مروان1400
14-12-2020, 11:40 PM
(وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين)(آل عمران 144)
تعرض النبي الكريم الى محاولات اغتيال عديدة كان أغلبها بتدبير قبيلة قريش وزعماءها من مثل أبوسفيان بن حرب وغيره .ذكرت كتب السيرة تلك المحاولات التي خطط لها كفار قريش, ولم يجد المؤرخون حرجاً في تفصيل ذلك ولم يخش المؤرخون سلطة الخلفاء من كتابة تلك المحاولات, بل على العكس كان ذكرمحاولات الاغتيال التي قام بها مشركو قريش وباقي العرب واليهود يوحي للناس أن المشركين واليهود هم فقط الذين كانوا وراء محاولات الاغتيال تلك وليس غيرهم ! لكن النبي تعرض الى محاولات اغتيال اخرى كانت بتدبير المسلمين أنفسهم , ذكرت كتب السيرة نتفاً من تلك المحاولات ولم تذكر الاشخاص وتكتمت عن التصريح واكتفت بتلميحات يسيرة فصلتها كتب اخرى خارجة عن سلطة الدولة. ان سبب تكتم بعض كتب السيرة عن ذكر اسماء المسلمين الذين حاولوا اغتيال النبي لايحتاج الى محقق جنائي لادراك ذلك التكتم ! فالاشخاص الذين خططوا لاغتيال النبي في أيامه الاخيرة هم الذين تسدوا مناصب الامارة والسيادة في الدولة التي أقامها النبي محمد(ص) واغتصبوا الخلافة ونالوا مايريدون , فقد كانت مصلحة الجناة التعجيل برحيل النبي كي يرثوا دولة كاملة وجاهزة, ولم يقدر المؤرخون والكتاب الذين عاشوا تحت تسلط أولئك الحكام ذكر تفاصيل الاغتيال تلك وأكتفى بعضهم بالتلميح , ويعود الفضل في اكتشاف جناة محاولات الاغتيال تلك الى حصافة المحققين الذين جمعوا النتف والتلمحيات من كتب التاريخ والسيرة ,ليظهروا الصورة كاملة ويبينوا لنا من هم الذين أبرموا تلك الخطط. ومن المعجزات القرانية أن ايات القران أشارت الى اولئك المخططين, ولم يجد الذين اغتصبوا سلطة الدولة سوى تأويل تلك الايات وتفسيرها بشكل يخالف ما اوحت به تلك الايات , ولو تسنى لهم أن يمحوا من كتاب الله مايقدروا لمحوا مايحلو لهم .
ومن تلك الايات التي تتحدث عن اغتيال النبي وقتله , اية 144 من سورة آل عمران (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل أنقلبتم على أعقابكم) , حيث تبين الاية أن قتل النبي موضوع وارد وقد يحصل ( أفإن مات أو قتل) ,فاحتمال موت النبي قتلاً ليس من المستحيلات , واذا كان القرآن قد تحدث أن الله سبحانه سيعصم النبي من الناس كما في الاية (يا أيها النبي بلغ ما أنزل أليك من ربك وأن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لايهدي الكافرين) (المائدة57) فأن العصمة كانت فاعلة حتى إتمام تبليغ الرسالة كاملة , ثم تأتي آية ( اليوم أكملت لكم دينكم.....)( المائدة3) , فبعد تبليغ الرسالة للناس وإكمال الدين وإتمام النعمة يبقى موضوع قتل النبي أو وفاته محتمل الوقوع كما بينت اية ال عمران, وإن كانت أغلب كتب السيرة تلقي تفسيراً غامضا حول وفاة النبي وتتطرق بحذر الى احتمال وفاته مسموماً وذلك بتأويل آيات عصمة الله له من الناس , حيث يخلط جمع من الكتاب بين اية ( والله يعصمك من الناس ) وبين آية ( أفإن مات أو قتل) فمرة يقولون أنه معصوم عن القتل حسب اية والله يعصمك من الناس, وأخرى يتحدثون عن أمكانية وفاته بالقتل والسم, وفاتهم ان أية العصمة هي كانت لحفظه حتى يبلغ رسالة الخلافة وقد مربنا تفسيرها في فصل نظام الحكم , وبقي أحتمال موته قتلاً أحتمالاً واردا وليس مستحيلاً بل مؤكدا. إن ترجيح وفاة النبي وفاة طبيعية يصب في مصلحة الجناة لرفع تهمة الاغتيال عنهم !
إن سبب محاولات المسلمين لاغتيال النبي هوالطمع بتسدي امارة الدولة التي أقامها النبي في الجزيرة العربية, فالذين حاولوا أغتيال النبي من المسلمين ونجحوا في ذلك لاحقاً, علموا من أحاديث النبي (ص) ومن خطبه أنه في أواخر أيامه , وأنه على وشك الرحيل الى العالم الاخر فأرادوا أن يعجلوا من رحيله كي يتسنى لهم أفساد وصيته بالخلافة لعلي بن أبي طالب ,ويتسنى لهم اغتصاب السلطة ليستحوذوا على دولة كاملة جاهزة تحكم الجزيرة العربية ولها من الزخم والقوة ما سيمكنها من التسلط على أقوى دولتين في تلك الازمنة وهي دولة فارس ودولة الروم. انه حلم لا يصل اليه العربي انذاك في أبعد تخيلاته قبل ظهور النبي محمد (ص) وقبل انتصار الدين الجديد, لكن ذلك الحلم البعيد قد يصير حقيقة بعد موت النبي, فالنبي اوجد دولة كبيرة تسيطر على الجزيرة العربية وهي دولة قابلة للتوسع, فما أعظم الحصول على ذلك للعربي الذي كانت غاية أحلامه تزعم قبيلة, ولكن بقتل النبي يتمكن الطامع وعشيرته من حكم العرب. من البديهي أن الطامع في تسدي خلافة النبي لابد أن يكون من الذين كانوا قريبين للنبي, فليس للاعرابي المسلم الذي يعيش بعيدا عن النبي حظ في ذلك, وهذا السبب يرشد الباحث الى الجاني والطامع في اغتيال النبي(ص) , فالجناة يعيشون مع النبي وبالقرب منه وهم الذين سعوا للحصول على السلطة وانتحال خلافته . من المهم ذكر أن اليهود حاولوا قتل النبي بواسطة السم أكثر من مرة ,وفي أحد المرات سمموا ذراع شاة واهدوها له وعرف النبي(ص) ان الذراع المطبوخة كانت مسمومة فلم يأكلها , ان محاولة الاغتيال اليهودية تلك لها علاقة باغتيال المسلمين للنبي , ولذا من الضروري المرور عليها وذكر تأثيرها في الروايات التاريخية. لقد ضخًّم المؤرخون محاولات أغتيال اليهود للنبي(ص) فغطت على محاولات المسلمين وصار المسلم في الماضي وفي عصرنا الحاضر يعرف نتفاَ غامضة عن محاولات اليهود لاغتيال النبي , ولايعرف شيئا عن باقي الروايات التي قام بها المسلمون .
المسلمون يحاولون أغتيال النبي ص في العقبة
في منطقة تدعى العقبة تقع بين المدينة والشام حدثت محاولة من محاولات أغتيال النبي, وقد حدثت الحادثة بعد غزوة تبوك, وعندها كانت الدولة التي أقامها النبي محمد(ص) تسيطر على معظم الجزيرة العربية والأمور مستتبة وليس للطامع سوى قتل النبي ليسيطرعلى دولة كاملة لم تكن قبل ذلك في عهد الجاهلية سوى مدن وواحات متفرقة. يمر النبي(ص) وهو في عودته من غزوة تبوك في مسارعلى حافة جبل عال وكان حينها راكباً راحلته ومعه فقط إثنين ممن يثق من الصحابة وهما عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان . كان مسار النبي في حافة الجبل ليلاً, وقال لجنوده بأنه سيتخذ ذلك الممر الضيق لوحده وحثهم على السير في بطن الوادي من حول الجبل بدلا من السير معه على حافة الجبل شديد الانحدار ,فكانت فرصة سانحة للخونة الذين خططوا لاغتياله, فهجموا عليه وغايتهم هي تنفير ناقته لإسقاطه وناقته من حافة الجبل العالية نحو وادي العقبة لقتله, لكن عمار بن ياسر ضرب بمحجنه وجوه راوحلهم وكشفهم ضوء القمر وإن كانوا ملثمين, وعرفهم النبي(ص) وعرفهم كذلك عمار وحذيفة من دوابهم التي كانوا يركبونها, فخابوا وهربوا من انكشاف أمرهم وأفشل الله خطتهم تلك . وقال حذيفة بن اليمان للنبي ألا نقتلهم فقال النبي (ص) أنه لايقتل أصحابه, ثم جمعهم بعد ذلك وعاتبهم على مافعلوا فحلفوا له اغلظ الايمان انهم لم يكن في نيتهم قتله فتركهم(ص) ومضى في مسيره! كان للرحمة التي يحملها النبي سبب في ذلك, فطالما عفى عليه الصلاة والسلام عن أناس وتركهم أملاً منه في هدايتهم وتحققت الهداية لكثير من الذين عفا عنهم ولم يعنفهم, وقد يكون أيضا أن النبي (ص) عفا عن الذين خططوا لقتله أملاً منه في توحيد المسلمين في دولة الاسلام الفتية تلك, فالعقوبة الرادعة لاولئك المتآمرين قد تؤدي الى انقسام المسلمين بانضمام المنافقين والمتقلبين إلى تلك العصبة لوجود التعصب العشائري والقبلي, وهذا السبب الثاني يرجح أن تلك العصبة من الرجال لابد أن كانت من الصحابة المقربين ممن لهم علاقة مصاهرة وجيرة مع النبي وليسوا من الاعراب وعوام الناس, فعقوبة صحابة مقربين سيخلخل المسلمين , وهذا ما يرجح سبب عفو النبي الكريم عنهم والتغاضي عن جريمتهم. ان النبي (ص) كما بيَّن في أكثر من مرة لا يعاقب الناس على النوايا , وإنما يعاقب على الاعمال , فلم يرضى أن يحاكم تلك العصبة على نية خبيثة نووها ولم يحققوا منها شيئاً. لنقرأ النصوص :
لقد خلد القرآن حادثة الاغتيال تلك في سورة التوبة حيث تقول الاية : ( يحلفون بالله ما قالوا، ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله) ( سورة التوبة, 74) لقد هموا بقتل النبي ولكنهم لم ينالوا ذلك, وتأمل قوله تعالى في بداية الاية ( يحلفون بالله ماقالوا) أي أنهم حلفوا بالله للنبي (ص) أنهم أبرياء بعد أن جمعهم وعاتبهم , ثم تذكر الاية أنهم كفروا بعد أسلامهم أي أنهم كانوا مسلمين أسروا الكفر وجهروا بالاسلام كذباً ونفاقاً. وقد ذكرت كتب التفاسير هذه الحادثة ومنها مايلي من تفسير البيضاوي حيث يقول :
( وَهَمُّوا بما لم يَنالوا ، من الفتك بالرسول وهو أن خمسة عشر منهم توافقوا عند مرجعه من تبوك أن يدفعوه عن راحلته إلى الوادي إذ تسنم العقبة بالليل ! فأخذ عمار بن ياسر بخطام راحلته يقودها وحذيفة خلفها يسوقها، فبينما هما كذلك إذ سمع حذيفة بوقع أخفاف الإبل وقعقعة السلاح فقال: إليكم إليكم يا أعداء الله، فهربوا) ( تفسير البيضاوي , ج3 ص 158)
وروى ابن كثير : (عن حذيفة بن اليمان، قال: كنت آخذاً بخطام ناقة رسولوسلَّم أقود به، وعمار يسوق النَّاقة - أو أنا أسوقالنَّاقة وعمار يقود به - حتَّى إذا كنَّا بالعقبة، إذا باثني عشر رجلاً قداعترضوه فيها.قال: فأنبهت رسول الله فصرخ بهم فولّوا مدبرين. فقال لنا رسول الله: هل عرفتم القوم؟ قلنا: لا يا رسول الله قد كانوا متلثمين، ولكنا قد عرفنا الرّكاب
قال:هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة، وهل تدرون ما أرادوا ؟قلنا: لا. قال: أرادوا أن يزحموا رسول الله في العقبة، فيلقوه منها, قلنا: يا رسول الله أولا تبعث إلى عشائرهم حتَّى يبعث إليك كل قوم برأس صاحبهم؟. قال: لا أكره أن يتحدَّث العرب بينها أنَّ محمَّداً قاتل لقومه، حتَّى إذا أظهره الله بهم أقبل عليهم يقتلهم.)( البداية والنهاية لابن كثيرج5 ص25)
لم يعاقب النبي(ص) أولئك العصبة لكنه عاتبهم على فعلهم كما يروي الرازي في تفسيره
(فقال (ص): قم يا فلان قم يا فلان حتى عدَّ اثني عشر رجلاً منهم ! فقاموا وقالوا: كنا عزمنا على ما قلت ، ونحن نتوب إلى الله من ظلمنا أنفسنا فاستغفر لنا ! فقال: الآن ! أخرجوا . أنا كنت في بدء الأمر أقرب إلى الإستغفار ، وكان الله أقرب إلى الإجابة . أخرجوا عني) ( تفسير الرازي ج10 ص 162), تأمل قوله : قم يافلان قم يافلان.. دون ذكر الاسماء وهذا من فعل المؤرخين وكتبة التاريخ الذين ارادوا التغطية على اولئك الرجال.
إن حذيفة بن اليمان عرف من النبي أسماء جميع المنافقين وحفظ تلك الاسرار الخطيرة ولم يطلع عليها أحد ألا من أئتمنه , وكان حذيفة الشاهد على محاولة الاغتيال في العقبة وعرف جميع الذين اشتركوا في تلك المحاولة . وعرف المسلمون أن حذيفة عنده اسماء المنافقين لكنه كان يبقي ذلك سرا ربما حفاظا على حياته وربما توصية له من النبي (ص), ولم يكن حذيفة يصلي على المنافقين عند وفاتهم , فكان المسلمون يتأكدون من نفاق أي رجل بعد وفاته وذلك عندما يتخلف حذيفة عن الصلاة على الميت , فيعرف الناس أن الميت من المنافقين!. أخرج الذهبي في ترجمة حذيفة بن اليمان مايلي: ( وكان النبيّ قد أسرّ إلى حذيفة أسماء المنافقين ، وضبط عنه الفتن الكائنة في الأُمّة)( سير اعلام النبلاء للذهبي ج2 ص361). وقال أمير المؤمنين ع في حذيفة ( ذلك رجل عُلم أسماء المنافقين , إن تسألوه عن حدود الله تجدوه بها عالما) ( الاحتجاج للطبرسي ج1 ص388)
من هم رجال عصبة الاغتيال في العقبة؟
روى احمد في مسنده قصة العقبة كما يلي :
(حدثنا : يزيد ، أنبئنا الوليد ابن عبد الله بن جميع ، عن أبي الطفيل قال : لما أقبل رسول الله من غزوة تبوك أمر منادياً فنادى أن رسول الله أخذ العقبة فلا يأخذها أحد فبينما رسول الله يقوده حذيفة ويسوق به عمار إذ أقبل رهط متلثمون على الرواحل غشوا عماراً وهو يسوق برسول الله وأقبل عمار يضرب وجوه الرواحل فقال رسول الله لحذيفة (قد قد )حتى هبط رسول الله , فلما هبط رسول الله نزل ورجع عمار فقال : يا عمار هل عرفت القوم فقال : قد عرفت عامة الرواحل والقوم متلثمون قال: هل تدري ما أرادوا قال الله ورسوله أعلم ، قال : أرادوا أن ينفروا برسول الله فيطرحوه قال : فسأل عمار رجلاً من أصحاب رسول الله فقال الرجل : نشدتك بالله كم تعلم كان أصحاب العقبة فقال : أربعة عشر فقال : إن كنت فيهم فقد كانوا خمسة عشر فعدد رسول الله منهم ثلاثة, قالوا : والله ما سمعنا منادي رسول الله وما علمنا ما أراد القوم ! فقال عمار أشهد أن الإثني عشر الباقين حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد. قال الوليد ، وذكر أبو الطفيل في تلك الغزوة أن رسول الله قال للناس وذكر له أن في الماء قلة فأمر رسول الله منادياً فنادى أن لا يرد الماء أحد قبل رسول الله فورده رسول الله فوجد رهطاً قد وردوه قبله فلعنهم رسول الله يومئذ.)( مسند أحمد ,حديث أبي الطفيل , رقم الحديث :22676) .
الملاحظ في الحديث وفي باقي الاسناد أن الرجل الذي سأل عمارا وهو يشك في نفسه غير معلوم فهل كان صعباً على ناقل الحديث أو كاتبه أن يكتب من هو ذلك الرجل ؟ ثم أن ثلاثة من الذين كانوا مع مخططي الاغتيال حلفوا بالله أنهم لايعرفون شيئا عن خطة الاغتيال وهم الذين عنتهم الاية ( يحلفون بالله ماقالوا) من سورة التوبة التي تقدمت.
مخططو الاغتيال كان عددهم أربعة عشر الى خمسة عشر رجلاً ,وهذا يعني أن هناك تنظيم داخل المسلمين لقتل النبي محمد(ص) وليست العملية إعتباطية ! من هم أولئك الرجال ؟
لنقرأ هذه السطور الاتية ثم يأتينا الجواب بعدها. ان ناقل قصة الاغتيال عن حذيفة بن اليمان هو (الوليد بن عبد الله بن جميع) ,لنتذكر هذا الاسم جيداً في السطور القادمة.
يروي ابن حزم الظاهري المتوفي سنة (456 هجرية ) في كتابه المحلى رواية يذكر فيها حديث حذيفة بن اليمان الذي كان مع النبي يقود راحلته ليلة العقبة . كان راوي حديث حذيفة بن اليمان هو الرواي وليد بن جميع, ووليد بن جميع هو ايضا رواي الحديث في مسند أحمد الذي مر بنا في السطور الماضية. ان وليد بن جميع نقلاً عن حذيفة بن اليمان يذكر أسماء عصبة أغتيال النبي في العقبة ويعد منهم الخلفاء الثلاثة الاوائل ابوبكر وعمر وعثمان وكذلك طلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص, لكن هذه المعلومات الخطيرة أسدلت عليها الدولة الحاكمة الستائر ومحتها ولانجدها في عصرنا الحالي في كتب التاريخ والحديث, ولكن بقيت كنتف هنا وهناك تدل على تقصي تلك الاسماء ,ومن هذه النتف قول ابن حزم في كتابه المحلى حيث يقول مسقطاً حديث حذيفة ومتهما وليد بن جميع بالكذب والافتراء لانه ذكر أسماء الحكام والمتنفذين في الدولة! لنقرأ مايقول ابن حزم :
قال ابن حزم في المحلى:(وأما حديث حذيفة فساقط لأنه من طريق الوليد بن جميع وهو هالك، ولا نراه يعلم من وضع الحديث؟ فإنه قد روى أخباراً فيها: إن أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة وسعد بن أبي وقاص أرادوا قتل النبي وإلقائه من العقبة في تبوك . وهذا هو الكذب الموضوع الذي يطعن الله واضعه فسقط التعلق به)( المحلى لابن حزم ج 11ص 224, باب الحدود). إن أخبار الوليد بن جميع غير موجودة حالياً ,لكن كتاب المحلى لابن حزم ينقذ المحقق في كتب التاريخ لاستخراج هذه النتفة النادرة , فنكران ابن حزم لرواية الوليد بن جميع بتعريفه لها خلَّدَ تلك المقولة ودل على وجودها وربما كانت موسعة وبتوضيح أكبر في كتب أندثرت .
إن طمع الخلفاء الثلاثة ( ابوبكر , عمر , وعثمان) في اغتيال النبي احتمال وارد, لأن الدافع لذلك هو المصلحة والتربع على عرش الحكم ,وهو ما تم بعد موت النبي كما تقدم في فصل (السقيفة وكيف تمت البيعة), فدافع الجاني هو ما سيجني وماسيُدر عليه من منفعة في فعله . أما أي رجل خامل الذكر من المسلمين ليس له طموح ولا قوة عشيرة فليس من مصلحته اغتيال النبي الا اذا منضما لعصبة توعده بمناصب ومكافئات بعد ذلك. وللتحقيق في حديث الوليد بن جميع نعرض ( الوليد بن جميع) على كتب الحديث وتراجم الرجال لنرى هل حقا هو من الكذابين كما قال بن حزم في المحلى ,لانه إذا كان كاذبا فأن علم تراجم الرجال سيذكره ويذكر أكاذيبه لتمحيص الاحاديث والروايات التي رواها , وسنرى غير ذلك وليس هناك من يُكذب الرجل:
قال ابن حجر في تقييمه للوليد بن جميع : (صدوق ويَهِمُ (يقع في التوهم) يرمى بالتشيع. روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي). ونقول أن الرجل روى عنه أئمة الحديث عند الجمهور ولو كان كذاباً لاسقطوه وسموه بالكذاب وابن حجر يقول فيه أنه (صدوق). (الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر ج2ص286)
وقال الذهبي في الوليد بن جميع : (وثقه ابن معين والعجلي .وقال أحمد وأبو زرعة: ليس به بأس. وقال أبو حاتم: صالح الحديث .وقال المزي حدث عنه ابن معين، وذكره ابن حبان في الثقات )(ميزان الاعتدال للذهبي ج4 ص 337). واذن هو من الثقاة وليس كذابا كما أدعى ابن حزم.
في كتاب تهذيب الكمال في ترجمة الوليد بن جميع : ( الوليد بن عبـدالله بن جميع الزهري الكوفي ، والد ثابت بن عبـد الله بن جميع ، وقد ينسـب إلى جدّه أيضاً . ثمّ نقل عن أحمد بن حنبل وأبي داود قولهما فيه : لا بأس . وعن يحيى بن معين : ثقة ـ وزاد مصحّح الكتاب حكاية الدارمي عن يحيى بن معين ذلك عن ابن محرز ، وزاد : مأمون مرضي ـ وكذلك عن العجليّ . وقال أبو زرعة : لا بأس به . وقال أبو حاتم : صالح الحديث . وقال عمرو بن علي : كان يحيى بن سعيد لا يحدّثنا عن الوليد بن جميع فلمّا كان قبل موته بقليل حدّثنا عنه . وذكره ابن حبّان في كتاب الثقات ، روى له البخاري في الأدب ، والباقون سوى ابن ماجة)( تهذيب الكمال للمزي ج7 ص474)
المصادر أعلاه جميعا تبرئ الرواي الوليد بن جميع من افتراءات ابن حزم الظاهري عليه, ولم يجد ابن حزم سوى تكذيبه واسقاطه لأن الوليد بن جميع أورد أسماء الذين أرادوا أغتيال النبي محمد(ص) في العقبة وكانت تلك أسماء الصحابة الذين تسدوا مناصب الخلافة والامارة بعد وفاة النبي. إن ابن حزم الظاهري يكذب الرواي بعد أربعمائة سنة من حادثة الاغتيال فكيف ياترى سيكون رواي الرواية في السنين القريبة من وفاة محمد( ص) والدولة قائمة بأيدي المتنفذين ممن ذكرهم الوليد بن جميع؟ حتماً سيكون التعتيم أقوى ولابد أنه محيت معلومات خطيرة وأحرقت كتب كتلك التي لاتتماشى مع سيادة الدولة وتلك التي تشير الى الجناة الذين حاولوا قتل النبي لابعاد وصي الخلافة علي بن أبي طالب عن الحكم و للاستحواذ على دولة كاملة قوية .
أحد رجال عصبة الاغتيال يفضح نفسه!
بعد فشل عملية الاغتيال , يدور حديث بين أحد رجال عصبة الاغتيال وبين حذيفة بن اليمان الذي عرفه النبي (ص) بالمنافقين و بعصبة الاغتيال, لنقرأ الرواية بصبر وتأني:
(عن أبي الطفيل قال خرج رسول الله (ص) إلى غزوة تبوك فانتهى إلى عقبةفأمر مناديه فنادى لا يأخذن العقبة أحد فان رسول الله (ص) يسير يأخذها وكانرسول الله (ص) يسير وحذيفة يقوده وعمار بن ياسر يسوقه فاقبل رهط متلثمينعلى الرواحل حتى غشوا النبيفرجععمار فضرب وجوه الرواحل فقال النبي (ص) لحذيفة قد قد ,فلحقه عمار فقال سق سقحتى أناخ فقال لعمار هل تعرف القوم فقال لا كانوا متلثمين وقد عرفت عامةالرواحل قال اتدري ما أرادوا برسول الله (ص) قلت الله ورسوله أعلم قال أرادوا أن ينفروا برسول الله (ص) فيطرحوه من العقبة فلما كان بعد ذلك نزع بين عمار وبين رجل منهم شئ ما يكون بين الناس فقال أنشدك بالله كم أصحاب العقبة الذين أرادوا أن يمكروا برسول الله (ص) قالنرى أنهم أربعة عشر قال فان كنت فيهم فكانوا خمسة عشر ويشهد عمار ان اثنى عشر حزبا لله ورسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد) (مجمع الزوائد للهيثمي ج1 ص110, المعجم الكبير للطبراني). تأمل النص ( نزع بين عمار وبين رجل منهم شئ مايكون بين الناس فقال أنشدك بالله كم أصحاب العقبة), فهذا الرجل الذي يسأل عمارا كان منهم كما يقول النص ثم يستفسر الرجل إن كان هو قد عُد من تلك العصبة ؟ النص لايذكر اسم الرجل تسترا عليه كعادة المدونين فلابد أنه كان رجلا مهما , فمن هو ؟
في موضع آخر يكرر الحديث أعلاه ولكن السائل الذي يشك في نفسه يسأل حذيفة بن اليمان , ونقول لافرق في ذلك فحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر هما اللذان كانا يصحبان رسول لله يوم العقبة فليس بعيدا أن الرجل الشاك في نفسه سأل كلاهما , فالحديث أعلاه سأل فيه عمارا والحديث الاتي يسأل فيه حذيفة بن اليمان:
روى مسلم عن أبي الطفيل :( كان بين رجل من أهل العقبة وبين حذيفة بعض مايكون بين الناس ، فقال:أنشدك بالله كم كان أصحاب العقبة ؟ قال فقال له القوم : أخبره إذ سألك ! قال : كنا نخبر أنهم أربعة عشر، فإن كنت منهم ،فقد كان القوم خمسة عشر! وأشهد بالله أن اثني عشر منهم حرب لله ولرسوله فيالحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ) (صحيح مسلم ج8 ص123).
يتفلت اسم الرجل في سطور الكتب فيفصح عنه ابن كثير عن غير قصد فيقول :
(وروينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنه قال لحذيفة : أقسمت عليك بالله أأنا منهم ؟ قال : لا ولا أبري بعدك أحدا يعني حتى لا يكون مفشيا سر النبي (ص)قلت : و قد كانوا أربعة عشر رجلا و قيل : كانوا اثني عشر رجلا) ( السيرة النبوية لابن كثير ج4 ص35)
ونقول كيف برجل يسأل غيره عن نفسه ؟ ألا يعلم عمر بن الخطاب إن كان هو منهم أم ليس منهم ؟ أم هو يسأل مستفسراً ليعلم هل عرف النبي والناس بما فعل ؟ ان سؤال عمر لحذيفة يؤتنس به للمحقق كي يضع نصب عينيه ان السائل عمربن الخطاب لابد ان يكون منهم وأذا أخفى أنسان أمرا ظهر في حركاته وفلتات لسانه.
ان وضع الروايات معا ومقارنتها يدل بجلاء على أن الرجل السائل كان من عصبة الاغتيال وهو قول الرواي ( كان رجل من أهل العقبة) , وأن هذا السائل هو عمر ,وهذا يعود بنا لرواية الوليد بن جميع الذي عد الخلفاء الثلاثة الاوائل وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله في جماعة عصبة الاغتيال, فتأمل!
ولاكمال عصبة العقبة نقتبس من كتاب المناقب مايلي:
قال حذيفة بن اليمان : (كنت أقود برسول الله وعمار يسوق به ليلة العقبة, إذ أقبل إلينا اثنا عشر راكباً وقد علون العقبة مابرى منه إلا الحدق لينفروا برسول الله , فجعلت أضرب وجوههم عنه فقال: ( دعهم فسيكفيكهم الله) , ثم دعا بهم وسمّاهم رجلا رجلاً, وقال : ( هؤلاء المنافقون في الدنيا والاخرة). قال : وكان فيهم أبو سفيان ومعاوية وعتبة وعمرو بن العاص وأبو الأعور السلمي والمغيرة بن شعبة وجماعة من بني أمية ).( المناقب والمثالب ص 202, للقاضي النعمان المتوفى 363 هجرية)
بعد سنين من محاولة الاغتيال وفي بلاط الملك الاموي معاوية بن أبي سفيان يقول عقيل بن ابي طالب لمعاوية : (ومررت على عسكرك فإذا أول من استقبلني أبوالاعور السلمي وطائفة من المنافقين والمنفرين برسول الله إلا أن أبا سفيان ليس فيهم )(فضائل أمير المؤمنين ص40 لابن عقدة الكوفي المتوفى 333 هجرية), تأمل قوله أن أباسفيان لم يكن فيهم وحينها كان أبو سفيان قد هلك فإبو سفيان كان من عصبة الاغتيال. أما باقي المنافقين من عصابة الاغتيال فيحدثنا عنهم ابن أبي الحديد في شرحه, ويعدهم وهم كل من : عمرو بن العاص وأبوموسى الاشعري والضحاك بن قيس الفهري ( راجع شرح النهج ج2 ص125)
يتبع....
تعرض النبي الكريم الى محاولات اغتيال عديدة كان أغلبها بتدبير قبيلة قريش وزعماءها من مثل أبوسفيان بن حرب وغيره .ذكرت كتب السيرة تلك المحاولات التي خطط لها كفار قريش, ولم يجد المؤرخون حرجاً في تفصيل ذلك ولم يخش المؤرخون سلطة الخلفاء من كتابة تلك المحاولات, بل على العكس كان ذكرمحاولات الاغتيال التي قام بها مشركو قريش وباقي العرب واليهود يوحي للناس أن المشركين واليهود هم فقط الذين كانوا وراء محاولات الاغتيال تلك وليس غيرهم ! لكن النبي تعرض الى محاولات اغتيال اخرى كانت بتدبير المسلمين أنفسهم , ذكرت كتب السيرة نتفاً من تلك المحاولات ولم تذكر الاشخاص وتكتمت عن التصريح واكتفت بتلميحات يسيرة فصلتها كتب اخرى خارجة عن سلطة الدولة. ان سبب تكتم بعض كتب السيرة عن ذكر اسماء المسلمين الذين حاولوا اغتيال النبي لايحتاج الى محقق جنائي لادراك ذلك التكتم ! فالاشخاص الذين خططوا لاغتيال النبي في أيامه الاخيرة هم الذين تسدوا مناصب الامارة والسيادة في الدولة التي أقامها النبي محمد(ص) واغتصبوا الخلافة ونالوا مايريدون , فقد كانت مصلحة الجناة التعجيل برحيل النبي كي يرثوا دولة كاملة وجاهزة, ولم يقدر المؤرخون والكتاب الذين عاشوا تحت تسلط أولئك الحكام ذكر تفاصيل الاغتيال تلك وأكتفى بعضهم بالتلميح , ويعود الفضل في اكتشاف جناة محاولات الاغتيال تلك الى حصافة المحققين الذين جمعوا النتف والتلمحيات من كتب التاريخ والسيرة ,ليظهروا الصورة كاملة ويبينوا لنا من هم الذين أبرموا تلك الخطط. ومن المعجزات القرانية أن ايات القران أشارت الى اولئك المخططين, ولم يجد الذين اغتصبوا سلطة الدولة سوى تأويل تلك الايات وتفسيرها بشكل يخالف ما اوحت به تلك الايات , ولو تسنى لهم أن يمحوا من كتاب الله مايقدروا لمحوا مايحلو لهم .
ومن تلك الايات التي تتحدث عن اغتيال النبي وقتله , اية 144 من سورة آل عمران (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل أنقلبتم على أعقابكم) , حيث تبين الاية أن قتل النبي موضوع وارد وقد يحصل ( أفإن مات أو قتل) ,فاحتمال موت النبي قتلاً ليس من المستحيلات , واذا كان القرآن قد تحدث أن الله سبحانه سيعصم النبي من الناس كما في الاية (يا أيها النبي بلغ ما أنزل أليك من ربك وأن لم تفعل فما بلغت رسالته والله يعصمك من الناس إن الله لايهدي الكافرين) (المائدة57) فأن العصمة كانت فاعلة حتى إتمام تبليغ الرسالة كاملة , ثم تأتي آية ( اليوم أكملت لكم دينكم.....)( المائدة3) , فبعد تبليغ الرسالة للناس وإكمال الدين وإتمام النعمة يبقى موضوع قتل النبي أو وفاته محتمل الوقوع كما بينت اية ال عمران, وإن كانت أغلب كتب السيرة تلقي تفسيراً غامضا حول وفاة النبي وتتطرق بحذر الى احتمال وفاته مسموماً وذلك بتأويل آيات عصمة الله له من الناس , حيث يخلط جمع من الكتاب بين اية ( والله يعصمك من الناس ) وبين آية ( أفإن مات أو قتل) فمرة يقولون أنه معصوم عن القتل حسب اية والله يعصمك من الناس, وأخرى يتحدثون عن أمكانية وفاته بالقتل والسم, وفاتهم ان أية العصمة هي كانت لحفظه حتى يبلغ رسالة الخلافة وقد مربنا تفسيرها في فصل نظام الحكم , وبقي أحتمال موته قتلاً أحتمالاً واردا وليس مستحيلاً بل مؤكدا. إن ترجيح وفاة النبي وفاة طبيعية يصب في مصلحة الجناة لرفع تهمة الاغتيال عنهم !
إن سبب محاولات المسلمين لاغتيال النبي هوالطمع بتسدي امارة الدولة التي أقامها النبي في الجزيرة العربية, فالذين حاولوا أغتيال النبي من المسلمين ونجحوا في ذلك لاحقاً, علموا من أحاديث النبي (ص) ومن خطبه أنه في أواخر أيامه , وأنه على وشك الرحيل الى العالم الاخر فأرادوا أن يعجلوا من رحيله كي يتسنى لهم أفساد وصيته بالخلافة لعلي بن أبي طالب ,ويتسنى لهم اغتصاب السلطة ليستحوذوا على دولة كاملة جاهزة تحكم الجزيرة العربية ولها من الزخم والقوة ما سيمكنها من التسلط على أقوى دولتين في تلك الازمنة وهي دولة فارس ودولة الروم. انه حلم لا يصل اليه العربي انذاك في أبعد تخيلاته قبل ظهور النبي محمد (ص) وقبل انتصار الدين الجديد, لكن ذلك الحلم البعيد قد يصير حقيقة بعد موت النبي, فالنبي اوجد دولة كبيرة تسيطر على الجزيرة العربية وهي دولة قابلة للتوسع, فما أعظم الحصول على ذلك للعربي الذي كانت غاية أحلامه تزعم قبيلة, ولكن بقتل النبي يتمكن الطامع وعشيرته من حكم العرب. من البديهي أن الطامع في تسدي خلافة النبي لابد أن يكون من الذين كانوا قريبين للنبي, فليس للاعرابي المسلم الذي يعيش بعيدا عن النبي حظ في ذلك, وهذا السبب يرشد الباحث الى الجاني والطامع في اغتيال النبي(ص) , فالجناة يعيشون مع النبي وبالقرب منه وهم الذين سعوا للحصول على السلطة وانتحال خلافته . من المهم ذكر أن اليهود حاولوا قتل النبي بواسطة السم أكثر من مرة ,وفي أحد المرات سمموا ذراع شاة واهدوها له وعرف النبي(ص) ان الذراع المطبوخة كانت مسمومة فلم يأكلها , ان محاولة الاغتيال اليهودية تلك لها علاقة باغتيال المسلمين للنبي , ولذا من الضروري المرور عليها وذكر تأثيرها في الروايات التاريخية. لقد ضخًّم المؤرخون محاولات أغتيال اليهود للنبي(ص) فغطت على محاولات المسلمين وصار المسلم في الماضي وفي عصرنا الحاضر يعرف نتفاَ غامضة عن محاولات اليهود لاغتيال النبي , ولايعرف شيئا عن باقي الروايات التي قام بها المسلمون .
المسلمون يحاولون أغتيال النبي ص في العقبة
في منطقة تدعى العقبة تقع بين المدينة والشام حدثت محاولة من محاولات أغتيال النبي, وقد حدثت الحادثة بعد غزوة تبوك, وعندها كانت الدولة التي أقامها النبي محمد(ص) تسيطر على معظم الجزيرة العربية والأمور مستتبة وليس للطامع سوى قتل النبي ليسيطرعلى دولة كاملة لم تكن قبل ذلك في عهد الجاهلية سوى مدن وواحات متفرقة. يمر النبي(ص) وهو في عودته من غزوة تبوك في مسارعلى حافة جبل عال وكان حينها راكباً راحلته ومعه فقط إثنين ممن يثق من الصحابة وهما عمار بن ياسر وحذيفة بن اليمان . كان مسار النبي في حافة الجبل ليلاً, وقال لجنوده بأنه سيتخذ ذلك الممر الضيق لوحده وحثهم على السير في بطن الوادي من حول الجبل بدلا من السير معه على حافة الجبل شديد الانحدار ,فكانت فرصة سانحة للخونة الذين خططوا لاغتياله, فهجموا عليه وغايتهم هي تنفير ناقته لإسقاطه وناقته من حافة الجبل العالية نحو وادي العقبة لقتله, لكن عمار بن ياسر ضرب بمحجنه وجوه راوحلهم وكشفهم ضوء القمر وإن كانوا ملثمين, وعرفهم النبي(ص) وعرفهم كذلك عمار وحذيفة من دوابهم التي كانوا يركبونها, فخابوا وهربوا من انكشاف أمرهم وأفشل الله خطتهم تلك . وقال حذيفة بن اليمان للنبي ألا نقتلهم فقال النبي (ص) أنه لايقتل أصحابه, ثم جمعهم بعد ذلك وعاتبهم على مافعلوا فحلفوا له اغلظ الايمان انهم لم يكن في نيتهم قتله فتركهم(ص) ومضى في مسيره! كان للرحمة التي يحملها النبي سبب في ذلك, فطالما عفى عليه الصلاة والسلام عن أناس وتركهم أملاً منه في هدايتهم وتحققت الهداية لكثير من الذين عفا عنهم ولم يعنفهم, وقد يكون أيضا أن النبي (ص) عفا عن الذين خططوا لقتله أملاً منه في توحيد المسلمين في دولة الاسلام الفتية تلك, فالعقوبة الرادعة لاولئك المتآمرين قد تؤدي الى انقسام المسلمين بانضمام المنافقين والمتقلبين إلى تلك العصبة لوجود التعصب العشائري والقبلي, وهذا السبب الثاني يرجح أن تلك العصبة من الرجال لابد أن كانت من الصحابة المقربين ممن لهم علاقة مصاهرة وجيرة مع النبي وليسوا من الاعراب وعوام الناس, فعقوبة صحابة مقربين سيخلخل المسلمين , وهذا ما يرجح سبب عفو النبي الكريم عنهم والتغاضي عن جريمتهم. ان النبي (ص) كما بيَّن في أكثر من مرة لا يعاقب الناس على النوايا , وإنما يعاقب على الاعمال , فلم يرضى أن يحاكم تلك العصبة على نية خبيثة نووها ولم يحققوا منها شيئاً. لنقرأ النصوص :
لقد خلد القرآن حادثة الاغتيال تلك في سورة التوبة حيث تقول الاية : ( يحلفون بالله ما قالوا، ولقد قالوا كلمة الكفر وكفروا بعد إسلامهم وهموا بما لم ينالوا وما نقموا إلا أن أغناهم الله ورسوله من فضله) ( سورة التوبة, 74) لقد هموا بقتل النبي ولكنهم لم ينالوا ذلك, وتأمل قوله تعالى في بداية الاية ( يحلفون بالله ماقالوا) أي أنهم حلفوا بالله للنبي (ص) أنهم أبرياء بعد أن جمعهم وعاتبهم , ثم تذكر الاية أنهم كفروا بعد أسلامهم أي أنهم كانوا مسلمين أسروا الكفر وجهروا بالاسلام كذباً ونفاقاً. وقد ذكرت كتب التفاسير هذه الحادثة ومنها مايلي من تفسير البيضاوي حيث يقول :
( وَهَمُّوا بما لم يَنالوا ، من الفتك بالرسول وهو أن خمسة عشر منهم توافقوا عند مرجعه من تبوك أن يدفعوه عن راحلته إلى الوادي إذ تسنم العقبة بالليل ! فأخذ عمار بن ياسر بخطام راحلته يقودها وحذيفة خلفها يسوقها، فبينما هما كذلك إذ سمع حذيفة بوقع أخفاف الإبل وقعقعة السلاح فقال: إليكم إليكم يا أعداء الله، فهربوا) ( تفسير البيضاوي , ج3 ص 158)
وروى ابن كثير : (عن حذيفة بن اليمان، قال: كنت آخذاً بخطام ناقة رسولوسلَّم أقود به، وعمار يسوق النَّاقة - أو أنا أسوقالنَّاقة وعمار يقود به - حتَّى إذا كنَّا بالعقبة، إذا باثني عشر رجلاً قداعترضوه فيها.قال: فأنبهت رسول الله فصرخ بهم فولّوا مدبرين. فقال لنا رسول الله: هل عرفتم القوم؟ قلنا: لا يا رسول الله قد كانوا متلثمين، ولكنا قد عرفنا الرّكاب
قال:هؤلاء المنافقون إلى يوم القيامة، وهل تدرون ما أرادوا ؟قلنا: لا. قال: أرادوا أن يزحموا رسول الله في العقبة، فيلقوه منها, قلنا: يا رسول الله أولا تبعث إلى عشائرهم حتَّى يبعث إليك كل قوم برأس صاحبهم؟. قال: لا أكره أن يتحدَّث العرب بينها أنَّ محمَّداً قاتل لقومه، حتَّى إذا أظهره الله بهم أقبل عليهم يقتلهم.)( البداية والنهاية لابن كثيرج5 ص25)
لم يعاقب النبي(ص) أولئك العصبة لكنه عاتبهم على فعلهم كما يروي الرازي في تفسيره
(فقال (ص): قم يا فلان قم يا فلان حتى عدَّ اثني عشر رجلاً منهم ! فقاموا وقالوا: كنا عزمنا على ما قلت ، ونحن نتوب إلى الله من ظلمنا أنفسنا فاستغفر لنا ! فقال: الآن ! أخرجوا . أنا كنت في بدء الأمر أقرب إلى الإستغفار ، وكان الله أقرب إلى الإجابة . أخرجوا عني) ( تفسير الرازي ج10 ص 162), تأمل قوله : قم يافلان قم يافلان.. دون ذكر الاسماء وهذا من فعل المؤرخين وكتبة التاريخ الذين ارادوا التغطية على اولئك الرجال.
إن حذيفة بن اليمان عرف من النبي أسماء جميع المنافقين وحفظ تلك الاسرار الخطيرة ولم يطلع عليها أحد ألا من أئتمنه , وكان حذيفة الشاهد على محاولة الاغتيال في العقبة وعرف جميع الذين اشتركوا في تلك المحاولة . وعرف المسلمون أن حذيفة عنده اسماء المنافقين لكنه كان يبقي ذلك سرا ربما حفاظا على حياته وربما توصية له من النبي (ص), ولم يكن حذيفة يصلي على المنافقين عند وفاتهم , فكان المسلمون يتأكدون من نفاق أي رجل بعد وفاته وذلك عندما يتخلف حذيفة عن الصلاة على الميت , فيعرف الناس أن الميت من المنافقين!. أخرج الذهبي في ترجمة حذيفة بن اليمان مايلي: ( وكان النبيّ قد أسرّ إلى حذيفة أسماء المنافقين ، وضبط عنه الفتن الكائنة في الأُمّة)( سير اعلام النبلاء للذهبي ج2 ص361). وقال أمير المؤمنين ع في حذيفة ( ذلك رجل عُلم أسماء المنافقين , إن تسألوه عن حدود الله تجدوه بها عالما) ( الاحتجاج للطبرسي ج1 ص388)
من هم رجال عصبة الاغتيال في العقبة؟
روى احمد في مسنده قصة العقبة كما يلي :
(حدثنا : يزيد ، أنبئنا الوليد ابن عبد الله بن جميع ، عن أبي الطفيل قال : لما أقبل رسول الله من غزوة تبوك أمر منادياً فنادى أن رسول الله أخذ العقبة فلا يأخذها أحد فبينما رسول الله يقوده حذيفة ويسوق به عمار إذ أقبل رهط متلثمون على الرواحل غشوا عماراً وهو يسوق برسول الله وأقبل عمار يضرب وجوه الرواحل فقال رسول الله لحذيفة (قد قد )حتى هبط رسول الله , فلما هبط رسول الله نزل ورجع عمار فقال : يا عمار هل عرفت القوم فقال : قد عرفت عامة الرواحل والقوم متلثمون قال: هل تدري ما أرادوا قال الله ورسوله أعلم ، قال : أرادوا أن ينفروا برسول الله فيطرحوه قال : فسأل عمار رجلاً من أصحاب رسول الله فقال الرجل : نشدتك بالله كم تعلم كان أصحاب العقبة فقال : أربعة عشر فقال : إن كنت فيهم فقد كانوا خمسة عشر فعدد رسول الله منهم ثلاثة, قالوا : والله ما سمعنا منادي رسول الله وما علمنا ما أراد القوم ! فقال عمار أشهد أن الإثني عشر الباقين حرب لله ولرسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد. قال الوليد ، وذكر أبو الطفيل في تلك الغزوة أن رسول الله قال للناس وذكر له أن في الماء قلة فأمر رسول الله منادياً فنادى أن لا يرد الماء أحد قبل رسول الله فورده رسول الله فوجد رهطاً قد وردوه قبله فلعنهم رسول الله يومئذ.)( مسند أحمد ,حديث أبي الطفيل , رقم الحديث :22676) .
الملاحظ في الحديث وفي باقي الاسناد أن الرجل الذي سأل عمارا وهو يشك في نفسه غير معلوم فهل كان صعباً على ناقل الحديث أو كاتبه أن يكتب من هو ذلك الرجل ؟ ثم أن ثلاثة من الذين كانوا مع مخططي الاغتيال حلفوا بالله أنهم لايعرفون شيئا عن خطة الاغتيال وهم الذين عنتهم الاية ( يحلفون بالله ماقالوا) من سورة التوبة التي تقدمت.
مخططو الاغتيال كان عددهم أربعة عشر الى خمسة عشر رجلاً ,وهذا يعني أن هناك تنظيم داخل المسلمين لقتل النبي محمد(ص) وليست العملية إعتباطية ! من هم أولئك الرجال ؟
لنقرأ هذه السطور الاتية ثم يأتينا الجواب بعدها. ان ناقل قصة الاغتيال عن حذيفة بن اليمان هو (الوليد بن عبد الله بن جميع) ,لنتذكر هذا الاسم جيداً في السطور القادمة.
يروي ابن حزم الظاهري المتوفي سنة (456 هجرية ) في كتابه المحلى رواية يذكر فيها حديث حذيفة بن اليمان الذي كان مع النبي يقود راحلته ليلة العقبة . كان راوي حديث حذيفة بن اليمان هو الرواي وليد بن جميع, ووليد بن جميع هو ايضا رواي الحديث في مسند أحمد الذي مر بنا في السطور الماضية. ان وليد بن جميع نقلاً عن حذيفة بن اليمان يذكر أسماء عصبة أغتيال النبي في العقبة ويعد منهم الخلفاء الثلاثة الاوائل ابوبكر وعمر وعثمان وكذلك طلحة بن عبيد الله وسعد بن أبي وقاص, لكن هذه المعلومات الخطيرة أسدلت عليها الدولة الحاكمة الستائر ومحتها ولانجدها في عصرنا الحالي في كتب التاريخ والحديث, ولكن بقيت كنتف هنا وهناك تدل على تقصي تلك الاسماء ,ومن هذه النتف قول ابن حزم في كتابه المحلى حيث يقول مسقطاً حديث حذيفة ومتهما وليد بن جميع بالكذب والافتراء لانه ذكر أسماء الحكام والمتنفذين في الدولة! لنقرأ مايقول ابن حزم :
قال ابن حزم في المحلى:(وأما حديث حذيفة فساقط لأنه من طريق الوليد بن جميع وهو هالك، ولا نراه يعلم من وضع الحديث؟ فإنه قد روى أخباراً فيها: إن أبا بكر وعمر وعثمان وطلحة وسعد بن أبي وقاص أرادوا قتل النبي وإلقائه من العقبة في تبوك . وهذا هو الكذب الموضوع الذي يطعن الله واضعه فسقط التعلق به)( المحلى لابن حزم ج 11ص 224, باب الحدود). إن أخبار الوليد بن جميع غير موجودة حالياً ,لكن كتاب المحلى لابن حزم ينقذ المحقق في كتب التاريخ لاستخراج هذه النتفة النادرة , فنكران ابن حزم لرواية الوليد بن جميع بتعريفه لها خلَّدَ تلك المقولة ودل على وجودها وربما كانت موسعة وبتوضيح أكبر في كتب أندثرت .
إن طمع الخلفاء الثلاثة ( ابوبكر , عمر , وعثمان) في اغتيال النبي احتمال وارد, لأن الدافع لذلك هو المصلحة والتربع على عرش الحكم ,وهو ما تم بعد موت النبي كما تقدم في فصل (السقيفة وكيف تمت البيعة), فدافع الجاني هو ما سيجني وماسيُدر عليه من منفعة في فعله . أما أي رجل خامل الذكر من المسلمين ليس له طموح ولا قوة عشيرة فليس من مصلحته اغتيال النبي الا اذا منضما لعصبة توعده بمناصب ومكافئات بعد ذلك. وللتحقيق في حديث الوليد بن جميع نعرض ( الوليد بن جميع) على كتب الحديث وتراجم الرجال لنرى هل حقا هو من الكذابين كما قال بن حزم في المحلى ,لانه إذا كان كاذبا فأن علم تراجم الرجال سيذكره ويذكر أكاذيبه لتمحيص الاحاديث والروايات التي رواها , وسنرى غير ذلك وليس هناك من يُكذب الرجل:
قال ابن حجر في تقييمه للوليد بن جميع : (صدوق ويَهِمُ (يقع في التوهم) يرمى بالتشيع. روى عنه البخاري ومسلم وأبو داود والترمذي والنسائي). ونقول أن الرجل روى عنه أئمة الحديث عند الجمهور ولو كان كذاباً لاسقطوه وسموه بالكذاب وابن حجر يقول فيه أنه (صدوق). (الإصابة في تمييز الصحابة لابن حجر ج2ص286)
وقال الذهبي في الوليد بن جميع : (وثقه ابن معين والعجلي .وقال أحمد وأبو زرعة: ليس به بأس. وقال أبو حاتم: صالح الحديث .وقال المزي حدث عنه ابن معين، وذكره ابن حبان في الثقات )(ميزان الاعتدال للذهبي ج4 ص 337). واذن هو من الثقاة وليس كذابا كما أدعى ابن حزم.
في كتاب تهذيب الكمال في ترجمة الوليد بن جميع : ( الوليد بن عبـدالله بن جميع الزهري الكوفي ، والد ثابت بن عبـد الله بن جميع ، وقد ينسـب إلى جدّه أيضاً . ثمّ نقل عن أحمد بن حنبل وأبي داود قولهما فيه : لا بأس . وعن يحيى بن معين : ثقة ـ وزاد مصحّح الكتاب حكاية الدارمي عن يحيى بن معين ذلك عن ابن محرز ، وزاد : مأمون مرضي ـ وكذلك عن العجليّ . وقال أبو زرعة : لا بأس به . وقال أبو حاتم : صالح الحديث . وقال عمرو بن علي : كان يحيى بن سعيد لا يحدّثنا عن الوليد بن جميع فلمّا كان قبل موته بقليل حدّثنا عنه . وذكره ابن حبّان في كتاب الثقات ، روى له البخاري في الأدب ، والباقون سوى ابن ماجة)( تهذيب الكمال للمزي ج7 ص474)
المصادر أعلاه جميعا تبرئ الرواي الوليد بن جميع من افتراءات ابن حزم الظاهري عليه, ولم يجد ابن حزم سوى تكذيبه واسقاطه لأن الوليد بن جميع أورد أسماء الذين أرادوا أغتيال النبي محمد(ص) في العقبة وكانت تلك أسماء الصحابة الذين تسدوا مناصب الخلافة والامارة بعد وفاة النبي. إن ابن حزم الظاهري يكذب الرواي بعد أربعمائة سنة من حادثة الاغتيال فكيف ياترى سيكون رواي الرواية في السنين القريبة من وفاة محمد( ص) والدولة قائمة بأيدي المتنفذين ممن ذكرهم الوليد بن جميع؟ حتماً سيكون التعتيم أقوى ولابد أنه محيت معلومات خطيرة وأحرقت كتب كتلك التي لاتتماشى مع سيادة الدولة وتلك التي تشير الى الجناة الذين حاولوا قتل النبي لابعاد وصي الخلافة علي بن أبي طالب عن الحكم و للاستحواذ على دولة كاملة قوية .
أحد رجال عصبة الاغتيال يفضح نفسه!
بعد فشل عملية الاغتيال , يدور حديث بين أحد رجال عصبة الاغتيال وبين حذيفة بن اليمان الذي عرفه النبي (ص) بالمنافقين و بعصبة الاغتيال, لنقرأ الرواية بصبر وتأني:
(عن أبي الطفيل قال خرج رسول الله (ص) إلى غزوة تبوك فانتهى إلى عقبةفأمر مناديه فنادى لا يأخذن العقبة أحد فان رسول الله (ص) يسير يأخذها وكانرسول الله (ص) يسير وحذيفة يقوده وعمار بن ياسر يسوقه فاقبل رهط متلثمينعلى الرواحل حتى غشوا النبيفرجععمار فضرب وجوه الرواحل فقال النبي (ص) لحذيفة قد قد ,فلحقه عمار فقال سق سقحتى أناخ فقال لعمار هل تعرف القوم فقال لا كانوا متلثمين وقد عرفت عامةالرواحل قال اتدري ما أرادوا برسول الله (ص) قلت الله ورسوله أعلم قال أرادوا أن ينفروا برسول الله (ص) فيطرحوه من العقبة فلما كان بعد ذلك نزع بين عمار وبين رجل منهم شئ ما يكون بين الناس فقال أنشدك بالله كم أصحاب العقبة الذين أرادوا أن يمكروا برسول الله (ص) قالنرى أنهم أربعة عشر قال فان كنت فيهم فكانوا خمسة عشر ويشهد عمار ان اثنى عشر حزبا لله ورسوله في الحياة الدنيا ويوم يقوم الاشهاد) (مجمع الزوائد للهيثمي ج1 ص110, المعجم الكبير للطبراني). تأمل النص ( نزع بين عمار وبين رجل منهم شئ مايكون بين الناس فقال أنشدك بالله كم أصحاب العقبة), فهذا الرجل الذي يسأل عمارا كان منهم كما يقول النص ثم يستفسر الرجل إن كان هو قد عُد من تلك العصبة ؟ النص لايذكر اسم الرجل تسترا عليه كعادة المدونين فلابد أنه كان رجلا مهما , فمن هو ؟
في موضع آخر يكرر الحديث أعلاه ولكن السائل الذي يشك في نفسه يسأل حذيفة بن اليمان , ونقول لافرق في ذلك فحذيفة بن اليمان وعمار بن ياسر هما اللذان كانا يصحبان رسول لله يوم العقبة فليس بعيدا أن الرجل الشاك في نفسه سأل كلاهما , فالحديث أعلاه سأل فيه عمارا والحديث الاتي يسأل فيه حذيفة بن اليمان:
روى مسلم عن أبي الطفيل :( كان بين رجل من أهل العقبة وبين حذيفة بعض مايكون بين الناس ، فقال:أنشدك بالله كم كان أصحاب العقبة ؟ قال فقال له القوم : أخبره إذ سألك ! قال : كنا نخبر أنهم أربعة عشر، فإن كنت منهم ،فقد كان القوم خمسة عشر! وأشهد بالله أن اثني عشر منهم حرب لله ولرسوله فيالحياة الدنيا ويوم يقوم الأشهاد ) (صحيح مسلم ج8 ص123).
يتفلت اسم الرجل في سطور الكتب فيفصح عنه ابن كثير عن غير قصد فيقول :
(وروينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب أنه قال لحذيفة : أقسمت عليك بالله أأنا منهم ؟ قال : لا ولا أبري بعدك أحدا يعني حتى لا يكون مفشيا سر النبي (ص)قلت : و قد كانوا أربعة عشر رجلا و قيل : كانوا اثني عشر رجلا) ( السيرة النبوية لابن كثير ج4 ص35)
ونقول كيف برجل يسأل غيره عن نفسه ؟ ألا يعلم عمر بن الخطاب إن كان هو منهم أم ليس منهم ؟ أم هو يسأل مستفسراً ليعلم هل عرف النبي والناس بما فعل ؟ ان سؤال عمر لحذيفة يؤتنس به للمحقق كي يضع نصب عينيه ان السائل عمربن الخطاب لابد ان يكون منهم وأذا أخفى أنسان أمرا ظهر في حركاته وفلتات لسانه.
ان وضع الروايات معا ومقارنتها يدل بجلاء على أن الرجل السائل كان من عصبة الاغتيال وهو قول الرواي ( كان رجل من أهل العقبة) , وأن هذا السائل هو عمر ,وهذا يعود بنا لرواية الوليد بن جميع الذي عد الخلفاء الثلاثة الاوائل وسعد بن أبي وقاص وطلحة بن عبيد الله في جماعة عصبة الاغتيال, فتأمل!
ولاكمال عصبة العقبة نقتبس من كتاب المناقب مايلي:
قال حذيفة بن اليمان : (كنت أقود برسول الله وعمار يسوق به ليلة العقبة, إذ أقبل إلينا اثنا عشر راكباً وقد علون العقبة مابرى منه إلا الحدق لينفروا برسول الله , فجعلت أضرب وجوههم عنه فقال: ( دعهم فسيكفيكهم الله) , ثم دعا بهم وسمّاهم رجلا رجلاً, وقال : ( هؤلاء المنافقون في الدنيا والاخرة). قال : وكان فيهم أبو سفيان ومعاوية وعتبة وعمرو بن العاص وأبو الأعور السلمي والمغيرة بن شعبة وجماعة من بني أمية ).( المناقب والمثالب ص 202, للقاضي النعمان المتوفى 363 هجرية)
بعد سنين من محاولة الاغتيال وفي بلاط الملك الاموي معاوية بن أبي سفيان يقول عقيل بن ابي طالب لمعاوية : (ومررت على عسكرك فإذا أول من استقبلني أبوالاعور السلمي وطائفة من المنافقين والمنفرين برسول الله إلا أن أبا سفيان ليس فيهم )(فضائل أمير المؤمنين ص40 لابن عقدة الكوفي المتوفى 333 هجرية), تأمل قوله أن أباسفيان لم يكن فيهم وحينها كان أبو سفيان قد هلك فإبو سفيان كان من عصبة الاغتيال. أما باقي المنافقين من عصابة الاغتيال فيحدثنا عنهم ابن أبي الحديد في شرحه, ويعدهم وهم كل من : عمرو بن العاص وأبوموسى الاشعري والضحاك بن قيس الفهري ( راجع شرح النهج ج2 ص125)
يتبع....