المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الوجيز في علوم القران 4


الشيخ عباس محمد
29-12-2017, 12:40 AM
الدرس الرابع : جمع القران وتأليفه

v كتابة الوحي

لا ريب في أن النبي صلى الله عليه وآله حرص على تدوين الوحي، فاشتهر العشرات من أصحابه بأنهم من كتاب الوحي في حياة رسول اللّه صلى الله عليه وآله ، وقد عدّ بعضهم ثلاثة وأربعين كاتباً ممن شاركوا في كتابة الوحي. وهذا يدل على شدة اهتمام الرسول صلى الله عليه وآله بأمر الكتابة والتدوين، نظراً لأهمية القران الكريم وضرورة الدقة في الحفاظ عليه بكل ما فيه من خصوصيات.



v متى جمع القرآن؟

النزول التدريجي للقران كان يفرض كتابة القران في صحف متفرقة ومقطّعة، ولا شك أنها لم تكن مجموعة ومؤلفة في كتاب له دفتان في بداية الأمر، فمتى جمعت وألّف بينها؟

يذهب الكثير من أهل السنّة إلى أن جَمْع القران الكريم كان بعد وفاة النبي صلى الله عليه وآله .

بينما يرى أكثر الشيعة أن القران الكريم كان قد جمع في حياة الرسول صلى الله عليه وآله وبرعايته وتوجيهه.



v معنى جمع القرآن الكريم

قبل الخوض في أدلة الفريقين ينبغي الإشارة إلى أن الجمع قد يستعمل بمعانٍ متعددة، وهذا من شأنه أن يوقع الباحث في الاشتباه مما يستوجب الدقة.

ومن تلك المعاني:

أولاً: الجمع بمعنى حفظ الجميع، أي الجمع في الصدر.


--------------------------------------------------------------------------------
28

--------------------------------------------------------------------------------


ثانياً: الجمع بمعنى التدوين، أي جمع السور مدوّنة في مكان واحد، فجمع القران معناه جمع سوره واياته كلها مدونة في صحف دون أن تكون مؤلفة في كتاب واحد مجلّدة بغلاف أو دفتين كما هو متعارف اليوم.

ثالثاً: الجمع بمعنى ترتيب الصحف وجمعها في كتاب واحد، وهذا المعنى هو المقصود من البحث.رابعاً: جمع القران بمعنى لمّ النسخ المدوّنة وجمعها من أيدي الناس كمقدمة لتوحيد القراءة فيها، وهو ما أمر به عثمان بن عفان في زمان خلافته.

× الجمع بالمعنى الثالث

توجد مجموعة من النصوص التي نقلت في كتب أهل السنّة تنص على أن القران قد جمع على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وآله (بالمعنى الثالث للجمع) وقرى‏ء عليه، وفيما يلي نماذج منها:

1- في البخاري أن من جمع القران على عهد النبي صلى الله عليه وآله أربعة، فعن قتادة قال: سألت أنس بن مالك: من جمع القران على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وآله ؟ قال: أربعة كلهم من الأنصار: أبي بن كعب ومعاذ بن جبل وزيد بن ثابت وأبو زيد 1.

2- عن الشعبي قال: جمع القران على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وآله ستة: أبيّ، وزيد، وأبو الدرداء وسعد بن عبيد، وأبو زيد، ومجمع بن جارية قد أخذه إلا سورتين أو ثلاثة، قال: ولم يجمعه أحد من الخلفاء أصحاب محمد غير عثمان 2.

3- وعن محمد بن إسحاق في الفهرست أن الجُمَّاع للقران على عهد النبي صلى الله عليه وآله هم: علي بن أبي طالب عليه السلام وسعد بن عبيد بن معاوية، وزيد بن ثابت 3.

4- وروى الحاكم عن زيد بن ثابت قال: كنا عند رسول اللّه صلى الله عليه وآله نؤلف القران من الرقاع 4.


--------------------------------------------------------------------------------
29

--------------------------------------------------------------------------------


هناك روايات أخرى تنص على أسماء أخرى ممن جمعوا القران على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وآله وقد أحصى بعض المحققين أربعة وعشرين اسماً من مجموع الروايات، وأضاف عليهم غيرهم ممن لم يذكر بشكل قاطع.

× هل المقصود من الروايات المعنى الأول؟

وقد حاول مصنفو أهل السنّة التوفيق بين هذه الروايات وبين ما ورد عندهم من أن أوّل من جمع القران الكريم في مصحف هو أبو بكر، ففسروا الجمع في هذه الروايات بأنه الجمع فيالصدور وحفظ القران كاملاً، هذا أمر لم يرتضه محققو الشيعة الإماميّة لعدة أسباب، منها يرجع إلى ظاهر روايات الحفظ في عهد النبيصلى الله عليه وآله ، وهي:

الأول: أن ظاهر الجمع هو الحصول على الجميع مدوّناً لأنه تقريب ما كان مفرقاً. وأما الحفظ في الصدور كاملاً فهو خلاف الظاهر فلا يذهب إليه إلاّ بقرينة، وهي غير موجودة.

والثاني: أنه لا يعقل أن يكون عدد من حفظ تمام القران محصوراً في أربعة أو ستة أو عشرة أشخاص وذلك لأن تعليم وتحفيظ القران كان موضع اهتمام الرسول صلى الله عليه وآله وكما أن القرّاء في زمانه صلى الله عليه وآله كانوا يعدّون بالمئات بل بالالاف، فلا بد أن يكون الجمع هنا بمعنى امتلاكه مكتوباً مدوّناً.

والثالث: الروايات التي رويت من طرق الفريقين تؤكد على وجود المصحف في عصر الرسول صلى الله عليه وآله . ووصاياه بالمصحف وأحكامه وما ورد في استحباب القراءة في المصحف نظراً وحفظاً، تدل بالملازمة على وجود ذلك المصحف وكونه متعارفاً عند الصحابة 5.

ومنها ما يرجع إلى ظاهر روايات الجمع في زمن أبي بكر، وهي:

الأول: أن روايات جمع القران بعد النبي صلى الله عليه وآله مضطربة ومتهافتة بحيث أنه لا يمكن الاعتماد عليها ولا الركون إلى شي‏ء ثابت فيها.


--------------------------------------------------------------------------------
30

--------------------------------------------------------------------------------


فمن حيث الزمان ظاهر بعضها أن الجمع لم يتم إلا في زمان عثمان، بينما تحكي روايات أخرى أن الجمع كان في زمن عمر بن الخطاب، وتنص طائفة أخرى على أنه في زمان أبي بكر.

ومن جهة المتصدي للجمع ففي بعضها أنه أبو بكر وفي بعضها أنه عمر وزيد بن ثابت بينما في بعضها أنه زيد فحسب. وفي بعض الروايات أن أبا بكر قد فوض إليه ذلك، حتى أنّ عمر جاءه باية الرجم فلم تقبل منه.

وقد اضطربت الروايات من جهة كون الجمع كان تاماً في زمان أبي بكر حتى أنه لم يبق منه شي‏ء إلا دوّن فيه، بينما صريح رواية بقاء شي‏ء منه لم يثبت في المصحف إلى زمان عثمان.

والثاني: إن روايات جمع القران بعد الرسول صلى الله عليه وآله لا يمكن القبول بها لأنها تفرض أن القران الكريم قد جمع بالشاهد والشاهدين، وهي تفترض إمكانية ضياع أجزاء كثيرة منه، حيث زعمت أنهم كانوا يطلبون الاية فلا يجدونها إلاّ عند شخص من الصحابة استشهد أو توفي، وأن بعض الايات لم يتوفر لها شاهدان، وهذا كان له عظيم الأثر في زرع الشبهات في نفوس البسطاء الذين صدّقوا هذه الروايات وغفلوا عما تقتضيه الضرورة والشواهد القطعية والدلائل البينة على تواتر القران الكريم واهتمام الرسول صلى الله عليه وآله بنشره وتعليمه للمسلمين وتدوينه بشكل واسع، وتوفير كل مقتضيات حفظه وبقائه وتواتره في كل العصور.

فالصحيح إذن أن الرسول صلى الله عليه وآله كان يشرف بنفسه على تدوين القران الكريم وتأليف سوره وجمع الصحف المدوّنة بشكل مستمر. ولم يرحل عن دار الفناء إلا وهو مطمئن النفس مرتاح البال تجاه هذه الأمانة العظمى والمعجزة الكبرى، وأن المصحف المقروء على رسول اللّه صلى الله عليه وآله كان متوفراً عند عدد من الصحابة الكرام بالإضافة إلى القطع والأجزاء المتفرقة عند المئات بل الالاف من المسلمين، الذين لم تتوفر لهم فرصة الحصول على نسخة كاملة، فكتب ما تيسر له وما سمعه من الرسول صلى الله عليه وآله مباشرة أو أقرأه إياه بعض القراء.


--------------------------------------------------------------------------------
31

--------------------------------------------------------------------------------


× هل المقصود من الروايات الجمع بالمعنى الثاني

حاول بعض المحققين التوفيق بين روايات الجمع فزعم أن روايات الجمع على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وآله إضافة إلى الأدلة الأخرى التي تقتضي ذلك تحمل على المعنىالثاني من الجمع وهو التدوين للجميع من أحد الوسائل المعروفة وجمعها في صرّة أو ربطها بخيط أو وضعها في إضبارة مثلاً وأما الجمع في كتاب واحد فهو لم يتم إلا في عهد أبي بكر.

وهذا المعنى لا داعي للالتزام به، إذ أن التأليف بين الصحف وترتيبها بشكل كتاب محفوظ في إضبارة أو مربوط في خيط هو جمع حقيقي.

والنتيجة: فالجمع بالمعنى الثالث هو المتعيّن وهو الظاهر من القرائن والشواهد والنصوص.

وهذه النتيجة التي توصلنا إليها وهي المقبولة عند كبار علمائنا ومحققينا كالحر العاملي وابن طاووس والسيد شرف الدين العاملي، والسيد أبو القاسم الخوئي وغيرهم 6.

× الجمع بالمعنى الثالث

روى السيوطي عن ابن اشتة قال: اختلفوا في القراءة على عهد عثمان حتى اقتتل الغلمان والمعلّمون فبلغ ذلك عثمانفبن عفان فقال: عندي تكذبون به وتلحنون فيه، فمن نأى عني كان أشد تكذيباً وأكثر لحناً، يا أصحاب محمد اجتمعوا فاكتبوا للناس إماماً، فاجتمعوا فكتبوا 7.

ولا إشكال في أن عثمان بن عفان أمر بجمع القران بالمعنى الرابع المتقدم فقد قام بكتابة نسخة من المصحف سماها بالإمام، فصارت مرجعاً لمن يريد ضبط نسخته أو استنساخ نسخة منه.

وقد أقره أمير المؤمنين عليه السلام على خطوة توحيد القراءة وقطع الخلاف فيها، خاصة


--------------------------------------------------------------------------------
32

--------------------------------------------------------------------------------


أن الرسول صلى الله عليه وآله كان قد نهى عن الاختلاف في القران، والاختلاف في قراءته أوضح مصاديق الاختلاف المنهي عنه.

نعم يؤاخذ عثمان من جهة إحراقه المصاحف الأخرى وأمره باحراق ما جمع في الأمصار.

ومهما يكن فإنه بعد توحيد المصحف أمر عثمان باستنساخ عدة مصاحف وأرسلها إلى الأمصار لتكون هناك مرجعاً يؤخذ عنه.

وأما عدد تلك المصاحف فقيل أربعة والمشهور أنها خمسة بل ذهب البعض إلى أنها سبعة مصاحف ارسلت إلى مكة والشام واليمن والبحرين والبصرة والكوفة وبقي أحدها في المدينة8. والجدير بالذكر أن لا وجود لهذه المصاحف في عصرنا الحاضر.

× التنقيط والشكل

كتابة المصاحف حتى العثمانية منها كانت مجردة عن علامات الشكل والنقط والإعجام، حيث أن الخط الكوفي كان إلى ذلك الحين مجرداً عن الزوائد، بل لم يدوّن في تلك المصاحف أي نوع من أنواع الزيادة التوضيحية مثل أسماء السور وأرقام الايات.

وأوّل من تصدّى لوضع الحركات الاعرابية هو أبو الأسود الدؤلي (المتوفي سنة69ه) وذلك بعد أن سمع من يلحن بالقراءة، فاستعمل مداداً يخالف لونه اللون الذي كتب به القران،وقال للكاتب:" إذا رأيتني قد فتحت فمي بالحرف فانقط نقطة فوقه على أعلاه، وان ضممت فمي فانقط نقطة بين يدي الحرف، وإن كسرت فاجعل النقطة نقطتين (وفي نسخة: فاجعل النقطة من تحت الحرف) " 9 وقيل أنه جعل للفتح نقطة فوق الحرف وللضم نقطة إلى جانبه وللكسر نقطة أسفله وللتنوين نقطتين 10... والجدير بالذكر هنا أن أبا الأسود الدؤلي كان قد أخذ أصول النحو عن أمير المؤمنين عليه السلام الذي وضع له قواعده ولقنه أصوله وأمره بتفصيل ما أجمله له ليرجع إليه من كان في لسانه عجمة للتخلص من اللحن في الكلام.


--------------------------------------------------------------------------------
33

--------------------------------------------------------------------------------


وقد أكمل عمل أبي الأسود من بعده إثنان من تلامذته هما يحيى بن يعمر العدواني (توفي عام 90ه تقريباً) ونصر بن عاصم الليثي (توفي عام 89ه) حيث وضعا النقاط على الحروف أزواجاً وإفراداً، في عملية أطلق عليهااسم الإعجام، وذلك للتمييز بين الحروف المتشابهة في الرسم فصار لكل حرف صورة تميزه عن صورة غيره من الحروف كما هو المتعارف في كتابتنا اليوم 11.

ثم تلا ذلك تطوير علامات الإعراب والشكل فوضع علامة للسكون وغيرها من العلامات.

وقد اعتمدوا في البداية للتمييز بين نقاط الاعجام ونقاط الحركات اختلاف اللّون فاستعملوا ثلاثة ألوان، لوناً للكتابة ولوناً للنقط التي تميز الحروف المعجمة من المهملة، ولوناً للنقط التي ترمز إلى الحركات، وربما وصل الأمر إلى استعمال أربعة ألوان كما نقل عن أهل الأندلس 12.

لكن الخليل بن أحمد الفراهيدي (170 100ه) ابتدع أشكال الحركات فميزها عن نقاط الحروف فجعل لكل حركة حرفاً صغيراً بدل النقط، فوضع للضمة واواً صغيرة وللكسرة ياءً مردفة تحت الحرف وللفتحة ألفاً مائلة فوق الحرف. وأضاف إلى ذلك علامة الهمز والتشديد والرّوم والإشمام 13. واستمرت حركة وضع الاصطلاحات والعلامات التوضيحية فوضعت علامات نهاية الايات وقسمِّ القران إلى الأخماس والأعشار ووضعت إشارات إلى أحكام السجود الواجب والمندوب وهكذا.

أما على صعيد الرسم القراني أي الاملاء فقد بقي الرسم العثماني هو الأساس.

والحقيقة أن عملية التنقيط ووضع الحركات الاعرابية قدّمت خدمة عظيمة ووضعت حداً للاختلاف في القراءة التي كانت بلغت مستوىً خطراً كما سيأتي الإشارة إليه.


--------------------------------------------------------------------------------
34

--------------------------------------------------------------------------------




أسئلة حول الدرس

1- هل تم جمع القران في حياة الرسول صلى الله عليه وآله أم بعد وفاته، أعطِ شاهداً على ذلك؟
2- لماذا لا يمكن الالتزام بأن معنى جمع القران هو حفظه في الصدور؟
3- هل يمكن أن يطلق على عملية التجليد اسم الجمع؟ ولماذا؟
4- ما هو المعنى المتعيّن للجمع بحسب الظاهر من القرائن والشواهد والنصوص؟
5- بأي معنى من معاني الجمع قام عثمان بجمع القران الكريم؟
6- من هو أول من تصدى لوضع الحركات الإعرابية لايات الذكر الحكيم؟


هوامش

1- الزركشي، البرهان، 304 1، صحيح البخاري، الباب 20، سورة 9، من كتاب التفسير والباب 25 8 3 من فضائل القران.
2- الزركشي، البرهان، 305 1.
3- الزنجاني، تاريخ القران، 46.
4- الحاكم النيسابوري، المستدرك على الصحيحين، 611 2.
5- الزركشي: البرهان في علوم القران، 305 1.
6- راجع: حقائق هامة حول القران الكريم، للسيد جعفر مرتضى، 88 82.
7- السيوطي، الاتقان في علوم القران، 209 1 الصغير: تاريخ القران 91.
8- السجستاني، كتاب المصاحف 43 الصغير، تاريخ القران، 93.
9- ابن النديم، الفهرست، 45.
10-الصغير، تاريخ القران، 131.
11-الصغير، تاريخ القران، 134 133.
12-الزنجاني، تاريخ القران، 98.
13-الصغير، تاريخ القران، 135 134 السيوطي، الاتقان، 4/481.