الشيخ عباس محمد
11-09-2017, 06:09 PM
السؤال: شأن نزولها في مصادر أهل السنّةفي شأن من نزلت آية المباهلة؟ ومن خرج مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) للمباهلة؟ وهل صحيح أنّ بعض الصحابة خرجوا معه(صلى الله عليه وآله وسلّم)؟
الجواب:
إنّ الآية المباركة (( فَمَن حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلمِ فَقُل تَعَالَوا نَدعُ أَبنَاءَنَا وَأَبنَاءَكُم وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُم وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُم ثُمَّ نَبتَهِل فَنَجعَل لَعنَتَ اللَّهِ عَلَى الكَاذِبِينَ )) (آل عمران:61) نزلت في شأن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) ومن خرج معه، وهم: عليّ وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام) فقط دون غيرهم، هذا ما تسالم عليه علماؤنا في كتبهم، كما ورد هذا المعنى في كتب أهل السنّة: كــ(مسند أحمد بن حنبل)(1)، و(صحيح مسلم)(2)، و(سنن الترمذي)(3)، و(المستدرك على الصحيحين للحاكم)(4)، و(السنن الكبرى للبيهقي)(5)، و(خصائص أمير المؤمنين للنسائي)(6)، و(أحكام القرآن للجصاص)(7)، و(تفسير القرآن لابن كثير)(8)، وغيرها من كتب التفسير والحديث والتاريخ.
نعم، هناك رواية بلا سند في (السيرة الحلبية)(9)، تضيف عائشة وحفصة، ورواية ضعيفة رواها ابن شبه فيها إضافة: وناس من أصحابه(10).
كما توجد رواية تقول: فجاء بأبي بكر وولده، وبعمر وولده، وبعثمان وولده، وبعليّ وولده(11).
لكن هذه الروايات في الحقيقة غير قابلة للحجيّة لأُمور منها:
1- انّها روايات آحاد.
2- انّها روايات متضاربة فيما بينها.
3- انّها روايات انفرد رواتها بها، وليست من الروايات المتّفق عليها.
4- انّها روايات تعارضها روايات الصحاح.
5- انّها روايات ليس لها أسانيد، أو أنّ أسانيدها ضعيفة.
إذاً، تبقى القضية على ما في الصحاح والمسانيد وكتب التفسير والتاريخ، من أنّ الذين خرجوا معه(صلى الله عليه وآله وسلّم) هم: عليّ وفاطمة والحسنان(عليهم السلام).
(1) مسند أحمد بن حنبل 1: 185 مسند سعد بن أبي وقاص.
(2) صحيح مسلم 7: 120 كتاب (فضائل الصحابة، باب فضائل عليّ(ع)).
(3) سنن الترمذي 4: 293 الحديث (4085).
(4) المستدرك على الصحيحين 3: 150.
(5) السنن الكبرى 7: 63 باب (إليه ينسب أولاد بناته).
(6) خصائص أمير المؤمنين(ع): 48 منزلة عليّ كرم الله وجهه من الله.
(7) أحكام القرآن 2: 18 قوله تعالى: (( فَقُل تَعَالَوا نَدعُ... )).
(8) تفسير ابن كثير 1: 408 سورة آل عمران: 61.
(9) السيرة الحلبية 3: 236 باب يذكر فيه ما يتعلق بالوفود.
(10) تاريخ المدينة 2: 581 وفد نجران.
(11) أنظر تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 39: 177.
السؤال: تدل على عظمة مقام الأئمة (عليهم السلام)
شكراً لكم على هذا المجهود الطيّب، ونتمنّى لكم كلّ التوفيق إن شاء الله.
في موضوع آية المباهلة؛ أرجو منكم طرح بحث مختصر يتناول عظمة وفضل أهل البيت(عليهم السلام) من خلال الآية الشريفة، وفّق الله الجميع لما فيه الخير.
الجواب:
إنّ الآية نزلت في النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) وعليّ وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام) عند مباهلتهم لوفد نجران، روى ذلك السيوطي بعدّة طرق في (الدرّ المنثور)(1)، والحاكم النيسابوري في (المستدرك)(2)، وابن كثير في (تفسيره)(3).
ثم إنّ دعوة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) لأهل بيته ومباهلته إلى الله تعالى، بيان لشرفهم وقربهم ومنزلتهم عند الله، والقسم على الله بهم ليلعن الكاذب دليل على أنّ لهم من الدرجة ما لا يعلمها إلاّ الله، لأنّ للقسم منزلة عند المقسم عليه، ومباهلة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) بهم (عليهم السلام) يعني إحتجاجه على النصارى بهؤلاء الذين هم الحجّة على صدق النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) وبعثته.
كما أنّ المباهلة تعني بحسب ماهيّتها أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) جعل هؤلاء المتباهل بهم شركاء في دعوته، ممّا يعني أنّ مسؤولية الدعوة تقع على عاتقهم كذلك بحجّيتهم ومقامهم، مشيراً إلى وجود تعاضد وتقاسم بينهم(عليهم السلام) وبين النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم)، كما يفيد ذلك حديث: (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي)(4).
فمنزلة الإمام عليّ(عليه السلام) بمنزلة هارون وصف لحجّيته ومشاركته في دعوته، كما شارك هارون موسى(عليه السلام) في دعوته، فهذه المقايسة في المباهلة مع النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) دليل حجّيتهم ومشاركتهم(عليهم السلام) معه(صلى الله عليه وآله وسلّم) في تبليغ صدق بعثته(صلى الله عليه وآله وسلّم)، هذا ما تبيّنه آية المباهلة من مقامهم ومنزلتهم(عليهم السلام).
(1) الدر المنثور 2: 38 - 39 قوله تعالى: (( إِنَآ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ... )).
(2) المستدرك على الصحيحين 3: 150 مناقب أهل البيت.
(3) تفسير ابن كثير 1: 379 قوله تعالى: (( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ... )).
(4) أنظر صحيح البخاري 5: 129 كتاب المغازي، باب (غزوة تبوك)، صحيح مسلم 7: 120 - 121 كتاب فضائل الصحابة، باب (فضائل عليّ)، سنن ابن ماجة 1: 42 الحديث (115)، سنن الترمذي 5: 302 الحديث (3808)، فضائل الصحابة للنسائي: 13 - 14، المستدرك على الصحيحين 2: 337.
تعليق على الجواب (1) تدل على عظمة مقام الأئمة (عليهم السلام)
والله ان استنتاجاتكم لغريبة فهل يستطيع رجل ان ياتي باولاد الناس لتعريضهم لمصيبة محتملة معه طبعا لا ولهذا جاء باولاده واهل بيته وهذا لايمكن ان يدل باي حال على مشاركتهم في امر رسالته التي ليس بامكانه ان يورثها لانها ليست ملكا
الجواب:
اولاً: أن النبي لايحتمل ان يتعرض لمصيبة ولا بنسبه قليلة جدا وكيف يحتمل ذلك ؟!والذي دعاه الى القيام بالمباهلة هو الله سبحانه وتعالى فهل تراه يريد الانتقام منه وهل يشك النبي في صدق دعواه حتى تقول ان هناك مصيبة محتملة.
ثانياً: ان اخراج اهل بيته معه لم يكن تصرفا شخصيا منه بل صريح القرآن يشير الى ان الله هو الآمر بإخراجهم بقوله تعالى (( فَقُل تَعَالَوا نَدعُ أَبنَاءنَا وَأَبنَاءكُم وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُم وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُم )) (آل عمران:61)
ثالثاً: لو كانت هناك مصيبة محتملة فهل من حق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ان يوقعها في اهله ولايحق له ان يوقعها في اصحابه فهل اهل الرجل ملكا له ويحق له التصرف بهم بالطريقة التي تنزل بهم المصيبة ولو قلت ان للنبي ذلك باعتبار كونه اولى بالمؤمنين من انفسهم لكان ذلك جائزا له في كل احد لا في خصوص اهله فلا معنى لاستبعاد ان ياتي بغير اهله .
رابعاً: ليس من حق النبي التصرف بالخلافة بعده ولا ان ينصب خليفة له لان الرسالة ليس ملكا له هذا ما تقوله فكيف تصرف ابو بكر واورث الخلافة لعمر فجعله الخليفة بعده فهل من حق الخليفة ان يورث الخلافة ولايحق للنبي تنصيب الخليفة بعده .
خامساً: صريح القران يشير الى ان اللعنة ستقع على الكذابين وفي هذا اشارة الى صدقه صلوات الله عليه وصدق اهل بيته فلو جاء النبي ببعض اصحابه الكذابين معه فهل تراه بمأمن من اللعنة وصريح القران يشير الى ان اللعنة ستنزل على الكذابين واذا ثبت صدق اهل البيت ومنهم علي (عليه السلام) وهو يدعي انه الاحق بالخلافة ونازع القوم عليها فكيف ينازع من يشهد له القران بالصدق .
تعليق على الجواب (2)
لعل السائل يقصد مصيبة محتملة من وجهة نظر النصارى، لان الموقف لالزام النصارى وليس المسلمين، فخروج الرسول عليه الصلاة والسلام باقرب المقربين له من نسبه الزام للنصارى.
فاخراج اقرب الاقرباء الزام للكافر، فليس هناك سبب لادخال مثلا اشخاص من قبيلة اخرى او من عشائر مختلفة.
وهذا معلوم حتى الان، فالباهل لايباهل بصديقه العزيز او قد لايباهل بزوجته ابنه فلان من الناس التي يستطيع استبدالها بغيرها أو لديه زوجات غيرها ولكن يباهل بابناءه واقرب الاقرباء لكي يلزم الخصم وليس للاستعراض.
فهي لاتدل على شيء من المشاركة معه في الرسالة لانه فقط من باب الزام الكافر باحضار اقرب الاقرباء.
الجواب:
ان الله تعالى امر النبي (صلى الله عليه وآله) باخراج نساءه وانفسه وابناءه وفي هذه الصيغ مجال لاتيان النبي (صلى الله عليه وآله) ايا كان من الاقرباء او الاصحاب او الازواج ولم يدع النبي (صلى الله عليه وآله) احد من هؤلاء مع فسحة المجال له في الدعوة فمعناه انهم لا يستحقون هذه المنزلة المهمة والعظيمة وهي صدق المدعووين وتصديق الرسالة للنبي (صلى الله عليه وآله). وان الموقف ليس فقط لالزام النصارى بل تصديق الرسالة وصدق المدعووين والمباهلة على هذه الدعوة تثبت العظمة والفضيلة العظيمة والمشاركة لهم في الرسالة فلهذا و ذاك انتخب النبي (صلى الله عليه وآله) بعضا من اقربائه ولم يخرج ابراهيم الذي قد ولد قبل المباهلة وكان رضيعا في حضن مارية القبطية.
السؤال: عدم تماميّة المباهلة لا تقدح بفضيلة أهل البيت (عليهم اسلام)
شاهدتُ في شهر رمضان 1429هـ إحدى حلقات برنامج بثته قناة فضائية، وأثناء مداخلة لأحد المشاهدين تطرق فيها إلى آية المباهلة، فوجئت بمقدم البرنامج يقاطع المتكلم بقوله: ((لكن المباهلة لم تتم))، وكأنّه أراد إبطال إحتجاجنا عليهم بفضل رسولنا الأعظم وبقية أهل الكساء صلوات الله وسلامه عليهم، ما هو جواب هذه الشبهة؟
الجواب:
يقتضي ذكر أكثر من نقطة:
النقطة الأولى: عدم تمامية المباهلة لا يلزم منه عدم تمامية الفضيلة لأهل البيت(عليهم السلام)، ولا يعني عدم تكريمهم والإشادة بهم والإشارة إلى أهميتهم.
ويكفينا في المقام أنّهم(عليهم السلام) كانوا ممّن اختارهم الله تبارك وتعالى، والرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلّم) منفذاً لهذا الإختيار الإلهي السماوي، أترى أنّ الله لا يختار الأفضل لمهمة خطيرة؟ أم أنّ اختياره لهم لا فضيلة فيه؟! وكلاهما مردودان، ولم يقل بهما أحد.
والذي يشير إلى كونهم مختاريّ الله هو نفس قوله تعالى: (( فَقُل تَعَالَوا نَدع )) (آل عمران:63)، فهم مرشحو الباري لخوض غمار الإحتجاج الخطير والدور الكبير، وهذا وحده فضيلة عظمى ومنقبة باهرة، هذا أوّلاً.
وثانياً: كونهم وفي نفس المقام ممدوحي النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم)، بقوله في مقام الردّ على قول النصارى: ((بمن تباهلنا يا أبا القاسم؟ قال: (بخير أهل الأرض وأكرمهم على الله عزّ وجلّ بهؤلاء)، وأشار لهما إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم))(1).
وفي رواية قال: (هؤلاء أوجه من على وجه الأرض بعدي إلى الله عزّ وجلّ وجهة، وأقربهم إليه وسيلة)(2).
وأنّه(صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لهم صلوات الله عليهم: (إذا أنا دعوت فأمنوا) ))(3)، ومنه يظهر أنّ لتأمين هؤلاء الأربعة(عليهم السلام) من أهمية في استجابة الدعاء بحيث وجههم الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) إليه، والحال أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) كان حاضراً! وهذا ثالثاً.
ورابعاً: مدحهم النصارى الخارجون للمباهلة، بقولهم: ((هذه وجوه لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال لأزالها))(4).
وهذا معناه أنّهم - أي النصارى - كانوا عارفين بأنّ الخارجين للمباهلة أصحاب فضل من قوم محمّد(صلى الله عليه وآله وسلّم)، وتصديق ذلك: ((قالا: فما نراك جئت لمباهلتنا بالكبر ولا من الكثر ولا أهل الشارة ممن نرى ممن آمن بك واتبعك...))(5).
النقطة الثانية: إنّ قولهم - أي المستشكل ومن على رأيه - في عدم تمامية المباهلة، يفهم منه أنّهم علقوا الفضيلة على تمامية المباهلة ونتيجتها، وكأنّهم يريدون القول؛ بأنّ احتمال نزول العذاب عليهم(عليهم السلام) لو تمت المباهلة لاحتمال كذبهم موجود، وهذا معناه تكذيب النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم)! فلا فضيلة له(صلى الله عليه وآله وسلّم) ولأهل بيته بعد ثبات عدم تمامية المباهلة لاحتمالية الكذب منهم واستحقاقهم اللعنة - نعوذ بالله -.
وكأنّما يريد المتكلّم أن يقول: إنّما نستكشف فضلهم لو ثبت صدقهم ونزول العذاب على النصارى! وهذا إتهام صريح للرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) بالكذب، والخروج الباطل والمباهلة في ما لا حقّ له فيه، وإلاّ ما معنى القول بعدم تمامية المباهلة سوى ذلك؟
وبعبارة أخرى: نقول: انّ مدار تحقق الفضيلة وعدمها ليس بملاك تمامية المباهلة، وإنّما بملاك كون النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) صادقاً أم كاذباً؛ إذ صدقه كافٍ في ثبوت الحقّ له حتى على فرض عدم الإتمام للمباهلة، وعليه يدور فضل من معه صلوات الله عليهم أجمعين. فالقائلون بعدم التمامية يتهمون نبيّهم الصادق الأمين(صلى الله عليه وآله وسلّم) بالكذب! لأنّهم يرون أنّه لو تمت المباهلة لعرفنا الصادق من الكاذب، وعندها تتضح الفضيلة. فهم لا يعترفون لنبيّهم(صلى الله عليه وآله وسلّم) بالفضل ما دامت المباهلة لم تتم!!
النقطة الثالثة: أنّه حتى الطبيعة المحيطة بهم قد اعترفت بفضلهم، ففي حديث تفصيلي يحدّثنا عن إضطرام الوادي وتغيير الحال، وتجاوب السهول والجبال، وحين رأى النصارى ذلك خافوا وذعروا وانسحبوا قبل أن يحلّ بهم المسخ والعذاب، حيث قال أحدهم: ((أنظرا إلى النجم قد أستطلع إلى الأرض، وإلى خشوع الشجر وتساقط الطير بأزائكما لوجوهها، قد نشرت على الأرض أجنحتها، وفات ما في حواصلها وما عليها لله عزّ وجلّ من تبعة، ليس ذلك إلاّ لما قد أظل من العذاب، وأنظر إلى إقشعرار الجبال، وإلى الدخان المنتشر، وقزع السحاب، هذا ونحن في حمارة القيظ وأبان الهجير، وأنظروا إلى محمّد رافعاً يده والأربعة من أهله معه، إنّما ينتظر ما تجيبان به))(6).
النقطة الرابعة: قد اعترف لهم بالفضل جملة من الصحابة وأعلام أهل السنّة.
فقد روى مسلم في صحيحه: ((عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً، فقال: ما منعك أن تسبّ أبا تراب؟ فقال: أما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله(صلى الله عليه [وآله] وسلّم) فلن أسبّه، لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إلي من حمر النعم، سمت رسول الله(صلى الله عليه [وآله] وسلّم)... ولمّا نزلت هذه الآية: (( فَقُل تَعَالَوا نَدعُ أَبنَاءَنَا وَأَبنَاءَكُم )) (آل عمران:61) دعا رسول الله(صلى الله عليه [وآله] وسلّم) عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: اللهمَّ هؤلاء أهلي))(7).
كما قال الزمخشري في (الكشاف): ((وفيه دليل - لا شيء أقوى منه - على فضل أصحاب الكساء))(8).
وقد احتج بها أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) يوم الشورى، كما يروي ابن حجر في صواعقه، حيث قال: ((أخرج الدارقطني: أنّ عليّاً يوم الشورى احتج على أهلها فقال لهم: (أنشدكم بالله من فيكم أحد أقرب إلى رسول الله(صلى الله عليه [وآله] وسلّم) في الرحم منّي، ومن جعله(صلى الله عليه [وآله] وسلّم) نفسه، وأبناءه أبناءه، ونساءه نساءه غيري؟) قالوا: لا...))(9).
كما واعترف بذلك ابن تيمية في كتابه (منهاج السنّة)(10)، وكذا ابن روزبهان الخنجي(11).
النقطة الخامسة: إنّ نفس الآية (( فَقُل تَعَالَوا نَدعُ... )) تحمل تعظيماً لأهل البيت(عليهم السلام) من جهات أخرى ناقشها المفسرون وأصحاب الفكر، كالاستدلال بها على عظمتهم(عليهم السلام)، لا بمجرد توجيه الخطاب لهم، وإنّما بنوعية واسلوب الخطاب في قوله تعالى: (( أَنفُسَنَا )) يعني أنّ عليّاً(عليه السلام) نفس النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم)، و (( أَبنَاءَنَا )) يعني الحسن والحسين أبناء رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم)، وكذا من جهة الإنحصار بهم(عليهم السلام) دون باقي المسلمين، وأنظر إختصاص الزهراء البتول(عليها السلام) بلفظ (( نِسَاءَنَا )).
ومن جهة توحدهم في سنخية الإعتقاد مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم)، وأهليتهم من حيث الرتبة لتمثيل هذا الدور الخطير، ومن جهة اللياقة لإنحصار تمثيلهم للرسالة والمحافظة عليها مستقبلاً، لأنّ المتقدم إلى المباهلة يجب أن يكون أعمق الناس إيماناً بدينه، وأشدّهم رسوخاً في الدفاع عنه، وأعلمهم بحقيقة ربطه بالله تعالى، وهذا واضح.
النقطة السادسة: وقوع جميع المقدمات للمباهلة، مثل إمتثال الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته(عليهم السلام) لأمر السماء أوّلاً، وثانياً لإرتفاع المانع من جهتهم، حيث توجهوا للتنفيذ العملي وعدم نكوصهم صلوات الله عليهم حتى يقال: إنّ في إتمامها حيثية تختلف في حال عدم إتمامها.
نعم، عدم تماميتها مستند لنكوص الخصم واستسلامه، وهذا أتمّ في الفضل لأهل البيت(عليهم السلام)، إذ شعر أولئك أنّ لهؤلاء(عليهم السلام) من الفضل والدرجة الرفيعة عند الله تعالى.
النقطة السابعة: لو لم تكن فيها فضيلة، لما حرصت بعض الأحاديث القليلة أن تجعل مع أهل البيت(عليهم السلام) غيرهم، وحرصت أيضاً أن يكون هذا الغير من الخلفاء وذويهم، مثل ما روي عن عمر بلا سند بزيادة عائشة وحفصة(12)، أو إدخال أبو بكر وولده، وعمر وولده، وعثمان وولده في رواية أخرى(13)، وفي رواية بحذف الإمام عليّ(عليه السلام) وزيادة ناس من أصحابه(14).
أليس هذا كلّه لفهم الوضّاع وساسة الخلافة ورواة البلاط بأهمية (هذه المنقبة) وعظمتها؟ وأنّ ذلك هو المفهوم الواضح من وجودها، والمتبادر إليهم منها؟
النقطة الثامنة: إنّ بعض الذين ذكروا آية المباهلة من المحدّثين إنّما ذكروها في باب الفضائل، كصحيح مسلم وقد ذكرها في كتاب فضائل الصحابة(15)، وكذا الترمذي في سننه(16)، وذكرها في هذا الباب دليل على كونها فضيلة.
وهنا نتسائل! لو كان الخارج مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) أحد الخلفاء الثلاثة، أو حفصة، أو عائشة، أو أحد بني أمية مثلاً، هل يكون التجاوب التاريخي مع هذه الحادثة كما هو الآن بأزاء أهل البيت(عليهم السلام)؟!
ولك أن تتخيّل حينها الحالة القدسية، والإطار الربّاني الأسمى الذي يحاط به هؤلاء، ومقدار الحرمة الجازمة في مسّهم، والدنو من ساحتهم، والقدح بشأنهم، لأنّ إستحقاقهم في الخروج للمباهلة ووضعهم في ميزان السماء، ورفعهم إلى العرش علواً، وذلك هو الحق طبعاً! ولكن بمن وقعت به المباهلة واقعاً.
(1) إقبال الأعمال لابن طاووس 2: 345 الباب السادس، الفصل الأوّل.
(2) الإختصاص للمفيد: 115 حديث المباهلة.
(3) تخريج الأحاديث للزيلعي 1: 186 - 187 سورة آل عمران، الحديث الحادي عشر، الكشاف 1: 434 قوله تعالى: (( فَقُل تَعَالَوا نَدعُ... ))، تفسير الثعلبي 3: 85.
(4) الكامل في التاريخ 2: 293 أحداث السنة العاشرة للهجرة، إمتناع الأسماع 2: 95.
(5) اقبال الأعمال 2: 345.
(6) اقبال الأعمال 2: 346 الباب السادس فيما يتعلق بيوم المباهلة.
(7) صحيح مسلم 7: 120 كتاب (فضائل الصحابة، باب فضائل عليّ).
(8) الكشاف 1: 434 في ذيل آية (61) من آل عمران.
(9) الصواعق المحرقة: 154 الباب الحادي عشر، الفصل الأوّل في الآيات الواردة فيهم، وأنظر تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 42: 432.
(10) منهاج السنّة 7: 122، 130 المنهج الثاني في الأدلة المأخوذة من القرآن الدالة على الإمامة من الكتاب.
(11) أنظر شرح احقاق الحق 3: 62 قول المصنف: السادسة آية المباهلة.
(12) أنظر السيرة الحلبية 3: 236 باب يذكر فيه ما يتعلق بالوفود التي وفدت عليه (ص).
(13) أنظر تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 39: 177 حياة عثمان بن عفان.
(14) أنظر تاريخ المدينة المنورة لابن شبة 2: 581.
(15) صحيح مسلم 7: 120 فضائل الصحابة، فضائل عليّ(ع).
(16) سنن الترمذي 5: 301 الحديث 3808 مناقب عليّ بن أبي طالب.
السؤال: سبب تخلّي النصارى عن المباهلة
كيف عرفت النصارى أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) في قضية المباهلة على حقّ؟ وإن كانوا قد عرفوا ذلك، فكيف لم يعترفوا بدينه؟
الجواب:
هناك احتمالان في المقام:
الأول: أن يكونوا قد أذعنوا في أنفسهم بحقّانية الدين الإسلامي، ولكن الأطماع والأهواء الدنيوية منعتهم من الاعتراف بهذا الواقع فجحدوه، قال تعالى: (( وَجَحَدُوا بِهَا وَاستَيقَنَتهَا أَنفُسُهُم ظُلمًا وَعُلُوًّا )) (النمل:14).
الثاني: أنّهم عندما رأوا أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) قد أتى بأعزّ أهله معه للمباهلة، عرفوا بأنّه(صلى الله عليه وآله وسلّم) على يقين من أمره، فبات الأمر واضحاً عندهم، فإن كان هناك احتمال ضئيل لعدم صحّة مبدئه ومعتقده، كان الواجب عليه(صلى الله عليه وآله وسلّم) عقلاً أن يتوقّى الضرر ويدفعه عن نفسه وذويه، وفي الجانب الآخر لم تقدّم النصارى أيّ شيء في هذا المقام.
فبحسب قانون الاحتمالات يحكم العقل بأرجحية الطرف الأوّل في المقابلة، وهذا قد يكون وجه تخلّفهم من المباهلة.
السؤال: دلالتها على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)
كيف تدلّ آية المباهلة على إمامة عليّ(عليه السلام)؟
الجواب:
يستدلّ علماؤنا بكلمة: (( وَأَنفُسَنَا )) (آل عمران:61) على إمامة الإمام عليّ(عليه السلام)، تبعاً لأئمّتنا(عليهم السلام).
ولعلّ أوّل من استدلّ بهذه الآية هو أمير المؤمنين(عليه السلام) نفسه، عندما احتجّ على الحاضرين في الشورى، بجملة من فضائله ومناقبه، فكان من ذلك إحتجاجه بآية المباهلة، حيث قال(عليه السلام): ((نشدتكم بالله هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) في الرحم، ومن جعله رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) نفسه، وابناه أبناءه، ونساءه نساءه غيري؟ قالوا: لا)) فكلّهم أقرّوا بما قال(عليه السلام)(1).
وروى السيد المرتضى عن الشيخ المفيد: انّ المأمون العباسي سأل الإمام الرضا(عليه السلام): أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين(عليه السلام) يدلّ عليها القرآن؟ فذكر له الإمام الرضا(عليه السلام) آية المباهلة، واستدلّ بكلمة: (( وَأَنفُسَنَا ))(2).
لأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) عندما أُمر أن يخرج معه نساؤه أخرج فاطمة فقط، وعندما أُمر أن يخرج أبناؤه أخرج الحسن والحسين فقط، وعندما أُمر أن يخرج معه نفسه أخرج عليّاً(عليه السلام)، فكان عليّ(عليه السلام) نفس رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم)، إلاّ أنّ كون عليّ نفس رسول الله بالمعنى الحقيقي غير ممكن، فيكون المعنى المجازي هو المراد، وأقرب المجازات إلى المعنى الحقيقي في مثل هذا المورد هو أن يكون(عليه السلام) مساوياً لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) في جميع الخصوصيات، إلاّ ما أخرجه الدليل وهو النبوّة، إذ لا نبيّ بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم)، فتبقى بقية مزايا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) وخصوصياته وكمالاته ثابتة.
ومن خصوصيات رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) أنّه أفضل من جميع المخلوقات، فعليّ(عليه السلام) كذلك، والعقل يحكم بقبح تقدّم المفضول على الفاضل، إذاً لابدّ من تقدّم عليّ(عليه السلام) على غيره في التصدّي لخلافة المسلمين.
ودمتم في رعاية الله
(1) أنظر تاريخ مدينة دمشق 42: 432.
(2) الفصول المختارة: 38 فصل (مكالمة المأمون للرضا(عليه السلام) في المباهلة.
تعليق على الجواب (1)
سياق الاية يفهم منه أنه نحن ندعوا ابناء قومنا وأنتم تدعون ابناء قومكم ونساء قومنا ونساء قومكم وانفسنا وأنفسكم , وهنا سؤالين : -
فأولا : ما الضير في تفسير انفسنا بعموم المسلمين بقبال النصارى, فيكون الإمام علي داخل في ابناء قوم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهم المسلمين ؟
ثانيا : كيف فهم أن المراد هو ابناء ونساء وانفس الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لا عامة المسلمين كما ان المراد من النصارى هو ابنائهم ونسائهم وانفسهم وليس مجرد ابناء ونساء من حظر فالخطاب للنصارى عامة, إذا من السياق هو للمسلمين عامة وبالتالي تكون النتيجة أن الإمام علي مثل المسلمين ونفس المسلمين لا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟
الجواب:
لو كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اخرج معه ابناء الصحابة ونسائهم واخرج معه بعض الصحابة لكان بالإمكان تفسير الآية بما ذكرت ولكن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يخرج سوى علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وبهذا يتحدد المراد من الإبناء والنساء والانفس. وللمزيد ارجع الى آية المباهلةمن المقصود بكلمة (انفسكم)
تعليق على الجواب (2)
ولكن هذا الجواب يوحي بأن المسألة متعلقه بالوجدان أي لأن الذي حضر المباهلة مع النصارى كان الرسول وعلي وفاطمة والحسنين (صلوات الله عليهم), لكن هذا لايدفع المعنى الذي ذكرته في السؤال لأنه يقال هذه فضيله لهم وانهم كانوا من المسلمين الذين اختارهم الرسول لا أن الآية تقول أن على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يأتي بأبناءه خاصة لا ابناء قومه ونساءه خاصة لا نساء قومه, فكيف نستدل على أن الخطاب في الآية يخص الرسول وابناءه ونساءه لا عامة المسلمين حيث ان سياق الآية يدل على عموم الخطاب وشموله المسلمين , فكيف نثبت ذلك لكي يتم الإستدلال بالآية ونستطيع ترتيب الأثر عليها؟
الجواب:
من الواضح أنه واجب على النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يمتثل لخطاب الله تعالى في الآية الشريفة، فان الله تعالى دعاه إلى احضار (أبنائنا) و(نسائنا) و(أنفسنا)، فأحضر (صلى الله عليه وآله وسلم) الحسن والحسين والزهراء وعليّ(عليهم السلام)، فمن امتثال الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) للأمر الالهي، نفهم أنّ المقصود بالخطاب هو خصوص الأربعة لا جميع المسلمين، أو طائفة كبيرة منهم، وإلاّ لو كان الخطاب يشمل جميع المسلمين لامتثل النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وأحضرهم جميعاً، أو على الأقل طائفة كبيرة منهم، وهو لم يفعل، فيتعيّن المعنى الذي أشرنا إليه إلى أن المقصود هم فاطمة وعليّ والحسن والحسين(عليهم السلام).
يتبع
الجواب:
إنّ الآية المباركة (( فَمَن حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلمِ فَقُل تَعَالَوا نَدعُ أَبنَاءَنَا وَأَبنَاءَكُم وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُم وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُم ثُمَّ نَبتَهِل فَنَجعَل لَعنَتَ اللَّهِ عَلَى الكَاذِبِينَ )) (آل عمران:61) نزلت في شأن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) ومن خرج معه، وهم: عليّ وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام) فقط دون غيرهم، هذا ما تسالم عليه علماؤنا في كتبهم، كما ورد هذا المعنى في كتب أهل السنّة: كــ(مسند أحمد بن حنبل)(1)، و(صحيح مسلم)(2)، و(سنن الترمذي)(3)، و(المستدرك على الصحيحين للحاكم)(4)، و(السنن الكبرى للبيهقي)(5)، و(خصائص أمير المؤمنين للنسائي)(6)، و(أحكام القرآن للجصاص)(7)، و(تفسير القرآن لابن كثير)(8)، وغيرها من كتب التفسير والحديث والتاريخ.
نعم، هناك رواية بلا سند في (السيرة الحلبية)(9)، تضيف عائشة وحفصة، ورواية ضعيفة رواها ابن شبه فيها إضافة: وناس من أصحابه(10).
كما توجد رواية تقول: فجاء بأبي بكر وولده، وبعمر وولده، وبعثمان وولده، وبعليّ وولده(11).
لكن هذه الروايات في الحقيقة غير قابلة للحجيّة لأُمور منها:
1- انّها روايات آحاد.
2- انّها روايات متضاربة فيما بينها.
3- انّها روايات انفرد رواتها بها، وليست من الروايات المتّفق عليها.
4- انّها روايات تعارضها روايات الصحاح.
5- انّها روايات ليس لها أسانيد، أو أنّ أسانيدها ضعيفة.
إذاً، تبقى القضية على ما في الصحاح والمسانيد وكتب التفسير والتاريخ، من أنّ الذين خرجوا معه(صلى الله عليه وآله وسلّم) هم: عليّ وفاطمة والحسنان(عليهم السلام).
(1) مسند أحمد بن حنبل 1: 185 مسند سعد بن أبي وقاص.
(2) صحيح مسلم 7: 120 كتاب (فضائل الصحابة، باب فضائل عليّ(ع)).
(3) سنن الترمذي 4: 293 الحديث (4085).
(4) المستدرك على الصحيحين 3: 150.
(5) السنن الكبرى 7: 63 باب (إليه ينسب أولاد بناته).
(6) خصائص أمير المؤمنين(ع): 48 منزلة عليّ كرم الله وجهه من الله.
(7) أحكام القرآن 2: 18 قوله تعالى: (( فَقُل تَعَالَوا نَدعُ... )).
(8) تفسير ابن كثير 1: 408 سورة آل عمران: 61.
(9) السيرة الحلبية 3: 236 باب يذكر فيه ما يتعلق بالوفود.
(10) تاريخ المدينة 2: 581 وفد نجران.
(11) أنظر تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 39: 177.
السؤال: تدل على عظمة مقام الأئمة (عليهم السلام)
شكراً لكم على هذا المجهود الطيّب، ونتمنّى لكم كلّ التوفيق إن شاء الله.
في موضوع آية المباهلة؛ أرجو منكم طرح بحث مختصر يتناول عظمة وفضل أهل البيت(عليهم السلام) من خلال الآية الشريفة، وفّق الله الجميع لما فيه الخير.
الجواب:
إنّ الآية نزلت في النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) وعليّ وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام) عند مباهلتهم لوفد نجران، روى ذلك السيوطي بعدّة طرق في (الدرّ المنثور)(1)، والحاكم النيسابوري في (المستدرك)(2)، وابن كثير في (تفسيره)(3).
ثم إنّ دعوة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) لأهل بيته ومباهلته إلى الله تعالى، بيان لشرفهم وقربهم ومنزلتهم عند الله، والقسم على الله بهم ليلعن الكاذب دليل على أنّ لهم من الدرجة ما لا يعلمها إلاّ الله، لأنّ للقسم منزلة عند المقسم عليه، ومباهلة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) بهم (عليهم السلام) يعني إحتجاجه على النصارى بهؤلاء الذين هم الحجّة على صدق النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) وبعثته.
كما أنّ المباهلة تعني بحسب ماهيّتها أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) جعل هؤلاء المتباهل بهم شركاء في دعوته، ممّا يعني أنّ مسؤولية الدعوة تقع على عاتقهم كذلك بحجّيتهم ومقامهم، مشيراً إلى وجود تعاضد وتقاسم بينهم(عليهم السلام) وبين النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم)، كما يفيد ذلك حديث: (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي)(4).
فمنزلة الإمام عليّ(عليه السلام) بمنزلة هارون وصف لحجّيته ومشاركته في دعوته، كما شارك هارون موسى(عليه السلام) في دعوته، فهذه المقايسة في المباهلة مع النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) دليل حجّيتهم ومشاركتهم(عليهم السلام) معه(صلى الله عليه وآله وسلّم) في تبليغ صدق بعثته(صلى الله عليه وآله وسلّم)، هذا ما تبيّنه آية المباهلة من مقامهم ومنزلتهم(عليهم السلام).
(1) الدر المنثور 2: 38 - 39 قوله تعالى: (( إِنَآ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ... )).
(2) المستدرك على الصحيحين 3: 150 مناقب أهل البيت.
(3) تفسير ابن كثير 1: 379 قوله تعالى: (( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ... )).
(4) أنظر صحيح البخاري 5: 129 كتاب المغازي، باب (غزوة تبوك)، صحيح مسلم 7: 120 - 121 كتاب فضائل الصحابة، باب (فضائل عليّ)، سنن ابن ماجة 1: 42 الحديث (115)، سنن الترمذي 5: 302 الحديث (3808)، فضائل الصحابة للنسائي: 13 - 14، المستدرك على الصحيحين 2: 337.
تعليق على الجواب (1) تدل على عظمة مقام الأئمة (عليهم السلام)
والله ان استنتاجاتكم لغريبة فهل يستطيع رجل ان ياتي باولاد الناس لتعريضهم لمصيبة محتملة معه طبعا لا ولهذا جاء باولاده واهل بيته وهذا لايمكن ان يدل باي حال على مشاركتهم في امر رسالته التي ليس بامكانه ان يورثها لانها ليست ملكا
الجواب:
اولاً: أن النبي لايحتمل ان يتعرض لمصيبة ولا بنسبه قليلة جدا وكيف يحتمل ذلك ؟!والذي دعاه الى القيام بالمباهلة هو الله سبحانه وتعالى فهل تراه يريد الانتقام منه وهل يشك النبي في صدق دعواه حتى تقول ان هناك مصيبة محتملة.
ثانياً: ان اخراج اهل بيته معه لم يكن تصرفا شخصيا منه بل صريح القرآن يشير الى ان الله هو الآمر بإخراجهم بقوله تعالى (( فَقُل تَعَالَوا نَدعُ أَبنَاءنَا وَأَبنَاءكُم وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُم وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُم )) (آل عمران:61)
ثالثاً: لو كانت هناك مصيبة محتملة فهل من حق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ان يوقعها في اهله ولايحق له ان يوقعها في اصحابه فهل اهل الرجل ملكا له ويحق له التصرف بهم بالطريقة التي تنزل بهم المصيبة ولو قلت ان للنبي ذلك باعتبار كونه اولى بالمؤمنين من انفسهم لكان ذلك جائزا له في كل احد لا في خصوص اهله فلا معنى لاستبعاد ان ياتي بغير اهله .
رابعاً: ليس من حق النبي التصرف بالخلافة بعده ولا ان ينصب خليفة له لان الرسالة ليس ملكا له هذا ما تقوله فكيف تصرف ابو بكر واورث الخلافة لعمر فجعله الخليفة بعده فهل من حق الخليفة ان يورث الخلافة ولايحق للنبي تنصيب الخليفة بعده .
خامساً: صريح القران يشير الى ان اللعنة ستقع على الكذابين وفي هذا اشارة الى صدقه صلوات الله عليه وصدق اهل بيته فلو جاء النبي ببعض اصحابه الكذابين معه فهل تراه بمأمن من اللعنة وصريح القران يشير الى ان اللعنة ستنزل على الكذابين واذا ثبت صدق اهل البيت ومنهم علي (عليه السلام) وهو يدعي انه الاحق بالخلافة ونازع القوم عليها فكيف ينازع من يشهد له القران بالصدق .
تعليق على الجواب (2)
لعل السائل يقصد مصيبة محتملة من وجهة نظر النصارى، لان الموقف لالزام النصارى وليس المسلمين، فخروج الرسول عليه الصلاة والسلام باقرب المقربين له من نسبه الزام للنصارى.
فاخراج اقرب الاقرباء الزام للكافر، فليس هناك سبب لادخال مثلا اشخاص من قبيلة اخرى او من عشائر مختلفة.
وهذا معلوم حتى الان، فالباهل لايباهل بصديقه العزيز او قد لايباهل بزوجته ابنه فلان من الناس التي يستطيع استبدالها بغيرها أو لديه زوجات غيرها ولكن يباهل بابناءه واقرب الاقرباء لكي يلزم الخصم وليس للاستعراض.
فهي لاتدل على شيء من المشاركة معه في الرسالة لانه فقط من باب الزام الكافر باحضار اقرب الاقرباء.
الجواب:
ان الله تعالى امر النبي (صلى الله عليه وآله) باخراج نساءه وانفسه وابناءه وفي هذه الصيغ مجال لاتيان النبي (صلى الله عليه وآله) ايا كان من الاقرباء او الاصحاب او الازواج ولم يدع النبي (صلى الله عليه وآله) احد من هؤلاء مع فسحة المجال له في الدعوة فمعناه انهم لا يستحقون هذه المنزلة المهمة والعظيمة وهي صدق المدعووين وتصديق الرسالة للنبي (صلى الله عليه وآله). وان الموقف ليس فقط لالزام النصارى بل تصديق الرسالة وصدق المدعووين والمباهلة على هذه الدعوة تثبت العظمة والفضيلة العظيمة والمشاركة لهم في الرسالة فلهذا و ذاك انتخب النبي (صلى الله عليه وآله) بعضا من اقربائه ولم يخرج ابراهيم الذي قد ولد قبل المباهلة وكان رضيعا في حضن مارية القبطية.
السؤال: عدم تماميّة المباهلة لا تقدح بفضيلة أهل البيت (عليهم اسلام)
شاهدتُ في شهر رمضان 1429هـ إحدى حلقات برنامج بثته قناة فضائية، وأثناء مداخلة لأحد المشاهدين تطرق فيها إلى آية المباهلة، فوجئت بمقدم البرنامج يقاطع المتكلم بقوله: ((لكن المباهلة لم تتم))، وكأنّه أراد إبطال إحتجاجنا عليهم بفضل رسولنا الأعظم وبقية أهل الكساء صلوات الله وسلامه عليهم، ما هو جواب هذه الشبهة؟
الجواب:
يقتضي ذكر أكثر من نقطة:
النقطة الأولى: عدم تمامية المباهلة لا يلزم منه عدم تمامية الفضيلة لأهل البيت(عليهم السلام)، ولا يعني عدم تكريمهم والإشادة بهم والإشارة إلى أهميتهم.
ويكفينا في المقام أنّهم(عليهم السلام) كانوا ممّن اختارهم الله تبارك وتعالى، والرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلّم) منفذاً لهذا الإختيار الإلهي السماوي، أترى أنّ الله لا يختار الأفضل لمهمة خطيرة؟ أم أنّ اختياره لهم لا فضيلة فيه؟! وكلاهما مردودان، ولم يقل بهما أحد.
والذي يشير إلى كونهم مختاريّ الله هو نفس قوله تعالى: (( فَقُل تَعَالَوا نَدع )) (آل عمران:63)، فهم مرشحو الباري لخوض غمار الإحتجاج الخطير والدور الكبير، وهذا وحده فضيلة عظمى ومنقبة باهرة، هذا أوّلاً.
وثانياً: كونهم وفي نفس المقام ممدوحي النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم)، بقوله في مقام الردّ على قول النصارى: ((بمن تباهلنا يا أبا القاسم؟ قال: (بخير أهل الأرض وأكرمهم على الله عزّ وجلّ بهؤلاء)، وأشار لهما إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم))(1).
وفي رواية قال: (هؤلاء أوجه من على وجه الأرض بعدي إلى الله عزّ وجلّ وجهة، وأقربهم إليه وسيلة)(2).
وأنّه(صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لهم صلوات الله عليهم: (إذا أنا دعوت فأمنوا) ))(3)، ومنه يظهر أنّ لتأمين هؤلاء الأربعة(عليهم السلام) من أهمية في استجابة الدعاء بحيث وجههم الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) إليه، والحال أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) كان حاضراً! وهذا ثالثاً.
ورابعاً: مدحهم النصارى الخارجون للمباهلة، بقولهم: ((هذه وجوه لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال لأزالها))(4).
وهذا معناه أنّهم - أي النصارى - كانوا عارفين بأنّ الخارجين للمباهلة أصحاب فضل من قوم محمّد(صلى الله عليه وآله وسلّم)، وتصديق ذلك: ((قالا: فما نراك جئت لمباهلتنا بالكبر ولا من الكثر ولا أهل الشارة ممن نرى ممن آمن بك واتبعك...))(5).
النقطة الثانية: إنّ قولهم - أي المستشكل ومن على رأيه - في عدم تمامية المباهلة، يفهم منه أنّهم علقوا الفضيلة على تمامية المباهلة ونتيجتها، وكأنّهم يريدون القول؛ بأنّ احتمال نزول العذاب عليهم(عليهم السلام) لو تمت المباهلة لاحتمال كذبهم موجود، وهذا معناه تكذيب النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم)! فلا فضيلة له(صلى الله عليه وآله وسلّم) ولأهل بيته بعد ثبات عدم تمامية المباهلة لاحتمالية الكذب منهم واستحقاقهم اللعنة - نعوذ بالله -.
وكأنّما يريد المتكلّم أن يقول: إنّما نستكشف فضلهم لو ثبت صدقهم ونزول العذاب على النصارى! وهذا إتهام صريح للرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) بالكذب، والخروج الباطل والمباهلة في ما لا حقّ له فيه، وإلاّ ما معنى القول بعدم تمامية المباهلة سوى ذلك؟
وبعبارة أخرى: نقول: انّ مدار تحقق الفضيلة وعدمها ليس بملاك تمامية المباهلة، وإنّما بملاك كون النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) صادقاً أم كاذباً؛ إذ صدقه كافٍ في ثبوت الحقّ له حتى على فرض عدم الإتمام للمباهلة، وعليه يدور فضل من معه صلوات الله عليهم أجمعين. فالقائلون بعدم التمامية يتهمون نبيّهم الصادق الأمين(صلى الله عليه وآله وسلّم) بالكذب! لأنّهم يرون أنّه لو تمت المباهلة لعرفنا الصادق من الكاذب، وعندها تتضح الفضيلة. فهم لا يعترفون لنبيّهم(صلى الله عليه وآله وسلّم) بالفضل ما دامت المباهلة لم تتم!!
النقطة الثالثة: أنّه حتى الطبيعة المحيطة بهم قد اعترفت بفضلهم، ففي حديث تفصيلي يحدّثنا عن إضطرام الوادي وتغيير الحال، وتجاوب السهول والجبال، وحين رأى النصارى ذلك خافوا وذعروا وانسحبوا قبل أن يحلّ بهم المسخ والعذاب، حيث قال أحدهم: ((أنظرا إلى النجم قد أستطلع إلى الأرض، وإلى خشوع الشجر وتساقط الطير بأزائكما لوجوهها، قد نشرت على الأرض أجنحتها، وفات ما في حواصلها وما عليها لله عزّ وجلّ من تبعة، ليس ذلك إلاّ لما قد أظل من العذاب، وأنظر إلى إقشعرار الجبال، وإلى الدخان المنتشر، وقزع السحاب، هذا ونحن في حمارة القيظ وأبان الهجير، وأنظروا إلى محمّد رافعاً يده والأربعة من أهله معه، إنّما ينتظر ما تجيبان به))(6).
النقطة الرابعة: قد اعترف لهم بالفضل جملة من الصحابة وأعلام أهل السنّة.
فقد روى مسلم في صحيحه: ((عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً، فقال: ما منعك أن تسبّ أبا تراب؟ فقال: أما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله(صلى الله عليه [وآله] وسلّم) فلن أسبّه، لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إلي من حمر النعم، سمت رسول الله(صلى الله عليه [وآله] وسلّم)... ولمّا نزلت هذه الآية: (( فَقُل تَعَالَوا نَدعُ أَبنَاءَنَا وَأَبنَاءَكُم )) (آل عمران:61) دعا رسول الله(صلى الله عليه [وآله] وسلّم) عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: اللهمَّ هؤلاء أهلي))(7).
كما قال الزمخشري في (الكشاف): ((وفيه دليل - لا شيء أقوى منه - على فضل أصحاب الكساء))(8).
وقد احتج بها أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) يوم الشورى، كما يروي ابن حجر في صواعقه، حيث قال: ((أخرج الدارقطني: أنّ عليّاً يوم الشورى احتج على أهلها فقال لهم: (أنشدكم بالله من فيكم أحد أقرب إلى رسول الله(صلى الله عليه [وآله] وسلّم) في الرحم منّي، ومن جعله(صلى الله عليه [وآله] وسلّم) نفسه، وأبناءه أبناءه، ونساءه نساءه غيري؟) قالوا: لا...))(9).
كما واعترف بذلك ابن تيمية في كتابه (منهاج السنّة)(10)، وكذا ابن روزبهان الخنجي(11).
النقطة الخامسة: إنّ نفس الآية (( فَقُل تَعَالَوا نَدعُ... )) تحمل تعظيماً لأهل البيت(عليهم السلام) من جهات أخرى ناقشها المفسرون وأصحاب الفكر، كالاستدلال بها على عظمتهم(عليهم السلام)، لا بمجرد توجيه الخطاب لهم، وإنّما بنوعية واسلوب الخطاب في قوله تعالى: (( أَنفُسَنَا )) يعني أنّ عليّاً(عليه السلام) نفس النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم)، و (( أَبنَاءَنَا )) يعني الحسن والحسين أبناء رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم)، وكذا من جهة الإنحصار بهم(عليهم السلام) دون باقي المسلمين، وأنظر إختصاص الزهراء البتول(عليها السلام) بلفظ (( نِسَاءَنَا )).
ومن جهة توحدهم في سنخية الإعتقاد مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم)، وأهليتهم من حيث الرتبة لتمثيل هذا الدور الخطير، ومن جهة اللياقة لإنحصار تمثيلهم للرسالة والمحافظة عليها مستقبلاً، لأنّ المتقدم إلى المباهلة يجب أن يكون أعمق الناس إيماناً بدينه، وأشدّهم رسوخاً في الدفاع عنه، وأعلمهم بحقيقة ربطه بالله تعالى، وهذا واضح.
النقطة السادسة: وقوع جميع المقدمات للمباهلة، مثل إمتثال الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته(عليهم السلام) لأمر السماء أوّلاً، وثانياً لإرتفاع المانع من جهتهم، حيث توجهوا للتنفيذ العملي وعدم نكوصهم صلوات الله عليهم حتى يقال: إنّ في إتمامها حيثية تختلف في حال عدم إتمامها.
نعم، عدم تماميتها مستند لنكوص الخصم واستسلامه، وهذا أتمّ في الفضل لأهل البيت(عليهم السلام)، إذ شعر أولئك أنّ لهؤلاء(عليهم السلام) من الفضل والدرجة الرفيعة عند الله تعالى.
النقطة السابعة: لو لم تكن فيها فضيلة، لما حرصت بعض الأحاديث القليلة أن تجعل مع أهل البيت(عليهم السلام) غيرهم، وحرصت أيضاً أن يكون هذا الغير من الخلفاء وذويهم، مثل ما روي عن عمر بلا سند بزيادة عائشة وحفصة(12)، أو إدخال أبو بكر وولده، وعمر وولده، وعثمان وولده في رواية أخرى(13)، وفي رواية بحذف الإمام عليّ(عليه السلام) وزيادة ناس من أصحابه(14).
أليس هذا كلّه لفهم الوضّاع وساسة الخلافة ورواة البلاط بأهمية (هذه المنقبة) وعظمتها؟ وأنّ ذلك هو المفهوم الواضح من وجودها، والمتبادر إليهم منها؟
النقطة الثامنة: إنّ بعض الذين ذكروا آية المباهلة من المحدّثين إنّما ذكروها في باب الفضائل، كصحيح مسلم وقد ذكرها في كتاب فضائل الصحابة(15)، وكذا الترمذي في سننه(16)، وذكرها في هذا الباب دليل على كونها فضيلة.
وهنا نتسائل! لو كان الخارج مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) أحد الخلفاء الثلاثة، أو حفصة، أو عائشة، أو أحد بني أمية مثلاً، هل يكون التجاوب التاريخي مع هذه الحادثة كما هو الآن بأزاء أهل البيت(عليهم السلام)؟!
ولك أن تتخيّل حينها الحالة القدسية، والإطار الربّاني الأسمى الذي يحاط به هؤلاء، ومقدار الحرمة الجازمة في مسّهم، والدنو من ساحتهم، والقدح بشأنهم، لأنّ إستحقاقهم في الخروج للمباهلة ووضعهم في ميزان السماء، ورفعهم إلى العرش علواً، وذلك هو الحق طبعاً! ولكن بمن وقعت به المباهلة واقعاً.
(1) إقبال الأعمال لابن طاووس 2: 345 الباب السادس، الفصل الأوّل.
(2) الإختصاص للمفيد: 115 حديث المباهلة.
(3) تخريج الأحاديث للزيلعي 1: 186 - 187 سورة آل عمران، الحديث الحادي عشر، الكشاف 1: 434 قوله تعالى: (( فَقُل تَعَالَوا نَدعُ... ))، تفسير الثعلبي 3: 85.
(4) الكامل في التاريخ 2: 293 أحداث السنة العاشرة للهجرة، إمتناع الأسماع 2: 95.
(5) اقبال الأعمال 2: 345.
(6) اقبال الأعمال 2: 346 الباب السادس فيما يتعلق بيوم المباهلة.
(7) صحيح مسلم 7: 120 كتاب (فضائل الصحابة، باب فضائل عليّ).
(8) الكشاف 1: 434 في ذيل آية (61) من آل عمران.
(9) الصواعق المحرقة: 154 الباب الحادي عشر، الفصل الأوّل في الآيات الواردة فيهم، وأنظر تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 42: 432.
(10) منهاج السنّة 7: 122، 130 المنهج الثاني في الأدلة المأخوذة من القرآن الدالة على الإمامة من الكتاب.
(11) أنظر شرح احقاق الحق 3: 62 قول المصنف: السادسة آية المباهلة.
(12) أنظر السيرة الحلبية 3: 236 باب يذكر فيه ما يتعلق بالوفود التي وفدت عليه (ص).
(13) أنظر تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 39: 177 حياة عثمان بن عفان.
(14) أنظر تاريخ المدينة المنورة لابن شبة 2: 581.
(15) صحيح مسلم 7: 120 فضائل الصحابة، فضائل عليّ(ع).
(16) سنن الترمذي 5: 301 الحديث 3808 مناقب عليّ بن أبي طالب.
السؤال: سبب تخلّي النصارى عن المباهلة
كيف عرفت النصارى أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) في قضية المباهلة على حقّ؟ وإن كانوا قد عرفوا ذلك، فكيف لم يعترفوا بدينه؟
الجواب:
هناك احتمالان في المقام:
الأول: أن يكونوا قد أذعنوا في أنفسهم بحقّانية الدين الإسلامي، ولكن الأطماع والأهواء الدنيوية منعتهم من الاعتراف بهذا الواقع فجحدوه، قال تعالى: (( وَجَحَدُوا بِهَا وَاستَيقَنَتهَا أَنفُسُهُم ظُلمًا وَعُلُوًّا )) (النمل:14).
الثاني: أنّهم عندما رأوا أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) قد أتى بأعزّ أهله معه للمباهلة، عرفوا بأنّه(صلى الله عليه وآله وسلّم) على يقين من أمره، فبات الأمر واضحاً عندهم، فإن كان هناك احتمال ضئيل لعدم صحّة مبدئه ومعتقده، كان الواجب عليه(صلى الله عليه وآله وسلّم) عقلاً أن يتوقّى الضرر ويدفعه عن نفسه وذويه، وفي الجانب الآخر لم تقدّم النصارى أيّ شيء في هذا المقام.
فبحسب قانون الاحتمالات يحكم العقل بأرجحية الطرف الأوّل في المقابلة، وهذا قد يكون وجه تخلّفهم من المباهلة.
السؤال: دلالتها على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)
كيف تدلّ آية المباهلة على إمامة عليّ(عليه السلام)؟
الجواب:
يستدلّ علماؤنا بكلمة: (( وَأَنفُسَنَا )) (آل عمران:61) على إمامة الإمام عليّ(عليه السلام)، تبعاً لأئمّتنا(عليهم السلام).
ولعلّ أوّل من استدلّ بهذه الآية هو أمير المؤمنين(عليه السلام) نفسه، عندما احتجّ على الحاضرين في الشورى، بجملة من فضائله ومناقبه، فكان من ذلك إحتجاجه بآية المباهلة، حيث قال(عليه السلام): ((نشدتكم بالله هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) في الرحم، ومن جعله رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) نفسه، وابناه أبناءه، ونساءه نساءه غيري؟ قالوا: لا)) فكلّهم أقرّوا بما قال(عليه السلام)(1).
وروى السيد المرتضى عن الشيخ المفيد: انّ المأمون العباسي سأل الإمام الرضا(عليه السلام): أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين(عليه السلام) يدلّ عليها القرآن؟ فذكر له الإمام الرضا(عليه السلام) آية المباهلة، واستدلّ بكلمة: (( وَأَنفُسَنَا ))(2).
لأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) عندما أُمر أن يخرج معه نساؤه أخرج فاطمة فقط، وعندما أُمر أن يخرج أبناؤه أخرج الحسن والحسين فقط، وعندما أُمر أن يخرج معه نفسه أخرج عليّاً(عليه السلام)، فكان عليّ(عليه السلام) نفس رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم)، إلاّ أنّ كون عليّ نفس رسول الله بالمعنى الحقيقي غير ممكن، فيكون المعنى المجازي هو المراد، وأقرب المجازات إلى المعنى الحقيقي في مثل هذا المورد هو أن يكون(عليه السلام) مساوياً لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) في جميع الخصوصيات، إلاّ ما أخرجه الدليل وهو النبوّة، إذ لا نبيّ بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم)، فتبقى بقية مزايا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) وخصوصياته وكمالاته ثابتة.
ومن خصوصيات رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) أنّه أفضل من جميع المخلوقات، فعليّ(عليه السلام) كذلك، والعقل يحكم بقبح تقدّم المفضول على الفاضل، إذاً لابدّ من تقدّم عليّ(عليه السلام) على غيره في التصدّي لخلافة المسلمين.
ودمتم في رعاية الله
(1) أنظر تاريخ مدينة دمشق 42: 432.
(2) الفصول المختارة: 38 فصل (مكالمة المأمون للرضا(عليه السلام) في المباهلة.
تعليق على الجواب (1)
سياق الاية يفهم منه أنه نحن ندعوا ابناء قومنا وأنتم تدعون ابناء قومكم ونساء قومنا ونساء قومكم وانفسنا وأنفسكم , وهنا سؤالين : -
فأولا : ما الضير في تفسير انفسنا بعموم المسلمين بقبال النصارى, فيكون الإمام علي داخل في ابناء قوم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهم المسلمين ؟
ثانيا : كيف فهم أن المراد هو ابناء ونساء وانفس الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لا عامة المسلمين كما ان المراد من النصارى هو ابنائهم ونسائهم وانفسهم وليس مجرد ابناء ونساء من حظر فالخطاب للنصارى عامة, إذا من السياق هو للمسلمين عامة وبالتالي تكون النتيجة أن الإمام علي مثل المسلمين ونفس المسلمين لا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟
الجواب:
لو كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اخرج معه ابناء الصحابة ونسائهم واخرج معه بعض الصحابة لكان بالإمكان تفسير الآية بما ذكرت ولكن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يخرج سوى علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وبهذا يتحدد المراد من الإبناء والنساء والانفس. وللمزيد ارجع الى آية المباهلةمن المقصود بكلمة (انفسكم)
تعليق على الجواب (2)
ولكن هذا الجواب يوحي بأن المسألة متعلقه بالوجدان أي لأن الذي حضر المباهلة مع النصارى كان الرسول وعلي وفاطمة والحسنين (صلوات الله عليهم), لكن هذا لايدفع المعنى الذي ذكرته في السؤال لأنه يقال هذه فضيله لهم وانهم كانوا من المسلمين الذين اختارهم الرسول لا أن الآية تقول أن على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يأتي بأبناءه خاصة لا ابناء قومه ونساءه خاصة لا نساء قومه, فكيف نستدل على أن الخطاب في الآية يخص الرسول وابناءه ونساءه لا عامة المسلمين حيث ان سياق الآية يدل على عموم الخطاب وشموله المسلمين , فكيف نثبت ذلك لكي يتم الإستدلال بالآية ونستطيع ترتيب الأثر عليها؟
الجواب:
من الواضح أنه واجب على النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يمتثل لخطاب الله تعالى في الآية الشريفة، فان الله تعالى دعاه إلى احضار (أبنائنا) و(نسائنا) و(أنفسنا)، فأحضر (صلى الله عليه وآله وسلم) الحسن والحسين والزهراء وعليّ(عليهم السلام)، فمن امتثال الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) للأمر الالهي، نفهم أنّ المقصود بالخطاب هو خصوص الأربعة لا جميع المسلمين، أو طائفة كبيرة منهم، وإلاّ لو كان الخطاب يشمل جميع المسلمين لامتثل النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وأحضرهم جميعاً، أو على الأقل طائفة كبيرة منهم، وهو لم يفعل، فيتعيّن المعنى الذي أشرنا إليه إلى أن المقصود هم فاطمة وعليّ والحسن والحسين(عليهم السلام).
يتبع