن علي بن عبد الرحمن حدثنا محمد بن الحسين النحاس, حدثنا عبد الله بن زيدان، حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي، حدثنا مفضل، حدثنا جابر عن سليمان بن بريدة عن أبيه قال: قال رسول الله (ص): (قم بنا يا أبا بريدة نعود فاطمة)، فلما أن دخلنا عليها أبصرت أباها دمعت عيناها, قال: (ما يبكيك يا بنتي؟) قالت: قلة الطعم وكثرة الهم وشدة السقم، قال لها: (أما والله ما عند الله خير مما ترغبين إليه، يا فاطمة أما ترضين ان زوجك خير افمتي ... الخ).
ومنه تعرف أن الرواية الاولى المرسلة أصلها عامية وهي كما ترى لم يرد فيها ذكر لشكوى فاطمة (ع) من فقر علي (ع). (المناقب: 106).
ورواية اخرى عامية أيضاً في (مسند أحمد): حدثنا عبد الله حدثني أبي ثنا أبو أحمد ثنا خالد يعني ابن طهمان عن نافع بن أبي نافع عن معقل بن يسار قال: وضأت النبي (ص) ذات يوم، فقال: (هل لك في فاطمة (رضي الله عنها) نعودها)، فقلت: نعم، فقام متوكئاً عليَّ فقال: (أما أنه سيحمل ثقلها غيرك ويكون أجرها لك) قال: فكأنه لم يكن علي شيء حتى دخلنا على فاطمة (ع) فقال لها: (كيف تجدينك؟) قالت: والله لقد اشتد حزني واشتدت فاقتي وطال سقمي. قال أبو عبد الرحمن وجدت في كتاب أبي بخط يده في هذا الحدث قال: (أو ما ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلماً... الخ) (مسند أحمد 5: 26).
ولكن نعتقد أن الرواية الاولى التي ذكرتها حدث فيها تحريف آخر غير حذف قول القرشيين، وهو أن الأصل أن فاطمة (ع) جاء ت تبكي لا أن رسول الله (ص) دخل عليها وهي تبكي ، وذلك بملاحظة جواب النبي (ص) الذي هو نفسه في الرواية الثانية، وأن الجواب في الروايتين كان رداً لقول القرشيين. إلاّ إذا أخذنا رواية فيها أن فاطمة عللت سقمها من كثرة تعيير وأذبة نساء قريش لها (لا يحضرني مصدرها الآن) فيكون أصل الروايات كلها واحد.

الرواية الثالثة:
فهي أيضاً مرسلة رواها الاردبيلي في (كشف الغمة) عن أبي جعفر الباقر (ع) ورواها عنه المجلسي في البحار, ورواها في البحار أيضاً عن (مصباح الأنوار) ولكنه أرسلها هذه المرة عن الصادق (ع).

الرواية الرابعة:
والجواب عليها يتلخص في نقاط:
1- أن هذه المقولة لفاطمة لم تأت مستقلة وحدها كما يوحي من نقلها منفردة وإنما هي ذيل للرواية المعروفة عن خطبة الزهراء (ع) في مسجد النبي (ص) عند مطالبتها بفدك, وفيها تصرح سلام الله عليها بارتداد القوم وأنهم خالفوا الله ورسوله وأنهم غصبوا حقها وتخاذلوا عن نصرتها ونصرة ابن عمها علي (ع) في حقه بالخلافة. وما ايراد قولها والإشكال عليه إلاّ لغرض تكذيب أصل الرواية وأقوال الزهراء (ع) فيها التي تفضح القوم وهي حجة علينا وعلى المسلمين, مع ملاحظة أنه لا تلازم بوحدة السند في أصل الخطبة وهذه الزيادة من قول فاطمة (عليها السلام)، ونحن تركنا البحث في مدى صحة سند هذه الزيادة إذ لم ترد في بعض الروايات وجاء خطبتها في المسجد منفردة.
2- لم ينفرد الشيعة برواية هذه الزيادة وإنما رويت بطرق متعددة من الشيعة والعامة بل لعل طرق العامة أكثر وأسند وبعض علماء الشيعة نقلوها منهم فما يريده المستشكل من التشنيع على الشيعة بأنهم ينسبون أقوالاً إلى الزهراء (ع) تغضي من منزلتها (أعوذ بالله) لا يتم بعد أن عرفت عدم اختصاص الشيعة بروايتها.
3- ان المشنع الذي ذكرت يحاول أيهام السامع والقاريء بما يريد من الشبهة بألصاق عدة روايات الى بعضها البعض ويخرجها بطريقة توحي إلى مقابله بما يريد القائه وإن لم يكن هناك ربط موضوعي حقيقي بين تلك الروايات!
فهو قد ذكر ثلاث روايات لا ربط لها بهذه الرابعة محاولاً جعلها قرينة على ما يريد أن يستفيده منها.
ونحن إذا أخذنا قول الزهراء (ع) بانفراده وقرأناه بموضوعية دون ربط بما قبله من الروايات التي أبطلناها نراه لا يعطي المفاد الذي يريده هذا المستشكل من ظاهرة وهو (أعوذ بالله) تجرأ الزهراء (ع) على علي (ع). فالفحص الموضوعي للنص يتم بما يلي:
1- بطلان الروايات الثلاث الاولى وما جرى مجراها من روايات وانها لم تصدر من الزهراء (ع) وأنها كانت أزهد من ذلك وتاركة للدنيا برمتها.
2- بالمقابل النصوص الصريحة بكونها (ع) كانت راضية بأمر الله بزواجها من علي (ع) ، وانها عارفة بحقه وإمامته ووجوب طاعته من لسان النبي (ص) مباشرة.
3- انها سلام الله عليها كانت معصومة بنص آية التطهير وانها من أهل الكساء الخمسة.
4- انها كانت عارفة بما سوف يجري عليها وعلى بعلها وولدها بعد وفاة النبي (ص)، فقد أخبرها هو (ص) بذلك ، وانها عارفة بالوصية التي وصّى بها الرسول (ص) علياً (ع) بالصبر إذا غصبوا حقه ولم يجد ناصراً.
5- والشخص العارف بالواقع لا يصدر منه ما يخالفه واقعاً وان كان ظاهره يوحي بذلك , فان لازم أخذنا لقولها على كونه عتب واعتراف على علي (ع) هو انها كانت (وحاشاها ذلك) جاهلة بما سيجري عليها وعلى أهل بيتها وهو خلاف ما ثبت من أن رسول الله (ص) قد سارها بل أخبرها علناً بما يحدث عليهم، إذ لا يقع العتب والاعتراض من شخص على آخر إلاّ إذا كان جاهلاً بدوافع وأسباب تصرفه أما إذا كان الأمر واضحاً ومنكشفاً بنفس الدرجة من العلم للاثنين فلا مورد للاعتراض والعتب الحقيقي بل يكون ظاهره العتب وباطنه شيء آخر.
وعليه يجب أن نفهم ونفسر كل ما يصدر عن أهل هذا البيت (ع) بما لا يخالف هذا الأصل.
6- إذن فالزهراء (ع) لم تفاجأ بما فعله وأعلنه أبو بكر ولا بما اسرّه علي (ع) أو أظهر خلاف ما هو معروف عنه بالحمية والشجاعة، بل الذي تفاجأ واحتار وأرد تفسيراً وجواباًً وتوضيحاً مقنعاً لما حدث هم من كان حولهما.
ومن ثم فإن هذه الحيرة ستؤدي لاشتعال لهيب السؤال والاستفهام بل أن لهيب هذا السؤال بقي لاذعاً حتى بعد ألف وأربعمائة عام نحس به في أذهاننا.
فما كان من الزهراء (ع) إلاّ أن تمثلت حال ولسان القوم وأظهرت ما كان يجول في أذهانهم بما ظاهره العتب والاعتراض حتى يأتي الجواب ممن يجب أن يعطي الجواب وهو علي (ع) مقنعاً.
والسؤال هو صدى للبحث عن جواب مقنع لسكوت وصبر علي(ع) الغير مقبول عند الناس العاديين والذين لم يمحصّوا للبلاء.
ولو كان السؤال بطريقة اخرى أو اسلوب آخر في ذلك الوقت بما يحويه من حوادث كبرى وحاله معنوية ونفسية والله أعلم بها من حالة لدى المحيطين بهم لا ما كان للجواب ذلك الوقع والغاية المرادة منه, فإن ملابسات موقف وحالة الافراد الذين يعيشونه تملي على من يقودهم الأسلوب والطريقة التي يعاملهم ويخاطبهم بها حتى يرتفع بعقولهم وقلوبهم الى مايريد بل حتى يستطيع أن يقنعهم بصحة وحقانية مايجدونه أمامهم ولا يفهمونه. ولذا وقفت الزهراء(عليها السلام) أمام قائدها وكأنها واحدة منهم بل منا نحن في هذا العصر.
ولذا قال بعض شراح هذه الخطبة أن ما قالته الزهراء (ع) لعلي (ع) لم يكن عتباً وحاشاها وإنماً كان مدحاً وتوضيحاً لما جرى في المهمة التي أدتها (صلوات الله عليها) في مسجد رسول الله (ص) دفاعاً عن الإمام والإمامة.

وخلاصته:**أن ما فعلته الزهراء (ع) كان بأسلوب (إياك أعني وإسمعي يا جارة) كما ورد في القرآن من عتاب لرسول الله (ص) وحاشاه من العتاب وإنما المعني كان غيره. وأما ما أورده المشنع من اخراج علي (ع) لفاطمة والحسنين يدور بهما على بيوت الأنصار طلباً للنصرة.
فأول من شنع به معاوية في رسالة إلى أمير المؤمنين (ع), وبالحق أنهم حاولوا أن يعترضوا على رسول الله (ص) عندما أخرجهم للمباهلة فحاولوا تحريفها أو نسيانها أو وضع روايات على نقيضها.
والجواب على الاعتراض الموهوم جاء على لسان رسول الله (ص)، بأن من أخرجهم كانوا هم الصفوة وهم الأهل للمباهلة دون غيرهم من حاسديهم, فحاول أمير المؤمنين (ع) عند المحك والانحراف وتقابل الحق مع الباطل أن يعيد إليهم نفس الحدث بنفس الموازين وأن الذين أخرجهم لألقاء الحجة هم من أخرجهم رسول الله (ص) للمباهلة بهم أمام الباطل وإلقاء الحجة عليهم وإن أولئك في زمن رسول الله (ص) هم أنفسهم الآن لا غيرهم مع علي(ع)، فكانت مباهلة من نوع آخر والنتيجة واحدة وهي إلقاء الحجة ولكن النصارى فهموها فرضخوا ومن سمّوا مسلمين رفضوها وردوها, فكيف لهم الجواب يوم القيامة يتخلصون عندئذ.