المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : دفنه (عليه السلام) وموقف عائشة ومروان منه


الشيخ عباس محمد
13-08-2017, 06:12 PM
السؤال: دفنه (عليه السلام) وموقف عائشة ومروان منه
تروي بعض كتب التاريخ : أنه حينما أراد الامام الحسين دفن الامام الحسن بجانب الرسول, فانه استأذن عائشة ووافقت على ذلك, ولكن مروان بن الحكم وجماعته هم الذين منعوهم بالقوة .
في حين قرأت لأحدهم على الانترنت أن عائشة أتت للقبر وقالت : لايدفن مع زوجي من لا أحب, فما مدى صحت ذلك, وما هي المراجع ؟
الجواب:

روى الشيخ الكليني في (الكافي 1 / 302 ح 3)، بسنده عن محمد بن مسلم, قال : سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول : (لما أحتضر الحسن بن علي (عليهما السلام) قال للحسين : يا أخي أوصيك بوصية فاحفظها, فإذا أنا مت فهيئني, ثم وجّهني إلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأحدث به عهدا, ثم أصرفني إلى أمي فاطمة ( سلام الله عليها ), ثم ردّني فادفنّي في البقيع, واعلم أنه سيصيبني من الحميراء ما يعلم الناس من صنيعها, وعداوتها لله ولرسوله (صلى الله عليه وآله) وعداوتها لنا أهل البيت .
فلمّا قبض الحسن (عليه السلام) وضع على سريره, وانطلقوا به إلى مصلى رسول الله (صلى الله عليه وآله) الذي كان يصلّي فيه على الجنائز, فصلّي على الحسن (عليه السلام), فلمّا أن صلّي عليه حمل فأدخل المسجد, فلمّا أوقف على قبر رسول الله بلغ عائشة الخبر, وقيل لها : إنهم قد أقبلوا بالحسن بن علي ( عليهما السلام ) ليدفن مع رسول الله (صلى الله عليه وآله), فخرجت مبادرة على بغل بسرج, فكانت أول إمرأة ركبت في الإسلام سرجاً, فوقفت فقالت : نحوا ابنكم عن بيتي, فإنه لا يدفن فيه شيء, ولا يهتك على رسول الله (صلى الله عليه وآله) حجابه .
فقال لها الحسين بن علي ( عليهما السلام ) : قديماً هتكت أنت وأبوك حجاب رسول الله (صلى الله عليه وآله), وأدخلت بيته من لا يحب رسول الله (صلى الله عليه وآله) قربه, وإن الله سائلك عن ذلك يا عائشة, إن أخي أمرني أن أقرّبه من أبيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليحدث به عهدا, واعلمي أن أخي أعلم الناس بالله ورسوله, وأعلم بتأويل كتابه من أن يهتك على رسول الله (صلى الله عليه وآله) ستره, لأن الله تبارك وتعالى يقول : (( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم ))، وقد أدخلت أنت بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) الرجال بغير إذنه, وقد قال الله عزوجل : (( يا أيها الذين آمنوا لا ترفعوا أصواتكم فوق صوت النبي )), ولعمري لقد ضربت أنت لأبيك وفاروقه عند اذن رسول الله (صلى الله عليه وآله) المعاول, وقال الله عزّ وجل : (( إن الذين يغضون أصواتهم عند رسول الله أولئك الذين امتحن الله قلوبهم للتقوى )), ولعمري لقد أدخل أبوك وفاروقه على رسول الله (صلى الله عليه وآله) بقربهما منه الأذى, وما رعيا من حقّه ما أمرهما الله به على لسان رسول الله (صلى الله عليه وآله), إن الله حرّم من المؤمنين أمواتاً ما حرّم منهم أحياء, وتالله ياعائشة لو كان هذا الذي كرهتيه من دفن الحسن (عليه السلام) عند أبيه (صلوات الله عليهما) جائزاً فيما بيننا وبين الله, لعلمت أنه سيدفن وإن رغم معطسك .
قال : ثم تكلّم محمد بن الحنفية وقال : يا عائشة : يوماً على بغل, ويوماً على جمل, فما تملكين نفسك ولا تملكين الأرض عداوة لبني هاشم .
قال : فأقبلت عليه فقالت : يا بن الحنفية, هؤلاء الفواطم يتكلّمون فما كلامك ؟
فقال لها الحسين (عليه السلام) : وأنى تبعدين محمداً من الفواطم, فو الله لقد ولدته ثلاث فواطم : فاطمة بنت عمران بن عائذ بن عمرو بن مخزوم, وفاطمة بنت أسد بن هاشم, وفاطمة بنت زائدة بن الأصم بن رواحة بن حجر بن عبد معيص بن عامر .
قال : فقالت عائشة للحسين (عليه السلام) : نحوا ابنكم واذهبوا به, فإنكم قوم خصمون .
قال : فمضى الحسين (عليه السلام) إلى قبر أمّه, ثم أخرجه فدفنه بالبقيع) .
ونقل العلامة المجلسي في (بحار الأنوار 44 / 154) عن كتاب الخرائج: انه روي أن الصادق (عليه السلام) قال : لمّا حضرت الحسن بن علي (عليه السلام) الوفاة, بكى بكاء شديداً وقال : إني أقدم على أمر عظيم, وهول لم أقدم على مثله قط, ثم أوصى أن يدفنوه بالبقيع, فقال : يا أخي احملني على سريري إلى قبر جدي رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأجدّد به عهدي, ثم ردّني إلى قبر جدّتي فاطمة بنت أسد فأدفني, فستعلم يا ابن أم, أن القوم يظنون أنكم تريدون دفني عند رسول الله, فيجلبون في منعكم, وبالله أقسم عليك أن تهرق في أمري محجمة دم .
فلمّا غسلّه وكفّنه الحسين (عليه السلام) وحمله على سريره, وتوجّه إلى قبر جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليجدّد به عهداً, أتى مروان بن الحكم ومن معه من بني أمية فقال : أيدفن عثمان في أقصى المدينة, ويدفن الحسن مع النبي ؟ لا يكون ذلك أبداً, ولحقت عائشة على بغل وهي تقول : مالي ولكم ؟ تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أحب .
فقال ابن عباس لمروان بن الحكم, لا نريد دفن صاحبنا, فإنه كان أعلم بحرمة قبر رسول الله من أن يطرق عليه هجما, كما طرق ذلك غيره, ودخل بيته بغير إذنه, انصرف فنحن ندفنه بالبقيع كما وصّى .
ثم قال لعائشة : واسوأتاه يوماً على بغل, ويوماً على جمل, وفي رواية, يوماً تجملت ويوماً تبغلت, وإن عشت تفيلت .
فأخذه ابن الحجاج الشاعر البغدادي فقال :

يـا بنـت أبـي بـكـر ***** لا كـان ولا كـنـت
لـك التـسع من الثـمن **** وبـالـكل تـملـكـت
تـجـملـت تـبـلـغت ***** وإن عـشـت تفـيلـت

وروي في (الإرشاد 174) عن زياد المخارقي قال : لمّا حضرت الحسن (عليه السلام) الوفاة, استدعى الحسين (عليه السلام) وقال : يا أخي إني مفارقك, ولاحق بربّي, وقد سقيت السم, ورميت بكبدي في الطست, وإني لعارف بمن سقاني السم, ومن أين دهيت, وأنا أخاصمه إلى الله عزّ وجل, فبحقّي عليك إن تكلّمت في ذلك بشيء, وانتظر ما يحدث الله عزّ وجل فيّ, فإذا قضيت نحبي فغمّضني, وغسّلني وكفّني, وأدخلني على سريري إلى قبر جدّي رسول الله (صلى الله عليه وآله) لأجدّد به عهداً, ثم ردّني إلى قبر جدتي فاطمة بنت أسد ( رضي الله عنها ) فأدفني هناك وستعلم يا ابن أم, إن القوم يظنون أنكم تريدون دفني عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فيجلبون في ذلك, ويمنعونكم منه, بالله أقسم عليك أن تهرق في أمري محجمة دم, ثم وصّى إليه بأهله وولده وتركته, وما كان وصّى إليه أمير المؤمنين (عليه السلام) حين استخلفه وأهله بمقامه, ودل شيعته على استخلافه, ونصّبه لهم علما من بعده .
فلمّا مضى لسبيله, غسّله الحسين (عليه السلام) وكفّنه وحمله على سريره, ولم يشك مروان ومن معه من بني أمية, أنهم سيدفنونه عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) فتجمّعوا ولبسوا السلاح, فلمّا توجّه به الحسين (عليه السلام) إلى قبر جدّه رسول الله (صلى الله عليه وآله) ليجدّد به عهداً, أقبلوا إليه في جمعهم ولحقتهم عائشة على بغل, وهي تقول : مالي ولكم ؟ تريدون أن تدخلوا بيتي من لا أحب, وجعل مروان يقول : (يا رب هيجاهي خير من دعة) أيدفن عثمان في أقصى المدينة ويدفن الحسن مع النبي ؟ لا يكون ذلك أبداً وأنا أحمل السيف, وكادت الفتنة أن تقع بين بني هاشم, وبين بني أمية.
فبادر ابن عباس (رحمه الله) إلى مروان فقال له : إرجع يا مروان من حيث جئت, فإنا ما نريد دفن صاحبنا عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) لكنا نريد أن نجدّد به عهدا بزيارته, ثم نردّه إلى جدته فاطمة, فندفنه عندها بوصيته بذلك, ولو كان أوصى بدفنه مع النبي (صلى الله عليه وآله) لعلمت أنك أقصر باعاً من ردنا عن ذلك, لكنه كان أعلم بالله وبرسوله وبحرمة قبره, من أن يطرق عليه هدماً كما طرق ذلك غيره, ودخل بيته بغير إذنه .
ثم أقبل على عائشة وقال لها : واسوأتاه يوماً على بغل, ويوماً على جمل ؟ تريدين أن تطفئي نور الله, وتقاتلي أولياء الله, ارجعي فقد كفيت الذي تخافين, وبلغت ما تحبين, والله منتصر لأهل هذا البيت ولو بعد حين.
وقال الحسين (عليه السلام) : والله لولا عهد الحسن إليّ بحقن الدماء, وأن لا أهريق في أمره محجمة دم, لعلمتم كيف تأخذ سيوف الله منكم مآخذها, وقد نقضتم العهد بيننا وبينكم, وأبطلتم ما اشترطنا عليكم لأنفسنا .
ومضوا بالحسن (عليه السلام) فدفنوه بالبقيع عند جدته فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف ( رضي الله عنها ) .
ومثله في (مناقب آل أبي طالب 4 / 29) مع اختصار وزاد فيه : ورموا بالنبال جنازته, حتى سل منها سبعون نبلاً .



تعليق على الجواب (1)

هل توجد اسانيد حول ما حصل عند دفن الامام الحسن عليه السلام
الجواب:

لقد ذكرت في الجواب نفسه الذي تعلق عليه جملة من الروايات المسندة من طرق الشيعة, ولعلك تريد روايات مسنده من طرق أهل السنة.
فيمكنك أن تراجع ما رواه الحاكم في مستدركه ج3 ص171 ورواية أبي هريرة وقوله للأمويين: (اتنفسون على ابن نبيكم (ص) بتربة تدفنونه فيها وقد سمعت رسول الله (ص) يقول: ((من أحبّهما فقد أحبّني ومن أبغضهما فقد أبغضني)). وهو حديث صحيح الإسناد بموافقة الذهبي.
وجاء في أنساب الأشراف للبلاذري ص749: (( وقال أبو سعيد الخدري وأبو هريرة لمروان : تمنع الحسن من أن يدفن مع جده, وقد قال رسول الله (ص) : الحسن والحسين سيِّدا شباب أهل الجنة)).
وأما ركوب عائشة للبغلة والتصدي لمنع دفن الإمام الحسن (عليه السلام) عند جده (صلى الله عليه وآله) فقد ذكره المحدثون تلميحاً وذكره اليعقوبي في تاريخه تصريحاً (2: 225), فارجع إليه.


تعليق على الجواب (2)
يعتمد العامة على الآية (( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم )) ليجوزوا دفن الشيحان بجانب النبي يعني أنه يؤخذ بها في حياته لأنه لو اعتمدناها في مماته لما تعذر على المسلمين زيارته ثم انهم يعيبون على الشيعة أنهم يطلبوا من النبي مباشرة أمام قبره بأن يكون شفيعهم فمن الأولى أن يطلبوا من الله بأن يجعل محمدا شفيعهم
الجواب:

إن الآية (( يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوت النبي إلا أن يؤذن لكم )) مطلقة لم تقيد الأمر بالحصول على الإذن في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم ومن يدعي التقيد بالحياة فعليه الدليل. ومن مصاديق الدخول هو الدفن في بيته ومن الواضح إنه كان بدون إذنه لأنه كان صلى الله عليه وآله قد انتقل إلى ربه ولا يوجد أحد يدعي أنّ الشيخين قد أخذا الإذن منه صلى الله عليه وآله وسلم في حياته ولا ينفع إذن عائشة لأنها لا تملك البيت بل هي أحد الورثة ليس إلا, نعم هي استولت عليه كله بإعانة السلطات وهذا أمر آخر.

وأما بالنسبة للزيارة لعامة المسلمين فقد جاء الإذن بها عاما لما ورد من الأخبار في زيارة النبي صلى الله عليه وآله وسلم منها ما رواه الدارقطني قال: من زار قبري, أو قال من زارني كنت له شفيعا أو شهيدا.(سنن الدارقطني3/244), وغيره فراجع.
وأما ما سألته بخصوص الشفاعة فارجع إلى صفحتنا تحت عنوان( ألأسئلة العقائدية/ الشفاعة) ولمزيد من التوضيح لما يشكله الوهابيون في مسألة زيارة القبور إرجع إلى صفحتنا تحت عنوان( الأسئلة العقائدية/ التوسل والاستغاثة).