الشيخ عباس محمد
15-08-2017, 07:09 PM
لسؤال: هل حديث (ان ابني هذا سيد ...) صحيح
ماصحة الحديث: (( إن ابني هذا (الحسن) سيد وسيصلح الله به بين فئتين من المسلمين ))
فقداحتج به احد الاخوة السنة للتدليل على ان اهل الشام من المؤمنين
الجواب:
يقول الشيخ علي الكوراني في (جواهر التاريخ ج3 ص 125):
(( إذا أردت تعرف معنى دس السم في العسل, فانظر إلى أحاديثهم عن الإمام الحسن (عليه السلام) ففيها أنواع من السم مدسوسة في عسل! ظاهرها المدح للإمام الحسن (عليه السلام) وباطنها المدح لبني أمية والذم لعلي والحسين والإمام الحسن (عليهم السلام)! لذلك عليك أن تحذر من كل ما رووه عن الإمام الحسن (عليه السلام)! فقد صوروه وكأنه خرج من العترة وبني هاشم ودخل في الحزب القرشي, وصار لا يؤمن بحق العترة النبوية بالإمامة والخلافة, لأنه لا يجوز أن تجتمع النبوة والإمامة في بني هاشم! بل الخلافة حق إلهي لبطون قريش جميعا وخاصة لبني أمية! وصوروه كأنه ضد أبيه (عليهما السلام) وضد حرب الجمل وصفين! وكذبوا عليه أنه أوصى أخاه الإمام الحسين (عليه السلام) أن لا يخرج على بني أمية! ثم زعموا أن الحسن (عليه السلام) شبيه بالنبي (صلى الله عليه وآله) والحسين شبيه بعلي (عليه السلام)! ثم أرادوا أن ينصفوا الحسن والحسين (عليهما السلام) فقالوا إن الحسن شبيه بجده إلى سرته والحسين شبيه به من سرته إلى قدمه, وكأنهم رأوا ذلك من النبي (صلى الله عليه وآله) والحسنين (عليهما السلام)! ))
البخاري يمدح معاوية ويبطن ذم الإمام الحسن (عليه السلام):
قال في صحيحه: 3 / 169 : (باب قول النبي (ص) للحسن بن علي رضي الله عنهما : ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين . وقوله جل ذكره : فأصلحوا بينهما ... - ( ونحن نقول لو كانت الررواية صحيحة وأن النبي (ص) يخبر عن وقوعها فلا تصح لفظة الترجي لعل وفيها دلالة على جهل الواضع فالنبي (ص) أوضح من نطق الضاد) - عن أبي موسى قال : سمعت الحسن (البصري) يقول: استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال فقال عمرو بن العاص إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها! فقال له معاوية وكان والله خير الرجلين! إن قتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء هؤلاء, من لي بأمور الناس من لي بنسائهم من لي بضيعتهم ؟! فبعث إليه رجلين من قريش من بنى عبد شمس : عبد الرحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر بن كريز فقال : إذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه وقولا له واطلبا إليه, فأتياه فدخلا عليه فتكلما وقالا له وطلبا إليه, فقال لهما الحسن بن علي : إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال! وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها . قالا : فإنه يعرض عليك كذا وكذا ويطلب إليك ويسألك . قال: فمن لي بهذا ؟ قالا : نحن لك به . فما سألهما شيئا إلا قالا نحن لك به, فصالحه! فقال الحسن (البصري): ولقد سمعت أبا بكرة يقول : رأيت رسول الله (ص) على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه, وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى, ويقول : إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين) . وقال البخاري : 8 / 98 : (باب قول النبي (ص) للحسن بن علي : إن ابني هذا لسيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين ... الحسن ( البصري ) قال : لما سار الحسن بن علي رضي الله عنهما إلى معاوية بالكتائب, قال عمرو بن العاص لمعاوية : أرى كتيبة لا تولي حتى تدبر أخراها! قال معاوية : من لذراري المسلمين ؟ فقال : أنا . فقال عبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن سمرة : نلقاه فنقول له الصلح ) . انتهى .
ونحوه في مستدرك الحاكم : 3 / 174, وفيه : ( فصالح الحسن معاوية وسلم الأمر له وبايعه بالخلافة على شروط ووثائق, وحمل معاوية إلى الحسن مالا عظيما! يقال خمس مائة ألف ألف درهم, وذلك في جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين, وإنما كان ولي قبل أن يسلم الأمر لمعاوية سبعة أشهر وأحد عشر يوما ) . انتهى .
لقد اختار البخاري من بين عشرات الروايات التي حفلت بها المصادر ورواها شيوخ البخاري, عن خلافة الإمام الحسن (عليه السلام) وحربه وصلحه مع معاوية, هذه الرواية الكاذبة الخبيثة التي تصور الأمر وكأن فئتي الصراع على حق وليس فيهما فئة باغية وأن النبي (صلى الله عليه وآله) وصفهما بأنهما : (فئتين عظيمتين من المسلمين)! ثم صور البخاري جيش الإمام الحسن (عليه السلام) بأنه كتائب أمثال الجبال جاهزة للحرب, لكن معاوية فكر في حفظ دماء المسلمين لتقواه, فأرسل زعيمين من بني أمية إلى الإمام الحسن (عليه السلام) ليعطياه ما يريد, فوجداه يريد المال فأعطياه ملايين وتم الصلح! فهل بعد هذا مسخ وتزوير وافتراء على سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسيد شباب أهل الجنة, من أجل تلميع شخصية معاوية القاتل الدموي الطليق بن الطليق ؟! أليس البخاري هو الذي روى عن النبي (صلى الله عليه وآله) أن عمارا تقتله الفئة الباغية, يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار! فكيف صار معاوية الذي وصفه النبي (صلى الله عليه وآله) بأنه إمام ضلال يدعو المسلمين إلى جهنم حريصا على دماء المسلمين ومصالحهم ؟! وهل أخطأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وصفه لمعاوية فلم يذكر تقواه ؟ ومتى كانت قوات الإمام الحسن (عليه السلام) كأمثال الجبال التي فسرها شارح البخاري : ( أي لا يرى لها طرف لكثرتها كما لا يرى من قابل الجبل طرفه ) ( فتح الباري : 13 / 53 ) ومتى كان الإمام الحسن (عليه السلام) بهذه الشخصية الضعيفة والمادية التي صورها الأمويون للناس! وسوقها البخاري ليغش بها أجيال المسلمين ؟! قال ابن حجر في الفتح : 13 / 55 : ( فقال معاوية : إذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه, أي ما شاء من المال . وقولا له : أي في حقن دماء المسلمين بالصلح . واطلبا إليه : أي أطلبا منه خلعه نفسه من الخلافة وتسليم الأمر لمعاوية, وابذلا له في مقابل ذلك ما شاء ..). انتهى .
فالمسألة إذن مالية! وسبط الرسول سيد شباب أهل الجنة صفحة إنما هو عند هؤلاء تاجر بخلافة جده المصطفى (صلى الله عليه وآله)!! والعجيب أن ابن حجر روى بعد هذا وصحح سنده, أن الإمام الحسن (عليه السلام) قد شرط على معاوية أن تكون الخلافة له من بعده! واعترف بأن معاوية نقض الشروط ونكث العهود كلها ولم يف له بشئ أبدا! فهل بقيت له شرعية ؟! قال: (وأخرج يعقوب بن سفيان بسند صحيح... وقد أرسل إلى الحسن يسأله الصلح ومع الرسول صحيفة بيضاء مختوم على أسفلها وكتب إليه : أن اشترط ما شئت فهو لك ... فلم ينفذ للحسن من الشرطين شئ! ... وأخرج ابن أبي خيثمة من طريق عبد الله ابن شوذب قال : لما قتل علي سار الحسن بن علي في أهل العراق ومعاوية في أهل الشام فالتقوا, فكره الحسن القتال وبايع معاوية على أن يجعل العهد للحسن من بعده). انتهى .
تأثير البخاري على ثقافة المذاهب:
من تأثيرات البخاري على المذاهب مساواته الفئة الباغية بالفئة المحقة, ومساواته عليا والحسن (عليهما السلام) بمعاوية! بل لقد جعل معاوية أفضل منهما بدرجة! وجعل موقف الحسن تخطئة لأبيه (عليهما السلام), فخلط الأوراق لمصلحة بني أمية! فإن لم يكن هذا تشويها للتاريخ, فكيف يكون التشويه ؟! أنظر إلى ما قاله ابن حجر في شرحه : 13 / 57 : (وفي هذه القصة من الفوائد علم من أعلام النبوة, ومنقبة للحسن بن علي فإنه ترك الملك لا لقلة ولا لذلة ولا لعلة بل لرغبته فيما عند الله, لما رآه من حقن دماء المسلمين فراعى أمر الدين ومصلحة الأمة! (يعني كان أفضل من أبيه)! وفيها رد على الخوارج الذين كانوا يكفرون عليا ومن معه ومعاوية ومن معه بشهادة النبي (صلى الله عليه وآله) للطائفتين بأنهم من المسلمين, ومن ثم كان سفيان بن عيينة يقول عقب هذا الحديث : قوله من المسلمين يعجبنا جدا! (يعجبهم : لأنه يساوي بين الحق والباطل والإمام الشرعي بالنص والغاصب المتغلب, وبين الفئة الباغية والمبغي عليها, وبين الدعاة إلى النار والدعاة إلى الجنة!) .
ثم قال ابن حجر : (وفيه فضيلة الإصلاح بين الناس ولا سيما في حقن دماء المسلمين ودلالة على رأفة معاوية بالرعية وشفقته على المسلمين وقوة نظره في تدبير الملك ونظره في العواقب .
((وبهذا يكون أحق بالخلافة من الإمام الحسن (عليه السلام))! وفيه ولاية المفضول الخلافة مع وجود الأفضل, لأن الحسن ومعاوية ولي كل منهما الخلافة, وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد في الحياة وهما بدريان.
قاله ابن التين! (فيكون الإمام الحسن (عليه السلام) كمعاوية, ويكون أي بدري أفضل من سيد شباب أهل الجنة والإمام بنص النبي (صلى الله عليه وآله))! ثم قال ابن حجر : وفيه جواز خلع الخليفة نفسه إذا رأى في ذلك صلاحا للمسلمين والنزول عن الوظائف الدينية والدنيوية بالمال وجواز أخذ المال على ذلك . (يعني أن الإمام الحسن (عليه السلام) خلع نفسه وباع الخلافة بيعا)! واستدل به على تصويب رأي من قعد عن القتال مع معاوية وعلي, وإن كان علي أحق بالخلافة وأقرب إلى الحق, وهو قول سعد بن أبي وقاص وابن عمر ومحمد بن مسلمة, وسائر من اعتزل تلك الحروب! ( يعني أن موقف الحياد والتخلف عن علي هو الصحيح, مع أن عليا (عليه السلام) مع الحق بنص النبي (صلى الله عليه وآله) الصحيح عندهم, وفئته الفئة المحقة بنص النبي (صلى الله عليه وآله) الصحيح عندهم, ومع أن ابن عمر ندم وخطأ نفسه مرارا لتخلفه عن بيعة علي (عليه السلام) وعدم جهاده بني أمية معه)! ثم قال ابن حجر : وذهب جمهور أهل السنة إلى تصويب من قاتل مع علي امتثال قوله تعالى : ﴿ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ﴾ , ففيها الأمر بقتال الفئة الباغية, وقد ثبت أن من قاتل عليا كانوا بغاة, وهؤلاء مع هذا التصويب متفقون على أنه لا يذم واحد من هؤلاء, بل يقولون اجتهدوا فأخطأوا ( يعني أن معاوية وحزبه بغاة ظالمون دعاة إلى النار وقتالهم فريضة, ودماؤهم هدر وقتلهم طاعة لله وقربة, والى جهنم وبئس المصير, لكنهم مجتهدون مأجورون في دعوتهم المسلمين إلى جهنم! ) .
ثم قال ابن حجر : (ذهب طائفة قليلة من أهل السنة وهو قول كثير من المعتزلة, إلى أن كلا من الطائفتين مصيب وطائفة إلى أن المصيب طائفة لا بعينها) . انتهى .
فانظر إلى هذا التزوير والهروب من قول الحق, وتعمد الخلط والإمعان فيه! على أنه لا بد لنا أن نشكر ابن حجر وغيره, لأنهم كشفوا عن أن بعض الرواة أضافوا إلى الحديث صفة ( عظيمتين )! فوضعوا يدنا على واحد من التزويرات الأموية في نص الأحاديث, وأعطونا الحق في أن نشك في أصل الحديث, لأنه موظف بالكامل لمصلحة بني أمية ولأن شهادتهم بالتزوير الجزئي توجب الشك في الكل! قال ابن حجر : (قوله : بين فئتين من المسلمين, زاد عبد الله بن محمد في روايته عظيمتين وكذا في رواية مبارك بن فضالة, وفي رواية علي بن زيد كلاهما عن الحسن عند البيهقي ... ولفظه عند الطبراني والبيهقي : قال للحسن إن ابني هذا سيد يصلح الله به بين فئتين من المسلمين .
قال البزار : روي هذا الحديث عن أبي بكرة وعن جابر, وحديث أبي بكرة أشهر وأحسن إسنادا وحديث جابر غريب) . انتهى .
وفي تحفة الأحوذي : 10 : 189 : (زاد البخاري في رواية : عظيمتين) .
وقال الألباني في إرواء الغليل : 6 / 41 : ( وزاد : ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين . زاد أصحاب السنن : عظيمتين )! انتهى .
فهذه شهادة من كبارهم بكذب الرواة في قسم من هذا الحديث لمصلحة بني أمية! وقد فاق العجلي الوضاعين فوصف الفئتين بالمؤمنين! قال : (ويصلح الله به بين فئتين من المؤمنين عظيمتين)! (الثقات: 1 / 297).
لكن ابن حجر فاق الجميع جميعا في تبنيه أقوال المغالين في بني أمية, فزعم أن الإمام الحسن (عليه السلام) كان شاكا في أنه أهل للخلافة وأحق بها من معاوية فاحتاط لدينه وأعطاها إلى معاوية! قال في فتح الباري : 13 / 53 : ( قال ابن بطال : ذكر أهل العلم بالأخبار أن عليا لما قتل سار معاوية يريد العراق وسار الحسن يريد الشام فالتقيا بمنزل من أرض الكوفة, فنظر الحسن إلى كثرة من معه فنادى : يا معاوية إني اخترت ما عند الله فإن يكن هذا الأمر لك فلا ينبغي لي أن أنازعك فيه, وإن يكن لي فقد تركته لك! فكبر أصحاب معاوية! وقال المغيرة عند ذلك : أشهد أني سمعت النبي ( ص ) يقول : إن ابني هذا سيد .. الحديث .. ) . انتهى .
فتأمل في (سيناريو) ابن بطال الذي تبناه ابن حجر واسأله : من هؤلاء أهل العلم بالأخبار ؟ أليست الأخبار التي رويتموها وصححتموها في الصلح ؟! فلماذا تركتها وتبنيت رواية ابن بطال اللقيطة التي سندها : (ذكر أهل العلم بالأخبار)! لا يغرك أبناء بطال وتيمية وحجر وأمثالهم, فهم أمويون أكثر من بني أمية! وعندما ترى أحدهم يقول (قال أهل العلم) فاعرف أنه قول شخص مغمور أخفاه لمهانته, أو هو قوله هو يلبسه لأهل العلم ليغش به المسلمين! هذا ولعله هو المغيرة كما يظهر التصريم به في نهاية الرواية ـ وينبغي أن تعرف أن البخاري المحب لمعاوية المتعصب له, مضطر لأن يستعمل الأسلوب المبطن والتقية في صحيحه, لأنه كتبه للمتوكل العباسي الذي هو مثله! لكنه يخشى بني العباس إن مدح معاوية, وإلا لكشف عن دخيلته!
ماصحة الحديث: (( إن ابني هذا (الحسن) سيد وسيصلح الله به بين فئتين من المسلمين ))
فقداحتج به احد الاخوة السنة للتدليل على ان اهل الشام من المؤمنين
الجواب:
يقول الشيخ علي الكوراني في (جواهر التاريخ ج3 ص 125):
(( إذا أردت تعرف معنى دس السم في العسل, فانظر إلى أحاديثهم عن الإمام الحسن (عليه السلام) ففيها أنواع من السم مدسوسة في عسل! ظاهرها المدح للإمام الحسن (عليه السلام) وباطنها المدح لبني أمية والذم لعلي والحسين والإمام الحسن (عليهم السلام)! لذلك عليك أن تحذر من كل ما رووه عن الإمام الحسن (عليه السلام)! فقد صوروه وكأنه خرج من العترة وبني هاشم ودخل في الحزب القرشي, وصار لا يؤمن بحق العترة النبوية بالإمامة والخلافة, لأنه لا يجوز أن تجتمع النبوة والإمامة في بني هاشم! بل الخلافة حق إلهي لبطون قريش جميعا وخاصة لبني أمية! وصوروه كأنه ضد أبيه (عليهما السلام) وضد حرب الجمل وصفين! وكذبوا عليه أنه أوصى أخاه الإمام الحسين (عليه السلام) أن لا يخرج على بني أمية! ثم زعموا أن الحسن (عليه السلام) شبيه بالنبي (صلى الله عليه وآله) والحسين شبيه بعلي (عليه السلام)! ثم أرادوا أن ينصفوا الحسن والحسين (عليهما السلام) فقالوا إن الحسن شبيه بجده إلى سرته والحسين شبيه به من سرته إلى قدمه, وكأنهم رأوا ذلك من النبي (صلى الله عليه وآله) والحسنين (عليهما السلام)! ))
البخاري يمدح معاوية ويبطن ذم الإمام الحسن (عليه السلام):
قال في صحيحه: 3 / 169 : (باب قول النبي (ص) للحسن بن علي رضي الله عنهما : ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين . وقوله جل ذكره : فأصلحوا بينهما ... - ( ونحن نقول لو كانت الررواية صحيحة وأن النبي (ص) يخبر عن وقوعها فلا تصح لفظة الترجي لعل وفيها دلالة على جهل الواضع فالنبي (ص) أوضح من نطق الضاد) - عن أبي موسى قال : سمعت الحسن (البصري) يقول: استقبل والله الحسن بن علي معاوية بكتائب أمثال الجبال فقال عمرو بن العاص إني لأرى كتائب لا تولي حتى تقتل أقرانها! فقال له معاوية وكان والله خير الرجلين! إن قتل هؤلاء هؤلاء وهؤلاء هؤلاء, من لي بأمور الناس من لي بنسائهم من لي بضيعتهم ؟! فبعث إليه رجلين من قريش من بنى عبد شمس : عبد الرحمن بن سمرة وعبد الله بن عامر بن كريز فقال : إذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه وقولا له واطلبا إليه, فأتياه فدخلا عليه فتكلما وقالا له وطلبا إليه, فقال لهما الحسن بن علي : إنا بنو عبد المطلب قد أصبنا من هذا المال! وإن هذه الأمة قد عاثت في دمائها . قالا : فإنه يعرض عليك كذا وكذا ويطلب إليك ويسألك . قال: فمن لي بهذا ؟ قالا : نحن لك به . فما سألهما شيئا إلا قالا نحن لك به, فصالحه! فقال الحسن (البصري): ولقد سمعت أبا بكرة يقول : رأيت رسول الله (ص) على المنبر والحسن بن علي إلى جنبه, وهو يقبل على الناس مرة وعليه أخرى, ويقول : إن ابني هذا سيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين عظيمتين من المسلمين) . وقال البخاري : 8 / 98 : (باب قول النبي (ص) للحسن بن علي : إن ابني هذا لسيد ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين ... الحسن ( البصري ) قال : لما سار الحسن بن علي رضي الله عنهما إلى معاوية بالكتائب, قال عمرو بن العاص لمعاوية : أرى كتيبة لا تولي حتى تدبر أخراها! قال معاوية : من لذراري المسلمين ؟ فقال : أنا . فقال عبد الله بن عامر وعبد الرحمن بن سمرة : نلقاه فنقول له الصلح ) . انتهى .
ونحوه في مستدرك الحاكم : 3 / 174, وفيه : ( فصالح الحسن معاوية وسلم الأمر له وبايعه بالخلافة على شروط ووثائق, وحمل معاوية إلى الحسن مالا عظيما! يقال خمس مائة ألف ألف درهم, وذلك في جمادى الأولى سنة إحدى وأربعين, وإنما كان ولي قبل أن يسلم الأمر لمعاوية سبعة أشهر وأحد عشر يوما ) . انتهى .
لقد اختار البخاري من بين عشرات الروايات التي حفلت بها المصادر ورواها شيوخ البخاري, عن خلافة الإمام الحسن (عليه السلام) وحربه وصلحه مع معاوية, هذه الرواية الكاذبة الخبيثة التي تصور الأمر وكأن فئتي الصراع على حق وليس فيهما فئة باغية وأن النبي (صلى الله عليه وآله) وصفهما بأنهما : (فئتين عظيمتين من المسلمين)! ثم صور البخاري جيش الإمام الحسن (عليه السلام) بأنه كتائب أمثال الجبال جاهزة للحرب, لكن معاوية فكر في حفظ دماء المسلمين لتقواه, فأرسل زعيمين من بني أمية إلى الإمام الحسن (عليه السلام) ليعطياه ما يريد, فوجداه يريد المال فأعطياه ملايين وتم الصلح! فهل بعد هذا مسخ وتزوير وافتراء على سبط رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسيد شباب أهل الجنة, من أجل تلميع شخصية معاوية القاتل الدموي الطليق بن الطليق ؟! أليس البخاري هو الذي روى عن النبي (صلى الله عليه وآله) أن عمارا تقتله الفئة الباغية, يدعوهم إلى الجنة ويدعونه إلى النار! فكيف صار معاوية الذي وصفه النبي (صلى الله عليه وآله) بأنه إمام ضلال يدعو المسلمين إلى جهنم حريصا على دماء المسلمين ومصالحهم ؟! وهل أخطأ رسول الله (صلى الله عليه وآله) في وصفه لمعاوية فلم يذكر تقواه ؟ ومتى كانت قوات الإمام الحسن (عليه السلام) كأمثال الجبال التي فسرها شارح البخاري : ( أي لا يرى لها طرف لكثرتها كما لا يرى من قابل الجبل طرفه ) ( فتح الباري : 13 / 53 ) ومتى كان الإمام الحسن (عليه السلام) بهذه الشخصية الضعيفة والمادية التي صورها الأمويون للناس! وسوقها البخاري ليغش بها أجيال المسلمين ؟! قال ابن حجر في الفتح : 13 / 55 : ( فقال معاوية : إذهبا إلى هذا الرجل فاعرضا عليه, أي ما شاء من المال . وقولا له : أي في حقن دماء المسلمين بالصلح . واطلبا إليه : أي أطلبا منه خلعه نفسه من الخلافة وتسليم الأمر لمعاوية, وابذلا له في مقابل ذلك ما شاء ..). انتهى .
فالمسألة إذن مالية! وسبط الرسول سيد شباب أهل الجنة صفحة إنما هو عند هؤلاء تاجر بخلافة جده المصطفى (صلى الله عليه وآله)!! والعجيب أن ابن حجر روى بعد هذا وصحح سنده, أن الإمام الحسن (عليه السلام) قد شرط على معاوية أن تكون الخلافة له من بعده! واعترف بأن معاوية نقض الشروط ونكث العهود كلها ولم يف له بشئ أبدا! فهل بقيت له شرعية ؟! قال: (وأخرج يعقوب بن سفيان بسند صحيح... وقد أرسل إلى الحسن يسأله الصلح ومع الرسول صحيفة بيضاء مختوم على أسفلها وكتب إليه : أن اشترط ما شئت فهو لك ... فلم ينفذ للحسن من الشرطين شئ! ... وأخرج ابن أبي خيثمة من طريق عبد الله ابن شوذب قال : لما قتل علي سار الحسن بن علي في أهل العراق ومعاوية في أهل الشام فالتقوا, فكره الحسن القتال وبايع معاوية على أن يجعل العهد للحسن من بعده). انتهى .
تأثير البخاري على ثقافة المذاهب:
من تأثيرات البخاري على المذاهب مساواته الفئة الباغية بالفئة المحقة, ومساواته عليا والحسن (عليهما السلام) بمعاوية! بل لقد جعل معاوية أفضل منهما بدرجة! وجعل موقف الحسن تخطئة لأبيه (عليهما السلام), فخلط الأوراق لمصلحة بني أمية! فإن لم يكن هذا تشويها للتاريخ, فكيف يكون التشويه ؟! أنظر إلى ما قاله ابن حجر في شرحه : 13 / 57 : (وفي هذه القصة من الفوائد علم من أعلام النبوة, ومنقبة للحسن بن علي فإنه ترك الملك لا لقلة ولا لذلة ولا لعلة بل لرغبته فيما عند الله, لما رآه من حقن دماء المسلمين فراعى أمر الدين ومصلحة الأمة! (يعني كان أفضل من أبيه)! وفيها رد على الخوارج الذين كانوا يكفرون عليا ومن معه ومعاوية ومن معه بشهادة النبي (صلى الله عليه وآله) للطائفتين بأنهم من المسلمين, ومن ثم كان سفيان بن عيينة يقول عقب هذا الحديث : قوله من المسلمين يعجبنا جدا! (يعجبهم : لأنه يساوي بين الحق والباطل والإمام الشرعي بالنص والغاصب المتغلب, وبين الفئة الباغية والمبغي عليها, وبين الدعاة إلى النار والدعاة إلى الجنة!) .
ثم قال ابن حجر : (وفيه فضيلة الإصلاح بين الناس ولا سيما في حقن دماء المسلمين ودلالة على رأفة معاوية بالرعية وشفقته على المسلمين وقوة نظره في تدبير الملك ونظره في العواقب .
((وبهذا يكون أحق بالخلافة من الإمام الحسن (عليه السلام))! وفيه ولاية المفضول الخلافة مع وجود الأفضل, لأن الحسن ومعاوية ولي كل منهما الخلافة, وسعد بن أبي وقاص وسعيد بن زيد في الحياة وهما بدريان.
قاله ابن التين! (فيكون الإمام الحسن (عليه السلام) كمعاوية, ويكون أي بدري أفضل من سيد شباب أهل الجنة والإمام بنص النبي (صلى الله عليه وآله))! ثم قال ابن حجر : وفيه جواز خلع الخليفة نفسه إذا رأى في ذلك صلاحا للمسلمين والنزول عن الوظائف الدينية والدنيوية بالمال وجواز أخذ المال على ذلك . (يعني أن الإمام الحسن (عليه السلام) خلع نفسه وباع الخلافة بيعا)! واستدل به على تصويب رأي من قعد عن القتال مع معاوية وعلي, وإن كان علي أحق بالخلافة وأقرب إلى الحق, وهو قول سعد بن أبي وقاص وابن عمر ومحمد بن مسلمة, وسائر من اعتزل تلك الحروب! ( يعني أن موقف الحياد والتخلف عن علي هو الصحيح, مع أن عليا (عليه السلام) مع الحق بنص النبي (صلى الله عليه وآله) الصحيح عندهم, وفئته الفئة المحقة بنص النبي (صلى الله عليه وآله) الصحيح عندهم, ومع أن ابن عمر ندم وخطأ نفسه مرارا لتخلفه عن بيعة علي (عليه السلام) وعدم جهاده بني أمية معه)! ثم قال ابن حجر : وذهب جمهور أهل السنة إلى تصويب من قاتل مع علي امتثال قوله تعالى : ﴿ وإن طائفتان من المؤمنين اقتتلوا ﴾ , ففيها الأمر بقتال الفئة الباغية, وقد ثبت أن من قاتل عليا كانوا بغاة, وهؤلاء مع هذا التصويب متفقون على أنه لا يذم واحد من هؤلاء, بل يقولون اجتهدوا فأخطأوا ( يعني أن معاوية وحزبه بغاة ظالمون دعاة إلى النار وقتالهم فريضة, ودماؤهم هدر وقتلهم طاعة لله وقربة, والى جهنم وبئس المصير, لكنهم مجتهدون مأجورون في دعوتهم المسلمين إلى جهنم! ) .
ثم قال ابن حجر : (ذهب طائفة قليلة من أهل السنة وهو قول كثير من المعتزلة, إلى أن كلا من الطائفتين مصيب وطائفة إلى أن المصيب طائفة لا بعينها) . انتهى .
فانظر إلى هذا التزوير والهروب من قول الحق, وتعمد الخلط والإمعان فيه! على أنه لا بد لنا أن نشكر ابن حجر وغيره, لأنهم كشفوا عن أن بعض الرواة أضافوا إلى الحديث صفة ( عظيمتين )! فوضعوا يدنا على واحد من التزويرات الأموية في نص الأحاديث, وأعطونا الحق في أن نشك في أصل الحديث, لأنه موظف بالكامل لمصلحة بني أمية ولأن شهادتهم بالتزوير الجزئي توجب الشك في الكل! قال ابن حجر : (قوله : بين فئتين من المسلمين, زاد عبد الله بن محمد في روايته عظيمتين وكذا في رواية مبارك بن فضالة, وفي رواية علي بن زيد كلاهما عن الحسن عند البيهقي ... ولفظه عند الطبراني والبيهقي : قال للحسن إن ابني هذا سيد يصلح الله به بين فئتين من المسلمين .
قال البزار : روي هذا الحديث عن أبي بكرة وعن جابر, وحديث أبي بكرة أشهر وأحسن إسنادا وحديث جابر غريب) . انتهى .
وفي تحفة الأحوذي : 10 : 189 : (زاد البخاري في رواية : عظيمتين) .
وقال الألباني في إرواء الغليل : 6 / 41 : ( وزاد : ولعل الله أن يصلح به بين فئتين من المسلمين . زاد أصحاب السنن : عظيمتين )! انتهى .
فهذه شهادة من كبارهم بكذب الرواة في قسم من هذا الحديث لمصلحة بني أمية! وقد فاق العجلي الوضاعين فوصف الفئتين بالمؤمنين! قال : (ويصلح الله به بين فئتين من المؤمنين عظيمتين)! (الثقات: 1 / 297).
لكن ابن حجر فاق الجميع جميعا في تبنيه أقوال المغالين في بني أمية, فزعم أن الإمام الحسن (عليه السلام) كان شاكا في أنه أهل للخلافة وأحق بها من معاوية فاحتاط لدينه وأعطاها إلى معاوية! قال في فتح الباري : 13 / 53 : ( قال ابن بطال : ذكر أهل العلم بالأخبار أن عليا لما قتل سار معاوية يريد العراق وسار الحسن يريد الشام فالتقيا بمنزل من أرض الكوفة, فنظر الحسن إلى كثرة من معه فنادى : يا معاوية إني اخترت ما عند الله فإن يكن هذا الأمر لك فلا ينبغي لي أن أنازعك فيه, وإن يكن لي فقد تركته لك! فكبر أصحاب معاوية! وقال المغيرة عند ذلك : أشهد أني سمعت النبي ( ص ) يقول : إن ابني هذا سيد .. الحديث .. ) . انتهى .
فتأمل في (سيناريو) ابن بطال الذي تبناه ابن حجر واسأله : من هؤلاء أهل العلم بالأخبار ؟ أليست الأخبار التي رويتموها وصححتموها في الصلح ؟! فلماذا تركتها وتبنيت رواية ابن بطال اللقيطة التي سندها : (ذكر أهل العلم بالأخبار)! لا يغرك أبناء بطال وتيمية وحجر وأمثالهم, فهم أمويون أكثر من بني أمية! وعندما ترى أحدهم يقول (قال أهل العلم) فاعرف أنه قول شخص مغمور أخفاه لمهانته, أو هو قوله هو يلبسه لأهل العلم ليغش به المسلمين! هذا ولعله هو المغيرة كما يظهر التصريم به في نهاية الرواية ـ وينبغي أن تعرف أن البخاري المحب لمعاوية المتعصب له, مضطر لأن يستعمل الأسلوب المبطن والتقية في صحيحه, لأنه كتبه للمتوكل العباسي الذي هو مثله! لكنه يخشى بني العباس إن مدح معاوية, وإلا لكشف عن دخيلته!