الثابت
08-12-2007, 06:07 PM
توبة شاب فاسق
جاء في كتاب( كيفر كردار أو قانون مجازات ) ان رابعة العدوية قالت : كان هنالك شاب في غاية الجمال ، وقد استدرجه اصدقاء السوء الى مهاوي الفحشاء والرذيلة حتىّ صار في عداد الفسقة والأشقياء ، واصبح همّه مطاردة النساء واغواء الفتيات ، حتّّى بلغ أذاه جميع الناس.
ذهبت لزيارته يوماً فوجدته قد افترش سجادته وانشغل بالصلاة ،وهو في غاية الخشوع والخضوع ، ويكثر من البكاء، تعجبت من وضعه وقلت في نفسي : ما لهذا الفاسق العاصي وهذه العبادة والخشوع والتقوى ، وكيف صار عتبة بن علام إلى هذا الحال ؟!..
انتظرت حتّى انتهى من صلاته ثم قلت له : هذا انت يا بن علام ؟!.. انت الذي كنت غارقاً في الشهوة والشراب والمعاصي ، كيف اعرضت عن كلّ ذلك وتوجهت إلى الله ، وكيف تبت مما كنت فيه من المعاصي ؟..
قال : انت تعلمين انني كنت في شبابي كثير المعاصي ومولعاً بالنساء ، وكما تعملين ان اكثر من الف امرأة في البصرة كن واقعات في شباك غرامي، وانني كنت مسرفاً في غروري ذاك وطيش الشباب.
وفي أحد الايام وقع بصري عندما خرجت من داري على امراة لا يظهر منها الا عيناها ، إذ كانت مستورة بثيابها.. فوسوس لي الشيطان واغراني بها وصار قلبي وكأن ناراً اضطمرت فيه؛ فسرت وراءها لأكلمها فاعرضت عني ، وكّلما دنوت منها تجاهلتني .
فاقتربت منها وقلت : ويحك ألا تعرفيني ؟.. انا عتبة الذي تهواني اكثر نساء البصرة ، فما لي اكلّمك فتعرضين ؟..
قالت : ماذا تريد مني ؟.. قلت : ضيّفيني .
قالت : ويحك يا رجل !.. كيف عشقتني وتدّعي محبتي، وانا ارتدي ثياباً تستر كلّ اعضاء بدني؟..
قلت : عشقت منك هاتين العينين الجميلتين .
قالت : صدقت لقد كنت غافلة عنهما حقاً ، إذاً لاتكف عني وتعال أقضي حاجتك .. ثم انّها سارت فتبعتها إلى ان دخلت دارها فدخلت وراءها ، ولكن لم اجد في دارها اثاثاً ولامتاعاً.. قلت : اليس لك في الدار متاع؟..
قالت : نقلنا متاعنا من هذا الدار.. قلت : إلى اين ؟.. قالت : ألم تقرأ في القرآن قوله تعالى :
{ تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لايريدون علوّاً في الارض ولا فساداً والعاقبة للمتقين} ؟.. سورة القصص: 83
لقد نقلنا كلّ ما لدينا إلى الدار الآخرة وهي دار الخلود ، أما هذه الدنيا فزائلة.. فاخش ربك ايها الرجل وتب من عملك هذا ، واياك ان تبيع الجنّة الباقية بالدنيا الفانية ، والحور بالنساء.
قلت: دعكِ من هذا الكلام واقضي حاجتي.
نصحتني المرأة كثيراً ولكن لم تجد عندي اذناً صاغية.. فقالت لي : هل عليٌّ ان اقضي حاجتك إذا لم تدع عنك هذا ؟.. قلت : نعم .. رأيتها دخلت غرفة اخرى وتركتني لحالي ، وشاهدت عجوزاً جالسة في تلك الغرفة.. نادت تلك البنت : ان ائتوني بماء لأتوضّأ ، فجاؤها بالماء وتوضأت ووقفت تصلّي حتّى منتصف الليل.. وبقيت افكر مع نفسي اين انا ؟.. ومن هؤلاء النسوة؟.. ولماذا اطالت عليُّ هكذا؟..
إلى ان سمعت صوتها فجأة تنادي: احضروا لي قطناً ووطبقاً.. فأخذت لها العجوز ما ارادت..بعد دقائق سمعت العجوز صرخت وقالت : انا لله وانا اليه راجعون ،ولاحول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم..وثبت مذعوراً فوجدت ان الفتاة قد قلعت عينيها بالسكّين ووضعتها على قطن في طبق ، ولما جاءتني العجوز بالطبق وجدت العينين لا زالتا تتحركان في الشحمة على القطن.
قالت لي العجوز وهي في غاية الارتياع : هذه ما كنت تعشقها خذها لا بارك الله لك فيها ، لقد حيرّتنا حيرك الله ، ووضعت الطبق أمامي فذعرت وجف فمي ، ولم اعد قادراً على الكلام ، فما هذا الذي فعلته هذه الفتاة؟..
قالت العجوز وهي باكية : كنا عشرة نساء اعتكفنا في هذه الدار لانبرحها ، وكانت هذه الفتاة هي التي تشتري لنا ما نحتاج اليه.. الاّ انّك جلبت علينا الحيرة والألم .. أهذا هو مرادك ؟.. خذ هاتين العينين اللتين عشقتهما .
وما ان سمعت كلام العجوز حتّى اغمي علي ُّ ولما استعدت الوعي بقيت تلك الليلة غارقاً في التفكير ، وندمت على ما سلف من اعمالي، وقلت: الويل لي لقد كنت اعصي الله طوال عمري ولم اندم على شيء من ذلك ، الاّ ان هذه الفتاة ادبتني بعملها هذا.. فذهبت إلى داري ووقعت في فراش المرض اربعين يوماً.. فكان ذلك سبباً لندمي وتوبتي.
قال الشاعر :
أيها المغرور ما هذا الصبا لو نهيت النفس لانتهت
أنسيت الموت جهلاً والبلا وسلَت نفسك عنه ولَهَت
نحن في دار بلاءِِ واذىً وشقاء وعناءٍ وعنــت
ديوان أبي العتاهية: ص73
جاء في كتاب( كيفر كردار أو قانون مجازات ) ان رابعة العدوية قالت : كان هنالك شاب في غاية الجمال ، وقد استدرجه اصدقاء السوء الى مهاوي الفحشاء والرذيلة حتىّ صار في عداد الفسقة والأشقياء ، واصبح همّه مطاردة النساء واغواء الفتيات ، حتّّى بلغ أذاه جميع الناس.
ذهبت لزيارته يوماً فوجدته قد افترش سجادته وانشغل بالصلاة ،وهو في غاية الخشوع والخضوع ، ويكثر من البكاء، تعجبت من وضعه وقلت في نفسي : ما لهذا الفاسق العاصي وهذه العبادة والخشوع والتقوى ، وكيف صار عتبة بن علام إلى هذا الحال ؟!..
انتظرت حتّى انتهى من صلاته ثم قلت له : هذا انت يا بن علام ؟!.. انت الذي كنت غارقاً في الشهوة والشراب والمعاصي ، كيف اعرضت عن كلّ ذلك وتوجهت إلى الله ، وكيف تبت مما كنت فيه من المعاصي ؟..
قال : انت تعلمين انني كنت في شبابي كثير المعاصي ومولعاً بالنساء ، وكما تعملين ان اكثر من الف امرأة في البصرة كن واقعات في شباك غرامي، وانني كنت مسرفاً في غروري ذاك وطيش الشباب.
وفي أحد الايام وقع بصري عندما خرجت من داري على امراة لا يظهر منها الا عيناها ، إذ كانت مستورة بثيابها.. فوسوس لي الشيطان واغراني بها وصار قلبي وكأن ناراً اضطمرت فيه؛ فسرت وراءها لأكلمها فاعرضت عني ، وكّلما دنوت منها تجاهلتني .
فاقتربت منها وقلت : ويحك ألا تعرفيني ؟.. انا عتبة الذي تهواني اكثر نساء البصرة ، فما لي اكلّمك فتعرضين ؟..
قالت : ماذا تريد مني ؟.. قلت : ضيّفيني .
قالت : ويحك يا رجل !.. كيف عشقتني وتدّعي محبتي، وانا ارتدي ثياباً تستر كلّ اعضاء بدني؟..
قلت : عشقت منك هاتين العينين الجميلتين .
قالت : صدقت لقد كنت غافلة عنهما حقاً ، إذاً لاتكف عني وتعال أقضي حاجتك .. ثم انّها سارت فتبعتها إلى ان دخلت دارها فدخلت وراءها ، ولكن لم اجد في دارها اثاثاً ولامتاعاً.. قلت : اليس لك في الدار متاع؟..
قالت : نقلنا متاعنا من هذا الدار.. قلت : إلى اين ؟.. قالت : ألم تقرأ في القرآن قوله تعالى :
{ تلك الدار الآخرة نجعلها للذين لايريدون علوّاً في الارض ولا فساداً والعاقبة للمتقين} ؟.. سورة القصص: 83
لقد نقلنا كلّ ما لدينا إلى الدار الآخرة وهي دار الخلود ، أما هذه الدنيا فزائلة.. فاخش ربك ايها الرجل وتب من عملك هذا ، واياك ان تبيع الجنّة الباقية بالدنيا الفانية ، والحور بالنساء.
قلت: دعكِ من هذا الكلام واقضي حاجتي.
نصحتني المرأة كثيراً ولكن لم تجد عندي اذناً صاغية.. فقالت لي : هل عليٌّ ان اقضي حاجتك إذا لم تدع عنك هذا ؟.. قلت : نعم .. رأيتها دخلت غرفة اخرى وتركتني لحالي ، وشاهدت عجوزاً جالسة في تلك الغرفة.. نادت تلك البنت : ان ائتوني بماء لأتوضّأ ، فجاؤها بالماء وتوضأت ووقفت تصلّي حتّى منتصف الليل.. وبقيت افكر مع نفسي اين انا ؟.. ومن هؤلاء النسوة؟.. ولماذا اطالت عليُّ هكذا؟..
إلى ان سمعت صوتها فجأة تنادي: احضروا لي قطناً ووطبقاً.. فأخذت لها العجوز ما ارادت..بعد دقائق سمعت العجوز صرخت وقالت : انا لله وانا اليه راجعون ،ولاحول ولا قوّة إلاّ بالله العلي العظيم..وثبت مذعوراً فوجدت ان الفتاة قد قلعت عينيها بالسكّين ووضعتها على قطن في طبق ، ولما جاءتني العجوز بالطبق وجدت العينين لا زالتا تتحركان في الشحمة على القطن.
قالت لي العجوز وهي في غاية الارتياع : هذه ما كنت تعشقها خذها لا بارك الله لك فيها ، لقد حيرّتنا حيرك الله ، ووضعت الطبق أمامي فذعرت وجف فمي ، ولم اعد قادراً على الكلام ، فما هذا الذي فعلته هذه الفتاة؟..
قالت العجوز وهي باكية : كنا عشرة نساء اعتكفنا في هذه الدار لانبرحها ، وكانت هذه الفتاة هي التي تشتري لنا ما نحتاج اليه.. الاّ انّك جلبت علينا الحيرة والألم .. أهذا هو مرادك ؟.. خذ هاتين العينين اللتين عشقتهما .
وما ان سمعت كلام العجوز حتّى اغمي علي ُّ ولما استعدت الوعي بقيت تلك الليلة غارقاً في التفكير ، وندمت على ما سلف من اعمالي، وقلت: الويل لي لقد كنت اعصي الله طوال عمري ولم اندم على شيء من ذلك ، الاّ ان هذه الفتاة ادبتني بعملها هذا.. فذهبت إلى داري ووقعت في فراش المرض اربعين يوماً.. فكان ذلك سبباً لندمي وتوبتي.
قال الشاعر :
أيها المغرور ما هذا الصبا لو نهيت النفس لانتهت
أنسيت الموت جهلاً والبلا وسلَت نفسك عنه ولَهَت
نحن في دار بلاءِِ واذىً وشقاء وعناءٍ وعنــت
ديوان أبي العتاهية: ص73