الشيخ عباس محمد
28-08-2017, 05:43 PM
إخراج الحسين عياله دليل عدم علمه بالغيب..!!
قال السائل: لماذا أخذ الحسين معه النساء والأطفال لكربلاء؟!
إن قلت: إنه لم يكن يعرف ما سيحصل لهم، سأقول لك: لقد نسفت العصمة المزعومة التي تقول: إن الحسين يعلم الغيب.
وإن قلت: إنه يعلم، فسأقول لك: هل خرج الحسين ليقتل أبناؤه؟!
وإن قلت: إن الحسين خرج لينقذ الإسلام كما يردد علمائك، فسأقول لك: وهل كان الإسلام منحرفاً في عهد الحسن؟! وهل كان الإسلام منحرفاً في عهد علي؟!
ولماذا لم يخرجا لإعادة الإسلام؟!
فإما أن تشهد بعدالة الخلفاء وصدقهم ورضى علي بهم، أو تشهد بخيانة علي والحسن للإسلام.
ونجيب:
أولا: إن ما ورد في السؤال، من أن العصمة تقتضي علم الغيب، لا يصح، بل هي تقتضي العمل بالتكليف الشرعي، وعدم الخطأ في تطبيقه، وعدم إهماله ونسيانه.
ثانياً: إن السائل نفسه يقول: إن النبي «صلى الله عليه وآله» كان معصوماً، ويقول عن نفسه: إنه يعتقد بالقرآن الذي يقول عنه «صلى الله عليه وآله»: ﴿وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ﴾([1]).
ولنا أن نقول أيضاً: إن هذا السائل يعتقد: بأن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أخبر بكثير من الغيوب التي تحققت، ومنها: أن علياً «عليه السلام» سيقاتل الناكثين، والقاسطين، والمارقين. وان عائشة ستخرج على علي «عليه السلام» ظالمة له، وأنها ستنبحها كلاب الحوأب.
ونضيف هنا أيضاً: أنكم قد رويتم في كثيرٍ من مصادركم الأساسيّة: أنه «صلى الله عليه وآله» قد أخبر بقتل الإمام الحسين في كربلاء، وبكى عليه، وأودع لدى أمّ سلمة قارورةً فيها من تراب كربلاء، وقال لها: إنها إن فاضت دماً، فلتعلم أن الحسين قد قتل([2]).
ثالثاً: إذا كان الحسين يعلم بأنه سيقتل في كربلاء، وهو يمارس وظيفته الشرعية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن ذلك لا يمنعه من القيام بما أوجبه الله عليه من الذهاب إلى تلك البقعة.
كما أن علم إبراهيم خليل الله بأنه سيواجه القتل إذا حطم الأصنام للنمرود، لم يمنعه من فعل ذلك. وعلم الأنبياء كلهم بما سيواجهونه من مصائب وبلايا وأخطار لا يجعلهم يتخلون عن واجبهم، والجلوس في زوايا بيوتهم، أو الهروب من مسؤلياتهم.
وكان الرسول «صلى الله عليه وآله» يعلم أيضاً بما سيواجهه به المشركون، وكان يرى ما يفعلونه بأصحابه من تعذيبٍ إلى حد الموت، ولكنه كان يأمرهم بالصبر، ويقول لعمار وأبيه وأمه: «صبراً يا آل ياسر»([3]).
فلماذا لم يتخلوا عن دينهم، أو عن صلاتهم، وصومهم على الأقل، ليتخلصوا من الموت الذي طال حتى النساء منهم، حيث ماتت والدة عمار تحت التعذيب؟!
وإذا كان لا بد من حمل النساء والأطفال مع الحسين «عليه السلام» إلى كربلاء، لكي يقع عليهم السبي أو القتل، وليمنع ذلك من إثارة الشبهات والشكوك حول ما جرى له «عليه السلام»، ويضيع بذلك دمه، ولا ينتفع به الإسلام والمسلمون. حين يدعي بنو أمية ومحبوهم:
أن الحسين قد قتل بيد اللصوص، أو افترسته الوحوش، أو ما إلى ذلك.
نعم.. إنه حين يكون المطلوب هو حفظ الإسلام بهذا الدم، وبهذا السبي، فهل سيبخل الحسين بذلك، ويمتنع من حملهم معه إلى كربلاء، ويحفظ بهم الإسلام والدين؟!
ومن يجود بدمه فى سبيل دينه، هل سيبخل بما هو دونه؟! إن احتاج الإسلام إليه؟!
وهل سيكون آل ياسر الذين تعرضت نساؤهم للتعذيب والقتل أسخى على الدين من الحسين «عليه السلام»..
رابعاً: إن الإسلام لم ينحرف، ولا يمكن أن ينحرف في يومٍ من الأيام، بل كان فريق من الناس ممن يدعي الإسلام هم الذين ينحرفون عنه، ويعملون على صد الناس عن الدخول فيه، أو عن العمل والالتزام بأحكامه.
خامساً: إن حال الناس في مدى التزامهم بالإسلام يختلف ويتفاوت من عصر لعصر ومن وقت لآخر..
كما أن سبل هدايتهم، وصيانة دينهم، وحفظ يقينهم، وما يؤثر في سلامة مسيرتهم تختلف وتتفاوت وتخضع للظروف، وللقدرات وللإمكانات، اختلاف الحالات، فقد يكفي فيه مجرد التعليم والإرشاد، وقد يحتاج إلى ممارسة بعض الشدة في الزجر عن المنكر، والتشدد في فرض المعروف.. وربما بلغ الانحراف عن خط الاستقامة حداً يحتاج فيه تصحيح المسار إلى درجات أشد من الكفاح، وإلى الجهاد واستعمال السلاح وخوض اللجج وبذل الأرواح والمهج.
وهذا ما فعله رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالذات، فقد مارس من أساليب الدعوة إلى الله في كل حين ما توفر لديه، وسمحت به الظروف، واقتضته الأحوال، فما احتاج اليه وتوفر لديه واستفاد منه في مكة قد اختلف عما احتاج إليه وتوفر لديه واستفاد منه في المدينة، وما مارسه في صلح الحديبية اختلف عما مارسه في فتح مكة، واختلف هذا وذاك مع ما كان في بدر وأحد وحنين.
سادساً: هل يستطيع مسلم أن يساوي بين عهد يزيد وبين ممارسات يزيد، وبين عهد أبي يكر وممارسات أبي يكر؟! أو بينه وبين عمر ابن الخطاب؟! أو بين يزيد وبين علي «عليه السلام» في سيرته وممارساته؟!
بل إنك لا تستطيع أن تساوي حتى بين أبي بكر وعثمان، في سيرتهما، وفي طريقتهما، فهل تساوي بين يزيد وعهده وبينهم وبين عهدهم؟!
________________________________________
([1]) الآية 188 من سورة الأعراف.
([2]) راجع: تاريخ اليعقوبي ج2 ص245 و 246 والمعجم الكبير للطبراني ج3 ص108 وتاريخ مدينة دمشق ج14 ص193 وكفاية الطالب ص279 وتهذيب الكمال ج6 ص408 ومقتل الحسين للخوازمي ص170 و (ط مطبعة الزهراء) ج2 ص96 ونظم درر السمطين ص215 والكامل في التاريخ ج4 ص93 والوافي بالوفيات ج12 ص263 وإمتاع الأسماع ج12 ص238 وج14 ص146 وترجمة الإمام الحسين «عليه السلام» لابن عساكر ص251 و 252 و معارج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول للزرندي الشافعي ص93 وكتاب الفتوح لابن أعثم ج4 ص324 وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص83 وذخائر العقبى ص147 وطرح التثريب ج1 ص42 ومجمع الزوائد ج9 ص189 وينابيع المودة ج3 ص11 و 12 والمواهب اللدنية ص195 والخصائص الكبرى للسيوطي ج2 ص125 وجوهرة الكلام ص120 ومأتم الحسين أو سيرتنا وسنتنا للعلامة الأميني (ط سنة 1428 هـ) ص90 عن مصادر كثيرة.
([3]) المستدرك للحاكم ج3 ص383 والإصابة ج6 ص500 وج8 ص190 والإستيعاب ج4 ص1589 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج20 ص36 وكنز العمال ج11 ص728 والدرجات الرفيعة ص256 و 260 والجوهرة في نسب الإمام علي وآله ص98 والمناقب للخوارزمي ص234 والسيرة الحلبية ج1 ص483.
قال السائل: لماذا أخذ الحسين معه النساء والأطفال لكربلاء؟!
إن قلت: إنه لم يكن يعرف ما سيحصل لهم، سأقول لك: لقد نسفت العصمة المزعومة التي تقول: إن الحسين يعلم الغيب.
وإن قلت: إنه يعلم، فسأقول لك: هل خرج الحسين ليقتل أبناؤه؟!
وإن قلت: إن الحسين خرج لينقذ الإسلام كما يردد علمائك، فسأقول لك: وهل كان الإسلام منحرفاً في عهد الحسن؟! وهل كان الإسلام منحرفاً في عهد علي؟!
ولماذا لم يخرجا لإعادة الإسلام؟!
فإما أن تشهد بعدالة الخلفاء وصدقهم ورضى علي بهم، أو تشهد بخيانة علي والحسن للإسلام.
ونجيب:
أولا: إن ما ورد في السؤال، من أن العصمة تقتضي علم الغيب، لا يصح، بل هي تقتضي العمل بالتكليف الشرعي، وعدم الخطأ في تطبيقه، وعدم إهماله ونسيانه.
ثانياً: إن السائل نفسه يقول: إن النبي «صلى الله عليه وآله» كان معصوماً، ويقول عن نفسه: إنه يعتقد بالقرآن الذي يقول عنه «صلى الله عليه وآله»: ﴿وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ﴾([1]).
ولنا أن نقول أيضاً: إن هذا السائل يعتقد: بأن النبي «صلى الله عليه وآله» قد أخبر بكثير من الغيوب التي تحققت، ومنها: أن علياً «عليه السلام» سيقاتل الناكثين، والقاسطين، والمارقين. وان عائشة ستخرج على علي «عليه السلام» ظالمة له، وأنها ستنبحها كلاب الحوأب.
ونضيف هنا أيضاً: أنكم قد رويتم في كثيرٍ من مصادركم الأساسيّة: أنه «صلى الله عليه وآله» قد أخبر بقتل الإمام الحسين في كربلاء، وبكى عليه، وأودع لدى أمّ سلمة قارورةً فيها من تراب كربلاء، وقال لها: إنها إن فاضت دماً، فلتعلم أن الحسين قد قتل([2]).
ثالثاً: إذا كان الحسين يعلم بأنه سيقتل في كربلاء، وهو يمارس وظيفته الشرعية في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، فإن ذلك لا يمنعه من القيام بما أوجبه الله عليه من الذهاب إلى تلك البقعة.
كما أن علم إبراهيم خليل الله بأنه سيواجه القتل إذا حطم الأصنام للنمرود، لم يمنعه من فعل ذلك. وعلم الأنبياء كلهم بما سيواجهونه من مصائب وبلايا وأخطار لا يجعلهم يتخلون عن واجبهم، والجلوس في زوايا بيوتهم، أو الهروب من مسؤلياتهم.
وكان الرسول «صلى الله عليه وآله» يعلم أيضاً بما سيواجهه به المشركون، وكان يرى ما يفعلونه بأصحابه من تعذيبٍ إلى حد الموت، ولكنه كان يأمرهم بالصبر، ويقول لعمار وأبيه وأمه: «صبراً يا آل ياسر»([3]).
فلماذا لم يتخلوا عن دينهم، أو عن صلاتهم، وصومهم على الأقل، ليتخلصوا من الموت الذي طال حتى النساء منهم، حيث ماتت والدة عمار تحت التعذيب؟!
وإذا كان لا بد من حمل النساء والأطفال مع الحسين «عليه السلام» إلى كربلاء، لكي يقع عليهم السبي أو القتل، وليمنع ذلك من إثارة الشبهات والشكوك حول ما جرى له «عليه السلام»، ويضيع بذلك دمه، ولا ينتفع به الإسلام والمسلمون. حين يدعي بنو أمية ومحبوهم:
أن الحسين قد قتل بيد اللصوص، أو افترسته الوحوش، أو ما إلى ذلك.
نعم.. إنه حين يكون المطلوب هو حفظ الإسلام بهذا الدم، وبهذا السبي، فهل سيبخل الحسين بذلك، ويمتنع من حملهم معه إلى كربلاء، ويحفظ بهم الإسلام والدين؟!
ومن يجود بدمه فى سبيل دينه، هل سيبخل بما هو دونه؟! إن احتاج الإسلام إليه؟!
وهل سيكون آل ياسر الذين تعرضت نساؤهم للتعذيب والقتل أسخى على الدين من الحسين «عليه السلام»..
رابعاً: إن الإسلام لم ينحرف، ولا يمكن أن ينحرف في يومٍ من الأيام، بل كان فريق من الناس ممن يدعي الإسلام هم الذين ينحرفون عنه، ويعملون على صد الناس عن الدخول فيه، أو عن العمل والالتزام بأحكامه.
خامساً: إن حال الناس في مدى التزامهم بالإسلام يختلف ويتفاوت من عصر لعصر ومن وقت لآخر..
كما أن سبل هدايتهم، وصيانة دينهم، وحفظ يقينهم، وما يؤثر في سلامة مسيرتهم تختلف وتتفاوت وتخضع للظروف، وللقدرات وللإمكانات، اختلاف الحالات، فقد يكفي فيه مجرد التعليم والإرشاد، وقد يحتاج إلى ممارسة بعض الشدة في الزجر عن المنكر، والتشدد في فرض المعروف.. وربما بلغ الانحراف عن خط الاستقامة حداً يحتاج فيه تصحيح المسار إلى درجات أشد من الكفاح، وإلى الجهاد واستعمال السلاح وخوض اللجج وبذل الأرواح والمهج.
وهذا ما فعله رسول الله «صلى الله عليه وآله» بالذات، فقد مارس من أساليب الدعوة إلى الله في كل حين ما توفر لديه، وسمحت به الظروف، واقتضته الأحوال، فما احتاج اليه وتوفر لديه واستفاد منه في مكة قد اختلف عما احتاج إليه وتوفر لديه واستفاد منه في المدينة، وما مارسه في صلح الحديبية اختلف عما مارسه في فتح مكة، واختلف هذا وذاك مع ما كان في بدر وأحد وحنين.
سادساً: هل يستطيع مسلم أن يساوي بين عهد يزيد وبين ممارسات يزيد، وبين عهد أبي يكر وممارسات أبي يكر؟! أو بينه وبين عمر ابن الخطاب؟! أو بين يزيد وبين علي «عليه السلام» في سيرته وممارساته؟!
بل إنك لا تستطيع أن تساوي حتى بين أبي بكر وعثمان، في سيرتهما، وفي طريقتهما، فهل تساوي بين يزيد وعهده وبينهم وبين عهدهم؟!
________________________________________
([1]) الآية 188 من سورة الأعراف.
([2]) راجع: تاريخ اليعقوبي ج2 ص245 و 246 والمعجم الكبير للطبراني ج3 ص108 وتاريخ مدينة دمشق ج14 ص193 وكفاية الطالب ص279 وتهذيب الكمال ج6 ص408 ومقتل الحسين للخوازمي ص170 و (ط مطبعة الزهراء) ج2 ص96 ونظم درر السمطين ص215 والكامل في التاريخ ج4 ص93 والوافي بالوفيات ج12 ص263 وإمتاع الأسماع ج12 ص238 وج14 ص146 وترجمة الإمام الحسين «عليه السلام» لابن عساكر ص251 و 252 و معارج الوصول إلى معرفة فضل آل الرسول للزرندي الشافعي ص93 وكتاب الفتوح لابن أعثم ج4 ص324 وخلاصة تذهيب تهذيب الكمال ص83 وذخائر العقبى ص147 وطرح التثريب ج1 ص42 ومجمع الزوائد ج9 ص189 وينابيع المودة ج3 ص11 و 12 والمواهب اللدنية ص195 والخصائص الكبرى للسيوطي ج2 ص125 وجوهرة الكلام ص120 ومأتم الحسين أو سيرتنا وسنتنا للعلامة الأميني (ط سنة 1428 هـ) ص90 عن مصادر كثيرة.
([3]) المستدرك للحاكم ج3 ص383 والإصابة ج6 ص500 وج8 ص190 والإستيعاب ج4 ص1589 وشرح نهج البلاغة للمعتزلي ج20 ص36 وكنز العمال ج11 ص728 والدرجات الرفيعة ص256 و 260 والجوهرة في نسب الإمام علي وآله ص98 والمناقب للخوارزمي ص234 والسيرة الحلبية ج1 ص483.