المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ردّ حديث ابن عساكر عن قوّة القلب وبسط اللسان عند الحسنان


الشيخ عباس محمد
04-01-2018, 09:47 PM
السؤال: ردّ حديث ابن عساكر عن قوّة القلب وبسط اللسان عند الحسنان أ رجو التفضل علينا بالإجابة عن هذه الأسئلة :
وجزاكم الله خيرا ..
أرجو شرح هاتين الروايتين ..

الرواية الأولى :
ترجمة الامام الحسين (ع) - ابن عساكر ص 208
ما معنى قول الإمام علي عليه السلام :
عوانة, أنبأنا سليمان, عن حبيب بن أبي ثابت, عن أبي ادريس : عن المسيب بن نجبة قال :(( سمعت عليا يقول : ألا أحدثكم عني وعن أهل بيتي ؟ أما عبد الله بن جعفر فصاحب لهو, وأما الحسن بن علي فصاحب جفنة وخوان فتى من فتيان قريش لو قد التقت حلقتا البطان لم يغن عنكم في الحرب شيئا, )) وأما أنا وحسين فنحن منكم وأنتم منا . ؟
ترجمة الامام الحسين (ع) - ابن عساكر ص 209
محرما الا استحلوه و (حتى) لا يبقى بيت مدر ولا وبر الا دخله ظلمهم (ونبا به سوء رعيهم) وحتى يكون أحدكم تابعا لهم وحتى تكون نصرة أحدكم منهم كنصرة العبد من سيده إذا شهد أطاعه وإذا غاب عنه سبه, وحتى يكون أعظمكم فيها عناء أحسنكم بالله ظنا ! وإن أتاكم الله بعافية فاقبلوا, وان ابتليتم فاصبروا فإن العاقبة للمتقين .؟

الرواية الثانية :
ما معنى قول الإمام الحسن عليه السلام :
189 - أخبرنا أبو القاسم ابن السمرقندي, أنبأنا عمر بن عبيدالله, أنبأنا أبو الحسين بن بشران, أنبأنا عثمان بن أحمد, أنبأنا حنبل بن إسحاق, أنبأنا سليمان بن أبي شيخ : أنبأنا خالد بن سعيد بن عمرو بن سعيد بن العاص, عن أبيه قال : كان الحسن يقول للحسين : أي أخ والله لوددت أن لي بعض شدة قلبك فيقول له الحسين : وأنا والله وددت أن لي بعض ما بسط لك من لسانك . ))

السؤال الثاني :
ورد أنّ النبي (صلّى الله عليه وآله) قال في الحسن والحسين صلوات الله عليهما : (( ابناي هذان إمامان قاما أو قعدا ))
فهل ورد لدينا سبب أو علة تقديم الرسول صلى الله عليه وآله وسلم لكلمة ((قاما)) على كلمة ((قعدا)) ؟
ولكم جزيل الشكر ..

الجواب:
الأحاديث والروايات التي يذكرها أهل السنة في خصوص أهل البيت (سلام الله عليهم) لا ترقى إلى الذوق والأدب المطلوب الذي ينسجم مع قدسية وسمو ورفعة الشخصية والمنزلة العظيمة التي يتحلى بها الإمام, فمن جهة نجد أن بعضهم عندما يتحدث عن الإمام وكأنه يتحدث عن شخص عادي جداً, وهذا ما يلاحظ في أحاديثهم حتى عن النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله), فلهذا نجد أن بعض أحاديثهم لا تسمن ولا تغني من جوع, وبعضهم يستبطن الانتقاص منهم صلوات الله عليهم... بأحاديث ذات أسانيد مجهولة أو ضعيفة متناً وسنداً, ومن أمثلتها هذا الحديث الذي ذكرتموه عن عوانة, أنبأنا... قال سمعتُ علياً يقول ألا أحدثكم عني وعن أهل بيتي, وقدم الحديث عن عبد الله بن جعفر, وبأنه صاحب لهوٍ وظاهر كلام الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) هو الذم لعبد الله بن جعفر.
ثم يصف بعدها ولده أبا محمد الحسن الزكي (عليه السلام) بأنه صاحب جفنة وخوان وصاحب جَفنة أي صاحب كرم وخوان (سفرة الطعام) ويتبع هذه الكلمة بكلمة أخرى تصف الإمام الحسن السبط سيد شباب أهل الجنة وريحانة الرسول (صلى الله عليه وآله) بأن (لو قد التقت حلقتا البطان لم يغنِ عنكم في الحرب شيئاً), وهذهِ الفقرة من الحديث تناقض واقع الحال للإمام والذي من أولى صفاته العلم والشجاعة: يقول تعالى في سورة البقرة بوصف السبب في جعل طالوت ملكاً عليهم من قبل النبي الذي سأل الله في أجابه طلب قومه وكان بعد ذلك أن أعترض قوم ذلك النبي: (( إِذ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابعَث لَنَا مَلِكاً نُقَاتِل فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَ هَل عَسَيتُم إِن كُتِبَ عَلَيكُمُ القِتَالُ أَلَّا تُقَاتِلُوا قَالُوا وَمَا لَنَا أَلَّا نُقَاتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَقَد أُخرِجنَا مِن دِيَارِنَا وَأَبنَائِنَا فَلَمَّا كُتِبَ عَلَيهِمُ القِتَالُ تَوَلَّوا إِلَّا قَلِيلاً مِنهُم وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ )) (البقرة:246), ثم بعد ذلك قالوا بعد اعتراضهم: (( أَنَّى يَكُونُ لَهُ المُلكُ عَلَينَا وَنَحنُ أَحَقُّ بِالمُلكِ )) (البقرة:247), كانوا يرون من انفسهم الأحقية بالملك فقال لهم النبي على لسان الوحي (( إنّ الله اصطفاه عليكم وزاده بسطة في العلم والجسم )) بالإضافة إلى هذا لم يسمع عن أحد أولاد أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) أنه كان في الحرب لم يغن شيئاً: (أي ليس له دراية في الحرب أو القتال وممكن أن تكون هذه ( كناية عن الجبن ) وحاشا أمير المؤمنين أن يكون قد ذكر ذلك وهو المربي الأول لا يمكن أن يصدر منه انتقاص بحق ولده الحسن سلام الله عليه).

ثم بعد ذلك يتبع الحديث في نهايته: (وأما أنا وحسين فنحن منكم وأنتم منا) ولم يقل هذا في ولده الأكبر, فقد ميز الإمام بين أبناءه وحاشاه وهو المعلم للقيم, والأخلاق والتربية, والمتأمل في هذه العبارات بأدنى تأمل يجد النفس الأموي الخبيث وهذا الحديث وأمثاله (صناعة أموية), والمتذوق لكلام أمير المؤمنين (صلوات الله وسلامه عليه) يلاحظ أن هذا الحديث يلامسه الضعف ويجد الوهن في موضوع الحديث, فأنه يكشف عورات وعيوب مستورة وما أحوجه إلى سترها ومن كشف عورة مستورة فقد أساء بحق الآخرين, ناهيك عن كونها غَيبَةَ: (( أَيُحِبُّ أَحَدُكُم أَن يَأكُلَ لَحمَ أَخِيهِ مَيتاً فَكَرِهتُمُوهُ )) (الحجرات:12).
ونحن نعلم أن الأئمة الطاهرين قد امتازوا بصفات الكمال التي ارتضاها الله لهم من العلم والشجاعة كما في حديث الإمام زين العابدين : أيها الناس أعطينا ستاً وفضّلنا بسبع ٍ, أعطينا العلم والحلم والسماحة والفصاحة والشجاعة والمحبّة في قلوب المؤمنين - وطالما كان أمير المؤمنين (سلام الله عليه) يقاتل والحسن والحسين (سلام الله عليهما) يقاتلان إلى جانبه فقد قاتل الإمام الحسن (سلام الله عليه) في الجمل والنهروان وصفين فهذا الحديث من الأكاذيب المدسوسة على الحسن السبط رابع أصحاب الكساء.

الحديث الثاني:
كان الإمام الحسن (عليه السلام) يقول لأخيه الحسين (عليه السلام): (أي أخ.....) وهنا الحسن السبط يرغب في أن يكون له قوة قلب الحسين السبط, وهنا لسان حال الإمام الزكي الحسن (عليه السلام) يقول أن قلبي ضعيف وليس فيه القوة التي في قلب الحسين (عليه السلام): (وهذا الحديث يقوي الافتراء على الإمام الحسن (عليه السلام وأبيه أمير المؤمنين (عليهما السلام) في الحديث السابق), وفحوى موضوعه نفس ما ذكر في الحديث السابق: (الجفنة والخوان وحلقتا البطان) مع زيادة أخرى أنَّ الحسين (عليه السلام) يرغب في أن يكون له بسط لسان الإمام الحسن (عليه السلام) وبسط اللسان هي (فصاحة اللسان وطلاقته) وهذا الحديث كالذي قبله (صناعة أموية).
فهو محاولات للإنتقاص من كلا الحسنين الزكيين سيدي شباب أهل الجنة.
لأن ما عند الحسن عند الحسين من بسط اللسان وما عند الحسين عند الحسن من قوة القلب.. وما يشهد على بسط اللسان, خطب الإمام في أدوار حياته, وبالخصوص بداية نهضته إلى حين قبل لحظة استشهادهِ, ومن كلماته (خط الموت على ولد آدم مخط القلادة على جيد الفتاة) إلى خطبه الأخرى التي يقول عنها أعداءه حين سماعهم له, فلم يسمع متكلماً قط أحسن بياناً منه أو (فلم يسمع بمتكلم قط أحسن بياناً منه) ناهيك عما بسط لسانه في مناجات ربه في (دعاء عرفة), وما عليه من معانٍ عاليات وألفاظٍ راقيات (الحمد الله الذي ليس لقضائه دافع, ولا لعطائه مانع, ولا كصنعه صنع صانع/ وأنا أشهد يا الهي بحقيقة إيماني وعقد عزمات يقيني وخالص صريح توحيدي وباطن مكنون ضميري وعلائق مجاري نور بصري وأسارير صفحة جبيني وخرق مسارب نفسي وخذاريف مارن عرنيني ومسارب سماخ سمعي وما صُمّت وأطبقت عليه شفتاي), إلى آخر دعائه (صلوات الله وسلامه عليه) وقد ذكر محمد باقر المحمودي الذي حقق في (ترجمة الإمام الحسين) لابن عساكر أن الحديث الأول والثاني ضعيف سنداً ومتناً.

أما تقدمه (قاما) في حديث: (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا) في زوال الإمامة فبإعتبار أن القيام بالإمامة غير متوهم فيه, فقدم غير المتوهم فيه على المتوهم فيه الذي هو (القعود). لأن التوهم في زوال الإمامة هو في خصوص (القعود) فالحسن منصوص عليه بالإمامة من قبل جده النبي (صلى الله عليه وآله) الذي لا ينطق على الهوى إن هو إلا وحي يوحى, وإمام مفترض الطاعة بأمر من الله سبحانه حيث نصت عليه السنة النبوية التي لا يمكن بحال من الأحوال مخالفتها حين قال: (الحسن والحسين إمامان إن قاما وإن قعدا, وهذا النص أمر إلهي صريح جدير بالوثوق. وحين يصدر منه عملاً لابد أن نأخذه على أساس من الوجوب الشرعي وبهذا يكون الخارج عليه خارجاً على الله وبهذا القدر الكفاية).