المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : صوم عاشوراء .. سنة أموية لا سنة نبوية


الشيخ عباس محمد
05-01-2018, 11:19 PM
صوم عاشوراء .. سنة أموية لا سنة نبوية

ابتلي التاريخ الإسلامي بأهواء نفسية ونزعات شخصية سيطرت على أجواء التاريخ الاسلامي الأمر الذي سار بالأمة إلى منطقة الصراعات والتناحرات وصار المتتبع للتاريخ يسير بخطىً سريعة إلى مجهول مظلم لا تعرف عواقبه بعدما كان يتطلع للوصول إلى حقيقة ما ينشد والى غاية ما يطلب.
إنها أيادٍ تطاولت على الأمانة التاريخية فمسخت صورتها وشوهت حقيقتها ورفعت الذين من شأنهم أن يكونوا في اسفل سافلين فلمعت صورهم ونسبت اليهم كل عظيم ووجّهت أخطاءهم التي غصت بها بطون الكتب لتصل إلى اللاحقين ناصعةً بيضاء مشرّفة، وكذا فعلت مع الشخصيات الرسالية التي كانت تدأب جاهدةً في إثراء التاريخ بكل ما من شأنه أن يجعل التاريخ تاريخا مشرفا يفتخر المرء بأنه أحد المنتسبين إليه.
إن هذه الأيادي التي أُستئجرت لتقلب الحقائق بقلمها المرتزق إنما فعلت ذلك بعدما باعت آخرتها بدنيا غيرها وبعدما باعت طاقاتها بحفنة من الدراهم المعدودة وبعدما قبرت ضمائرها لتخلق من أقلامها وحشاً ينهش الأمانة التي يجب ان تكون موجودة عند كل صاحب قلم وعند كل ذي مادة علمية فرفعت الداني وأنزلت العالي ونسبت وقالت ووضعت حتى أصبح تاريخ المسلمين في كثير من المواضع موضع ريب وتوقف.
ومن هنا فقد تعودنا في بداية كل عام هجري أن تصلنا إلى المنازل كتيبات تتحدث وتحثّ الناس على صيام يوم عاشوراء، بل ونفاجأ عند اقترابنا من اليوم العاشر من المحرّم أن تُفرد أعمدة طويلة في الجرائد اليومية لنفس الغرض، حتى يظن البسيط من الناس إن صيام هذا اليوم كصيام يومٍ من شهر رمضان إن لم يكن أفضل!
حركة نشطة تبدأ في أول يومٍ من محرم لتزداد نشاطاً في الثامن والتاسع من نفس الشهر، نشاطٌ قلّ نظيره بل يكاد يكون متفرداً في نوعه.
لماذا هذا الإصرار والحرص على الترويج لهذه المسألة بالذّات؟
هل هي غيرتهم على الدين وحرصهم على تطبيق أحكام الله؟
قطعاً ليس الأمر كذلك، فالحرص على تطبيق حكم الله يبدأ من حيث ما هو أهم أعني الأوامر والنواهي لا من المستحبات، والفرد يرى أن اهتمامهم بالوجبات في باقي الفروع لم يصل إلى مستوى حرصهم على ترويج هذه المسألة.
والسرّ في واقع الأمر يكمن في ذلك الحقد الدفين الموروث من بني أمية على علي (عليه السلام) وشيعته، إذ أن صيام هذا اليوم أحد الموروثات الأموية، وقد سنّه بنو أمية فرحاً بقتلهم الحسين (عليه السلام) فقد قال المقريزي وأبو ريحان البيروني إن بني أمية لبسوا فيه الجديد - أي عاشوراء - وتزينوا واكتحلوا وعيّدوا... وجرت هذه المراسم أيام ملكهم... وبقيت أثارها إلى يومنا هذا في بعض البلاد الإسلامية.
وأضاف البعض: إن بني أمية اتخذوا اليوم الأول من صفر عيداً لهم حيث أدخلوا فيه رأس الحسين عليه السلام
وللأسف الشديد أصبح هذا الموروث الممتلئ بالحقد والكره لأهل البيت (عليهم السلام) ديناً يدان به ، بل ووضعوا على لسان النبي صلى الله عليه وآله ما يتكأون عليه في دعواهم الزائفة ومع هذا نجد أن الانصاف يحتم علينا أن نذكر هذه الروايات التي يستندون عليها ومناقشتها وذلك بحسب ما تقتضيه الامانة العلمية مع ما لها من ضعف دلالي واضح ، إلا أن أقل ما يقال عنها أنها متهافتة لا تنسجم مع هذا الاصرار الغريب الذي نجده عند من يتبنى هذا الفكر .
روايات صوم عاشوراء ومناقشتها
إن الاضطراب الذي يحيط بمسالة صوم يوم عاشوراء في روايات القوم جلي الملامح لا يحتاج الى تأمل طويل من الباحث الذي ينتهج الموضوعية وذلك في سبيل الوصول الى حقائق الامور ودقائقها ، وأننا نجد بعد الاحاطة بمسالة صيام عاشوراء أن التهافت سمة أساسية في رواياتهم التي يعتمدوها فالطائفة الواردة من الروايات في هذا الشأن وهي التي تتناول تشريع هذا الصوم ووقته وجذوره وذلك بحسب ما ورد في هذا المجال أقل ما يصح وصفها بأنها روايات مكذوبة تفوح منها رائحة الوضع ، فلذلك فأن الباحث المنصف المتجرد من عصبيته الهوجاء سوف يجد وبيسر أن هذه الروايات غير قابلة للصمود أمام أبسط الاشكالات العلمية ، فيا عجبا ممن يتغنى بهذه الروايات كيف يستطيع أن يعيش في كنف الخداع بل ويروج له في وقت أحوج ما نكون إليه في هذا الزمن هو صفاء العقيدة ونقاء الفكرة .
فمن ضمن الروايات.
عن ابن عباس قال: قدم النبي (صلى الله عليه وآله) المدينة، فرأى اليهود تصوم يوم عاشوراء، فقال: ما هذا؟ قالوا: هذا يوم صالح، هذا يوم نجّى الله بني إسرائيل من عدوهم، فصامه موسى، قال: فأنا أحق بموسى منكم، فصامه وأمر بصيامه.
في هذه الرواية الاولى التي تبين أن النبي( ص) قد آتى المدينة وهو لا يعلم مناسبة صوم عاشوراء الأمر الذي دفعه (ص) للسؤال عن سبب صيام هذا اليوم والاستفسارمن اليهود عن سبب تعظيمهم لهذا اليوم ، هذا السؤال من النبي (ص) فيه تعارض واضح مع رواية عائشة التي أوردها البخاري حيث جاء فيها عن عائشة قالت كان يوم عاشوراء تصومه قريش في الجاهلية وكان رسول الله (صلى الله عليه وآله) يصومه فلما قدم المدينة صامه وأمر بصيامه فلما فرض رمضان ترك يوم عاشوراء فمن شاء صامه ومن شاء تركه )
فسؤال النبي (ص) في الرواية الاولى عن سبب صيام اليهود يتنافى مع قول عائشة من كون النبي (ص) كان يصومه بالجاهلية عندما كانت قريش تصومه .
فإن كان صوم عاشوراء دارجاً انذاك أي في زمن الجاهلية كما صرحت به عائشة بحيث كانت قريش تصومه وكان النبي (ص) يصومه كذلك فما معنى أن يتسائل رسول الله (ص) عن سبب صيام اليهود وتعظيمهم ليوم عاشوراء حين قدم المدينة ؟
ثم أن المتسالم والمشهورعند المسلمين أن النبي الأعظم قد وصل الى المدينة المنورة في شهر ربيع الأول وذلك كما ذكره النيسابوري في مستدركه حيث قال (اخبرني ) محمد بن المؤمل بن الحسن ثنا الفضل بن محمد الشعرانى ثنا احمد بن حنبل ثنا روح بن عبادة ثنا زكريا ابن اسحاق ثنا عمرو بن دينار قال اول من ارخ الكتب يعلى بن امية وهو باليمن فان النبي صلى الله عليه وآله وسلم قدم المدينة في شهر ربيع الاول وان الناس ارخوا لاول السنة وانما ارخ الناس لمقدم النبي صلى الله عليه وآله ) مما يتنافى مع رواية ابن عباس والتي جلي فيها أن النبي حينما قدم المدينة وجد اليهود صائمين عاشوراء ، فإن قال قائلهم أن النبي وصل الى المدينة في محرم الحرام فلابد من سوق الادلة على هذه الدعوة ولعمري أثبات ذلك دونه خرط القتاد .
ومن جملة الروايات المتهافتة ما رواه مسلم في صحيحه
عن ابن عباس أن رسول الله صلى الله عليه وسلم حين صام يوم عاشوراء وأمر بصيامه قالوا : يا رسول الله إنه يوم تعظمه اليهود والنصارى فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم " إذا كان العام المقبل إن شاء الله صمنا اليوم التاسع فلم يأت العام المقبل حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم
و الواضح من الرواية أن النبي (ص) أمر بصيام عاشوراء إلا أن الصحابة قد نبهوا النبي (ص) بأن هذا اليوم تعظمه اليهود والنصارى والحال في رواية ابن عباس التي رواها البخاري أن النبي قد سأل اليهود عن سبب صيامهم وسبب تعظيمهم لهذا اليوم وقد قال النبي بعد أن عرف السبب ( أنا أحق بموسى ) فلا معنى اذن من تنبيه الصحابة لرسول الله (ص) من كون هذا اليوم تعظمه اليهود والنصارى .
ثم أن هذه الرواية ادل على الخلاف حيث أمر النبي (ص) المسلمين أن يصوموا التاسع دون العاشر فهي دليل على استحباب صوم التاسع وليس العاشر ، بل وفيها نهي ضمني عن صيام العاشر وذلك مخالفة لليهود .
أضف إلى كل ذلك أن رواية ابن عباس تتحدث في بداية الهجرة النبوية الشريفة للمدينة المنورة أي في السنة الاولى للهجرة وهذه الرواية تبين أن النبي الأعظم توفي في السنة اللاحقة لهذا الحديث حيث لم يصم التاسع من السنة اللاحقة ، الأمر الذي يفتح الباب أمام سؤال كبير وهو متى أمر النبي (ص) صوم عاشوراء ؟
فرواية عائشة تتحدث عن زمن الجاهلية أي قبل الاسلام ، ورواية أبن عباس الاولى تتحدث عن بداية الهجرة للمدينة ورواية ابن عباس الثانية تتحدث عن سنة قبل وفاته الشريفة !!
ثم روى مسلم في " صحيحه " عن الحكم بن الأعرج قال انتهيت إلى ابن عباس وهو متوسد رداءه في زمزم فقلت له أخبرني عن صوم عاشوراء . فقال إذا رأيت هلال المحرم فاعدد وأصبح يوم التاسع صائما قلت هكذا كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصومه ؟ قال نعم
وهذه أيضا معارضة واضحة لرواية ابن عباس الثانية حيث مفادها أن النبي (ص) لم يصم التاسع لانتقاله الى الرفيق الاعلى وفي هذه الرواية نجد ابن عباس يصف صوم رسول الله (ص) في يوم تاسوعاء مؤكداً بقوله ( نعم ) أي هكذا كان رسول الله (ص) يصومه .
أي قد أدرك محرم القابل فكيف تتحدث الرواية أن النبي لم يدرك صوم تاسوعاء في السنة اللاحقة ؟!
ومما يزيد الأمر غرابة أن النبي كان قد توفي في ربيع الأول عند القوم وذلك كما صرح به ابن الاثير حيث قال ( لا خلاف أنه عليه السلام توفي يوم الاثنين . قال ابن عباس : ولد نبيكم صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ، ونبئ يوم الاثنين ، وخرج من مكة مهاجرا يوم الاثنين . ودخل المدينة يوم الاثنين ، ومات يوم الاثنين . رواه الامام أحمد والبيهقي . وقال سفيان الثوري . عن هشام بن عروة ، عن أبيه عن عائشة قالت : قال لي أبو بكر أي يوم توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم ؟ قلت يوم الاثنين . فقال : إني لارجو أن أموت فيه فمات فيه . رواه البيهقي من حديث الثوري به . وقال الامام أحمد : حدثنا أسود بن عامر ، ثنا هريم حدثني ابن إسحاق عن عبد الرحمن بن القاسم عن أبيه عن عائشة . قالت : توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم الاثنين ، ودفن ليلة الاربعاء تفرد به أحمد . وقال عروة بن الزبير في مغازيه وموسى بن عقبة عن ابن شهاب : لما اشتد برسول الله صلى الله عليه وسلم وجعه أرسلت عائشة إلى أبي بكر ، وأرسلت حفصة إلى عمر ، وأرسلت فاطمة إلى علي ، فلم يجتمعوا حتى توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في صدر عائشة وفي يومها : يوم الاثنين حين زاغت الشمس لهلال ربيع الاول . )
أضف إليه أن الرواية الاولى لابن عباس تتحدث عن سؤال النبي (ص) لليهود عن سبب تعظيمهم لهذا اليوم ، وفي الرواية الثانية نجد أن الصحابة قالوا للنبي (ص) أنه يوم تعظمه اليهود والنصارى ، ولا أعلم ما علاقة النصارى بنبي الله موسى (ع) ! حيث لم يُعرف عن النصارى تعظيمهم لهذا اليوم .
ومن ضمن الروايات ما أورده البخاري في صحيحه
عن عائشة قالت كانوا يصومون عاشوراء قبل أن يفرض رمضان وكان يوماً تستر فيه الكعبة فلما فرض الله رمضان قال رسول (صلى الله عليه وآله) من شاء أن يصومه فليصمه ومن شاء أن يتركه فليتركه
والرواية تصرّح أن صيام عاشوراء إنما كان قبل أن يفرض الصيام في المدينة وبعد تشريع رمضان ارتفعت الحاجة إلى صيامه. وإذا كان القوم يصرون على الصيام في يوم عاشوراء، فلماذا لا يصرّون على ستر الكعبة في يوم عاشوراء ويقومون بسترها فقط في يوم التروية؟!
وفيها تصريح بأنّ هذا الفعل من أفعال الجاهلية وقد ارتفع بعد تشريع الصيام بقرينة قول عائشة: (ترك يوم عاشوراء)، إلا أن يكون المرّوجون من الذين قال عنهم تعالى: (أفحكم الجاهلية يبغون (.
ومنها: (عن عبد الله بن مر إن أهل الجاهلية كانوا يصومون يوم عاشوراء وإن رسول الله (صلى الله عليه وآله) صامه والمسلمون قبل أن يفترض رمضان، فلما افترض رمضان قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) إن عاشوراء يوم من أيام الله فمن شاء صامه ومن شاء تركه
وفيها إن عاشوراء لا خصوصية في صيامه فتعبير رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأنه (يوم من أيام الله) تصريح واضح أن عاشوراء كباقي الأيام فأيّ خصوصية تستفاد منه؟
ومنها (عن ابن عمر انه ذكر عند رسول الله (صلى الله عليه وآله) يوم عاشوراء فقال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (كان يصومه أهل الجاهلية فمن أحب منكم أن يصومه فليصمه ومن كره فليدعه.
ومن المعلوم عند المسلمين أن الحكم المستحب ما يكون اتيانه فيه رجحان مع جواز الترك، ولايستفاد من هذا الخبر حكم الاستحباب، إذ أن رسول الله قد خيّر بين صيامه وبين تركه وغاية ما يستفاد منه حكم الإباحة.
نعم، الصيام بما هو مستحب إلا أن خصوصية اليوم منفية بالحديث، فالصيام في أي يوم من أيام السنة عدا المحرّم منها كالعيدين يستحق المكلف عليها الثواب.
وأكثر من هذا فقد قال ابن الأثير ما هذا نصه: (لما فرض رمضان لم يأمرهم بصوم عاشوراء ولم ينههم عنه .
ولو كان صوم عاشوراء مستحباً لأشار إلى ذلك (صلى الله عليه وآله) والحال أنه لم يفعل.
كما استند القوم في دعواهم إلى روايات أخرى وردت في الصحاح تدل على استحباب صوم يوم العاشر من المحرّم إلا أنها لا تخرج عن دائرة الضعف والتي تصب في نفس الفكرة فرأينا عدم مناقشتها درأً للاسهاب .
هل اليهود تصوم يوم عاشوراء؟
ومن الانصاف أن نتعرض الى حقيقة صوم اليهود ليوم عاشوراء وهل هم فعلا يصومون عاشوراء أي العاشر من المحرم أن أنها تبقى مجرد دعوى ؟
أمّا صوم اليهود فهو في اليوم العاشر، ولكنه ليس العاشر من المحرم، بل من شهرهم الأول: الذي يسمى (تشري)، ويسمّونه يوم (كيپور) (kipur) أي يوم الكفّارة) وهو اليوم الذي تلقّى فيه الإسرائيليون اللوح الثاني من ألواح الشريعة العشرة، ولم يكن ذلك يوم نجاتهم من فرعون، بل بعد نجاتهم من فرعون، وميقات موسى (عليه السلام) وابتلائهم بعبادة العجل إلهاً لهم، ورجوع موسى من الميقات إليهم، وإعلان اشتراط قبول توبتهم بقتل بعضهم لبعض، وبحصولهم على العفو من رفقائهم، ولذلك فقد خُصّص اليوم قبل (كيپور) بتبادل العفو فيما بينهم، وخُصص يوم "كيپور" للصيام والصلاة والتأمّل كأقدس أيام اليهود.
والتقويم اليهودي المستعمل اليوم عندهم شهوره قمرية، ولذلك فعدد أيام السنة في السنوات العادية 355 أو 354 أو 353، ولكنهم جعلوا سنواتهم شمسية بشهور قمرية، ولذلك فلهم سنوات كبيسة، ففي كل سنة كبيسة يضاف شهر بعد آذار الشهر السادس باسم آذار الثاني فيكون الشهر السابع، ويكون نيسان الشهر الثامن، وعليه تكون أيام السنة الكبيسة 385 أو 384 أو 383.
أضف إلى ذلك أن كيفية الصوم عندهم أيضا تختلف عن الصوم عندنا فانهم يصومون من غروب الشمس إلى غروبها في اليوم التالي وعليه فلا وجه ولا أساس لما نسب في المرويات إلى النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) من أن صوم عاشوراء كان ذا اصل يهودي، وانهم كانوا يصومونه في هذا اليوم، ولتسليط الضوء أكثر على هذه المسالة نعرض بعض الأقوال في هذا الشأن:
1- قال الدكتور جواد علي: (و يقصدون بصوم اليهود يوم عاشوراء ما يقال له ( يوم الكفارة ) وهو يوم صوم وانقطاع ويقع قبل عيد المظال بخمسة أيام أي في يوم عشرة تشري، وهو يوم الكبور (kipur)، ويكون الصوم فيه من غروب الشمس إلى غروبها في اليوم التالي، وله حرمة كحرمة السبت، وفيه يدخل الكاهن الأعظم قدس الأقداس لاداء الفروض الدينية المفروضة في ذلك اليوم.
2 - وقال السقاف: ( في واقعنا الحاضر لا نجد أي يهودي يصوم في العاشر من محرم أو يعده عيدا، ولم يوجد في السجلات التاريخية ما يشير إلى انهم صاموا في العاشر من محرم أو عدّوه عيداً بل اليهود يصومون يوم العاشر من شهر تشرين وهو الشهر الأول من سنتهم في تقويمهم وتاريخهم إلا انهم لا يسمونه يوم عاشوراء بل يوم أو عيد كيپور.
3- وقال محمود باشا الفلكي في تقويم العرب قبل الإسلام: (يظهر أن اليهود من العرب كانوا يسمون أيضا عاشوراء وعاشور اليوم العاشر من شهر تشري الذي هو أول شهور سنتهم المدنية وسابع شهور السنة الدينية عندهم.
و السَّنة عند اليهود شمسية لا قمرية، فيوم عاشوراء الذي كان فيه غرق فرعون لا يتقيّد بكونه عاشر المحرم بل اتفق وقوعه يوم قدوم النبي
4- قال السقاف أيضا: (إن لليهود تقويماً خاصاً بهم يختلف عن تقويمنا العربي الإسلامي اختلافا ًبيناً ويبتدى بشهر (تشري)ثم (حشران) وينتهي بشهر (أيلول) وهو الشهر الثاني عشر، وفي كل سنة كبيسة يضاف إليها شهر واحد حتى يكون للسنة الكبيسة ثلاثة عشر شهراً وهو شهر (آذار الثاني) الذي يتخلل بين آذار الشهر السادس وبين نيسان الشهر الثامن ويكون (آذار الثاني) الشهر السابع، وعدد أيام السنة في السنوات العادية 353 أو 354، أو 355 يوما فالكبيسة 383 أو 384 أو 385 يوماً، والتقويم اليهودي المستعمل الآن شهور قمرية وسنواته شمسية).
5- قال أبو ريحان: (تشرين وهو ثلاثون يوماً... وفي اليوم العاشر منه صوم الكبور ويدعى العاشوراء وهو الصوم المفروض من بين سائر الصيام، فإنها نوافل، ويصام هذا الكيبور من قبل غروب الشمس من اليوم التاسع بنصف ساعة إلى ما بعد غروبها في اليوم العاشر بنصف ساعة تمام خمس وعشرين ساعة... وصومه كفارة لكل ذنب على وجه الغلط.و يجب على من لم يصمه من اليهود القتل عندهم، وفيه يصلّى خمس صلوات ويسجد فيها.
ومن هنا نعلم أن حرص البعض على صيام يوم عاشوراء لم يكن من منطلق ديني وإنما من منطلق عصبي طائفي، وإلا لو كان حرصهم على صوم ذلك اليوم نابعاً من حبهّم للثواب والسعي لتحصيله، فلماذا لا يحثّون الناس على صيام يوم عرفة وهو أفضل وأعظم ثواباً من عاشوراء؟!
فقد ورد في صحيح مسلم ( قال رسول الله صلى الله عليه [وآله] وسلم: ثلاث من كل شهر، ورمضان إلى رمضان فهذا صيام الدهر كله، وصيام يوم عرفة احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله والسنة التي بعده، وصيام يوم عاشوراء احتسب على الله أن يكفر السنة التي قبله .
والى هنا قد أتضحت لك التناقضات والمعارضات الواردة في روايات القوم.
أذن القضية ليست دينية كما يتصور الكثير وإنما أرادوا بأفعالهم هذه أن يمنعوا الناس من الجلوس على مائدة الإمام الحسين (عليه السلام) هذه المائدة التي تطعم كل إنسان بغض النظر عن دينه ومعتقده، مائدة تليق بصاحبها وتليق بكرمه، فتؤلمهم رؤية الناس وهم واقفون منذ الساعات الأولى للصباح وهم يريدون أن يحصلوا على قليل من الطعام إما للبركة وإما للاستشفاء وإما لغيرها من الأسباب.
نعم أنهم يريدون معاداة الشيعة بأي طريق وبأي صورة، يريدون أن يستأصلوا حب الحسين (عليه السلام) من قلوب محبيه..لكن هيهات فإن الحسين (عليه السلام) تجري محبته في دماء شيعته وفي دماء كل مسلم معتدل غير حاقد.
قال أبن الجوزي: (تمذهب قوم من الجهال بمذهب أهل السنة فقصدوا غيظ الرافضة - أي الشيعة - فوضعوا أحاديث في فضل عاشوراء ونحن براء من الفريقين، وقد صحّ أن رسول الله أمر بصوم عاشورا إذ قال: انه كفارة سنة فلم يقنعوا بذلك حتى أطالوا واعرضوا وترقّوا في الكذب.
وخلاصة القول أن صوم يوم عاشوراء سنة أموية سنّها الأمويون فرحا بقتلهم الحسين (عليه السلام) وشكرا لله على فعلتهم هذه على حدّ اعتقادهم، وإن كنا لا نحب أن يصل الخلاف إلى هذا المستوى من التردي إلا أننا قد رأينا عِظم الإصرار والحرص على حثهم الناس على صوم عاشوراء وكأن ليس هناك في الشريعة الغراء صوم إلا هذا اليوم.
إن ما نراه من أفعال وأقوال تصدر من هنا وهناك إنما تعكس مدى ذلك الحقد الدفين على الشيعة وعلى محبي الحسين عليه السلام ، وكأنهم يريدون أن يحصروا الحسين (عليه السلام) بالشيعة ويريدون إيهام المسلمين بأن هذه الشخصية ليست لكل المسلمين، والحقّ أن الحسين (عليه السلام) لكل البشرية، فحتى الكفار من الناس يتعلمون من الحسين ومن ثورته ليطبقوا الدروس المستوحاة منه (عليه السلام) في حركاتهم السياسية والعملية، فهذا مهاتما غاندي يقول (تعلمت من الحسين كيف أكون مظلوما فأنتصر)، بينما ترى قسماً من المسلمين تكثر صيحاتهم وصراخهم والتي تنال كل من يشارك في مصائب الرسول وآله فتقذفهم تارة بالبدعة وبالكفر أخرى، فيا عجبا لهؤلاء، فهل صار الحزن على الحسين سبط رسول الله بدعة والبكاء عليه كفر؟!
وبعد هذه الحقائق التي لا تقبل شك نجد من يصف يوم عاشوراء بأنه يوم فرح وبهجة بل ويتبجحون بطبع ملصقات توزع الى الناس لحثهم على الفرح والسرور بيوم عاشوراء وهم بذلك يشاركون بني أمية في فعلتهم وحجتهم في ذلك أنه اليوم الذي انجى فيه الله نبي الله موسى عليه السلام متجاوزون حزن رسول الله (ص) على ولده الحسين عليه السلام وكأن هؤلاء أبعد مايكون عن نبيهم مع دعواهم أنهم يدافعون عنه، وكأنهم قد أغفلوا عن احاديث علمائه عن مصاب رسول الله (ص) على ولده الحسين حتى قبل أن يُقتل سلام الله عليه في كربلاء وهذا أحمد بن حنبل يروي في مسنده ( حدثنا عبد الله حدثنى أبى ثنا عبد الرحمن ثنا حماد بن سلمة عن عمار بن أبى عمار عن ابن عباس قال رأيت النبي صلى الله عليه وسلم في المنام بنصف النهار اشعث أغبر معه قارورة فيها دم يلتقطه أو يتتبع فيها شيأ قال قلت يا رسول الله ما هذا قال دم الحسين وأصحابه لم أزل أتتبعه منذ اليوم قال عمار فحفظنا ذلك اليوم فوجدنا قتل ذلك اليوم )
وكما نقل الهيثمي في مجمعه (وعن انس بن مالك ان ملك القطر استأذن ان يأتي النبي صلى الله عليه وسلم فأذن له فقال لام سلمة املكي علينا الباب لا يدخل علينا احد قال وجاء الحسين بن على ليدخل فمنعته فوثب فدخل فجعل يقعد على ظهر النبي صلى الله عليه وسلم وعلى منكبه وعلى عاتقه قال فقال الملك للنبى صلى الله عليه وسلم اتحبه قال نعم قال ان امتك ستقتله وان شئت اريتك المكان الذى يقتل به فضرب بيده فجاء بطينة حمراء فأخذتها ام سلمة فصرتها في خمارها قال ثابت بلغنا انها كربلاء .
وعن نجى الحضرمي انه سار مع علي رضى الله عنه وكان صاحب مطهرته فلما حاذى نينوى وهو منطلق إلى صفين فنادى على اصبر ابا عبدالله اصبر ابا عبدالله بشط الفرات قلت وما ذاك قال دخلت على النبي صلى الله عليه وسلم ذات يوم وإذا عيناه تذرفان قلت يا نبى الله أغضبك احد ما شأن عينيك تفيضان قال بل قام من عندي جبريل عليه السلام قيل فحدثني ان الحسين يقتل بشط الفرات قال فقال هل لك ان اشمك من تربته قلت نعم قال فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها فلم أملك عينى ان فاضتا . رواه احمد وأبو يعلى والبزار والطبراني ورجاله ثقات ولم ينفرد نجى بهذا . وعن عائشة أو ام سلمة ان النبي صلى الله عليه وسلم قال لاحداهما لقد دخل على البيت ملك فلم يدخل على قبلها قال ان ابنك هذا حسين مقتول وان شئت أريتك من تربة الارض التى يقتل بها قال فأخرج تربة حمراء . رواه أحمد ورجاله رجال الصحيح . وعن عائشة قالت دخل الحسين بن علي رضى الله عنهما على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو يوحى إليه فنزا على رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو منكب وهو على ظهره فقال جبريل لرسول الله صلي الله عليه وسلم أتحبه يا محمد قال يا جبريل ومالى لا أحب ابني قال فان أمتك ستقتله من بعدك فمد جبريل عليه السلام يده فأتاه بتربة بيضاء فقال في هذه الارض يقتل ابنك هذا واسمها الطف فلما ذهب جبريل عليه السلام من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم والتزمه في يده يبكي فقال يا عائشة إن جبريل أخبرني أن ابني حسين مقتول في أرض الطف وان أمتى ستفتن بعدى ثم خرج إلى أصحابه فيهم على وأبو بكر وعمر وحذيفة وعمار وأبو ذر رضى الله عنهم وهو يبكي فقالوا ما يبكيك يا رسول الله فقال أخبرني جبريل عليه السلام ان ابني الحسين يقتل بعدى بارض الطف وجاءني بهذه التربة وأخبرني أن فيها مضجعه .
فسلام الله على علي بن موسى الرضا حيث قال ( ان المحرم شهر كان أهل الجاهلية يحرمون القتال فيه فاستحلت فيه دماؤنا وهتكت فيه حرمتنا ، وسبى فيه ذرارينا ونسائنا واضرمت النيران في مضاربنا وانتهب ما فيها من ثقلها ، ولم تدع لرسول الله حرمة في امرنا ان يوم قتل الحسين اقرح جفوننا واسبل دموعنا ، واذل عزيزنا ، أرض كربلا أورثتنا الكرب والبلاء إلى يوم الانقضاء فعلى مثل الحسين فلبيك الباكون ، فان البكاء عليه يحط الذنوب العظام )