الشيخ عباس محمد
07-01-2018, 08:35 PM
شبهات وردود واسئلة واجوبة في اية ولاية الامر
السؤال: صحّة أسانيد الروايات المفسرة للآيةلدي استفسار عن بعض الأسانيد، ومنها: هذا السند في الكافي1/172-173ح1)؛ فعندما يُذكر في السند: علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، وعلي بن محمد، عن سهل بن زياد أبي سعيد، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد اللَّه(عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ: (( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم )) (البقرة:282). فقال: (نزلت في عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين(عليهم السلام )).
فقلت له: إنّ الناس يقولون: فما له لم يُسَمِّ عليّاً وأهل بيته(عليهم السلام) في كتاب الله عزّ وجلّ؟
قال: فقال: (قولوا لهم إنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) نزلت عليه الصلاة ولم يُسَمِّ الله لهم ثلاثاً ولا أربعاً، حتى كان رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو الذي فسّر ذلك لهم، ونزلت عليه الزكاة ولم يسمّ لهم من كلّ أربعين درهماً درهم، حتى كان رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو الذي فسّر ذلك لهم، ونزل الحجّ فلم يقل لهم: طوفوا أُسبوعاً حتى كان رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو الذي فسّر ذلك لهم، ونزلت: (( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم )) ونزلت في عليّ والحسن والحسين، فقال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في عليّ: من كنت مولاه فعليّ مولاه...) إلى آخر الحديث المذكور.
1- هل يعني هذا أنّ السند المذكور هو سندٌ واحد أم سندين؟
2- إذا كانا سندين فهل هما يشتركان في روايتهما عن يونس عن ابن مسكان عن أبي بصير، كما يُفهم من قراءة سند الرواة للحديث؟
وبمعنى آخر: هل يكون السند الأوّل في الرواية هكذا: علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير؟
والسند الثاني في الرواية هكذا: علي بن محمد، عن سهل بن زياد أبي سعيد، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير.
3- وهل يكون هذان السندان صحيحين، أم أنّ أحدهما هو الصحيح فقط؟
وأمّا ما يخصّ التوثيقات لرواة الحديث:
ففي بحثنا عن توثيقات هؤلاء الرواة توضّح بأنّ جميعهم من الثقات، إلاّ سهل بن زياد أبي سعيد، ضعّفه النجاشي وشيخ الطائفة، ونقل عنهم العلاّمة أبي منصور الحلّي ذلك واختلاف الشيخ الطوسي في توثيقه، ونقل ما قاله النجاشي والغضائري عنه في القسم الثاني فيمن لا يعتمد على روايتهم من كتابه (خلاصة الأقوال)، وأيضًا نقل تضعيفه الشيخ الحسن بن علي بن داود الحلّي، ولم يعتنِ بتوثيق الشيخ الطوسي له في كتابه (رجال ابن داود). وكذلك السيّد الخوئي استبعد توثيقه أيضاً.
ورغم ذلك فقد وثّقه السيّد بحر العلوم في (الفوائد الرجالية)، والشيخ النوري الطبرسي في (خاتمة المستدرك).
4- فهل نأخذ بتوثيق السيّد بحر العلوم والشيخ النوري رحمهم الله (للراوي سهل بن زياد أبي سعيد)؟
وكما أشرنا سابقًا، فهل يمكننا أن نحكم على السند الذي فيه (سهل) أنّه صحيح، نظراً لثبوت التعارض مع ما ذكرناه ممّن ضعّفوه في حال القبول بالأخذ بتوثيق السيّد والشيخ؟
وإذا كان الجواب بـ(لا)، هل يرتفع السند الذي فيه سهل إلى (الموثوق) أو (الحسن) نظراً لوجود سند آخر صحيح لنفس الحديث؟
وذكر الكليني (رحمه الله) بعد الحديث المذكور مباشرة: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد والحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن أيوب بن الحر وعمران بن علي الحلبي، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(عليه السلام)، مثل ذلك.
وبحسب اطّلاعي على توثيقات كتب الرجال لم أجد في هذا السند راوٍ واحد ضعيف.
ونحن هنا نسألكم، فأنتم أصحاب الخبرة في هذا المجال، فأفيدونا في ذلك: هل قول الكليني عندما ذكر سند الحديث بقوله: (( مثل ذلك ))، فهل قصد بأنّه نفس الحديث السابق؟
وماذا عن السند لهذا الحديث هل هو صحيح بهذا السند؟
وهل هنالك أحد من كبار علمائنا الإمامية علّق على هذا الحديث وحدّد أي درجة من درجات الحديث: صحيح أم حسن أم ضعيف؟
الجواب:
1- الرواية قد ذكرت بثلاثة أسانيد عند الكليني:
السند الأوّل: علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(عليه السلام).
السند الثاني: علي بن محمد، عن سهل بن زياد أبي سعيد، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(عليه السلام).
السند الثالث: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد والحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن أيوب بن الحر وعمران بن علي الحلبي، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(عليه السلام).
وقد قال المجلسي في (مرآة العقول): صحيح بسنديه(1)، والظاهر أنّه يريد السند الأوّل والسند الثالث إذ عدّ الأوّل والثاني كسند واحد، ويحتمل أنّه يريد السند الأوّل والثاني على بعد، وذلك لأنّه قال في رجاله المعروف بـ(الوجيز)، بخصوص سهل بن زياد: (( ضعيف، وعندي لا يفيد ضعفه لكونه من مشايخ الإجازة ))(2)..
وأيضاً نصَّ على صحّة هذه الرواية السيّد الخوئي(قدس) في تفسيره (البيان)(3).
2- أمّا بشأن عن توثيق سهل بن زياد، فنقول: هناك بحث ظريف للعلاّمة الفاني في كتابه (بحوث في فقه الرجال)(4) بشأن حول وثاقة سهل يمكنكم الاطّلاع عليه، ولكن على أية حال قد ضعّف السيّد الخوئي (قدس) سهلاً(5)، الأمر الذي يستفاد منه أنّه لم يعتمد في تصحيحه للرواية المتقدّمة على السند الذي فيه سهل.
وأمّا ارتفاع السند الذي فيه سهل إلى الموثّق أو الحسن بلحاظ صحّة بعض المتون الأُخرى التي يتّحد سهل في رواياتها مع الثقاة، فهذا ليس من اصطلاح علم الحديث، بل المبنى السليم - والذي يقول به البعض - هو: توثيق الرواية لا الراوي.
3- أمّا سؤالكم عن قول الكليني(ره): (( مثل ذلك ))، فيريد به أي: نفس المتن، والسند المذكور سند صحيح.
(1) مرآة العقول 3: 213.
(2) رجال المجلسي: 224 (870).
(3) البيان في تفسير القرآن: 213 الشبهة الثالثة.
(4) بحوث في فقه الرجال: 171 الخاتمة، البحث الأوّل.
(5) انظر: معجم رجال الحديث 9: 356 (5639).
السؤال: لا يعقل الأمر بالطاعة المطلقة من دون العصمة والاصطفاء
في آية ولاية الأمر، هل من المعقول نقلياً وقرآنياً وعقلياً أن يأمر الله جلّ وعلا بطاعة إنسان من دون أن يصطفيه بعلمه وحكمته؟
أرجو التعليق على هذا الأمر وبيانه للمؤمنين.
الجواب:
إنّ هذا الذي ذكرتموه بعينه قد استفاد منه الفخر الرازي عند تفسيره لقوله تعالى: (( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم )) عصمة (ولاة الأمر)؛ لأنّ الطاعة المطلقة لفرد هي فرع عصمته عن الخطأ، وإلاّ كان الأمر بالطاعة المطلقة مع فرض حصول الخطأ أمر باتّباع الباطل، وهو محال على المولى سبحانه... فإذاً لا بدّ من العصمة والاصطفاء ثمّ الأمر بالطاعة.
قال الفخر الرازي: (( والدليل على ذلك أنّ الله تعالى أمر بطاعة أُولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لا بدّ وأن يكون معصوماً عن الخطأ؛ إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته، فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ، والخطأ لكونه خطأً منهيّ عنه، فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد، وأنّه محال، فثبت أنّ الله تعالى أمر بطاعة أُولي الأمر على سبيل الجزم، وثبت أنّ كلّ من أمر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوماً ))(1).
ثمّ تمحّل بأنّ المراد من (أُولي الأمر) أهل الحلّ والعقد من الأمّة، وأنّ ذلك يوجب القطع بأنّ اجتماع الأُمّة حجّة، مع أنّه واضح البطلان بنصّ الآية؛ فإنّها تنصّ على أنّ (أُولي الأمر) بعض الأمّة، فقد قال تعالى: (( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم )).
(1) تفسير الرازي 10: 144 قوله تعالى: ((أَطيعوا اللَّهَ وَأَطيعوا الرَّسولَ... )).
السؤال: بيان معنى الولاة في الآية
يتمسّك مخالفوا الشيعة بالآية (83) من سورة النساء وهي قوله تعالى: (( وَإِذَا جَاءَهُم أَمرٌ مِنَ الأَمنِ أَوِ الخَوفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَو رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىظ° أُولِي الأَمرِ مِنهُم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَستَنبِطُونَهُ مِنهُم... )) بأنّ المراد: خصوص حالة الخوف - كما في صدر الآية - وذلك يكشف أنّ المراد من (( أُولي الأَمر )) هم: أُمراء السرايا والغزوات الذين كان الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ينصّبهم ويعيّنهم، وليس المراد بهم الأئمّة، وهذا من الآية واضح..
وتُفسّر هذه الآية، أي قوله تعالى: (( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم فَإِن تَنَازَعتُم فِي شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُم تُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ ذَظ°لِكَ خَيرٌ وَأَحسَنُ تَأوِيلاً )) (النساء:59) بالآية السابقة, وإذا أردنا أن نستعين في تفسير هذه الآية بالروايات على أنّها نصّ في الخلافة، فذلك خلاف (القرآن يفسّر بعضه بعضاً)؛ ففي هذه الآية عيّن موارد لزوم الرجوع إلى الله وإلى الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟
الجواب:
للإجابة عمّا تمسّك به المخالفون في هذه الآية نقول:
أولاً: إنّ الأُمّة قد اختلفت في تعيين وليّ الأمر، وهذا ممّا لا شكّ فيه, ولكنّهم مهما اختلفوا فقد إتّفقوا وأجمعوا، من حيث يريدون أو لا يريدون، على ما يوجب كون الآية تنطبق على الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) دون من سبقه أو من لحقه ممّن تولّى أمر الخلافة، وذلك أنّ الأقوال في تفسير أُولي الأمر ستّة:
1- أُمراء السرايا والغزوات(1)، وهو ما أُشير إليه في السؤال.
2- العلماء، كما عن بعض المفسّرين(2).
3- الأُمراء والولاة(3).
4- أهل الرأي من الصحابة(4).
5- هم: القوّام على الناس والآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر(5).
6- هم: عليّ وأبناءه الأئمّة المعصومون(عليهم السلام)، كما هو قول الشيعة(6).
ولا شك أنّ عليّاً(عليه السلام) كان من أُمراء السرايا، كما كان من العلماء ومن القوّام على الناس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان من الأُمراء والولاة، ومن أهل الرأي من الصحابة، فهو مرادٌ بالآية على أيّ تقدير بالإجماع، كما بيّناه, أمّا غيره مهما كان ومَن كان فليس عليه مثل هذا الاتّفاق.
فإذا ثبت ذلك له(عليه السلام) وكان هو وليّ الأمر، فهو الذي يعيّن الذي بعده بحكم ولايته, وإذا قلنا بأنّه(عليه السلام) ليس له ذلك، فهو خلاف القول بالولاية.
ثانياً: إنّ الاستعانة في تفسير الآية بالروايات خلاف (القرآن يفسّر بعضه بعضاً)، فليس كذلك صغرى وكبرى، أمّا الكبرى وهي (القرآن يفسّر بعضه بعضاً) فهي ليست آية، وهذا كتاب الله خال منها, ولا رواية عنه(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وإن زُعم أنّها رواية فلماذا لم يلتزم بها الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) نفسه؟
ولنضرب مثلاً واحداً في فريضة واحدة هي من أهم فرائض الإسلام، وهي الصلاة المفروضة خمس مرّات يومياً, ولنأخذ منها فعلاً واحداً من واجباتها كشاهد على ما نقول، وذلك هو: التشهّد، ونختار من أذكاره كيفية الصلاة على النبيّ وآله(عليهم السلام) فيه.
ولا يفوتنا التنبيه على أنّه قد ذهب إلى وجوبها من غير الشيعة الشافعي، وقال ابن حجر في (الصواعق): (( ...الذي ذهب إليه الشافعي هو الحقّ الموافق لصريح السُنّة ولقواعد الأُصوليين، ويدلّ له أيضاًً أحاديث صحيحة كثيرة استوعبتها في شرحي الإرشاد والعباب، مع بيان الردّ الواضح على من شنّع على الشافعي، وبيان أنّ الشافعي لم يشذ، بل قال به قبله جماعة من الصحابة، كـابن مسعود وابن عمر وجابر وأبي مسعود البدري وغيرهم، والتابعين، كـالشعبي والباقر وغيرهم، كإسحاق بن راهويه وأحمد، بل لمالك قول موافق للشافعي رجّحه جماعة من أصحابه, بل قال شيخ الإسلام خاتمة الحفّاظ ابن حجر - العسقلاني -ـ: لم أر عن أحد من الصحابة والتابعين التصريح بعدم الوجوب إلاّ ما نقل عن إبراهيم النخعي مع إشعاره بأنّ غيره كان قائلاً بالوجوب ))(7).
نقول: فإنّ كيفية هذه الصلاة في التشهد لم يکن يعرفها الصحابة، فسألوه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن كيفيّتها لمّا نزلت الآية: (( إنَّ اللَّهَ وَمَلَائكَتَه يُصَلّونَ عَلَى النَّبيّ يَا أَيّهَا الَّذينَ آمَنوا صَلّوا عَلَيه وَسَلّموا تَسليمًا )) (الاحزاب:56)، فقد صحّ عن كعب بن عجرة، قال: (( لمّا نزلت هذه الآية قلنا: يا رسول الله! قد علمنا كيف نسلّم عليك فكيف نصلّي عليك؟ فقال: (قولوا اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد... إلخ ) ))(8).
فهذه الآية أمرت المؤمنين بالصلاة على النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أمّا كيف؟ ومتى؟ فذلك ما تكفّلت السُنّة ببيانه, ولم يُذكر في شيء من مصادر التفسير أو الحديث أنّ أحداًَ من الصحابة اعترض على الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقال له: كيف فسّرت القرآن من نفسك، وإنّما (القرآن يفسّر بعضه بعضاً)؟ أو قال له: إنّ الآية أمرتنا بالصلاة عليك وحدك ولم تذكر الآل معك، فمن أين أوجبت الصلاة عليهم ولم يرد ذلك في آية أُخرى تفسّر هذه الآية؟
وهذا الذي ذكرناه هو ما يأتي به المصلّي كلّ يوم في فرائض الصلوات الخمس، فكيف بباقي الأحكام؟ إذاً ليس (القرآن يفسّر بعضه بعضاً)، وقد تبيّن حال الصغرى ممّا سبق أيضاً.
ثالثاً: لو التزمنا جدلاً بأنّ القرآن يفسّر بعضه بعضاً، فإنّ في آي الذكر الحكيم ما يدلّ على تعيين (وليّ الأمر) كما في قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) (المائدة:55)، وحيث ثبت أنّ الولاية - في هذه الآية - هي لله ولرسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وللذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون لا لغيرهم بقرينة (إنّما)، وهي أداة حصر، فهذه فسّرت من هو المراد بـ(أُولي الأمر) في الآية المشار إليها في السؤال.
بقي تعيين مَن تنطبق عليه تلك الأوصاف الثلاثة مجتمعة: (الإيمان، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة وهو راكع)، وهو ما ثبت لأمير المؤمنين(عليه السلام)، كما في تفسير ابن جرير، وكشّاف الزمخشري، والفخر الرازي، والقرطبي، والحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل، والدرّ المنثور للسيوطي، وغيرهم(9).
وبهذه الآية التي تكفّلت معنى الولاية في المقام وأنّها من سنخ ولاية الله وولاية الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) نفسّر الآية المشار إليها آنفاً في السؤال؛ فلاحظ!
وتعقيباً على ما تقدّم من أنّ القرآن يفسّر بعضه بعضاً، نقول: إنّ آية المباهلة التي هي قوله تعالى: (( ...فقل تَعَالَوا نَدع أَبنَاءنَا وَأَبنَاءكم وَنسَاءنَا وَنسَاءكم وَأَنفسنَا وأَنفسكم... )) (آل عمران:61) قد نصّت على أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) هو نفس النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ حيث أخرج مسلم والترمذي وأحمد والبيهقي والحاكم والرازي والزمخشري وابن جرير والواحدي وابن حجر وغيرهم: أنّه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) دعا عليّاً وفاطمة والحسن والحسين، وقال: (اللّهمّ هؤلاء أهلي...)(10)، فإذا كان عليّ(عليه السلام) نفس الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بنصّ الآية المذكورة، فلماذا تخلّف المسلمون عنه وقد أمرهم الله تعالى بأن لا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه، كما في قوله تعالى: (( مَا كَانَ لأَهل المَدينَة وَمَن حَولَهم مّنَ الأَعرَاب أَن يَتخلّفوا عَن رَّسول اللّه وَلاَ يَرغَبوا بأَنفسهم عَن نفسه... )) (التوبة:120)؟
ولو لم يكن عليّ(عليه السلام) هو المراد لمّا عبّر تعالى عنه بقوله: (( عَن نفسه ))، ولقال: (ولا يرغبوا بأنفسهم عنه)؛ فلاحظ!
وأمّا أنّ المراد من (أولوا الأمر) في قوله تعالى: (( وَلَو رَدّوه إلى الرَّسول وَإلَى أولي الأَمر منهم لَعَلمَه الَّذينَ يَستَنبطونَه منهم... )) (النساء:83)، هم: أُمراء السرايا أوّل الكلام.
كيف وقد عممت الآية في أوّلها الأمر على حالتي الأمن والخوف لا خصوص حالة الخوف، كما يدّعي هذا المستشكل، قال تعالى: (( وَإِذَا جَاءَهُم أَمرٌ مِنَ الأَمنِ أَوِ الخَوفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَو رَدّوه... )).
والآية نازلة لبيان حالة إشاعة الأراجيف بين المسلمين من قبل ضعاف النفوس، وأنّهم لو ردّوا الأمر إلى الرسول وإلى أُولي الأمر لأعلموهم حقيقة الحال وواقع هذه الأراجيف.
فهذه الآية ناظرة إلى ما يمس أمن الدولة واستقرارها، واتّخاذ القرار في هذا الشأن أنسب بمنصب الإمام ورئيس الدولة لا بأُمراء السرايا الذين هم قادة عسكريون. مع أنّ الآية ساوت في الردّ إلى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأُولي الأمر، وأخبرت بأنّ ما يستنبطونه يحصل به العلم، ولا يصحّ ذلك إلا إذا ثبتت لهم العصمة كرسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ لأنّ من قوله يحصل العلم لمحلّ العصمة، وأُمراء السرايا لا يصيبون دائماً؛ لأنّهم غير معصومين.
ومن هنا وردت الروايات الكثيرة عندنا بأنّ المراد من (أُولوا الأمر) في الآية هم: الأئمّة من أهل البيت(عليهم السلام)(11).
فظهر من هذا أنّ (أُولي الأمر) في آية الولاية هم المعنيون نفسهم في قوله تعالى: (( وَلَو رَدّوه إلى الرَّسول وَإلَى أولي الأَمر منهم لَعَلمَه الَّذينَ يَستَنبطونَه منهم... )).
(1) تفسير ابن أبي حاتم 3: 988 قوله تعالى: ((يَا أَيّهَا الَّذينَ آمَنوا أَطيعوا اللَّهَ وَأَطيعوا الرَّسولَ... )).
(2) معاني القرآن للنحاس 2: 121(134)، تفسير الواحدي 1: 271.
(3) تفسير البيضاوي 2: 205، جامع البيان 5: 202.
(4) معاني القرآن للنحاس 2: 121، تفسير الثعلبي 3: 334.
(5) الفصول المختارة: 118.
(6) الفصول المختارة: 118، شواهد التنزيل 1: 189 قوله تعالى: ((أَطيعوا اللَّهَ وَأَطيعوا الرَّسولَ... )).
(7) الصواعق المحرقة 2: 433 الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي، الفصل الأوّل، الآية الثانية.
(8) صحيح البخاري 7: 156 باب (الصلاة على النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم))، سنن الدارمي 1: 309 باب (الصلاة على النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)).
(9) جامع البيان 6: 389 - 390، الكشّاف 1: 624، تفسير الرازي 12: 26، تفسير القرطبي 6: 221 - 222، شواهد التنزيل 1: 209 - 239 ح216 - 240، الدرّ المنثور 2: 293، 294.
(10) صحيح مسلم 7: 120 كتاب فضائل الصحابة باب(فضائل علي عليه السلام)، سنن الترمذي 4: 293 أبواب تفسير القرآن عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ومن تفسير آل عمران ح4085، ومناقب علي بن أبي طالب ح3808، مسند أحمد 1: 185 مسند سعد بن أبي وقّاص، السنن الكبرى للبيهقي 7: 63 باب (اليه ينسب أولاد بناته)، المستدرك على الصحيحين 3: 150 مناقب أهل البيت، تفسير الرازي 8: 85، الكشّاف 1: 434، جامع البيان 3: 407 - 410، أسباب نزول الآيات: 67 سورة آل عمران، فتح الباري 7: 60 مناقب علي بن ابي طالب.
(11) تفسير العيّاشي 1: 260 قال تعالى: ((وَإِذَا جَاءَهُم أَمرٌ مِنَ الأَمنِ أَوِ الخَوفِ... ))، تفسير القمّي: 145، التبيان 3: 273، بشارة المصطفى: 170، خطبة الحسن بن علي(عليه السلام)، المحاسن 1: 268ح356.
يتبع
السؤال: صحّة أسانيد الروايات المفسرة للآيةلدي استفسار عن بعض الأسانيد، ومنها: هذا السند في الكافي1/172-173ح1)؛ فعندما يُذكر في السند: علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، وعلي بن محمد، عن سهل بن زياد أبي سعيد، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، قال: سألت أبا عبد اللَّه(عليه السلام) عن قول الله عزّ وجلّ: (( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم )) (البقرة:282). فقال: (نزلت في عليّ بن أبي طالب والحسن والحسين(عليهم السلام )).
فقلت له: إنّ الناس يقولون: فما له لم يُسَمِّ عليّاً وأهل بيته(عليهم السلام) في كتاب الله عزّ وجلّ؟
قال: فقال: (قولوا لهم إنّ رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) نزلت عليه الصلاة ولم يُسَمِّ الله لهم ثلاثاً ولا أربعاً، حتى كان رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو الذي فسّر ذلك لهم، ونزلت عليه الزكاة ولم يسمّ لهم من كلّ أربعين درهماً درهم، حتى كان رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو الذي فسّر ذلك لهم، ونزل الحجّ فلم يقل لهم: طوفوا أُسبوعاً حتى كان رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) هو الذي فسّر ذلك لهم، ونزلت: (( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم )) ونزلت في عليّ والحسن والحسين، فقال رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) في عليّ: من كنت مولاه فعليّ مولاه...) إلى آخر الحديث المذكور.
1- هل يعني هذا أنّ السند المذكور هو سندٌ واحد أم سندين؟
2- إذا كانا سندين فهل هما يشتركان في روايتهما عن يونس عن ابن مسكان عن أبي بصير، كما يُفهم من قراءة سند الرواة للحديث؟
وبمعنى آخر: هل يكون السند الأوّل في الرواية هكذا: علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير؟
والسند الثاني في الرواية هكذا: علي بن محمد، عن سهل بن زياد أبي سعيد، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير.
3- وهل يكون هذان السندان صحيحين، أم أنّ أحدهما هو الصحيح فقط؟
وأمّا ما يخصّ التوثيقات لرواة الحديث:
ففي بحثنا عن توثيقات هؤلاء الرواة توضّح بأنّ جميعهم من الثقات، إلاّ سهل بن زياد أبي سعيد، ضعّفه النجاشي وشيخ الطائفة، ونقل عنهم العلاّمة أبي منصور الحلّي ذلك واختلاف الشيخ الطوسي في توثيقه، ونقل ما قاله النجاشي والغضائري عنه في القسم الثاني فيمن لا يعتمد على روايتهم من كتابه (خلاصة الأقوال)، وأيضًا نقل تضعيفه الشيخ الحسن بن علي بن داود الحلّي، ولم يعتنِ بتوثيق الشيخ الطوسي له في كتابه (رجال ابن داود). وكذلك السيّد الخوئي استبعد توثيقه أيضاً.
ورغم ذلك فقد وثّقه السيّد بحر العلوم في (الفوائد الرجالية)، والشيخ النوري الطبرسي في (خاتمة المستدرك).
4- فهل نأخذ بتوثيق السيّد بحر العلوم والشيخ النوري رحمهم الله (للراوي سهل بن زياد أبي سعيد)؟
وكما أشرنا سابقًا، فهل يمكننا أن نحكم على السند الذي فيه (سهل) أنّه صحيح، نظراً لثبوت التعارض مع ما ذكرناه ممّن ضعّفوه في حال القبول بالأخذ بتوثيق السيّد والشيخ؟
وإذا كان الجواب بـ(لا)، هل يرتفع السند الذي فيه سهل إلى (الموثوق) أو (الحسن) نظراً لوجود سند آخر صحيح لنفس الحديث؟
وذكر الكليني (رحمه الله) بعد الحديث المذكور مباشرة: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد والحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن أيوب بن الحر وعمران بن علي الحلبي، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(عليه السلام)، مثل ذلك.
وبحسب اطّلاعي على توثيقات كتب الرجال لم أجد في هذا السند راوٍ واحد ضعيف.
ونحن هنا نسألكم، فأنتم أصحاب الخبرة في هذا المجال، فأفيدونا في ذلك: هل قول الكليني عندما ذكر سند الحديث بقوله: (( مثل ذلك ))، فهل قصد بأنّه نفس الحديث السابق؟
وماذا عن السند لهذا الحديث هل هو صحيح بهذا السند؟
وهل هنالك أحد من كبار علمائنا الإمامية علّق على هذا الحديث وحدّد أي درجة من درجات الحديث: صحيح أم حسن أم ضعيف؟
الجواب:
1- الرواية قد ذكرت بثلاثة أسانيد عند الكليني:
السند الأوّل: علي بن إبراهيم، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(عليه السلام).
السند الثاني: علي بن محمد، عن سهل بن زياد أبي سعيد، عن محمد بن عيسى، عن يونس، عن ابن مسكان، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(عليه السلام).
السند الثالث: محمد بن يحيى، عن أحمد بن محمد بن عيسى، عن محمد بن خالد والحسين بن سعيد، عن النضر بن سويد، عن يحيى بن عمران الحلبي، عن أيوب بن الحر وعمران بن علي الحلبي، عن أبي بصير، عن أبي عبد الله(عليه السلام).
وقد قال المجلسي في (مرآة العقول): صحيح بسنديه(1)، والظاهر أنّه يريد السند الأوّل والسند الثالث إذ عدّ الأوّل والثاني كسند واحد، ويحتمل أنّه يريد السند الأوّل والثاني على بعد، وذلك لأنّه قال في رجاله المعروف بـ(الوجيز)، بخصوص سهل بن زياد: (( ضعيف، وعندي لا يفيد ضعفه لكونه من مشايخ الإجازة ))(2)..
وأيضاً نصَّ على صحّة هذه الرواية السيّد الخوئي(قدس) في تفسيره (البيان)(3).
2- أمّا بشأن عن توثيق سهل بن زياد، فنقول: هناك بحث ظريف للعلاّمة الفاني في كتابه (بحوث في فقه الرجال)(4) بشأن حول وثاقة سهل يمكنكم الاطّلاع عليه، ولكن على أية حال قد ضعّف السيّد الخوئي (قدس) سهلاً(5)، الأمر الذي يستفاد منه أنّه لم يعتمد في تصحيحه للرواية المتقدّمة على السند الذي فيه سهل.
وأمّا ارتفاع السند الذي فيه سهل إلى الموثّق أو الحسن بلحاظ صحّة بعض المتون الأُخرى التي يتّحد سهل في رواياتها مع الثقاة، فهذا ليس من اصطلاح علم الحديث، بل المبنى السليم - والذي يقول به البعض - هو: توثيق الرواية لا الراوي.
3- أمّا سؤالكم عن قول الكليني(ره): (( مثل ذلك ))، فيريد به أي: نفس المتن، والسند المذكور سند صحيح.
(1) مرآة العقول 3: 213.
(2) رجال المجلسي: 224 (870).
(3) البيان في تفسير القرآن: 213 الشبهة الثالثة.
(4) بحوث في فقه الرجال: 171 الخاتمة، البحث الأوّل.
(5) انظر: معجم رجال الحديث 9: 356 (5639).
السؤال: لا يعقل الأمر بالطاعة المطلقة من دون العصمة والاصطفاء
في آية ولاية الأمر، هل من المعقول نقلياً وقرآنياً وعقلياً أن يأمر الله جلّ وعلا بطاعة إنسان من دون أن يصطفيه بعلمه وحكمته؟
أرجو التعليق على هذا الأمر وبيانه للمؤمنين.
الجواب:
إنّ هذا الذي ذكرتموه بعينه قد استفاد منه الفخر الرازي عند تفسيره لقوله تعالى: (( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم )) عصمة (ولاة الأمر)؛ لأنّ الطاعة المطلقة لفرد هي فرع عصمته عن الخطأ، وإلاّ كان الأمر بالطاعة المطلقة مع فرض حصول الخطأ أمر باتّباع الباطل، وهو محال على المولى سبحانه... فإذاً لا بدّ من العصمة والاصطفاء ثمّ الأمر بالطاعة.
قال الفخر الرازي: (( والدليل على ذلك أنّ الله تعالى أمر بطاعة أُولي الأمر على سبيل الجزم في هذه الآية ومن أمر الله بطاعته على سبيل الجزم والقطع لا بدّ وأن يكون معصوماً عن الخطأ؛ إذ لو لم يكن معصوماً عن الخطأ كان بتقدير إقدامه على الخطأ يكون قد أمر الله بمتابعته، فيكون ذلك أمراً بفعل ذلك الخطأ، والخطأ لكونه خطأً منهيّ عنه، فهذا يفضي إلى اجتماع الأمر والنهي في الفعل الواحد بالاعتبار الواحد، وأنّه محال، فثبت أنّ الله تعالى أمر بطاعة أُولي الأمر على سبيل الجزم، وثبت أنّ كلّ من أمر الله بطاعته على سبيل الجزم وجب أن يكون معصوماً ))(1).
ثمّ تمحّل بأنّ المراد من (أُولي الأمر) أهل الحلّ والعقد من الأمّة، وأنّ ذلك يوجب القطع بأنّ اجتماع الأُمّة حجّة، مع أنّه واضح البطلان بنصّ الآية؛ فإنّها تنصّ على أنّ (أُولي الأمر) بعض الأمّة، فقد قال تعالى: (( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم )).
(1) تفسير الرازي 10: 144 قوله تعالى: ((أَطيعوا اللَّهَ وَأَطيعوا الرَّسولَ... )).
السؤال: بيان معنى الولاة في الآية
يتمسّك مخالفوا الشيعة بالآية (83) من سورة النساء وهي قوله تعالى: (( وَإِذَا جَاءَهُم أَمرٌ مِنَ الأَمنِ أَوِ الخَوفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَو رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَىظ° أُولِي الأَمرِ مِنهُم لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَستَنبِطُونَهُ مِنهُم... )) بأنّ المراد: خصوص حالة الخوف - كما في صدر الآية - وذلك يكشف أنّ المراد من (( أُولي الأَمر )) هم: أُمراء السرايا والغزوات الذين كان الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) ينصّبهم ويعيّنهم، وليس المراد بهم الأئمّة، وهذا من الآية واضح..
وتُفسّر هذه الآية، أي قوله تعالى: (( أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الأَمرِ مِنكُم فَإِن تَنَازَعتُم فِي شَيءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُم تُؤمِنُونَ بِاللَّهِ وَاليَومِ الآخِرِ ذَظ°لِكَ خَيرٌ وَأَحسَنُ تَأوِيلاً )) (النساء:59) بالآية السابقة, وإذا أردنا أن نستعين في تفسير هذه الآية بالروايات على أنّها نصّ في الخلافة، فذلك خلاف (القرآن يفسّر بعضه بعضاً)؛ ففي هذه الآية عيّن موارد لزوم الرجوع إلى الله وإلى الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؟
الجواب:
للإجابة عمّا تمسّك به المخالفون في هذه الآية نقول:
أولاً: إنّ الأُمّة قد اختلفت في تعيين وليّ الأمر، وهذا ممّا لا شكّ فيه, ولكنّهم مهما اختلفوا فقد إتّفقوا وأجمعوا، من حيث يريدون أو لا يريدون، على ما يوجب كون الآية تنطبق على الإمام أمير المؤمنين(عليه السلام) دون من سبقه أو من لحقه ممّن تولّى أمر الخلافة، وذلك أنّ الأقوال في تفسير أُولي الأمر ستّة:
1- أُمراء السرايا والغزوات(1)، وهو ما أُشير إليه في السؤال.
2- العلماء، كما عن بعض المفسّرين(2).
3- الأُمراء والولاة(3).
4- أهل الرأي من الصحابة(4).
5- هم: القوّام على الناس والآمرون بالمعروف الناهون عن المنكر(5).
6- هم: عليّ وأبناءه الأئمّة المعصومون(عليهم السلام)، كما هو قول الشيعة(6).
ولا شك أنّ عليّاً(عليه السلام) كان من أُمراء السرايا، كما كان من العلماء ومن القوّام على الناس بالأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وكان من الأُمراء والولاة، ومن أهل الرأي من الصحابة، فهو مرادٌ بالآية على أيّ تقدير بالإجماع، كما بيّناه, أمّا غيره مهما كان ومَن كان فليس عليه مثل هذا الاتّفاق.
فإذا ثبت ذلك له(عليه السلام) وكان هو وليّ الأمر، فهو الذي يعيّن الذي بعده بحكم ولايته, وإذا قلنا بأنّه(عليه السلام) ليس له ذلك، فهو خلاف القول بالولاية.
ثانياً: إنّ الاستعانة في تفسير الآية بالروايات خلاف (القرآن يفسّر بعضه بعضاً)، فليس كذلك صغرى وكبرى، أمّا الكبرى وهي (القرآن يفسّر بعضه بعضاً) فهي ليست آية، وهذا كتاب الله خال منها, ولا رواية عنه(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وإن زُعم أنّها رواية فلماذا لم يلتزم بها الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) نفسه؟
ولنضرب مثلاً واحداً في فريضة واحدة هي من أهم فرائض الإسلام، وهي الصلاة المفروضة خمس مرّات يومياً, ولنأخذ منها فعلاً واحداً من واجباتها كشاهد على ما نقول، وذلك هو: التشهّد، ونختار من أذكاره كيفية الصلاة على النبيّ وآله(عليهم السلام) فيه.
ولا يفوتنا التنبيه على أنّه قد ذهب إلى وجوبها من غير الشيعة الشافعي، وقال ابن حجر في (الصواعق): (( ...الذي ذهب إليه الشافعي هو الحقّ الموافق لصريح السُنّة ولقواعد الأُصوليين، ويدلّ له أيضاًً أحاديث صحيحة كثيرة استوعبتها في شرحي الإرشاد والعباب، مع بيان الردّ الواضح على من شنّع على الشافعي، وبيان أنّ الشافعي لم يشذ، بل قال به قبله جماعة من الصحابة، كـابن مسعود وابن عمر وجابر وأبي مسعود البدري وغيرهم، والتابعين، كـالشعبي والباقر وغيرهم، كإسحاق بن راهويه وأحمد، بل لمالك قول موافق للشافعي رجّحه جماعة من أصحابه, بل قال شيخ الإسلام خاتمة الحفّاظ ابن حجر - العسقلاني -ـ: لم أر عن أحد من الصحابة والتابعين التصريح بعدم الوجوب إلاّ ما نقل عن إبراهيم النخعي مع إشعاره بأنّ غيره كان قائلاً بالوجوب ))(7).
نقول: فإنّ كيفية هذه الصلاة في التشهد لم يکن يعرفها الصحابة، فسألوه (صلّى الله عليه وآله وسلّم) عن كيفيّتها لمّا نزلت الآية: (( إنَّ اللَّهَ وَمَلَائكَتَه يُصَلّونَ عَلَى النَّبيّ يَا أَيّهَا الَّذينَ آمَنوا صَلّوا عَلَيه وَسَلّموا تَسليمًا )) (الاحزاب:56)، فقد صحّ عن كعب بن عجرة، قال: (( لمّا نزلت هذه الآية قلنا: يا رسول الله! قد علمنا كيف نسلّم عليك فكيف نصلّي عليك؟ فقال: (قولوا اللّهمّ صلّ على محمّد وعلى آل محمّد... إلخ ) ))(8).
فهذه الآية أمرت المؤمنين بالصلاة على النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، أمّا كيف؟ ومتى؟ فذلك ما تكفّلت السُنّة ببيانه, ولم يُذكر في شيء من مصادر التفسير أو الحديث أنّ أحداًَ من الصحابة اعترض على الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وقال له: كيف فسّرت القرآن من نفسك، وإنّما (القرآن يفسّر بعضه بعضاً)؟ أو قال له: إنّ الآية أمرتنا بالصلاة عليك وحدك ولم تذكر الآل معك، فمن أين أوجبت الصلاة عليهم ولم يرد ذلك في آية أُخرى تفسّر هذه الآية؟
وهذا الذي ذكرناه هو ما يأتي به المصلّي كلّ يوم في فرائض الصلوات الخمس، فكيف بباقي الأحكام؟ إذاً ليس (القرآن يفسّر بعضه بعضاً)، وقد تبيّن حال الصغرى ممّا سبق أيضاً.
ثالثاً: لو التزمنا جدلاً بأنّ القرآن يفسّر بعضه بعضاً، فإنّ في آي الذكر الحكيم ما يدلّ على تعيين (وليّ الأمر) كما في قوله تعالى: (( إِنَّمَا وَلِيُّكُمُ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَالَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلاةَ وَيُؤتُونَ الزَّكَاةَ وَهُم رَاكِعُونَ )) (المائدة:55)، وحيث ثبت أنّ الولاية - في هذه الآية - هي لله ولرسوله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وللذين آمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون لا لغيرهم بقرينة (إنّما)، وهي أداة حصر، فهذه فسّرت من هو المراد بـ(أُولي الأمر) في الآية المشار إليها في السؤال.
بقي تعيين مَن تنطبق عليه تلك الأوصاف الثلاثة مجتمعة: (الإيمان، وإقامة الصلاة، وإيتاء الزكاة وهو راكع)، وهو ما ثبت لأمير المؤمنين(عليه السلام)، كما في تفسير ابن جرير، وكشّاف الزمخشري، والفخر الرازي، والقرطبي، والحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل، والدرّ المنثور للسيوطي، وغيرهم(9).
وبهذه الآية التي تكفّلت معنى الولاية في المقام وأنّها من سنخ ولاية الله وولاية الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) نفسّر الآية المشار إليها آنفاً في السؤال؛ فلاحظ!
وتعقيباً على ما تقدّم من أنّ القرآن يفسّر بعضه بعضاً، نقول: إنّ آية المباهلة التي هي قوله تعالى: (( ...فقل تَعَالَوا نَدع أَبنَاءنَا وَأَبنَاءكم وَنسَاءنَا وَنسَاءكم وَأَنفسنَا وأَنفسكم... )) (آل عمران:61) قد نصّت على أنّ أمير المؤمنين(عليه السلام) هو نفس النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ حيث أخرج مسلم والترمذي وأحمد والبيهقي والحاكم والرازي والزمخشري وابن جرير والواحدي وابن حجر وغيرهم: أنّه(صلّى الله عليه وآله وسلّم) دعا عليّاً وفاطمة والحسن والحسين، وقال: (اللّهمّ هؤلاء أهلي...)(10)، فإذا كان عليّ(عليه السلام) نفس الرسول(صلّى الله عليه وآله وسلّم) بنصّ الآية المذكورة، فلماذا تخلّف المسلمون عنه وقد أمرهم الله تعالى بأن لا يرغبوا بأنفسهم عن نفسه، كما في قوله تعالى: (( مَا كَانَ لأَهل المَدينَة وَمَن حَولَهم مّنَ الأَعرَاب أَن يَتخلّفوا عَن رَّسول اللّه وَلاَ يَرغَبوا بأَنفسهم عَن نفسه... )) (التوبة:120)؟
ولو لم يكن عليّ(عليه السلام) هو المراد لمّا عبّر تعالى عنه بقوله: (( عَن نفسه ))، ولقال: (ولا يرغبوا بأنفسهم عنه)؛ فلاحظ!
وأمّا أنّ المراد من (أولوا الأمر) في قوله تعالى: (( وَلَو رَدّوه إلى الرَّسول وَإلَى أولي الأَمر منهم لَعَلمَه الَّذينَ يَستَنبطونَه منهم... )) (النساء:83)، هم: أُمراء السرايا أوّل الكلام.
كيف وقد عممت الآية في أوّلها الأمر على حالتي الأمن والخوف لا خصوص حالة الخوف، كما يدّعي هذا المستشكل، قال تعالى: (( وَإِذَا جَاءَهُم أَمرٌ مِنَ الأَمنِ أَوِ الخَوفِ أَذَاعُوا بِهِ وَلَو رَدّوه... )).
والآية نازلة لبيان حالة إشاعة الأراجيف بين المسلمين من قبل ضعاف النفوس، وأنّهم لو ردّوا الأمر إلى الرسول وإلى أُولي الأمر لأعلموهم حقيقة الحال وواقع هذه الأراجيف.
فهذه الآية ناظرة إلى ما يمس أمن الدولة واستقرارها، واتّخاذ القرار في هذا الشأن أنسب بمنصب الإمام ورئيس الدولة لا بأُمراء السرايا الذين هم قادة عسكريون. مع أنّ الآية ساوت في الردّ إلى رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم) وأُولي الأمر، وأخبرت بأنّ ما يستنبطونه يحصل به العلم، ولا يصحّ ذلك إلا إذا ثبتت لهم العصمة كرسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ لأنّ من قوله يحصل العلم لمحلّ العصمة، وأُمراء السرايا لا يصيبون دائماً؛ لأنّهم غير معصومين.
ومن هنا وردت الروايات الكثيرة عندنا بأنّ المراد من (أُولوا الأمر) في الآية هم: الأئمّة من أهل البيت(عليهم السلام)(11).
فظهر من هذا أنّ (أُولي الأمر) في آية الولاية هم المعنيون نفسهم في قوله تعالى: (( وَلَو رَدّوه إلى الرَّسول وَإلَى أولي الأَمر منهم لَعَلمَه الَّذينَ يَستَنبطونَه منهم... )).
(1) تفسير ابن أبي حاتم 3: 988 قوله تعالى: ((يَا أَيّهَا الَّذينَ آمَنوا أَطيعوا اللَّهَ وَأَطيعوا الرَّسولَ... )).
(2) معاني القرآن للنحاس 2: 121(134)، تفسير الواحدي 1: 271.
(3) تفسير البيضاوي 2: 205، جامع البيان 5: 202.
(4) معاني القرآن للنحاس 2: 121، تفسير الثعلبي 3: 334.
(5) الفصول المختارة: 118.
(6) الفصول المختارة: 118، شواهد التنزيل 1: 189 قوله تعالى: ((أَطيعوا اللَّهَ وَأَطيعوا الرَّسولَ... )).
(7) الصواعق المحرقة 2: 433 الباب الحادي عشر في فضائل أهل البيت النبوي، الفصل الأوّل، الآية الثانية.
(8) صحيح البخاري 7: 156 باب (الصلاة على النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم))، سنن الدارمي 1: 309 باب (الصلاة على النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم)).
(9) جامع البيان 6: 389 - 390، الكشّاف 1: 624، تفسير الرازي 12: 26، تفسير القرطبي 6: 221 - 222، شواهد التنزيل 1: 209 - 239 ح216 - 240، الدرّ المنثور 2: 293، 294.
(10) صحيح مسلم 7: 120 كتاب فضائل الصحابة باب(فضائل علي عليه السلام)، سنن الترمذي 4: 293 أبواب تفسير القرآن عن رسول الله(صلّى الله عليه وآله وسلّم)، ومن تفسير آل عمران ح4085، ومناقب علي بن أبي طالب ح3808، مسند أحمد 1: 185 مسند سعد بن أبي وقّاص، السنن الكبرى للبيهقي 7: 63 باب (اليه ينسب أولاد بناته)، المستدرك على الصحيحين 3: 150 مناقب أهل البيت، تفسير الرازي 8: 85، الكشّاف 1: 434، جامع البيان 3: 407 - 410، أسباب نزول الآيات: 67 سورة آل عمران، فتح الباري 7: 60 مناقب علي بن ابي طالب.
(11) تفسير العيّاشي 1: 260 قال تعالى: ((وَإِذَا جَاءَهُم أَمرٌ مِنَ الأَمنِ أَوِ الخَوفِ... ))، تفسير القمّي: 145، التبيان 3: 273، بشارة المصطفى: 170، خطبة الحسن بن علي(عليه السلام)، المحاسن 1: 268ح356.
يتبع