المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : بكاءها (عليها السلام) على أبيها (صلى الله عليه وآله)


الشيخ عباس محمد
16-07-2017, 01:52 PM
السؤال: بكاءها (عليها السلام) على أبيها (صلى الله عليه وآله)
ما صحة هذا الكلام حول الحزن الهادئ ؟؟
وهل يمكنكم ايراد الروايات التي تقول انها كانت تبكي على أبيها ؟؟
وهل بكائها على أبيها منقصة لها ؟؟الحزن الرسالي:
إننا نسمع الكثير من الناس الذين حاصروا الزهراء (ع) في دائرة الحزن إلى حدّ الجزع، يقولون إنها كانت تبكي في الليل والنهار، وكان أهل المدينة يضجون من بكائها حتى قالوا لعليّ: إما أن تبكي أباها ليلاً أو نهاراً!! أيّ كلام هو هذا الكلام؟! إن الزهراء (ع) أعظم وأعظم وأعظم من ذلك، ولا سيّما أننا نقرأ في حديث عن الإمامين الباقر والصادق (ع) في تفسير الآية الكريمة: {ولا يعصينّك في معروف}، قال: «إن رسول الله (ص) قال لفاطمة: إذا أنا مت فلا تخمشي عليّ وجهاً، ولا ترخي عليّ شعراً، ولا تنادي بالويل، ولا تقيمي عليّ نائحة»، ثم قال الإمام (ع): «هذا هو المعروف».
كان حزنها حزناً رسالياً، كانت تذهب إلى قبر رسول الله وقبور الشهداء ولا تزيد عن القول: «ها هنا كان رسول الله»، لتذكّر الناس كي لا ينسوا رسول الله في مسجده وفي مواقعه التي كان يتجوّل فيها، وكانت تأخذ الحسن والحسين إلى قبر جدهما وتحدثهما عن حركة أبيها هنا وهناك.
كان حزنها حزناً رسالياً هادئاً منفتحاً على الرسالة في تذكّرها لرسول الله (ص)، لأن التذكر لرسول الله (ص) كان يحمل الانفتاح على الإسلام كله.
وفي كتاب الكافي يقول بعض الرواة عن أمير المؤمنين (ع) وهو يعظ الناس: «مروا أهاليكم بالقول الحسن عند موتاكم»، ويستشهد الإمام عليّ (ع) في هذا الخط بالزهراء (ع) فقال: «فإن فاطمة عندما قبض أبوها أسعدتها بنات بني هاشم ـ على طريقة النساء عند الموت ـ فقالت: اتركن التعداد ـ أي لا تعددن الآلام والأحزان ـ وعليكن بالدعاء».
هكذا كانت الزهراء (ع) تفهم قضية الاحتفال بمناسبة الموت، حتى لو كان الميت رسول الله (ص).
لذلك، فإن هؤلاء الذين يتحدثون بهذه الطريقة عن الزهراء (ع) في جزعها يسيئون إليها، باعتبار وصية رسول الله (ص) ووعي الزهراء وعصمتها، فالزهراء لم تكن في موقع الإمامة، ولكنها كانت في موقع العصمة، لأنها أولاً كانت من أهل هذا البيت الذين أذهب الله عنهم الرجس وطهّرهم تطهيراً، وهذا دليل عصمة عليّ والحسن والحسين وفاطمة، وثانياً لأنها كانت سيدة نساء أهل الجنة ولا يمكن إلا أن تكون معصومة، وثالثاً لأننا لو درسنا كل حياة الزهراء، لرأيناها تمثل العصمة كلها، ولهذا لم تخطئ في حياتها لا في قول ولا في فعل، كانت لا تقول إلا حقاً ولا تتصرف إلا بالحق، سواء مع الذين يلتقون معها أو مع الذين لا يلتقون معها.
وكانت قمة احتجاجها على الواقع المنحرف أنها قالت لعليّ (ع): «ادفني ليلاً»، لا تدع هؤلاء يحضرون جنازتي، ودفنت ليلاً، واختلف الناس في موضع قبرها، وهناك أحاديث عن أئمة أهل البيت (ع) أنها دفنت في بيتها، وعندما وسّع المسجد دخل بيتها وقبرها في المسجد، ولعل الحديث: «ما بين قبري ومنبري روضة من رياض الجنة» يشير إلى الزهراء (ع)، وهناك رواية تقول إنها دفنت في البقيع.
الزهراء (ع) الطاهرة، الصدّيقة، المعصومة، التي كانت تمثل التجسيد الحيّ لكل القيم الروحية والإنسانية، كانت قوية في مواقع القوة للدفاع عن الحق، وكانت عابدة ترتفع صلواتها إلى الله، ومعلّمة تعطي العلم للنساء، وكانت تعيش مسؤوليتها في البيت والمجتمع مع أبيها وزوجها. فسلام الله عليها حين ولدت، وحين انتقلت إلى رحاب ربها، وعندما تبعث حيّة. علينا أن نجعل منها القدوة ـ رجالاً ونساءً ـ لأنها من خير من يقتدى به، كانت حبيبة رسول الله وتلميذته ورفيقته، وقد قال أمير الشعراء أحمد شوقي وهو يتحدث عن الزهراء (ع):

ما تمنى غيرها نسلاً ومن ***** يلد الزهراء يزهد في سواها
الجواب:

لقد وردت روايات صحيحة تخبرنا عن بكاء سيدة نساء العالمين فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، على أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) بعد وفاته ، ويستفاد أيضا من هذه الروايات شدة تأثرها وحزنها لفراق أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم)، وكذلك للاحداث المؤلمة التي جرت بعد وفاته مباشرة .
ومن ذلك ما رواه الشيخ المفيد في (أماليه ص40، المجلسي 5/ج8) : عن محمد بن عمر الجعابي قال : أخبرنا أبو عبد الله جعفر بن محمد بن جعفر الحسني ، قال : حدثنا عيسى بن مهران ، عن يونس ، عن عبد الله بن محمد بن سليمان الهاشمي ، عن جده ، عن زينب بنت علي بن أبي طالب (عليهم السلام) قالت : لما اجتمع رأي أبي بكر على منع فاطمة (عليها السلام) فدك والعوالي ، وآيست من اجابتها لها عدلت إلى قبر أبيها رسول الله فألقت نفسها عليه ، وشكت إليه ما فعله القوم بها وبكت حتى بلّت تربته بدموعها وندبته ،ثم قالت في آخر ندبتها :
قد كان بعدك أنباء وهنبثة لو كنت شاهدها لم تكثر الخطب إنا فقدناك فقد الأرض وابلها وأختل قومك فاشهدهم فقد نكبوا الى قولها :
فقد لقينا الذي لم يلقه أحد من البرية لا عجم ولا عرب فسوف نبكيك ما عشنا وما بقيت لنا العيون بتهمال له سكب .
وكذلك روى علي بن إبراهيم القمي بسند صحيح في تفسير قوله تعالى: ((فآت ذا القربى حقه والمسكين وابن السبيل))، حديثا مقاربا لما ذكره الشيخ المفيد ، فقد روى عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن عثمان بن عيسى وحماد بن عثمان ، عن أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) إنه قال : ( لما بويع لأبي بكر واستقام له الأمر على جميع المهاجرين والأنصار بعث إلى فدك فأخرج وكيل فاطمة بنت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) منها ، فجاءت فاطمة (عليها السلام) الى أبي بكر ... (إلى قوله) فخرجت فاطمة (عليها السلام) من عندهما باكية حزينة ... ودخلت فاطمة الى المسجد وطافت بقبر أبيها عليه وآله السلام وهي تبكي).
ثم انشدت أبياتاً مقاربة لما أورده الشيخ في الأمالي (راجع تفسير القمي 2/155 ـ 158) .
وروى الكليني بسند بن صحيحين أحدهما عن علي بن ابراهيم ، عن أبيه ، عن ابن أبي عمير ، عن هشام بن سالم ، والآخر عن عدة من أصحابنا ، عن أحمد بن محمد ، عن الحسين بن سعيد ، عن النضر بن سويد ، عن هشام بن سالم ، عن أبي عبد الله (عليه السلام) قال : سمعته يقول: (عاشت فاطمة بعد أبيها خمسة وسبعين يوما لم تر كاشرة ولا ضاحكة ، تأتي قبور الشهداء في كل جمعة مرتين : الاثنين والخميس ، فتقول : ههنا كان رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ههنا كان المشركون)(الكافي ج3 / ص 228) والكشر كما نعرف هو بدو الاسنان عند التبسم، ومن هنا نعرف أي حزن وألم عاشته الزهراء (عليها السلام) في تلك الايام بعد وفاة أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ... وفي الرواية الصحيحة الأولى عن الشيخ المفيد ورد قولها (عليها السلام) في أبيات الشعر : سوف نبكيك ما عشنا وما بقيت... (الأبيات) ومن المعلوم ان الزهراء عاشت على أكثر الروايات ستة أشهر بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، فاذا عددنا المواقف التي جاء فيها ذكر لبكاء الزهراء (عليعا السلام) من يوم وفاته (صلى الله عليه وآله وسلم) وأخذ فدك والهجوم على بيتها وخطبها في المسجد والدوران على بيوت الانصار وغيرها وأخذنا نسبة بينها وبين أيامها القلائل التي عاشت فيها بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، يظهر لنا أن القول بكثرة بكائها بعد أبيها (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يخرج عن الصواب وأن الروايات المصرحة بذلك الواردة عن طريق أئمة أهل البيت (عليهم السلام) يمكن الاعتماد عليها والاطمئنان بها، وان لم تكن ترقى الى درجة الصحة ولذا جعلها علمائنا مورداً للقبول على أنا لا نتعامل مع الروايات التاريخية كما نتعامل مع روايات الاحكام، فلاحظ. ولا يتنافى هذا البكاء والحزن المتواصل من سيدة النساء (عليها السلام) مع الشرع كما يريد البعض أن يوحي بذلك، فقد ذكر القرآن الكريم شدة تأثر يعقوب (عليه السلام) لفراق ابنه يوسف (عليه السلام) الذي كان يعلم بعدم موته ، ولكنه يجهل مكانه ، قال تعالى: ﴿وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم﴾ (يوسف ـ 84) ، وقد ذكر المفسرون انه أصيب بالعمى نتيجة هذا الحزن وشدة البكاء المتواصل . وعن الامام الصادق (عليه السلام) روى ابن قولويه في (كامل الزيارات) : أن علي بن الحسين بكى على أبيه مدة حياته ، وما وضع بين يديه طعام إلا بكى ، ولا أتى بشراب إلا بكى ، حتى قال له أحد مواليه : جعلت فداك يابن رسول الله إني أخاف أن تكون من الهالكين ، قال (عليه السلام) : (إنما اشكو بثي وحزني الى الله وأعلم من الله مالا تعلمون) . وروى ابن قولويه : إنه لما كثر بكاؤه (عليه السلام) قال له مولاه : أما آن لحزنك أن ينقضي؟! فقال : (ويحك إن يعقوب (عليه السلام) كان له اثنا عشر ولدا ، فغيّب الله واحدا منهم ، فابيّضت عيناه من كثرة بكائه عليه ...) (راجع المجالس الفاخرة للسيد عبد الحسين شرف الدين ص23 ـ 25) .
فلماذا لم يكن حزن السجاد(ع) رسالياً كما يسميه هذا المدعي، ولماذا لا يتنافى هذا البكاء مع مسؤوليات الإمام (عليه السلام) ويعقوب النبي (عليه السلام)، ولماذا لا يكتب في حزنهما مثلما كتب هنا؟!!
وقد ورد عن أمير المؤمنين (عليه السلام) أنه وقف على قبر رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ساعة دفنه فقال : (إن الصبر لجميل إلا عنك وان الجزع لقبيح إلا عليك) (بحار الأنوار 79 / 134، نهج البلاغة الحكمة رقم 292).
وعليه فان بكاء الزهراء (عليها السلام) على أبيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ـ وفي الوقت الذي تزامنت فيه تلك الأحداث الجسام من غضب الخلافة وغصب الارث وكشف البيت الطاهر والاستخفاف بحرمة الدين وأهله ـ ، كان بكاءً على الرسالة ، والدين القويم ، والحقوق المضيّعة ، بل هو بكاء على الملايين من المسلمين الذين سيكونون ضحايا هذه المظالم وتبعات هذه الأحداث ، والزهراء (عليها السلام) تعلم بتلك الامور وما ستؤول اليه لذا كان البكاء عند الزهراء (عليها السلام) يتجاوز معناه العاطفي المحدود الى معاني أخرى من الاستنهاض والثورة على الظالمين وبعث رسالة الى أعماق التاريخ أن لا يغفلوا عن أحداث هذه الفترة التي غيّرت وجه الدنيا بانجرافها وميلها عن الحق ...
فقد كان البكاء هو الوسيلة الوحيدة المتاح أمام الزهراء (عليها السلام) لاعلان الحق ورفض الباطل ، واستمراره ليلا ونهارا هو استمرار المطالبة بالحق واستمرار رفض الباطل ...
ومن هناك أدرك الخصوم المعاني التي يختزنها بكاء الزهراء (عليها السلام).
لذا قاموا بالتحريض عليه ، مع أنه من المستحبات البكاء على سيد المرسلين (صلى الله عليه وآله وسلم) وخير البشر أجمعين والزهراء (عليها السلام) حين بكت على رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، وطال حزنها ، واظهرت هذا الحزن لم تخالف وصية رسول الله ، فهي : لم تخمش عليه وجها ، ولم ترخ عليه شعرا ، ولم تناد بالويل ، ولم تقم عليه نائحة ... إنما كان بكاؤها بكاء الثائرين ... كما يمثل بكاء شيعة أهل البيت (عليهم السلام) على الحسين (عليه السلام) وتواصل هذا البكاء لقرون متمادية وحث أئمة أهل البيت (عليهم السلام) عليه كما ورد في الأحاديث الصحيحة المعتبرة ، ثورتهم ورفضهم للظلم والظالمين ، ومن هنا جاءت قوة منعه من قبل سلاطين الجور وائمة الضلال .
ومن هذا يظهر سخف ما رتب على الفرض من أن بكائها كان ينافي العصمة أو يخل بالمسؤولية أو أنها كانت الى حد الجزع (وان كان في قبح الجزع في مثل هذا المورد كلام ولنا في يعقوب أسوة) ، وان حزنها كان هادئاً وان الحزن الهادئ هو الرسالي وغير فلا، وغير ذلك مما يحتويه هذا الكلام الإنشائي، فهو كله مبني على فكرة باخت في عقل قائلها سببها عدم ادراك حقيقي لمعنى بكاء الزهراء(ع) ودوافع منعها، فاذا وعينا ذلك سنجد ان كل ما قيل سينهار كالرماد. واليك قول القائل: ((وكانت قمة احتجاجها على الواقع المنحرف انها قالت لعلي (عليه السلام) ادفني ليلاً...))
يا الله، أين هذا من خطبتها الصريحة بكفرهم في مسجد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)! وأين هو من مطالبة الانصار بالثورة يوم كانت تدور عليهم وتطالبهم بالوفاء ببيعة الغدير! ألمثل الزهراء يقال أن قمة احتجاها ان تطالب بدفنها ليلاً!!