المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المراد من المودة في القربى


الشيخ عباس محمد
03-05-2019, 11:01 PM
السؤال: المراد من المودة في القربى
أحد مشايخ أهل السنّة ذكر، أنّ آية المودة في القربى كانت تخص كفار قريش, فكان يطلب منهم المودة في حياته, وبعد موته أصبحت الآية منقطعة. ما صحة هذا الكلام؟
الجواب:
قال السيد الطباطبائي في تفسير الميزان: ((وأمّا معنى المودة في القربى فقد اختلف فيه تفاسيرهم فقيل - ونسب إلى الجمهور - أنّ الخطاب لقريش, والأجر المسؤول هو مودتهم للنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) لقرابته منهم؛ وذلك لأنّهم كانوا يكذبونه ويبغضونه لتعرضه لآلهتهم على ما في بعض الأخبار, فأمر (صلّى الله عليه وآله وسلّم) أن يسألهم: إن لم يؤمنوا به, فليودوه, لمكان قرابته منهم, ولا يبغضوه, ولا يؤذوه, فالقربى مصدر بمعنى القرابة, و(في) للسببية.
وفيه أنّ معنى الأجر إنّما يتم إذا قوبل به عمل يمتلكه معطي الأجر, فيعطي العامل ما يعادل ما امتلكه من مال ونحوه, فسؤال الأجر من قريش، وهم كانوا مكذّبين له كافرين بدعوته، إنّما كان يصح على تقدير إيمانهم به(صلّى الله عليه وآله وسلّم)؛ لأنّهم على تقدير تكذيبه والكفر بدعوته لم يأخذوا منه شيئاً حتّى يقابلوه بالأجر, وعلى تقدير الإيمان به - والنبوّة أحد الأصول الثلاثة في الدين - لا يتصور بغض حتّى تجعل المودة أجراً للرسالة ويسأل.
وبالجملة, لا تحقق لمعنى الأجر على تقدير كفر المسؤولين, ولا تحقق لمعنى البغض على تقدير إيمانهم، حتّى يسألوا المودّة.
وهذا الإشكال وارد حتّى على تقدير أخذ الإستثناء منقطعاً؛ فإنّ سؤال الأجر منهم على أيّ حال، إنّما يتصور على تقدير إيمانهم، والإستدراك على الإنقطاع إنّما هو عن الجملة بجميع قيودها فأجد التأمل فيه))(1).
فالآية من حيث المعنى لا تتسق وطلب المودّة للنبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) من قريش الكافرين، وإنّما مع طلب المودّة من المسلمين للقربى، كما هو واضح من ظاهر الآية ومن نصوص الروايات في شأن النزول.

(1) تفسير الميزان 18: 43.


السؤال: تدل على مودة أهل البيت (عليهم السلام)
ليس المقصود من القربى في آية المودّة هم: عليّ وفاطمة وابناهما، وإنّما المقصود منها التودّد إلى الله تعالى بالطاعة والتقرّب، أي: لا أسألكم عليه أجراً إلاّ أن تودّوه وتحبّوه تعالى بالتقرّب إليه.
الجواب:
إنّ مستند هذا القول هو رواية منسوبة إلى ابن عباس عن النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) أنّه قال: (لا أسألكم على ما أتيتكم به من البينات والهدى أجراً، إلاّ أن توادوا الله ورسوله وأن تقرّبوا إليه بطاعته)(1).
ويرد على هذا القول عدّة أُمور، منها:
1- إنّ في سند الرواية ضعف، كما صرّح بذلك ابن حجر العسقلاني في (فتح الباري)(2).
2- لم يرد في لغة العرب استعمال لفظ (القربى) بمعنى التقرّب، خاصّة مع سبقها بطلب المودّة.
3- إنّ التقرّب إلى الله تعالى هو محتوى ومضمون الرسالة نفسها، فكيف يطلب النبيّ(صلّى الله عليه وآله وسلّم) التقرّب إلى الله تعالى لأجل التقرّب إلى الله تعالى، وهذا أمر لا يعقل ولا يرتضيه الذوق السليم، لأنّه يؤدّي إلى أن يكون الأجر والمأجور عليه واحد.
هذا وقد تكاثرت الروايات من طرق الفريقين على وجوب موالاة قربى الرسول(عليهم السلام) ومحبّتهم(3)، ونزول آية المودّة فيهم(عليهم السلام)، وأنّهم أهل بيته(4).
(1) أُنظر: مسند أحمد 1: 268 مسند عبد الله بن عباس.
(2) فتح الباري 8: 434 سورة الشورى، باب (قوله إلاّ المودة في القربى).
(3) أُنظر: مسند أحمد 1: 229، 286 مسند عبد الله بن عباس، صحيح البخاري 4: 154 باب المناقب، و 6: 37 كتاب تفسير القرآن، سنن الترمذي 5: 54 الحديث (3304) سورة الشورى، المستدرك على الصحيحين 2: 444.
(4) أُنظر: المعجم الأوسط للطبراني 2: 337، المستدرك على الصحيحين 3: 172، جامع البيان للطبري: 25، 33 سورة الشورى، تفسير ابن أبي حاتم 10: 3276 الحديث (18473)، تفسير الثعلبي 8: 310، شواهد التنزيل للحسكاني 1: 544 الحديث (588).