المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : علة عدم مجارات الامام الحسن (عليه السلام) لمعاوية والسكوت عنه


الشيخ عباس محمد
11-08-2017, 11:22 PM
السؤال: علة عدم مجارات الامام الحسن (عليه السلام) لمعاوية والسكوت عنه
بالنظر الى الوضع السياسي المتأزم بعد شهادة الإمام علي عليه السلام هناك اشكالية تدور في ذهني
1- ألم يكن من الأصلح التغاضي عن معاوية ولو لفترة لحين اعداد قاعدة ايمانية خصوصا أن الإمام يعرف أصحابه وقد جربهم زمن أبيه عليهما السلام
2- خلال اطلاعي على سيرة الإمام الحسن عليه السلام، لا أجد ذكرا لأخوته، خصوصا الإمام الحسين عليه السلام، أو لم يكن لهم دور، ونحن نرى أن من يولى ممن هم مجربون من قبل ولا يصلحون للأمرة، مثل عبيدالله بن العباس فقد هرب من اليمن عندما كان واليا عليها مخلفا ولداه فقتلهما بسر بن أرطأة.ألم يكن من الأجدر أن يولي أخاه الحسين؟!
معذرة على هذه الصراحة ولكن هي اشكالات تحتاج لمن يرفعها
الجواب:


بالنسبة للسؤال الأول :
لقد كان معاوية امرأً سيئاً جداً ويمثل تياراً معادياً للإسلام، جاء وصفه في القرآن بـ (الشجرة الملعونة), وعلى لسان النبي (صلى الله عليه وآله) بأهل الدعوة إلى النار , كما في الأحاديث عن مقتل عمّار وغيرها, وكان الإمام (عليه السلام) يدرك ذلك تماماً. ولو راجعت (نهج البلاغة) لوقفت على الكثير من كلمات الامام علي (عليه السلام) التي تحذر وتنبّه من شر (فتنة بني أمية) التي كان رأسها معاوية آنذاك, حتى قال (عليه السلام): (ألا وإن أخوف الفتن عندي عليكم فتنة بني أمية, فإنها فتنة عمياء ظلماء), وقال (عليه السلام): (ترد عليكم فتنتهم شوهاء مخشية وقطعاً جاهلية ليس فيها منار هدى ولا علم يرى) (أنظر نهج البلاغة 1 / 184/ تحقيق الشيخ محمد عبده), وهكذا غيره من كلماته (عليه السلام). ولم يكن يرضي معاوية شيئاً سوى الملك والإماره, فهو لا تجدي معه سياسة أو مداراة وقتية, فقد نكص على عقيبه واتخذ الكذب والفجور وأساليب الباطل وسائل في الوصول إلى غايته، وقد قال (عليه السلام): (والله ما معاوية بأدهى مني ولكنه يغدر ويفجر, ولولا كراهية الغدر لكنت أدهى الناس, ولكن لكل غدرة فجرة, وكل فجرة كفرة, ولكل غادر لواء يعرف به يوم القيامة). (نهج البلاغة 2 / 180) . مع ملاحظة أن معاوية كان قد بدأ حملة دعائية ذات منهج واضح وأساليب خسيسة في الوصول إلى غايته كما أشرنا إليه , فالسكوت عنه يعني فسح المجال أمامه ليتمادى في الغي والطغيان إلى ما لا يعلم مداه إلاّ الله سبحانه.
وقد كان الامام علي (عليه السلام) يقول ـ كما في (تاريخ دمشق / لابن عساكر ج 39 ص 452) كما ورد عن عبد الله بن أبي سفيان: (إن بني أمية يقاتلونني يزعمون أنّي قتلت عثمان وكذبوا إنما يلتمسون الملك فلو أعلم أنّما يذهب ما في قلوبهم أن أحلف لهم عند المقام والله والله ما قتلت عثمان ولا أمرت بقتله لفعلت ولكن إنّما يريدون الملك).
وهذا القول من أمير المؤمنين (عليه السلام) قد صدّقه معاوية عندما دخل العراق بعد صلح الحسن (عليه السلام) وخطب في الناس في النخيلة قبل أن يصل إلى الكوفة فقال: ((والله إني ما قاتلتكم لتصلّوا ولا تصوموا ولا لتحجّوا ولا لتزكّوا إنكم لتفعلون ذلك, إنّما قاتلتكم لاتأمّر عليكم وقد أعطاني الله ذلك وأنتم كارهون)). قال سعيد بن سويد: كان عبد الرحمن بن شريك إذا حدّث بذلك يقول: هذا والله هو التهتك, وقال أبو إسحاق السبيعي: إن معاوية قال في خطبته في النخيلة إلى أنّ كلّ شيء أعطيته الحسن بن علي تحت قدمي هاتين لا أفي به , قال أبو إسحاق: وكان والله غدّاراً. (أنظر المصنف لابن أبي شيبة 7 / 251, شرح نهج البلاغة للمعتزلي 16 / 46 , البداية والنهاية لابن كثير 8 / 140 وغيرها من المصادر).
فالرجل ـ كما ترى ـ معلوم المواصفات , واضح الغايات, لا ينفع معه أي حوار أو صلح أو تهدئة, وقد عرف منه أمير المؤمنين (عليه السلام) ذلك بعد أن راسله واحتج عليه بمكاتبات كثيرة, وأيضاً عرفه الامام الحسن (عليه السلام) بهذه المواصفات وأكثر منها, فلم يبق أمامه (عليه السلام) إلاّ مواجهته ورد كيده إلى نحره ((ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيى من حيّ عن بيّنة))!!

أما بالنسبة للسؤال الثاني:
من ملاحظة العد التنازلي لأعداد المخلصين لله حقّاً كما شهدناه في حروب أمير المؤمنين (عليه السلام) الثلاثة, ثم في حرب الحسن (عليه السلام) لمعاوية وقد تناقص عدد المخلصين , ثم خروج الحسين (عليه السلام) بأفراد لا يتجاوز عددهم المائة, وهذه الحقيقة ـ أي قلة عدد المخلصين ـ قد كشف عنها القرآن الكريم في مواضع متعددة منه, ولعل أبرزها مما يلائم المقام قوله جل وعلا في قصة طالوت: (( فلما فصل طالوت بالجنود قال إن الله مبتليكم بنهرف فمن شرب منه فليس مني ومن لم يطعمه فإنه مني إلاّ من اغترف غرفة بيده فشربوا منه إلاّ قليلاً منهم فلما جاوزه هو والذين آمنوا معه قالوا لا طاقة لنا بجالوت وجنوده )) (البقرة:429), وقد أظهر هذه الحقيقة أيضاً الإمام الحسين (عليه السلام) وبيّن ما عليه حقيقة حال الناس بالنسبة للاخلاص وتمامية الطاعة لله ورسوله (صلى الله عليه وآله) وسلم وأولياء الأمر, وذلك حين قال: (الناس عبيد الدنيا , والدين لعق على ألسنتهم يحوطونه ما درّت معائشهم, فإذا مفحصّوا بالبلاء قلّ الديانون), فالمخلصون ـ بشكل عام ـ قليلون جداً, والذين يجيدون الإدارة منهم في شؤون الحكم أقل عدداً, وهذا الشأن الابتلائي قد عانى منه النبي (صلى الله عليه وآله) وأمير المؤمنين (عليه السلام) من قبل, فماذا تتوقع ان يكون الحال في زمن الإمام الحسن (عليه السلام) وماذا يمكن أن يقدم أمام واقع هذه قدراته وطاقاته؟!
وأما وبالنسبة لعدم توليته لأخيه الحسين (عليه السلام) فلعلّ وجوده الاستشاري بقربه له الأهمية الكبرى في الحكم, وأيضاً ربما ظنّ عليه بالخروج والتصدي لشؤون الحكم حفاظاً عليه من القتل والاغتيال أسوة بما كان يفعله أمير المؤمنين (عليه السلام) بهما معاً حين كان يقول (عليه السلام): (أملكوا عني هذين الغلامين - يعني الحسن والحسين عليهما السلام - لئلا ينقطع بهما نسل رسول الله (صلى الله عليه وآله).