المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الوجيز في علوم القران 6


الشيخ عباس محمد
29-12-2017, 12:40 AM
الدرس السادس: سلامة القران من التحريف

1- القرآن ونفي التحريف

قال تعالى في محكم كتابه: ﴿إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ﴾ 1.
هذه الاية الشريفة تدلّ دلالة تامة على سلامة القران الكريم، وأنه محفوظ من التغيير والتحريف اللفظي، قال العلامة الطباطبائي في تفسيرها: " ... فهو ذكر حيّ خالد مصون من أن يموت وينسى من أصله، مصون من الزيادة عليه بما يبطل به كونه ذكراً، مصون من النقص كذلك، مصون من التغيير في صورته وسياقه بحيث يتغيّر به صفة كونه ذكراً للّه، مبيناً لحقائق معارفه، فالاية تدل على كون كتاب اللّه محفوظاً من التحريف، بجميع أقسامه بجهة كونه ذكراً للّه سبحانه، فهو ذكر حيّ خالد " 2.

ويقول السيد أبو القاسم الخوئي: " فإن في هذه الاية دلالة على حفظ القران من التحريف، وأن الأيدي الجائرة لن تتمكن من التلاعب فيه " 3. وقريب من هذا الكلام صدر عن الفخر الرازي والفيض الكاشاني والشيخ الطبرسي وغيرهم.

والمراد من الذكر في الاية المحكي بهذا القران الملفوظ أو المكتوب وهو المنزل على رسول اللّه صلى الله عليه وآله ، والمراد من حفظه صيانته من التلاعب والتغيير والضياع، ولا شك أن مثل هذا الحفظ لا يصح إلاّ مع بقائه بمتناول أيدي البشر عامة الذين نزل لهدايتهم. ولا يصح اطلاق مثل هذا الحفظ على بقائه بأيدي جماعة خاصة مع عدم إمكان وصول الناس إليه، ولذا صح أن يقال أن بني إسرائيل حرّفوا التوراة والإنجيل مع بقائها مكتومة عند أفراد معينين.


--------------------------------------------------------------------------------
43

--------------------------------------------------------------------------------


2- نفي التحريف في السنة

وردت روايات عديدة تقتضي سلامة القران وحفظه من أيدي التحريف:

الطائفة الأولى:

ما ورد من الأمر بعرض الأخبار على كتاب اللّه بهدف تمييز الصحيح منها عن الموضوع، ومع فرض عدم سلامة القران فكيف يصحّ الأمر بالعرض عليه وكيف يتم جعله مقياساً لذلك.

فقد ورد عن الرسول صلى الله عليه وآله أنه قال: " تكثر لكم الأحاديث بعدي، فإذا روي لكم عني حديث فاعرضوه على كتاب اللّه، فما وافق كتاب اللّه فاقبلوه وما خالف فردّوه " 4.

وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: " كل حديث لا يوافق كتاب اللّه فهو زخرف " 5.

قال الفيض الكاشاني رحمه اللّه: " وقد استفاض عن النبي صلى الله عليه وآله والأئمة عليهم السلام حديث عرض الخبر المروي على كتاب اللّه لتعلم صحته بموافقته له، أو فساده بمخالفته، فإذا كان القران الذي بأيدينا محرّفاً فما فائدة العرض " 6.

الطائفة الثانية:

الرواية المتواترة التي تأمر بالتمسك بالثقلين: " إني تارك فيكم الثقلين كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي " 7 وما في معناها من الروايات الامرة بالتمسك بالقران واتخاذه إماماً والتي تصفه بأنه نور وهداية وناصح وأنه لا عوج فيه وأنه عصمة للمتمسك به ونجاة للمتعلق به وأمثال ذلك.

وهذه النصوص كلها تقتضي سلامته وحفظه على تلك الصفة. ولو كان محرفاً لما كان لها أي معنى حينئذ.


3- تواتر القرآن الكريم

تقدم في بحث جمع القران الكريم أن القران الكريم متواتر حفظاً وتدويناً، فعلى


--------------------------------------------------------------------------------
44

--------------------------------------------------------------------------------


صعيد التدوين، تقدم أن الرسول صلى الله عليه وآله استخدم في كتابة الوحي عشرات الكتّاب وانتشر التدوين بصورة واسعة جداً وأن عدداً من الصحابة كان يمتلك نسخاً كاملة من القران الكريم في حياة الرسول صلى الله عليه وآله ، وعلى صعيد الحفّاظ فقد كان عددهم بالمئات بل الألوف، وقد استمر هذا التواتر في كل الأجيال وجميع العصور حتى يومنا هذا.

فلا يعتنى بدعاوى التحريف التي تخالف القطع وظاهر الكتاب والسنّة النبوية الثابتة.


4- شواهد تاريخية أخرى

توجد عدة شواهد تاريخية على أن تحريف القران لم يكن متيسراً حتى لمن كان يرغب بذلك.

فمن ذلك قول عمر بن الخطاب: " لولا أن يقول الناس إن عمر زاد في كتاب اللّه لكتبت اية الرجم بيدي " 8.

ومن ذلك أن عثمان أراد حذف الواو من اية الكنز ﴿والذين يكنزون الذهب والفضة...﴾ ولكن الصحابة اعترضوا عليه ومنعوه من ذلك حتى أن أبيّ قال له: لتلحقنها أو لأضعن سيفي على عاتقي، فألحقوها 9.

واتفق مثل ذلك مع الخليفة الثاني في " واو " ﴿والذين اتبعوهم بإحسان﴾ 10.

وسواء فسر ذلك بأنه سهوٌ وقلة حفظ أو أنها محاولات هادفة فإنّ المسألة لم تكن متيسرة لهم، وقد سخر اللَّه سبحانه من يحفظ القران الكريم من التغيير والتبديل.


× دعاوى التحريف

يستعمل لفظ التحريف ويراد منه أحد معنيين:

الأول: التحريف المعنوي، وذلك بحمل الألفاظ على غير معانيها وتأويلها بما لم تنزل فيه بلا دليل لغوي ولا رواية صحيحة عن الرسول صلى الله عليه وآله وأهل بيته الطاهرين عليهم السلام .


--------------------------------------------------------------------------------
45

--------------------------------------------------------------------------------


وهذا النمط من التحريف وقع بلا شك من قبل الكثير من المذاهب وأهل الأهواء والمقالات الفاسدة الذين حاولوا الاستفادة من الكتاب لنصرة مقالاتهم الباطلة، ولأجل ذلك نهى أمير المؤمنين عليه السلام عن مجادلة الخوارج بالكتاب عندما بعث إليهم ابن عباس فقال له: " لا تخاصمهم بالقران فإن القران حمّال ذو وجوه تقول ويقولون ولكن خاصمهم بالسنّة فإنهم لن يجدوا عنها محيصاً " 11.

وذلك لأنهم كانوا يؤولون الايات التي يمكن أن يخاصمهم بها لالزامهم بوجوب طاعة أمير المؤمنين على وفق أهوائهم وارائهم. بخلاف نصوص السنّة الصحيحة والصريحة بالمطلوب.

الثاني: التحريف اللفظي، ويراد منه تحريف ألفاظ القران الكريم بالزيادة أو النقصان أو التبديل، وهذا هو المقصود من البحث، وما قدمناه من أدلة على سلامة القران يقصد سلامته من هذا النوع من التحريف. لكن المؤسف أن بعض المحدثين الشيعة خدعوا بالأخبار المتفرقة التي تدل على وقوع التحريف بالقران أو التي توهموا دلالتها على ذلك، وهي أخبار عامية في الأعم الأغلب وقد أساؤوا نتيجة ذلك إلى القران الكريم ووجهوا طعنة خطيرة للإسلام بسبب هذه السذاجة.

وجاء بعد ذلك الذين يتربصون الدوائر بأتباع مدرسة أهل البيت عليهم السلام ، وتلقفوا هذا الكلام واتخذوه مطعناً للاجهاز على التشيع وتشويه صورته. فلا يخلو كتاب يصنف اليوم ضد التشيع من فصول تستغل هذه المقولة وتنسب إلى الشيعة هذه التهمة بسبب ما ذهب إليه هؤلاء المحدثون وعلى رأسهم المحدث الشيخ حسين النوري الذي ألف كتاباً سمّاه " فصل الخطاب في تحريف كتاب رب الأرباب " .

أورد فيه اثني عشر دليلاً أو توهماً وأسهب في التوجيه، وهذه الأدلة المزعومة نذكر أهمها:

الأول: ما ورد من أن ما وقع في الأمم السابقة يقع في هذه الأمة أيضاً ومن المعلوم أن الأمم السابقة حرفت التوراة والإنجيل، فلا بد أن هذه الأمة كذلك.ويجاب بأن هذه الروايات عامية المنشأ في الغالب ومع ذلك فهي ناظرة إلى الحوادث


--------------------------------------------------------------------------------
46

--------------------------------------------------------------------------------


الاجتماعية والسنن التاريخية ولا يلزم أن يتكرر كل حدث صغير أو كبير بتفاصيله فلا يصح الاستدلال بها هنا.

الثاني: الروايات التي تظهر كيفية جمع القران بحسب ما ورد في كتب القوم إذ يلزم منها عدم الاطمئنان إلى سلامة الكتاب، كالجمع بالشاهد والشاهدين وأمثال ذلك. ولكن تقدم أن القران كان مدوّناً بكامله عند عدد كبير من المسلمين على زمان الرسول صلى الله عليه وآله والتواتر متوفر في كل الطبقات.

الثالث: اختلاف القراءات في مصاحف الصحابة على ما نقله المفسرون من أهل السنّة، وهو أحد أنواع التحريف لأن القران نزل على حرف واحد.

والجواب عن هذا أنه تقدّم أن عدم تواتر القراءات شي‏ء وتواتر القران شي‏ء اخر فاختلاف القراءات لا يضر بالمادة الأصلية للقران.

الرابع: ما ورد من أن أبيّ بن كعب كان أقرأ الأمة، وما ورد في أن ايات مصحفه أكثر مما هو موجود الان، ويستنتج من ذلك طروء النقص.

والجواب عن هذا أن هذه الروايات أيضاً ضعيفة وعامية وشاذة لا يصح الوقوف عندها مقابل التواتر الفعلي. ونضيف إلى ذلك أن الاختلاف بعدد الايات لا يدل على الزيادة والنقص لأنهم ربما اختلفوا على أماكن الوقف والفواصل فأدّى ذلك إلى الاختلاف بعدد الايات وهذا لا يؤثر.

الخامس: إن ما فعله عثمان من حمل الناس على قراءة واحدة وإحراق باقي المصاحف يجعل القران الكريم في معرض التشكيك وعدم الاطمئنان إلى سلامته، وإذا أضيف إليه مخالفة ابن مسعود لعثمان ينتج عنه وجود تحريفات كانت سبباً لمخالفة ابن مسعود.

ولكن يدفعه أن عمل عثمان كان بموافقة صريحة من أمير المؤمنينعليه السلام وأنها وحّدت القراءات وأن مخالفة ابن مسعود لا تدل على شي‏ء مما ذكر، لأنه رفض تسليم مصحفه للإحراق وكان يعتز به لأنه كتبه على عهد رسول اللّه صلى الله عليه وآله فلا يدل على أن المصحف الجديد كان مغايراً لمصحفه، نعم ربما كان ابن مسعود قد خالف في الترتيب أو دوّن بعض التفسير والتأويل فيه فكان رفضه لذلك أيضاً، وهو ليس من التحريف كما هو واضح.


--------------------------------------------------------------------------------
47

--------------------------------------------------------------------------------


السادس: الروايات التي تصرح بوقوع التحريف في القران. وهذه الروايات أكثرها مروي عن السياري (الغالي) وغيره من الضعفاء، بالإضافة إلى أن المقصود فيها غالباً هو التحريف المعنوي لا اللفظي، وقد تقدّمت رواية الباقر عليه السلام بأنهم أقاموا حروفه وحرفوا حدوده وهي صريحة في التحريف المعنوي.

السابع: وجود ألف رواية أغلبها شيعي تتضمن اختلاف القراءة عما هو في المصحف الحاضر، وهذه الروايات الألف فيها ما يلي:

1- أن أكثر من 230 رواية منها ترجع إلى السياري الغالي الملعون على لسان الصادقعليه السلام ، ولا يقبله أحد من علماء الرجال عندنا.

2- أكثر من 600 رواية مكررة، ذكرها لتعدد الطرق أو تعدد المصدر.

3- وبعد إسقاط روايات السياري والمكررة فلا يبقى إلا حدود 08 رواية هي عبارة عن روايات اختلاف القراءات أكثرها أخذت من مجمع البيان. والطبرسي في المجمع يروي عن رجال أهل السنّة مثل الكسائي وابن مسعود والجحدري والسلمي والضحاك وقتادة وابن عمر وابن حجار ومجاهد وعكرمة وعائشة وابن الزبير وحمزة وابن يعمر الشعبي وغيرهم.

مع أن الكثير من هذه الروايات ناظر إلى التفسير وشأن نزول الايات، وقد اختلط التفسير بمتن الايات فيها بسبب عدم استعمال العلامات المميزة للمتن عن التفسير كما هو المتعارف اليوم.


× تصريحات العلماء

صرح علماء الشيعة عبر القرون بسلامة القران من التحريف ومع ذلك فإن البعض ممن ينسب إلى الشيعة تهمة القول بالتحريف يهمل هذه التصريحات عمداً ويتمسك بما ذكره بعض المحدثين لأغراض خبيثة أو يحمل تلك التصريحات على التقية لاتمام بهتانه. وهذه نماذج ممن صرّح بسلامة القران من الشيعة:

1- الشيخ الصدوق (ت 183ه) في كتاب الاعتقادات 93 92.

2- الشيخ المفيد (ت 314ه) في كتابه أوائل المقالات 56 55.


--------------------------------------------------------------------------------
48

--------------------------------------------------------------------------------


3- السيد المرتضى (ت 634ه) في جواب المسائل الطرابلسيات حكاه عنه الطبرسي في مجمع البيان 1/51

4- الشيخ الطوسي (ت 164ه) في التبيان 1/3.

5- الشيخ الطبرسي (ت 845ه) في مجمع البيان 1/51.

6- الشيخ الحر العاملي (ت 4011ه) له رسالة في إثبات عدم التحريف نقل منها رحمة اللّه الهندي في إظهار الحق 129.


× وفي هذا القرن:

السيد محسن الأمين في أعيان الشيعة 1/64.

عبد الحسين شرف الدين في أجوبة مسائل جار اللّه والفصول المهمة 166 165.

السيد البروجردي نقله عنه الشيخ لطف اللّه الصافي في كتاب مع الخطيب في خطوطه العريضة 49.

السيد محسن الحكيم نقل نص عبارته السيد مرتضى الرضوي في كتابه البرهان على عدم تحريف القران 252.

السيد محمد حسين الطباطبائي في تفسير الميزان 107 104/12، وكتاب القران في الإسلام 071.

الإمام السيد الخميني في كتاب تهذيب الأصول 2/561.

السيد أبو القاسم الخوئي في كتاب البيان في تفسير القران 952.

وغيرهم كثير.

بل هناك ما يشير إن أن روايات التحريف لم تكن معروفة عند الشيعة في القرن الثالث الهجري فهذا.. الفضل بن شاذان )المتوفي سنة 062) والذي كان من أصحاب الإمام الرضا عليه السلام يطعن في كتابه الايضاح على أهل السنّة روايتهم لروايات التحريف، وهذا يكشف عن أن ذلك لم يكن معروفاً حتى عند المحدثين من الشيعة ذلك الوقت وإلا لما صح أن يطعن عليهم بذلك.

ونختم بما ورد في رسالة الإمام الهادي عليه السلام في الرد على أهل الجبر والتفويض أنه


--------------------------------------------------------------------------------
49

--------------------------------------------------------------------------------


قال: " .. وقد اجتمعت الأمة قاطبة لا اختلاف بينهم أن القران حق لا ريب فيه عند جميع أهل الفرق، وفي حال اجتماعهم مقرّون بتصديق الكتاب وتحقيقه، مصيبون، مهتدون... " 12.


--------------------------------------------------------------------------------
50

--------------------------------------------------------------------------------




أسئلة حول الدرس

1- يستفاد من القران الكريم والروايات الكثيرة أن القران محفوظ عن التحريف والتلاعب، اشرح ذلك من خلال بعض النماذج والشواهد.
2- القران الكريم متواتر حفظاً وتدويناً، ما هو المقصود بهذه العبادة؟
3- تحدث عن شاهد تاريخي يكشف عن عدم تيسر تحريف القران لمن كان يرغب بذلك؟
4- يزعم البعض وقوع التحريف في القران كما وقع في التوراة والإنجيل وذلك بمقتضى ما ورد من أن ما وقع في الأمم السابقة يقع في هذه الأمة أيضاً، كيف ترد على هذا الكلام؟
5- اشتبه المحدث النوري في موضوع تحريف القران، فما هو منشأ الشبهة التي وردت على ذهنه؟
6- ما هو رأي علماء الشيعة عبر القرون في موضوع تحريف القران؟


هوامش

1- سورة الحجر:9.
2- الطباطبائي، الميزان في تفسير القران، 104 103/12.
3- الخوئي، البيان في تفسير القران، 622.
4- جعفر مرتضى، الصحيح من سيرة النبي الأعظم صلى الله عليه وآله 2671، وفي معناه: المجلسي، بحار الأنوار 80/50 225/2.
5- الكليني، الكافي، 69/1.
6- الفيض الكاشاني، تفسير الصافي، 46/1.
7- هذا الحديث بألفاظ متقاربة رواه نيف وثلاثون صحابياً، وهو متواتر لفظاً، ويعتبر من أدلة الإمامة. راجع رواته ومصادره في خلاصة عبقات الأنوار للسيد الميلاني الأجزاء الثلاثة الأولى.
8- صحيح البخاري، كتاب الأحكام، باب الشهادة عند الحاكم في ولاية القضاء السيوطي، الإتقان، 26 25/2، ومصادر أخرى.
9- السيوطي، الدر المنثور 232/3.
10- نفس المصدر، 269/3.
11- الشريف الرضي، نهج البلاغة، الكتاب 77.
12- ابن شعبة الحراثي: تحف العقول عن ال الرسول، صفحة 854، مؤسسة النشر الإسلامي.