الشيخ عباس محمد
05-08-2017, 03:25 PM
السؤال: لماذا صالح الإمام الحسن (عليه السلام) وثار الامام الحسين (عليه السلام) ؟
لقد قام الامام الحسن سلام الله عليه بمصالحة ومبايعة معاوية بن أبي سفيان, بينما ثار الامام الحسين عليه السلام ضد يزيد بن معاوية ؟
فلماذا صالح الامام الحسن, بينما ثار الامام الحسين ؟
وهل يعتبر هذان العملان متناقضان ؟
ونحن نعلم أن الأئمة معصومون .
الجواب:
قبل الاجابة نذكر مقدمة هي :
نحن نعتقد أن موقف الامام الحسن (عليه السلام), وموقف الامام الحسين (عليه السلام) واحد, فلا تعارض ولا تنافي بين موقفيهما (عليهما السلام) . بمعنى أنه لما كان موقف الامام الحسن (عليه السلام) هو الصلح مع معاوية كان موقف الامام الحسين (عليه السلام) ذلك أيضاً, وإلا لثار على معاوية, وعارض أخيه الحسن (عليه السلام) على صلحه, بينما ينقل لنا التاريخ مساندته لأخيه الحسن (عليه السلام) ومعاضدته .
وهكذا لو قدّر الله تعالى أن يكون الامام الحسن (عليه السلام) حيا يوم عاشوراء, لكان موقفه (عليه السلام) نفس موقف أخيه الحسين (عليه السلام), ولا يرضى بالصلح مع يزيد .
وعلى أساس هذه العقيدة يتضح معنى قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (( الحسن والحسين إمامان ان قاما وان قعدا )) .
وأما الجواب : فقد اجيب عن هذا السؤال بعدة أجوبة :
منها : ان شخصية معاوية تختلف عن شخصية يزيد, فمعاوية لم يكن يشكل خطراً جدياً على الاسلام بمقدار ما كان يشكله يزيد, لان معاوية كان يحافظ على بعض المظاهر الاسلامية, بينما كان يزيد متجاهراً بالفسق والفجور, وشرب الخمور, وقتل النفس المحترمة, ولم يراع أي شيء من المظاهر الاسلامية .
وعليه فكان الصلح مع معاوية ممكنناً دون الصلح مع يزيد .
ومنها : ان الامام الحسن (عليه السلام) قام بالثورة ضد معاوية, ولكن خانه أكثر قادته, وباعوا ضمائرهم لمعاوية بإزاء أموال ومناصب . حتى أن بعض المقربين للامام الحسن (عليه السلام), كتب الى معاوية رسائل سرية قال فيها : ان شئت سلمناك الحسن حياً, وان شئت سلمناه ميتاً !
فاضطر (عليه السلام) الى الصلح وترك الحرب لوجود هؤلاء الخونة, دون أخيه الحسين (عليه السلام) فقد وجد انصاراً واعوانا .
ومنها : أراد الامام الحسن (عليه السلام) من صلحه أن يحفظ نفسه وأهل بيته وأصحابه من الفناء, إذ لو كان محارباً لانتصرت الأموية انتصاراً باهراً, وذلك بإنهاء الذرية الطيبة للنبي (صلى الله عليه وآله), والثلة الصالحة من اعوانهم .
ومنها : ان الامام الحسن (عليه السلام) استشار الجموع الملتفة حوله في الظاهر, والمتخاذلة عنه في السر بقوله : (( الا وان معاوية دعانا لأمر ليس فيه عز ولا نصفة, فان اردتم الموت رددناه عليه, وحاكمناه الى الله عزوجل بظبا السيوف, وان اردتم الحياة قبلناه, واخذنا لكم الرضا ؟ ... ))، فناداه الناس من كل جانب .. البقية, البقية. فساير (عليه السلام) قومه, واختار ما اختاروه من الصلح, فصالح كارهاً كما قبل أبوه (عليه السلام) التحكيم من قبل وهو كاره له .
ومنها : ان إرادة الله تعالى ومشيئته اقتضت ان يصالح الامام الحسن (عليه السلام) معاوية, وان يثور الامام الحسين (عليه السلام) على يزيد, ولن يرضى بمصالحته .
ويظهر من مراجعة كلمات الامام الحسن (عليه السلام), التي أجاب بها على من اعترض عليه بعد الصلح, أنه (عليه السلام) أراد صلاح الأمة الاسلامية, ـ كما أراد ذلك الامام الحسين (عليه السلام) عند خروجه على يزيد حيث قال : ( وانما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي ) ـ واليك بعض هذه النصوص :
1- قال له رجل : بايعت معاوية ومعك أربعون الفاً, ولم تأخذ لنفسك وثيقة, وعهداً ظاهراً ؟ فقال له : (اني لو أردت ـ بما فعلت ـ الدنيا, لم يكن معاوية بأصبر مني عند اللقاء, ولا أثبت عند الحرب مني, ولكني أردت صلاحكم) (تاريخ ابن عساكر 2/225).
2- وقال له رجل آخر : يا بن رسول الله, لوددت أن أموت قبل ما رأيت أخرجتنا من العدل الى الجور ...
فقال له الامام : (يا فلان ... اني رأيت هوى معظم الناس في الصلح, وكرهوا الحرب, فلم أحب ان أحملهم على ما يكرهون ..).
3- وقال له ثالث : لم هادنت معاوية, وصالحته, وقد علمت : ان الحق لك دونه, وان معاوية ضال باغ ؟ فأجابه الامام (عليه السلام) : (علة مصالحتي لمعاوية, علة مصالحة رسول الله لبني ضمرة, وبني أشجع, ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية, أولئك كفار بالتنزيل, ومعاوية وأصحابة كفار بالتأويل ..).
4- وقال له رجل : لماذا صالحت ؟ فأجابه (عليه السلام) : (اني خشيت أن يجتث المسلمون على وجه الارض فأردت ان يكون للدين ناع).
تعليق على الجواب (1)
هل يمكن التوفيق بين ما تفضلتم به من إجابة وبين النص صريح اللفظ وواضح الدلالة الذي ورد في كتاب "الامامة والتبصرة من الحيرة" لابن بابويه القمي (الصدوق الأول) ص62( مركزالأبحاث العقائدية):
"إن الله - تعالى - لما صنع ما صنع مع معاوية بدا له وآلى ألا يجعل الامامة والوصية إلا في عقب الحسين عليه السلام "(*)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كذا وردت الفقرة الأخيرة في (أ)، وقريب منها في (ب) وكذلك أورده في الإحتجاج، إلا أنه لم يذكر فيه معاوية، وجاءت في كتاب مختصر بصائر الدرجات هكذا: إن الله - تبارك وتعالى - لما صنع الحسن مع معاوية ما صنع، أبي أن يجعل الوصية والإمامة إلا في عقب الحسين.
الجواب:
سنذكر لك الروايات التي أوردت العبارة او قريب منها :
أولاً: رواها والد الصدوق (ت 329هـ ) في الأمامة والتبصرة : وعنه ( محمد بن يحيى ) عن محمد بن الحسين بن ابي الخطاب عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن ابي عبيدة وزرارة عن ابي جعفر (عليه السلام) قال .... إلى أن قال : أن الله تعالى لما صنع مع معاوية ما صنع بدا لله فآلى أن لا يجعل الوصية والإمامة الا في عقب الحسين (عليه السلام).
ثانياً: رواها الصفار ( ت 290 هـ ) في البصائر : حدثنا احمد بن محمد ومحمد بن الحسن عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي عبد الله (عليه السلام) وزراره عن ابي جعفر .... ولم يورد هذه العبارة ولا التي بعدها ( بصائر الدرجات : 502 )
ثالثاً: رواها الحسن بن سليمان الحلي عن مختصر بصائر سعد بن عبد الله ( ت 301 ) : ( احمد وعبد الله ابنا محمد بن عيسى ) عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب ( عن ابي عبيدة الحذاء ) وزرارة بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إلى أن قال : أن الله تبارك وتعالى - لما صنع الحسين ما صنع - آلى أن لا يجعل الوصية والأمامة إلا في عقب الحسين (عليه السلام) ( مختصر البصائر : 79 تحقيق مشتاق المظفر ) وفي النسخة المطبوعة بعنوان ( مختصر بصائر الدرجات ) جاءت العبارة هكذا : أن الله تبارك وتعالى لما صنع الحسين (عليه السلام) مع معاوية ماصنع ... الخ ( مختصر بصائر الدرجات : 14 ) وفي البحار عن منتخب البصائر : أن الله تبارك وتعالى لما صنع الحسن مع معاوية أبى أن يجعل الوصية ( البحار 402 : 77 )
رابعاً: ورواه الكليني ( ت 328 هـ ) في الكافي : محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن أبن محبوب عن علي بن رئاب عن ابي عبيدة وزرارة جميعاً عن أبي جعفر (عليه السلام) قال :....إلى أن قال : أن الله عز وجل جعل الوصية والأمامة في عقب الحسين (عليه السلام) ( الكافي 1 : 348 ) ولم يرد ذكر للعبارة المذكورة
خامساً: وفي دلائل الأمامة المنسوب لمحمد بن جرير الطبري الصغير ( القرن الخامس ) : اخبرني ابو الحسن علي بن هبة الله قال : حدثنا ابو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه قال : حدثنا الحسين بن احمد, قال : حدثنا ابي عن احمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن ابي عبيده وزرارة عن ابي جعفر (عليه السلام) قال : ...إلى أن قال : أن الله لما صنع الحسن مع معاوية ماصنع جعل الوصية والإمامة في عقب الحسين (عليه السلام) ( دلائل الإمامة : 207 )
سادساً: وفي الاحتجاج للطبرسي ( القرن السادس ) عن ابي جعفر الباقر (عليه السلام) إلى أن قال : وأن الله تبارك وتعالى آلى أن لا يجعل الوصية والإمامة ألا في عقب الحسين (عليه السلام)
سابعاً: وفي مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب نقلاً عن نوادر الحكمة بالاسناد عن جابر وعن الباقر (عليه السلام) انه جرى بينه وبين محمد بن الحنفية منازعة ( في الإمامة ) فقال : يا محمد أتق الله ولا تدع ماليس لك بحق إلى أن قال - ياعم أن ابي أوصى الي قبل أن يتوجه إلى العراق فانطلق بنا إلى الحجر الأسود ( المناقب 4 : 159 ) وانت ترى أنه لم ينقل العبارة المعنية وهي ( لما صنع الحسن مع معاوية ماصنع ) الا مصدر واحد متأخر في القرن الخامس وهو دلائل الإمامة للطبري, وأما ما نقله المجلسي في البحار فقد كان عن منتخب البصائر, وقد اوردنا لك الرواية من نفس المصدر بطبيعته ولم يذكر فيها ( الحسن (عليه السلام) ) وأنما ذكر فيها ( الحسين (عليه السلام) ) وأما ما عدى هذين الموردين من المصادر المتقدمة أو المتأخرة فلم ترد فيها العبارة المذكورة :
ففي بصائر الدرجات للصفار ( ت 290 هـ ) وردت الرواية بدون ذكر العبارة ولا التي بعدها وفي مختصر بصائر سعد بن عبد الله ( ت 299هـ او 301 هـ ) لم يذكر الامام الحسن (عليه السلام) وأنما الحسين (عليه السلام) وهذان المصدران متقدمان على الأمامة والتبصرة .
وكذلك ما ورد في الكافي للكليني (ت 328 ) فلم تذكر العبارة, والكافي مقدم على الإمامة والتبصرة عصراً ودقة واعتباراً .
ومع ذلك فما جاء في الإمامة والتبصرة لوالد الصدوق ( ت 329 هـ ) لم يرد فيه اسم الإمام الحسن (عليه السلام) وأنما جاءت العبارة هكذا ( أن الله تعالى لما صنع مع معاوية ما صنع بدا لله ...الخ ) فلا نعلم أين الأشكال ؟!
هذا..و ما ورد في اغلب المصادر من ذكر اسم الإمام الحسين (عليه السلام) موافق لما ورد عندنا مستفيضاً من أن علة حصول الإمامة في نسل الحسين (عليه السلام) هو ما كتبه الله عليه من قتل ورضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة (عليها السلام) والحسن (عليه السلام) وتسليمهم به .
وهو الصحيح المتوافق مع موضوع المنازعة بين محمد بن الحنفية وبين علي بن الحسين (عليهما السلام) أذ ما معنى احتجاج علي بن الحسين (عليهما السلام) بالحق على محمد بن الحنفية بما صنعه الإمام الحسن (عليه السلام) على الفرض وما دخل محمد بن الحنفية بذلك حتى يحرم من الإمامة فرضاً أذ من حقه أن يقول : هذا ما فعله الحسن (عليه السلام) فاي ذنب لي حتى أحرم الإمامة فانا والحسين (عليه السلام) في هذا شرع سواء ؟ .
وأما حسب ما في الأصح من الروايات والمطابق للمستفيض الأخر منها أن الإمامة كانت أثراً تكوينياً لفعل الحسين (عليه السلام) ولذا جازاه الله بأن جعل الواثة لعقبه ومن هنا يصح احتجاج زين العابدين (عليه السلام) على عمه .
فان أثر فعل الحسن (عليه السلام) لو فرض لا دخل فيه للحسين (عليه السلام) ولا لمحمد ويتساويان من هذه الجهة وأما أثر فعل الحسين (عليه السلام) فهو يرجع إلى عقبه ولا دخل لمحمد فيه . نعم لو كانت المنازعة مع أولاد الحسن (عليه السلام) لكن فيه وجه, فلاحظ و تأمل .
تعليق على الجواب (2)
بسم الله الرحمن الرحيم
أولا :لقد ذكرتم سبعة مصادر للرواية ، في السادس والسابع دون ذكرسلسلة الإسناد ومع ذلك فالعبارة وردت في ثلاثة مصادر( الأول والثالث والخامس)،وإذا أضفنا ما أشرتم إليه في المصدر الثالث مما ورد في بحار الأنوار: 402 : 77 نقلا عن منتخب البصائر، تصبح العبارة مذكورة أربع مرات. هذه واحدة .
ثانيا : لا زلتم لم تبينوا لي موقفكم بصراحة ووضوح من رواية ابن بابويه القمي( الملقب عندكم بالصدوق الأول) ، يعني هل هي رواية صحيحة أم ضعيفة . وإن كانت ضعيفة فما هي علتها؟
ثالثا : طريق الروايات في كل المصادر التي ذكرتم مع الإسناد واحدة مدارها على : أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي عبيده وزرارة عن أبي جعفر.
فما سبب اختفاء عبارة "لما صنع الحسن ما صنع مع معاوية" من المصادر التي اختفت منها ؟
أما ما ذكرتموه عما جاء في الإمامة والتبصرة ، فالغياب أوالتغييب ـ لغاية في نفس صاحبها ـ لفاعل الفعل (صنع) في العبارة واضح جدا،والسوال المطروح : من هوالذي صنع ما صنع مع معاوية ؟ هل يمكن أن يفهم من العبارة الواردة أن الفاعل هو الله تعالى اسمه ؟ طبعا لا، لأنه لا فائدة حينئذ من تكراراسم الجلالة"الله" المنسوب له البداء في هذه الرواية( تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا) بسبب صنيع من صنع مع معاوية ما صنع . مع ملاحظة أن العبارة أصلا ركيكة لأن ورود اسم الجلالة "الله" في البداية اسما لـ (إن) كان يستوجب عدم تكراره وكان الأجدروالصحيح هو أن يقال :( بَدا لَهُ) تفاديا للتكرار المخل بالمبنى.
رابعا: قولكم :(والكافي مقدم على الإمامة والتبصرة عصراً ودقة واعتباراً)
أما عصرا: فكيف يكون ذلك وقد تعاصر كل من الكليني و ابن بابوبه القمي ( الأول توفي في328 هـ والثاني في 329هـ) .
وأما دقة واعتبارا: فهذا طعن صريح في روايات (الإمامة والتبصرة)عموما وفي الرواية التي نحن إزائها . فهل من بيان للعلة ؟
خامسا : وأما تعليلكم لانحصار "الإمامة" في نسل الحسين رضي الله عنه فينقضه سبق الحسن رضي الله عنه بتوليها بعد استشهاد أبيه رضي الله عنه ـ مع علم الله السابق بما سيحصل للحسين ـ وقد قلتم بصريح العبارة:(علة حصول الإمامة في نسل الحسين (ع) هو ما كتبه الله عليه من قتل ورضى رسول الله ( ص ) وعلي وفاطمة (ع) والحسن (ع) وتسليمهم به)
وقولكم أيضا:(كانت أثراً تكوينياً لفعل الحسين (ع) ولذا جازاه الله بأن جعل الواثة لعقبه) ، فكان أولى بناء على هذا التعليل أن يتولاها الحسين لأن ما كُتب عليه وما ذكرتم سيبين استحقاقه لها بسبب ذلك وإلا فإن انتقالها بالوراثة من الأب إلى الابن يستلزم انتقالها إلى ذرية الحسن .
وأما إن كان القيام بالثورة على السلطان الجائر سببا شرعيا لاستحقاق الإمامة فما الذي منع أن يكون الإمام زيد بن علي (زين العابدين) إماما للإمامية أو حتى محمد النفس الزكية الثائر على أبي جعفر المنصور ؟
فالظاهر أن الحسن ـ استنتاجا من تعليلكم ـ لم يكن محل ذلك الرضى فعوقب عقبه بحرمانه من "الإمامة " وهذا ما يتفق مع ماء جاء في رواية نسبة البداء لله تعالى بسبب إيثار الحسن للصلح مع معاوية وحقن دماء المسلمين .
الجواب:
1- لم ترد العبارة المعنية وهي ( أن الله تبارك وتعالى لما صنع الحسن مع معاوية ما صنع ابى أن يجعل الإمامة والوصية الا في عقب الحسين (ع) ) في أي مورد من الموارد وأنما نقلها المحقق في هامش كتاب (الإمامة والتبصرة) عن كتاب مختصر بصائر الدرجات .
وقد نقلنا لك أصل العبارة من طبعتي مختصر البصائر القديمة والمحققة وفيها ( الحسين ) بل ( الحسن ) .
نعم ورد مثل العبارة المعنية وفيها ( الحسن ) في (البحار) نقلاً عن (منتخب البصائر) ( أن الله تبارك وتعالى لما صنع الحسن مع المعاوية ابى أن يجعل الوصية...الخ) ( البحار 77 : 402 ). ومن الواضح أن (البحار) ليس المصدر الأصلى، وأن ما جاء فيه من لفظة ( الحسن ) تصحيف عن لفظة ( الحسين ) مع ما في العبارة من إرباك وإختلال لأن مفعول الفعل صنع محذوف ولم يذكر , فلم يبن ماذا صنع الحسن مع معاوية، ومثل هكذا عبارة مختلة مصحفة لا يمكن الأخذ بها وليس من الصحيح أعتبارها مقابل الأصل المنقول منه، فكيف تدخل ما جاء في (البحار) في المصادر ؟ هذا بخصوص ما ذكرته من المصدر الثالث وما منقول عن (البحار) .
وأما ما ذكرته من المصدر الأول وهو ما منقول عن (الإمامة والتبصرة) فإنه لم يرد فيه لفظة ( الحسن ) وإنما جاءت العبارة هكذا ( أن الله تعالى لما صنع مع معاوية ما صنع بدا لله فآلى أن لا يجعل الوصية والإمامة إلا في عقب الحسين ( ع ) )، فاعتبارها من مصادر العبارة تحميل على الفرض ومصادرة على المطلوب، ولماذا لا يكون الحذف الذي فرضته لفظة ( الحسين ) كما جاء في المصادر الأقدم ؟
نعم جاء في معنى العبارة المعنية ما نقل عن كتاب (دلائل الإمامة): ( أن الله لما صنع الحسن مع معاوية ما صنع جعل الوصية والإمامة في عقب الحسين ( ع ) ) ( دلائل الإمامة : 207 ) وهذا هو المصدر الذي ذكرناه وقلنا أنه متأخر في القرن الخامس .
فأين هو قولك ( تصبح العبارة مذكورة أربع مرات ) ؟!! أو هو دفعاً بالصدور؟!
2- اننا لم نتكلم في هذا المورد من باب التصحيح والتضعيف لأسانيد الروايات فإن الموضع ليس من موارده لما هو واضح عندك من أن الرواية واحدة عند الكل فلا اختلاف للسند بين المصادر .
وإنما انتهجنا هنا منهج المحققين في تقويم وتصحيح النص أي متن الرواية بين مختلف النسخ وهو المنهج المتبع في هكذا مورد، وقد اشتبه عليك الحال فذهبت إلى السؤال عن الصحة والضعف وما هي علة الضعف , فسواء كان السند صحيحاً أو ضعيفاً فلا كلام فيه وإنما الكلام في ما هو المتن الصحيح لهذا السند في هذه الرواية ؟! وقد بينا لك أن علّة متن رواية (الإمامة والتبصرة) هو التصحيف أو غلط الراوي .
ومنه يظهر لك أن لا موضع للإشكال بأن الرواية في المصدر السادس والسابع كانت مرسلة من دون إسناد لأن النظر إليها كان من جهة اعتبارها نسخاً لا من جهة اعتبارها طرقاً آخرى للرواية . فلاحظ .
ومن هنا ترى تركيزنا على القدم والضبط والإعتبار للكتب والمصادر . فـ(بصائر الدرجات) للصفار و(مختصر البصائر) لسعد بن عبدالله أقدم من كتاب (دلائل الإمامة) ومن كتاب (الإمامة والتبصرة) قطعاً .
نعم، الحق معك في أن الكليني والصدوق الأوّل متعاصران وقد شط بنا القلم لألفة أذهاننا باسم الصدوق البن المشهور فلك المعذرة في ذلك , ولكن تبقى الدقة والاعتبار لكتاب (الكافي) مقدمة على كتاب (الإمامة والتبصرة) على حالها، وقد بين علمائنا ذلك بأمور منها شدة اعتناء الكليني بضبط (الكافي) بالخصوص وشدة عتناء علماء الطائفة بنسخه وضبطها ثم كثرة نسخه لذلك يبقى مقدماً على غيره دقة واعتباراً والتفصيل في محله .
3- ان دعوى إخفاء عبارة ( لما صنع الحسن ما صنع مع معاوية )، أو بعبارة آخرى حذفها من المصادر أو من قبل الرواة أول الكلام ؟ فمن أين لك أنها كانت في متن الرواية ثم حذفت , ولماذا لا تكون من كلام الراوي أو في هامش النسخ من قبل النساخ أو شرحاً من قبل المؤلف ثم أدخلها النساخ في المتن؟ هذا إذا لم يكن هناك تصحيف ( للحسن ) بدل ( الحسين ) .
وأما قولك: أن فاعل صنع حذف من العبارة، فهو لما قررته قفزاً على المطلوب من أن العبارة تحوي لفظة الحسن , وإلا فان المعنى فيها واضح من أن الله تعالى لما صنع مع معاوية ما صنع أي أهلكه بعد أن حارب علي عليه السلام وأستولى على الامارة بالصلح مع الحسن عليه السلام ثم طلبه البيعة ليزيد ورفض الحسين عليه السلام ذلك . ومعنى بدا لله أي أظهر الله للناس كما هو معنى البداء عند الشيعة لا كما تنسبه أنت إليهم بأن معناه ظهر لله بعد الجهل – نعوذ بالله – ولك أن تراجع معناه في مضانه على صفحتنا .
نعم في قوله: ( بدا لله فآلى أن لا يجعل ...) نوع أرباك واختلال فلا مكان لـ( آلى ) هنا إذ الظاهر أنه أما يكتفى ( بدا ) أو ( فآلى ) كما في المصادر الأخرى، ولذا رجحنا وجود التصحيف في عبارة (الإمامة والتبصرة) .
وأما معنى العبارة لو كان فيها ( الحسين ) بدل ( الحسن ) كما هو في نص (مختصر البصائر) فانه يكون : ان الله تعالى لما صنع الحسين عليه السلام مع معاوية ما صنع من رفضه بيعة ولاية العهد ليزيد وما أنجر إليه ذلك من استشهاد الحسين عليه السلام جعل الإمامة والوصاية في نسله وهو موافق للمستفيض من رواياتنا .
4- الظاهر أنك لم تفهم التعليل الوارد في رواياتنا أو لم تراجع هذه الروايات! فان متعلق التعليل هم أبناء الحسين عليه السلام لا الحسين عليه السلام نفسه ولا الحسن عليه السلام فانهما إمامان لكونهما من أهل الكساء كما ورد ذلك في الروايات أيضاً .
ونحن لم نقل أن القيام بالسيف سبباً شرعياً لتولى الإمامة، وانما قلنا أن الروايات تذكر أن استشهاد الحسين عليه السلام كان سبباً تكوينياً في علم الله لجعل الإمامة في أبناءه لا أبناء الحسن عليه السلام فلا تخلط بين الأمور.
وأما لماذا كانت الإمامة في زين العابدين عليه السلام ولم تكن في أخيه زيد الشهيد وهما من أولاد الحسين عليه السلام، فله علة أخرى وهي الإصطفاء الظاهر من النص عليه . فلاحظ
وقد بينا لك أنه لا أثر لفعل الحسن عليه السلام هنا، بل الأثر لفعل الحسين عليه السلام، فلا معنى لما تذكره من عقوبه للحسن عليه السلام .
لقد قام الامام الحسن سلام الله عليه بمصالحة ومبايعة معاوية بن أبي سفيان, بينما ثار الامام الحسين عليه السلام ضد يزيد بن معاوية ؟
فلماذا صالح الامام الحسن, بينما ثار الامام الحسين ؟
وهل يعتبر هذان العملان متناقضان ؟
ونحن نعلم أن الأئمة معصومون .
الجواب:
قبل الاجابة نذكر مقدمة هي :
نحن نعتقد أن موقف الامام الحسن (عليه السلام), وموقف الامام الحسين (عليه السلام) واحد, فلا تعارض ولا تنافي بين موقفيهما (عليهما السلام) . بمعنى أنه لما كان موقف الامام الحسن (عليه السلام) هو الصلح مع معاوية كان موقف الامام الحسين (عليه السلام) ذلك أيضاً, وإلا لثار على معاوية, وعارض أخيه الحسن (عليه السلام) على صلحه, بينما ينقل لنا التاريخ مساندته لأخيه الحسن (عليه السلام) ومعاضدته .
وهكذا لو قدّر الله تعالى أن يكون الامام الحسن (عليه السلام) حيا يوم عاشوراء, لكان موقفه (عليه السلام) نفس موقف أخيه الحسين (عليه السلام), ولا يرضى بالصلح مع يزيد .
وعلى أساس هذه العقيدة يتضح معنى قول رسول الله (صلى الله عليه وآله) : (( الحسن والحسين إمامان ان قاما وان قعدا )) .
وأما الجواب : فقد اجيب عن هذا السؤال بعدة أجوبة :
منها : ان شخصية معاوية تختلف عن شخصية يزيد, فمعاوية لم يكن يشكل خطراً جدياً على الاسلام بمقدار ما كان يشكله يزيد, لان معاوية كان يحافظ على بعض المظاهر الاسلامية, بينما كان يزيد متجاهراً بالفسق والفجور, وشرب الخمور, وقتل النفس المحترمة, ولم يراع أي شيء من المظاهر الاسلامية .
وعليه فكان الصلح مع معاوية ممكنناً دون الصلح مع يزيد .
ومنها : ان الامام الحسن (عليه السلام) قام بالثورة ضد معاوية, ولكن خانه أكثر قادته, وباعوا ضمائرهم لمعاوية بإزاء أموال ومناصب . حتى أن بعض المقربين للامام الحسن (عليه السلام), كتب الى معاوية رسائل سرية قال فيها : ان شئت سلمناك الحسن حياً, وان شئت سلمناه ميتاً !
فاضطر (عليه السلام) الى الصلح وترك الحرب لوجود هؤلاء الخونة, دون أخيه الحسين (عليه السلام) فقد وجد انصاراً واعوانا .
ومنها : أراد الامام الحسن (عليه السلام) من صلحه أن يحفظ نفسه وأهل بيته وأصحابه من الفناء, إذ لو كان محارباً لانتصرت الأموية انتصاراً باهراً, وذلك بإنهاء الذرية الطيبة للنبي (صلى الله عليه وآله), والثلة الصالحة من اعوانهم .
ومنها : ان الامام الحسن (عليه السلام) استشار الجموع الملتفة حوله في الظاهر, والمتخاذلة عنه في السر بقوله : (( الا وان معاوية دعانا لأمر ليس فيه عز ولا نصفة, فان اردتم الموت رددناه عليه, وحاكمناه الى الله عزوجل بظبا السيوف, وان اردتم الحياة قبلناه, واخذنا لكم الرضا ؟ ... ))، فناداه الناس من كل جانب .. البقية, البقية. فساير (عليه السلام) قومه, واختار ما اختاروه من الصلح, فصالح كارهاً كما قبل أبوه (عليه السلام) التحكيم من قبل وهو كاره له .
ومنها : ان إرادة الله تعالى ومشيئته اقتضت ان يصالح الامام الحسن (عليه السلام) معاوية, وان يثور الامام الحسين (عليه السلام) على يزيد, ولن يرضى بمصالحته .
ويظهر من مراجعة كلمات الامام الحسن (عليه السلام), التي أجاب بها على من اعترض عليه بعد الصلح, أنه (عليه السلام) أراد صلاح الأمة الاسلامية, ـ كما أراد ذلك الامام الحسين (عليه السلام) عند خروجه على يزيد حيث قال : ( وانما خرجت لطلب الاصلاح في أمة جدي ) ـ واليك بعض هذه النصوص :
1- قال له رجل : بايعت معاوية ومعك أربعون الفاً, ولم تأخذ لنفسك وثيقة, وعهداً ظاهراً ؟ فقال له : (اني لو أردت ـ بما فعلت ـ الدنيا, لم يكن معاوية بأصبر مني عند اللقاء, ولا أثبت عند الحرب مني, ولكني أردت صلاحكم) (تاريخ ابن عساكر 2/225).
2- وقال له رجل آخر : يا بن رسول الله, لوددت أن أموت قبل ما رأيت أخرجتنا من العدل الى الجور ...
فقال له الامام : (يا فلان ... اني رأيت هوى معظم الناس في الصلح, وكرهوا الحرب, فلم أحب ان أحملهم على ما يكرهون ..).
3- وقال له ثالث : لم هادنت معاوية, وصالحته, وقد علمت : ان الحق لك دونه, وان معاوية ضال باغ ؟ فأجابه الامام (عليه السلام) : (علة مصالحتي لمعاوية, علة مصالحة رسول الله لبني ضمرة, وبني أشجع, ولأهل مكة حين انصرف من الحديبية, أولئك كفار بالتنزيل, ومعاوية وأصحابة كفار بالتأويل ..).
4- وقال له رجل : لماذا صالحت ؟ فأجابه (عليه السلام) : (اني خشيت أن يجتث المسلمون على وجه الارض فأردت ان يكون للدين ناع).
تعليق على الجواب (1)
هل يمكن التوفيق بين ما تفضلتم به من إجابة وبين النص صريح اللفظ وواضح الدلالة الذي ورد في كتاب "الامامة والتبصرة من الحيرة" لابن بابويه القمي (الصدوق الأول) ص62( مركزالأبحاث العقائدية):
"إن الله - تعالى - لما صنع ما صنع مع معاوية بدا له وآلى ألا يجعل الامامة والوصية إلا في عقب الحسين عليه السلام "(*)
ــــــــــــــــــــــــــــــــــ
* كذا وردت الفقرة الأخيرة في (أ)، وقريب منها في (ب) وكذلك أورده في الإحتجاج، إلا أنه لم يذكر فيه معاوية، وجاءت في كتاب مختصر بصائر الدرجات هكذا: إن الله - تبارك وتعالى - لما صنع الحسن مع معاوية ما صنع، أبي أن يجعل الوصية والإمامة إلا في عقب الحسين.
الجواب:
سنذكر لك الروايات التي أوردت العبارة او قريب منها :
أولاً: رواها والد الصدوق (ت 329هـ ) في الأمامة والتبصرة : وعنه ( محمد بن يحيى ) عن محمد بن الحسين بن ابي الخطاب عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن ابي عبيدة وزرارة عن ابي جعفر (عليه السلام) قال .... إلى أن قال : أن الله تعالى لما صنع مع معاوية ما صنع بدا لله فآلى أن لا يجعل الوصية والإمامة الا في عقب الحسين (عليه السلام).
ثانياً: رواها الصفار ( ت 290 هـ ) في البصائر : حدثنا احمد بن محمد ومحمد بن الحسن عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي عبد الله (عليه السلام) وزراره عن ابي جعفر .... ولم يورد هذه العبارة ولا التي بعدها ( بصائر الدرجات : 502 )
ثالثاً: رواها الحسن بن سليمان الحلي عن مختصر بصائر سعد بن عبد الله ( ت 301 ) : ( احمد وعبد الله ابنا محمد بن عيسى ) عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب ( عن ابي عبيدة الحذاء ) وزرارة بن أعين عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : إلى أن قال : أن الله تبارك وتعالى - لما صنع الحسين ما صنع - آلى أن لا يجعل الوصية والأمامة إلا في عقب الحسين (عليه السلام) ( مختصر البصائر : 79 تحقيق مشتاق المظفر ) وفي النسخة المطبوعة بعنوان ( مختصر بصائر الدرجات ) جاءت العبارة هكذا : أن الله تبارك وتعالى لما صنع الحسين (عليه السلام) مع معاوية ماصنع ... الخ ( مختصر بصائر الدرجات : 14 ) وفي البحار عن منتخب البصائر : أن الله تبارك وتعالى لما صنع الحسن مع معاوية أبى أن يجعل الوصية ( البحار 402 : 77 )
رابعاً: ورواه الكليني ( ت 328 هـ ) في الكافي : محمد بن يحيى عن أحمد بن محمد عن أبن محبوب عن علي بن رئاب عن ابي عبيدة وزرارة جميعاً عن أبي جعفر (عليه السلام) قال :....إلى أن قال : أن الله عز وجل جعل الوصية والأمامة في عقب الحسين (عليه السلام) ( الكافي 1 : 348 ) ولم يرد ذكر للعبارة المذكورة
خامساً: وفي دلائل الأمامة المنسوب لمحمد بن جرير الطبري الصغير ( القرن الخامس ) : اخبرني ابو الحسن علي بن هبة الله قال : حدثنا ابو جعفر محمد بن علي بن الحسين بن موسى بن بابويه قال : حدثنا الحسين بن احمد, قال : حدثنا ابي عن احمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن ابي عبيده وزرارة عن ابي جعفر (عليه السلام) قال : ...إلى أن قال : أن الله لما صنع الحسن مع معاوية ماصنع جعل الوصية والإمامة في عقب الحسين (عليه السلام) ( دلائل الإمامة : 207 )
سادساً: وفي الاحتجاج للطبرسي ( القرن السادس ) عن ابي جعفر الباقر (عليه السلام) إلى أن قال : وأن الله تبارك وتعالى آلى أن لا يجعل الوصية والإمامة ألا في عقب الحسين (عليه السلام)
سابعاً: وفي مناقب آل أبي طالب لابن شهر آشوب نقلاً عن نوادر الحكمة بالاسناد عن جابر وعن الباقر (عليه السلام) انه جرى بينه وبين محمد بن الحنفية منازعة ( في الإمامة ) فقال : يا محمد أتق الله ولا تدع ماليس لك بحق إلى أن قال - ياعم أن ابي أوصى الي قبل أن يتوجه إلى العراق فانطلق بنا إلى الحجر الأسود ( المناقب 4 : 159 ) وانت ترى أنه لم ينقل العبارة المعنية وهي ( لما صنع الحسن مع معاوية ماصنع ) الا مصدر واحد متأخر في القرن الخامس وهو دلائل الإمامة للطبري, وأما ما نقله المجلسي في البحار فقد كان عن منتخب البصائر, وقد اوردنا لك الرواية من نفس المصدر بطبيعته ولم يذكر فيها ( الحسن (عليه السلام) ) وأنما ذكر فيها ( الحسين (عليه السلام) ) وأما ما عدى هذين الموردين من المصادر المتقدمة أو المتأخرة فلم ترد فيها العبارة المذكورة :
ففي بصائر الدرجات للصفار ( ت 290 هـ ) وردت الرواية بدون ذكر العبارة ولا التي بعدها وفي مختصر بصائر سعد بن عبد الله ( ت 299هـ او 301 هـ ) لم يذكر الامام الحسن (عليه السلام) وأنما الحسين (عليه السلام) وهذان المصدران متقدمان على الأمامة والتبصرة .
وكذلك ما ورد في الكافي للكليني (ت 328 ) فلم تذكر العبارة, والكافي مقدم على الإمامة والتبصرة عصراً ودقة واعتباراً .
ومع ذلك فما جاء في الإمامة والتبصرة لوالد الصدوق ( ت 329 هـ ) لم يرد فيه اسم الإمام الحسن (عليه السلام) وأنما جاءت العبارة هكذا ( أن الله تعالى لما صنع مع معاوية ما صنع بدا لله ...الخ ) فلا نعلم أين الأشكال ؟!
هذا..و ما ورد في اغلب المصادر من ذكر اسم الإمام الحسين (عليه السلام) موافق لما ورد عندنا مستفيضاً من أن علة حصول الإمامة في نسل الحسين (عليه السلام) هو ما كتبه الله عليه من قتل ورضى رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلي وفاطمة (عليها السلام) والحسن (عليه السلام) وتسليمهم به .
وهو الصحيح المتوافق مع موضوع المنازعة بين محمد بن الحنفية وبين علي بن الحسين (عليهما السلام) أذ ما معنى احتجاج علي بن الحسين (عليهما السلام) بالحق على محمد بن الحنفية بما صنعه الإمام الحسن (عليه السلام) على الفرض وما دخل محمد بن الحنفية بذلك حتى يحرم من الإمامة فرضاً أذ من حقه أن يقول : هذا ما فعله الحسن (عليه السلام) فاي ذنب لي حتى أحرم الإمامة فانا والحسين (عليه السلام) في هذا شرع سواء ؟ .
وأما حسب ما في الأصح من الروايات والمطابق للمستفيض الأخر منها أن الإمامة كانت أثراً تكوينياً لفعل الحسين (عليه السلام) ولذا جازاه الله بأن جعل الواثة لعقبه ومن هنا يصح احتجاج زين العابدين (عليه السلام) على عمه .
فان أثر فعل الحسن (عليه السلام) لو فرض لا دخل فيه للحسين (عليه السلام) ولا لمحمد ويتساويان من هذه الجهة وأما أثر فعل الحسين (عليه السلام) فهو يرجع إلى عقبه ولا دخل لمحمد فيه . نعم لو كانت المنازعة مع أولاد الحسن (عليه السلام) لكن فيه وجه, فلاحظ و تأمل .
تعليق على الجواب (2)
بسم الله الرحمن الرحيم
أولا :لقد ذكرتم سبعة مصادر للرواية ، في السادس والسابع دون ذكرسلسلة الإسناد ومع ذلك فالعبارة وردت في ثلاثة مصادر( الأول والثالث والخامس)،وإذا أضفنا ما أشرتم إليه في المصدر الثالث مما ورد في بحار الأنوار: 402 : 77 نقلا عن منتخب البصائر، تصبح العبارة مذكورة أربع مرات. هذه واحدة .
ثانيا : لا زلتم لم تبينوا لي موقفكم بصراحة ووضوح من رواية ابن بابويه القمي( الملقب عندكم بالصدوق الأول) ، يعني هل هي رواية صحيحة أم ضعيفة . وإن كانت ضعيفة فما هي علتها؟
ثالثا : طريق الروايات في كل المصادر التي ذكرتم مع الإسناد واحدة مدارها على : أحمد بن محمد بن عيسى عن الحسن بن محبوب عن علي بن رئاب عن أبي عبيده وزرارة عن أبي جعفر.
فما سبب اختفاء عبارة "لما صنع الحسن ما صنع مع معاوية" من المصادر التي اختفت منها ؟
أما ما ذكرتموه عما جاء في الإمامة والتبصرة ، فالغياب أوالتغييب ـ لغاية في نفس صاحبها ـ لفاعل الفعل (صنع) في العبارة واضح جدا،والسوال المطروح : من هوالذي صنع ما صنع مع معاوية ؟ هل يمكن أن يفهم من العبارة الواردة أن الفاعل هو الله تعالى اسمه ؟ طبعا لا، لأنه لا فائدة حينئذ من تكراراسم الجلالة"الله" المنسوب له البداء في هذه الرواية( تعالى الله عن ذلك علوا كبيرا) بسبب صنيع من صنع مع معاوية ما صنع . مع ملاحظة أن العبارة أصلا ركيكة لأن ورود اسم الجلالة "الله" في البداية اسما لـ (إن) كان يستوجب عدم تكراره وكان الأجدروالصحيح هو أن يقال :( بَدا لَهُ) تفاديا للتكرار المخل بالمبنى.
رابعا: قولكم :(والكافي مقدم على الإمامة والتبصرة عصراً ودقة واعتباراً)
أما عصرا: فكيف يكون ذلك وقد تعاصر كل من الكليني و ابن بابوبه القمي ( الأول توفي في328 هـ والثاني في 329هـ) .
وأما دقة واعتبارا: فهذا طعن صريح في روايات (الإمامة والتبصرة)عموما وفي الرواية التي نحن إزائها . فهل من بيان للعلة ؟
خامسا : وأما تعليلكم لانحصار "الإمامة" في نسل الحسين رضي الله عنه فينقضه سبق الحسن رضي الله عنه بتوليها بعد استشهاد أبيه رضي الله عنه ـ مع علم الله السابق بما سيحصل للحسين ـ وقد قلتم بصريح العبارة:(علة حصول الإمامة في نسل الحسين (ع) هو ما كتبه الله عليه من قتل ورضى رسول الله ( ص ) وعلي وفاطمة (ع) والحسن (ع) وتسليمهم به)
وقولكم أيضا:(كانت أثراً تكوينياً لفعل الحسين (ع) ولذا جازاه الله بأن جعل الواثة لعقبه) ، فكان أولى بناء على هذا التعليل أن يتولاها الحسين لأن ما كُتب عليه وما ذكرتم سيبين استحقاقه لها بسبب ذلك وإلا فإن انتقالها بالوراثة من الأب إلى الابن يستلزم انتقالها إلى ذرية الحسن .
وأما إن كان القيام بالثورة على السلطان الجائر سببا شرعيا لاستحقاق الإمامة فما الذي منع أن يكون الإمام زيد بن علي (زين العابدين) إماما للإمامية أو حتى محمد النفس الزكية الثائر على أبي جعفر المنصور ؟
فالظاهر أن الحسن ـ استنتاجا من تعليلكم ـ لم يكن محل ذلك الرضى فعوقب عقبه بحرمانه من "الإمامة " وهذا ما يتفق مع ماء جاء في رواية نسبة البداء لله تعالى بسبب إيثار الحسن للصلح مع معاوية وحقن دماء المسلمين .
الجواب:
1- لم ترد العبارة المعنية وهي ( أن الله تبارك وتعالى لما صنع الحسن مع معاوية ما صنع ابى أن يجعل الإمامة والوصية الا في عقب الحسين (ع) ) في أي مورد من الموارد وأنما نقلها المحقق في هامش كتاب (الإمامة والتبصرة) عن كتاب مختصر بصائر الدرجات .
وقد نقلنا لك أصل العبارة من طبعتي مختصر البصائر القديمة والمحققة وفيها ( الحسين ) بل ( الحسن ) .
نعم ورد مثل العبارة المعنية وفيها ( الحسن ) في (البحار) نقلاً عن (منتخب البصائر) ( أن الله تبارك وتعالى لما صنع الحسن مع المعاوية ابى أن يجعل الوصية...الخ) ( البحار 77 : 402 ). ومن الواضح أن (البحار) ليس المصدر الأصلى، وأن ما جاء فيه من لفظة ( الحسن ) تصحيف عن لفظة ( الحسين ) مع ما في العبارة من إرباك وإختلال لأن مفعول الفعل صنع محذوف ولم يذكر , فلم يبن ماذا صنع الحسن مع معاوية، ومثل هكذا عبارة مختلة مصحفة لا يمكن الأخذ بها وليس من الصحيح أعتبارها مقابل الأصل المنقول منه، فكيف تدخل ما جاء في (البحار) في المصادر ؟ هذا بخصوص ما ذكرته من المصدر الثالث وما منقول عن (البحار) .
وأما ما ذكرته من المصدر الأول وهو ما منقول عن (الإمامة والتبصرة) فإنه لم يرد فيه لفظة ( الحسن ) وإنما جاءت العبارة هكذا ( أن الله تعالى لما صنع مع معاوية ما صنع بدا لله فآلى أن لا يجعل الوصية والإمامة إلا في عقب الحسين ( ع ) )، فاعتبارها من مصادر العبارة تحميل على الفرض ومصادرة على المطلوب، ولماذا لا يكون الحذف الذي فرضته لفظة ( الحسين ) كما جاء في المصادر الأقدم ؟
نعم جاء في معنى العبارة المعنية ما نقل عن كتاب (دلائل الإمامة): ( أن الله لما صنع الحسن مع معاوية ما صنع جعل الوصية والإمامة في عقب الحسين ( ع ) ) ( دلائل الإمامة : 207 ) وهذا هو المصدر الذي ذكرناه وقلنا أنه متأخر في القرن الخامس .
فأين هو قولك ( تصبح العبارة مذكورة أربع مرات ) ؟!! أو هو دفعاً بالصدور؟!
2- اننا لم نتكلم في هذا المورد من باب التصحيح والتضعيف لأسانيد الروايات فإن الموضع ليس من موارده لما هو واضح عندك من أن الرواية واحدة عند الكل فلا اختلاف للسند بين المصادر .
وإنما انتهجنا هنا منهج المحققين في تقويم وتصحيح النص أي متن الرواية بين مختلف النسخ وهو المنهج المتبع في هكذا مورد، وقد اشتبه عليك الحال فذهبت إلى السؤال عن الصحة والضعف وما هي علة الضعف , فسواء كان السند صحيحاً أو ضعيفاً فلا كلام فيه وإنما الكلام في ما هو المتن الصحيح لهذا السند في هذه الرواية ؟! وقد بينا لك أن علّة متن رواية (الإمامة والتبصرة) هو التصحيف أو غلط الراوي .
ومنه يظهر لك أن لا موضع للإشكال بأن الرواية في المصدر السادس والسابع كانت مرسلة من دون إسناد لأن النظر إليها كان من جهة اعتبارها نسخاً لا من جهة اعتبارها طرقاً آخرى للرواية . فلاحظ .
ومن هنا ترى تركيزنا على القدم والضبط والإعتبار للكتب والمصادر . فـ(بصائر الدرجات) للصفار و(مختصر البصائر) لسعد بن عبدالله أقدم من كتاب (دلائل الإمامة) ومن كتاب (الإمامة والتبصرة) قطعاً .
نعم، الحق معك في أن الكليني والصدوق الأوّل متعاصران وقد شط بنا القلم لألفة أذهاننا باسم الصدوق البن المشهور فلك المعذرة في ذلك , ولكن تبقى الدقة والاعتبار لكتاب (الكافي) مقدمة على كتاب (الإمامة والتبصرة) على حالها، وقد بين علمائنا ذلك بأمور منها شدة اعتناء الكليني بضبط (الكافي) بالخصوص وشدة عتناء علماء الطائفة بنسخه وضبطها ثم كثرة نسخه لذلك يبقى مقدماً على غيره دقة واعتباراً والتفصيل في محله .
3- ان دعوى إخفاء عبارة ( لما صنع الحسن ما صنع مع معاوية )، أو بعبارة آخرى حذفها من المصادر أو من قبل الرواة أول الكلام ؟ فمن أين لك أنها كانت في متن الرواية ثم حذفت , ولماذا لا تكون من كلام الراوي أو في هامش النسخ من قبل النساخ أو شرحاً من قبل المؤلف ثم أدخلها النساخ في المتن؟ هذا إذا لم يكن هناك تصحيف ( للحسن ) بدل ( الحسين ) .
وأما قولك: أن فاعل صنع حذف من العبارة، فهو لما قررته قفزاً على المطلوب من أن العبارة تحوي لفظة الحسن , وإلا فان المعنى فيها واضح من أن الله تعالى لما صنع مع معاوية ما صنع أي أهلكه بعد أن حارب علي عليه السلام وأستولى على الامارة بالصلح مع الحسن عليه السلام ثم طلبه البيعة ليزيد ورفض الحسين عليه السلام ذلك . ومعنى بدا لله أي أظهر الله للناس كما هو معنى البداء عند الشيعة لا كما تنسبه أنت إليهم بأن معناه ظهر لله بعد الجهل – نعوذ بالله – ولك أن تراجع معناه في مضانه على صفحتنا .
نعم في قوله: ( بدا لله فآلى أن لا يجعل ...) نوع أرباك واختلال فلا مكان لـ( آلى ) هنا إذ الظاهر أنه أما يكتفى ( بدا ) أو ( فآلى ) كما في المصادر الأخرى، ولذا رجحنا وجود التصحيف في عبارة (الإمامة والتبصرة) .
وأما معنى العبارة لو كان فيها ( الحسين ) بدل ( الحسن ) كما هو في نص (مختصر البصائر) فانه يكون : ان الله تعالى لما صنع الحسين عليه السلام مع معاوية ما صنع من رفضه بيعة ولاية العهد ليزيد وما أنجر إليه ذلك من استشهاد الحسين عليه السلام جعل الإمامة والوصاية في نسله وهو موافق للمستفيض من رواياتنا .
4- الظاهر أنك لم تفهم التعليل الوارد في رواياتنا أو لم تراجع هذه الروايات! فان متعلق التعليل هم أبناء الحسين عليه السلام لا الحسين عليه السلام نفسه ولا الحسن عليه السلام فانهما إمامان لكونهما من أهل الكساء كما ورد ذلك في الروايات أيضاً .
ونحن لم نقل أن القيام بالسيف سبباً شرعياً لتولى الإمامة، وانما قلنا أن الروايات تذكر أن استشهاد الحسين عليه السلام كان سبباً تكوينياً في علم الله لجعل الإمامة في أبناءه لا أبناء الحسن عليه السلام فلا تخلط بين الأمور.
وأما لماذا كانت الإمامة في زين العابدين عليه السلام ولم تكن في أخيه زيد الشهيد وهما من أولاد الحسين عليه السلام، فله علة أخرى وهي الإصطفاء الظاهر من النص عليه . فلاحظ
وقد بينا لك أنه لا أثر لفعل الحسن عليه السلام هنا، بل الأثر لفعل الحسين عليه السلام، فلا معنى لما تذكره من عقوبه للحسن عليه السلام .