الشيخ عباس محمد
05-01-2018, 10:59 PM
السؤال: رأي العلماء حول سند زيارة عاشوراء
ما هو رأي علماء مذهب أهل البيت "عليهم السلام" في سند زيارة الإمام الحسين "عليه السلام" في يوم عاشوراء ؟
الجواب:
إنّ زيارة سيد الشهداء في العاشر من محرم وردت بطرق خمسة، رواها شيخ الطائفة بطرق ثلاثة غير أنّ السند الأوّل يختصّ ببيان ثواب الزيارة دون النصّ المعروف، والأخيرين طريقان لنفس النصّ، ويعلم ذلك بالإمعان في ما نقله الشيخ في هذا المضمار.
ورواها ابن قولويه بطريقين، فيكون الطرق إليها خمسة وإليك الأسانيد بنصها وتحليلها قال الشيخ الطوسي: روى محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح بن عقبة، عن أبيه، عن أبي جعفر "عليه السلام" ، قال: «من زار الحسين بن علي عليهما السَّلام في يوم عاشوراء من محرم الحرام حتّى يظلّ عنده باكياً القى اللّه عزّ وجلّ يوم يلقاه ثواب ألفي حجة وألفي عمرة وألفي غزوة، ثواب كلّ غزوة وحجّة وعمرة كثواب من حجّ واعتمر وغزا مع رسول اللّه "صلَّى الله عليه وآله وسلَّم" ومع الأئمة الراشدين».
قال: قلت جعلت فداك فما لمن كان في بعيد البلاد وأقاصيه ولم يمكنه المصير إليه في ذلك اليوم؟
قال: «إذا كان كذلك برز إلى الصحراء أو صعد سطحاً مرتفعاً في داره وأومأ إليه بالسلام واجتهد في الدعاء على قاتله وصلّى من بعدُ ركعتين، وليكن ذلك في صدر النهار قبل أن تزول الشمس، ثمّ ليندب الحسين "عليه السَّلام" ويبكيه، ويأمر من في داره ممن لا يتّقيه بالبكاء عليه، ويقيم في داره المصيبة بإظهار الجزع عليه، وليعزَّ بعضهم بعضاً بمصابهم بالحسين "عليه السَّلام" ، وأنا الضامن لهم إذا فعلوا ذلك على اللّه تعالى جميع ذلك».
قلت: جعلت فداك أنت الضامن ذلك لهم والزعيم؟!
قال: «أنا الضامن وأنا الزعيم لمن فعل ذلك».
قلت: فكيف يُعزّي بعضنا بعضاً؟
قال:« تقولون: أعظم اللّه أُجورنا بمصابنا بالحسين "عليه السَّلام" وجعلنا وإيّاكم من الطالبين بثاره مع وليه الإمام المهدي من آل محمد "عليهم السَّلام" ، وإن استطعت أن لا تنتشر يومك في حاجة فافعل فانّه يوم نحس لا يُقضى فيه حاجة مؤمن، فإن قضيت لم يبارك له فيها ولم ير فيها رشداً، ولا يدَّخرن أحدكم لمنزله فيه شيئاً فمن ادّخر في ذلك اليوم شيئاً لم يبارك له فيما ادّخره ، ولم يبارك له في أهله ، فإذا فعلوا ذلك كتب اللّه تعالى لهم أجر ثواب ألف حجّة وألف عمرة وألف غزوة كلّها مع رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وكان له أجر وثواب مصيبة كلّ نبي ورسول ووصي وصدّيق وشهيد مات أو قتل منذ خلق اللّه الدنيا إلى أن تقوم الساعة».(مصباح المتهجّد، 713) إلى هنا تمّ سند الشيخ إلى بيان ثواب زيارة الحسين يوم عاشوراء دون أن يذكر فيه نصّ خاص للزيارة، بل اقتصرت الرواية في نيل الثواب على ما جاء في الرواية من البروز إلى الصحراء أو الصعود إلى السطح المرتفع والإيماء إليه بالسلام والاجتهاد في الدعاء على قاتله... إلى آخر ما جاء في نفس الرواية، وليس فيها أي أثر من الزيارة الخاصة التي نحن بصدد تقويم سندها.
وإليك دراسة سندها:
إنّ الشيخ أخذ الرواية من كتاب محمد بن إسماعيل بن بزيع، ونقل سنده إلى كتابه في الفهرست بالنحو التالي: ابن أبي جيد، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع.(الفهرست: 165 باب محمّد: برقم606، وذكره أيضاً ص183 برقم705) وعلى هذا فالشيخ يروي ثواب زيارة الحسين ـ عليه السَّلام ـ في يوم عاشوراء عن المشايخ التالية:
1. ابن أبي جيد.
2. محمد بن الحسن بن الوليد.
3. علي بن إبراهيم.
4. محمد بن إسماعيل بن بزيع.
5. صالح بن عقبة.
6. عقبة بن قيس.
7. عن أبي جعفر الباقر "عليه السَّلام".
وإليك دراسة أحوالهم:
محمد بن الحسن بن الوليد:
محمد بن الحسن بن الوليد(المتوفّى عام 343هـ) وهو من مشايخ الطائفة وأجلاّئها، غني عن الوصف والبيان، ويصدر عنه الشيخ الصدوق في التعديل والتجريح.
علي بن إبراهيم القمي:
علي بن إبراهيم وهو شيخ الكليني الذي كان حيّاً عام 307هـ، وهو من مشايخ الطائفة الذين لا يُشق غبارهم.
محمّد بن إسماعيل بن بزيع:
محمّد بن إسماعيل بن بزيع من أصحاب أبي الحسن الأوّل والرضا والجواد "عليه السلام" ، يقول الشيخ في رجاله: ثقة صحيح كوفي.(رجال الشيخ: 364، أصحاب الرضا "عليه السلام" ، برقم6) ويقول النجاشي: من صالحي هذه الطائفة وثقاتهم، كثير العمل (رجال النجاشي: 2: 214 برقم894).
صالح بن عقبة:
صالح بن عقبة بن قيس بن سمعان عرّفه النجاشي بقوله: صالح بن عقبة بن قيس بن سمعان بن أبي ربيحة.
روى عن أبيه عن جدّه. وروى عن زيد الشحام. روى عنه محمد بن الحسين بن أبي الخطاب. وابنه إسماعيل بن صالح بن عقبة.(رجال النجاشي: 1: 444، برقم 530) وليس المراد منه صالح بن عقبة بن خالد الأسدي، وذلك لأنّ محمد بن إسماعيل بن بزيع يروي عنه بواسطة محمد بن أيوب كما يظهر من طريق النجاشي إلى كتاب خالد الأسدي، حيث قال، بعد ذكر عدّة من المشايخ: ... عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن محمد بن أيّوب عن صالح بن عقبة بن خالد الأسدي.(رجال النجاشي: 1: 445، برقم532) كما أنّ الشيخ اقتصر على ذكر شخص واحد، وقال : صالح بن عقبة له كتاب أخبرنا به ابن أبي جيد عن ابن الوليد عن الصفار محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عنه.(الفهرست: 110، برقم 364) ومراده هو: صالح بن عقبة بن قيس لا خالد الأسدي. فما احتمله المحقّق التستري (ره) ليس في محلّه.(قاموس الرجال: 5: 65 برقم: 3633) إذا ظهر ذلك فاعلم: أنّ الضابطة في كلّ ما يذكره النجاشي هو انّه إماميّ فلو كان غير إمامي لتعرض إلى مذهبه، كما أنّه لو كان قدح فيه لذكره.
وعلى ذلك بنى جمع من علمائنا الرجاليين كالسيد بحر العلوم الطباطبائي رحمه اللّه في الفائدة العاشرة من فوائده الرجالية.(الفوائد الرجالية: 4: 114) فذهب إلى أنّ جميع من ذكره الطوسي والنجاشي في كتابيهما من الشيعة الإمامية صحيح المذهب، ممدوح بمدح عام يقتضيه الوضع لذكر المصنفين العلماء والاعتناء بشأنهم وشأن كتبهم وذكر الطريق إليهم وذكر من روى عنهم و من رووا عنه إلاّ من نص فيه على خلاف ذلك من الرجال كالزيدية والفطحية والواقفية وغيرهم، وعلى ضوء ذلك فهو إمامي ممدوح بمدح عام والذي جاء سبباً لذكره في الكتب. هذا من جانب ومن جانب آخر يروي عنه شيخان عظيمان من مشايخ الشيعة الكبار هما:
محمد بن الحسين بن أبي الخطاب(المتوفّى عام 262هـ).
ومحمد بن إسماعيل بن بزيع من كبار مشايخ الشيعة.
نعم ضعّفه ابن الغضائري، كما نقله العلاّمة في خلاصته وقال: غال، كذّاب لا يلتفت إليه.(الخلاصة ، القسم الثاني ص423، رجال النجاشي، برقم894) ، ولكن ذم الغضائري لا يعتد به، لأنّه قدح كثيراً من ثقاتنا وعلمائنا الذين لا يُشق غبارهم وقد كان له عقائد خاصّة في حقّ الأئمّة الاثني عشر فمن تجاوز عنها وصفه بالغلو، ومن روى رواية في ذلك الموضوع برواية لا توافق عقيدته وصفه بالكذب و لذلك رتب في كلامه على كونه غالياً، قوله: كذّاباً لا يلتفت إليه. وهذا دليل على أنّ وصفه بالكذب، لتوهم الغلوّ فيه.
كيف يمكن أن يوصف بالغلو والكذب من هو من مشايخ محمد بن الحسين بن أبي الخطاب أو محمد بن إسماعيل بن بزيع الذي ذكر عند الرضا "عليه السلام" فقال:«وددت انّ فيكم مثلَه» ومن اعتنى بذكره وذكر كتابه الشيخان النجاشي والطوسي. فوثاقته قويّة وروايته معتبرة.
عقبة بن قيس بن سمعان:
عنونه الشيخ في رجاله وعدّه من أصحاب الإمام الباقر "عليه السلام" (رجال الشيخ: 142، اصحاب الإمام الباقر "عليه السلام"، برقم74)، وكونه من أصحاب الإمام الباقر "عليه السلام" يدلّ على أنّه إمامي ولم يظفر الشيخ بشيء من الذم فيه.
إلى هنا تمت دراسة السند الأوّل للشيخ إلى بيان ثواب زيارة الحسين في يوم عاشوراء.
والسند لا بأس به وهو من الحسن بمعنى الممدوح بالمدح العام لا الممدوح بالمدح الخاص.
المهم في المقام هو دراسة سند الشيخ إلى نصّ الزيارة ، قال قدَّس سرَّه:
صالح بن عقبة، وسيف بن عميرة، قال علقمة بن محمد الحضرمي، قلت لأبي جعفر "عليه السلام": علّمْني دعاء أدعو به ذلك اليوم إذ أنا زرته من قرب وأومأت من بعد البلاد، ومن داري بالسلام إليه.
قال: فقال لي يا علقمة: إذا أنت صليت الركعتين بعد أن تومئ إليه بالسلام فقل عند الإيماء إليه من بعد التكبير هذا القول، فانّك إذا قلت ذلك فقد دعوت بما يدعوا بن زوّاره من الملائكة، وكتب اللّه لك مائة ألف ألف درجة وكنت كمن استشهد مع الحسين "عليه السَّلام" حتى تشاركهم في درجاتهم ثمّ لا تعرف إلاّ مع الشهداء الذين استشهدوا معه وكتب لك ثواب زيارة كلّ نبي وكلّ رسول وزيارة كلّ من زار الحسين "عليه السلام" منذ يوم قتل "عليه السلام" وعلى أهل بيته.
الزيارة:
السّلام عليك يا أبا عبد اللّه، السّلام عليك يابن رسول اللّه، السّلام عليك يابن أمير المؤمنين وابن سيد الوصيين، السّلام عليك يابن فاطمة سيدة نساء العالمين....
ثمّ قال - بعد السلام مرّة واللعن مرة - : ثمّ تسجد و تقول:
اللّهمّ لك الحمد، حمد الشاكرين، لك على مصابهم، الحمد للّه على عظيم رزّيتي، اللّهمّ ارزقني شفاعة الحسين "عليه السَّلام" يوم الورود، وثبت لي قدم صدق عندك مع الحسين وأصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين "عليه السلام".
قال علقمة: قال أبو جعفر "عليه السَّلام" : وإن استطعت أن تزوره في كلّ يوم بهذه الزيارة من دارك فافعل فلك ثواب جميع ذلك.(مصباح المتهجّد: 715 - 718) إلى هنا تمت زيارة عاشوراء سنداً و متناً، وإليك دراسة السند فنقول:
سياق العبارة ظاهر في أنّ الشيخ أخذ الرواية من كتاب محمد بن إسماعيل بن بزيع الذي لا كلام في وثاقته، إنّما الكلام فيمن يروي هو عنه، فقد روى محمد بن إسماعيل نصّ الزيارة بالسند التالي:
أ - صالح بن عقبة وسيف بن عميرة:
أمّا صالح بن عقبة فقد تقدمت ترجمته وقد عرفت أنّه في الكتب الرجاليّة إمامي ممدوح بالمدح العام لا الخاص، ولكن دلّت القرائن على كونه مقبول الرّواية وإنّ ذم الغضائري لا يعتد به، فلو افترضنا عدم ثبوت وثاقته، فلا يضرّ بصحّة هذا السند لأنّ محمد بن إسماعيل بن بزيع يروي نص الزيارة عن شخصين، أحدهما صالح بن عقبة والآخر سيف بن عميرة والثاني (سيف بن عميرة) ثقة بلا كلام.
قال النجاشي: سيف بن عميرة النخعي، عربي، كوفي، ثقة، يروي عن أبي عبد اللّه وأبي الحسن، له كتاب يرويه عنه جماعات من أصحابنا.(رجال النجاشي، 1: 425، برقم 502) وصرّح بوثاقته الشيخ في الفهرست.(فهرست الشيخ: 104، برقم 335).
فالرواة إلى هنا كلّهم ثقات.
ب – علقمة بن محمّد الحضرمي أعني: علقمة بن محمد الحضرمي:
وأمّا علقمة فعدّه الشيخ في رجاله في أصحاب الباقر "عليه السلام"، والصادق "عليه السلام" .(رجال الشيخ: 140، قسم اصحاب الباقر "عليه السلام"، برقم38 وقسم اصحاب الصادق "عليه السلام" ص262، برقم641) وليست في الكتب الرجالية تصريحاً بوثاقته، ولكن القرائن تدلّ على وثاقته:
1- روى الكشي عن بكار بن أبي بكر الحضرمي، قال: دخل أبو بكر وعلقمة على زيد بن علي وكان علقمة أكبر من أبيه فجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره وكان بلغهما انّه قال: «ليس الإمام منّا من أرخى عليه ستره، إنّما الإمام من شهر سيفه».
فقال له أبو بكر ـ و كان أجرأهما ـ : يا أبا الحسين أخبرني عن علي بن أبي طالب "عليه السلام" أكان إماماً و هو مرخ عليه ستره أو لم يكن إماماً حتى خرج و شهر سيفه، وكان زيد يبصر الكلام فسكت فلم يجبه، فرد عليه الكلام ثلاث مرات كلّ ذلك لا يجيبه بشيء.
قال له أبو بكر: إن كان علي بن أبي طالب "عليه السلام" إماماً فقد يجوز أن يكون بعده إمام مرخ ستره، وإن لم يكن إماماً وهو مرخ عليه ستره فأنت ما جاء بك هاهنا.
فطلب علقمة من أبي بكر أن يكف عنه فكف.(الكشي: رقم الترجمة16و417) والحديث يكشف عن أنّ الأخوين كانا على بصيرة من أمر الإمامة.
2- ما سيوافيك عند دراسة السند الثالث للشيخ من أنّ سيف بن عميرة الثقة، اعترض على صفوان بن مهران الثقة بأنّ ما دعا به، لم يرد في رواية العلقمي عن الباقر "عليه السلام" واعتذر صفوان ـ بما سيوافيك في محله ـ بأنّه سمعه من الإمام الصادق "عليه السلام" عند زيارته لجدّه الحسين. فالاحتجاج بعدم نقله، والجواب عنه بأنّه سمعه من الإمام الصادق "عليه السلام" ، حاك عن تسليم الرجلين الثقتين، الوثاقة علقمة بن محمد الحضرمي، وإلاّلما احتجّ به «سيف بن عميرة»، ولما أجاب عنه صفوان بالسماع عن الصادق "عليه السلام" .
وبذلك يعلم: أنّ الدعاء الوارد بعد الزيارة ليس لعلقمة وإن اشتهر بأنّه منه بل هو لصفوان بن مهران.
فخرجنا بالنتيجة التالية:
1- سند الشيخ إلى كتاب محمد بن إسماعيل بن بزيع صحيح في الفهرست.
2- أنّ محمد بن إسماعيل بن بزيع ثقة بالاتفاق.
3- انّ سيف بن عميرة ثقة، صرّح بها النجاشي.
4- علقمة بن محمد الحضرمي، ثقة حسب القرائن التي عرفتها.
إلى هنا تمّ السند الثاني، فلو قلنا بوثاقة علقمة كما هو الحقّ فالسند صحيح وإلاّ فهو حسن بالمدح العام.
السند الثالث إلى نص الزيارة:
إنّ للشيخ سنداً ثالثاً في «مصباح المتهجد» إلى نصّ الزيارة نأتي بنصه:
قال الشيخ الطوسي:
وروى محمد بن خالد الطيالسي عن سيف بن عميرة، قال: خرجت مع صفوان بن مهران الجمّال وعندنا جماعة من أصحابنا بعد ما خرج أبو عبد اللّه "عليه السلام" [فسرنا](الظاهر أنّه زائد وإن قوله: « من الحيرة إلى المدينة » متعلق بقوله: «خرج أبو عبد الله») من الحيرة إلى المدينة.
فلما فرغنا من الزيارة صرف صفوان وجهه إلى ناحية أبي عبد اللّه[الحسين] "عليه السلام"، فقال لنا:
تزورون الحسين "عليه السلام" من هذا المكان من عند رأس أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه من هاهنا، وأومى إليه أبو عبد اللّه[الصادق] "عليه السلام" وأنا معه.
قال: فدعا صفوان بالزيارة التي رواها علقمة بن محمد الحضرمي عن أبي جعفر "عليه السلام" في يوم عاشوراء ثمّ صلّى ركعتين عند رأس أمير المؤمنين "عليه السلام" وودّع في دبرهما أمير المؤمنين "عليه السلام" وأومى إلى الحسين بالسلام منصرفاً بوجهه نحوه وودّع وكان فيما دعاه في دبرها.
يا اللّه، يا اللّه، يا اللّه، يا مجيب دعوة المضطرين....[الدعاء المعروف بدعاء علقمة].
والرواية صريحة في أنّ صفوان زار الإمام الحسين "عليه السلام" بالزيارة التي رواها علقمة بن محمد الحضرمي وفي آخر الرواية، قال: سيف بن عميرة، فسألت صفوان: انّ علقمة بن محمد الحضرمي لم يأت بهذا (الدعاء) أعني: يا اللّه يا اللّه يا اللّه، يا مجيب دعوة المضطرين... وإنّما أتانا بدعاء الزيارة(أي نصّ الزيارة)، فقال صفوان: وردت مع سيدي أبا عبد اللّه "عليه السلام" إلى هذا المكان ففعل مثل الذي فعلناه في زيارتنا ودعا بهذا الدعاء عند الوداع.(مصباح المتهجد: 718 و719 و723) فالاختلاف إنّما كان في الدعاء الذي يُقرأ بعد الزيارة بعد تسليم نصّها المعروف.
إنّ الشيخ أخذ الرواية من كتاب محمد بن خالد الطيالسي وذكر سنده إلى كتابه في «الفهرست» وقال: له كتاب رويناه عن الحسين بن عبيد اللّه(الغضائري)، عن أحمد بن محمد بن يحيى (شيخ الصدوق)، عن أبيه (محمد بن يحيى العطار القمي)، عن محمد بن علي بن محبوب، عنه.(فهرست الشيخ: 176، برقم 648)، وسنده إلى الكتاب صحيح، وأحمد بن محمد بن يحيى من مشايخ الصدوق وينقل عنه مع الترضّـي عليه، والمشايخ في غنى عن التوثيق.
إذا علمت ذلك فاعلم انّ الحكم بصحة السند، يتوقف على دراسة أحوال الرواة الواردين فيه وهم :
1- محمد بن خالد الطيالسي.
2- سيف بن عميرة.
3- صفوان بن مهران الجمال.
أمّا الثاني أعني سيف بن عميرة فقد عرفت أنّ النجاشي وثّقه، وبقي الكلام في الأوّل والثالث. أمّا محمد بن خالد الطيالسي فقد عدّه الشيخ في رجاله في أصحاب الكاظم "عليه السلام" (رجال الشيخ: 343 من أصحاب الكاظم "عليه السلام" ، برقم26 ولاحظ أيضاً باب من لم يرو عن الأئمة برقم11) وتؤيد وثاقته رواية المشايخ الأعاظم عنه نظراء:
1- علي بن الحسن بن فضال.
2- سعد بن عبد اللّه القمي.
3- حميد بن زياد قال الشيخ في فهرسته(فهرست الشيخ: 176، برقم648): محمد بن خالد الطيالسي يكنى أبا عبد اللّه روى عنه حميد أُصولاً كثيرة.
4- علي بن إبراهيم القمي.
5- محمد بن علي بن محبوب.
6- محمد بن يحيي المعادي.
7- معاوية بن حكيم.(معجم رجال الحديث: 17، 76)
وقال النجاشي: محمد بن خالد بن عمر الطيالسي التميمي أبو عبد اللّه مات لثلاث بقين من جمادي الآخرة سنة 259وهو ابن 97سنة.(رجال النجاشي: 2: 229، برقم911) ولعلّ هذا المقدار يثبت وجاهته في الحديث وانّ له منزلة عند المحدّثين، فيكون إماميّاً ممدوحاً بل مقبول الرواية.
وأمّا الثالث، أعني: صفوان بن مهران فهو كوفي ثقة، يكنّى أبا عبد اللّه. (رجال النجاشي: 1: 440، برقم523).
إلى هنا تمت دراسة أسانيد الشيخ الثلاثة،
فخرجنا بالنتيجة التالية:
إنّ السند الأوّل من الأسانيد الثلاثة، طريق الشيخ إلى ما يترتب على زيارة الحسين " عليه السَّلام" على وجه الإطلاق من الثواب، وهو ليس بمطروح عندنا في هذا المقال، وإنّما ذكرناه استطراداً، لأنّ الشيخ روى الجميع في مقام واحد.
وأمّا السند الثاني فرواه الشيخ: عن سيف بن عميرة وهو ثقة بالاتفاق.
عن علقمة بن محمد الحضرمي ولم يصرح بوثاقته وإنّما دلّت القرائن على وثاقته.
وأمّا السند الثالث فرواه الشيخ:
عن محمد بن خالد الطيالسي، عن سيف بن عميرة، عن صفوان بن مهران. والأخيران ثقتان والأوّل لم يصرح بوثاقته وإنّما دلّت القرائن على مقبولية روايته في الحديث. فحان البحث عن سند ابن قولويه إلى نصّ الزيارة.
سند ابن قولويه إلى زيارة عاشوراء:
روى ابن قولويه في كتاب «كامل الزيارات» زيارة عاشوراء بالسند الاتي: حدثني حكيم بن داود بن حكيم وغيره.
عن محمد بن موسى الهمداني،
عن محمد بن خالد الطيالسي،
عن سيف بن عميرة وصالح بن عقبة جميعاً،
عن علقمة بن محمد الحضرمي،
عن أبي جعفر الباقر "عليه السلام" قال: «من زار الحسين يوم عاشوراء حتّى يظلّ عنده باكياً لقى اللّه عزّوجلّ يوم القيامة بثواب ألفي حجّة...».
ومحمد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن مالك الجهني، عن أبي جعفر الباقر "عليه السلام" قال: «من زار الحسين ـ عليه السَّلام ـ يوم عاشوراء من محرم حتى يظل عنده...».(كامل الزيارات: 174، الباب71) وقد تمّ السند الأوّل بقوله: «عن علقمة بن محمد الحضرمي» ثمّ ابتدأ بسند آخر وقال: ومحمد بن إسماعيل عن صالح بن عقبة.
وعلى ذلك ففي قوله: ومحمد بن إسماعيل احتمالان:
الأوّل: انّ ابن قولويه شرع بأوّل السند وأخذ الرواية عن كتاب محمد بن إسماعيل بن بزيع لما عرفت من أنّ الشيخ روى نفس الزيارة عن ذلك الكتاب، وطريقه إليه صحيح فينتج قيام الحجة على وجود نصّ الزيارة في ذلك الكتاب وقد تناول كلّ من العلمين الطوسي وابن قولويه نقلها من ذلك الكتاب، غير انّا نعلم بسند الشيخ إلى الكتاب ولا نعلم سند ابن قولويه إليه، ولكنّه لا يضر بصحّة الرواية للعلم بوجود الرواية في ذلك الكتاب عن طريق الشيخ.
وهذا الاحتمال هو الأوجه وعليه يكون لابن قولويه سندان إلى زيارة عاشوراء.
الثاني: انّ قوله «ومحمد بن إسماعيل» عطف على قوله: «محمد بن خالد الطيالسي» وانّ سند ابن قولويه إلى كتاب محمد بن إسماعيل نفس سنده إلى كتاب محمد بن خالد الطيالسي، فيروي كتاب ابن بزيع عن الطريق الذي يروي به كتاب الطيالسي. وعلى ذلك يكون سنده إليه كالتالي:
حكيم بن داود، عن محمد بن موسى الهمداني، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع; وهذا الاحتمال بعيد.
وثمة احتمال ثالث لا يتفوّه به من له إلمام بالرجال، وهو انّ قوله «ومحمد بن إسماعيل» عطف على قوله:«علقمة بن محمد الحضرمي» وجزء من السند السابق، لانّه بعيد عن الصواب غاية البعد، لأنّ علقمة من أصحاب الباقر والصادق "عليهما السلام" وابن بزيع من أصحاب الرضا والجواد "عليهما السلام" ، ومع الاختلاف في الطبقة كيف يعطف المتاخر طبقة، على المتقدم كذلك؟!
إذا عرفت ذلك فلنتاول رواة السند الأوّل بالبحث.
1- حكيم بن داود بن حكيم:
أحد مشايخ جعفر بن قولويه وقد وثّق مشايخه إجمالاً في أوّل كتابه فقال: لا يذكر في كتابه إلاّما وقع له من جهة الثقات، وروى عنه في كامل الزيارات في الباب الثاني، الحديث11 والباب 54 الحديث الثالث.(قاموس الرجال:3 ، برقم2385) مضافاً إلى الباب 71، الحديث 9.
2- محمد بن موسى بن عيسى الهمداني:
ذكره النجاشي بقوله: محمد بن موسى بن عيسى أبو جعفر الهمداني السمان، يروي عنه محمد بن يحيى العطار القمي على ما في طريق النجاشي إلى كتابه، حيث قال: أخبرنا ابن شاذان، عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن أبيه، عنه بكتبه.
كما يروي عنه محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، الذي هو شيخ مشايخ الكليني، وقد ورد في أسناد نوادر الحكمة، للأشعري، غير انّ الغضائري ضعّفه، ومع ذلك قال: ضعيف، يروي عن الضعفاء ويجوز أن يخرج شاهداً.
وضعّفه ابن الوليد أُستاذ الصدوق.
غير انّ تضعيف هؤلاء يرجع إلى الاختلاف في مقامات الأئمّة فانّ للقميين وعلى رأسهم محمد بن الوليد عقائد خاصة في حقّ أهل البيت "عليهما السلام" ربما لا يرتضيه محقّقو الإمامية.
يقول الشيخ المفيد في تصحيح الاعتقاد: وقد سمعنا حكاية ظاهرة عن أبي جعفر محمد بن الحسن بن الوليد لم نجد لها دافعاً في التفسير وهي ما حكي عنه انّه قال: أوّل درجة في الغلو نفي السهو عن النبي والإمام "عليه السلام" ، فإن صحّت هذه الحكاية عنه فهو مقصر مع أنّه من علماء القميين ومشيختهم، وقد وجدنا جماعة وردوا إلينا من قم يقصرون تقصيراً ظاهراً في الدين وينزلون الأئمّة "عليهم السلام" عن مراتبهم ويزعمون انّهم كانوا لا يعرفون كثيراًمن الأحكام الدينية حتى ينكت في قلوبهم، ورأينا في أُولئك من يقول انّهم ملتجئون في حكم الشريعة إلى الرأي والظنون ويدّعون مع ذلك انّهم من العلماء، وهذا هو التقصير الذي لا شبهة فيه.(تصحيح الاعتقاد:66)
وعلى هذا فلا بعد أن يكون تضعيفه من جانب ابن الوليد لأجل اختلافهما في مقامات الأئمّة، ولأجل ذلك لما نقل النجاشي قول ابن الوليد بأنّه يقول كان يضع الحديث، عقّبه بقوله(واللّه أعلم).(رجال النجاشي:2: 227).
3- محمد بن خالد الطيالسي قد مرت ترجمته عند دراسة السند الثالث للشيخ الطوسي وقد دلّت القرائن على كونه مقبول الرواية.
4- سيف بن عميرة قد مرّ انّه ثقة بلا إشكال.
5- صالح بن عقبة مرّت ترجمته عند دراسة السند الأوّل للشيخ. وانّه امامي ممدوح بالمدح العام.
6- علقمة بن محمد الحضرمي تقدّمت ترجمته عند دراسة سند الشيخ إليه، وقلنا بأنّ القرائن تدلّ على وثاقته.
الى هناتمّ السند الأوّل للشيخ بن قولويه.
وإليك دراسة السند الثاني.
دراسة السند الثاني لابن قولويه:
روى محمد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن مالك الجهني، عن أبي جعفر الباقر "عليه السلام" : (من زار الحسين "عليه السلام" يوم عاشوراء من محرم حتّى يظل عنده باكياً...)
وهذا السند غني عن الدراسة إلاّ ترجمة مالك الجهني، فانّ محمد بن إسماعيل و صالح بن عقبة قد تقدمت ترجمتهما، وأمّا مالك الجهني فقدعدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الباقر ومن أصحاب الصادق عليمها السَّلام قائلاً: الكوفي مات في حياة أبي عبد اللّه "عليه السلام" .(رجال الشيخ: 145، قسم أصحاب الباقر "عليه السلام"، برقم11 وأصحاب الصادق "عليه السلام" ص302 برقم458) ويمكن استظهار وثاقته من الأُمور التالية:
الأوّل: ما رواه علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن يحيى الحلبي، عن مالك الجهني، قال: قال أبوجعفر: يا مالك أنتم شيعتنا ألا ترى انّك تفرّط في أمرنا، إنّه لا يقدر على صفة اللّه فكما لا يقدر على صفة اللّه، كذلك لا يقدر على صفتنا، وكما لا يقدر على صفتنا كذلك لا يقدر على صفة المؤمن، إنّ المؤمن ليلقى المؤمن فيصافحه، فلا يزال اللّه ينظر إليهما والذّنوب تتحاتُّ عن وجوههما، كما يتحاتُّ الورق من الشّجر، حتّى يفترقا، فكيف يقدر على صفة من هو كذلك.(الكافي: 2، 180، ح6)، والرواية وإن كانت تنتهي إلى نفس مالك الجهني لكن اعتناء علي بن إبراهيم القمي ومحمد بن عيسى بن عبيد ويونس بن عبد الرحمن بنقلها حاك عن اعتمادهم على روايته.
الثاني: روى الكليني، عن عيسى الحلبي، عن ابن مسكان، عن مالك الجهني قال: قال لي أبو عبد اللّه : يا مالك أما ترضون أن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتكفّوا وتدخلوا الجنّة؟ يا مالك إنّه ليس من قوم ائتموا بإمام في الدنيا إلاّجاء يوم القيامة يلعنهم ويلعنونه إلاّ أنتم ومن كان على مثل حالكم، يا مالك إنّ الميت واللّه منكم على هذا الأمر لشهيد بمنزلة الضارب بسيفه في سبيل اللّه.(الروضة:146، برقم122)
الثالث: انّ مدحه للإمام الباقر ـ عليه السَّلام ـ يعرب عن وقوفه بمقام الإمام و انّه كان يجاهر بالولاء يوم كان الجهر به محظوراً، وقال:
إذا طلب الناس علم القرآن كانت قريش عليه عيالا وإن قيل أين ابن بنت النبي نلت بذاك فروعاً طوالاً نجوم تهلّل للمدلجين جبال تورّث علماً جبالاً(الارشاد:262)
الخاتمة:
هذه إشارة سريعة إلى أسانيد زيارة عاشوراء، وقد عرفت صحّة بعضها ومقبولية البعض الآخر، والمجموع يشد بعضه بعضاً ويورث العلم أو الاطمئنان المتاخم للعلم بصدور الرواية عن المعصوم "عليه السلام" مضافاً إلى أمرين:
1- اتفاق العصابة ومواظبتهم على قراءتها عبر القرون وهي إحدى القرائن على صدور الرواية.
2- انّ الإمعان في مضمون الزيارة يعرب عن أنّه صدر من قلب ملؤه الشجون والأحزان، لا يسكن دمعه ولوعه إلاّ بأخذ الثأر، وهو يتفق بذلك مع مضامين سائر الروايات الواردة في الأدعية والزيارات.
ما هو رأي علماء مذهب أهل البيت "عليهم السلام" في سند زيارة الإمام الحسين "عليه السلام" في يوم عاشوراء ؟
الجواب:
إنّ زيارة سيد الشهداء في العاشر من محرم وردت بطرق خمسة، رواها شيخ الطائفة بطرق ثلاثة غير أنّ السند الأوّل يختصّ ببيان ثواب الزيارة دون النصّ المعروف، والأخيرين طريقان لنفس النصّ، ويعلم ذلك بالإمعان في ما نقله الشيخ في هذا المضمار.
ورواها ابن قولويه بطريقين، فيكون الطرق إليها خمسة وإليك الأسانيد بنصها وتحليلها قال الشيخ الطوسي: روى محمد بن إسماعيل بن بزيع، عن صالح بن عقبة، عن أبيه، عن أبي جعفر "عليه السلام" ، قال: «من زار الحسين بن علي عليهما السَّلام في يوم عاشوراء من محرم الحرام حتّى يظلّ عنده باكياً القى اللّه عزّ وجلّ يوم يلقاه ثواب ألفي حجة وألفي عمرة وألفي غزوة، ثواب كلّ غزوة وحجّة وعمرة كثواب من حجّ واعتمر وغزا مع رسول اللّه "صلَّى الله عليه وآله وسلَّم" ومع الأئمة الراشدين».
قال: قلت جعلت فداك فما لمن كان في بعيد البلاد وأقاصيه ولم يمكنه المصير إليه في ذلك اليوم؟
قال: «إذا كان كذلك برز إلى الصحراء أو صعد سطحاً مرتفعاً في داره وأومأ إليه بالسلام واجتهد في الدعاء على قاتله وصلّى من بعدُ ركعتين، وليكن ذلك في صدر النهار قبل أن تزول الشمس، ثمّ ليندب الحسين "عليه السَّلام" ويبكيه، ويأمر من في داره ممن لا يتّقيه بالبكاء عليه، ويقيم في داره المصيبة بإظهار الجزع عليه، وليعزَّ بعضهم بعضاً بمصابهم بالحسين "عليه السَّلام" ، وأنا الضامن لهم إذا فعلوا ذلك على اللّه تعالى جميع ذلك».
قلت: جعلت فداك أنت الضامن ذلك لهم والزعيم؟!
قال: «أنا الضامن وأنا الزعيم لمن فعل ذلك».
قلت: فكيف يُعزّي بعضنا بعضاً؟
قال:« تقولون: أعظم اللّه أُجورنا بمصابنا بالحسين "عليه السَّلام" وجعلنا وإيّاكم من الطالبين بثاره مع وليه الإمام المهدي من آل محمد "عليهم السَّلام" ، وإن استطعت أن لا تنتشر يومك في حاجة فافعل فانّه يوم نحس لا يُقضى فيه حاجة مؤمن، فإن قضيت لم يبارك له فيها ولم ير فيها رشداً، ولا يدَّخرن أحدكم لمنزله فيه شيئاً فمن ادّخر في ذلك اليوم شيئاً لم يبارك له فيما ادّخره ، ولم يبارك له في أهله ، فإذا فعلوا ذلك كتب اللّه تعالى لهم أجر ثواب ألف حجّة وألف عمرة وألف غزوة كلّها مع رسول اللّه ـ صلَّى الله عليه وآله وسلَّم ـ وكان له أجر وثواب مصيبة كلّ نبي ورسول ووصي وصدّيق وشهيد مات أو قتل منذ خلق اللّه الدنيا إلى أن تقوم الساعة».(مصباح المتهجّد، 713) إلى هنا تمّ سند الشيخ إلى بيان ثواب زيارة الحسين يوم عاشوراء دون أن يذكر فيه نصّ خاص للزيارة، بل اقتصرت الرواية في نيل الثواب على ما جاء في الرواية من البروز إلى الصحراء أو الصعود إلى السطح المرتفع والإيماء إليه بالسلام والاجتهاد في الدعاء على قاتله... إلى آخر ما جاء في نفس الرواية، وليس فيها أي أثر من الزيارة الخاصة التي نحن بصدد تقويم سندها.
وإليك دراسة سندها:
إنّ الشيخ أخذ الرواية من كتاب محمد بن إسماعيل بن بزيع، ونقل سنده إلى كتابه في الفهرست بالنحو التالي: ابن أبي جيد، عن محمد بن الحسن بن الوليد، عن علي بن إبراهيم، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع.(الفهرست: 165 باب محمّد: برقم606، وذكره أيضاً ص183 برقم705) وعلى هذا فالشيخ يروي ثواب زيارة الحسين ـ عليه السَّلام ـ في يوم عاشوراء عن المشايخ التالية:
1. ابن أبي جيد.
2. محمد بن الحسن بن الوليد.
3. علي بن إبراهيم.
4. محمد بن إسماعيل بن بزيع.
5. صالح بن عقبة.
6. عقبة بن قيس.
7. عن أبي جعفر الباقر "عليه السَّلام".
وإليك دراسة أحوالهم:
محمد بن الحسن بن الوليد:
محمد بن الحسن بن الوليد(المتوفّى عام 343هـ) وهو من مشايخ الطائفة وأجلاّئها، غني عن الوصف والبيان، ويصدر عنه الشيخ الصدوق في التعديل والتجريح.
علي بن إبراهيم القمي:
علي بن إبراهيم وهو شيخ الكليني الذي كان حيّاً عام 307هـ، وهو من مشايخ الطائفة الذين لا يُشق غبارهم.
محمّد بن إسماعيل بن بزيع:
محمّد بن إسماعيل بن بزيع من أصحاب أبي الحسن الأوّل والرضا والجواد "عليه السلام" ، يقول الشيخ في رجاله: ثقة صحيح كوفي.(رجال الشيخ: 364، أصحاب الرضا "عليه السلام" ، برقم6) ويقول النجاشي: من صالحي هذه الطائفة وثقاتهم، كثير العمل (رجال النجاشي: 2: 214 برقم894).
صالح بن عقبة:
صالح بن عقبة بن قيس بن سمعان عرّفه النجاشي بقوله: صالح بن عقبة بن قيس بن سمعان بن أبي ربيحة.
روى عن أبيه عن جدّه. وروى عن زيد الشحام. روى عنه محمد بن الحسين بن أبي الخطاب. وابنه إسماعيل بن صالح بن عقبة.(رجال النجاشي: 1: 444، برقم 530) وليس المراد منه صالح بن عقبة بن خالد الأسدي، وذلك لأنّ محمد بن إسماعيل بن بزيع يروي عنه بواسطة محمد بن أيوب كما يظهر من طريق النجاشي إلى كتاب خالد الأسدي، حيث قال، بعد ذكر عدّة من المشايخ: ... عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عن محمد بن أيّوب عن صالح بن عقبة بن خالد الأسدي.(رجال النجاشي: 1: 445، برقم532) كما أنّ الشيخ اقتصر على ذكر شخص واحد، وقال : صالح بن عقبة له كتاب أخبرنا به ابن أبي جيد عن ابن الوليد عن الصفار محمد بن الحسين عن محمد بن إسماعيل بن بزيع عنه.(الفهرست: 110، برقم 364) ومراده هو: صالح بن عقبة بن قيس لا خالد الأسدي. فما احتمله المحقّق التستري (ره) ليس في محلّه.(قاموس الرجال: 5: 65 برقم: 3633) إذا ظهر ذلك فاعلم: أنّ الضابطة في كلّ ما يذكره النجاشي هو انّه إماميّ فلو كان غير إمامي لتعرض إلى مذهبه، كما أنّه لو كان قدح فيه لذكره.
وعلى ذلك بنى جمع من علمائنا الرجاليين كالسيد بحر العلوم الطباطبائي رحمه اللّه في الفائدة العاشرة من فوائده الرجالية.(الفوائد الرجالية: 4: 114) فذهب إلى أنّ جميع من ذكره الطوسي والنجاشي في كتابيهما من الشيعة الإمامية صحيح المذهب، ممدوح بمدح عام يقتضيه الوضع لذكر المصنفين العلماء والاعتناء بشأنهم وشأن كتبهم وذكر الطريق إليهم وذكر من روى عنهم و من رووا عنه إلاّ من نص فيه على خلاف ذلك من الرجال كالزيدية والفطحية والواقفية وغيرهم، وعلى ضوء ذلك فهو إمامي ممدوح بمدح عام والذي جاء سبباً لذكره في الكتب. هذا من جانب ومن جانب آخر يروي عنه شيخان عظيمان من مشايخ الشيعة الكبار هما:
محمد بن الحسين بن أبي الخطاب(المتوفّى عام 262هـ).
ومحمد بن إسماعيل بن بزيع من كبار مشايخ الشيعة.
نعم ضعّفه ابن الغضائري، كما نقله العلاّمة في خلاصته وقال: غال، كذّاب لا يلتفت إليه.(الخلاصة ، القسم الثاني ص423، رجال النجاشي، برقم894) ، ولكن ذم الغضائري لا يعتد به، لأنّه قدح كثيراً من ثقاتنا وعلمائنا الذين لا يُشق غبارهم وقد كان له عقائد خاصّة في حقّ الأئمّة الاثني عشر فمن تجاوز عنها وصفه بالغلو، ومن روى رواية في ذلك الموضوع برواية لا توافق عقيدته وصفه بالكذب و لذلك رتب في كلامه على كونه غالياً، قوله: كذّاباً لا يلتفت إليه. وهذا دليل على أنّ وصفه بالكذب، لتوهم الغلوّ فيه.
كيف يمكن أن يوصف بالغلو والكذب من هو من مشايخ محمد بن الحسين بن أبي الخطاب أو محمد بن إسماعيل بن بزيع الذي ذكر عند الرضا "عليه السلام" فقال:«وددت انّ فيكم مثلَه» ومن اعتنى بذكره وذكر كتابه الشيخان النجاشي والطوسي. فوثاقته قويّة وروايته معتبرة.
عقبة بن قيس بن سمعان:
عنونه الشيخ في رجاله وعدّه من أصحاب الإمام الباقر "عليه السلام" (رجال الشيخ: 142، اصحاب الإمام الباقر "عليه السلام"، برقم74)، وكونه من أصحاب الإمام الباقر "عليه السلام" يدلّ على أنّه إمامي ولم يظفر الشيخ بشيء من الذم فيه.
إلى هنا تمت دراسة السند الأوّل للشيخ إلى بيان ثواب زيارة الحسين في يوم عاشوراء.
والسند لا بأس به وهو من الحسن بمعنى الممدوح بالمدح العام لا الممدوح بالمدح الخاص.
المهم في المقام هو دراسة سند الشيخ إلى نصّ الزيارة ، قال قدَّس سرَّه:
صالح بن عقبة، وسيف بن عميرة، قال علقمة بن محمد الحضرمي، قلت لأبي جعفر "عليه السلام": علّمْني دعاء أدعو به ذلك اليوم إذ أنا زرته من قرب وأومأت من بعد البلاد، ومن داري بالسلام إليه.
قال: فقال لي يا علقمة: إذا أنت صليت الركعتين بعد أن تومئ إليه بالسلام فقل عند الإيماء إليه من بعد التكبير هذا القول، فانّك إذا قلت ذلك فقد دعوت بما يدعوا بن زوّاره من الملائكة، وكتب اللّه لك مائة ألف ألف درجة وكنت كمن استشهد مع الحسين "عليه السَّلام" حتى تشاركهم في درجاتهم ثمّ لا تعرف إلاّ مع الشهداء الذين استشهدوا معه وكتب لك ثواب زيارة كلّ نبي وكلّ رسول وزيارة كلّ من زار الحسين "عليه السلام" منذ يوم قتل "عليه السلام" وعلى أهل بيته.
الزيارة:
السّلام عليك يا أبا عبد اللّه، السّلام عليك يابن رسول اللّه، السّلام عليك يابن أمير المؤمنين وابن سيد الوصيين، السّلام عليك يابن فاطمة سيدة نساء العالمين....
ثمّ قال - بعد السلام مرّة واللعن مرة - : ثمّ تسجد و تقول:
اللّهمّ لك الحمد، حمد الشاكرين، لك على مصابهم، الحمد للّه على عظيم رزّيتي، اللّهمّ ارزقني شفاعة الحسين "عليه السَّلام" يوم الورود، وثبت لي قدم صدق عندك مع الحسين وأصحاب الحسين الذين بذلوا مهجهم دون الحسين "عليه السلام".
قال علقمة: قال أبو جعفر "عليه السَّلام" : وإن استطعت أن تزوره في كلّ يوم بهذه الزيارة من دارك فافعل فلك ثواب جميع ذلك.(مصباح المتهجّد: 715 - 718) إلى هنا تمت زيارة عاشوراء سنداً و متناً، وإليك دراسة السند فنقول:
سياق العبارة ظاهر في أنّ الشيخ أخذ الرواية من كتاب محمد بن إسماعيل بن بزيع الذي لا كلام في وثاقته، إنّما الكلام فيمن يروي هو عنه، فقد روى محمد بن إسماعيل نصّ الزيارة بالسند التالي:
أ - صالح بن عقبة وسيف بن عميرة:
أمّا صالح بن عقبة فقد تقدمت ترجمته وقد عرفت أنّه في الكتب الرجاليّة إمامي ممدوح بالمدح العام لا الخاص، ولكن دلّت القرائن على كونه مقبول الرّواية وإنّ ذم الغضائري لا يعتد به، فلو افترضنا عدم ثبوت وثاقته، فلا يضرّ بصحّة هذا السند لأنّ محمد بن إسماعيل بن بزيع يروي نص الزيارة عن شخصين، أحدهما صالح بن عقبة والآخر سيف بن عميرة والثاني (سيف بن عميرة) ثقة بلا كلام.
قال النجاشي: سيف بن عميرة النخعي، عربي، كوفي، ثقة، يروي عن أبي عبد اللّه وأبي الحسن، له كتاب يرويه عنه جماعات من أصحابنا.(رجال النجاشي، 1: 425، برقم 502) وصرّح بوثاقته الشيخ في الفهرست.(فهرست الشيخ: 104، برقم 335).
فالرواة إلى هنا كلّهم ثقات.
ب – علقمة بن محمّد الحضرمي أعني: علقمة بن محمد الحضرمي:
وأمّا علقمة فعدّه الشيخ في رجاله في أصحاب الباقر "عليه السلام"، والصادق "عليه السلام" .(رجال الشيخ: 140، قسم اصحاب الباقر "عليه السلام"، برقم38 وقسم اصحاب الصادق "عليه السلام" ص262، برقم641) وليست في الكتب الرجالية تصريحاً بوثاقته، ولكن القرائن تدلّ على وثاقته:
1- روى الكشي عن بكار بن أبي بكر الحضرمي، قال: دخل أبو بكر وعلقمة على زيد بن علي وكان علقمة أكبر من أبيه فجلس أحدهما عن يمينه والآخر عن يساره وكان بلغهما انّه قال: «ليس الإمام منّا من أرخى عليه ستره، إنّما الإمام من شهر سيفه».
فقال له أبو بكر ـ و كان أجرأهما ـ : يا أبا الحسين أخبرني عن علي بن أبي طالب "عليه السلام" أكان إماماً و هو مرخ عليه ستره أو لم يكن إماماً حتى خرج و شهر سيفه، وكان زيد يبصر الكلام فسكت فلم يجبه، فرد عليه الكلام ثلاث مرات كلّ ذلك لا يجيبه بشيء.
قال له أبو بكر: إن كان علي بن أبي طالب "عليه السلام" إماماً فقد يجوز أن يكون بعده إمام مرخ ستره، وإن لم يكن إماماً وهو مرخ عليه ستره فأنت ما جاء بك هاهنا.
فطلب علقمة من أبي بكر أن يكف عنه فكف.(الكشي: رقم الترجمة16و417) والحديث يكشف عن أنّ الأخوين كانا على بصيرة من أمر الإمامة.
2- ما سيوافيك عند دراسة السند الثالث للشيخ من أنّ سيف بن عميرة الثقة، اعترض على صفوان بن مهران الثقة بأنّ ما دعا به، لم يرد في رواية العلقمي عن الباقر "عليه السلام" واعتذر صفوان ـ بما سيوافيك في محله ـ بأنّه سمعه من الإمام الصادق "عليه السلام" عند زيارته لجدّه الحسين. فالاحتجاج بعدم نقله، والجواب عنه بأنّه سمعه من الإمام الصادق "عليه السلام" ، حاك عن تسليم الرجلين الثقتين، الوثاقة علقمة بن محمد الحضرمي، وإلاّلما احتجّ به «سيف بن عميرة»، ولما أجاب عنه صفوان بالسماع عن الصادق "عليه السلام" .
وبذلك يعلم: أنّ الدعاء الوارد بعد الزيارة ليس لعلقمة وإن اشتهر بأنّه منه بل هو لصفوان بن مهران.
فخرجنا بالنتيجة التالية:
1- سند الشيخ إلى كتاب محمد بن إسماعيل بن بزيع صحيح في الفهرست.
2- أنّ محمد بن إسماعيل بن بزيع ثقة بالاتفاق.
3- انّ سيف بن عميرة ثقة، صرّح بها النجاشي.
4- علقمة بن محمد الحضرمي، ثقة حسب القرائن التي عرفتها.
إلى هنا تمّ السند الثاني، فلو قلنا بوثاقة علقمة كما هو الحقّ فالسند صحيح وإلاّ فهو حسن بالمدح العام.
السند الثالث إلى نص الزيارة:
إنّ للشيخ سنداً ثالثاً في «مصباح المتهجد» إلى نصّ الزيارة نأتي بنصه:
قال الشيخ الطوسي:
وروى محمد بن خالد الطيالسي عن سيف بن عميرة، قال: خرجت مع صفوان بن مهران الجمّال وعندنا جماعة من أصحابنا بعد ما خرج أبو عبد اللّه "عليه السلام" [فسرنا](الظاهر أنّه زائد وإن قوله: « من الحيرة إلى المدينة » متعلق بقوله: «خرج أبو عبد الله») من الحيرة إلى المدينة.
فلما فرغنا من الزيارة صرف صفوان وجهه إلى ناحية أبي عبد اللّه[الحسين] "عليه السلام"، فقال لنا:
تزورون الحسين "عليه السلام" من هذا المكان من عند رأس أمير المؤمنين صلوات اللّه عليه من هاهنا، وأومى إليه أبو عبد اللّه[الصادق] "عليه السلام" وأنا معه.
قال: فدعا صفوان بالزيارة التي رواها علقمة بن محمد الحضرمي عن أبي جعفر "عليه السلام" في يوم عاشوراء ثمّ صلّى ركعتين عند رأس أمير المؤمنين "عليه السلام" وودّع في دبرهما أمير المؤمنين "عليه السلام" وأومى إلى الحسين بالسلام منصرفاً بوجهه نحوه وودّع وكان فيما دعاه في دبرها.
يا اللّه، يا اللّه، يا اللّه، يا مجيب دعوة المضطرين....[الدعاء المعروف بدعاء علقمة].
والرواية صريحة في أنّ صفوان زار الإمام الحسين "عليه السلام" بالزيارة التي رواها علقمة بن محمد الحضرمي وفي آخر الرواية، قال: سيف بن عميرة، فسألت صفوان: انّ علقمة بن محمد الحضرمي لم يأت بهذا (الدعاء) أعني: يا اللّه يا اللّه يا اللّه، يا مجيب دعوة المضطرين... وإنّما أتانا بدعاء الزيارة(أي نصّ الزيارة)، فقال صفوان: وردت مع سيدي أبا عبد اللّه "عليه السلام" إلى هذا المكان ففعل مثل الذي فعلناه في زيارتنا ودعا بهذا الدعاء عند الوداع.(مصباح المتهجد: 718 و719 و723) فالاختلاف إنّما كان في الدعاء الذي يُقرأ بعد الزيارة بعد تسليم نصّها المعروف.
إنّ الشيخ أخذ الرواية من كتاب محمد بن خالد الطيالسي وذكر سنده إلى كتابه في «الفهرست» وقال: له كتاب رويناه عن الحسين بن عبيد اللّه(الغضائري)، عن أحمد بن محمد بن يحيى (شيخ الصدوق)، عن أبيه (محمد بن يحيى العطار القمي)، عن محمد بن علي بن محبوب، عنه.(فهرست الشيخ: 176، برقم 648)، وسنده إلى الكتاب صحيح، وأحمد بن محمد بن يحيى من مشايخ الصدوق وينقل عنه مع الترضّـي عليه، والمشايخ في غنى عن التوثيق.
إذا علمت ذلك فاعلم انّ الحكم بصحة السند، يتوقف على دراسة أحوال الرواة الواردين فيه وهم :
1- محمد بن خالد الطيالسي.
2- سيف بن عميرة.
3- صفوان بن مهران الجمال.
أمّا الثاني أعني سيف بن عميرة فقد عرفت أنّ النجاشي وثّقه، وبقي الكلام في الأوّل والثالث. أمّا محمد بن خالد الطيالسي فقد عدّه الشيخ في رجاله في أصحاب الكاظم "عليه السلام" (رجال الشيخ: 343 من أصحاب الكاظم "عليه السلام" ، برقم26 ولاحظ أيضاً باب من لم يرو عن الأئمة برقم11) وتؤيد وثاقته رواية المشايخ الأعاظم عنه نظراء:
1- علي بن الحسن بن فضال.
2- سعد بن عبد اللّه القمي.
3- حميد بن زياد قال الشيخ في فهرسته(فهرست الشيخ: 176، برقم648): محمد بن خالد الطيالسي يكنى أبا عبد اللّه روى عنه حميد أُصولاً كثيرة.
4- علي بن إبراهيم القمي.
5- محمد بن علي بن محبوب.
6- محمد بن يحيي المعادي.
7- معاوية بن حكيم.(معجم رجال الحديث: 17، 76)
وقال النجاشي: محمد بن خالد بن عمر الطيالسي التميمي أبو عبد اللّه مات لثلاث بقين من جمادي الآخرة سنة 259وهو ابن 97سنة.(رجال النجاشي: 2: 229، برقم911) ولعلّ هذا المقدار يثبت وجاهته في الحديث وانّ له منزلة عند المحدّثين، فيكون إماميّاً ممدوحاً بل مقبول الرواية.
وأمّا الثالث، أعني: صفوان بن مهران فهو كوفي ثقة، يكنّى أبا عبد اللّه. (رجال النجاشي: 1: 440، برقم523).
إلى هنا تمت دراسة أسانيد الشيخ الثلاثة،
فخرجنا بالنتيجة التالية:
إنّ السند الأوّل من الأسانيد الثلاثة، طريق الشيخ إلى ما يترتب على زيارة الحسين " عليه السَّلام" على وجه الإطلاق من الثواب، وهو ليس بمطروح عندنا في هذا المقال، وإنّما ذكرناه استطراداً، لأنّ الشيخ روى الجميع في مقام واحد.
وأمّا السند الثاني فرواه الشيخ: عن سيف بن عميرة وهو ثقة بالاتفاق.
عن علقمة بن محمد الحضرمي ولم يصرح بوثاقته وإنّما دلّت القرائن على وثاقته.
وأمّا السند الثالث فرواه الشيخ:
عن محمد بن خالد الطيالسي، عن سيف بن عميرة، عن صفوان بن مهران. والأخيران ثقتان والأوّل لم يصرح بوثاقته وإنّما دلّت القرائن على مقبولية روايته في الحديث. فحان البحث عن سند ابن قولويه إلى نصّ الزيارة.
سند ابن قولويه إلى زيارة عاشوراء:
روى ابن قولويه في كتاب «كامل الزيارات» زيارة عاشوراء بالسند الاتي: حدثني حكيم بن داود بن حكيم وغيره.
عن محمد بن موسى الهمداني،
عن محمد بن خالد الطيالسي،
عن سيف بن عميرة وصالح بن عقبة جميعاً،
عن علقمة بن محمد الحضرمي،
عن أبي جعفر الباقر "عليه السلام" قال: «من زار الحسين يوم عاشوراء حتّى يظلّ عنده باكياً لقى اللّه عزّوجلّ يوم القيامة بثواب ألفي حجّة...».
ومحمد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن مالك الجهني، عن أبي جعفر الباقر "عليه السلام" قال: «من زار الحسين ـ عليه السَّلام ـ يوم عاشوراء من محرم حتى يظل عنده...».(كامل الزيارات: 174، الباب71) وقد تمّ السند الأوّل بقوله: «عن علقمة بن محمد الحضرمي» ثمّ ابتدأ بسند آخر وقال: ومحمد بن إسماعيل عن صالح بن عقبة.
وعلى ذلك ففي قوله: ومحمد بن إسماعيل احتمالان:
الأوّل: انّ ابن قولويه شرع بأوّل السند وأخذ الرواية عن كتاب محمد بن إسماعيل بن بزيع لما عرفت من أنّ الشيخ روى نفس الزيارة عن ذلك الكتاب، وطريقه إليه صحيح فينتج قيام الحجة على وجود نصّ الزيارة في ذلك الكتاب وقد تناول كلّ من العلمين الطوسي وابن قولويه نقلها من ذلك الكتاب، غير انّا نعلم بسند الشيخ إلى الكتاب ولا نعلم سند ابن قولويه إليه، ولكنّه لا يضر بصحّة الرواية للعلم بوجود الرواية في ذلك الكتاب عن طريق الشيخ.
وهذا الاحتمال هو الأوجه وعليه يكون لابن قولويه سندان إلى زيارة عاشوراء.
الثاني: انّ قوله «ومحمد بن إسماعيل» عطف على قوله: «محمد بن خالد الطيالسي» وانّ سند ابن قولويه إلى كتاب محمد بن إسماعيل نفس سنده إلى كتاب محمد بن خالد الطيالسي، فيروي كتاب ابن بزيع عن الطريق الذي يروي به كتاب الطيالسي. وعلى ذلك يكون سنده إليه كالتالي:
حكيم بن داود، عن محمد بن موسى الهمداني، عن محمد بن إسماعيل بن بزيع; وهذا الاحتمال بعيد.
وثمة احتمال ثالث لا يتفوّه به من له إلمام بالرجال، وهو انّ قوله «ومحمد بن إسماعيل» عطف على قوله:«علقمة بن محمد الحضرمي» وجزء من السند السابق، لانّه بعيد عن الصواب غاية البعد، لأنّ علقمة من أصحاب الباقر والصادق "عليهما السلام" وابن بزيع من أصحاب الرضا والجواد "عليهما السلام" ، ومع الاختلاف في الطبقة كيف يعطف المتاخر طبقة، على المتقدم كذلك؟!
إذا عرفت ذلك فلنتاول رواة السند الأوّل بالبحث.
1- حكيم بن داود بن حكيم:
أحد مشايخ جعفر بن قولويه وقد وثّق مشايخه إجمالاً في أوّل كتابه فقال: لا يذكر في كتابه إلاّما وقع له من جهة الثقات، وروى عنه في كامل الزيارات في الباب الثاني، الحديث11 والباب 54 الحديث الثالث.(قاموس الرجال:3 ، برقم2385) مضافاً إلى الباب 71، الحديث 9.
2- محمد بن موسى بن عيسى الهمداني:
ذكره النجاشي بقوله: محمد بن موسى بن عيسى أبو جعفر الهمداني السمان، يروي عنه محمد بن يحيى العطار القمي على ما في طريق النجاشي إلى كتابه، حيث قال: أخبرنا ابن شاذان، عن أحمد بن محمد بن يحيى، عن أبيه، عنه بكتبه.
كما يروي عنه محمد بن أحمد بن يحيى بن عمران الأشعري، الذي هو شيخ مشايخ الكليني، وقد ورد في أسناد نوادر الحكمة، للأشعري، غير انّ الغضائري ضعّفه، ومع ذلك قال: ضعيف، يروي عن الضعفاء ويجوز أن يخرج شاهداً.
وضعّفه ابن الوليد أُستاذ الصدوق.
غير انّ تضعيف هؤلاء يرجع إلى الاختلاف في مقامات الأئمّة فانّ للقميين وعلى رأسهم محمد بن الوليد عقائد خاصة في حقّ أهل البيت "عليهما السلام" ربما لا يرتضيه محقّقو الإمامية.
يقول الشيخ المفيد في تصحيح الاعتقاد: وقد سمعنا حكاية ظاهرة عن أبي جعفر محمد بن الحسن بن الوليد لم نجد لها دافعاً في التفسير وهي ما حكي عنه انّه قال: أوّل درجة في الغلو نفي السهو عن النبي والإمام "عليه السلام" ، فإن صحّت هذه الحكاية عنه فهو مقصر مع أنّه من علماء القميين ومشيختهم، وقد وجدنا جماعة وردوا إلينا من قم يقصرون تقصيراً ظاهراً في الدين وينزلون الأئمّة "عليهم السلام" عن مراتبهم ويزعمون انّهم كانوا لا يعرفون كثيراًمن الأحكام الدينية حتى ينكت في قلوبهم، ورأينا في أُولئك من يقول انّهم ملتجئون في حكم الشريعة إلى الرأي والظنون ويدّعون مع ذلك انّهم من العلماء، وهذا هو التقصير الذي لا شبهة فيه.(تصحيح الاعتقاد:66)
وعلى هذا فلا بعد أن يكون تضعيفه من جانب ابن الوليد لأجل اختلافهما في مقامات الأئمّة، ولأجل ذلك لما نقل النجاشي قول ابن الوليد بأنّه يقول كان يضع الحديث، عقّبه بقوله(واللّه أعلم).(رجال النجاشي:2: 227).
3- محمد بن خالد الطيالسي قد مرت ترجمته عند دراسة السند الثالث للشيخ الطوسي وقد دلّت القرائن على كونه مقبول الرواية.
4- سيف بن عميرة قد مرّ انّه ثقة بلا إشكال.
5- صالح بن عقبة مرّت ترجمته عند دراسة السند الأوّل للشيخ. وانّه امامي ممدوح بالمدح العام.
6- علقمة بن محمد الحضرمي تقدّمت ترجمته عند دراسة سند الشيخ إليه، وقلنا بأنّ القرائن تدلّ على وثاقته.
الى هناتمّ السند الأوّل للشيخ بن قولويه.
وإليك دراسة السند الثاني.
دراسة السند الثاني لابن قولويه:
روى محمد بن إسماعيل، عن صالح بن عقبة، عن مالك الجهني، عن أبي جعفر الباقر "عليه السلام" : (من زار الحسين "عليه السلام" يوم عاشوراء من محرم حتّى يظل عنده باكياً...)
وهذا السند غني عن الدراسة إلاّ ترجمة مالك الجهني، فانّ محمد بن إسماعيل و صالح بن عقبة قد تقدمت ترجمتهما، وأمّا مالك الجهني فقدعدّه الشيخ في رجاله من أصحاب الباقر ومن أصحاب الصادق عليمها السَّلام قائلاً: الكوفي مات في حياة أبي عبد اللّه "عليه السلام" .(رجال الشيخ: 145، قسم أصحاب الباقر "عليه السلام"، برقم11 وأصحاب الصادق "عليه السلام" ص302 برقم458) ويمكن استظهار وثاقته من الأُمور التالية:
الأوّل: ما رواه علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن يحيى الحلبي، عن مالك الجهني، قال: قال أبوجعفر: يا مالك أنتم شيعتنا ألا ترى انّك تفرّط في أمرنا، إنّه لا يقدر على صفة اللّه فكما لا يقدر على صفة اللّه، كذلك لا يقدر على صفتنا، وكما لا يقدر على صفتنا كذلك لا يقدر على صفة المؤمن، إنّ المؤمن ليلقى المؤمن فيصافحه، فلا يزال اللّه ينظر إليهما والذّنوب تتحاتُّ عن وجوههما، كما يتحاتُّ الورق من الشّجر، حتّى يفترقا، فكيف يقدر على صفة من هو كذلك.(الكافي: 2، 180، ح6)، والرواية وإن كانت تنتهي إلى نفس مالك الجهني لكن اعتناء علي بن إبراهيم القمي ومحمد بن عيسى بن عبيد ويونس بن عبد الرحمن بنقلها حاك عن اعتمادهم على روايته.
الثاني: روى الكليني، عن عيسى الحلبي، عن ابن مسكان، عن مالك الجهني قال: قال لي أبو عبد اللّه : يا مالك أما ترضون أن تقيموا الصلاة وتؤتوا الزكاة وتكفّوا وتدخلوا الجنّة؟ يا مالك إنّه ليس من قوم ائتموا بإمام في الدنيا إلاّجاء يوم القيامة يلعنهم ويلعنونه إلاّ أنتم ومن كان على مثل حالكم، يا مالك إنّ الميت واللّه منكم على هذا الأمر لشهيد بمنزلة الضارب بسيفه في سبيل اللّه.(الروضة:146، برقم122)
الثالث: انّ مدحه للإمام الباقر ـ عليه السَّلام ـ يعرب عن وقوفه بمقام الإمام و انّه كان يجاهر بالولاء يوم كان الجهر به محظوراً، وقال:
إذا طلب الناس علم القرآن كانت قريش عليه عيالا وإن قيل أين ابن بنت النبي نلت بذاك فروعاً طوالاً نجوم تهلّل للمدلجين جبال تورّث علماً جبالاً(الارشاد:262)
الخاتمة:
هذه إشارة سريعة إلى أسانيد زيارة عاشوراء، وقد عرفت صحّة بعضها ومقبولية البعض الآخر، والمجموع يشد بعضه بعضاً ويورث العلم أو الاطمئنان المتاخم للعلم بصدور الرواية عن المعصوم "عليه السلام" مضافاً إلى أمرين:
1- اتفاق العصابة ومواظبتهم على قراءتها عبر القرون وهي إحدى القرائن على صدور الرواية.
2- انّ الإمعان في مضمون الزيارة يعرب عن أنّه صدر من قلب ملؤه الشجون والأحزان، لا يسكن دمعه ولوعه إلاّ بأخذ الثأر، وهو يتفق بذلك مع مضامين سائر الروايات الواردة في الأدعية والزيارات.