الحر2
08-12-2007, 12:46 AM
احتجاج الشيخ المفيد السديد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان رضي الله عنه.
حدث الشيخ أبو علي الحسن بن محمد الرقي بالرملة في شوال من سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة عن الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان (ره) أنه قال:
____________
الصفحة 326 رأيت في المنام سنة من السنين كأني قد اجتزت في بعض الطرق فرأيت حلقة دائرة فيها ناس كثير، فقلت:
ما هذا؟
قالوا: هذه حلقة فيها رجل يقص.
فقلت: من هو؟
قالوا: عمر بن الخطاب.
ففرقت الناس ودخلت الحلقة، فإذا أنا برجل يتكلم على الناس بشئ لم أحصله فقطعت عليه الكلام، وقلت:
أيها الشيخ أخبرني ما وجه الدلالة على فضل صاحبك أبي بكر عتيق ابن أبي قحافة من قول الله تعالى: (ثاني اثنين إذ هما في الغار)؟ (1).
فقال: وجه الدلالة على فضل أبي بكر من هذه الآية في ستة مواضع:
الأول: أن الله تعالى ذكر النبي صلى الله عليه وآله وذكر أبا بكر فجعله ثانيه، فقال:
(ثاني اثنين إذ هما في الغار).
والثاني: أنه وضعهما بالاجتماع في مكان واحد، لتأليفه بينهما فقال: (إذ هما في الغار).
والثالث: أنه أضاف إليه بذكر الصحبة ليجمعه بينهما بما يقتضي الرتبة، فقال: (إذ يقول لصاحبه).
والرابع: أنه أخبر عن شفقة النبي صلى الله عليه وآله عليه ورفقه به لموضعه عنده فقال: (لا تحزن).
والخامس: أنه أخبر أن الله معهما على حد سواء ناصرا لهما ودافعا عنهما فقال: (إن الله معنا).
والسادس: أنه أخبر عن نزول السكينة على أبي بكر لأن رسول الله صلى الله عليه وآله لم تفارقه السكينة قط، فقال: (فأنزل الله سكينته عليه).
____________
(1) التوبة - 41. الصفحة 327 فهذه ستة مواضع تدل على فضل أبي بكر من آية الغار، لا يمكنك ولا لغيرك الطعن فيها.
فقلت له: حبرت بكلامك في الإحتجاج لصاحبك عنه، وأني بعون الله سأجعل جميع ما أتيت به كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف.
أما قولك: أن الله تعالى ذكر النبي صلى الله عليه وآله وجعل أبا بكر ثانيه، فهو إخبار عن العدد، لعمري لقد كانا اثنين، فما في ذلك من الفضل؟! ونحن نعلم ضرورة أن مؤمنا ومؤمنا، أو مؤمنا وكافرا، اثنان، فما أرى لك في ذكر العدد طائلا تعتمده.
وأما قولك: أنه وصفهما بالاجتماع في المكان، فإنه كالأول لأن المكان يجمع المؤمن والكافر كما يجمع العدد المؤمنين والكفار، وأيضا: فإن مسجد النبي صلى الله عليه وآله أشرف من الغار، وقد جمع المؤمنين والمنافقين والكفار، وفي ذلك قوله عز وجل: (فما للذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين) (1) وأيضا: فإن سفينة نوح قد جمعت النبي، والشيطان، والبهيمة، والكلب، والمكان لا يدل على ما أوجبت من الفضيلة، فبطل فضلان.
وأما قولك: أنه أضاف إليه بذكر الصحبة، فإنه أضعف من الفضلين الأولين:
لأن اسم الصحبة يجمع بين المؤمن والكافر، والدليل على ذلك قوله تعالى: (قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا) (2) وأيضا: فإن اسم الصحبة تطلق بين العاقل وبين البهيمة، والدليل على ذلك من كلام العرب الذي نزل القرآن بلسانهم، فقال الله عز وجل: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) (3) أنهم سموا الحمار صاحبا فقالوا:
إن الحمار مع الحمار مطية * فإذا خلوت به فبئس الصاحب
وأيضا: قد سموا الجماد مع الحي صاحبا، قالوا ذلك في السيف شعرا:
زرت هندا وذاك غير اختيان * ومعي صاحب كتوم اللسان
يعني: السيف. فإذا كان اسم الصحبة يقع بين المؤمن والكافر، وبين العاقل والبهيمة، وبين الحيوان والجماد، فأي حجة لصاحبك فيه؟!
وأما قولك: أنه قال: (لا تحزن) فإنه وبال عليه ومنقصة له، ودليل على خطئه، لأن قوله: (لا تحزن) نهي وصورة النهي قول القائل: (لا تفعل) لا يخلوا أن يكون الحزن وقع من أبي بكر طاعة أو معصية، فإن كان (طاعة) فإن النبي صلى الله عليه وآله لا ينهى عن الطاعات بل يأمر بها ويدعو إليها، وإن كان (معصية) فقد نهاه النبي صلى الله عليه وآله عنها، وقد شهدت الآية بعصيانه بدليل أنه نهاه.
وأما قولك: أنه قال: (إن الله معنا) فإن النبي صلى الله عليه وآله قد أخبر أن الله معه، وعبر عن نفسه بلفظ الجمع، كقوله: (إنا نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وقيل أيضا في هذا: إن أبا بكر قال: (يا رسول الله حزني على أخيك علي بن أبي طالب ما كان منه) فقال له النبي صلى الله عليه وآله:
(لا تحزن إن الله معنا) أي: معي ومع أخي علي بن أبي طالب عليه السلام.
وأما قولك: أن السكينة نزلت على أبي بكر، فإنه ترك للظاهر: لأن الذي نزلت عليه السكينة هو الذي أيده بالجنود، وكذا يشهد ظاهر القرآن في قوله:
(فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود، لم تروها) فإن كان أبو بكر هو صاحب السكينة فهو صاحب الجنود، وفي هذا إخراج للنبي صلى الله عليه وآله من النبوة على أن هذا الموضع لو كتمته عن صاحبك كان خيرا، لأن الله تعالى أنزل السكينة على النبي صلى الله عليه وآله في موضعين كان معه قوم مؤمنون فشركهم فيها، فقال - في أحد الموضعين -: (فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى) وقال في الموضع الآخر: (أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها) ولما كان في هذا الموضع خصه وحده بالسكينة قال: (فأنزل الله سكينته عليه) فلو كان معه مؤمن لشركه معه في السكينة كما شرك من ذكرنا قبل هذا من المؤمنين، فدل إخراجه من السكينة على خروجه من الإيمان، فلم يحر جوابا وتفرق الناس واستيقظت من نومي.
____________
حدث الشيخ أبو علي الحسن بن محمد الرقي بالرملة في شوال من سنة ثلاث وعشرين وأربعمائة عن الشيخ المفيد أبي عبد الله محمد بن محمد بن النعمان (ره) أنه قال:
____________
الصفحة 326 رأيت في المنام سنة من السنين كأني قد اجتزت في بعض الطرق فرأيت حلقة دائرة فيها ناس كثير، فقلت:
ما هذا؟
قالوا: هذه حلقة فيها رجل يقص.
فقلت: من هو؟
قالوا: عمر بن الخطاب.
ففرقت الناس ودخلت الحلقة، فإذا أنا برجل يتكلم على الناس بشئ لم أحصله فقطعت عليه الكلام، وقلت:
أيها الشيخ أخبرني ما وجه الدلالة على فضل صاحبك أبي بكر عتيق ابن أبي قحافة من قول الله تعالى: (ثاني اثنين إذ هما في الغار)؟ (1).
فقال: وجه الدلالة على فضل أبي بكر من هذه الآية في ستة مواضع:
الأول: أن الله تعالى ذكر النبي صلى الله عليه وآله وذكر أبا بكر فجعله ثانيه، فقال:
(ثاني اثنين إذ هما في الغار).
والثاني: أنه وضعهما بالاجتماع في مكان واحد، لتأليفه بينهما فقال: (إذ هما في الغار).
والثالث: أنه أضاف إليه بذكر الصحبة ليجمعه بينهما بما يقتضي الرتبة، فقال: (إذ يقول لصاحبه).
والرابع: أنه أخبر عن شفقة النبي صلى الله عليه وآله عليه ورفقه به لموضعه عنده فقال: (لا تحزن).
والخامس: أنه أخبر أن الله معهما على حد سواء ناصرا لهما ودافعا عنهما فقال: (إن الله معنا).
والسادس: أنه أخبر عن نزول السكينة على أبي بكر لأن رسول الله صلى الله عليه وآله لم تفارقه السكينة قط، فقال: (فأنزل الله سكينته عليه).
____________
(1) التوبة - 41. الصفحة 327 فهذه ستة مواضع تدل على فضل أبي بكر من آية الغار، لا يمكنك ولا لغيرك الطعن فيها.
فقلت له: حبرت بكلامك في الإحتجاج لصاحبك عنه، وأني بعون الله سأجعل جميع ما أتيت به كرماد اشتدت به الريح في يوم عاصف.
أما قولك: أن الله تعالى ذكر النبي صلى الله عليه وآله وجعل أبا بكر ثانيه، فهو إخبار عن العدد، لعمري لقد كانا اثنين، فما في ذلك من الفضل؟! ونحن نعلم ضرورة أن مؤمنا ومؤمنا، أو مؤمنا وكافرا، اثنان، فما أرى لك في ذكر العدد طائلا تعتمده.
وأما قولك: أنه وصفهما بالاجتماع في المكان، فإنه كالأول لأن المكان يجمع المؤمن والكافر كما يجمع العدد المؤمنين والكفار، وأيضا: فإن مسجد النبي صلى الله عليه وآله أشرف من الغار، وقد جمع المؤمنين والمنافقين والكفار، وفي ذلك قوله عز وجل: (فما للذين كفروا قبلك مهطعين عن اليمين وعن الشمال عزين) (1) وأيضا: فإن سفينة نوح قد جمعت النبي، والشيطان، والبهيمة، والكلب، والمكان لا يدل على ما أوجبت من الفضيلة، فبطل فضلان.
وأما قولك: أنه أضاف إليه بذكر الصحبة، فإنه أضعف من الفضلين الأولين:
لأن اسم الصحبة يجمع بين المؤمن والكافر، والدليل على ذلك قوله تعالى: (قال له صاحبه وهو يحاوره أكفرت بالذي خلقك من تراب ثم من نطفة ثم سواك رجلا) (2) وأيضا: فإن اسم الصحبة تطلق بين العاقل وبين البهيمة، والدليل على ذلك من كلام العرب الذي نزل القرآن بلسانهم، فقال الله عز وجل: (وما أرسلنا من رسول إلا بلسان قومه) (3) أنهم سموا الحمار صاحبا فقالوا:
إن الحمار مع الحمار مطية * فإذا خلوت به فبئس الصاحب
وأيضا: قد سموا الجماد مع الحي صاحبا، قالوا ذلك في السيف شعرا:
زرت هندا وذاك غير اختيان * ومعي صاحب كتوم اللسان
يعني: السيف. فإذا كان اسم الصحبة يقع بين المؤمن والكافر، وبين العاقل والبهيمة، وبين الحيوان والجماد، فأي حجة لصاحبك فيه؟!
وأما قولك: أنه قال: (لا تحزن) فإنه وبال عليه ومنقصة له، ودليل على خطئه، لأن قوله: (لا تحزن) نهي وصورة النهي قول القائل: (لا تفعل) لا يخلوا أن يكون الحزن وقع من أبي بكر طاعة أو معصية، فإن كان (طاعة) فإن النبي صلى الله عليه وآله لا ينهى عن الطاعات بل يأمر بها ويدعو إليها، وإن كان (معصية) فقد نهاه النبي صلى الله عليه وآله عنها، وقد شهدت الآية بعصيانه بدليل أنه نهاه.
وأما قولك: أنه قال: (إن الله معنا) فإن النبي صلى الله عليه وآله قد أخبر أن الله معه، وعبر عن نفسه بلفظ الجمع، كقوله: (إنا نزلنا الذكر وإنا له لحافظون) وقيل أيضا في هذا: إن أبا بكر قال: (يا رسول الله حزني على أخيك علي بن أبي طالب ما كان منه) فقال له النبي صلى الله عليه وآله:
(لا تحزن إن الله معنا) أي: معي ومع أخي علي بن أبي طالب عليه السلام.
وأما قولك: أن السكينة نزلت على أبي بكر، فإنه ترك للظاهر: لأن الذي نزلت عليه السكينة هو الذي أيده بالجنود، وكذا يشهد ظاهر القرآن في قوله:
(فأنزل الله سكينته عليه وأيده بجنود، لم تروها) فإن كان أبو بكر هو صاحب السكينة فهو صاحب الجنود، وفي هذا إخراج للنبي صلى الله عليه وآله من النبوة على أن هذا الموضع لو كتمته عن صاحبك كان خيرا، لأن الله تعالى أنزل السكينة على النبي صلى الله عليه وآله في موضعين كان معه قوم مؤمنون فشركهم فيها، فقال - في أحد الموضعين -: (فأنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وألزمهم كلمة التقوى) وقال في الموضع الآخر: (أنزل الله سكينته على رسوله وعلى المؤمنين وأنزل جنودا لم تروها) ولما كان في هذا الموضع خصه وحده بالسكينة قال: (فأنزل الله سكينته عليه) فلو كان معه مؤمن لشركه معه في السكينة كما شرك من ذكرنا قبل هذا من المؤمنين، فدل إخراجه من السكينة على خروجه من الإيمان، فلم يحر جوابا وتفرق الناس واستيقظت من نومي.
____________