وهج الإيمان
04-02-2018, 03:51 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
لم ينفرد الشيعه بقولهم أن النبي يورث ماله حاله كحال غيره من الناس وأنه ليس من خصائصه أنه لايورث الدكتور السني محمد بن الأزرق الأنجري إعترف بأنه صلى الله عليه واله وسلم يورث ماله بعد رحيله لكن قال إنه تصدق به كله في حياته وقال إن أقوى دليل على أنه يدخل في آيات المواريث مطالبة ورثته بميراثهم منه لأنهم لم يعلموا أنه تصدق بكل ماله قبل رحيله
قال الدكتور السني الأنجري :
رسول الله يتصدق بأمواله قبل وفاته حقيقة ضائعة
قرّر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق بكل أمواله قبل موته ، ليكون القدوة من جهة ، وليسبق الأمة لتطبيق ما حرّض عليه من الإنفاق في سبيل الله ، فلا ينطبق عليه قول الله تبارك وتعالى في سورة "الصّف": ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (2)كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ (3)
وهذا القرار النبوي العظيم ، تؤكده هذه الأحاديث التي لم تعط حقها من الشرح والدرس :
قَالَتْ السيدة عَائِشَةُ أم المؤمنين رضي الله عنها: " مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا، وَلَا أَوْصَى بِشَيْءٍ " . ( مسند الطيالسي 3/175 ، ومسند أحمد ح 24176 و ح 25053 وح25538 ، وصحيح مسلم 18 - (1635) ، وسنن أبي داود 2863 ، وسنن النسائي ح3621 وسنن ابن ماجه ح 2695 )
وعَنِ مولانا ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْتَفَتَ إِلَى أُحُدٍ فَقَالَ: " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا يَسُرُّنِي أَنَّ أُحُدًا تَحَوَّلَ لِآلِ مُحَمَّدٍ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَمُوتُ يَوْمَ أَمُوتُ وَأَدَعُ مِنْهُ دِينَارَيْنِ، إِلَّا دِينَارَيْنِ أُعِدُّهُمَا لِدَيْنٍ إِنْ كَانَ " " فَمَاتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا تَرَكَ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا عَبْدًا وَلَا وَلِيدَةً، وَتَرَكَ دِرْعَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ - يَعْنِي مَرْهُونَةً عِنْدَهُ " ( مسند أحمد ح 2724 ح 2743 ، والمنتخب لعبد بن حميد ح 598 ، وتركة النبي (ص: 76) لحماد )
وعَنْ سيدنا أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمَئُونَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ " ( مسند أحمد ح7303 ، وصحيح البخاري ح 2776 )
وعَنْ عَمْرِو بْنِ الحَارِثِ، قَالَ: «مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا، وَلاَ دِرْهَمًا، وَلاَ عَبْدًا، وَلاَ أَمَةً، إِلَّا بَغْلَتَهُ البَيْضَاءَ الَّتِي كَانَ يَرْكَبُهَا، وَسِلاَحَهُ، وَأَرْضًا جَعَلَهَا لِابْنِ السَّبِيلِ صَدَقَةً» (صحيح البخاري ح 4461 وسنن النسائي ح3594 )
وخلاصة هذه الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم تخلّص من الأموال الثابتة والمتحركة التي كانت عنده عبر التصدّق بها قبل وفاته ، وشاع ذلك بين أصحابه ، فلم يلتحق بربّه إلا بعدما تخلّص من حطام الدنيا ومتاعها عبر التبرع والتصدق .
والنتيجة المنطقية لذلك ، أن وراثته لم تكن عملا ممتنعا يجعله صلى الله عليه وسلم مستثنى من قوله تعالى في سورة النساء : ( للرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً )
أو قوله جل وعزّ بعد ذلك : ( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا مَا تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ).
فالآيات الواردة في الفرائض / المواريث ، عامة تشمل النبي صلى الله عليه وسلم .
والنبي عليه السلام تبرّع بأمواله تقرّبا إلى الله ، وتعليما للأمة ، وليس لأن أمواله لا يجوز أن تورث .
وأقوى دليل على أن أحكام الميراث كانت تشمله عليه السلام كغيره من الناس ، هو مطالبة أزواجه رضي الله عنهن ، وبضعته السيدة فاطمة عليها السلام ، وعمه مولانا العباس في حقوقهم .
أي أنهم لم يسمعوا يوما أن ميراث أموال رسول الله ممتنع شرعا ، فهم أولى بمعرفة ذلك ، لكنهم نسوا أو لم يعلموا أنه كان قد تصدق بأمواله قبل وفاته حتى أخبرهم بذلك غيرهم .
فعن عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ؛ أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أَرَدْنَ أَنْ يَبْعَثْنَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. فَيَسْأَلْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ نُورَثُ. مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ. ( رواه مالك في الموطأ 2/393 ، وأحمد 26260 ، وصحيح البخاري ح 6730 وصحيح مسلم رقم 51- 1758 )
وعنها أَنَّ فَاطِمَةَ وَالْعَبَّاسَ – عليهما السلام - أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَلْتَمِسَانِ مِيرَاثَهُمَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمَا حِينَئِذٍ يَطْلُبَانِ أَرْضَهُ مِنْ فَدَكَ، وَسَهْمَهُ مِنْ خَيْبَرَ، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو بَكْرٍ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْمَالِ " ، وَإِنِّي وَاللهِ لَا أَدَعُ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُهُ فِيهِ إِلَّا صَنَعْتُهُ . ( مسند أحمد رقم 9 و 25 و 58 ، وصحيح البخاري رقم 4035 وصحيح مسلم رقم 55 – 1759 )
وتذكر قولها رضي الله عنها المتقدم : " مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا، وَلَا أَوْصَى بِشَيْءٍ " .
تفهم معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ " .
فالنبي قال ذلك في سياق تبرعه بأمواله على سبيل الوقف فيما هو ثابت كالأراضي والمزارع ، وعلى طريق الصدقة فيما هو متحرك منقول كالدواب .
وما فهمه علماؤنا رحمهم الله من أن هذا الحديث ناسخ لعموم آيات المواريث غلط ناشئ عن عدم انتباههم للأحاديث المتضمنة لتصريحه عليه السلام بالتبرع والتصدق بأمواله ، على أن يسري مفعول الصدقة والوقف بعد موته لا حال حياته .
فعموم آيات الفرائض لا ينسخه أو يخصصه حديث آحاد ، ظني الثبوت ظني الدلالة على التحقيق ، ولو انتفت تلك الأحاديث الدالة على الصدقة .
أما وقد وجدنا تصدّق النبي وتبرّعه بكل أمواله ثابتا ، فلا مجال للنسخ أو التخصيص لعدم الحاجة إليهما . اهـــ (1)
أقول : بارك الله في الدكتور الأنجري فقد أجاد وأقر بالحق ، لكن المصطفى صلى الله عليه واله وسلم أبقى لورثته مايكفيهم ولم يتصدق بكل ماله لأنه كان يعلم غيره أن لا يفعل ذلك
روى البخاري ومسلم منع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم سعد بن أبي وقاص من الوصية بأكثر من الثلث ، فقال له : (إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ)
ونقل الأستاذ السني أحمد أمشكح عن ابن أبي الحديد الشافعي (*) في شرح نهج البلاغه التالي : "جاءت عائشة وحفصة ودخلتا على عثمان أيام خلافته وطلبتا منه أن يقسم لهما إرثهما من رسول الله صلى الله عليه وآله. وكان عثمان متكئا فاستوى جالسا وقال لعائشة: أنت وهذه الجالسة جئتما بأعرابي يتطهر ببوله وشهدتما أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: نحن معشر الانبياء لا نورث فإذا كان الرسول حقيقة لا يورث فماذا تطلبان بعد هذا، وإذا كان الرسول يورث لماذا منعتم فاطمة حقها ؟ فخرجت من عنده غاضبة وقالت: أقتلوا نعثلا فقد كفر اهـ (2)
دمتم برعاية الله
كتبته / وهج الإيمان
________
(1) قضية فدك بين الصديق أبي بكر والطاهره الزهراء
(*)الكتاب : وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان
المؤلف : أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان
المحقق : إحسان عباس
الناشر : دار صادر - بيروت
283- عز الدين ابن أبي الحديد: الفوات 1: 519، ذيل مرآة الزمان 1: 62، ابن الشعار 4: 213 وقال: عبد الحميد بن أبي الحديد كاتب فاضل أديب ذو فضل غزير وأدب وافر وذكاء باهر، خدم في عدة أعمال سواداً وحضرة، آخرها كتابة ديوان الزمام. تأدب على الشيخ أبي البقاء العكبري ثم على أبي الخير مصدق ابن شبيب الواسطي، واشتغل بفقه الإمام الشافعي وقرأ علم الأصول، وكان أبوه يتقلد قضاء المدائن، وله كتاب العبقري الحسان في علم الكلام والمنطق والطبيعي والأصول والتاريخ والشعر؛ وراجع صفحات متفرقة من الحوادث الجامعة.
(2) صحيفة الأيام عدد 448، 28 أكتوبر 2010م، ص : 22 . بعنوان"عائشة : الحياة المثيرة لأ·شهر زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم
اللهم صل على محمد وال محمد
لم ينفرد الشيعه بقولهم أن النبي يورث ماله حاله كحال غيره من الناس وأنه ليس من خصائصه أنه لايورث الدكتور السني محمد بن الأزرق الأنجري إعترف بأنه صلى الله عليه واله وسلم يورث ماله بعد رحيله لكن قال إنه تصدق به كله في حياته وقال إن أقوى دليل على أنه يدخل في آيات المواريث مطالبة ورثته بميراثهم منه لأنهم لم يعلموا أنه تصدق بكل ماله قبل رحيله
قال الدكتور السني الأنجري :
رسول الله يتصدق بأمواله قبل وفاته حقيقة ضائعة
قرّر النبي صلى الله عليه وسلم أن يتصدق بكل أمواله قبل موته ، ليكون القدوة من جهة ، وليسبق الأمة لتطبيق ما حرّض عليه من الإنفاق في سبيل الله ، فلا ينطبق عليه قول الله تبارك وتعالى في سورة "الصّف": ( يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لِمَ تَقُولُونَ مَا لا تَفْعَلُونَ (2)كَبُرَ مَقْتاً عِنْدَ اللَّهِ أَنْ تَقُولُوا مَا لا تَفْعَلُونَ (3)
وهذا القرار النبوي العظيم ، تؤكده هذه الأحاديث التي لم تعط حقها من الشرح والدرس :
قَالَتْ السيدة عَائِشَةُ أم المؤمنين رضي الله عنها: " مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا، وَلَا أَوْصَى بِشَيْءٍ " . ( مسند الطيالسي 3/175 ، ومسند أحمد ح 24176 و ح 25053 وح25538 ، وصحيح مسلم 18 - (1635) ، وسنن أبي داود 2863 ، وسنن النسائي ح3621 وسنن ابن ماجه ح 2695 )
وعَنِ مولانا ابْنِ عَبَّاسٍ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الْتَفَتَ إِلَى أُحُدٍ فَقَالَ: " وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ، مَا يَسُرُّنِي أَنَّ أُحُدًا تَحَوَّلَ لِآلِ مُحَمَّدٍ ذَهَبًا أُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، أَمُوتُ يَوْمَ أَمُوتُ وَأَدَعُ مِنْهُ دِينَارَيْنِ، إِلَّا دِينَارَيْنِ أُعِدُّهُمَا لِدَيْنٍ إِنْ كَانَ " " فَمَاتَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا تَرَكَ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا عَبْدًا وَلَا وَلِيدَةً، وَتَرَكَ دِرْعَهُ عِنْدَ يَهُودِيٍّ بِثَلَاثِينَ صَاعًا مِنْ شَعِيرٍ - يَعْنِي مَرْهُونَةً عِنْدَهُ " ( مسند أحمد ح 2724 ح 2743 ، والمنتخب لعبد بن حميد ح 598 ، وتركة النبي (ص: 76) لحماد )
وعَنْ سيدنا أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: " لَا يَقْتَسِمُ وَرَثَتِي دِينَارًا، مَا تَرَكْتُ بَعْدَ نَفَقَةِ نِسَائِي وَمَئُونَةِ عَامِلِي فَهُوَ صَدَقَةٌ " ( مسند أحمد ح7303 ، وصحيح البخاري ح 2776 )
وعَنْ عَمْرِو بْنِ الحَارِثِ، قَالَ: «مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا، وَلاَ دِرْهَمًا، وَلاَ عَبْدًا، وَلاَ أَمَةً، إِلَّا بَغْلَتَهُ البَيْضَاءَ الَّتِي كَانَ يَرْكَبُهَا، وَسِلاَحَهُ، وَأَرْضًا جَعَلَهَا لِابْنِ السَّبِيلِ صَدَقَةً» (صحيح البخاري ح 4461 وسنن النسائي ح3594 )
وخلاصة هذه الأحاديث أن النبي صلى الله عليه وسلم تخلّص من الأموال الثابتة والمتحركة التي كانت عنده عبر التصدّق بها قبل وفاته ، وشاع ذلك بين أصحابه ، فلم يلتحق بربّه إلا بعدما تخلّص من حطام الدنيا ومتاعها عبر التبرع والتصدق .
والنتيجة المنطقية لذلك ، أن وراثته لم تكن عملا ممتنعا يجعله صلى الله عليه وسلم مستثنى من قوله تعالى في سورة النساء : ( للرِّجالِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ وَلِلنِّساءِ نَصِيبٌ مِمَّا تَرَكَ الْوالِدانِ وَالْأَقْرَبُونَ مِمَّا قَلَّ مِنْهُ أَوْ كَثُرَ نَصِيباً مَفْرُوضاً )
أو قوله جل وعزّ بعد ذلك : ( يُوصِيكُمُ اللَّهُ فِي أَوْلادِكُمْ لِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الْأُنْثَيَيْنِ فَإِنْ كُنَّ نِساءً فَوْقَ اثْنَتَيْنِ فَلَهُنَّ ثُلُثا مَا تَرَكَ وَإِنْ كانَتْ واحِدَةً فَلَهَا النِّصْفُ ).
فالآيات الواردة في الفرائض / المواريث ، عامة تشمل النبي صلى الله عليه وسلم .
والنبي عليه السلام تبرّع بأمواله تقرّبا إلى الله ، وتعليما للأمة ، وليس لأن أمواله لا يجوز أن تورث .
وأقوى دليل على أن أحكام الميراث كانت تشمله عليه السلام كغيره من الناس ، هو مطالبة أزواجه رضي الله عنهن ، وبضعته السيدة فاطمة عليها السلام ، وعمه مولانا العباس في حقوقهم .
أي أنهم لم يسمعوا يوما أن ميراث أموال رسول الله ممتنع شرعا ، فهم أولى بمعرفة ذلك ، لكنهم نسوا أو لم يعلموا أنه كان قد تصدق بأمواله قبل وفاته حتى أخبرهم بذلك غيرهم .
فعن عَائِشَةَ أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ؛ أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم حِينَ تُوُفِّيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم، أَرَدْنَ أَنْ يَبْعَثْنَ عُثْمَانَ بْنَ عَفَّانَ إِلَى أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ. فَيَسْأَلْنَهُ مِيرَاثَهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم. فَقَالَتْ عَائِشَةُ: أَلَيْسَ قَدْ قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: لاَ نُورَثُ. مَا تَرَكْنَا فَهُوَ صَدَقَةٌ. ( رواه مالك في الموطأ 2/393 ، وأحمد 26260 ، وصحيح البخاري ح 6730 وصحيح مسلم رقم 51- 1758 )
وعنها أَنَّ فَاطِمَةَ وَالْعَبَّاسَ – عليهما السلام - أَتَيَا أَبَا بَكْرٍ رَضِيَ اللهُ عَنْهُ، يَلْتَمِسَانِ مِيرَاثَهُمَا مِنْ رَسُولِ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَهُمَا حِينَئِذٍ يَطْلُبَانِ أَرْضَهُ مِنْ فَدَكَ، وَسَهْمَهُ مِنْ خَيْبَرَ، فَقَالَ لَهُمْ أَبُو بَكْرٍ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: " لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ، إِنَّمَا يَأْكُلُ آلُ مُحَمَّدٍ فِي هَذَا الْمَالِ " ، وَإِنِّي وَاللهِ لَا أَدَعُ أَمْرًا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَصْنَعُهُ فِيهِ إِلَّا صَنَعْتُهُ . ( مسند أحمد رقم 9 و 25 و 58 ، وصحيح البخاري رقم 4035 وصحيح مسلم رقم 55 – 1759 )
وتذكر قولها رضي الله عنها المتقدم : " مَا تَرَكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ دِينَارًا وَلَا دِرْهَمًا، وَلَا شَاةً وَلَا بَعِيرًا، وَلَا أَوْصَى بِشَيْءٍ " .
تفهم معنى قول النبي صلى الله عليه وسلم : " لَا نُورَثُ، مَا تَرَكْنَا صَدَقَةٌ " .
فالنبي قال ذلك في سياق تبرعه بأمواله على سبيل الوقف فيما هو ثابت كالأراضي والمزارع ، وعلى طريق الصدقة فيما هو متحرك منقول كالدواب .
وما فهمه علماؤنا رحمهم الله من أن هذا الحديث ناسخ لعموم آيات المواريث غلط ناشئ عن عدم انتباههم للأحاديث المتضمنة لتصريحه عليه السلام بالتبرع والتصدق بأمواله ، على أن يسري مفعول الصدقة والوقف بعد موته لا حال حياته .
فعموم آيات الفرائض لا ينسخه أو يخصصه حديث آحاد ، ظني الثبوت ظني الدلالة على التحقيق ، ولو انتفت تلك الأحاديث الدالة على الصدقة .
أما وقد وجدنا تصدّق النبي وتبرّعه بكل أمواله ثابتا ، فلا مجال للنسخ أو التخصيص لعدم الحاجة إليهما . اهـــ (1)
أقول : بارك الله في الدكتور الأنجري فقد أجاد وأقر بالحق ، لكن المصطفى صلى الله عليه واله وسلم أبقى لورثته مايكفيهم ولم يتصدق بكل ماله لأنه كان يعلم غيره أن لا يفعل ذلك
روى البخاري ومسلم منع رسول الله صلى الله عليه واله وسلم سعد بن أبي وقاص من الوصية بأكثر من الثلث ، فقال له : (إِنَّكَ أَنْ تَذَرَ وَرَثَتَكَ أَغْنِيَاءَ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَذَرَهُمْ عَالَةً يَتَكَفَّفُونَ النَّاسَ)
ونقل الأستاذ السني أحمد أمشكح عن ابن أبي الحديد الشافعي (*) في شرح نهج البلاغه التالي : "جاءت عائشة وحفصة ودخلتا على عثمان أيام خلافته وطلبتا منه أن يقسم لهما إرثهما من رسول الله صلى الله عليه وآله. وكان عثمان متكئا فاستوى جالسا وقال لعائشة: أنت وهذه الجالسة جئتما بأعرابي يتطهر ببوله وشهدتما أن رسول الله صلى الله عليه وآله قال: نحن معشر الانبياء لا نورث فإذا كان الرسول حقيقة لا يورث فماذا تطلبان بعد هذا، وإذا كان الرسول يورث لماذا منعتم فاطمة حقها ؟ فخرجت من عنده غاضبة وقالت: أقتلوا نعثلا فقد كفر اهـ (2)
دمتم برعاية الله
كتبته / وهج الإيمان
________
(1) قضية فدك بين الصديق أبي بكر والطاهره الزهراء
(*)الكتاب : وفيات الأعيان وأنباء أبناء الزمان
المؤلف : أبو العباس شمس الدين أحمد بن محمد بن أبي بكر بن خلكان
المحقق : إحسان عباس
الناشر : دار صادر - بيروت
283- عز الدين ابن أبي الحديد: الفوات 1: 519، ذيل مرآة الزمان 1: 62، ابن الشعار 4: 213 وقال: عبد الحميد بن أبي الحديد كاتب فاضل أديب ذو فضل غزير وأدب وافر وذكاء باهر، خدم في عدة أعمال سواداً وحضرة، آخرها كتابة ديوان الزمام. تأدب على الشيخ أبي البقاء العكبري ثم على أبي الخير مصدق ابن شبيب الواسطي، واشتغل بفقه الإمام الشافعي وقرأ علم الأصول، وكان أبوه يتقلد قضاء المدائن، وله كتاب العبقري الحسان في علم الكلام والمنطق والطبيعي والأصول والتاريخ والشعر؛ وراجع صفحات متفرقة من الحوادث الجامعة.
(2) صحيفة الأيام عدد 448، 28 أكتوبر 2010م، ص : 22 . بعنوان"عائشة : الحياة المثيرة لأ·شهر زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم