الشيخ عباس محمد
10-01-2018, 08:27 PM
البيعة / اسئلة واجوبة
السؤال: ما هي البيعة
أريد أن أعرف ما هي البيعة وهل هي واجبة وما هي حق الذي نبايع عليناوما حقنا عليه وما هو النص الشرعي على ذلك
الجواب:
أولاً: البيعة في لغة العرب: الصفقه على ايجاب البيع, وصفق يده بالبيع والبيعة, وعلى يده صفقا: ضرب بيده على يده عند وجوب البيع, وتصافقوا : تبايعوا، كان هذا معنى البيعة لدى العرب. أما العهد والحلف : فقد كانت العرب تعقد الحلف والعهد بأساليب مختلفة, مثل ما فعل بنو عبد مناف حين أرادوا أن يقاتلوا بني عبدالدار على من يقوم بحجابة البيت وسقاية الحج وغيرهما من أعمال السيادة بمكة . روى ابن اسحاق أن بني عبد مناف أخرجوا جفنة مملوءة طيبا فوضعوها في المسجد عند الكعبة, ثم غمسوا أيديهم فيها, وتعاقدوا وتعاهدوا هم وحلفاؤهم, ثم مسحوا الكعبة بأيديهم توكيدا على أنفسهم وسموا " المطيبين ". وروى ابن اسحاق في أمر تجديد الكعبة : أن البنيان عندما بلغ موضع الركن اختصموا فيه, كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الاخرى, حتى تحاوروا وتحالفوا, وأعدوا للقتال, فقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دما, ثم تعاقدوا هم وبنو عدي بن كعب بن لؤي على الموت, وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم في تلك الجفنة, فسموا " لعقة الدم "
ثانياً: البيعة كمصطلح إسلامي: والبيعة التي تعني صفق اليد على اليد، فهي كما أصبحت في لغة العرب علامة على وجوب البيع, فقد اصبحت في الاسلام علامة على معاهدة المبايع المبايع له ان يبذل له الطاعة في ما تقرر بينهما, ويقال : بايعه عليه مبايعة : عاهده عليه . وورد في القرآن الكريم في قوله تعالى : (( ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله, يد الله فوق ايديهم, فمن نكث فانما ينكث على نفسه, ومن اوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه اجرا عظيما )).
ونذكر من سنة الرسول (صلى الله عليه وآله) : ثلاث مرات أخذ الرسول (صلى الله عليه وآله) فيها البيعة من المسلمين :
1- البيعة الاولى أول بيعة جرت في الاسلام هي بيعة العقبة الاولى، اخبر عنها عبادة بن الصامت وقال : وافى موسم الحج من الانصار اثنا عشر رجلا ممن اسلم منهم في المدينة وقال عبادة : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة النساء وذلك قبل أن يفترض علينا الحرب, على أن لا نشرك بالله شيئا, ولا نسرق, ولا نزني, ولا نقتل اولادنا, ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين ايدينا وارجلنا, ولا نعصيه في معروف, فان وفيتم فلكم الجنة, وان غشيتم من ذلك شيئا فأخذتم بحده في الدنيا فهو كفارة له, وان سترتم عليه إلى يوم القيامة فأمركم إلى الله عزوجل : ان شاء عذب, وان شاء غفر, وسميت هذه البيعة ببيعة العقبة الاولى.
2- البيعة الثانية الكبرى بالعقبة روى كعب بن مالك وقال : خرجنا من المدينة للحج وتواعدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة أواسط ايام التشريق, وخرجنا بعد مضي ثلث الليل متسللين مستخفين حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ونحن ثلاث وسبعون رجلا وامرأتان, فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه عمه العباس, فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القرآن ودعا إلى الله ورغب في الاسلام ثم قال : (( ابايعكم على ان تمنعوني مما تمنعون نساءكم وابناءكم )) فاخذ البراء بن معرور بيده ثم قال : نعم والذي بعثك بالحق لنمنعنك مما نمنع به أزرنا، فبايعنا يا رسول الله فنحن والله اهل الحروب.... فقال أبو الهيثم بن التيهان : يا رسول الله ان بيننا وبين الرجال حبالا, وانا قاطعوها - يعني اليهود - فهل عسيت ان نحن فعلنا ذلك ثم اظهرك الله ان ترجع إلى قومك وتدعنا فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : (( بل الدم الدم والهدم الهدم... )) اي : ذمتي ذمتكم وحرمتي حرمتكم . وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : (( اخرجوا الي منكم اثني عشر نقيبا ليكونوا على قومهم بما فيهم )) فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبا, تسعة من الخزرج وثلاثة من الاوس, قال رسول الله صلى الله عليه وآله : (( انتم على قومكم بما فيكم كفلاء ككفالة الحواريين لعيس بن مريم, وانا كفيل على قومي )) يعني : المسلمين, قالوا : نعم . واختلفوا فيمن كان اول من ضرب على يده, اسعد بن زرارة أم أبو الهيثم بن التيهان ؟.
3- بيعة الرضوان, أو بيعة الشجرة في سنة سبع من الهجرة, استنفر رسول الله صلى الله عليه وآله اصحابه للعمرة فخرج معه الف وثلاثمائة, أو الف وستمائة, ومعه سبعون بدنة, وقال لست احمل السلاح, انما خرجت معتمرا واحرموا من ذي الحليفة, وساروا حتى دنوا من الحديبية على تسعة اميال من مكة, فبلغ الخبر اهل مكة فراعهم, واستنفروا من أطاعهم من القبائل حولهم وقدموا مائتي فارس عليهم خالد بن الوليد أو عكرمة بن ابي جهل،
فاستعد لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وقال : إنَّ الله امرني بالبيعة, فاقبل الناس يبايعونه على ألا يفروا, وقيل بايعهم على الموت, وأرسلت قريش وفدا للمفاوضة فلما رأوا ذلك تهيبوا وصالحوا رسول الله صلى الله عليه وآله...
هذه ثلاثة أنواع من البيعة على عهد الرسول صلى الله عليه وآله وهي :
أ- البيعة على الاسلام
ب- البيعة على اقامة الدولة الاسلامية
ج- البيعة على القتال.
والبيعة الثالثة تجديد للبيعة الثانية, وذلك لان الرسول صلى الله عليه وآله كان قد استنفرهم للعمرة . وبعد تبدل الحالة من العمرة إلى القتال, كانت الحالة الحادثة مخالفة للعمل الذي استنفرهم له وخرجوا من اجله, فكأنه كان مخالفا لما عاهدهم عليه, فلذلك احتاج إلى اخذ البيعة للقيام بالعمل الجديد, وفعل ذلك وأعطى ثمره في ارعاب اهل مكة, وحصول النتيجة المطلوبة .
ونختم البحث بست روايات وردت في البيعة وطاعة الامام :
1- روى ابن عمر قال : كنا نبايع رسول الله (صلى الله عليه وآله) على السمع والطاعة ثم يقول لنا : (فيما استطعت).
2- وفي رواية, وقال علي : " ما استطعتم ".
3- وفي رواية, وقال جرير، قال قل : " في ما استطعت ".
4- وروى الهرماس بن زياد قال : مددت يدي إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وانا غلام ليبايعني فلم يبايعني. وعن ابن عمر قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : " على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره, الا أن يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " وعن ابن مسعود قال : قال : " سيلي أموركم بعدي رجال يطفئون السنة ويعملون بالبدعة, ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها " فقلت : يا رسول الله ! ان ادركتهم كيف أفعل ؟ قال : " تسألني يا ابن أم عبد كيف تفعل ؟ لا طاعة لمن عصى الله ".
5- وعن عبادة بن الصامت في حديث طويل آخره : " فلا طاعة لمن عصى الله تبارك وتعالى فلا تعتلوا بربكم ". وفي رواية : " لا تضلوا بربكم"..
ويتضح لنا من دراسة البيعة في سنة الرسول صلى الله عليه وآله ان للبيعة ثلاثة اركان :
أ- المبايع .
ب- المبايع له .
ج- المعاهدة على الطاعة للقيام بعمل ما .
وتقوم البيعة اولا على تفهم ما يطلب الطاعة على القيام به, ثم تنعقد المعاهدة بضرب يد المبايع على يد المبايع له بالكيفية الواردة في السنة, والبيعة على هذا مصطلح شرعي, غير ان شروط تحقق البيعة المشروعة في الاسلام غير واضحة لكثير من المسلمين اليوم فنقول : تنعقد البيعة في الاسلام إذا توفر فيها الشروط الثلاثة التالية :
أ- ان يكون المبايع ممن تصح منه البيعة, ويبايع اختياريا .
ب- ان يكون المبايع له ممن تصح مبايعته .
ج- ان تكون البيعة لامر يصح القيام به . وعلى ما بينا لا تصح البيعة من صبي أو مجنون, لانهما غير مكلفين بالاحكام في الاسلام, ولا تنعقد بيعة المكره, لان البيعة مثل البيع فكما لا ينعقد البيع بأخذ المال من صاحبه قهرا ودفع الثمن له, كذلك البيعة لا تنعقد بأخذها بالجبر وفي ظل السيف. وكذلك لا تصح البيعة للمتجاهر بالمعصية, ولا تصح البيعة للقيام بمعصية الله, إذن فالبيعة مصطلح إسلامي, ولها أحكامها في الشرع الإسلامي.
وحسبما تقدم, فأن البيعة في واقع أمرها تصح في باب النبوة والإمامة أو الخلافة كما جاء في الحديث الشريف: (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية).
في حق من لا يأمر بمعصية ومن لا يأمر بخلاف ما أمر الله, كما أنه لا بيعة لمن يعصي الله, لما ورد عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله): (( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره, إلا أن يؤمر بمعصية, فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)) (صحيح البخاري, كتاب الأحكام, باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية), وهذا الفرض لا يتحقق إلا في المعصوم, لأن غير المعصوم تصدر عنه المعصية, فلا سمع ولا طاعة, فلا بيعة حقيقية في حقّه..
وبما أن العصمة هي أمر باطني روحي لا يعلمه إلا الله تعالى, فيكون النص هو الطريق الوحيد لتعيين المعصوم, وتكون البيعة له مؤكدة؟ لنبوته أو إمامته لا مؤسفسة لها, إذ المؤسفس هو النص كما تقدم..
يقول آية الله السيد كاظم الحائري عن مغزى البيعة مع المعصومين: ((ان المعصوم (عليه السلام) على رغم ان له ولاية الامر والحكومة بتشريع من قبل الله تعالى لم يكن من المقرر الهيا ان يرضخهم لماله من حق الحكومة بالاكراه الاعجازي, كما انه لا تجبر الامة على الاحكام الاخرى كالصلاة والصوم بالجبر الاعجازي والا لبطل الثواب والجزاء, لان الناس يصبحون مسيرين عن غير اختيار. بل كان من المقرر ان يصل المعصوم الى السلطة بالطرق الاعتيادية ومن الواضح الوصول الى السلطة بالطريق الاعتيادي وبغير الاعجاز ينحصر في وجود ناصرين له من البشر, فكان اخذ البيعة منهم لاجل التأكد من وجود ثلة كافية من الامة تعهدوا بنصر المعصوم والعمل معه في جهاده وسائر اموره الحكومية ولولاهم لعجز المعصوم حسب القوة البشرية ومن دون الاعجاز عن تحقيق السلطة والحكومة خارجاً))
وعلى هذا فقد رفض الشيعة جعل البيعة مؤسسة ـ كما فعل أهل السنة ـ للخلافة أو الإمامة, لانها قد تقع مع من لا تصح معه شرعاً, وقد كشف التأريخ عن صدق قولهم هذا, فكم تولى هذا المنصب, منصب الخلافة, بأسم البيعة, قد تبين بعدها أنه من أفسق الناس وأكثرهم جوراً وظلماً بل من لا يصح نعته بإنسان فضلاً عن وصفه بخليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله)!!..
فالبيعة على الحكم ـ كما يراه الشيعة ـ إنما تصح بحق من نصَّ عليه الشرع المبين كالنبي (صلى الله عليه وآله) الذي أيّده الله بمعاجزه ووحيه, والإمام الذي نصَّ النبي (صلى الله عليه وآله) على وجوب موالاته وإتّباعه, وهم عندنا الائمة الاثنا عشر المعصومين (عليهم السلام) الذين أولهم أمير المؤمنين عليه السلام, وآخرهم الامام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف).
وفي زماننا هذا, زمن الغيبة الكبرى للإمام المهدي (عليه السلام) فالمبايعة إنما تعني الطاعة والامتثال لأوامره (عليه السلام) والتي منها الخبر الوارد في التوقيع الشريف الصادر عنه: ( وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا, فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله) (وسائل الشيعة 27 / 140).. والذي يعني المتابعة لرواة أحاديثهم ـ عليهم السلام ـ من الفقهاء ومراجع الدين.. (ولزيادة الإطلاع ينظر المصدر: معالم المدرستين للسيد المرتضى العسكري: 1/152ـ 158)
السؤال: بيعة النساء
المعلوم ان النساء قد بايعن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهي واجبة كما بين
ذلك بالكتاب والسنة ، وهناك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتتة جاهلية.
فهل وجبت بيعة النساء للخلفاء بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ؟
وهل ذكر بان احد النساء بايعن احد الخلفاء سوى للامام علي عليه السلام او من خصهم اهل السنة بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى لا يموتن ميتة جاهلية ؟
الجواب:
لا وجوب للبيعة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والخبر المذكور ورد في روايات العامة،والذي ورد عندنا كما في (الكافي ج1ص371): من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية، أو من مات وليس عليه إمام فيمتته ميتة جاهلية.
ولعل الخلفاء الذين جاءوا بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) لما رؤوا أن الحديث لا ينطبق عليهم كونهم ليسوا بأئمة جعلوه بالصيغة التي ذكرتها.
ثم إن بيعة النساء لرسول الله (صلى الله عليه وآله) لم تكن من نوع البيعة المذكورة في الخبر،بل هي بيعة كما ذكرت الآية القرآنية عن ترك الشرك وعبادة الأوثان واجتناب السرقة والزنا وقتل الأولاد واجتناب البهتان والافتراء وعدم العصيان في المعروف.
بينما البيعة التي يريدها أنصار هذا الحديث هي الطاعة المطلقة لمن تسلط على رقاب المسلمين.
ويبدو من تتبع الأخبار أنه لم تحصل بيعة لأبي بكر من قبل النساء، وكذلك لعلي (عليه السلام)، فهما فقط اللذان تمت لهما البيعة.
السؤال: بيعة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)
نشكر لكم هذه الجهود لنشر معالم أهل البيت عليهم السلام ووفقكم الله لكل خير
سؤالي هو عن خطبة وجدتها في كتاب نهج البلاغة، يقول الامام علي عليه السلام بالشورى وهذه هي ومن كتاب له (عليه السلام) إلى معاوية :
( إنَّه بَايَعَني الْقَوْم الَّذينَ بَايَعوا أَبَا بَكْر وَعمَرَ وَعثْمانَ عَلَى مَا بَايَعوهمْ عَلَيْه، فَلَمْ يَكنْ للشَّاهد أَنْ يَخْتَارَ، وَلاَ للغَائب أَنْ يَردَّ، وَإنَّمَا الشّورَى للْمهَاجرينَ وَالاَْنْصَار، فَإن اجْتَمَعوا عَلَى رَجل وَسَمَّوْه إمَاماً كَانَ ذلكَ لله رضىً، فَإنْ خَرَجَ عَنْ أَمْرهمْ خَارجٌ بطَعْن أَوْبدْعَة رَدّوه إلَى مَاخَرَجَ منه، فَإنْ أَبَى قَاتَلوه عَلَى اتّبَاعه غَيْرَ سَبيل الْمؤْمنينَ، وَوَلاَّه الله مَا تَوَلَّى. وَلَعَمْري، يَا معَاويَة، لَئنْ نَظَرْتَ بعَقْلكَ دونَ هَوَاكَ لَتَجدَنّي أَبْرَأَ النَّاس منْ دَم عثْمانَ، وَلَتَعْلَمَنَّ أَنّي كنْت في عزْلَة عَنْه، إلاَّ أَنْ تَتَجَنَّى ; فَتَجَنَّ مَا بَدَا لَكَ! وَالسَّلاَم).
وما هو ردكم عليها ؟
الجواب:
لقد نقل لنا التاريخ أنّ الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) ما مدّ يده الى البيعة إلاّ بعد إلحاح الجماعة - من المهاجرين والانصار وغيرهم - والصحابة في الطليعة وفيهم طلحة والزبير .
وبعد أن تمّت البيعة للامام (عليه السلام) كتب لمعاوية رسالة مع جرير بن عبد الله البجلي جاء فيها : ( إنّه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه ) فكانّما يريد (عليه السلام) أن يقول له : يا معاوية أنت تعترف بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان لأنّها تمّت ببيعة المهاجرين والانصار, وعلى ما تعترف به وتذهب اليه فقد بايعني القوم فلزمتك ببيعتي وأنت بالشام فبايع كما بايع القوم .
(فلم يكن للشاهد أن يختار ) ويرفض ويعترض إذا تمّت البيعة من اكثريّة الصحابة وغيرهم ( ولا للغائب أن يردّ ) بيعة الامام الذي بايعه القوم ( وانّما الشورى للمهاجرين والانصار ) فكانّما يريد (عليه السلام) أن يقول له : يا معاوية الست تعتقد بالشورى وتحتجّ بها؟ الست تعتقد بالإجماع وتحتجّ به؟ فقد بويعت بمشورة المهاجرين والانصار وقد تمّت البيعة لي بإجماع المسلمين ( فإن اجتمعوا - اي القوم - على رجل وسمّوه إماما كان ذلك لله رضىً ) هذا ما تعتقده فلماذا لا تبايع؟ وكما يقول المثل ( فما عدا ممّا بدا )؟ .
اذن قال (عليه السلام) هذا الكلام على مقتضى عقيدة القوم ومن باب ( الزموهم بما الزموا به أنفسهم ) وإلاّ فإمامته كانت ثابتة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) بلا فصل بالنصّ الصادر من النبي (صلى الله عليه وآله) على ما افاضت اليه الادلة اليقينيّة المستفيضة في مظانّها .
السؤال: هل بايع علي (عليه السلام) الخلفاء ؟
هل بايع الامام علي رضي الله عنه الخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان ؟
ما نوع العلاقة التي كانت بين الامام علي والخلفاء المذكورين اعلاه ؟هل كان الامام علي يخالط ويصلي ويأكل ويصاهر مع الخلفاء المذكورين ؟
الجواب:
اتفقت النصوص الاسلامية - أعم من شيعية وسنية - على عدم مبادرة أمير المؤمنين (عليه السلام) وكل بني هاشم - نساءاً ورجالاً - وجمع من كمّل الصحابة الى البيعة، ولا نرى المسألة بحاجة الى اثبات, كما ولم تكن المدة قصيرة, والبيعة لا تحتاج الى برهة طويلة … ويحق لنا ان نتسأل لماذا؟! ثم حصلت بيعة صورية تحت ظروف قاسية من وجهتنا وتحت ضغوط قسريّة, وهذا أيضاً مسلّم .
وبعد هذا وذاك فلربما حصلت بيعة .. أو مسح أبي بكر يده على يد أمير المؤمنين (عليه السلام) المقبوضة .. أو ما أشبه ذلك، ممّا شوهتها لنا النصوص واحاطتها بنوع من التكتم و الغموض .. وبأي دليل كان ذاك أو فرضناه مما صرّح به أمير المؤمنين (عليه السلام) من خوف الفتنة .. او ارتداد المسلمين .. أو غيرها . نقول بعد كل هذا, لا معنى لمثل أبي الحسن (عليه السلام) ان ينقض ما تعهّد به !!
هذا بالنسبة الى أبي بكر خاصة.
أما عمر, فالمسألة تنصيص ولم تكن ثمّه بيعة ولا شورى ولا انتخاب و.. والعجب أن التنصيص على أمير المؤمنين (عليه السلام) رفضه القوم من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقبلوه من أبي بكر على عمر!!!
وأمّا عثمان, فقد أجمع المؤرخون بأن المسألة كانت إكراه وسيوف مرفوعة على الباب … لا تختلف بتاتاً عن السقيفة !! وأما العلاقة بين سيد الوصيين (عليه السلام) مع الخلفاء, فكانت بحسب الظاهر مسألة رفع جهل عنهم وحماية عن الشريعة أو فك غموض .. أو ما شاكل ذلك .. كوظيفة أي عالم أمام الجهال, وكل حريص على دينه ورسالته مقابل من يريد الكيد بها أو تحريفها .
ومقولة الخليفة الثاني المستفيضة : ((لولا علي لهلك عمر)) مشهورة, ولا نعرف مقولة معاكسه : لولا عمر .. أو غيره لهلك …. ويكفي - حسب تصورنا - لمن درس حياة أمير المؤمنين (عليه السلام)، انه لو كان له ثمة اعتقاد بصحة ما عليه القوم … لكان لا أقل قائد جيوشهم, ومنظم كتائبهم … كما كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولما انزوى عن الساحة واقتصر على اليسير من المعاشرة التي تمليها الضرورة والحاجة . والمخالطة أو المؤاكلة, وغيرهما فهي لا تدل على شيء, إذ كانت مع اليهود والنصارى آنذاك.
كما لا نعرف له (عليه السلام) مصاهرة معهم إلاّ القصة المفتعلة من تزويج ابنته أم كلثوم من عمر .. ولنا فيها كلام .. كما أنك تدرك أن البحث لا تسعه سطور .
السؤال: هل حصلت من الامام علي (عليه السلام) ؟
أنتم الشيعة تقولون أن علياً كرم الله وجه كان أحق من أبي بكر الصديق الذي قال عنه الرسول بما معناه أنه لا يوجد بعد الانبياء خير من أبي بكر، وكان احق للخلافة من عمر و عثمان رضي الله عنهما.
هكذا تدعون، فاذا كان الامر صحيحاً، فلما بايع علي كرم الله وجهه هؤلاء الخلفاء الثلاثة؟
صحيح تأخر في بيعة أبي بكر عدة أشهر ولكنه بايع ... فما تقولون في ذلك؟
الجواب:
أيها الاخ المحترم لا يخفى عليكم ان الشيعة انما تقول بثبوت الامامة والخلافة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) بلا فصل لسيدنا أمير المؤمنين علي (عليه السلام), وأنّه أفضل من الصحابة كلّهم للادلة الكثيرة على ذلك من القرآن الكريم - كآية الولاية وهي النازلة في قضية تصدقه بالخاتم وهي قوله تعالى: (( إنما وليكم الله ورسوله والذين أمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون )) [المائدة / 55] وغيرها من الآيات النازلة في حق علي (عليه السلام) - ومن المقطوع به من السنة الشريفة - كحديث الغدير المتواتر بين المشهور, وكحديث الطير ( اللهم ائتني بأحب خلقك اليك يأكل معي من هذا الطائر ) فجاء أمير المؤمنين (عليه السلام), وقد ثبت أنّ أحب الخلق الى الله سبحانه وتعالى أعظمهم ثوابا عند الله، وأن اعظم الناس ثوابا لا يكون إلا لانه أشرفهم اعمالا واكثرهم عبادة لله تعالى, وفي ذلك برهان على فضل علي (عليه السلام) على الخلق كلهم سوى النبي (صلى الله عليه وآله) .
وأما ما قلته في حق أبي بكر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال بما معناه: (لا يوجد احد بعد الانبياء خير من أبي بكر )، فهذا غير ثابت في مصادرنا, بل وغير ثابت عند السنة أيضاً ويعتبرونه من الموضوعات .
وأما قولك أن علياً (عليه السلام) قد بايع أبا بكر بعد مدّة، فهذا أول الكلام! حيث الثابت عند محققي الشيعة - كما نصَّ عليه الشيخ المفيد - انه (عليه السلام ) لم يبايع ساعة قط, وقال في شرح ذلك :ومما يدل على انه لم يبايع البتة أنّه ليس يخلو تأخره من أن يكون هدى وتركه ضلالاً, أو يكون ضلالاً وتركه هدى وصواباً, أو يكون صواباً وتركه صواباً, أو يكون خطأً وتركه خطأً, فلو كان التأخر ضلالاً وباطلاً, لكان أمير المؤمنين (عليه السلام) قد ضل بعد النبي (صلى الله عليه وآله) بترك الهدى الذي كان يجب المصير إليه، وقد أجمعت الأمة على أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يقع منه ضلال بعد النبي (صلى الله عليه وآله) ولا في طول زمان أبي بكر وأيام عمر وعثمان وصدراً من أيامه حتى خالفت الخوارج عند التحكيم وفارقت الامة, وبطل أن يكون تأخره عن بيعة أبي بكر ضلالا .
وإن كان تأخره هدى وصواباً وتركه خطأً وضلالاً، فليس يجوز أن يعدل عن الصواب إلى الخطأ ولا عن الهدى إلى الضلال لا سيما والإجماع واقع على أنّه لم يظهر منه ضلال في أيام الثلاثة الذين تقدموا عليه، ومحال أن يكون التأخر خطأً وتركه خطأً للإجماع على بطلان ذلك أيضاً ولما يوجبه القياس من فساد هذا المقال .
وليس يصح أن يكون صواباً وتركه صواباً لأنّ الحق لا يكون في جهتين مختلفتين ولا على وصفين متضادين . فثبت بما بيناه أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يبايع أبا بكر على شيء من الوجوه كما ذكرناه .
السؤال: هل بايع الإمام علي (عليه السلام) أم لما يبايع?
قرأت ردودكم حول بيعة الامام علي لابي بكر .. وفيها رأي يقول لم يبايع وفيها راي انه بايع مكرها .. فهل بايع الامام مكرها ام لم يبايع بغض النظر عن التفاصيل واذا كانت البيعة ترتب اثرا شرعيا او لا ترتب وهي بالاكراه اكيد لا ترتب ..
وثانيا .. اذا كانت البيعة بالاكراه تشكل مبررا فلماذا يلام الكثير الكثير من الصحابة الذين بايعوا بالاكراه ..
الجواب:
أولاً: إذا اعتبرت ان سحب يد الإمام وهي مضمومة حيث لم يفتحها ولم يستطع أحد فتحها إذا اعتبرت ذلك بيعه فقد بايع مكرها وان لم تعتبرها بيعة فهو لم يبايع.
ثانياً: نحن لا نلوم من بايع تحت وطأة التهديد والإكراه بقدر ما نلوم من فعل ذلك بهم فاللوم هو على محصلي البيعة بالإكراه, نعم قد يلام المجموع لأنهم ضعفوا عن مجابهة الباطل وكان بإمكانهم لو عملوا كمجموعة أن يفعلوا شيئاً.
السؤال: هل بايع الإمام علي (عليه السلام) أبا بكر؟ وهل كانت بيعته عن رضا؟
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد .. وعجل فرجهم .
بعد مناظرتي الطويلة مع الوهابيه في موضوع أول خليفه وبيعة علي عليه السلام له ..
خرجوا لنا بانهم المنتصرين لاقرارنا ببيعة علي السلام لـ أبي بكر وغضوا البصر على أنه كان للمصلحة العامة .. وأخذوا يهللون بأنهم المنتصرون .. على رغم من ذكر المصادر العقلية ألا وهو انه عليه السلام هو من كان لديه العلم الإمامي ..
الا أنهم وضعوا على أعينهم الغمامة ووضعوا تحت ( عليه سلام بايع أبي بكر ) 100 خط وهذا ما جعل خلافته تكون صحيحة ..
فما ردكم على هؤلاء القوم ؟
الجواب:
السؤال الذي يطرح نفسه في هذه المسألة: هل كانت بيعته (عليه السلام) عن رضا أم عن إكراه؟
فإن قالوا أنها وقعت عن رضا، فهذا الأمر يكذبه صحيح البخاري، بل وكل من كتب في التاريخ وذكر قصة بيعته (عليه السلام). فإن بيعته (عليه السلام) بحسب نص البخاري على ذلك - لم تقع إلا بعد ستة أشهر، إذ روى البخاري بسنده عن عائشة: إن فاطمة (عليها السلام) بنت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أرسلت إلى أبي بكر تسأل ميراثها... (إلى قولها) فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها عليّ ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن يبايع تلك الأشهر. (صحيح البخاري 5: 83 باب غزوة خيبر).
وأنظر أيضاً ما أفاده ابن قتيبة في (الإمامة والسياسة) في الموضوع ذاته عن بيعته (عليه السلام)...
والحاصل أن البيعة المذكورة قد حصلت بالإكراه وتحت ضغوط مختلفة... وقد أفتى علماء أهل السنة بحرمة بيعة الإكراه وأنها تقع باطلة بمعنى أنها ليست ببيعة..
هذا إن سلمنا أنه (عليه السلام) بايع الخلفاء وإلا ففي الموضوع كلام آخر،).
السؤال: لم يبايع الإمام علي (عليه السلام) أبا بكر إلا مكرهاً
هل الإمام علي (ع) بايع أبي بكر أم لم يبايع, وإذا بايع أفلا يعد ذلك اعتراف بخلافة أبي بكر, وهل يوجد من علماء المذهب بمن يقول انه بايع؟
الجواب:
لقد رفض الإمام علي (عليه السلام) البيعة لأبي بكر وبقي في بيته منشغلاً بجمع القرآن، لكن عمر أصر على أن يبايع لأبي بكر وقال والله لأحرقن عليكم البيت أو لتخرجن إلى البيعة وعندما وصل الإمام (عليه السلام) إلى أبي بكر مجبراً على ذلك قال: (أنا أحق بهذا الأمر منكم لا أبايعكم وانتم أولى بالبيعة لي) فقال عمر: انك لست متروكاً حتى تبايع، فقال الإمام: (الا والله لا اقبل قولك ولا أبايعه) ثم انصرف علي الى منزله ولم يبايع.. (انظر شرح نهج البلاغة ج6 ص12 ) .
وبقي أتباع الخليفة يصرون على أن يبايع الإمام (عليه السلام) فاضطر أخيراً لان يضع يده في يد أبي بكر لكنه وضعها مضمومة لكن القوم رضوا منه بتلك البيعة وأعلنوا في المسجد ان الإمام قد بايع، ولقد كانت تلك البيعة بعد تهديد للإمام (عليه السلام) بالقتل وتهديد مسبق بحرق داره، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (والله ما بايع علي (عليه السلام) حتى رأى الدخان قد دخل عليه بيته) (الشافي في الإمامة ج2 ص241)، وانه (عليه السلام) كان يقول في ذلك اليوم لما أكره على البيعة: (( يا بن أم ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الاعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين )) ويردد ذلك ويكرره.
من كل هذا نفهم ان الإمام (عليه السلام) لم يبايع عن رضا واختيار وانه كان مكرهاً على ذلك والبيعة بالإكراه لا تعطي أية شرعية لخلافة أبي بكر.
لسؤال: تخلف الامام علي (عليه السلام) عن بيعة أبي بكر
تخلف علي (عليه السلام)عن البيعة. (عن محمد ابن سيرين قال : نبئت ان علي ابطأ عن بيعة ابي بكر فلقيه ابو بكر فقال: اكرهت امارتي ؟ قال: لا ولكن أليت بيمين ان لا ارتدي برداء الا الى الصلاة حتى اجمع القران) طبقات ابن سعد 2 /101 .
فما ردكم على هذا الحديث الذي يروونه السنة ويحتجون به علينا ؟
الجواب:
1- ان الحديث لم يثبت عندنا, بل وحتى على مبانيهم الرجالية فانه غير صحيح .
2- يعارض هذا الحديث الأحاديث الكثيرة التي صرحت بأن تخلف الامام علي (عليه السلام) عن البيعة إنما كان يرى نفسه أحق من أبي بكر بالخلافة .
3- نسألهم ونوجه الخطاب إليهم : أين القرآن الذي جمعه علي ؟
4- يعارضه أيضاً كل ما ورد في مصادر القوم - وهي كثيرة - من هجوم القوم على دار علي (عليه السلام) لإجباره على البيعة, ومن له أدنى معرفة بالتاريخ يعرف جلياً ماذا حدث آنذاك, وكان بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأيام .
السؤال: بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) للذين تقدموه لا تعد استحقاقاً وليست قادحة في العصمة
أحد رجالات القوم طرح سؤالاً يقول فيه:
يقول الشيعة كل إمام معصوم وعلي أول الأئمة ، فهل بيعته لأبي بكر وعمر كانت عصمة أم اجتهاداً ؟
إذا كان اجتهاداً....بطلت العصمة، إي أنه ليس بمعصوم لذلك اجتهد ..وإذا ذهبت عصمته لم يكن إماماً . فسقط مذهبهم - يقصد الشيعة - .
وإذا كان بايع عصمةً فمعنى ذلك أنه لم يخطيء وأن الله أوحى إليه أن بايع ، وهذا تصحيح لبيعة أبي بكر وعمر وعثمان.
إنتهى كلامه.
كيف يكون الجواب على كلامه هذا ؟
الجواب:
ليس هناك ثمة تنافي بين العصمة والاجتهاد، بل التنافي يكون بين قول المعصوم وفعله وتقريره وبين الاجتهاد فما يحكم به المعصوم في حال من الاحوال وتحت أي ظرف كان فهو حق وصواب لأنه يستقي علمه من السماء بالتحديث او التسديد أو غير ذلك من المصادر التي يلجأ اليها المعصوم.
ولذلك نقول: ان بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) لأبي بكر ليست اجتهاداً وهي لا تدل على استحقاق أبي بكر للخلافة لأن الخلافة نص الهي وشأن رباني لا يستحقه غير الامام نعم الخلافة التي بمعنى المنصب الدنيوي المأخوذ بالغلبة أو بغيره من الوسائل قد تقمصها أبو بكر وهي ليست بشيء في قبال الإمامة او الخلافة الالهية.
فما افترضتموه من ان بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) لأبي بكر دالة على صحة خلافته وأن الله اوحى الى أمير المؤمنين ان يبايع فبايع فرض لا يستند الى فهم صحيح لمعنى العصمة وصلاحيات المعصوم، فيمكن ان يبايع المعصوم حاكم زمانه تقية او تحت الاكراه وهذه البيعة وان تمت لا تدل على خطأ المعصوم،كما لا تدل على اجتهاد المعصوم الموجب لانسلاخ العصمة عنه إذ ليست البيعة المشار اليها اجتهادا، وهي بعد حصولها لا تقدح في العصمة بل لحصولها ظروف وملابسات تقتضيها المصلحة العامة.
وتتضح الحال أكثر من فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الحديبية.
السؤال: استخدام عمر أساليب التهديد في اخذ البيعة لابي بكر
هل أستخدم عمر بن الخطّاب أساليب التّهديد والتّرويع في أخذ البيعة لأبي بكر من علي بن أبي طالب عليه السلام؟
الجواب:
يرى الباحث المنصف خلال دراسته لما حدث تجاه مسألة الخلافة بعد رحيل النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بأنّ عمر بن الخطّاب استخدم انواع الأساليب العنيفة والسلبية لغصب الخلافة من المؤهّل لها واعطائها إلى أبي بكر, وفي هذا النطاق لجئ إلى محاولات التخويف والترويع والإجبار لمن امتنع عن البيعة وإن كان من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأقربائه واحبّائه, ووصل الأمر به إلى حدّ بادر إلى تهديد الإمام علي (عليه السلام) بحرق بيته عليه وعلى فاطمة الزهراء (سلام الله) عليها اذا لم يبايعا، ولا يمكن انكار هذه الحقيقة لثبوتها في كتب الفريقين واعتراف الكثير من العلماء بوقوعها، منهم:
1- ابن أبي شيبة:
أخرج عبد الله بن محمّد بن أبي شيبة الكوفي العبسي (المتوفّى سنة 235) في كتابه (المصنف) المطبوع، في الجزء الثاني في باب (ما جاء في خلافة أبي بكر وسيرته في الردة) أخرج، وقال : حدّثنا محمّد بن بشر، حدّثنا عبيد الله بن عمر, حدّثنا زيد بن أسلم, عن أبيه أسلم, انّه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطّاب خرج حتـّى دخل على فاطمة، فقال: يا بنت رسول الله والله ما أحد أحبّ إلينا من أبيك, وما من أحد أحبّ إلينا بعد أبيك منك، وأيم الله ما ذاك بما نعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك, إن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت, قال: فلما خرج عمر جائوها, فقالت: تعلمون أنّ عمر قد جائني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت، وأيم الله ليمضين لما حلف عليه, فانصرفوا راشدين, فَرَوا رأيكم ولا ترجعوا إلي فانصرفوا عنها فلم يرجعوا إليها حتـّى بايعوا لأبي بكر. (المصنف : 8: 572، ط دار الفكر بيروت, تحقيق وتعليق سيد محمّد اللحام).
إنّ الاحتجاج بهذا الحديث رهن وثاقة المؤلف ورواته، فلنبدأ بدراسة سيرتهم.
أمّا ابن أبي شيبة، فكفى في وثاقته ما ذكره الذهبي في (ميزان الاعتدال) حيث قال: عبد الله بن محمّد بن أبي شيبة الحافظ الكبير، الحجّة, أبو بكر . حدّث عنه أحمد بن حنبل، والبخاري, وأبو القاسم البغوي, والناس ووثقه جماعة.
ثمّ قال: أبو بكر ((يريد به أبو شيبة))، ممّن قفز القنطرة, وإليه المنتهى في الثقة، مات في أوّل سنة 235. (ميزان الاعتدال: 2: 490، رقم 4549).
هذا حال المؤلّف. وأمّا حال الرواة فلنبدأ بالأوّل فالأوّل:
محمّد بن بشر: يعرّفه ابن حجر العسقلاني, بقوله : محمّد بن بشر بن الفرافصة بن المختار الحافظ العبدي, أبو عبد الله الكوفي. وثقه ابن معين, وعرّفه أبو داود بأنّه أحفظ من كان بالكوفة، قال البخاري وابن حبان في الثقات: مات سنة 203. ثمّ نقل توثيق الآخرين له (تهذيب التهذيب 9: 73، رقم الترجمة 900).
عبيد الله بن عمر: يعرّفه ابن حجر العسقلاني, بقوله : عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطّاب العدوي، العمري, المدني, أبو عثمان أحد الفقهاء السبعة، وقد توفّي عام 147 هـ. قال عمرو بن علي: ذكرت ليحيى بن سعيد قول ابن مهدي: إنّ مالكاً أثبت من نافع عن عبيد الله, فغضب وقال: قال أبو حاتم عن أحمد : عبيد الله أثبتهم وأحفظهم وأكثرهم رواية. قال ابن معين : عبيد الله من الثقات. وقال النسائي : ثقة، ثبت. وقال أبو زرعة وأبو حاتم : ثقة. إلى غير ذلك من كلمات الإطراء (تهذيب التهذيب 7: 38 - 40، رقم الترجمة 71).
زيد بن أسلم العدوي: عرّفه ابن حجر العسقلاني، وقال: زيد بن أسلم العدوي, أبو أُسامة، ويقال : أبو عبد الله المدني, الفقيه، مولى عمر, وثّقه أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم ومحمّد بن سعد، وابن خراش.
وقال يعقوب بن شيبة: ثقة، من أهل الفقه والعلم, وكان عالماً بتفسير القرآن, مات سنة 136 (تهذيب التهذيب 3: 395 - 396، رقم الترجمة 728).
أسلم العدوي: أسلم العدوي، مولاهم أبو خالد, ويقال أبو زيد, غير انّه حبشي، وقيل من سبي عين التمر، أدرك زمن النبي وروى عن أبي بكر، ومولاه عمر، وعثمان وابن عمر, ومعاذ بن جبل, وأبي عبيدة وحفصة. قال العجلي: مدني, ثقة، من كبار التابعين. وقال أبو زرعة : ثقة. وقال أبو عبيد: توفي سنة ثمانين. وقال غيره: هو ابن مائة وأربعة عشرة سنة. (تهذيب التهذيب 1: 266، رقم الترجمة 501).
وقد اكتفينا في ترجمة رجال السند بما نقله ابن حجر العسقلاني، ولم نذكر ما ذكره غيره في حقّهم روماً للاختصار.
فتبين من هذا البحث انّ الرواية صحيحة، والاسناد في غاية الصحّة.
2- البلاذري و(الأنساب):
إنّ أحمد بن يحيى بن جابر البغدادي, الكاتب الكبير، صاحب التاريخ المعروف, نقل الحادثة المريرة في كتابه وقال: في ضمن بحث مفصل عن أمر السقيفة: لما بايع الناس ابا بكر اعتذر علي والزبير، إلى أن قال: إنّ أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة، فلم يبايع, فجاء عمر ومعه فتيلة، فتلقته فاطمة على الباب, فقالت فاطمة: يا ابن الخطّاب, أتراك محرقاً عليّ بابي؟ قال : نعم, وذلك أقوى فيما جاء به أبوك. (أنساب الاشراف 1: 586، طبع دار المعارف بالقاهرة).
والاستدلال بالرواية رهن وثاقة المؤلف ومن روى عنهم، فنقول: أمّا المؤلف فقد وصفه الذهبي في كتاب (تذكرة الحفاظ) ناقلاً عن الحاكم بقوله: كان واحد عصره في الحفظ وكان أبو علي الحافظ ومشايخنا يحضرون مجلس وعظه يفرحون بما يذكره على رؤوس الملأ من الأسانيد, ولم أرهم قط غمزوه في اسناد إلى آخر ما ذكره. (تذكرة الحفاظ 3: 892 برقم 860). وقال أيضاً في (سير أعلام النبلاء) : العلاّمة, الأديب, المصنف أبو بكر, أحمد بن يحيى بن جابر البغدادي, البلاذري، الكاتب, صاحب (التاريخ الكبير) ( سير اعلام النبلاء 13: 162، رقم 96). وقال ابن كثير في كتاب (البداية والنهاية) نقلاً عن ابن عساكر : كان أديباً, ظهرت له كتب جيادز (البداية والنهاية 11: 69، حوادث سنة 279).
هذا هو حال المؤلّف! وأمّا حال الرواة الواردة أسماؤهم في السند، فإليك ترجمتهم:
المدائني: وهو علي بن محمّد أبو الحسن المدائني الأخباري, صاحب التصانيف, روى عنه الزبير بن بكار, وأحمد بن زهير, والحارث بن أبي أُسامة، ونقل الذهبي عن يحيى انّه قال: المدائني ثقة، ثقة، ثقة.
توفّي عام أربع أو خمس وعشرين ومائتين. (ميزان الاعتدال 3: 153، رقم الترجمة 5921).
مسلم بن محارب: مسلمة بن محارب الزيادي عن أبيه, ذكره البخاري في تاريخه. (التاريخ الكبير 7: 387، رقم الترجمة 1685).
وقد قال أهل العلم انّ سكوت أبي زرعة أو أبي حاتم أو البخاري عن الجرح في الراوي توثيق له, وقد مشى على هذه القاعدة الحافظ ابن حجر في (تعجيل المنفعة) فتراه يقول في كثير من المواضع: ذكره البخاري ولم يذكر فيه جرحاً. (لاحظ قواعد في علوم الحديث 385 و403 وتعجيل المنفعة 219، 223، 225، 254).
سليمان بن طرخان: سليمان بن طرخان التيمي - ولاءً - روى عن أنس بن مالك وطاووس وغيرهم, قال الربيع بن يحيى عن سعيد : ما رأيت أحداً أصدق من سليمان التيمي. وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ثقة. وقال ابن معين والنسائي : ثقة. وقال العجلي: تابعي، ثقة فكان من خيار أهل البصرة. إلى غير ذلك من التوثيقات, توفّي عام 97. (تهذيب التهذيب 4: 201 - 202، رقم الترجمة 3411).
ابن عون: عون بن ارطبان المزني البصري، رأى أنس بن مالك (توفّي عام 151). قال النسائي في الكنى : ثقة، مأمون. وقال في موضع آخر: ثقة، ثبت. وقال ابن حبان في الثقات: كان من سادات أهل زمانه عبادة وفضلاً وورعاً ونسكاً وصلابة في السنة وشدة على أهل البدع. (تهذيب التهذيب 5: 346 - 348, رقم الترجمة 600).
إلى هنا تبين صحّة السند وانّ الرواية صحيحة، رواتها كلّهم ثقات, وكفى في ذلك حكماً.
3- ابن قتيبة و (الإمامة والسياسة):
المؤرخ الشهير عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (213 - 276) وهو من رواد الأدب والتاريخ, وقد ألف كتباً كثيرة منها (تأويل مختلف الحديث) و(أدب الكاتب) وغيرهما من الكتب (الأعلام 4: 137).
قال في كتابه (الإمامة والسياسة/ المعروف بتاريخ الخلفاء): إنّ أبا بكر رضي الله عنه تفقّد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه، فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار علي, فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب, وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لأحرقنها على من فيها, فقيل له : يا أبا حفص انّ فيها فاطمة، فقال: وإن...
إلى أن قال: ثمّ قام عمر فمشى معه جماعة حتـّى أتوا فاطمة فدقوا الباب فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا أبت [يا] رسول الله, ماذا لقينا بعدك من ابن الخطّاب, وابن أبي قحافة، فلما سمع القوم صوتها وبكائها انصرفوا باكين . وكادت قلوبهم تتصدع وأكبادهم تتفطر وبقي عمر ومعه قوم فأخرجوا علياً فمضوا به إلى أبي بكر, فقالوا له بايع، فقال: إن أنا لم أفعل فمه؟ قالوا : إذاً والله الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك...( الإمامة والسياسة 12، 13 طبعة المكتبة التجارية الكبرى مصر).
إنّ من قرأ كتاب ((الإمامة والسياسة)) يرى أنّها نظير سائر الكتب لقدماء المؤرخين كالبلاذري والطبري وغيرهم, وقد نسب هذا الكتاب إليه ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة, ونقل عنه مطالب كثيرة ربما لا توجد في هذه النسخة المطبوعة بمصر، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدل على تطرق التحريف لهذا الكتاب, كما نسبه إليه الياس سركيس في معجمه(معجم المطبوعات العربية 1: 212).
نعم، ذكر صاحب الأعلام انّ للعلماء نظراً في نسبته إليه، ومعنى ذكل انّ غيره تردد في نسبته إليه، والتردد غير الإنكار.
4- الطبري وتاريخه:
محمّد بن جرير الطبري (224 - 310هـ) صاحب التاريخ والتفسير المعروفين بين العلماء, وقد صدر عنهما كلّ من جاء بعده, قد ذكر قصة السقيفة المحزنة, وقال: حدثنا ابن حُميد, قال : حدثنا جرير، عن مغيرة, عن زياد بن كليب قال: أتى عمر بن الخطّاب, منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال: والله لأحرقنّ عليكم أو لتخرجنّ إلى البيعة فخرج عليه الزبير، مصلتاً بالسيف فعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه. (تاريخ الطبري 2: 443، طبع بيروت).
وهذا المقطع من تاريخ الإسلام يعرب عن أنّ أخذ البيعة للخليفة كان عنوة، وإنّ من تخلف عنها سوف يواجه مختلف أساليب التهديد من حرق الدار وتدميره، وبما انّ الطبري نقل الأثر بالسند فعلينا دراسة سنده مثلما درسنا ما رواه ابن أبي شيبة والبلاذري حتـّى يعضد بعضه بضعه ولا يبقى لمشكك شك ولا لمرتاب ريب.
أمّا الطبري فليس في إمامته ووثاقته كلام, فقد وصفه الذهبي بقوله: الإمام الجليل، المفسر، صاحب التصانيف الباهرة، ثقة، صادق. (ميزان الاعتدال 4: 498، رقم 7306) .
وأمّا دراسة رواة السند, فنقول:
ابن حميد: هو محمّد بن حميد الحافظ, أبو عبد الله الرازي, روى عن عدّة منهم يعقوب ابن عبد الله القمي, وإبراهيم بن المختار، وجرير بن عبد الحميد، وروى عنه أبو داود والترمذي, وابن ماجة، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين, إلى غير ذلك.
نقل عبد الله بن أحمد, عن أبيه : لا يزال بالري علم ما دام محمّد بن حُميد حيّاً. وقيل لمحمّد بن يحيى الزهري: ما تقول في محمّد بن حُميد: قال: ألا تراني هوذا، أُحدث عنه. وقال ابن خيثمة: سأله ابن معين, فقال : ثقة, لا بأس به، رازي, كيّس. وقال أبو العبّاس بن سعيد: سمعت جعفر بن أبي عثمان الطيالسي، يقول: ابن حُميد ثقة، كتب عنه يحيى . مات سنة 248هـ. (تهذيب التهذيب 9: 128 - 131، رقم الترجمة 180). نعم ربما جرحه بعض غير انّ قول المعدل مقدم على الجارح.
جرير بن عبد الحميد: جرير بن عبد الحميد بن قرط الضبي، أبو عبد الله الرازي, القاضي، ولد في قرية من قرى إصفهان، ونشأ بالكوفة، ونزل الري, روى عنه إسحاق بن راهويه، وابنا أبي شيبة، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين وجماعة. كان ثقة يرحل إليه. وقال ابن عمار الموصلي: حجّة كانت كتبه صحيحة.
المغيرة بن مِقْسم الضبي: المغيرة بن مِقْسم الضبي، الكوفي، الفقيه، روى عنه شعبة، والثوري, وجماعة, قال أبو بكر بن عياش : ما رأيت أحداً أفقه من مغيرة فلزمته. قال العجلي : المغيرة ثقة، فقيه الحديث. وقال النسائي: ثقة، توفي سنة 136 هـ . وذكره ابن حبّان في الثقات. (تهذيب التهذيب 2: 75 رقم الترجمة 1166).
زياد بن كُليب: عرّفه الذهبي بقوله : أبو معشر التميمي، الكوفي, عن ابراهيم والشعبي وعنه مغيرة, مات كهلاً في سنة 110هـ, وثّقه النسائي وغيره (ميزان الاعتدال 2: 92، برقم 2959). وقال ابن حجر : قال العجلي : كان ثقة في الحديث، وقال ابن حبّان : كان من الحفاظ المتقنين(تهذيب التهذيب 2: 382, برقم 6988). إلى هنا تمّت دراسة سند الرواية التي رواها الطبري, ولنقتصر في دراسة الاسناد بهذا المقدار لانّ فيما ذكرنا غنى وكفاية.
5- ابن عبد ربه والعقد الفريد:
إنّ شهاب الدين أحمد المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفّى عام 463هـ) عقد فصلاً لما جرى في سقيفة بني ساعدة, وقال: تحت عنوان ((الذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر)): علي والعبّاس, والزبير، وسعد بن عبادة, فأمّا علي والعبّاس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حيث بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطّاب ليُخرجهم من بيت فاطمة, وقال له : إن أبوا فقاتلهم, فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار فلقيته فاطمة، فقالت : يا ابن الخطّاب أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأُمّة. (العقد الفريد 4: 87، تحقيق خليل شرف الدين).
وهذا النص من هذا المؤرخ الكبير، أقوى شاهد على انّ الخليفة قد رام احراق الباب والدار بغير أخذ البيعة من علي ومن لازم بيته، وما قيمة بيعة تؤخذ عنوة.
6- ابن عبد البر والاستيعاب:
روى أبو عمرو يوسف بن عبد الله بن محمّد بن عبد البر (368 - 463هـ) في كتابه القيم ((الاستيعاب في معرفة الأصحاب)) بالسند التالي: حدّثنا محمّد بن أحمد, حدّثنا محمّد بن أيّوب حدّثنا أحمد بن عمرو البزاز، حدّثنا أحمد بن يحيى، حدّثنا محمّد بن نسير، حدّثنا عبد الله بن عمر، عن زيد بن أسلم, عن أبيه, انّ عليّاً والزبير كانا حين بُويع لأبي بكر يدخلان على فاطمة فيشاورانها ويتراجعان في أمرهم، فبلغ ذلك عمر، فدخل عليها عمر، فقال : يا بنت رسول الله, ما كان من الخلق أحد أحبّ إلينا من أبيك, وما أحد أحبّ إلينا بعده منك, ولقد بلغني أنّ هؤلاء النفر يدخلون عليك، ولئن بلغني لأفعلنّ ولأفعلنّ.
ثمّ خرج وجائوها. فقالت لهم: إنّ عمر قد جاءني وحلف لئن عدتم ليفعلنّ، وأيم الله ليفينّ بها. (الاستيعاب 3: 975، تحقيق علي محمّد البجاوي، ط القاهرة).
ثمّ إنّ أبا عمرو لم ينقل نصّ كلام عمر بن الخطّاب، وإنّما اكتفى بقوله: ((لأفعلن ولأفعلنّ)).
وقد تقدّم نصّ كلامه في نصوص الآخرين كابن أبي شيبة والبلاذري والطبري، ولعلّ الظروف لم تسنح له بالتصريح بما قال.
7- ابن أبي الحديد وشرح نهج البلاغة:
نقل عبد الحميد بن هبة الله المدائني المعتزلي (المتوفّى عام 655هـ) عن كتاب السقيفة لأحمد بن عبد العزيز الجوهري انّه قال: لما بويع لأبي بكر كان الزبير والمقداد يختلفان في جماعة من الناس إلى عليّ، وهو في بيت فاطمة، فيتشاورون ويتراجعون أمورهم، فخرج عمر حتـّى دخل على فاطمة عليها السلام، وقال: يا بنت رسول الله, ما من أحد من الخلق أحبّ إلينا من أبيك، وما من أحد أحبّ إلينا قلت بعد أبيك، وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بتحريق البيت عليهم، فلمّا خرج عمر جائوها، فقالت : تعلمون انّ عمر جائني, وحلف لي بالله إن عدتم ليحرقن عليكم البيت، وأيم الله ليمضين لما حلف له. (شرح نهج البلاغة 2: 45، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم ).
8- أبو الفداء والمختصر في أخبار البشر:
ألّف إسماعيل بن علي المعروف بأبي الفداء (المتوفّى عام 732هـ) كتاباً أسماه (المختصر في أخبار البشر) ذكر فيه قريباً ممّا ذكره ابن عبد ربه في العقد الفريد, حيث قال: ثمّ إنّ أبا بكر بعث عمر بن الخطّاب إلى علي ومن معه ليخرجهم من بيت فاطمة رضي الله عنها، وقالت : إلى أين يابن الخطّاب, أجئت لتحرق دارنا؟ قال : نعم، أو يدخلوا فيما دخل فيه الأُمّة. (المختصر في تاريخ البشر 1: 156، ط دار المعرفة، بيروت).
9- النويري و(نهاية الارب في فنون الأدب):
أحمد بن عبد الوهاب النويري (677 - 733هـ) أحمد كبار الأدباء, له خبرة في التاريخ يعرّفه في الأعلام بقوله: عالم, بحاث، غزير الاطّلاع وقال في كتابه (نهاية الإرب في فنون الأدب) - الذي وصفه الزركلي بقوله: إنّ نهاية الارب على الرغم من تأخر عصره يحوي أخباراً خطيرة عن صقيلة نقلها عن مؤرخين قدماء لم تصل إلينا كتبهم مثل ابن الرقيق, وابن الرشيق وابن شداد وغيرهم. (الأعلام 1: 165).
روى ابن عمر بن عبد البر، بسنده عن زيد بن أسلم, عن أبيه : انّ عليّاً والزبير كان حين بويع لأبي بكر، يدخلان على فاطمة، يشاورانها في أمرهم, فبلغ ذلك عمر، فدخل عليها، فقال: يا بنت رسول الله ما كان من الخلق أحد أحبّ إلينا من أبيك وما أحد أحبّ إلينا بعده منك, وقد بلغني انّ هؤلاء النفر يدخلون عليك ولئن بلغني لأفعلنّ ولأفعلنّ! ثمّ خرج وجائوها, فقالت لهم : إنّ عمر قد جائني وحلف إن عدتم ليفعلنّ وأيم الله ليفين. (نهاية الارب في فنون الأدب 19: 40، ط القاهرة, 1395هـ).
10- السيوطي ومسند فاطمة:
جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (848 - 911هـ) ذلك الباحث الكبير, والمؤرخ الخبير، يذكر في كتابه (مسند فاطمة) نفس ما رواه المؤرخون عن زيد بن أسلم عن أبيه أسلم: انّه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله كان علي والزبير يدخلون على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ويشاورونها ويرجعون في أمرهم, فلما بلغ ذلك عمر بن الخطّاب خرج حتـّى دخل على فاطمة، فقال: يا بنت رسول الله, والله ما من الخلق أحد أحبّ إليّ من أبيك وما من أحد أحبّ إلينا بعد أبيك منك، وأيم الله ما ذاك بما نعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك, ان آمرهم أن يحرق عليهم الباب, فلما خرج عليهم عمر جائوا, قالت : تعلمون انّ عمر قد جائني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقنّ عليكم الباب، وأيم الله ليمضين لما حلف عليه. (مسند فاطمة: السيوطي : 36، ط مؤسسة الكتب الثقافية, بيروت).
11- المتقي الهندي وكنز العمال:
نقل علي بن حسام الدين المعروف بالمتقي الهندي (المتوفّى عام 975هـ) في كتابه القيم (كنز العمال) ما جرى على بيت فاطمة الزهراء عليها السلام وفق ما جاء في كتاب (المصنف) لابن أبي شيبة, حيث قال: عن أسلم انّه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله كان علي والزبير يدخلان على فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ويشاورونها ويرجعون في أمرهم, فلما بلغ ذلك عمر بن الخطّاب خرج حتـّى دخل على فاطمة عليها السلام فقال: يا بنت رسول الله ما من الخلق أحد أحبُّ إليَّ من أبيك, وما من أحد أحبّ إلينا بعد أبيك منك، وأيم الله ماذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بهم أن يحرق عليهم الباب. إلى آخر ما ذكر. (كنز العمال 5: 651، برقم 14138).
12- الدهلوي وإزالة الخفاء:
نقل ولي الله بن مولوي عبد الرحيم العمري، الدهلوي، الهندي, الحنفي (1114 - 1176هـ) في كتابه (إزالة الخفاء) ما جرى في سقيفة بني ساعدة، وقال: عن أسلم باسناد صحيح على شرط الشيخين, وقال: انّه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله كان عليّ والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم, فلما بلغ ذلك عمر بن الخطّاب, خرج حتـّى دخل على فاطمة، فقال: يا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله والله ما من الخلق أحد أحبّ إلينا من أبيك, وما من أحد أحبّ إلينا بعد أبيك منك، وأيم الله فانّ ذلك لم يكن بما نعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بهم أن يحرق عليهم البيت. (إزالة الخفاء 2: 178).
وذكر قريباً من ذلك في كتابه الآخر (قرة العينين : 78).
13- محمّد حافظ إبراهيم والقصيدة العمرية:
محمّد حافظ بن إبراهيم فهمي المهندس، الشهير بحافظ إبراهيم (1287 - 1351هـ), شاعر مصر القومي . طبع ديوانه في مجلدين, وله قصيدة عمرية احتفل بها أُدباء مصر، وممّا جاء فيها قوله:
وقولة لعلي قالها عمر ***** أكرم بسامعها أعظم بملقيها
حرقت دارك لا أبقي عليك بها ***** إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها
ما كان غير أبي حفص يفوه بها ***** أمام فارس عدنان وحاميها
والعجب انّ شاعر النيل يجعل الموبقات منجيات, ويعد السيئات من الحسنات، وما هذا إلاّ لأنّ الحب يعمي ويصم.
ومعنى هذا انّه لم يكن لبنت المصطفى أي حرمة ومكرمة عند عمر حين استعد لإحراق الدار ومن فيها لكي يصبح أبو بكر خليفة للمسلمين.
قال الأميني عقب نقله للأبيات الثلاثة, ما هذا نصّه: ماذا أقول بعد ما تحتفل الأُمّة المصرية في حفلة جامعة في أوائل سنة 1918م بإنشاد هذه القصيدة العمرية التي تتضمن ما ذكر من الأبيات, وتنشرها الجرائد في أرجاء العالم، ويأتي رجال مصر نظراء أحمد أمين, وأحمد الزين, وإبراهيم الابياري, وعلي جارم، وعلي أمين, وخليل مطران, ومصطفى الدمياطي بك وغيرهم ويعتنون بنشر ديوان هذا شعره, وبتقدير شاعر هذا شعوره, ويخدشون العواطف في هذه الازمة, في هذا اليوم العصيب, ويعكرون بهذه النعرات الطائفية صفو السلام والوئام في جامعة الإسلام, ويشتتون بها شمل المسلمين، ويحسبون انّهم يحسنون صنعاً.
إلى أن قال: وتراهم بالغوا في الثناء على الشاعر وقصيدته هذه كأنّه جاء للأُمّة بعلم جم أو رأي صالح جديد, أو أتى لعمر بفضيلة رابية تسرُّ بها الأُمّة ونبيُّها المقدَّس, فبشرى بل بشريان للنبي الأعظم, بأنّ بضعته الصديقة لم تكن لها أي حرمة وكرامة عند من يلهج بهذا القول, ولم يكن سكناها في دار طهّر الله أهلها يعصمهم منه ومن حرق الدار عليهم . فزهٍ زهٍ بانتخاب هذا شأنه, وبخٍ بخٍ ببيعة تمت بهذا الارهاب وقضت بتلك الوصمات. (الغدير 7 : 86 - 87).
14- عمر رضا كحالة و(أعلام النساء):
عمر رضا كحالة من الكتاب المعاصرين اشتهر بكتابه (أعلام النساء) ترجم فيه حياة بنت النبي فاطمة الزهراء (عليها السلام) وممّا قال في ترجمتها: وتفقد أبو بكر قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي بن أبي طالب كالعبّاس, والزبير وسعد بن عبادة فقعدوا في بيت فاطمة, فبعث أبو بكر إليهم عمر بن الخطّاب, فجاءهم عمر فناداهم وهم في دار فاطمة، فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب، وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنّها على من فيها. فقيل له : يا أبا حفص إنّ فيها فاطمة، فقال : وإن...
ثمّ وقفت فاطمة على بابها، فقالت: لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم تركتم رسول الله صلى الله عليه وآله جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا ولم تردوا لنا حقاً. ( أعلام النساء 4: 114).
يتبع
السؤال: ما هي البيعة
أريد أن أعرف ما هي البيعة وهل هي واجبة وما هي حق الذي نبايع عليناوما حقنا عليه وما هو النص الشرعي على ذلك
الجواب:
أولاً: البيعة في لغة العرب: الصفقه على ايجاب البيع, وصفق يده بالبيع والبيعة, وعلى يده صفقا: ضرب بيده على يده عند وجوب البيع, وتصافقوا : تبايعوا، كان هذا معنى البيعة لدى العرب. أما العهد والحلف : فقد كانت العرب تعقد الحلف والعهد بأساليب مختلفة, مثل ما فعل بنو عبد مناف حين أرادوا أن يقاتلوا بني عبدالدار على من يقوم بحجابة البيت وسقاية الحج وغيرهما من أعمال السيادة بمكة . روى ابن اسحاق أن بني عبد مناف أخرجوا جفنة مملوءة طيبا فوضعوها في المسجد عند الكعبة, ثم غمسوا أيديهم فيها, وتعاقدوا وتعاهدوا هم وحلفاؤهم, ثم مسحوا الكعبة بأيديهم توكيدا على أنفسهم وسموا " المطيبين ". وروى ابن اسحاق في أمر تجديد الكعبة : أن البنيان عندما بلغ موضع الركن اختصموا فيه, كل قبيلة تريد أن ترفعه إلى موضعه دون الاخرى, حتى تحاوروا وتحالفوا, وأعدوا للقتال, فقربت بنو عبد الدار جفنة مملوءة دما, ثم تعاقدوا هم وبنو عدي بن كعب بن لؤي على الموت, وأدخلوا أيديهم في ذلك الدم في تلك الجفنة, فسموا " لعقة الدم "
ثانياً: البيعة كمصطلح إسلامي: والبيعة التي تعني صفق اليد على اليد، فهي كما أصبحت في لغة العرب علامة على وجوب البيع, فقد اصبحت في الاسلام علامة على معاهدة المبايع المبايع له ان يبذل له الطاعة في ما تقرر بينهما, ويقال : بايعه عليه مبايعة : عاهده عليه . وورد في القرآن الكريم في قوله تعالى : (( ان الذين يبايعونك انما يبايعون الله, يد الله فوق ايديهم, فمن نكث فانما ينكث على نفسه, ومن اوفى بما عاهد عليه الله فسيؤتيه اجرا عظيما )).
ونذكر من سنة الرسول (صلى الله عليه وآله) : ثلاث مرات أخذ الرسول (صلى الله عليه وآله) فيها البيعة من المسلمين :
1- البيعة الاولى أول بيعة جرت في الاسلام هي بيعة العقبة الاولى، اخبر عنها عبادة بن الصامت وقال : وافى موسم الحج من الانصار اثنا عشر رجلا ممن اسلم منهم في المدينة وقال عبادة : بايعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم بيعة النساء وذلك قبل أن يفترض علينا الحرب, على أن لا نشرك بالله شيئا, ولا نسرق, ولا نزني, ولا نقتل اولادنا, ولا نأتي ببهتان نفتريه من بين ايدينا وارجلنا, ولا نعصيه في معروف, فان وفيتم فلكم الجنة, وان غشيتم من ذلك شيئا فأخذتم بحده في الدنيا فهو كفارة له, وان سترتم عليه إلى يوم القيامة فأمركم إلى الله عزوجل : ان شاء عذب, وان شاء غفر, وسميت هذه البيعة ببيعة العقبة الاولى.
2- البيعة الثانية الكبرى بالعقبة روى كعب بن مالك وقال : خرجنا من المدينة للحج وتواعدنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم العقبة أواسط ايام التشريق, وخرجنا بعد مضي ثلث الليل متسللين مستخفين حتى اجتمعنا في الشعب عند العقبة ونحن ثلاث وسبعون رجلا وامرأتان, فجاء رسول الله صلى الله عليه وسلم ومعه عمه العباس, فتكلم رسول الله صلى الله عليه وسلم فتلا القرآن ودعا إلى الله ورغب في الاسلام ثم قال : (( ابايعكم على ان تمنعوني مما تمنعون نساءكم وابناءكم )) فاخذ البراء بن معرور بيده ثم قال : نعم والذي بعثك بالحق لنمنعنك مما نمنع به أزرنا، فبايعنا يا رسول الله فنحن والله اهل الحروب.... فقال أبو الهيثم بن التيهان : يا رسول الله ان بيننا وبين الرجال حبالا, وانا قاطعوها - يعني اليهود - فهل عسيت ان نحن فعلنا ذلك ثم اظهرك الله ان ترجع إلى قومك وتدعنا فتبسم رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال : (( بل الدم الدم والهدم الهدم... )) اي : ذمتي ذمتكم وحرمتي حرمتكم . وقال رسول الله صلى الله عليه وآله : (( اخرجوا الي منكم اثني عشر نقيبا ليكونوا على قومهم بما فيهم )) فأخرجوا منهم اثني عشر نقيبا, تسعة من الخزرج وثلاثة من الاوس, قال رسول الله صلى الله عليه وآله : (( انتم على قومكم بما فيكم كفلاء ككفالة الحواريين لعيس بن مريم, وانا كفيل على قومي )) يعني : المسلمين, قالوا : نعم . واختلفوا فيمن كان اول من ضرب على يده, اسعد بن زرارة أم أبو الهيثم بن التيهان ؟.
3- بيعة الرضوان, أو بيعة الشجرة في سنة سبع من الهجرة, استنفر رسول الله صلى الله عليه وآله اصحابه للعمرة فخرج معه الف وثلاثمائة, أو الف وستمائة, ومعه سبعون بدنة, وقال لست احمل السلاح, انما خرجت معتمرا واحرموا من ذي الحليفة, وساروا حتى دنوا من الحديبية على تسعة اميال من مكة, فبلغ الخبر اهل مكة فراعهم, واستنفروا من أطاعهم من القبائل حولهم وقدموا مائتي فارس عليهم خالد بن الوليد أو عكرمة بن ابي جهل،
فاستعد لهم رسول الله صلى الله عليه وآله وقال : إنَّ الله امرني بالبيعة, فاقبل الناس يبايعونه على ألا يفروا, وقيل بايعهم على الموت, وأرسلت قريش وفدا للمفاوضة فلما رأوا ذلك تهيبوا وصالحوا رسول الله صلى الله عليه وآله...
هذه ثلاثة أنواع من البيعة على عهد الرسول صلى الله عليه وآله وهي :
أ- البيعة على الاسلام
ب- البيعة على اقامة الدولة الاسلامية
ج- البيعة على القتال.
والبيعة الثالثة تجديد للبيعة الثانية, وذلك لان الرسول صلى الله عليه وآله كان قد استنفرهم للعمرة . وبعد تبدل الحالة من العمرة إلى القتال, كانت الحالة الحادثة مخالفة للعمل الذي استنفرهم له وخرجوا من اجله, فكأنه كان مخالفا لما عاهدهم عليه, فلذلك احتاج إلى اخذ البيعة للقيام بالعمل الجديد, وفعل ذلك وأعطى ثمره في ارعاب اهل مكة, وحصول النتيجة المطلوبة .
ونختم البحث بست روايات وردت في البيعة وطاعة الامام :
1- روى ابن عمر قال : كنا نبايع رسول الله (صلى الله عليه وآله) على السمع والطاعة ثم يقول لنا : (فيما استطعت).
2- وفي رواية, وقال علي : " ما استطعتم ".
3- وفي رواية, وقال جرير، قال قل : " في ما استطعت ".
4- وروى الهرماس بن زياد قال : مددت يدي إلى النبي (صلى الله عليه وآله) وانا غلام ليبايعني فلم يبايعني. وعن ابن عمر قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : " على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره, الا أن يؤمر بمعصية فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة " وعن ابن مسعود قال : قال : " سيلي أموركم بعدي رجال يطفئون السنة ويعملون بالبدعة, ويؤخرون الصلاة عن مواقيتها " فقلت : يا رسول الله ! ان ادركتهم كيف أفعل ؟ قال : " تسألني يا ابن أم عبد كيف تفعل ؟ لا طاعة لمن عصى الله ".
5- وعن عبادة بن الصامت في حديث طويل آخره : " فلا طاعة لمن عصى الله تبارك وتعالى فلا تعتلوا بربكم ". وفي رواية : " لا تضلوا بربكم"..
ويتضح لنا من دراسة البيعة في سنة الرسول صلى الله عليه وآله ان للبيعة ثلاثة اركان :
أ- المبايع .
ب- المبايع له .
ج- المعاهدة على الطاعة للقيام بعمل ما .
وتقوم البيعة اولا على تفهم ما يطلب الطاعة على القيام به, ثم تنعقد المعاهدة بضرب يد المبايع على يد المبايع له بالكيفية الواردة في السنة, والبيعة على هذا مصطلح شرعي, غير ان شروط تحقق البيعة المشروعة في الاسلام غير واضحة لكثير من المسلمين اليوم فنقول : تنعقد البيعة في الاسلام إذا توفر فيها الشروط الثلاثة التالية :
أ- ان يكون المبايع ممن تصح منه البيعة, ويبايع اختياريا .
ب- ان يكون المبايع له ممن تصح مبايعته .
ج- ان تكون البيعة لامر يصح القيام به . وعلى ما بينا لا تصح البيعة من صبي أو مجنون, لانهما غير مكلفين بالاحكام في الاسلام, ولا تنعقد بيعة المكره, لان البيعة مثل البيع فكما لا ينعقد البيع بأخذ المال من صاحبه قهرا ودفع الثمن له, كذلك البيعة لا تنعقد بأخذها بالجبر وفي ظل السيف. وكذلك لا تصح البيعة للمتجاهر بالمعصية, ولا تصح البيعة للقيام بمعصية الله, إذن فالبيعة مصطلح إسلامي, ولها أحكامها في الشرع الإسلامي.
وحسبما تقدم, فأن البيعة في واقع أمرها تصح في باب النبوة والإمامة أو الخلافة كما جاء في الحديث الشريف: (من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتة جاهلية).
في حق من لا يأمر بمعصية ومن لا يأمر بخلاف ما أمر الله, كما أنه لا بيعة لمن يعصي الله, لما ورد عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله): (( على المرء المسلم السمع والطاعة فيما أحب وكره, إلا أن يؤمر بمعصية, فإذا أمر بمعصية فلا سمع ولا طاعة)) (صحيح البخاري, كتاب الأحكام, باب السمع والطاعة للإمام ما لم تكن معصية), وهذا الفرض لا يتحقق إلا في المعصوم, لأن غير المعصوم تصدر عنه المعصية, فلا سمع ولا طاعة, فلا بيعة حقيقية في حقّه..
وبما أن العصمة هي أمر باطني روحي لا يعلمه إلا الله تعالى, فيكون النص هو الطريق الوحيد لتعيين المعصوم, وتكون البيعة له مؤكدة؟ لنبوته أو إمامته لا مؤسفسة لها, إذ المؤسفس هو النص كما تقدم..
يقول آية الله السيد كاظم الحائري عن مغزى البيعة مع المعصومين: ((ان المعصوم (عليه السلام) على رغم ان له ولاية الامر والحكومة بتشريع من قبل الله تعالى لم يكن من المقرر الهيا ان يرضخهم لماله من حق الحكومة بالاكراه الاعجازي, كما انه لا تجبر الامة على الاحكام الاخرى كالصلاة والصوم بالجبر الاعجازي والا لبطل الثواب والجزاء, لان الناس يصبحون مسيرين عن غير اختيار. بل كان من المقرر ان يصل المعصوم الى السلطة بالطرق الاعتيادية ومن الواضح الوصول الى السلطة بالطريق الاعتيادي وبغير الاعجاز ينحصر في وجود ناصرين له من البشر, فكان اخذ البيعة منهم لاجل التأكد من وجود ثلة كافية من الامة تعهدوا بنصر المعصوم والعمل معه في جهاده وسائر اموره الحكومية ولولاهم لعجز المعصوم حسب القوة البشرية ومن دون الاعجاز عن تحقيق السلطة والحكومة خارجاً))
وعلى هذا فقد رفض الشيعة جعل البيعة مؤسسة ـ كما فعل أهل السنة ـ للخلافة أو الإمامة, لانها قد تقع مع من لا تصح معه شرعاً, وقد كشف التأريخ عن صدق قولهم هذا, فكم تولى هذا المنصب, منصب الخلافة, بأسم البيعة, قد تبين بعدها أنه من أفسق الناس وأكثرهم جوراً وظلماً بل من لا يصح نعته بإنسان فضلاً عن وصفه بخليفة رسول الله (صلى الله عليه وآله)!!..
فالبيعة على الحكم ـ كما يراه الشيعة ـ إنما تصح بحق من نصَّ عليه الشرع المبين كالنبي (صلى الله عليه وآله) الذي أيّده الله بمعاجزه ووحيه, والإمام الذي نصَّ النبي (صلى الله عليه وآله) على وجوب موالاته وإتّباعه, وهم عندنا الائمة الاثنا عشر المعصومين (عليهم السلام) الذين أولهم أمير المؤمنين عليه السلام, وآخرهم الامام المهدي (عجّل الله فرجه الشريف).
وفي زماننا هذا, زمن الغيبة الكبرى للإمام المهدي (عليه السلام) فالمبايعة إنما تعني الطاعة والامتثال لأوامره (عليه السلام) والتي منها الخبر الوارد في التوقيع الشريف الصادر عنه: ( وأما الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رواة حديثنا, فإنهم حجتي عليكم وأنا حجة الله) (وسائل الشيعة 27 / 140).. والذي يعني المتابعة لرواة أحاديثهم ـ عليهم السلام ـ من الفقهاء ومراجع الدين.. (ولزيادة الإطلاع ينظر المصدر: معالم المدرستين للسيد المرتضى العسكري: 1/152ـ 158)
السؤال: بيعة النساء
المعلوم ان النساء قد بايعن الرسول صلى الله عليه وآله وسلم وهي واجبة كما بين
ذلك بالكتاب والسنة ، وهناك حديث عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم : من مات وليس في عنقه بيعة مات ميتتة جاهلية.
فهل وجبت بيعة النساء للخلفاء بعد الرسول صلى الله عليه وآله وسلم ؟
وهل ذكر بان احد النساء بايعن احد الخلفاء سوى للامام علي عليه السلام او من خصهم اهل السنة بالخلافة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم ، حتى لا يموتن ميتة جاهلية ؟
الجواب:
لا وجوب للبيعة بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله)، والخبر المذكور ورد في روايات العامة،والذي ورد عندنا كما في (الكافي ج1ص371): من مات وليس له إمام فميتته ميتة جاهلية، أو من مات وليس عليه إمام فيمتته ميتة جاهلية.
ولعل الخلفاء الذين جاءوا بعد رسول الله(صلى الله عليه وآله) لما رؤوا أن الحديث لا ينطبق عليهم كونهم ليسوا بأئمة جعلوه بالصيغة التي ذكرتها.
ثم إن بيعة النساء لرسول الله (صلى الله عليه وآله) لم تكن من نوع البيعة المذكورة في الخبر،بل هي بيعة كما ذكرت الآية القرآنية عن ترك الشرك وعبادة الأوثان واجتناب السرقة والزنا وقتل الأولاد واجتناب البهتان والافتراء وعدم العصيان في المعروف.
بينما البيعة التي يريدها أنصار هذا الحديث هي الطاعة المطلقة لمن تسلط على رقاب المسلمين.
ويبدو من تتبع الأخبار أنه لم تحصل بيعة لأبي بكر من قبل النساء، وكذلك لعلي (عليه السلام)، فهما فقط اللذان تمت لهما البيعة.
السؤال: بيعة الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)
نشكر لكم هذه الجهود لنشر معالم أهل البيت عليهم السلام ووفقكم الله لكل خير
سؤالي هو عن خطبة وجدتها في كتاب نهج البلاغة، يقول الامام علي عليه السلام بالشورى وهذه هي ومن كتاب له (عليه السلام) إلى معاوية :
( إنَّه بَايَعَني الْقَوْم الَّذينَ بَايَعوا أَبَا بَكْر وَعمَرَ وَعثْمانَ عَلَى مَا بَايَعوهمْ عَلَيْه، فَلَمْ يَكنْ للشَّاهد أَنْ يَخْتَارَ، وَلاَ للغَائب أَنْ يَردَّ، وَإنَّمَا الشّورَى للْمهَاجرينَ وَالاَْنْصَار، فَإن اجْتَمَعوا عَلَى رَجل وَسَمَّوْه إمَاماً كَانَ ذلكَ لله رضىً، فَإنْ خَرَجَ عَنْ أَمْرهمْ خَارجٌ بطَعْن أَوْبدْعَة رَدّوه إلَى مَاخَرَجَ منه، فَإنْ أَبَى قَاتَلوه عَلَى اتّبَاعه غَيْرَ سَبيل الْمؤْمنينَ، وَوَلاَّه الله مَا تَوَلَّى. وَلَعَمْري، يَا معَاويَة، لَئنْ نَظَرْتَ بعَقْلكَ دونَ هَوَاكَ لَتَجدَنّي أَبْرَأَ النَّاس منْ دَم عثْمانَ، وَلَتَعْلَمَنَّ أَنّي كنْت في عزْلَة عَنْه، إلاَّ أَنْ تَتَجَنَّى ; فَتَجَنَّ مَا بَدَا لَكَ! وَالسَّلاَم).
وما هو ردكم عليها ؟
الجواب:
لقد نقل لنا التاريخ أنّ الامام أمير المؤمنين (عليه السلام) ما مدّ يده الى البيعة إلاّ بعد إلحاح الجماعة - من المهاجرين والانصار وغيرهم - والصحابة في الطليعة وفيهم طلحة والزبير .
وبعد أن تمّت البيعة للامام (عليه السلام) كتب لمعاوية رسالة مع جرير بن عبد الله البجلي جاء فيها : ( إنّه بايعني القوم الذين بايعوا أبا بكر وعمر وعثمان على ما بايعوهم عليه ) فكانّما يريد (عليه السلام) أن يقول له : يا معاوية أنت تعترف بخلافة أبي بكر وعمر وعثمان لأنّها تمّت ببيعة المهاجرين والانصار, وعلى ما تعترف به وتذهب اليه فقد بايعني القوم فلزمتك ببيعتي وأنت بالشام فبايع كما بايع القوم .
(فلم يكن للشاهد أن يختار ) ويرفض ويعترض إذا تمّت البيعة من اكثريّة الصحابة وغيرهم ( ولا للغائب أن يردّ ) بيعة الامام الذي بايعه القوم ( وانّما الشورى للمهاجرين والانصار ) فكانّما يريد (عليه السلام) أن يقول له : يا معاوية الست تعتقد بالشورى وتحتجّ بها؟ الست تعتقد بالإجماع وتحتجّ به؟ فقد بويعت بمشورة المهاجرين والانصار وقد تمّت البيعة لي بإجماع المسلمين ( فإن اجتمعوا - اي القوم - على رجل وسمّوه إماما كان ذلك لله رضىً ) هذا ما تعتقده فلماذا لا تبايع؟ وكما يقول المثل ( فما عدا ممّا بدا )؟ .
اذن قال (عليه السلام) هذا الكلام على مقتضى عقيدة القوم ومن باب ( الزموهم بما الزموا به أنفسهم ) وإلاّ فإمامته كانت ثابتة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) بلا فصل بالنصّ الصادر من النبي (صلى الله عليه وآله) على ما افاضت اليه الادلة اليقينيّة المستفيضة في مظانّها .
السؤال: هل بايع علي (عليه السلام) الخلفاء ؟
هل بايع الامام علي رضي الله عنه الخلفاء أبو بكر وعمر وعثمان ؟
ما نوع العلاقة التي كانت بين الامام علي والخلفاء المذكورين اعلاه ؟هل كان الامام علي يخالط ويصلي ويأكل ويصاهر مع الخلفاء المذكورين ؟
الجواب:
اتفقت النصوص الاسلامية - أعم من شيعية وسنية - على عدم مبادرة أمير المؤمنين (عليه السلام) وكل بني هاشم - نساءاً ورجالاً - وجمع من كمّل الصحابة الى البيعة، ولا نرى المسألة بحاجة الى اثبات, كما ولم تكن المدة قصيرة, والبيعة لا تحتاج الى برهة طويلة … ويحق لنا ان نتسأل لماذا؟! ثم حصلت بيعة صورية تحت ظروف قاسية من وجهتنا وتحت ضغوط قسريّة, وهذا أيضاً مسلّم .
وبعد هذا وذاك فلربما حصلت بيعة .. أو مسح أبي بكر يده على يد أمير المؤمنين (عليه السلام) المقبوضة .. أو ما أشبه ذلك، ممّا شوهتها لنا النصوص واحاطتها بنوع من التكتم و الغموض .. وبأي دليل كان ذاك أو فرضناه مما صرّح به أمير المؤمنين (عليه السلام) من خوف الفتنة .. او ارتداد المسلمين .. أو غيرها . نقول بعد كل هذا, لا معنى لمثل أبي الحسن (عليه السلام) ان ينقض ما تعهّد به !!
هذا بالنسبة الى أبي بكر خاصة.
أما عمر, فالمسألة تنصيص ولم تكن ثمّه بيعة ولا شورى ولا انتخاب و.. والعجب أن التنصيص على أمير المؤمنين (عليه السلام) رفضه القوم من رسول الله (صلى الله عليه وآله) وقبلوه من أبي بكر على عمر!!!
وأمّا عثمان, فقد أجمع المؤرخون بأن المسألة كانت إكراه وسيوف مرفوعة على الباب … لا تختلف بتاتاً عن السقيفة !! وأما العلاقة بين سيد الوصيين (عليه السلام) مع الخلفاء, فكانت بحسب الظاهر مسألة رفع جهل عنهم وحماية عن الشريعة أو فك غموض .. أو ما شاكل ذلك .. كوظيفة أي عالم أمام الجهال, وكل حريص على دينه ورسالته مقابل من يريد الكيد بها أو تحريفها .
ومقولة الخليفة الثاني المستفيضة : ((لولا علي لهلك عمر)) مشهورة, ولا نعرف مقولة معاكسه : لولا عمر .. أو غيره لهلك …. ويكفي - حسب تصورنا - لمن درس حياة أمير المؤمنين (عليه السلام)، انه لو كان له ثمة اعتقاد بصحة ما عليه القوم … لكان لا أقل قائد جيوشهم, ومنظم كتائبهم … كما كان على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، ولما انزوى عن الساحة واقتصر على اليسير من المعاشرة التي تمليها الضرورة والحاجة . والمخالطة أو المؤاكلة, وغيرهما فهي لا تدل على شيء, إذ كانت مع اليهود والنصارى آنذاك.
كما لا نعرف له (عليه السلام) مصاهرة معهم إلاّ القصة المفتعلة من تزويج ابنته أم كلثوم من عمر .. ولنا فيها كلام .. كما أنك تدرك أن البحث لا تسعه سطور .
السؤال: هل حصلت من الامام علي (عليه السلام) ؟
أنتم الشيعة تقولون أن علياً كرم الله وجه كان أحق من أبي بكر الصديق الذي قال عنه الرسول بما معناه أنه لا يوجد بعد الانبياء خير من أبي بكر، وكان احق للخلافة من عمر و عثمان رضي الله عنهما.
هكذا تدعون، فاذا كان الامر صحيحاً، فلما بايع علي كرم الله وجهه هؤلاء الخلفاء الثلاثة؟
صحيح تأخر في بيعة أبي بكر عدة أشهر ولكنه بايع ... فما تقولون في ذلك؟
الجواب:
أيها الاخ المحترم لا يخفى عليكم ان الشيعة انما تقول بثبوت الامامة والخلافة بعد النبي (صلى الله عليه وآله) بلا فصل لسيدنا أمير المؤمنين علي (عليه السلام), وأنّه أفضل من الصحابة كلّهم للادلة الكثيرة على ذلك من القرآن الكريم - كآية الولاية وهي النازلة في قضية تصدقه بالخاتم وهي قوله تعالى: (( إنما وليكم الله ورسوله والذين أمنوا الذين يقيمون الصلاة ويؤتون الزكاة وهم راكعون )) [المائدة / 55] وغيرها من الآيات النازلة في حق علي (عليه السلام) - ومن المقطوع به من السنة الشريفة - كحديث الغدير المتواتر بين المشهور, وكحديث الطير ( اللهم ائتني بأحب خلقك اليك يأكل معي من هذا الطائر ) فجاء أمير المؤمنين (عليه السلام), وقد ثبت أنّ أحب الخلق الى الله سبحانه وتعالى أعظمهم ثوابا عند الله، وأن اعظم الناس ثوابا لا يكون إلا لانه أشرفهم اعمالا واكثرهم عبادة لله تعالى, وفي ذلك برهان على فضل علي (عليه السلام) على الخلق كلهم سوى النبي (صلى الله عليه وآله) .
وأما ما قلته في حق أبي بكر عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) انه قال بما معناه: (لا يوجد احد بعد الانبياء خير من أبي بكر )، فهذا غير ثابت في مصادرنا, بل وغير ثابت عند السنة أيضاً ويعتبرونه من الموضوعات .
وأما قولك أن علياً (عليه السلام) قد بايع أبا بكر بعد مدّة، فهذا أول الكلام! حيث الثابت عند محققي الشيعة - كما نصَّ عليه الشيخ المفيد - انه (عليه السلام ) لم يبايع ساعة قط, وقال في شرح ذلك :ومما يدل على انه لم يبايع البتة أنّه ليس يخلو تأخره من أن يكون هدى وتركه ضلالاً, أو يكون ضلالاً وتركه هدى وصواباً, أو يكون صواباً وتركه صواباً, أو يكون خطأً وتركه خطأً, فلو كان التأخر ضلالاً وباطلاً, لكان أمير المؤمنين (عليه السلام) قد ضل بعد النبي (صلى الله عليه وآله) بترك الهدى الذي كان يجب المصير إليه، وقد أجمعت الأمة على أن أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يقع منه ضلال بعد النبي (صلى الله عليه وآله) ولا في طول زمان أبي بكر وأيام عمر وعثمان وصدراً من أيامه حتى خالفت الخوارج عند التحكيم وفارقت الامة, وبطل أن يكون تأخره عن بيعة أبي بكر ضلالا .
وإن كان تأخره هدى وصواباً وتركه خطأً وضلالاً، فليس يجوز أن يعدل عن الصواب إلى الخطأ ولا عن الهدى إلى الضلال لا سيما والإجماع واقع على أنّه لم يظهر منه ضلال في أيام الثلاثة الذين تقدموا عليه، ومحال أن يكون التأخر خطأً وتركه خطأً للإجماع على بطلان ذلك أيضاً ولما يوجبه القياس من فساد هذا المقال .
وليس يصح أن يكون صواباً وتركه صواباً لأنّ الحق لا يكون في جهتين مختلفتين ولا على وصفين متضادين . فثبت بما بيناه أنّ أمير المؤمنين (عليه السلام) لم يبايع أبا بكر على شيء من الوجوه كما ذكرناه .
السؤال: هل بايع الإمام علي (عليه السلام) أم لما يبايع?
قرأت ردودكم حول بيعة الامام علي لابي بكر .. وفيها رأي يقول لم يبايع وفيها راي انه بايع مكرها .. فهل بايع الامام مكرها ام لم يبايع بغض النظر عن التفاصيل واذا كانت البيعة ترتب اثرا شرعيا او لا ترتب وهي بالاكراه اكيد لا ترتب ..
وثانيا .. اذا كانت البيعة بالاكراه تشكل مبررا فلماذا يلام الكثير الكثير من الصحابة الذين بايعوا بالاكراه ..
الجواب:
أولاً: إذا اعتبرت ان سحب يد الإمام وهي مضمومة حيث لم يفتحها ولم يستطع أحد فتحها إذا اعتبرت ذلك بيعه فقد بايع مكرها وان لم تعتبرها بيعة فهو لم يبايع.
ثانياً: نحن لا نلوم من بايع تحت وطأة التهديد والإكراه بقدر ما نلوم من فعل ذلك بهم فاللوم هو على محصلي البيعة بالإكراه, نعم قد يلام المجموع لأنهم ضعفوا عن مجابهة الباطل وكان بإمكانهم لو عملوا كمجموعة أن يفعلوا شيئاً.
السؤال: هل بايع الإمام علي (عليه السلام) أبا بكر؟ وهل كانت بيعته عن رضا؟
اللهم صل على محمد وعلى آل محمد .. وعجل فرجهم .
بعد مناظرتي الطويلة مع الوهابيه في موضوع أول خليفه وبيعة علي عليه السلام له ..
خرجوا لنا بانهم المنتصرين لاقرارنا ببيعة علي السلام لـ أبي بكر وغضوا البصر على أنه كان للمصلحة العامة .. وأخذوا يهللون بأنهم المنتصرون .. على رغم من ذكر المصادر العقلية ألا وهو انه عليه السلام هو من كان لديه العلم الإمامي ..
الا أنهم وضعوا على أعينهم الغمامة ووضعوا تحت ( عليه سلام بايع أبي بكر ) 100 خط وهذا ما جعل خلافته تكون صحيحة ..
فما ردكم على هؤلاء القوم ؟
الجواب:
السؤال الذي يطرح نفسه في هذه المسألة: هل كانت بيعته (عليه السلام) عن رضا أم عن إكراه؟
فإن قالوا أنها وقعت عن رضا، فهذا الأمر يكذبه صحيح البخاري، بل وكل من كتب في التاريخ وذكر قصة بيعته (عليه السلام). فإن بيعته (عليه السلام) بحسب نص البخاري على ذلك - لم تقع إلا بعد ستة أشهر، إذ روى البخاري بسنده عن عائشة: إن فاطمة (عليها السلام) بنت النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) أرسلت إلى أبي بكر تسأل ميراثها... (إلى قولها) فوجدت فاطمة على أبي بكر في ذلك فهجرته فلم تكلمه حتى توفيت وعاشت بعد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ستة أشهر فلما توفيت دفنها زوجها عليّ ليلاً ولم يؤذن بها أبا بكر وصلى فالتمس مصالحة أبي بكر ومبايعته ولم يكن يبايع تلك الأشهر. (صحيح البخاري 5: 83 باب غزوة خيبر).
وأنظر أيضاً ما أفاده ابن قتيبة في (الإمامة والسياسة) في الموضوع ذاته عن بيعته (عليه السلام)...
والحاصل أن البيعة المذكورة قد حصلت بالإكراه وتحت ضغوط مختلفة... وقد أفتى علماء أهل السنة بحرمة بيعة الإكراه وأنها تقع باطلة بمعنى أنها ليست ببيعة..
هذا إن سلمنا أنه (عليه السلام) بايع الخلفاء وإلا ففي الموضوع كلام آخر،).
السؤال: لم يبايع الإمام علي (عليه السلام) أبا بكر إلا مكرهاً
هل الإمام علي (ع) بايع أبي بكر أم لم يبايع, وإذا بايع أفلا يعد ذلك اعتراف بخلافة أبي بكر, وهل يوجد من علماء المذهب بمن يقول انه بايع؟
الجواب:
لقد رفض الإمام علي (عليه السلام) البيعة لأبي بكر وبقي في بيته منشغلاً بجمع القرآن، لكن عمر أصر على أن يبايع لأبي بكر وقال والله لأحرقن عليكم البيت أو لتخرجن إلى البيعة وعندما وصل الإمام (عليه السلام) إلى أبي بكر مجبراً على ذلك قال: (أنا أحق بهذا الأمر منكم لا أبايعكم وانتم أولى بالبيعة لي) فقال عمر: انك لست متروكاً حتى تبايع، فقال الإمام: (الا والله لا اقبل قولك ولا أبايعه) ثم انصرف علي الى منزله ولم يبايع.. (انظر شرح نهج البلاغة ج6 ص12 ) .
وبقي أتباع الخليفة يصرون على أن يبايع الإمام (عليه السلام) فاضطر أخيراً لان يضع يده في يد أبي بكر لكنه وضعها مضمومة لكن القوم رضوا منه بتلك البيعة وأعلنوا في المسجد ان الإمام قد بايع، ولقد كانت تلك البيعة بعد تهديد للإمام (عليه السلام) بالقتل وتهديد مسبق بحرق داره، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (والله ما بايع علي (عليه السلام) حتى رأى الدخان قد دخل عليه بيته) (الشافي في الإمامة ج2 ص241)، وانه (عليه السلام) كان يقول في ذلك اليوم لما أكره على البيعة: (( يا بن أم ان القوم استضعفوني وكادوا يقتلونني فلا تشمت بي الاعداء ولا تجعلني مع القوم الظالمين )) ويردد ذلك ويكرره.
من كل هذا نفهم ان الإمام (عليه السلام) لم يبايع عن رضا واختيار وانه كان مكرهاً على ذلك والبيعة بالإكراه لا تعطي أية شرعية لخلافة أبي بكر.
لسؤال: تخلف الامام علي (عليه السلام) عن بيعة أبي بكر
تخلف علي (عليه السلام)عن البيعة. (عن محمد ابن سيرين قال : نبئت ان علي ابطأ عن بيعة ابي بكر فلقيه ابو بكر فقال: اكرهت امارتي ؟ قال: لا ولكن أليت بيمين ان لا ارتدي برداء الا الى الصلاة حتى اجمع القران) طبقات ابن سعد 2 /101 .
فما ردكم على هذا الحديث الذي يروونه السنة ويحتجون به علينا ؟
الجواب:
1- ان الحديث لم يثبت عندنا, بل وحتى على مبانيهم الرجالية فانه غير صحيح .
2- يعارض هذا الحديث الأحاديث الكثيرة التي صرحت بأن تخلف الامام علي (عليه السلام) عن البيعة إنما كان يرى نفسه أحق من أبي بكر بالخلافة .
3- نسألهم ونوجه الخطاب إليهم : أين القرآن الذي جمعه علي ؟
4- يعارضه أيضاً كل ما ورد في مصادر القوم - وهي كثيرة - من هجوم القوم على دار علي (عليه السلام) لإجباره على البيعة, ومن له أدنى معرفة بالتاريخ يعرف جلياً ماذا حدث آنذاك, وكان بعد وفاة رسول الله (صلى الله عليه وآله) بأيام .
السؤال: بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) للذين تقدموه لا تعد استحقاقاً وليست قادحة في العصمة
أحد رجالات القوم طرح سؤالاً يقول فيه:
يقول الشيعة كل إمام معصوم وعلي أول الأئمة ، فهل بيعته لأبي بكر وعمر كانت عصمة أم اجتهاداً ؟
إذا كان اجتهاداً....بطلت العصمة، إي أنه ليس بمعصوم لذلك اجتهد ..وإذا ذهبت عصمته لم يكن إماماً . فسقط مذهبهم - يقصد الشيعة - .
وإذا كان بايع عصمةً فمعنى ذلك أنه لم يخطيء وأن الله أوحى إليه أن بايع ، وهذا تصحيح لبيعة أبي بكر وعمر وعثمان.
إنتهى كلامه.
كيف يكون الجواب على كلامه هذا ؟
الجواب:
ليس هناك ثمة تنافي بين العصمة والاجتهاد، بل التنافي يكون بين قول المعصوم وفعله وتقريره وبين الاجتهاد فما يحكم به المعصوم في حال من الاحوال وتحت أي ظرف كان فهو حق وصواب لأنه يستقي علمه من السماء بالتحديث او التسديد أو غير ذلك من المصادر التي يلجأ اليها المعصوم.
ولذلك نقول: ان بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) لأبي بكر ليست اجتهاداً وهي لا تدل على استحقاق أبي بكر للخلافة لأن الخلافة نص الهي وشأن رباني لا يستحقه غير الامام نعم الخلافة التي بمعنى المنصب الدنيوي المأخوذ بالغلبة أو بغيره من الوسائل قد تقمصها أبو بكر وهي ليست بشيء في قبال الإمامة او الخلافة الالهية.
فما افترضتموه من ان بيعة أمير المؤمنين (عليه السلام) لأبي بكر دالة على صحة خلافته وأن الله اوحى الى أمير المؤمنين ان يبايع فبايع فرض لا يستند الى فهم صحيح لمعنى العصمة وصلاحيات المعصوم، فيمكن ان يبايع المعصوم حاكم زمانه تقية او تحت الاكراه وهذه البيعة وان تمت لا تدل على خطأ المعصوم،كما لا تدل على اجتهاد المعصوم الموجب لانسلاخ العصمة عنه إذ ليست البيعة المشار اليها اجتهادا، وهي بعد حصولها لا تقدح في العصمة بل لحصولها ظروف وملابسات تقتضيها المصلحة العامة.
وتتضح الحال أكثر من فعل رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يوم الحديبية.
السؤال: استخدام عمر أساليب التهديد في اخذ البيعة لابي بكر
هل أستخدم عمر بن الخطّاب أساليب التّهديد والتّرويع في أخذ البيعة لأبي بكر من علي بن أبي طالب عليه السلام؟
الجواب:
يرى الباحث المنصف خلال دراسته لما حدث تجاه مسألة الخلافة بعد رحيل النبي الأكرم (صلى الله عليه وآله) بأنّ عمر بن الخطّاب استخدم انواع الأساليب العنيفة والسلبية لغصب الخلافة من المؤهّل لها واعطائها إلى أبي بكر, وفي هذا النطاق لجئ إلى محاولات التخويف والترويع والإجبار لمن امتنع عن البيعة وإن كان من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) وأقربائه واحبّائه, ووصل الأمر به إلى حدّ بادر إلى تهديد الإمام علي (عليه السلام) بحرق بيته عليه وعلى فاطمة الزهراء (سلام الله) عليها اذا لم يبايعا، ولا يمكن انكار هذه الحقيقة لثبوتها في كتب الفريقين واعتراف الكثير من العلماء بوقوعها، منهم:
1- ابن أبي شيبة:
أخرج عبد الله بن محمّد بن أبي شيبة الكوفي العبسي (المتوفّى سنة 235) في كتابه (المصنف) المطبوع، في الجزء الثاني في باب (ما جاء في خلافة أبي بكر وسيرته في الردة) أخرج، وقال : حدّثنا محمّد بن بشر، حدّثنا عبيد الله بن عمر, حدّثنا زيد بن أسلم, عن أبيه أسلم, انّه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله كان علي والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم، فلما بلغ ذلك عمر بن الخطّاب خرج حتـّى دخل على فاطمة، فقال: يا بنت رسول الله والله ما أحد أحبّ إلينا من أبيك, وما من أحد أحبّ إلينا بعد أبيك منك، وأيم الله ما ذاك بما نعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك, إن أمرتهم أن يحرق عليهم البيت, قال: فلما خرج عمر جائوها, فقالت: تعلمون أنّ عمر قد جائني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقن عليكم البيت، وأيم الله ليمضين لما حلف عليه, فانصرفوا راشدين, فَرَوا رأيكم ولا ترجعوا إلي فانصرفوا عنها فلم يرجعوا إليها حتـّى بايعوا لأبي بكر. (المصنف : 8: 572، ط دار الفكر بيروت, تحقيق وتعليق سيد محمّد اللحام).
إنّ الاحتجاج بهذا الحديث رهن وثاقة المؤلف ورواته، فلنبدأ بدراسة سيرتهم.
أمّا ابن أبي شيبة، فكفى في وثاقته ما ذكره الذهبي في (ميزان الاعتدال) حيث قال: عبد الله بن محمّد بن أبي شيبة الحافظ الكبير، الحجّة, أبو بكر . حدّث عنه أحمد بن حنبل، والبخاري, وأبو القاسم البغوي, والناس ووثقه جماعة.
ثمّ قال: أبو بكر ((يريد به أبو شيبة))، ممّن قفز القنطرة, وإليه المنتهى في الثقة، مات في أوّل سنة 235. (ميزان الاعتدال: 2: 490، رقم 4549).
هذا حال المؤلّف. وأمّا حال الرواة فلنبدأ بالأوّل فالأوّل:
محمّد بن بشر: يعرّفه ابن حجر العسقلاني, بقوله : محمّد بن بشر بن الفرافصة بن المختار الحافظ العبدي, أبو عبد الله الكوفي. وثقه ابن معين, وعرّفه أبو داود بأنّه أحفظ من كان بالكوفة، قال البخاري وابن حبان في الثقات: مات سنة 203. ثمّ نقل توثيق الآخرين له (تهذيب التهذيب 9: 73، رقم الترجمة 900).
عبيد الله بن عمر: يعرّفه ابن حجر العسقلاني, بقوله : عبيد الله بن عمر بن حفص بن عاصم بن عمر بن الخطّاب العدوي، العمري, المدني, أبو عثمان أحد الفقهاء السبعة، وقد توفّي عام 147 هـ. قال عمرو بن علي: ذكرت ليحيى بن سعيد قول ابن مهدي: إنّ مالكاً أثبت من نافع عن عبيد الله, فغضب وقال: قال أبو حاتم عن أحمد : عبيد الله أثبتهم وأحفظهم وأكثرهم رواية. قال ابن معين : عبيد الله من الثقات. وقال النسائي : ثقة، ثبت. وقال أبو زرعة وأبو حاتم : ثقة. إلى غير ذلك من كلمات الإطراء (تهذيب التهذيب 7: 38 - 40، رقم الترجمة 71).
زيد بن أسلم العدوي: عرّفه ابن حجر العسقلاني، وقال: زيد بن أسلم العدوي, أبو أُسامة، ويقال : أبو عبد الله المدني, الفقيه، مولى عمر, وثّقه أحمد وأبو زرعة وأبو حاتم ومحمّد بن سعد، وابن خراش.
وقال يعقوب بن شيبة: ثقة، من أهل الفقه والعلم, وكان عالماً بتفسير القرآن, مات سنة 136 (تهذيب التهذيب 3: 395 - 396، رقم الترجمة 728).
أسلم العدوي: أسلم العدوي، مولاهم أبو خالد, ويقال أبو زيد, غير انّه حبشي، وقيل من سبي عين التمر، أدرك زمن النبي وروى عن أبي بكر، ومولاه عمر، وعثمان وابن عمر, ومعاذ بن جبل, وأبي عبيدة وحفصة. قال العجلي: مدني, ثقة، من كبار التابعين. وقال أبو زرعة : ثقة. وقال أبو عبيد: توفي سنة ثمانين. وقال غيره: هو ابن مائة وأربعة عشرة سنة. (تهذيب التهذيب 1: 266، رقم الترجمة 501).
وقد اكتفينا في ترجمة رجال السند بما نقله ابن حجر العسقلاني، ولم نذكر ما ذكره غيره في حقّهم روماً للاختصار.
فتبين من هذا البحث انّ الرواية صحيحة، والاسناد في غاية الصحّة.
2- البلاذري و(الأنساب):
إنّ أحمد بن يحيى بن جابر البغدادي, الكاتب الكبير، صاحب التاريخ المعروف, نقل الحادثة المريرة في كتابه وقال: في ضمن بحث مفصل عن أمر السقيفة: لما بايع الناس ابا بكر اعتذر علي والزبير، إلى أن قال: إنّ أبا بكر أرسل إلى علي يريد البيعة، فلم يبايع, فجاء عمر ومعه فتيلة، فتلقته فاطمة على الباب, فقالت فاطمة: يا ابن الخطّاب, أتراك محرقاً عليّ بابي؟ قال : نعم, وذلك أقوى فيما جاء به أبوك. (أنساب الاشراف 1: 586، طبع دار المعارف بالقاهرة).
والاستدلال بالرواية رهن وثاقة المؤلف ومن روى عنهم، فنقول: أمّا المؤلف فقد وصفه الذهبي في كتاب (تذكرة الحفاظ) ناقلاً عن الحاكم بقوله: كان واحد عصره في الحفظ وكان أبو علي الحافظ ومشايخنا يحضرون مجلس وعظه يفرحون بما يذكره على رؤوس الملأ من الأسانيد, ولم أرهم قط غمزوه في اسناد إلى آخر ما ذكره. (تذكرة الحفاظ 3: 892 برقم 860). وقال أيضاً في (سير أعلام النبلاء) : العلاّمة, الأديب, المصنف أبو بكر, أحمد بن يحيى بن جابر البغدادي, البلاذري، الكاتب, صاحب (التاريخ الكبير) ( سير اعلام النبلاء 13: 162، رقم 96). وقال ابن كثير في كتاب (البداية والنهاية) نقلاً عن ابن عساكر : كان أديباً, ظهرت له كتب جيادز (البداية والنهاية 11: 69، حوادث سنة 279).
هذا هو حال المؤلّف! وأمّا حال الرواة الواردة أسماؤهم في السند، فإليك ترجمتهم:
المدائني: وهو علي بن محمّد أبو الحسن المدائني الأخباري, صاحب التصانيف, روى عنه الزبير بن بكار, وأحمد بن زهير, والحارث بن أبي أُسامة، ونقل الذهبي عن يحيى انّه قال: المدائني ثقة، ثقة، ثقة.
توفّي عام أربع أو خمس وعشرين ومائتين. (ميزان الاعتدال 3: 153، رقم الترجمة 5921).
مسلم بن محارب: مسلمة بن محارب الزيادي عن أبيه, ذكره البخاري في تاريخه. (التاريخ الكبير 7: 387، رقم الترجمة 1685).
وقد قال أهل العلم انّ سكوت أبي زرعة أو أبي حاتم أو البخاري عن الجرح في الراوي توثيق له, وقد مشى على هذه القاعدة الحافظ ابن حجر في (تعجيل المنفعة) فتراه يقول في كثير من المواضع: ذكره البخاري ولم يذكر فيه جرحاً. (لاحظ قواعد في علوم الحديث 385 و403 وتعجيل المنفعة 219، 223، 225، 254).
سليمان بن طرخان: سليمان بن طرخان التيمي - ولاءً - روى عن أنس بن مالك وطاووس وغيرهم, قال الربيع بن يحيى عن سعيد : ما رأيت أحداً أصدق من سليمان التيمي. وقال عبد الله بن أحمد عن أبيه: ثقة. وقال ابن معين والنسائي : ثقة. وقال العجلي: تابعي، ثقة فكان من خيار أهل البصرة. إلى غير ذلك من التوثيقات, توفّي عام 97. (تهذيب التهذيب 4: 201 - 202، رقم الترجمة 3411).
ابن عون: عون بن ارطبان المزني البصري، رأى أنس بن مالك (توفّي عام 151). قال النسائي في الكنى : ثقة، مأمون. وقال في موضع آخر: ثقة، ثبت. وقال ابن حبان في الثقات: كان من سادات أهل زمانه عبادة وفضلاً وورعاً ونسكاً وصلابة في السنة وشدة على أهل البدع. (تهذيب التهذيب 5: 346 - 348, رقم الترجمة 600).
إلى هنا تبين صحّة السند وانّ الرواية صحيحة، رواتها كلّهم ثقات, وكفى في ذلك حكماً.
3- ابن قتيبة و (الإمامة والسياسة):
المؤرخ الشهير عبد الله بن مسلم بن قتيبة الدينوري (213 - 276) وهو من رواد الأدب والتاريخ, وقد ألف كتباً كثيرة منها (تأويل مختلف الحديث) و(أدب الكاتب) وغيرهما من الكتب (الأعلام 4: 137).
قال في كتابه (الإمامة والسياسة/ المعروف بتاريخ الخلفاء): إنّ أبا بكر رضي الله عنه تفقّد قوماً تخلّفوا عن بيعته عند علي كرم الله وجهه، فبعث إليهم عمر فجاء فناداهم وهم في دار علي, فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب, وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجنّ أو لأحرقنها على من فيها, فقيل له : يا أبا حفص انّ فيها فاطمة، فقال: وإن...
إلى أن قال: ثمّ قام عمر فمشى معه جماعة حتـّى أتوا فاطمة فدقوا الباب فلما سمعت أصواتهم نادت بأعلى صوتها: يا أبت [يا] رسول الله, ماذا لقينا بعدك من ابن الخطّاب, وابن أبي قحافة، فلما سمع القوم صوتها وبكائها انصرفوا باكين . وكادت قلوبهم تتصدع وأكبادهم تتفطر وبقي عمر ومعه قوم فأخرجوا علياً فمضوا به إلى أبي بكر, فقالوا له بايع، فقال: إن أنا لم أفعل فمه؟ قالوا : إذاً والله الذي لا إله إلاّ هو نضرب عنقك...( الإمامة والسياسة 12، 13 طبعة المكتبة التجارية الكبرى مصر).
إنّ من قرأ كتاب ((الإمامة والسياسة)) يرى أنّها نظير سائر الكتب لقدماء المؤرخين كالبلاذري والطبري وغيرهم, وقد نسب هذا الكتاب إليه ابن أبي الحديد في شرحه على نهج البلاغة, ونقل عنه مطالب كثيرة ربما لا توجد في هذه النسخة المطبوعة بمصر، وهذا إن دلّ على شيء فإنّما يدل على تطرق التحريف لهذا الكتاب, كما نسبه إليه الياس سركيس في معجمه(معجم المطبوعات العربية 1: 212).
نعم، ذكر صاحب الأعلام انّ للعلماء نظراً في نسبته إليه، ومعنى ذكل انّ غيره تردد في نسبته إليه، والتردد غير الإنكار.
4- الطبري وتاريخه:
محمّد بن جرير الطبري (224 - 310هـ) صاحب التاريخ والتفسير المعروفين بين العلماء, وقد صدر عنهما كلّ من جاء بعده, قد ذكر قصة السقيفة المحزنة, وقال: حدثنا ابن حُميد, قال : حدثنا جرير، عن مغيرة, عن زياد بن كليب قال: أتى عمر بن الخطّاب, منزل علي وفيه طلحة والزبير ورجال من المهاجرين فقال: والله لأحرقنّ عليكم أو لتخرجنّ إلى البيعة فخرج عليه الزبير، مصلتاً بالسيف فعثر فسقط السيف من يده فوثبوا عليه فأخذوه. (تاريخ الطبري 2: 443، طبع بيروت).
وهذا المقطع من تاريخ الإسلام يعرب عن أنّ أخذ البيعة للخليفة كان عنوة، وإنّ من تخلف عنها سوف يواجه مختلف أساليب التهديد من حرق الدار وتدميره، وبما انّ الطبري نقل الأثر بالسند فعلينا دراسة سنده مثلما درسنا ما رواه ابن أبي شيبة والبلاذري حتـّى يعضد بعضه بضعه ولا يبقى لمشكك شك ولا لمرتاب ريب.
أمّا الطبري فليس في إمامته ووثاقته كلام, فقد وصفه الذهبي بقوله: الإمام الجليل، المفسر، صاحب التصانيف الباهرة، ثقة، صادق. (ميزان الاعتدال 4: 498، رقم 7306) .
وأمّا دراسة رواة السند, فنقول:
ابن حميد: هو محمّد بن حميد الحافظ, أبو عبد الله الرازي, روى عن عدّة منهم يعقوب ابن عبد الله القمي, وإبراهيم بن المختار، وجرير بن عبد الحميد، وروى عنه أبو داود والترمذي, وابن ماجة، وأحمد بن حنبل، ويحيى بن معين, إلى غير ذلك.
نقل عبد الله بن أحمد, عن أبيه : لا يزال بالري علم ما دام محمّد بن حُميد حيّاً. وقيل لمحمّد بن يحيى الزهري: ما تقول في محمّد بن حُميد: قال: ألا تراني هوذا، أُحدث عنه. وقال ابن خيثمة: سأله ابن معين, فقال : ثقة, لا بأس به، رازي, كيّس. وقال أبو العبّاس بن سعيد: سمعت جعفر بن أبي عثمان الطيالسي، يقول: ابن حُميد ثقة، كتب عنه يحيى . مات سنة 248هـ. (تهذيب التهذيب 9: 128 - 131، رقم الترجمة 180). نعم ربما جرحه بعض غير انّ قول المعدل مقدم على الجارح.
جرير بن عبد الحميد: جرير بن عبد الحميد بن قرط الضبي، أبو عبد الله الرازي, القاضي، ولد في قرية من قرى إصفهان، ونشأ بالكوفة، ونزل الري, روى عنه إسحاق بن راهويه، وابنا أبي شيبة، وعلي بن المديني، ويحيى بن معين وجماعة. كان ثقة يرحل إليه. وقال ابن عمار الموصلي: حجّة كانت كتبه صحيحة.
المغيرة بن مِقْسم الضبي: المغيرة بن مِقْسم الضبي، الكوفي، الفقيه، روى عنه شعبة، والثوري, وجماعة, قال أبو بكر بن عياش : ما رأيت أحداً أفقه من مغيرة فلزمته. قال العجلي : المغيرة ثقة، فقيه الحديث. وقال النسائي: ثقة، توفي سنة 136 هـ . وذكره ابن حبّان في الثقات. (تهذيب التهذيب 2: 75 رقم الترجمة 1166).
زياد بن كُليب: عرّفه الذهبي بقوله : أبو معشر التميمي، الكوفي, عن ابراهيم والشعبي وعنه مغيرة, مات كهلاً في سنة 110هـ, وثّقه النسائي وغيره (ميزان الاعتدال 2: 92، برقم 2959). وقال ابن حجر : قال العجلي : كان ثقة في الحديث، وقال ابن حبّان : كان من الحفاظ المتقنين(تهذيب التهذيب 2: 382, برقم 6988). إلى هنا تمّت دراسة سند الرواية التي رواها الطبري, ولنقتصر في دراسة الاسناد بهذا المقدار لانّ فيما ذكرنا غنى وكفاية.
5- ابن عبد ربه والعقد الفريد:
إنّ شهاب الدين أحمد المعروف بابن عبد ربه الأندلسي (المتوفّى عام 463هـ) عقد فصلاً لما جرى في سقيفة بني ساعدة, وقال: تحت عنوان ((الذين تخلّفوا عن بيعة أبي بكر)): علي والعبّاس, والزبير، وسعد بن عبادة, فأمّا علي والعبّاس والزبير فقعدوا في بيت فاطمة حيث بعث إليهم أبو بكر عمر بن الخطّاب ليُخرجهم من بيت فاطمة, وقال له : إن أبوا فقاتلهم, فأقبل بقبس من نار على أن يضرم عليهم الدار فلقيته فاطمة، فقالت : يا ابن الخطّاب أجئت لتحرق دارنا؟ قال: نعم أو تدخلوا فيما دخلت فيه الأُمّة. (العقد الفريد 4: 87، تحقيق خليل شرف الدين).
وهذا النص من هذا المؤرخ الكبير، أقوى شاهد على انّ الخليفة قد رام احراق الباب والدار بغير أخذ البيعة من علي ومن لازم بيته، وما قيمة بيعة تؤخذ عنوة.
6- ابن عبد البر والاستيعاب:
روى أبو عمرو يوسف بن عبد الله بن محمّد بن عبد البر (368 - 463هـ) في كتابه القيم ((الاستيعاب في معرفة الأصحاب)) بالسند التالي: حدّثنا محمّد بن أحمد, حدّثنا محمّد بن أيّوب حدّثنا أحمد بن عمرو البزاز، حدّثنا أحمد بن يحيى، حدّثنا محمّد بن نسير، حدّثنا عبد الله بن عمر، عن زيد بن أسلم, عن أبيه, انّ عليّاً والزبير كانا حين بُويع لأبي بكر يدخلان على فاطمة فيشاورانها ويتراجعان في أمرهم، فبلغ ذلك عمر، فدخل عليها عمر، فقال : يا بنت رسول الله, ما كان من الخلق أحد أحبّ إلينا من أبيك, وما أحد أحبّ إلينا بعده منك, ولقد بلغني أنّ هؤلاء النفر يدخلون عليك، ولئن بلغني لأفعلنّ ولأفعلنّ.
ثمّ خرج وجائوها. فقالت لهم: إنّ عمر قد جاءني وحلف لئن عدتم ليفعلنّ، وأيم الله ليفينّ بها. (الاستيعاب 3: 975، تحقيق علي محمّد البجاوي، ط القاهرة).
ثمّ إنّ أبا عمرو لم ينقل نصّ كلام عمر بن الخطّاب، وإنّما اكتفى بقوله: ((لأفعلن ولأفعلنّ)).
وقد تقدّم نصّ كلامه في نصوص الآخرين كابن أبي شيبة والبلاذري والطبري، ولعلّ الظروف لم تسنح له بالتصريح بما قال.
7- ابن أبي الحديد وشرح نهج البلاغة:
نقل عبد الحميد بن هبة الله المدائني المعتزلي (المتوفّى عام 655هـ) عن كتاب السقيفة لأحمد بن عبد العزيز الجوهري انّه قال: لما بويع لأبي بكر كان الزبير والمقداد يختلفان في جماعة من الناس إلى عليّ، وهو في بيت فاطمة، فيتشاورون ويتراجعون أمورهم، فخرج عمر حتـّى دخل على فاطمة عليها السلام، وقال: يا بنت رسول الله, ما من أحد من الخلق أحبّ إلينا من أبيك، وما من أحد أحبّ إلينا قلت بعد أبيك، وأيم الله ما ذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بتحريق البيت عليهم، فلمّا خرج عمر جائوها، فقالت : تعلمون انّ عمر جائني, وحلف لي بالله إن عدتم ليحرقن عليكم البيت، وأيم الله ليمضين لما حلف له. (شرح نهج البلاغة 2: 45، تحقيق محمّد أبو الفضل إبراهيم ).
8- أبو الفداء والمختصر في أخبار البشر:
ألّف إسماعيل بن علي المعروف بأبي الفداء (المتوفّى عام 732هـ) كتاباً أسماه (المختصر في أخبار البشر) ذكر فيه قريباً ممّا ذكره ابن عبد ربه في العقد الفريد, حيث قال: ثمّ إنّ أبا بكر بعث عمر بن الخطّاب إلى علي ومن معه ليخرجهم من بيت فاطمة رضي الله عنها، وقالت : إلى أين يابن الخطّاب, أجئت لتحرق دارنا؟ قال : نعم، أو يدخلوا فيما دخل فيه الأُمّة. (المختصر في تاريخ البشر 1: 156، ط دار المعرفة، بيروت).
9- النويري و(نهاية الارب في فنون الأدب):
أحمد بن عبد الوهاب النويري (677 - 733هـ) أحمد كبار الأدباء, له خبرة في التاريخ يعرّفه في الأعلام بقوله: عالم, بحاث، غزير الاطّلاع وقال في كتابه (نهاية الإرب في فنون الأدب) - الذي وصفه الزركلي بقوله: إنّ نهاية الارب على الرغم من تأخر عصره يحوي أخباراً خطيرة عن صقيلة نقلها عن مؤرخين قدماء لم تصل إلينا كتبهم مثل ابن الرقيق, وابن الرشيق وابن شداد وغيرهم. (الأعلام 1: 165).
روى ابن عمر بن عبد البر، بسنده عن زيد بن أسلم, عن أبيه : انّ عليّاً والزبير كان حين بويع لأبي بكر، يدخلان على فاطمة، يشاورانها في أمرهم, فبلغ ذلك عمر، فدخل عليها، فقال: يا بنت رسول الله ما كان من الخلق أحد أحبّ إلينا من أبيك وما أحد أحبّ إلينا بعده منك, وقد بلغني انّ هؤلاء النفر يدخلون عليك ولئن بلغني لأفعلنّ ولأفعلنّ! ثمّ خرج وجائوها, فقالت لهم : إنّ عمر قد جائني وحلف إن عدتم ليفعلنّ وأيم الله ليفين. (نهاية الارب في فنون الأدب 19: 40، ط القاهرة, 1395هـ).
10- السيوطي ومسند فاطمة:
جلال الدين عبد الرحمن السيوطي (848 - 911هـ) ذلك الباحث الكبير, والمؤرخ الخبير، يذكر في كتابه (مسند فاطمة) نفس ما رواه المؤرخون عن زيد بن أسلم عن أبيه أسلم: انّه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله كان علي والزبير يدخلون على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ويشاورونها ويرجعون في أمرهم, فلما بلغ ذلك عمر بن الخطّاب خرج حتـّى دخل على فاطمة، فقال: يا بنت رسول الله, والله ما من الخلق أحد أحبّ إليّ من أبيك وما من أحد أحبّ إلينا بعد أبيك منك، وأيم الله ما ذاك بما نعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك, ان آمرهم أن يحرق عليهم الباب, فلما خرج عليهم عمر جائوا, قالت : تعلمون انّ عمر قد جائني وقد حلف بالله لئن عدتم ليحرقنّ عليكم الباب، وأيم الله ليمضين لما حلف عليه. (مسند فاطمة: السيوطي : 36، ط مؤسسة الكتب الثقافية, بيروت).
11- المتقي الهندي وكنز العمال:
نقل علي بن حسام الدين المعروف بالمتقي الهندي (المتوفّى عام 975هـ) في كتابه القيم (كنز العمال) ما جرى على بيت فاطمة الزهراء عليها السلام وفق ما جاء في كتاب (المصنف) لابن أبي شيبة, حيث قال: عن أسلم انّه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله كان علي والزبير يدخلان على فاطمة عليها السلام بنت رسول الله صلى الله عليه وآله ويشاورونها ويرجعون في أمرهم, فلما بلغ ذلك عمر بن الخطّاب خرج حتـّى دخل على فاطمة عليها السلام فقال: يا بنت رسول الله ما من الخلق أحد أحبُّ إليَّ من أبيك, وما من أحد أحبّ إلينا بعد أبيك منك، وأيم الله ماذاك بمانعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بهم أن يحرق عليهم الباب. إلى آخر ما ذكر. (كنز العمال 5: 651، برقم 14138).
12- الدهلوي وإزالة الخفاء:
نقل ولي الله بن مولوي عبد الرحيم العمري، الدهلوي، الهندي, الحنفي (1114 - 1176هـ) في كتابه (إزالة الخفاء) ما جرى في سقيفة بني ساعدة، وقال: عن أسلم باسناد صحيح على شرط الشيخين, وقال: انّه حين بويع لأبي بكر بعد رسول الله صلى الله عليه وآله كان عليّ والزبير يدخلان على فاطمة بنت رسول الله صلى الله عليه وآله فيشاورونها ويرتجعون في أمرهم, فلما بلغ ذلك عمر بن الخطّاب, خرج حتـّى دخل على فاطمة، فقال: يا بنت رسول الله صلى الله عليه وآله والله ما من الخلق أحد أحبّ إلينا من أبيك, وما من أحد أحبّ إلينا بعد أبيك منك، وأيم الله فانّ ذلك لم يكن بما نعي إن اجتمع هؤلاء النفر عندك أن آمر بهم أن يحرق عليهم البيت. (إزالة الخفاء 2: 178).
وذكر قريباً من ذلك في كتابه الآخر (قرة العينين : 78).
13- محمّد حافظ إبراهيم والقصيدة العمرية:
محمّد حافظ بن إبراهيم فهمي المهندس، الشهير بحافظ إبراهيم (1287 - 1351هـ), شاعر مصر القومي . طبع ديوانه في مجلدين, وله قصيدة عمرية احتفل بها أُدباء مصر، وممّا جاء فيها قوله:
وقولة لعلي قالها عمر ***** أكرم بسامعها أعظم بملقيها
حرقت دارك لا أبقي عليك بها ***** إن لم تبايع وبنت المصطفى فيها
ما كان غير أبي حفص يفوه بها ***** أمام فارس عدنان وحاميها
والعجب انّ شاعر النيل يجعل الموبقات منجيات, ويعد السيئات من الحسنات، وما هذا إلاّ لأنّ الحب يعمي ويصم.
ومعنى هذا انّه لم يكن لبنت المصطفى أي حرمة ومكرمة عند عمر حين استعد لإحراق الدار ومن فيها لكي يصبح أبو بكر خليفة للمسلمين.
قال الأميني عقب نقله للأبيات الثلاثة, ما هذا نصّه: ماذا أقول بعد ما تحتفل الأُمّة المصرية في حفلة جامعة في أوائل سنة 1918م بإنشاد هذه القصيدة العمرية التي تتضمن ما ذكر من الأبيات, وتنشرها الجرائد في أرجاء العالم، ويأتي رجال مصر نظراء أحمد أمين, وأحمد الزين, وإبراهيم الابياري, وعلي جارم، وعلي أمين, وخليل مطران, ومصطفى الدمياطي بك وغيرهم ويعتنون بنشر ديوان هذا شعره, وبتقدير شاعر هذا شعوره, ويخدشون العواطف في هذه الازمة, في هذا اليوم العصيب, ويعكرون بهذه النعرات الطائفية صفو السلام والوئام في جامعة الإسلام, ويشتتون بها شمل المسلمين، ويحسبون انّهم يحسنون صنعاً.
إلى أن قال: وتراهم بالغوا في الثناء على الشاعر وقصيدته هذه كأنّه جاء للأُمّة بعلم جم أو رأي صالح جديد, أو أتى لعمر بفضيلة رابية تسرُّ بها الأُمّة ونبيُّها المقدَّس, فبشرى بل بشريان للنبي الأعظم, بأنّ بضعته الصديقة لم تكن لها أي حرمة وكرامة عند من يلهج بهذا القول, ولم يكن سكناها في دار طهّر الله أهلها يعصمهم منه ومن حرق الدار عليهم . فزهٍ زهٍ بانتخاب هذا شأنه, وبخٍ بخٍ ببيعة تمت بهذا الارهاب وقضت بتلك الوصمات. (الغدير 7 : 86 - 87).
14- عمر رضا كحالة و(أعلام النساء):
عمر رضا كحالة من الكتاب المعاصرين اشتهر بكتابه (أعلام النساء) ترجم فيه حياة بنت النبي فاطمة الزهراء (عليها السلام) وممّا قال في ترجمتها: وتفقد أبو بكر قوماً تخلفوا عن بيعته عند علي بن أبي طالب كالعبّاس, والزبير وسعد بن عبادة فقعدوا في بيت فاطمة, فبعث أبو بكر إليهم عمر بن الخطّاب, فجاءهم عمر فناداهم وهم في دار فاطمة، فأبوا أن يخرجوا فدعا بالحطب، وقال: والذي نفس عمر بيده لتخرجن أو لأحرقنّها على من فيها. فقيل له : يا أبا حفص إنّ فيها فاطمة، فقال : وإن...
ثمّ وقفت فاطمة على بابها، فقالت: لا عهد لي بقوم حضروا أسوأ محضر منكم تركتم رسول الله صلى الله عليه وآله جنازة بين أيدينا وقطعتم أمركم بينكم لم تستأمرونا ولم تردوا لنا حقاً. ( أعلام النساء 4: 114).
يتبع