المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الشيخ أحمد الوائلي .. شاعر المنبر ومنبر الشعر


صدى المهدي
13-02-2019, 08:47 PM
https://www.imamhussain.org/filestorage/images/5c6407bbd834d.jpgالشيخ أحمد الوائلي .. شاعر المنبر ومنبر الشعر


رصيد ثر دفيق بالمعطيات الضخام وانجازات فكرية وأدبية كبيرة هي تركة الشيخ أحمد الوائلي (عميد المنبر الحسيني) بعد أن نذر عمره للمنبر الحسيني في رحلة طويلة شاقة قاسى بها كثيراً من الآلام والمشقات والترحّل في البلاد في سبيل عقيدته ودينه.
ثلاثة وعشرون عاماً عاشها في الغربة كابد فيها مرارة البعد عن الأهل والوطن فكان كثيراً ما يلجأ إلى الشعر ليجد متنفسّاً عن همومه وأحزانه, ففضلاً عن معاناة الغربة التي كانت تكوي أضلاعه فقد كان يسمع بين فترة وأخرى برحيل أحد العلماء الأعلام من زعماء الحوزة العلمية الشريفة أو أحد أقرانه ممن كانوا معه في رحلة طلب العلم أو أحد أقربائه أو أصدقائه فتطفح لواعج الحزن على لسانه:
أحبايَ ما أقسى على البعدِ غُربتي *** وأعنف وقع الحزنِ مما أصوِّرُ
وبعضُ أحبــــــائي بعيدٌ وبعضهم *** يغيّــــبُ في عفرِ الترابِ ويُقبرُ
وهيهات أن أسلو وللموتِ والنوى *** معــــاولُ في قلبي تحزُّ وتحفرُ
ورغم هذه المحن التي لازمت حياته فقد كانت حياته كلها عطاء فلم ينحصر إبداعه على الخطابة فمثلما كان خطيباً هادياً ومبلغاً فقد كان شاعراً ملتزماً يرى الشعر رسالة مهمة للتوجيه والتبليغ وليس ترويحاً عن النفس:
أكبرتُ دورَ الشعرِ عمّا صوّروا *** وعرفتُ رزءَ الفكرِ في من لم يعوا
فالشعرُ أجــــجَّ ألفَ نارٍ وانبرى *** يلوي أنوفَ الظـــــــــالمينَ ويجدعُ
فقدّم قصائد خالدة من عيون الشعر العربي ضمَّها ديوانه الذي احتوى على العديد من الأغراض أهمها مدح أهل البيت (ع) ورثائهم وقد احتل هذا الغرض القسم الأكبر من ديوانه وكان أهم جزء في هذا القسم هو رثائياته المفجعة لسيد الشهداء (ع) والتصوير المؤلم لواقعة الطف.


وهكذا يتعانق إيمان الوائلي بالحسين ومشاعره المتدفقة فينفث مع كلماته شيئاً من روحه فكانت الحصيلة أبلغ وأعمق من العطاء الأدبي والفني، لقد حمل الوائلي حب الحسين ربيعاً بين جوانحه وكتاباً يعكف عليه أينما حلّ وارتحل:
سيدي يا غذاءَ روحي ويا نبعاً سخياً يؤمُّــــــــــــه الظمآنُ
يا ربيعاً حمـــــــلته بين أضلاعي فعندي من خصبِهِ أفنانُ
يا كتـــــــــاباً ضخماً عكفت عليه فبروحي من قدسِهِ قرآنُ
أنتَ كونٌ أعلى فحلّق فكرٌ بين أبعـــــــــــــادِهِ وجلا لسانُ
سيدي إنني وإن شطّت الدارُ وغابت عن ناظري الأوطانُ
ذلك القلبُ ذائبٌ برمالِ الطـــــــــــفِّ صبٌّ بعفرِها هيمانُ
سحرتني فيك العزيمةُ والــــموقفُ والروحُ صلبةٌ والجنانُ
والذي عاشَ بالمشـــــــــــاعرِ لا يـبعدُ مهما تباعدَ الأبدانُ
لقد عشق أحمد الوائلي الحسين (ع) فخلد اسمه بهذا العشق واقترن به, فحينما يكون الشاعر خطيباً والخطيب شاعراً يتوحّد في الكلمة صدق التعبير وصدق الفن ويتألق نجمه أكثر في سماء الحسين (ع).
فلم يزل الوائلي يزداد تألقاً بذكر الحسين حتى خبا ألق هذا النجم في مدينة الكاظمية المقدسة يوم الأثنين 14 جمادي الثاني 1424هـ/ 14 تموز 2003 وحمل جثمانه الطاهر في يوم الثلاثاء إلى كربلاء ثم منها إلى النجف الأشرف ودفن في صحن العبد الصالح كميل بن زياد (رضوان الله عليه) وكان قد عاد من مهجره (دمشق) إلى العراق بعد سقوط النظام البائد حيث لم يلبث في العراق سوى عشرة أيام.
العتبة الحسينية المقدسة