المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : في ضرورة التربية


الشيخ عباس محمد
03-09-2017, 05:40 PM
في ضرورة التربية




تحتل التربية أولى الأوليات في حياة الإنسان . ولا يمكن للإنسان أن يستغني من وجود مربي أو معلم يربيه ويهديه الى سبيل العيش السعيد في أي مرحلة من مراحل الحياة . فلم يأتي الأنبياء الالهيون لتربية الأطفال والشباب وحسب ، بل إنما بعثوا لهداية البشرية جمعاء .
إن أمر التربية ضرورة لجميع الناس في كل عصر ومصر وتزداد هذه الضرورة في عصرنا الحاضر أكثر من ذي قبل وذلك لتعقد الحياة وشيوع عوامل الإنحراف والسقوط بشكل لم يسبق له مثيلا . إضافة الى ذلك الضرورات السياسية ، والإقتصادية ، و الإجتماعية ، والثقافية التي تحتم إستمرارية التربية وتواصلها .
في تربية الفتيات المراهقات


وتزداد هذه الضرورة بشأن تربية المراهقات أكثر من أي فئة عمرية أخرى ، وذلك لما تتسم به هذه المرحلة من حياتهن من إنفعالات وإضطرابات تستوجب أن يكون على رأسهن هاد وموجه يسدد خطاهن ويرشدهن غلى السبل الصحيحة في الحياة . ويمكن تناول أمر تربية الفتيات من بعدين وهما :
1 ـ البعد الفردي : الفتاة في هذه السن تكون قد كبرت الى حد ما ، ولابد لها أن تغادر دنيا الطفولة شيئا فشيئا ، وتتعلم أساليب حياة الكبار . وعليها أن تدرك بأنه يجب عليها الإعتماد على نفسها من الآن فصاعدا في حل مشاكلها


وإدارة حياتها ، ويجب عليها أن تضبط إنفعالاتها ولا تدعها تخرج عن الحد المعقول .
إن مرحلة المراهقة هي مرحلة تثير دواعي القلق لدى المربية ، وذلك لأنها تتصور عادة أن هناك مخاطر تتهددها ، وبالتالي تواجه مشكلات جديدة في أداء الواجبات التربوية . ولذا فمن الضروري أن تضبط هواجسها ، وتدقق في تصرفاتها ، وتسسير وفق خطة مدروسة في أعمالها .
فالفتاة بحاجة الى أن تفهم لماذا يجب عليها أن تحافظ على نفسها ولماذا ينبغي عليها أن لا تثق بأي كان ؟ وماذا يجب أن تفعل من أجل بلوغ المعاني السامية للحياة ؟ وكيف يجب أن تتصرف إزاء مختلف القضايا التي تواجهها و ... وهذه الأمور كلها تتطلب تربية وتثقيف وتدريب وتعويد .
2 ـ البعد الإجتماعي : هي الآن فتاة في البيت أو المدرسة لكنها ستتزوج عما قريب فتصبح زوجة وأم . وما اسوء أن تذهب الى بيت الزوجية ، قبل أن تكون قد إستعدت لمثل هذه المرحلة ، وتسبب متاعب للزوج والأبناء والمجتمع .
إن قبول دور الزوجة والأم في الحياة هو كقبول مسؤولية الجندية في الجيش ، فالتي تريد الدخول في معترك الحياة الأسرية ، فإن مهمتها تشبه مهمة الجندي في ساحة الحرب ، فكم هو تعيس الجندي الذي يرسل غلى ساحة القتال دون أن يكون قد تدرب على فنون القتال .
والفتيات بحاجة قبل الذهاب الى بيت الزوجية ، الى التوعية بشأن الحياة الزوجية ، والى تثقيف على آداب ورسوم البيت وتربية الأطفال .
حاجتهن للمساعدة


هؤلاء قد كبرن من حيث الشكل والقامة ، لكنهن ما زلن ضغيرات لم يكتمل


نموهن من الناحية الفكرية والنفسية ، وما زالت حاجتهن للمساعدة والتوجيه باقية بنفس قوتها ، وليس من الصحيح تركهن لوحدهن دون مساعدة وتسديد . إن هؤلاء يعانين نوع من العجز وعدم القدرة على التمييز بين الشياء ويبلغ هذا العجز أحيانا درجة لا يستطعن التفريق بين ما هو عاطفي ومنطقي من المسائل . وهو ما يفرض التواصل معهن وتقديم ما يمكن تقديمه لهن من مساعدة وتوجيه وإرشاد في شؤونهن الحياتية .
مسؤولية الوالدين


قال رسول الله صلى الله عليه واله بشأن البنات : «من كانت له إبنة فأدبها واحسن أدبها ، وعلمها فأحسن تعليمها ، فأوسع عليها نم نعم الله التي أسبغ عليه ، كانت له منعة وسترا من النار» (1).
من مسؤولية الوالدين التواصل مع الفتيات وتوجيههن أخلاقيا وفكريا ومساعدتهن على حل مشاكلهن وكل ما يرتبط بحياتهن ويحتجن فيه الى الرأي والمشورة وتقديم النصح والإرشاد . والا فبخلاف ذلك فإن من شأن عدم الإنفتاح عليهن وعدم الإكتراث بشؤونهن من قبل الوالدين أن يجعلهن يتخذن في حياتهن قرارات غي صائبة وذات نتئج سلبية في معظم الحيان.
مسؤولية الأم


ليس من شك في كون الأم والأب مسؤولان عن تربية الأبناء بنفس الدرجة ، الا أن واجب الأم ومسؤوليتها تجاه الفتاة أخطر وأهم نسبة الى الأب . فالأب عادة لا يعرف شيئا كثيرا عن الوضع التربوي للفتاة ، وإذا أراد أن يعرف فلابد له من الرجوع الى الأم والإستفسار منها . أما الأم فإنها ليست كذلك

(1) كنز العمال ،ج 16 .


ويفترض بها أن تكون دائما قريبة عن فتاتها ومنفتحة عليها ومطلعة على همومها وتطلعاتها ومشاكلها في حياتها الخاصة ، وذلك من أجل أن تستطيع القيام بواجب الإرشاد والنصيحة والتسديد تجاه إبنتها .
وكذلك يجب أن تكون الأم قدوة لأبنتها في الطهر والعفاف والشرف ، وأن تربيتها على حب العفاف والترفع عن الرذائل عمليا . فلو تصورت البنت إن أمها غير ملتزمة في تصرفاتها وعلاقاتها ، فإن ذلك سيدفعها بلا شك نحو حياة الخفة والتهتك وعدم الالتزام . وبعبارة واحدة فإن تربية الفتاة تربية صالحة تتوقف الى حدود كبيرة على جهود الأم ومدى جديتها في هذا المجال .
من الخطأ الفادح أن نترك الفتيات لحالهن وأن لا نعتني بشؤونهن تربويا ، فهذه الحالة لا هي في صالح الفتاة ولا في صالح الأسرة بحساب النتائج . ولما كانت الفتاة اليافعة قليلة التجربة في الحياة ، فإنها لا تستغني بطبيعة الحال عنم يزودها بالخبرات اللازمة التي تؤهلها لأن تلعب دورا إيجابيا في حياتها المستقبلية كزوجة وأم في المجتمع .
إن من شان إنعدام تأثير اولياء الأمور على الفتيات تربويا أو عدم إكتراث الآباء والأمهات بشؤونهن ، ان يترك نتائج محزنة في حياتهن . فما أكثر الفتيات اللاتي يقعن أسيرات للهوى وللرغبات الجنسية المنفلتة التي تؤدي بهن الى السقوط في هاوية الفساد والرذيلة بسبب غفلة الوالدين وإنشغالهم عن متابعة شؤونهن وتفقد أحوالهن .
مستلزمات التربية الصحيحة


إن من مستلزمات التربية الناجحة في التعامل مع الفتيات الالمام بظروفهن


وحاجاتهن في هذه السن ، وكلما زاد مستوى هذا الالمام كلما كانت نتائج التربية أكثر إيجابية ، والعكس أيضا صحيح ، حيث يمكن أن يترتب على الجهل وعدم الوعي في هذا المجال نتائج سلبية تعقد الأوضاع أكثر فأكثر .
ومن الضروري في سبيل إدراكهن والتعامل معهن عن وعي ودراية التسلح بمعلومات كافية في مجالات علم البايولوجي وعلم النفس ، وعلم النفس التربوي ، وحتى علم الإجتماع في بعض الحالات ... الخ . وفضلا عن ذلك فإنه يجب على المربي أو المربية أن يتمتع بدرجة من الوعي والطنة التي تؤهله لأن يدركهن ويكتشف مغازي ودوافع سلوكهن سريعا .
فلسفة التربية


إن فلسفة تربية الفتاة هي بشكل عام المساعدة على نمو شخصيتها ، وإكتشاف قابلياته وتنميتها ، والسعي الى إنضاجها فكريا وسلوكيا ، وإعدادها نفسيا للإنخراط في معترك حياة شريفة يكون بمقدورها ، أن تلعب فيها دورا إيجابيا كأم وزوجة في الأسرة وعضوة فعالة ومفيدة في المجتمع . والحق إن الفتاة خلقت بالساس لتلعب دور الأم والزوجة في الحياة ـ خلقت لتكون نصفا ملتحما بنصفها الآخر وليس كائنا مستقلا بذاته .