المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : اية المباهلة /اسئلة واجوبة


الشيخ عباس محمد
11-09-2017, 06:09 PM
السؤال: شأن نزولها في مصادر أهل السنّةفي شأن من نزلت آية المباهلة؟ ومن خرج مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) للمباهلة؟ وهل صحيح أنّ بعض الصحابة خرجوا معه(صلى الله عليه وآله وسلّم)؟
الجواب:

إنّ الآية المباركة (( فَمَن حَاجَّكَ فِيهِ مِن بَعدِ مَا جَاءَكَ مِنَ العِلمِ فَقُل تَعَالَوا نَدعُ أَبنَاءَنَا وَأَبنَاءَكُم وَنِسَاءَنَا وَنِسَاءَكُم وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُم ثُمَّ نَبتَهِل فَنَجعَل لَعنَتَ اللَّهِ عَلَى الكَاذِبِينَ )) (آل عمران:61) نزلت في شأن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) ومن خرج معه، وهم: عليّ وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام) فقط دون غيرهم، هذا ما تسالم عليه علماؤنا في كتبهم، كما ورد هذا المعنى في كتب أهل السنّة: كــ(مسند أحمد بن حنبل)(1)، و(صحيح مسلم)(2)، و(سنن الترمذي)(3)، و(المستدرك على الصحيحين للحاكم)(4)، و(السنن الكبرى للبيهقي)(5)، و(خصائص أمير المؤمنين للنسائي)(6)، و(أحكام القرآن للجصاص)(7)، و(تفسير القرآن لابن كثير)(8)، وغيرها من كتب التفسير والحديث والتاريخ.
نعم، هناك رواية بلا سند في (السيرة الحلبية)(9)، تضيف عائشة وحفصة، ورواية ضعيفة رواها ابن شبه فيها إضافة: وناس من أصحابه(10).
كما توجد رواية تقول: فجاء بأبي بكر وولده، وبعمر وولده، وبعثمان وولده، وبعليّ وولده(11).
لكن هذه الروايات في الحقيقة غير قابلة للحجيّة لأُمور منها:
1- انّها روايات آحاد.
2- انّها روايات متضاربة فيما بينها.
3- انّها روايات انفرد رواتها بها، وليست من الروايات المتّفق عليها.
4- انّها روايات تعارضها روايات الصحاح.
5- انّها روايات ليس لها أسانيد، أو أنّ أسانيدها ضعيفة.
إذاً، تبقى القضية على ما في الصحاح والمسانيد وكتب التفسير والتاريخ، من أنّ الذين خرجوا معه(صلى الله عليه وآله وسلّم) هم: عليّ وفاطمة والحسنان(عليهم السلام).


(1) مسند أحمد بن حنبل 1: 185 مسند سعد بن أبي وقاص.
(2) صحيح مسلم 7: 120 كتاب (فضائل الصحابة، باب فضائل عليّ(ع)).
(3) سنن الترمذي 4: 293 الحديث (4085).
(4) المستدرك على الصحيحين 3: 150.
(5) السنن الكبرى 7: 63 باب (إليه ينسب أولاد بناته).
(6) خصائص أمير المؤمنين(ع): 48 منزلة عليّ كرم الله وجهه من الله.
(7) أحكام القرآن 2: 18 قوله تعالى: (( فَقُل تَعَالَوا نَدعُ... )).
(8) تفسير ابن كثير 1: 408 سورة آل عمران: 61.
(9) السيرة الحلبية 3: 236 باب يذكر فيه ما يتعلق بالوفود.
(10) تاريخ المدينة 2: 581 وفد نجران.
(11) أنظر تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 39: 177.



السؤال: تدل على عظمة مقام الأئمة (عليهم السلام)
شكراً لكم على هذا المجهود الطيّب، ونتمنّى لكم كلّ التوفيق إن شاء الله.
في موضوع آية المباهلة؛ أرجو منكم طرح بحث مختصر يتناول عظمة وفضل أهل البيت(عليهم السلام) من خلال الآية الشريفة، وفّق الله الجميع لما فيه الخير.
الجواب:

إنّ الآية نزلت في النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) وعليّ وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام) عند مباهلتهم لوفد نجران، روى ذلك السيوطي بعدّة طرق في (الدرّ المنثور)(1)، والحاكم النيسابوري في (المستدرك)(2)، وابن كثير في (تفسيره)(3).
ثم إنّ دعوة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) لأهل بيته ومباهلته إلى الله تعالى، بيان لشرفهم وقربهم ومنزلتهم عند الله، والقسم على الله بهم ليلعن الكاذب دليل على أنّ لهم من الدرجة ما لا يعلمها إلاّ الله، لأنّ للقسم منزلة عند المقسم عليه، ومباهلة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) بهم (عليهم السلام) يعني إحتجاجه على النصارى بهؤلاء الذين هم الحجّة على صدق النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) وبعثته.
كما أنّ المباهلة تعني بحسب ماهيّتها أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) جعل هؤلاء المتباهل بهم شركاء في دعوته، ممّا يعني أنّ مسؤولية الدعوة تقع على عاتقهم كذلك بحجّيتهم ومقامهم، مشيراً إلى وجود تعاضد وتقاسم بينهم(عليهم السلام) وبين النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم)، كما يفيد ذلك حديث: (أنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي)(4).
فمنزلة الإمام عليّ(عليه السلام) بمنزلة هارون وصف لحجّيته ومشاركته في دعوته، كما شارك هارون موسى(عليه السلام) في دعوته، فهذه المقايسة في المباهلة مع النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) دليل حجّيتهم ومشاركتهم(عليهم السلام) معه(صلى الله عليه وآله وسلّم) في تبليغ صدق بعثته(صلى الله عليه وآله وسلّم)، هذا ما تبيّنه آية المباهلة من مقامهم ومنزلتهم(عليهم السلام).


(1) الدر المنثور 2: 38 - 39 قوله تعالى: (( إِنَآ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ... )).
(2) المستدرك على الصحيحين 3: 150 مناقب أهل البيت.
(3) تفسير ابن كثير 1: 379 قوله تعالى: (( إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِندَ اللَّهِ... )).
(4) أنظر صحيح البخاري 5: 129 كتاب المغازي، باب (غزوة تبوك)، صحيح مسلم 7: 120 - 121 كتاب فضائل الصحابة، باب (فضائل عليّ)، سنن ابن ماجة 1: 42 الحديث (115)، سنن الترمذي 5: 302 الحديث (3808)، فضائل الصحابة للنسائي: 13 - 14، المستدرك على الصحيحين 2: 337.


تعليق على الجواب (1) تدل على عظمة مقام الأئمة (عليهم السلام)
والله ان استنتاجاتكم لغريبة فهل يستطيع رجل ان ياتي باولاد الناس لتعريضهم لمصيبة محتملة معه طبعا لا ولهذا جاء باولاده واهل بيته وهذا لايمكن ان يدل باي حال على مشاركتهم في امر رسالته التي ليس بامكانه ان يورثها لانها ليست ملكا
الجواب:

اولاً: أن النبي لايحتمل ان يتعرض لمصيبة ولا بنسبه قليلة جدا وكيف يحتمل ذلك ؟!والذي دعاه الى القيام بالمباهلة هو الله سبحانه وتعالى فهل تراه يريد الانتقام منه وهل يشك النبي في صدق دعواه حتى تقول ان هناك مصيبة محتملة.
ثانياً: ان اخراج اهل بيته معه لم يكن تصرفا شخصيا منه بل صريح القرآن يشير الى ان الله هو الآمر بإخراجهم بقوله تعالى (( فَقُل تَعَالَوا نَدعُ أَبنَاءنَا وَأَبنَاءكُم وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُم وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُم )) (آل عمران:61)
ثالثاً: لو كانت هناك مصيبة محتملة فهل من حق النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ان يوقعها في اهله ولايحق له ان يوقعها في اصحابه فهل اهل الرجل ملكا له ويحق له التصرف بهم بالطريقة التي تنزل بهم المصيبة ولو قلت ان للنبي ذلك باعتبار كونه اولى بالمؤمنين من انفسهم لكان ذلك جائزا له في كل احد لا في خصوص اهله فلا معنى لاستبعاد ان ياتي بغير اهله .
رابعاً: ليس من حق النبي التصرف بالخلافة بعده ولا ان ينصب خليفة له لان الرسالة ليس ملكا له هذا ما تقوله فكيف تصرف ابو بكر واورث الخلافة لعمر فجعله الخليفة بعده فهل من حق الخليفة ان يورث الخلافة ولايحق للنبي تنصيب الخليفة بعده .
خامساً: صريح القران يشير الى ان اللعنة ستقع على الكذابين وفي هذا اشارة الى صدقه صلوات الله عليه وصدق اهل بيته فلو جاء النبي ببعض اصحابه الكذابين معه فهل تراه بمأمن من اللعنة وصريح القران يشير الى ان اللعنة ستنزل على الكذابين واذا ثبت صدق اهل البيت ومنهم علي (عليه السلام) وهو يدعي انه الاحق بالخلافة ونازع القوم عليها فكيف ينازع من يشهد له القران بالصدق .

تعليق على الجواب (2)
لعل السائل يقصد مصيبة محتملة من وجهة نظر النصارى، لان الموقف لالزام النصارى وليس المسلمين، فخروج الرسول عليه الصلاة والسلام باقرب المقربين له من نسبه الزام للنصارى.
فاخراج اقرب الاقرباء الزام للكافر، فليس هناك سبب لادخال مثلا اشخاص من قبيلة اخرى او من عشائر مختلفة.
وهذا معلوم حتى الان، فالباهل لايباهل بصديقه العزيز او قد لايباهل بزوجته ابنه فلان من الناس التي يستطيع استبدالها بغيرها أو لديه زوجات غيرها ولكن يباهل بابناءه واقرب الاقرباء لكي يلزم الخصم وليس للاستعراض.
فهي لاتدل على شيء من المشاركة معه في الرسالة لانه فقط من باب الزام الكافر باحضار اقرب الاقرباء.
الجواب:

ان الله تعالى امر النبي (صلى الله عليه وآله) باخراج نساءه وانفسه وابناءه وفي هذه الصيغ مجال لاتيان النبي (صلى الله عليه وآله) ايا كان من الاقرباء او الاصحاب او الازواج ولم يدع النبي (صلى الله عليه وآله) احد من هؤلاء مع فسحة المجال له في الدعوة فمعناه انهم لا يستحقون هذه المنزلة المهمة والعظيمة وهي صدق المدعووين وتصديق الرسالة للنبي (صلى الله عليه وآله). وان الموقف ليس فقط لالزام النصارى بل تصديق الرسالة وصدق المدعووين والمباهلة على هذه الدعوة تثبت العظمة والفضيلة العظيمة والمشاركة لهم في الرسالة فلهذا و ذاك انتخب النبي (صلى الله عليه وآله) بعضا من اقربائه ولم يخرج ابراهيم الذي قد ولد قبل المباهلة وكان رضيعا في حضن مارية القبطية.



السؤال: عدم تماميّة المباهلة لا تقدح بفضيلة أهل البيت (عليهم اسلام)

شاهدتُ في شهر رمضان 1429هـ إحدى حلقات برنامج بثته قناة فضائية، وأثناء مداخلة لأحد المشاهدين تطرق فيها إلى آية المباهلة، فوجئت بمقدم البرنامج يقاطع المتكلم بقوله: ((لكن المباهلة لم تتم))، وكأنّه أراد إبطال إحتجاجنا عليهم بفضل رسولنا الأعظم وبقية أهل الكساء صلوات الله وسلامه عليهم، ما هو جواب هذه الشبهة؟
الجواب:

يقتضي ذكر أكثر من نقطة:
النقطة الأولى: عدم تمامية المباهلة لا يلزم منه عدم تمامية الفضيلة لأهل البيت(عليهم السلام)، ولا يعني عدم تكريمهم والإشادة بهم والإشارة إلى أهميتهم.
ويكفينا في المقام أنّهم(عليهم السلام) كانوا ممّن اختارهم الله تبارك وتعالى، والرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلّم) منفذاً لهذا الإختيار الإلهي السماوي، أترى أنّ الله لا يختار الأفضل لمهمة خطيرة؟ أم أنّ اختياره لهم لا فضيلة فيه؟! وكلاهما مردودان، ولم يقل بهما أحد.
والذي يشير إلى كونهم مختاريّ الله هو نفس قوله تعالى: (( فَقُل تَعَالَوا نَدع )) (آل عمران:63)، فهم مرشحو الباري لخوض غمار الإحتجاج الخطير والدور الكبير، وهذا وحده فضيلة عظمى ومنقبة باهرة، هذا أوّلاً.
وثانياً: كونهم وفي نفس المقام ممدوحي النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم)، بقوله في مقام الردّ على قول النصارى: ((بمن تباهلنا يا أبا القاسم؟ قال: (بخير أهل الأرض وأكرمهم على الله عزّ وجلّ بهؤلاء)، وأشار لهما إلى عليّ وفاطمة والحسن والحسين صلوات الله عليهم))(1).
وفي رواية قال: (هؤلاء أوجه من على وجه الأرض بعدي إلى الله عزّ وجلّ وجهة، وأقربهم إليه وسيلة)(2).
وأنّه(صلى الله عليه وآله وسلّم) قال لهم صلوات الله عليهم: (إذا أنا دعوت فأمنوا) ))(3)، ومنه يظهر أنّ لتأمين هؤلاء الأربعة(عليهم السلام) من أهمية في استجابة الدعاء بحيث وجههم الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) إليه، والحال أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) كان حاضراً! وهذا ثالثاً.
ورابعاً: مدحهم النصارى الخارجون للمباهلة، بقولهم: ((هذه وجوه لو أقسمت على الله أن يزيل الجبال لأزالها))(4).
وهذا معناه أنّهم - أي النصارى - كانوا عارفين بأنّ الخارجين للمباهلة أصحاب فضل من قوم محمّد(صلى الله عليه وآله وسلّم)، وتصديق ذلك: ((قالا: فما نراك جئت لمباهلتنا بالكبر ولا من الكثر ولا أهل الشارة ممن نرى ممن آمن بك واتبعك...))(5).
النقطة الثانية: إنّ قولهم - أي المستشكل ومن على رأيه - في عدم تمامية المباهلة، يفهم منه أنّهم علقوا الفضيلة على تمامية المباهلة ونتيجتها، وكأنّهم يريدون القول؛ بأنّ احتمال نزول العذاب عليهم(عليهم السلام) لو تمت المباهلة لاحتمال كذبهم موجود، وهذا معناه تكذيب النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم)! فلا فضيلة له(صلى الله عليه وآله وسلّم) ولأهل بيته بعد ثبات عدم تمامية المباهلة لاحتمالية الكذب منهم واستحقاقهم اللعنة - نعوذ بالله -.
وكأنّما يريد المتكلّم أن يقول: إنّما نستكشف فضلهم لو ثبت صدقهم ونزول العذاب على النصارى! وهذا إتهام صريح للرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) بالكذب، والخروج الباطل والمباهلة في ما لا حقّ له فيه، وإلاّ ما معنى القول بعدم تمامية المباهلة سوى ذلك؟
وبعبارة أخرى: نقول: انّ مدار تحقق الفضيلة وعدمها ليس بملاك تمامية المباهلة، وإنّما بملاك كون النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) صادقاً أم كاذباً؛ إذ صدقه كافٍ في ثبوت الحقّ له حتى على فرض عدم الإتمام للمباهلة، وعليه يدور فضل من معه صلوات الله عليهم أجمعين. فالقائلون بعدم التمامية يتهمون نبيّهم الصادق الأمين(صلى الله عليه وآله وسلّم) بالكذب! لأنّهم يرون أنّه لو تمت المباهلة لعرفنا الصادق من الكاذب، وعندها تتضح الفضيلة. فهم لا يعترفون لنبيّهم(صلى الله عليه وآله وسلّم) بالفضل ما دامت المباهلة لم تتم!!
النقطة الثالثة: أنّه حتى الطبيعة المحيطة بهم قد اعترفت بفضلهم، ففي حديث تفصيلي يحدّثنا عن إضطرام الوادي وتغيير الحال، وتجاوب السهول والجبال، وحين رأى النصارى ذلك خافوا وذعروا وانسحبوا قبل أن يحلّ بهم المسخ والعذاب، حيث قال أحدهم: ((أنظرا إلى النجم قد أستطلع إلى الأرض، وإلى خشوع الشجر وتساقط الطير بأزائكما لوجوهها، قد نشرت على الأرض أجنحتها، وفات ما في حواصلها وما عليها لله عزّ وجلّ من تبعة، ليس ذلك إلاّ لما قد أظل من العذاب، وأنظر إلى إقشعرار الجبال، وإلى الدخان المنتشر، وقزع السحاب، هذا ونحن في حمارة القيظ وأبان الهجير، وأنظروا إلى محمّد رافعاً يده والأربعة من أهله معه، إنّما ينتظر ما تجيبان به))(6).
النقطة الرابعة: قد اعترف لهم بالفضل جملة من الصحابة وأعلام أهل السنّة.
فقد روى مسلم في صحيحه: ((عن بكير بن مسمار، عن عامر بن سعد بن أبي وقاص، عن أبيه، قال: أمر معاوية بن أبي سفيان سعداً، فقال: ما منعك أن تسبّ أبا تراب؟ فقال: أما ذكرت ثلاثاً قالهن له رسول الله(صلى الله عليه [وآله] وسلّم) فلن أسبّه، لأن تكون لي واحدة منهنّ أحبّ إلي من حمر النعم، سمت رسول الله(صلى الله عليه [وآله] وسلّم)... ولمّا نزلت هذه الآية: (( فَقُل تَعَالَوا نَدعُ أَبنَاءَنَا وَأَبنَاءَكُم )) (آل عمران:61) دعا رسول الله(صلى الله عليه [وآله] وسلّم) عليّاً وفاطمة وحسناً وحسيناً فقال: اللهمَّ هؤلاء أهلي))(7).
كما قال الزمخشري في (الكشاف): ((وفيه دليل - لا شيء أقوى منه - على فضل أصحاب الكساء))(8).
وقد احتج بها أمير المؤمنين عليّ(عليه السلام) يوم الشورى، كما يروي ابن حجر في صواعقه، حيث قال: ((أخرج الدارقطني: أنّ عليّاً يوم الشورى احتج على أهلها فقال لهم: (أنشدكم بالله من فيكم أحد أقرب إلى رسول الله(صلى الله عليه [وآله] وسلّم) في الرحم منّي، ومن جعله(صلى الله عليه [وآله] وسلّم) نفسه، وأبناءه أبناءه، ونساءه نساءه غيري؟) قالوا: لا...))(9).
كما واعترف بذلك ابن تيمية في كتابه (منهاج السنّة)(10)، وكذا ابن روزبهان الخنجي(11).
النقطة الخامسة: إنّ نفس الآية (( فَقُل تَعَالَوا نَدعُ... )) تحمل تعظيماً لأهل البيت(عليهم السلام) من جهات أخرى ناقشها المفسرون وأصحاب الفكر، كالاستدلال بها على عظمتهم(عليهم السلام)، لا بمجرد توجيه الخطاب لهم، وإنّما بنوعية واسلوب الخطاب في قوله تعالى: (( أَنفُسَنَا )) يعني أنّ عليّاً(عليه السلام) نفس النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم)، و (( أَبنَاءَنَا )) يعني الحسن والحسين أبناء رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم)، وكذا من جهة الإنحصار بهم(عليهم السلام) دون باقي المسلمين، وأنظر إختصاص الزهراء البتول(عليها السلام) بلفظ (( نِسَاءَنَا )).
ومن جهة توحدهم في سنخية الإعتقاد مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم)، وأهليتهم من حيث الرتبة لتمثيل هذا الدور الخطير، ومن جهة اللياقة لإنحصار تمثيلهم للرسالة والمحافظة عليها مستقبلاً، لأنّ المتقدم إلى المباهلة يجب أن يكون أعمق الناس إيماناً بدينه، وأشدّهم رسوخاً في الدفاع عنه، وأعلمهم بحقيقة ربطه بالله تعالى، وهذا واضح.
النقطة السادسة: وقوع جميع المقدمات للمباهلة، مثل إمتثال الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) وأهل بيته(عليهم السلام) لأمر السماء أوّلاً، وثانياً لإرتفاع المانع من جهتهم، حيث توجهوا للتنفيذ العملي وعدم نكوصهم صلوات الله عليهم حتى يقال: إنّ في إتمامها حيثية تختلف في حال عدم إتمامها.
نعم، عدم تماميتها مستند لنكوص الخصم واستسلامه، وهذا أتمّ في الفضل لأهل البيت(عليهم السلام)، إذ شعر أولئك أنّ لهؤلاء(عليهم السلام) من الفضل والدرجة الرفيعة عند الله تعالى.
النقطة السابعة: لو لم تكن فيها فضيلة، لما حرصت بعض الأحاديث القليلة أن تجعل مع أهل البيت(عليهم السلام) غيرهم، وحرصت أيضاً أن يكون هذا الغير من الخلفاء وذويهم، مثل ما روي عن عمر بلا سند بزيادة عائشة وحفصة(12)، أو إدخال أبو بكر وولده، وعمر وولده، وعثمان وولده في رواية أخرى(13)، وفي رواية بحذف الإمام عليّ(عليه السلام) وزيادة ناس من أصحابه(14).
أليس هذا كلّه لفهم الوضّاع وساسة الخلافة ورواة البلاط بأهمية (هذه المنقبة) وعظمتها؟ وأنّ ذلك هو المفهوم الواضح من وجودها، والمتبادر إليهم منها؟
النقطة الثامنة: إنّ بعض الذين ذكروا آية المباهلة من المحدّثين إنّما ذكروها في باب الفضائل، كصحيح مسلم وقد ذكرها في كتاب فضائل الصحابة(15)، وكذا الترمذي في سننه(16)، وذكرها في هذا الباب دليل على كونها فضيلة.
وهنا نتسائل! لو كان الخارج مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) أحد الخلفاء الثلاثة، أو حفصة، أو عائشة، أو أحد بني أمية مثلاً، هل يكون التجاوب التاريخي مع هذه الحادثة كما هو الآن بأزاء أهل البيت(عليهم السلام)؟!
ولك أن تتخيّل حينها الحالة القدسية، والإطار الربّاني الأسمى الذي يحاط به هؤلاء، ومقدار الحرمة الجازمة في مسّهم، والدنو من ساحتهم، والقدح بشأنهم، لأنّ إستحقاقهم في الخروج للمباهلة ووضعهم في ميزان السماء، ورفعهم إلى العرش علواً، وذلك هو الحق طبعاً! ولكن بمن وقعت به المباهلة واقعاً.


(1) إقبال الأعمال لابن طاووس 2: 345 الباب السادس، الفصل الأوّل.
(2) الإختصاص للمفيد: 115 حديث المباهلة.
(3) تخريج الأحاديث للزيلعي 1: 186 - 187 سورة آل عمران، الحديث الحادي عشر، الكشاف 1: 434 قوله تعالى: (( فَقُل تَعَالَوا نَدعُ... ))، تفسير الثعلبي 3: 85.
(4) الكامل في التاريخ 2: 293 أحداث السنة العاشرة للهجرة، إمتناع الأسماع 2: 95.
(5) اقبال الأعمال 2: 345.
(6) اقبال الأعمال 2: 346 الباب السادس فيما يتعلق بيوم المباهلة.
(7) صحيح مسلم 7: 120 كتاب (فضائل الصحابة، باب فضائل عليّ).
(8) الكشاف 1: 434 في ذيل آية (61) من آل عمران.
(9) الصواعق المحرقة: 154 الباب الحادي عشر، الفصل الأوّل في الآيات الواردة فيهم، وأنظر تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 42: 432.
(10) منهاج السنّة 7: 122، 130 المنهج الثاني في الأدلة المأخوذة من القرآن الدالة على الإمامة من الكتاب.
(11) أنظر شرح احقاق الحق 3: 62 قول المصنف: السادسة آية المباهلة.
(12) أنظر السيرة الحلبية 3: 236 باب يذكر فيه ما يتعلق بالوفود التي وفدت عليه (ص).
(13) أنظر تاريخ مدينة دمشق لابن عساكر 39: 177 حياة عثمان بن عفان.
(14) أنظر تاريخ المدينة المنورة لابن شبة 2: 581.
(15) صحيح مسلم 7: 120 فضائل الصحابة، فضائل عليّ(ع).
(16) سنن الترمذي 5: 301 الحديث 3808 مناقب عليّ بن أبي طالب.




السؤال: سبب تخلّي النصارى عن المباهلة
كيف عرفت النصارى أنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) في قضية المباهلة على حقّ؟ وإن كانوا قد عرفوا ذلك، فكيف لم يعترفوا بدينه؟
الجواب:

هناك احتمالان في المقام:
الأول: أن يكونوا قد أذعنوا في أنفسهم بحقّانية الدين الإسلامي، ولكن الأطماع والأهواء الدنيوية منعتهم من الاعتراف بهذا الواقع فجحدوه، قال تعالى: (( وَجَحَدُوا بِهَا وَاستَيقَنَتهَا أَنفُسُهُم ظُلمًا وَعُلُوًّا )) (النمل:14).
الثاني: أنّهم عندما رأوا أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) قد أتى بأعزّ أهله معه للمباهلة، عرفوا بأنّه(صلى الله عليه وآله وسلّم) على يقين من أمره، فبات الأمر واضحاً عندهم، فإن كان هناك احتمال ضئيل لعدم صحّة مبدئه ومعتقده، كان الواجب عليه(صلى الله عليه وآله وسلّم) عقلاً أن يتوقّى الضرر ويدفعه عن نفسه وذويه، وفي الجانب الآخر لم تقدّم النصارى أيّ شيء في هذا المقام.
فبحسب قانون الاحتمالات يحكم العقل بأرجحية الطرف الأوّل في المقابلة، وهذا قد يكون وجه تخلّفهم من المباهلة.



السؤال: دلالتها على إمامة أمير المؤمنين (عليه السلام)
كيف تدلّ آية المباهلة على إمامة عليّ(عليه السلام)؟
الجواب:

يستدلّ علماؤنا بكلمة: (( وَأَنفُسَنَا )) (آل عمران:61) على إمامة الإمام عليّ(عليه السلام)، تبعاً لأئمّتنا(عليهم السلام).
ولعلّ أوّل من استدلّ بهذه الآية هو أمير المؤمنين(عليه السلام) نفسه، عندما احتجّ على الحاضرين في الشورى، بجملة من فضائله ومناقبه، فكان من ذلك إحتجاجه بآية المباهلة، حيث قال(عليه السلام): ((نشدتكم بالله هل فيكم أحد أقرب إلى رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) في الرحم، ومن جعله رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) نفسه، وابناه أبناءه، ونساءه نساءه غيري؟ قالوا: لا)) فكلّهم أقرّوا بما قال(عليه السلام)(1).
وروى السيد المرتضى عن الشيخ المفيد: انّ المأمون العباسي سأل الإمام الرضا(عليه السلام): أخبرني بأكبر فضيلة لأمير المؤمنين(عليه السلام) يدلّ عليها القرآن؟ فذكر له الإمام الرضا(عليه السلام) آية المباهلة، واستدلّ بكلمة: (( وَأَنفُسَنَا ))(2).
لأنّ النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) عندما أُمر أن يخرج معه نساؤه أخرج فاطمة فقط، وعندما أُمر أن يخرج أبناؤه أخرج الحسن والحسين فقط، وعندما أُمر أن يخرج معه نفسه أخرج عليّاً(عليه السلام)، فكان عليّ(عليه السلام) نفس رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم)، إلاّ أنّ كون عليّ نفس رسول الله بالمعنى الحقيقي غير ممكن، فيكون المعنى المجازي هو المراد، وأقرب المجازات إلى المعنى الحقيقي في مثل هذا المورد هو أن يكون(عليه السلام) مساوياً لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) في جميع الخصوصيات، إلاّ ما أخرجه الدليل وهو النبوّة، إذ لا نبيّ بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم)، فتبقى بقية مزايا رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) وخصوصياته وكمالاته ثابتة.
ومن خصوصيات رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) أنّه أفضل من جميع المخلوقات، فعليّ(عليه السلام) كذلك، والعقل يحكم بقبح تقدّم المفضول على الفاضل، إذاً لابدّ من تقدّم عليّ(عليه السلام) على غيره في التصدّي لخلافة المسلمين.
ودمتم في رعاية الله
(1) أنظر تاريخ مدينة دمشق 42: 432.
(2) الفصول المختارة: 38 فصل (مكالمة المأمون للرضا(عليه السلام) في المباهلة.



تعليق على الجواب (1)
سياق الاية يفهم منه أنه نحن ندعوا ابناء قومنا وأنتم تدعون ابناء قومكم ونساء قومنا ونساء قومكم وانفسنا وأنفسكم , وهنا سؤالين : -
فأولا : ما الضير في تفسير انفسنا بعموم المسلمين بقبال النصارى, فيكون الإمام علي داخل في ابناء قوم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) وهم المسلمين ؟
ثانيا : كيف فهم أن المراد هو ابناء ونساء وانفس الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) لا عامة المسلمين كما ان المراد من النصارى هو ابنائهم ونسائهم وانفسهم وليس مجرد ابناء ونساء من حظر فالخطاب للنصارى عامة, إذا من السياق هو للمسلمين عامة وبالتالي تكون النتيجة أن الإمام علي مثل المسلمين ونفس المسلمين لا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) ؟
الجواب:

لو كان النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) اخرج معه ابناء الصحابة ونسائهم واخرج معه بعض الصحابة لكان بالإمكان تفسير الآية بما ذكرت ولكن النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يخرج سوى علي وفاطمة والحسن والحسين (عليهم السلام) وبهذا يتحدد المراد من الإبناء والنساء والانفس. وللمزيد ارجع الى آية المباهلةمن المقصود بكلمة (انفسكم)




تعليق على الجواب (2)
ولكن هذا الجواب يوحي بأن المسألة متعلقه بالوجدان أي لأن الذي حضر المباهلة مع النصارى كان الرسول وعلي وفاطمة والحسنين (صلوات الله عليهم), لكن هذا لايدفع المعنى الذي ذكرته في السؤال لأنه يقال هذه فضيله لهم وانهم كانوا من المسلمين الذين اختارهم الرسول لا أن الآية تقول أن على الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يأتي بأبناءه خاصة لا ابناء قومه ونساءه خاصة لا نساء قومه, فكيف نستدل على أن الخطاب في الآية يخص الرسول وابناءه ونساءه لا عامة المسلمين حيث ان سياق الآية يدل على عموم الخطاب وشموله المسلمين , فكيف نثبت ذلك لكي يتم الإستدلال بالآية ونستطيع ترتيب الأثر عليها؟
الجواب:

من الواضح أنه واجب على النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) أن يمتثل لخطاب الله تعالى في الآية الشريفة، فان الله تعالى دعاه إلى احضار (أبنائنا) و(نسائنا) و(أنفسنا)، فأحضر (صلى الله عليه وآله وسلم) الحسن والحسين والزهراء وعليّ(عليهم السلام)، فمن امتثال الرسول(صلى الله عليه وآله وسلم) للأمر الالهي، نفهم أنّ المقصود بالخطاب هو خصوص الأربعة لا جميع المسلمين، أو طائفة كبيرة منهم، وإلاّ لو كان الخطاب يشمل جميع المسلمين لامتثل النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلم) وأحضرهم جميعاً، أو على الأقل طائفة كبيرة منهم، وهو لم يفعل، فيتعيّن المعنى الذي أشرنا إليه إلى أن المقصود هم فاطمة وعليّ والحسن والحسين(عليهم السلام).

يتبع

الشيخ عباس محمد
11-09-2017, 06:09 PM
السؤال: روايات تدل على أن علي(عليه السلام)هو نفس رسول الله (صلى الله عليه وآله)
لا يخفى ما لدلالة آية المباهلة على عظيم الفضل والمنزلة لأهل البيت صلوات الله عليهم أجمعين، ولكن المشككين من الوهابية لا يروقهم سماع فضيلة من فضائل أهل البيت(عليهم السلام)، ولذا تراهم ينكرون مهما استطاعوا تلك الفضائل، ومن هذا الباب محاولة البعض منهم إنكار أنّ المراد بـ(( أَنفُسَنَا )) الواردة في الآية الكريمة هو الإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، فهل يوجد نص نبويّ صريح وصحيح من كتب القوم يذكر أنّ الإمام عليّ(عليه السلام) هو المراد بـ(( أَنفُسَنَا ))؟
الجواب:

لقد صرح رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) أنّ عليّاً(عليه السلام) هو كنفسه صلوات الله عليه.
ففي (مجمع الزوائد) للهيثمي: قال(صلى الله عليه وآله وسلّم): (أو لأبعثن إليكم رجلاً منّي أو كنفسي يضرب أعناقكم، ثم أخذ بيد عليّ، فقال: هذا)(1).
وفي (المصنف) للصنعاني: عن عبد الله بن حنطب، قال لرسول الله(صلى الله عليه [وآله] وسلّم) لوفد ثقيف حين جاءوا: (لتسلمنّ أو لنبعثن رجلاً منّي - أو قال: مثل نفسي - فليضرب أعناقكم، وليسبينّ ذراريكم، وليأخذنّ أموالكم)، فقال عمر: فوالله ما تمنيت الإمارة إلاّ يومئذ، جعلت أنصب صدري رجاء أن يقول: هو هذا. قال: فالتفت إلى عليّ، فأخذ بيده ثم قال: (هو هذا، هو هذا)(2).
وفي (المصنف) لابن أبي شيبة: (اللهم أنا أو كنفسي، ثم أخذ بيد عليّ)(3).
وفيه أيضاً: قال(صلى الله عليه وآله وسلّم): (أو لأبعثن إليكم رجلاً منّي أو لنفسي فليضربنّ أعناق مقاتليهم وليسبينّ ذراريهم، قال: فرأى الناس أنّه أبو بكر أو عمر، فأخذ بيد عليّ، فقال: هذا)(4)، وذكر ذلك أبو يعلى في مسنده(5)، والحاكم في (المستدرك) وقال: هذا صحيح الإسناد ولم يخرجاه(6).
ثم إنّ الثابت عند الفريقين أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) لم يخرج للمباهلة سوى عليّ وفاطمة والحسن والحسين(عليهم السلام)، وقد أشار إلى فاطمة بكلمة (( نِسَاءَنَا ))، وإلى الحسن والحسين بـ(( أَبنَاءَنَا ))، ولم يبق لعليّ(عليه السلام) سوى كلمة (( أَنفُسَنَا )).
ولا يصح أن يقال أنّ المراد بـ(( أَنفُسَنَا )) هو رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم)؛ لأنّه لا معنى لأن يدعو نفسه، بل المدعو لابد أن يكون غيره؛ إذ لا يمكن اتحاد الداعي والمدعو.


(1) مجمع الزوائد 9: 163 كتاب المناقب، باب فضائل أهل البيت.
(2) المصنف للصنعاني 11: 226 الحديث (20389).
(3) مصنف ابن أبي شيبة 7: 499 كتاب الفضائل، فضائل عليّ بن أبي طالب الحديث (30).
(4) نفس المصدر 8: 498 كتاب الفضائل، فضائل عليّ بن أبي طالب الحديث (23).
(5) مسند أبي يعلى 2: 166 من مسند عبد الرحمن بن عوف الحديث (859).
(6) المستدرك 2: 120 - 121 كتاب الجهاد، قصة فتح مكة والطائف وهجر.



السؤال: ما يمنع من إرادة نفس النبي (صلي الله عليه واله) مع نفس علي (عليه السلام) في الآية
توجد شبهة حول آية المباهلة عند المخالفين وهي: أنّ (الأنفس) جمع قلّة مضافاً إلى (نا) الدالّة على الجمع، ومقابلة الجمع بالجمع تقتضي تقسيم الآحاد، كما في قولنا: ((ركب القوم دوابهم)) أي ركب كلّ واحد دابته... أي أنّه يقصد أنّ (أنفس) تعني نفس النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) على حدة، ونفس عليّ(عليه السلام) على حدة... فكيف نرد عليهم؟
الجواب:

الذي يمنع من إرادة نفس النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) مع نفس عليّ(عليه السلام) في قوله تعالى: (( وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُم )) (آل عمران:61) مع التسليم بكونه جمع قلّة مضافاً إلى جمع، أمران:
الأوّل: دعاء الإنسان نفسه محال، إذ لا يصح من الإنسان أن يدعو نفسه وإنّما يدعو غيره.
الثاني: المجاز خلاف الأصل، إذ حسب هذه الدعوى يكون عندنا مجازان في هذه الفقرة: المجاز الأوّل استعمال (( أَنفُسَنَا )) بإطلاقه على الاثنين، والثاني في (( نَدعُ )) باستعماله في دعاء الإنسان نفسه وغيره بلفظ واحد. بينما في جعل المراد من (( أَنفُسَنَا )) عليّاً(عليه السلام) وحده مجاز واحد لا غير، وهو يلائم الاستعمال المجازي الواحد في (( أَبنَاءَنَا )) و (( نِسَاءَنَا )) في إطلاقهما على فاطمة والحسنين(عليهم السلام)، وتقليل المجاز في الكلام أولى من تكثيره في لسان البلاغة.
ويؤيد هذا المعنى المستفاد من العقل والبلاغة ما ورد في السنّة الصحيحة عن عبد الرحمن بن عوف، قال: ((افتتح رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) مكّة ثم انصرف إلى الطائف فحاصرهم ثمانية أو سبع ثمّ أوغل غدوة أو روحة، ثم نزلّ، ثم هجر، ثم قال: (أيّها الناس، إنّي لكم فرط، وإنّي أوصيكم بعترتي خيراً موعدكم الحوض، والذي نفسي بيده لتقيمنَّ الصلاة ولتؤتون الزكاة أو لأبعثنَّ عليكم رجلاً منّي أو كنفسي فليضربنَّ أعناق مقاتليهم وليسبينَّ ذراريهم), قال - عبد الرحمن بن عوف -: فرأى الناس أنّه يعني أبا بكر أو عمر، فأخذ بيد عليّ فقال: (هذا) ))(1).
(1) أنظر المستدرك على الصحيحين 2: 120 كتاب الجهاد، مصنف ابن أبي شيبة 7: 498, مسند أبي يعلى 2: 166 من مسند عبد الرحمن بن عوف، وغيرهم.



تعليق على الجواب (1)

لدي سؤال بخصوص الحديث الوارد، وهو: هل توجد روايات معتبرة غير هذه الرواية تعبّر عن الإمام علي(عليه السلام) بنفس النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟
ولماذا نرى الخطاب في الرواية المذكورة في الجواب كان موجّهاً للناس مباشرة: (أيّها الناس! إنّي لكم فرط، وإنّي أوصيكم بعترتي خيراً، موعدكم الحوض، والذي نفسي بيده لتقيمنّ الصلاة ولتؤتونّ الزكاة أو لأبعثنَّ عليكم...).
ثم أصبح للغائب: (...فليضربنَّ أعناق مقاتليهم، وليسبينَّ ذراريهم)؟ في حين المفترض أن يكون ((فليضربنّ أعناق مقاتليكم، وليسبينّ ذراريكم))؟!
الجواب:

روى الصفّار في (بصائر الدرجات) في رواية عن أبي عبد الله(عليه السلام) أنّه قال : (قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لأهل الطائف: لأبعثن إليكم رجلاً كنفسي يفتح الله به ... فلمّا أصبح ودعا عليّاً(عليه السلام) فقال: اذهب بالطائف...)(1).
وروى الصدوق في (أماليه) عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال: (عليّ منّي كنفسي...)(2).
وروي عن الرضا(عليه السلام) عن آبائه عن عليّ(عليه السلام): أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) قال لعليّ في خطبة له: (يا عليّّ من قتلك فقد قتلني، ومن أبغضك فقد أبغضني، ومن سبّك فقد سبّني؛ لأنّك منّي كنفسي ...)(3).
وروي عن الرضا(عليه السلام) في جوابه للعلماء في مجلس المأمون عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (لينتهينّ بنو وليعة أو لأبعثن إليهم رجلاً كنفسي)، يعني: عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)(4).
وأمّا الرواية المذكورة في الإجابة السابقة فقد نقلناها من كتب المخالفين، وهم جعلوها بضمير الغائب لإبعاد الأمر عن المخاطبين! وإلاّ فهي في كتبنا، كما في أمالي الطوسي، هكذا: (فليضربنّ أعناق مقاتليكم، وليسبينّ ذراريكم ــ فرأى أناس أنّه يعني: أبا بكر وعمر ــ وأخذ بيد عليّ، فقال: هذا هو)(5).


(1) بصائر الدرجات: 432 الباب (16) .
(2) أمالي الصدوق: 149 حديث(1) المجلس العشرون.
(3) أمالي الصدوق: 155 حديث(4) المجلس العشرون.
(4) أمالي الصدوق: 618 حديث(1) المجلس التاسع والسبعون.
(5) أمالي الطوسي: 504 حديث(11) المجلس الثامن عشر.





السؤال: هل أن قوله (أنفسكم) تجري على منوال (وأنفسنا) مقاماً ؟

في قوله تعالى: (( فَقُل تَعَالَوا نَدعُ أَبنَاءَنَا وَأَبنَاءَكُم وَنِسَاءنَا وَنِسَاءكُم وَأَنفُسَنَا وأَنفُسَكُم ثُمَّ نَبتَهِل فَنَجعَل لَّعنَةَ اللَّهِ عَلَى الكَاذِبِينَ )) (آل عمران:61)، من المشهور لدينا نحن الشيعة الإمامية والثابت عندنا بالتواتر، وعند أبناء العامّة كذلك، أنّ مفهوم (( أَنفُسَنَا )) هو نبيّ الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) والإمام عليّ بن أبي طالب(عليه السلام)، وبالتالي يكون المعصومان نفساً واحدة, لكن هل يترتب الشيء ذاته على كلمة (( وأَنفُسَكُم ))؟ أي هل يكون النصارى أنفس بعضهم البعض؟
الجواب:

قولك: ((إنّ مفهوم (( أَنفُسَنَا )) هو نبيّ الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) والإمام عليّ(عليه السلام) ))، ليس صحيحاً!
لأنّ المراد من (( أَنفُسَنَا )) هو عليّ بن أبي طالب(عليه السلام) فقط، وذلك لأنّ المرء لا يدعو نفسه، فقد ورد في الآية المباركة: (( فَقُل تَعَالَوا نَدعُ... وَأَنفُسَنَا ))، فكيف يجوز أن يدعو النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) نفسه؟!
أمّا ورود (( أَنفُسَنَا )) بصيغة الجمع فلأجل الإهتمام ومزيد العناية.
بينما المراد بـ(( أَنفُسَكُم )) في الآية المباركة هم النصارى الذي حضروا المباهلة مع النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم)، وليس المقصود شخصاً بعينه يكون بمنزلة عليّ(عليه السلام) عند القوم أو شخصين بمنزلة الرسول وأمير المؤمنين صلوات الله عليهما، ولا يستفاد من هذه العبارة (( وأَنفُسَكُم )) أنّ النصارى بعضهم أنفس بعض، كما ذكرتم قياساً على ما ظننتموه في مفروض السؤال، أنّ المراد من قوله: (( وأَنفُسَنَا )) هم النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) وعليّ(عليه السلام).



السؤال: من المقصود بكلمة (أنفسكم)


في قوله تعالى: (( وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُم )) (آل عمران:61) كان عليّ(عليه السلام) نفس النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم)، وكلاهما أنموذج للعقيدة النقيّة المشروعة من الله عزّ وجلّ.
والسؤال هنا: من مثل نفس المتباهل معهم؟ بمعنى أنّنا كيف نتصوّر عقيدة فاسدة ومحرّفة ويمثلّهم شخص مغتر بهذه العقيدة اللاعقيدة إن صح التعبير؟
الجواب:


الذي تمثله كلمة (( أَنفُسَكُم )) في آية المباهلة هي تلك المجموعة، سواء أكانت شخصاً واحداً أم أكثر، التي يعتبرها كبار النصارى - باعتبار أنّ المباهلة حصلت معهم - بمثابة أنفسهم. يعني أنّ من أراد أن يجري المباهلة مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) يدعوه القرآن أن يأتي بشخص أو جماعة تماثله في المقام والمرتبة بحيث يكون بمثابة نفسه، ولعلّ سبب هكذا دعوة من الطرفين؛ هو إظهار أفضل ما عند الطرفين، الذي يعدّ بمثابة النفس دون ما لو كانت الدعوة لأراذل القوم، والتي قد يعتذر عند الفشل بأنّ هؤلاء لم يكونوا بمستوى المباهلة.




السؤال: الفرق بين (أنفسنا) و(من أنفسكم)
في عنوان (تفضيل الأئمة(عليهم السلام)/تفضيل الإمام عليّ(عليه السلام))، استدللتم بآية المباهلة بقوله تعالى: (( وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُم )) (آل عمران:61)، وقلتم بأنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) ساوى بينه وبين الإمام عليّ(عليه السلام) في هذه الآية.
ولكننا نجد في سورة التوبة: (( لَقَد جَاءكُم رَسُولٌ مِّن أَنفُسِكُم عَزِيزٌ عَلَيهِ مَا عَنِتُّم حَرِيصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ )) (التوبة:28). فهل نحن من أجل هذه الآية مساوين للرسول؟
أرجو التوضيح؛ لماذا في آية المباهلة الإمام(عليه السلام) يساوي الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم)، وفي هذه الآية لا نساويه؟
الجواب:

في مقام الجواب عدّة نقاط:
الأولى: في البدء بودنا أن نلفت نظركم أنّ قوله تعالى: (( وَأَنفُسَنَا )) بمعنى المداخلة والمساواة للأنفس لم يرد لها نظيراً في القرآن الكريم!
نعم، ما ورد في جملة من الآيات لفظ (( مِّن أَنفُسِهِم )) أو لفظ (( مِن أَنفُسِكُم )) الموهمة بالتشابه أو انطباق المعنى بينها وبين (( أَنفُسَنَا )) وجدانياً.
ونحسب أنّ هناك فرقاً بين الاثنين, بين أن يُنسب المرء لنفس رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) والموحي بالمساواة والتطابق وهو المراد هنا, وبين أن يُنسب الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) لنفوس الآخرين, حيث أنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) في نسبتهِ للغير يتبادر إلى الذهن المساواة في السنخية من جهة الخلق والتكوين, ولذلك يصح أن يخاطب الإنسانية جمعاء بأنّ الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) من أنفسكم يعني بشراً مثلكم، ويعضده قوله تعالى: (( إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ مِّثلُكُم )) (الكهف:110), وليس معنى هذا التساوي بكافة الخصائص والملكات والرتب وإن ثبت مساواته لهم من جهة السنخية.
ولا يعزب عن العاقل، أنّ المؤمنين أنفسهم لا يمكن القول بتساويهم بعضهم مع بعض, لحتمية الإختلاف بينهم, فمنهم المطيع والعاصي، والمؤمن والمنافق، والمجاهد والمتخلّف عن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم)، والمخلص والمتآمر، فكيف فرض القرآن كونهم نفس واحدة!
نعم، يكون هذا مقبولاً على ما ذهبنا إليه من التساوي في السنخية والإنضمام للآدمية, فالسنخية دليل الإنضمام كما يقولون.
إذن النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) مثلهم من هذه الجهة, ولكن يجب أن نعرف أنهُ مثلهم وزيادة, ولا نقصد بالزيادة الخروج عن الآدمية, وإنّما هو فوقهم من جهة الرتب والدرجات والملكات والخصائص الذي يمتنع فيها المساواة بها معهم.
وحيث يكفي أن يشير القرآن إلى آدمية النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم)، والتي يحرز فيها تحقق الإنضمام البشري والتوحّد الآدمي بين الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) والقوم الذي هو منهم، يكون قد أثبت بهذا المقدار الحجّة عليهم بأنّهم سواء معه(صلى الله عليه وآله وسلّم) من جهة الخلق، فلماذا لا يقبلوا من بشر مثلهم وليس من جنس آخر؟ ولو كان من غير سنخهم لحقّ لهم الإعتراض عليه بمقتضى إختلاف السنخية والجنس.
أمّا قوله: (( أَنفُسَنَا ))، مع وجود شخص آخر غير النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) مقصود بهذا الجمع، فمعناه؛ أنّه أي الآخر كنفس رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) حتى من جهة الخصائص والرتب العليا والممتنعة على الغير, لبداهة الفرق بين قول القائل لأهل قرية: (أنا أخوكم)، ولقوله في أحدهم: (أنه أخي)، فالسامع يفهم في الكلمة الأولى (أخوكم) فرقاً وجدانياً واضحاً عن الكلمة الثانية (أخي), إذ يتبادر إلى الذهن أنّ كلمة (أخوكم) يراد بها الأخوّة بمعناها العام, كما في قول الله تعالى: (( إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخوَةٌ )) (الحجرات:10), بالمقابل يتبادر إلى الذهن أنّ المراد بكلمة (أخي) الأخوة بمعناها الخاص, يعني أخوة النسب والدم واللحم والرحم وإن كان مجازاً, نظير قول النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم): (عليّ أخي في الدنيا والآخرة)(1)، وإذا لم نفهم هذا المعنى وندرك هذا التفريق فلا يبقى أي قيمة لقوله(صلى الله عليه وآله وسلّم): (عليّ أخي في الدنيا والآخرة), إذ كلّ المؤمنين أخوة لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) بنص القرآن باعتبار (( إِنَّمَا المُؤمِنُونَ إِخوَةٌ )) والرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) داخل في مصداق الأخوة باعتبار مفهوم الإيمان.
ولا نغفل في المقام! مجيء كلمة (( أَنفُسَنَا )) بصيغة الجمع، ولا يمكن أن يكون المقصود بها نفس رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) لامتناع دعوة الإنسان نفسه, ولا نغفل أننا ذهبنا لكون المقصود بها أمير المؤمنين(عليه السلام) لقرينة خروجه بمفردهِ مع النبيّ الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلّم) للمباهلة، ولجملة الأدلة التي سنفصل بها لاحقاً.
ومن الطبيعي القول: أنّ لا أحد يقول بأنّ قوله تعالى: (( مِن أَنفُسِكُم )), تعني المساواة بين رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) وباقي الناس, فللرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) امتيازات خاصة لا يبلغها أحد قط, وحتى نحن عندما نقول بأنّ عليّاً مساوٍ لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) إنّما نقصد مساواته(عليه السلام) له(صلى الله عليه وآله وسلّم) بالملكات والمراتب العليا دون النبوّة المشَرّفَة، فهي من إختصاصاته(صلى الله عليه وآله وسلّم) دون غيره من الخلق.
فهذه الآية: (( لَقَد جَاءكُم رَسُولٌ مِّن أَنفُسِكُم عَزِيزٌ عَلَيهِ مَا عَنِتُّم حَرِيصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ )) (التوبة:128)، موهمة للمستدل أنّه إن قال في آية المباهلة بالتساوي فيلزم هنا القول به أيضاً, وعليه فلا فضيلة للتساوي في المباهلة لتحققه للغير مع رسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) في آية أخرى, أو للإستدلال بأنّه لا يراد بها التساوي وإنّما يراد بها الإشتراك بنحو ما، كالجنس أو الذكورة أو الأخوة في الدين وغير ذلك ممّا لا يعني وجود فضيلة للإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) في آية المباهلة، لأنّ الجميع مشتركون مع رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) بهذه الأنماط من الروابط, فيتحقق مراده (أي المستدلّ) من عدم المساواة في آية المباهلة.
ونحن في مقام التفريق بين مثل هذه الآية وآية المباهلة الدالة على المساواة، نسوق لك الأدلة التالية في النقاط اللاحقة مضافاً للدليل المتقدم.
الثانية: الردّ بالآيات القرآنية المباركة الموجبة للتفريق بين النفس والأهل، بحيث لا تأتي كلمة أنفسنا بمعنى أهلنا أو الأقارب، أي: الختن أو الصهر وما شابه، وإنّما تعني النفس بما هي ذات المرء وحقيقته.
فقد ورد في كتاب (نفحات الأزهار) للسيد علي الميلاني في مقام الردّ على ابن تيمية: ((لكن ماذا يقول ابن تيمية في الآيات التي وقع فيها المقابلة بين (النفس) و(الأقرباء) كما في قوله تعالى: (( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُم وَأَهلِيكُم نَاراً )) (التحريم:6), وقوله: (( الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُم وَأَهلِيهِم )) (الزمر:15), فكذلك آية المباهلة، غير أنّ النفس في الآيتين المذكورتين مستعملة في نفس الإنسان على وجه الحقيقة.أما في آية المباهلة فهي مستعملة - لتعذر الحقيقة - على وجه المجاز لمن نُزّل بمنزل النفس, وهو عليّ(عليه السلام) للحديث القطعي الوارد في القضية))(2).
فلو كانت النفس تعني الأهل والأقارب لاستغنى القرآن عن ذكرهم في الآيتين واكتفى بذكر (أنفسكم) أو (أنفسهم)؛ لأنّها متضمنة لهم، أي: للأهلين.
الثالثة: الأحاديث الشريفة الموجبة لتلك المساواة بين نفس النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) المقدسة ونفس عليّ(عليه السلام) المشرفة, حيث ورد هذا المعنى في قوله(صلى الله عليه وآله وسلّم):
أ - قوله(صلى الله عليه وآله وسلّم): (أنت منّي وأنا منك)(3).
ب - قوله(صلى الله عليه وآله وسلّم) في حجة الوداع: (عليّ منّي وأنا منه، لا يؤدي عنّي إلاّ أنا أو عليّ)(4).
ج - قوله(صلى الله عليه وآله وسلّم): (إنّ عليّاً منّي وأنا منه، وهو وليّ كلّ مؤمن بعدي)(5).
د - قوله(صلى الله عليه وآله وسلّم) في قصة البراءة: (لا يؤدي عنّي إلاّ أنا أو رجل منّي)(6)، أو: (لا يذهب بها إلاّ رجل منّي وأنا منه)(7).
هـ - قوله(صلى الله عليه وآله وسلّم) في قصة وفد ثقيف: (لَتُسلِمنّ أو لنبعثن رجلاً مني - أو قال: مثل نفسي - ليضربّن أعناقكم وليسبين ذراريكم, وليأخذن أموالكم), قال عمر: فو الله ما تمنيت الإمارة إلاّ يومئذ, فجعلت أنصُب صدري رجاء أن يقول: هو هذا, فالتفت إلى عليّ فأخذ بيده، ثم قال: (هو هذا, هو هذا)(8).
و - قوله(صلى الله عليه وآله وسلّم): (خلقت أنا وعليّ من نور واحد)(9).
ز - قوله(صلى الله عليه وآله وسلّم): (خلق الناس من أشجار شتى، خلقت أنا وعليّ من شجرةٍ واحدة)(10).
ح - قوله(صلى الله عليه وآله وسلّم) وقد سئل عن بعض أصحابه, فقيل: فعليّ؟! قال: (إنّما سألتني عن الناس ولم تسألني عن نفسي)(11).
ط - قوله(صلى الله عليه وآله وسلّم) لمّا قتل عليّ(عليه السلام) بوم أحد أصحاب الألوية في جواب جبريل: (إنّه منّي وأنا منه), فقال جبرائيل: وأنا منكما يا رسول الله(12).
فهذه الباقة من الأحاديث الشريفة تقرر بلا أدنى ريب أنّ نفس الإمام عليّ(عليه السلام) هي نفس نفس رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) خلقاً وأصلاً ونوعاً وتكويناً, وهي كما نعتقد كافية في مقام تقريب المراد, كي لا يلزمنا العجب والإستغراب والإستنكار أحياناً, إذ ما سمعنا أو قرأنا بأنّ آية المباهلة دالة بوضوح على أنّ خطاب النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) (( وأَنفُسَنَا )) مقصود به عليّ(عليه السلام)، وليس المقصود به نفس الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) المشرفة لما تقدم من الأدلّة.
وللدليل الظريف المنطقي الذي يذكره الشيعة في المقام والذي نجعله دليلاً برأسه، وهو:
الرابعة: استدلّ السيد المرتضى في كتاب (الشافي في الإمامة), بأنّ الإمام عليّ(عليه السلام) في الآية هو المقصود بـ(( أَنفُسَنَا )) بما يلي: ((ونحن نعلم أنّ قوله: (( وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُم )) لا يجوز أن يعني بالمدعو فيه النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم), لأنّه هو الداعي, ولا يجوز أن يدعو الإنسان نفسه, وإنّما يصحّ أن يدعو غيره, كما لا يجوز أن يأمر نفسه وينهاها, وإذا كان قوله تعالى: (( وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُم )), لابد أن يكون إشارة إلى غير الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم), وجب أن يكون إشارة إلى أمير المؤمنين(عليه السلام) لأنّه لا أحد يدّعي دخول غير أمير المؤمنين وغير زوجته وولديه(عليهم السلام) في المباهلة))(13).
الخامسة: من المهم أن نعلم أنّ الآية المشرفة لا تؤسس لهذه المساواة المتضمنة لها, وإنّما هي بالواقع كاشفة عنها، فنحن لا نرى في عدم ذكر الآية فقدان لهذه الخاصية الكريمة في المساواة بين نفس النبيّ الأشرف(صلى الله عليه وآله وسلّم) وبين نفس ابن عمّه ووصيّه وأخيه عليّ بن أبي طالب(عليه السلام), حيث أنّ أقوال الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) وأفعاله وكلّ ما صدر منه قبال الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) دال على هذه الحقيقة, إذن الآية كاشفة عن هذا الأمر، وهي دليل على وجوده لمن لا يعتقد إلاّ بإثبات من كتاب الله تعالى.
وهذه النقاط لا يمكن أن تتحقق في مثل قوله تعالى: (( لَقَد جَاءكُم رَسُولٌ مِّن أَنفُسِكُم عَزِيزٌ عَلَيهِ مَا عَنِتُّم )), وبالضبط في فقرة (( مِن أَنفُسِكُم ))، فهي ليست كقوله تعالى: (( وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُم )) لما ذكرنا من النقاط.
فإن قيل: إنّ دعوة النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) لأهل بيته لا إمتياز بها؛ لأنّ العادة عند العرب قاضية بإخراج آل الرجل للمباهلة.
قلنا: إنّ هذا منتقض من جهات:
1- لماذا لم يخرج الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) من أهل بيته من هو أقرب إليه من الإمام عليّ(عليه السلام), وهو عمّه العباس, حيث العباس أقرب لرسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) في سلم الرحمية.
2- إنّ الأمر لو كان كذلك, إذن لماذا تساءل النصارى من النبيّ(صلى الله عليه وآله وسلّم) عندما علموا أنّ الذين معه أهل بيته, قائلين: لماذا لم تخرج لنا أهل الكرامة والشارة من أصحابك(14), إذ يفترض أنّهم لا يسألون مثل هذا السؤال مع كونهم عارفين إنّه العرف (عند العرب) قائم على أخرج آل الرجل في المباهلة.
3- حديث النصارى مع بعضهم قاضي بانتقاض هذه القاعدة, أو دليل على عدم وجودها, حيث قال بعضهم لبعض: ((لو كان قد أخرج أهله لكان من الصادقين... الخ)).
ومن هنا نعرف لماذا يتساوى الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) وعليّ(عليه السلام) في آية المباهلة ولم يتساوى الناس مع الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم) في آية: (( لَقَد جَاءكُم رَسُولٌ مِّن أَنفُسِكُم عَزِيزٌ عَلَيهِ مَا عَنِتُّم حَرِيصٌ عَلَيكُم بِالمُؤمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ )).




(1) أنظر الجامع الصغير للسيوطي 2: 176 الحديث (558).
(2) نفحات الأزهار 20: 277 الآيات الدالّة على الإمامة.
(3) صحيح البخاري 3: 168 كتاب الصلح، المستدرك على الصحيحين 3: 120 فضائل عليّ بن أبي طالب.
(4) مسند أحمد 4: 164 حديث حبش بن جنادة السلولي.
(5) مسند أحمد 4: 437 حديث عمران بن حصين، سنن الترمذي 5: 296 الحديث (3796) مناقب عليّ بن أبي طالب.
(6) السنن الكبرى للنسائي 5: 129 الحديث (8462) ذكر توجيه النبيّ(ص) ببراءة مع عليّ، مسند أحمد 1: 3 مسند أبي بكر بلفظة (لا يبلغه).
(7) مسند أحمد 1: 331 مسند عبد الله بن العباس.
(8) المصنف لعبد الرزاق 11: 226 الحديث (2038) باب أصحاب النبيّ(ص).
(9) تذكرة الخواص 1: 320 حديث فيما خلق منه عليّ(ع).
(10) المستدرك على الصحيحين 2: 241 كتاب التفسير.
(11) الشافي في الإمامة 2: 256 الإستدلال بآية المباهلة.
(12) المعجم الكبير للطبراني 1: 318 الحديث (941).
(13) الشافي في الإمامة 2: 254 الإستدلال بآية المباهلة.
(14) إقبال الأعمال 2: 345 الباب السادس (فيما يتعلق بيوم المباهلة).




السؤال: الردّ على ما قاله السويدي في كتابه مؤتمر النجف عن آية المباهلة
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على محمّد وعلى آل بيته الطيبين الطاهرين.
أمّا بعد، خلال تصفّحي للنت وجدت موقعاً يردّ على مذهب آل البيت(سلام الله عليهم)، وشدتني مناظرة هناك بين عالم سُنّي وعلماء كثر من الشيعة في كتاب (مؤتمر النجف)، لذا أطلب منكم أن تجيبوا عنها وتقولوا رأيكم فيها، ومدى صحّتها أو صحّة ما استدلّ به هذا العالم السُنّي.


الجواب:
لا يسعنا لضيق الوقت الاجابة عن كلّ ما ورد في كتاب (مؤتمر النجف) وبحثه بحثاً تاريخياً وسياسياً، ولعلنا نوفّق مستقبلاً للردّ عليه بكتاب خاص.
لكنّنا اخترنا الردّ على مطلب من المطالب العلمية التي ذكرت في الكتاب وهو عن آية المباهلة.
وكان اشكال السويدي على تلك الآية متمثلاً:
أوّلاً: انها من المناقب لا الفضائل.
ثانياً: سبب الاخراج كونهم من عشيرته لا الأفضلية.
ثالثاً: ان المحبة لهم من الجبلة والطبيعة للإنسان وليست هي المحبة الاختيارية.
رابعاً: ان (انفسنا) لا تدلّ على الافضلية.
خامساً: لو دلت الآية على الخلافة لدلت على خلافة الحسن والحسين وفاطمة.
وللاجابة على ذلك نقول:
1ــ الذي فهمناه من تفريقك بين المنقبة والفضيلة هو كون الأولى خصوصية في الشخص لا توجد في غيره, ولكن لا تعد هذه الخصوصية فضيلة.
فنقول: كيف فهم غيرك كونها فضيلة كما قال ذلك الفضل بن روزبهان وابن تيمية؟ هذا أوّلاً.
وثانياً: لو لم تكن هناك فوائد من اخراجهم فلا معنى لأخراجهم وان طلب التأمين منهم دليل على احتياجه لهم ومشاركتهم له في هذا الأمر العظيم.
وثالثاً: لو سلمنا انها خصوصية بمعنى ان عليّ(عليه السلام) كان من اقاربه وان عادة المباهلة اخراج الاقارب، نقول مع ذلك: هناك افضلية له هي كونه أفضل أقاربه لأنّ اخراجه مع الحسن والحسين وفاطمة دون غيرهم دليل على أفضلية هؤلاء على أقاربه، وكفى بها فضيلة.
2ــ لو كان الدافع للاخراج هو القرابة فلم لم يخرج رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من هو أقرب من ابن عمه بالنسب وهو عمه العباس. ويجيب ابن تيمية عن هذا بقوله: انه لم يكن العباس في تلك المرتبة لان يحضر مثل هذه قضية فلذا يستدلّ ابن تيمية بقوله فلذا يكون لعليّ في هذه القضية نوع فضيلة.
3ــ يكفي لإثبات المحبة لعليّ(عليه السلام) قوله تعالى: ((سَيَجْعَل لَهم الرَّحْمَن ودّاً)) (مريم:96), حيث انها نزلت في عليّ(عليه السلام). فعن ابن الحنفية في قوله تعالى ذاك قال: لا يبقى مؤمن الا وفي قلبه ود لعليّ وأهل بيته. أخرجه الحافظ السلفي. (انظر ذخائر العقبى ص89، مجمع الزوائد ج9 ص125 المعجم الكبير ج12 ص96). ولا يسعك رد محبة النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لعليّ(عليه السلام) إلاّ ان تقول انه ليس من المؤمنين وكيف لا يكون عليّاً(عليه السلام) محبوباً عنده وهو أحبّ الخلق إلى الله تعالى حيث قال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم): (اللّهمّ ادخل عليّ أحبّ خلقك إليك يأكل معي من هذا الطير فدخل علي). (انظر مجمع الزوائد ج9 ص126). ويكفي لأفضلية عليّ(عليه السلام) انه أحبّ من أبي بكر إلى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) باعتراف عائشة (انظر مجمع الزوائد ج9 ص127)، ولما اعطى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) الراية يوم خيبر قال قبلها: (لأعطين الراية غدا رجلا يحبّ الله ورسوله ويحبّه الله ورسوله)... وهذا صريح في محبته له.
4ــ الآية تدلّ على أنّ عليّ(عليه السلام) نفس رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقد إحتج عليّ(عليه السلام) على أصحاب الشورى انه هل فيكم من جعله رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) نفسه؟ فقالوا اللّهمّ َّ لا. (انظر تاريخ دمشق ج3 ص9). فعليّ(عليه السلام) نفس رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقد سماه رسول الله كذلك في حديث الحوض (انظر المستدرك: 2/ 131)، ولا معنى لأنّ يكون هو ورسول الله المراد بأنفسنا لان لا معنى لدعوة الرسول لنفسه فلا بدّ ان يكون المدعو بأنفسنا غيره، ولا يمكن حمل معنى كون علي نفس رسول الله على المعنى الحقّيقي فلا بدّ إذن من حمله على أقرب المجازات وهو كونه مساوياً لرسول الله في جميع الخصوصيات إلاّ النبوّة ومن خصوصياته أنّه أفضل المخلوقات فعليّ(عليه السلام) كذلك والعقل يحكم بقبح تقدّم المفضول على الفاضل فلا بدّ إذن أن يكون مقدماً على غيره في التصدي للخلافة.
ولو قيل: ان الدعوة كان لنفس رسول الله على نحو المجاز. قلنا: أن هذا المجاز مع مجاز استعمال الاثنين وارادة منه الحجج يجعل كثرة في المجازات وتقليل المجاز أولى من تكثيره.
5ــ لم تثبت الخلافة أو الإمامة من كلّ آية المباهلة بل من قوله تعالى: (وانفسنا) هذا اولاً.
وثانياً: لا مانع من ثبوت الإمامة للبقية وهذا ما نقوله فعلا, فنقول بإمامة الحسين بعد الحسن والحسن بعد علي, أما عدم ثبوت الإمامة لفاطمة فلدليل خاص بها ويبقى لها مقام سام كونها فضلت بهذه الآية.
وثالثاً: نحن لا نقول بأنّ كلّ من ثبتت له فضيلة يكون إماماً، بل نقول لا بدّ من ان يكون الإمام هو الأفضل فإذا ثبتت الفضيلة لهؤلاء الأربعة فلا بدّ أن يكون الإمام افضلهم.

يتبع

الشيخ عباس محمد
11-09-2017, 06:10 PM
السؤال: الفرق بين (أنفسنا) في آية المباهلة و (أنفسهم) في سورة آل عمران
في الآية رقم 164 من سورة آل عمران: (( لَقَد مَنَّ اللّهُ عَلَى المُؤمِنِينَ إِذ بَعَثَ فِيهِم رَسُولاً مِّن أَنفُسِهِم... ))، وفي آية المباهلة: (( وَأَنفُسَنَا وَأَنفُسَكُم ))، وتفسير (( أَنفُسَنَا )) في آية المباهلة هو الإمام عليّ(عليه السلام).
سؤالي: ما هو معنى النفس في سورة آل عمران في الآية المذكورة، مع وجود من وهي التي تأتي بمعنى التبعيض في الكلمات أحياناً، فهل المقصود بأنفسهم هنا آل هاشم من المؤمنين وهم الذين حفظوا رسول الله والإمامة في أصلابهم، أم هم المؤمنين عامّة؟ فيكون رسول الله في هذه الحالة من أنفسهم، وما الفرق لغويا بين أنفسنا في المباهلة وأنفسكم في هذه الآية؟
الجواب:


أولاً: إنّ معنى (( مِّن أَنفُسِهِم )) في سورة آل عمران الآية (164): (( لَقَد مَنَّ اللّهُ عَلَى المُؤمِنِينَ إِذ بَعَثَ فِيهِم رَسُولاً مِّن أَنفُسِهِم... )) هو أنّ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) هو من نوع البشر ومثلهم ومن صنفهم وليس من الملائكة أو من المخلوقات الأخرى, كما أنّ الظاهر أنّ الخطاب عام ولا يختص ببني هاشم أو المؤمنين أو العرب.
قال السيد الطباطبائي في(تفسير الميزان): ((وقد وصفه بأنّه من أنفسهم، والظاهر أنّ المراد به أنّه بشر مثلكم ومن نوعكم، إذ لا دليل على تخصيص الخطاب بالعرب أو بقريش خاصّة, وخاصّة بالنظر إلى وجود رجال من الروم وفارس والحبشة بين المسلمين في حال الخطاب))(1).
أمّا الفرق اللغوي بين (( أَنفُسَنَا )) في آية المباهلة (( وأَنفُسِهِم )) في سورة آل عمران, هو أنّ كلمة (( أَنفُسَنَا )) وردت بصيغة الجمع، ولكن المقصود هو فرد واحد ومصداق واحد، وهو الإمام أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب(عليه السلام).
قال الشيخ مكارم الشيرازي في تفسيره (الأمثل): (( (( أَنفُسَنَا )) ينحصر في عليّ(عليه السلام)، بينما كلمة أنفسهم هي صيغة جمع، وأيضاً استعملت للدلالة على الجمع لا على شخص واحد))(2).
ثانياً: انّ التبعيض بـ(من) في آية آل عمران يساعد على أرادة العموم من معنى النفس، أي جميع الناس بخلافه في آية المباهلة، مضافاً إلى أنّ الإضافة إلى ضمير المتكلم (نا) ساعد على التخصيص، وقطعاً ليس المقصود هو الرسول(صلى الله عليه وآله وسلّم)، لأنّ الإنسان لا يتعقل أن يدعو نفسه، فالمقصود هو الإمام عليّ(عليه السلام) بمساعدة الواقعة الخارجية، فتدل الآية على مساواة الإمام(عليه السلام) بالرسول الأكرم(صلى الله عليه وآله وسلّم) بجميع الصفات عدا ما خرج بالدليل.
قال الرازي في تفسيره نقلاً عن محمد بن الحسن الحمصي - وهو من أعلامنا صاحب كتاب المنقذ من التقليد -: ((ليس المراد بقوله (( أَنفُسَنَا )) نفس محمّد(صلى الله عليه وآله وسلّم)، لأنّ الإنسان لا يدعو نفسه، بل المراد غيرها، وأجمعوا على أنّ ذلك الغير كان عليّ بن أبي طالب(رضي الله عنه)، فدلت الآية على أنّ ((نفس عليّ)) هي محمّد، ولا يمكن أن يكون المراد منه أنّ هذه النفس هي عين تلك النفس، فالمراد أنّ هذه النفس، مثل تلك النفس، وذلك يقتضي الاستواء في جميع الوجوه، ترك العمل بهذا العموم في حق النبوّة، وفي حق الفضل، لقيام الدلائل على أنّ محمّداً(عليه السلام) كان نبيّاً وما كان عليّ كذلك، ولا نعقاد الإجماع على أنّ (عليه السلام) كان أفضل من عليّ(رضي الله عنه)، فيبقى فيما وراءه معمولاً به...))(3).
وهناك فرق دقيق لا يلحظ إلاّ بالتأمل التام! وهو أنّ الدلالّة التصديقية والمعنى المراد بين الإستعمالين يختلف من جهة اختلاف جهة التشبيه أو طرف التشبيه, فإنّ تشبيه العالي للداني بنفسه يفيد رفع درجة الداني إلى مستوى العالي، وهو المراد الجدي والتصديقي للعالي، كما في قول القرآن على لسان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) (( وَأَنفُسَنَا ))، حيث أنّ العالي وهو رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلّم) شبه الداني بنفسه فرفعه إلى مصاف نفسه.
وبالمقابل تشبيه العالي لنفسه بالداني يفيد مواساة الداني، وأنّ العالي يريد أن يجعل نفسه بمستوى الداني مواساة وترضية له، أو لغرض آخر عقلاني، كما في قوله (( مِّن أَنفُسِهِم )), ولا توجد دلالة تصديقية تفيد المساواة قطعاً، وإنّما العالي ينزل نفسه تواضعاً ويجعلها في مصاف الداني حتى يقبله الداني مثلاً، ولا ينفر منه أو لا يستغرب, ولذا قال علماء التفسير أنّ معنى (( مِّن أَنفُسِهِم )) أي منهم أو مثلهم أو بشر مثلهم، ولم يقولوا ذلك في تفسير (( وَأَنفُسَنَا )) وإنّما قالوا بالمساواة هنا، فلاحظ فإنّه دقيق.




(1) الميزان في تفسير القرآن 9: 411.
(2) الأمثل 2: 528.
(3) تفسير الرازي 8: 86 سورة آل عمران.




السؤال: تواتر خروج علي والحسن والحسين وفاطمة (عليهم السلام)في حوار دار بيني وبين احد الاباضية حول اية المباهلة قال الاباضي:
ان روايات الشيعة والسنة حول المباهلة متعارضة مع القران الكريم بدليل ان الله امر النبي باخراج نسائه عند المباهلة فان وردت بصيغة الجمع فوجب ان يخرج اكثر من امراءة وان اريد منها المفرد ففاطمة سلام الله عليها ليست من نسائه بل هي بنته وهي داخلة ضمن الابناء فاجبته بان الروايات في اية المباهلة كثيرة بانها نزلت في اهل البيت عليهم السلام فقال لم ترد عندنا روايات بذلك المعنى
السؤال هل هناك تعارض بين فعل النبي الاكرم عند المباهلة واية المباهلة من حيث اللغة العربية ومدلولات الكلمات؟
الجواب:


ليس هناك تعارض في فعل النبي مع القران الكريم بل نحن نفهم الايات القرانية من خلال فعل النبي فعندما لم يخرج من النساء سوى فاطمة وصرح بان المراد من الابناء والانفس والنساء هم هذه المجموعة الخارجة وليس فيهم من النساء سوى فاطمة علمنا ان المراد بالنساء فاطمة وخروج علي والحسن والحسين وفاطمة مع النبي دون غيرهما تواتر في كتب الفريقين ولا يصح الاعتراض على ذلك من مجموعة صغيرة من المسلمين لم تدون الحديث ولا التاريخ ان تعترض بان هذا غير ثابت عندها بل عدم ثبوته عندها لا يعارض التواتر الثابت عند الفريقين ففي كتاب معرفة علوم الحديث للحاكم النيسابوري ص50 قال : قال الحاكم وقد تواترت الاخبار في التفاسير عن عبد الله بن عباس وغيره أن رسول الله (صلى الله عليه وسلم) أخذ يوم المباهلة بيد علي وحسن وحسين وجعلوا فاطمة وراءهم ثم قال هؤلاء أبناءنا وأنفسنا ونساؤنا فهلموا أنفسكم وأبناءكم ونساءكم ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين.



السؤال: كيف يمكن ان يسلم على نفسه ولا يدعو نفسه؟
قال لي أحد المخالفين أن المقصود من كلمة ( أنفسنا ) في أية المباهلة هو النبي محمد صلى الله عليه وآله وقد استدل بانه يجوز للشخص أن يدعوا نفسه لانه يجوز له أن يسلم على نفسه كما في الآية الكريمة 61 من سورة النور ï´؟ فَإِذَا دَخَلتُم بُيُوتًا فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُم تَحِيَّةً مِن عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَة ï´¾ فأرجوا أن توضحوا هذه المغالطة لكي أتمكن من الجواب عليه ... فالسؤال هو كيف يجوز للشخص أن يسلم على نفسه ولا يجوز له أن يدعوا نفسه كما في آية المباهلة.
الجواب:
أجاب عن هذه المغالطة الامام الباقر (عليه السلام) حيث قال في تفسير هذه الاية المباركة ( هو تسليم الرجل على اهل البيت حين يدخل ثم يردون عليه فهو سلامكم على انفسكم ) وقال (عليه السلام) في موضع اخر ( اذا دخل الرجل منكم بيته فان كان فيه احد يسلم عليهم وان لم يكن فيه احد فليقل السلام علينا من عند ربنا يقول الله تحية من عند الله مباركة طيبة ) وقد ورد في تفسيرهم وكتب حديثهم ايضا قال مجاهد في قوله ï´؟ فسلموا على انفسكم ï´¾ قال : بعضكم على بعض . اذن هذا ليس من السلام على النفس بل السلام على اهل بيت الرجل واذا لم يكن احد فالسلام من الله تعالى على الرجل .