مصطفى الهادي
10-07-2021, 05:11 PM
مسيحان في آخر الزمان ،عيسى ليس وحدهُ مسيحا.(1)
مصطفى الهادي (https://www.kitabat.info/author.php?id=772)
أولا الكتاب المقدس يشهد أن هناك مسحاء كثيرون، وفي الانجيل يقول في آخر الزمان سيكون هناك مسيحان وليس واحد وهذا ما ورد على لسان السيد المسيح نفسه حيث يقول مخاطبا الذين رفضوه : (أنا قد أتيتُ باسم الله ولستم تقبلونني. إن أتى آخرُ باسمِ نفسه فذلك تقبلونه).(2)
وأما كلمة المسيح فهي صفة وليست إسم. لأن اسمه في الانجيل يسوع ، وفي القرآن عيسى. ومن هنا فإن تسمية (المسيح) ليست خاصة به ، فهناك الكثير من (المسحاء) قبل وبعد السيد المسيح.
ففي التوراة حمل الأنبياء صفة المسيح لا بل حتى الوثنيين حملوا هذا اللقب. ووردت كلمة المسيح اكثر من (32) مرّة، والمعنى تم اخذه من التوراة حسب روايتها تعني الممسوح بالدهن المقدس، وهي علامة للتتويج لمنصب ديني معين ، فكان الأنبياء والكهنة والملوك في التوراة يُمسحون بالدُهن المقدس فيطلقون على من يُمسح بـ (مسيح الرب).(3)
ولكن في المسيحية انقلب هذا التقليد من الممسوح بالدهن المقدس إلى الممسوح بواسطة الملاك جبرئيل.(4) وهذا غير صحيح لأن الإنجيل يذكر بأن اول من أطلق لقب او صفة (المسيح) على عيسى هو تلميذه اليهودي سمعان بطرس، فقد فاجأ السيد المسيح تلاميذه بهذا السؤال الغريب : (سأل يسوع المسيح تلاميذه قائلا: من يقول الناس إني أنا ابن الإنسان؟). فاختلف التلاميذ فيما بينهم وكل واحد منهم اطلق عليه لقب ولكن هذه الألقاب كلها لم تعجب المسيح ، حيث قال بعض التلاميذ بأن الناس يطلقون عليه : ( يوحنا ، وآخرون ، إيليا، وغيرهم إرمياء أو أحد من الأنبياء). ثم التفت إليهم المسيح وسألهم : (وأنتم من تقولون إني أنا؟). فسكتوا جميعا إلا سمعان بطرس قال : (أنت هو المسيح ابنُ الله الحي). وعلى ما يبدو فإن هذا اللقب اعجب السيد المسيح ــ حسب رواياتهم ــ فلم يعجبه لقب المسيح وحده بل اعجبه قول بطرس : (أنت المسيح ابن الله الحي).(5) ولذلك تهلل يسوع وفرح وقال لسمعان : (طوبى لك يا سمعان بن يونا). وسمعان هذا وبشهادة الإنجيل نفسه أول من أطلق صفة (رب).على السيد المسيح.
من هذا النص نفهم أن الناس لم يكونوا يعرفون للمسيح اسما فقد كانوا مختلفين فيمن يكون هو، وأشهر اسماءه هو (النجار أو ابن النجار).(6) وهذا يتعارض والرحمة الإلهية في بيان الأمور وتوضيحها للناس فليس من المعقول ان يترك الله نبيه من دون اسم يُعرف به. وكذلك من هذا النص نفهم أن أول من أطلق لقب (المسيح) وكذلك لقب (ابن الله) هو تلميذه سمعان المثير للجدل والذي ظهرت منه افكار غريبة فعندما كان الناس وكذلك تلاميذ السيد المسيح حائرين حول مسألة تسمية عيسى عليه السلام تفتق ذهن سمعان عن لقب (المسيح) الذي كان متشبعا به في اليهودية فأطلقه على سيده. ثم تطورت الفكرة الى (المسيح ابن الله) التي كانت مقدمة لجعل السيد المسيح إلها إلى أن قالوا وحسب العقيدة المسيحية الحالية ، بأن (يسوع المسيح هو الله الظاهر في الجسد).(7)
ولعل اغرب ما نراه في سلوك سمعان بطرس صاحب البدع، أنه أول من أنكر السيد المسيح ثلاث مرات لا بل شتم السيد المسيح شتما قبيحا لينجوا بجلده كما يقول: (فابتدأ حينئذ يلعن ويحلف إني لا أعرف الرجل). (8) فكان أول منافق في المسيحية.وهو الذي ساند بولص شاول مخترق المسيحية سانده بكل اعماله وبدعه وانحرافاته.
مما تقدم نفهم أن كل الألقاب التي حصل عليها السيد المسيح هي من فعل اليهود ، فقد نقلوا ما في توراتهم إلى المسيحية. ومنها الفاظ مثل (المسيح) و(ابن الله). ففي اليهودية فقد كان شاول بن بنيامين (يوسف) مسيحا.وهارون أخو موسى مسيحا.وكذلك ياهو بن نمشي واليشع بن شافاط كانوا مسحاء. وكذلك نبي الله داود كان مسيحا.وسُليمان كان مسيحا.لا بل أننا نرى حتى الملوك الوثنيين كانوا مسيحا كما نقرأ : (هكذا يقول الرب لمسيحه لكورش الذي أمسكت بيمينه).(9)
من ذلك نفهم أن القاب المسيح سبقت المسيحية وشملت الأنبياء والكهنة الفاسدين والملوك الوثنيين وعلى ما يبدو أن السيد المسيح تنبه إلى ذلك وخطورة أن يُطلق هذا اللقب على كل من هب ودب نراه يُحذر ويُنبه اتباعه بأنه سيأتي بعده الكثير من (المسحاء الكذبة). كما نقرأ: (سيقوم مسحاء كذبة ويُعطون آيات عظيمة وعجائب، حتى يضلوا حتى المختارين). (10)
ولكن بالمقابل فإننا نستفيد من كامل نصوص الكتاب المقدس بأن الذي يمسح الكهنة هم الانبياء. وكلمة يمسح هنا تُفيد إلى (التنصيب والتعيين والاستخلاف) والمسح على الرأس بالدهن هو رمز لذلك ، فلم يثبت لنا أن شخصا عاديا قام بتنصيب او مسح خليفة او نبي او وصي بالدهن فيصبح بذلك مُمثل ارادة الله في الأرض.لأن الله يعلم حيث يجعل رسالته.(11)
وأما في المسيحية فإن عيسى بن مريم لم يصبح نبيا مسيحا لأنهم مسحوه بالدهن ابدا ، بل أن يوحنا قام بتغطيسه بنهر الأردن وبذلك نال النبوة حيث نزلت عليه مثل حمامة بيضاء. فلم يكن للدهن أو الزيت أي دخل في مسح المسيح نبيا.بل الذي وجدناه في الإنجيل امور كثيرة منها:
الأول : أن الذي مسح السيد المسيح بالزيت هو مريم اخت لعازر كما يقول يوحنا : (ومريم اخت لعازر هي التي دهنت الرب ومسحت رجليه بطيب).(12)
الثاني : يذكر الإنجيل بأن الكثير تم مسحهم وأن الله هو الذي مسحهم ، كما نقرأ في كورنثوس الثانية : ( الذي مسحنا ليثبتنا معكم في المسيح هو الله).(13) فهنا عدد كبير من الممسوحين.
الثالث : لم يرد عن السيد المسيح ولا عن احد من تلاميذه انهم قالوا بأن الله مسح عيسى بالزيت او بغيره ، ولكن بعد رحيل السيد المسيح بسنوات طويلة ظهر لنا بولص شاول الطرسوسي مخرّب المسيحية ليزعم أن الله مسح يسوع كما نقرأ في العبرانيين : (أحببت البر وأبغضت لإثم من أجل ذلك مسحك الله الهك بزيت الابتهاج).(14) طبعا وهذا النص نسخة كوبي من التوراة اقتبسه بولص من المزامير ووضعه في الإنجيل لكي يزعم أن المسيح مُسح بزيت فيقول في مزامير التوراة : (من أجل ذلك مسحك الله إلهك بزيت الابتهاج).(15)
ومن المعروف أن تعيين الأوصياء من بعد الأنبياء يتم عبر التنصيب الإلهي وهذا ما نراه يلوح في نصوص كثيرة منها امر الله تعالى لموسى نبيه بأن يقوم بتنصيب اخيه هارون وابنيه خلفاء من بعده عن طريق مسحهم بالدهن المقدس كما نقرأ : تأخذ لك أفخر الأطياب وتصنعهُ دهنا مقدسا للمسحة، وتمسح هارون وبنيه وتقدسهم ليكهنوا لي).(16) ليكهنوا لي أي يُبلغوا عنّي ، وهذا ما فعله الله مع نبيه محمد (ص) حيث امره ان يقوم بتنصيب عليا وولده من بعده خلفاء مبلغون عنه.ومن هنا قال النبي محمد (ص) لعلي أن فيه شبها من عيسى. وشبّه الحسن والحسين بأولاد هارون.
وأما عند المسلمين فهناك تفسيرات كثيرة لمعنى كلمة (المسيح) ومما قالوه : قيل لعيسى أنه المسيح لأنه ما مسح بيده مريضا او ذي عاهة إلا شفاه الله وبرئ من مرضه. وقالوا : أن معنى المسيح يعني (الصدّيق). وقالوا : سمي المسيح لكثرة سياحته في الأرض.وقيل لأن فيه مسحة من الجمال فقيل له المسيح.وقيل سمي المسيح لأنه مُسح بالزيت. وهذا لم نجد له اثر في الانجيل.ومن وجهة نظري ونظرا لاشتهار النبي عيسى بارتدائه (المسح).(17) اطلقوا عليه المسيح. وهذا ما يذكره الكتاب المقدس كما في سفر دانيال : (وجهت وجهي إلى الله السيد طالبا بالصلاة والتضرعات، بالصوم والمسح والرماد،وصليت إلى الرب إلهي).(18)
ولكن عجيبة العجائب عندما نذهب إلى قاموس الكتاب المقدس نجد تفسيرا غريبا لكلمة مسيحي فيقول : (دعي المؤمنون مسيحيين أول مرة في أنطاكية سنة 43 ميلادية ويُرجّح أن ذلك اللقب كان في الأول شتيمة بهدف التوبيخ والتحقير من شأنهم. فقد قال المؤرخ تاسيتس : أن تابعي المسيح كانوا أناساً سفلة عاميين).(91) وهذا يعني أن صفة أو لقب مسيح مسيحي ظهرت بعد رحيل السيد المسيح بأكثر من أربعين عاما. والغريب أن هذه التسمية مع أنها كانت شتيمة إلا أننا نرى المذاهب المسيحية تتقاتل عليها وتنفي هذه الصفة من المذاهب الأخرى. الكاثوليكي لا يرى الارثوذكس مسيحيين ، وهذا لا يرى البروتستانت مسيحا. وحتى اليوم فإن الفاتيكان لا يرى المذاهب الحديثة بأنها مسيحية مثل شهود يهوه والمورمون وغيرهم. وأما كيفية اعتبار كلمة (المسيح). شتيمة. فهي مما اطلقها اليهود على عيسى بن مريم من باب السخرية لأنهم يعرفون أن هذا المنصب الإلهي لا يحصل عليه احد إلا بعد أن يُمسح بالزيت المقدس من قبل الكاهن الأكبر، ولذلك سخروا منه وأطلقوا عليه المسيح انكارا منهم له ولنبوته.ولكن الله تعالى ذكرها في القرآن واقرها له نكاية باليهود.
المسلمون يطلقون على اتباع عيسى بن مريم (نصارى). وهي مشتقة من النصرة . (فلما احسن عيسى منهم الكفر قال من انصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله).(20) ولذلك نرى القرآن اقر لقب (المسيح) لعيسى ولكنه لم يطلقها على اتباعه فيقول لهم (مسيحيين) بل اطلق عليهم (النصارى). (الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين).(21) وسبب هذه التسمية هو ما تقدم ذكره.
وفي رأيي أن كلمة المسيح المقصود منها (البركة) التي تحلّ على المكان الذي يضع فيه عيسى يده. ولذلك استخدم السيد المسيح كلمة (بارك لنا أو باركنا وبركات ومبارك وبركة ويُبارك) ففي كامل الكتاب المقدس وردت أكثر من (200) مرة وفي الإنجيل وحده وردت اكثر من (50) مرة بارك فيها السيد المسيح كل شيء لمسه او دعى له. ونظرا لكثرة البركة التي حلت في الاشخاص والأشياء التي كان السيد المسيح يُباركها قيل له (المسيح).(22) وبالعكس من ذلك تسيح اللعنة من يد (المسيح الدجال). حيث يمسح الناس بالكفر فكل من يمسح عليه يضع فيه العلامة (السمة). كما يقول في يوحنا (لا يقدر أحد أن يشتري أو يبيع، إلا من له السمة أو اسم الوحش).(23) والوحش هنا كناية عن المسيح الدجال. والسمة أي علامة الكفر، ولذلك يطلق عليه الانجيل لقب (ضد المسيح) . أي ان الناس اذا انتموا إليه حصل الضد لأنهم لا ينالوا سوى الكفر والانحراف كما نقرأ : (وكل روح لا يعترف بيسوع المسيح فليس من الله. وهذا هو روح ضد المسيح الذي سمعتم أنه يأتي، والآن هو في العالم).(24)
المسلمون حذّرهم نبيهم من فتنة المسيح الدجال ووضع لهم علامات لمعرفته حال ظهوره ، ولكن السؤال للمسيحية برمتها : كيف ستتعرفون على المسيح الدجال وتفرقون بينه وبين المسيح بن مريم؟ بسبب هذا الخلط ستقفون مع المسيح الدجال وتتبعونه وتكونوا جنودا له.
من هنا نفهم أن هناك مسيحان سيأتيان في آخر الزمان ولهذا السبب سيأتي السيد المسيح في عودته الثانية ليقتل المسيح الدجال الذي ينتحل شخصيته ويزعم أنه المسيح ونظرا لقدرته الكبيرة في التأثير على الناس اقتصاديا وإعلاميا وعسكريا ، ونفسيا. فلا يتصدى له سوى المسيح بن مريم بإمكانات إلهية خاصة فيقتله وينقذ الناس من شرّه.ثم يتصدى سيده القائم المنتظر إلى بقية اشرار العالم فيُنقذ الناس منهم ويطوي هذه المرحلة من عمر البشرية والتي حسب الروايات ستكون آخر مراحل ألإنسان حيث الانتقالة الكبرى إلى العالم الآخر.
المصادر:
1- ورد في الرواية عن النبي (ص) أنه قال : (إني أولى الناس بعيسى ابن مريم . ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال).
2- إنجيل يوحنا 5 : 43. ونفس التحذير اطلقه نبينا (ص) عندما قال : (يا أيها الناس إنها لم تكن فتنة على وجه الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة (المسيح) الدجال وإن الله عز وجل لم يبعث نبيا إلا حذر أمته الدجال وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم وهو خارج فيكم لا محالة. يا عباد الله فاثبتوا).
3- يقول كتاب النقد الكتابي من مكتبة الكتب المسيحية أ.حلمي القمص يعقوب : مسيح الرب : (شاع استخدام الزيت أو الدهن للمسح في بني إسرائيل فكانوا يمسحون الملوك والكهنة والأنبياء . فعندما اختار الله شاول مسحهُ صموئيل وصب الدهن على رأسه وقبّله : فدعي مسيح الرب). ويُصنع الدهن المقدس من أفخر أنواع العطور والأطياب وهو حسب قول التوراة وصفة إلهية انزلها على موسى كما نقرأ : (وقال الرب لموسى: تأخذ أفخر الأطياب. مراً قاطرا. وقرفة عطرة. وقصب الذريرة ، وسليخة، وزيت الزيتون ، تصنعهُ زيتا مقدسا للمسحة). سفر الخروج 30 : 22 ـ 31.
4- كتاب الخلفية العقيدية واللاهوتية للكتاب المقدس الراهب القمص بطرس البراموسي: السيد المسيح ممسوح من الروح القدس.
5- إنجيل متى 16 : 13 ـ 17.
6- كما نقرأ في إنجيل متى 13 : 55. (أليس هذا ابن النجار؟ اليست أمه تدعى مريم).
7- تيموثاوس الأولى 3:16.
8- إنجيل متى 26 : 74.
9- سفر إشعياء 45 : 1.
10- تكرر هذا التحذير مرتين في إنجيل مرقص: 13 : 22. وفي إنجيل متى 24 : 24.
11- سورة الانعام آية : 124.فقد كان في الأديان تنصيب الائمة او الخلفاء حواريين او اسباط كان بإذن الله وبتبليغ من النبي لأمته.
12- إنجيل يوحنا 11 : 2.
13- رسالة بولص الثانية كورنثوس 1 : 21.
14- رسالة بولص إلى العبرانيين 1 : 9.
15- سفر المزامير 45 : 7.
16- سفر الخروج 30 : 26 ـ 30.
17- انظر معجم المعاني الجامع (مسح) و لسان العرب ج6 و تاج العروس ج2 ص : 224 . و المعجم الوسيط ج2 ص : 903.قالوا بالمجمل : أمساحٌ ومسوحٌ الكساء من شعر وهو ثوب الراهب. ومنه : المفعول به ممسوح ومسيح.وفي لسان العرب : ثوب أو كساء من الشعر الغليظ. وقال في تاج العروس : وقيل به سُمّي عيسى عليه السلام للبسة البلاس الأسود تقشفا، وفي المعجم الوسيط : اطلق المسح على ثوب الراهب.والراهب إنما لبس المسح تأسيا بسيده المسيح.
18- سفر دانيال 9 : 3.
29- انظر قاموس الكتاب المقدس ، دائرة المعارف الكتابية المسيحية شرح كلمة مسيحي.وكذلك انظر سفر أعمال الرسل 11 : 26. حيث يقول : (ودعي التلاميذ في أنطاكية مسيحيين).
20- آل عمران : 52.
21- سورة البقرة آية : 62.
22- ومن أكبر بركاته أنه مسح وبارك خمس ارغفة من الخبز وسمكتين، فأكل منها خمسة آلاف إنسان حتى شبعوا وحملوا الباقي في اثنا عشر قفة.إنجيل لوقا 9 : 16.
23- سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 13 : 17.
24- رسالة يوحنا الأولى 4 : 3.
مصطفى الهادي (https://www.kitabat.info/author.php?id=772)
أولا الكتاب المقدس يشهد أن هناك مسحاء كثيرون، وفي الانجيل يقول في آخر الزمان سيكون هناك مسيحان وليس واحد وهذا ما ورد على لسان السيد المسيح نفسه حيث يقول مخاطبا الذين رفضوه : (أنا قد أتيتُ باسم الله ولستم تقبلونني. إن أتى آخرُ باسمِ نفسه فذلك تقبلونه).(2)
وأما كلمة المسيح فهي صفة وليست إسم. لأن اسمه في الانجيل يسوع ، وفي القرآن عيسى. ومن هنا فإن تسمية (المسيح) ليست خاصة به ، فهناك الكثير من (المسحاء) قبل وبعد السيد المسيح.
ففي التوراة حمل الأنبياء صفة المسيح لا بل حتى الوثنيين حملوا هذا اللقب. ووردت كلمة المسيح اكثر من (32) مرّة، والمعنى تم اخذه من التوراة حسب روايتها تعني الممسوح بالدهن المقدس، وهي علامة للتتويج لمنصب ديني معين ، فكان الأنبياء والكهنة والملوك في التوراة يُمسحون بالدُهن المقدس فيطلقون على من يُمسح بـ (مسيح الرب).(3)
ولكن في المسيحية انقلب هذا التقليد من الممسوح بالدهن المقدس إلى الممسوح بواسطة الملاك جبرئيل.(4) وهذا غير صحيح لأن الإنجيل يذكر بأن اول من أطلق لقب او صفة (المسيح) على عيسى هو تلميذه اليهودي سمعان بطرس، فقد فاجأ السيد المسيح تلاميذه بهذا السؤال الغريب : (سأل يسوع المسيح تلاميذه قائلا: من يقول الناس إني أنا ابن الإنسان؟). فاختلف التلاميذ فيما بينهم وكل واحد منهم اطلق عليه لقب ولكن هذه الألقاب كلها لم تعجب المسيح ، حيث قال بعض التلاميذ بأن الناس يطلقون عليه : ( يوحنا ، وآخرون ، إيليا، وغيرهم إرمياء أو أحد من الأنبياء). ثم التفت إليهم المسيح وسألهم : (وأنتم من تقولون إني أنا؟). فسكتوا جميعا إلا سمعان بطرس قال : (أنت هو المسيح ابنُ الله الحي). وعلى ما يبدو فإن هذا اللقب اعجب السيد المسيح ــ حسب رواياتهم ــ فلم يعجبه لقب المسيح وحده بل اعجبه قول بطرس : (أنت المسيح ابن الله الحي).(5) ولذلك تهلل يسوع وفرح وقال لسمعان : (طوبى لك يا سمعان بن يونا). وسمعان هذا وبشهادة الإنجيل نفسه أول من أطلق صفة (رب).على السيد المسيح.
من هذا النص نفهم أن الناس لم يكونوا يعرفون للمسيح اسما فقد كانوا مختلفين فيمن يكون هو، وأشهر اسماءه هو (النجار أو ابن النجار).(6) وهذا يتعارض والرحمة الإلهية في بيان الأمور وتوضيحها للناس فليس من المعقول ان يترك الله نبيه من دون اسم يُعرف به. وكذلك من هذا النص نفهم أن أول من أطلق لقب (المسيح) وكذلك لقب (ابن الله) هو تلميذه سمعان المثير للجدل والذي ظهرت منه افكار غريبة فعندما كان الناس وكذلك تلاميذ السيد المسيح حائرين حول مسألة تسمية عيسى عليه السلام تفتق ذهن سمعان عن لقب (المسيح) الذي كان متشبعا به في اليهودية فأطلقه على سيده. ثم تطورت الفكرة الى (المسيح ابن الله) التي كانت مقدمة لجعل السيد المسيح إلها إلى أن قالوا وحسب العقيدة المسيحية الحالية ، بأن (يسوع المسيح هو الله الظاهر في الجسد).(7)
ولعل اغرب ما نراه في سلوك سمعان بطرس صاحب البدع، أنه أول من أنكر السيد المسيح ثلاث مرات لا بل شتم السيد المسيح شتما قبيحا لينجوا بجلده كما يقول: (فابتدأ حينئذ يلعن ويحلف إني لا أعرف الرجل). (8) فكان أول منافق في المسيحية.وهو الذي ساند بولص شاول مخترق المسيحية سانده بكل اعماله وبدعه وانحرافاته.
مما تقدم نفهم أن كل الألقاب التي حصل عليها السيد المسيح هي من فعل اليهود ، فقد نقلوا ما في توراتهم إلى المسيحية. ومنها الفاظ مثل (المسيح) و(ابن الله). ففي اليهودية فقد كان شاول بن بنيامين (يوسف) مسيحا.وهارون أخو موسى مسيحا.وكذلك ياهو بن نمشي واليشع بن شافاط كانوا مسحاء. وكذلك نبي الله داود كان مسيحا.وسُليمان كان مسيحا.لا بل أننا نرى حتى الملوك الوثنيين كانوا مسيحا كما نقرأ : (هكذا يقول الرب لمسيحه لكورش الذي أمسكت بيمينه).(9)
من ذلك نفهم أن القاب المسيح سبقت المسيحية وشملت الأنبياء والكهنة الفاسدين والملوك الوثنيين وعلى ما يبدو أن السيد المسيح تنبه إلى ذلك وخطورة أن يُطلق هذا اللقب على كل من هب ودب نراه يُحذر ويُنبه اتباعه بأنه سيأتي بعده الكثير من (المسحاء الكذبة). كما نقرأ: (سيقوم مسحاء كذبة ويُعطون آيات عظيمة وعجائب، حتى يضلوا حتى المختارين). (10)
ولكن بالمقابل فإننا نستفيد من كامل نصوص الكتاب المقدس بأن الذي يمسح الكهنة هم الانبياء. وكلمة يمسح هنا تُفيد إلى (التنصيب والتعيين والاستخلاف) والمسح على الرأس بالدهن هو رمز لذلك ، فلم يثبت لنا أن شخصا عاديا قام بتنصيب او مسح خليفة او نبي او وصي بالدهن فيصبح بذلك مُمثل ارادة الله في الأرض.لأن الله يعلم حيث يجعل رسالته.(11)
وأما في المسيحية فإن عيسى بن مريم لم يصبح نبيا مسيحا لأنهم مسحوه بالدهن ابدا ، بل أن يوحنا قام بتغطيسه بنهر الأردن وبذلك نال النبوة حيث نزلت عليه مثل حمامة بيضاء. فلم يكن للدهن أو الزيت أي دخل في مسح المسيح نبيا.بل الذي وجدناه في الإنجيل امور كثيرة منها:
الأول : أن الذي مسح السيد المسيح بالزيت هو مريم اخت لعازر كما يقول يوحنا : (ومريم اخت لعازر هي التي دهنت الرب ومسحت رجليه بطيب).(12)
الثاني : يذكر الإنجيل بأن الكثير تم مسحهم وأن الله هو الذي مسحهم ، كما نقرأ في كورنثوس الثانية : ( الذي مسحنا ليثبتنا معكم في المسيح هو الله).(13) فهنا عدد كبير من الممسوحين.
الثالث : لم يرد عن السيد المسيح ولا عن احد من تلاميذه انهم قالوا بأن الله مسح عيسى بالزيت او بغيره ، ولكن بعد رحيل السيد المسيح بسنوات طويلة ظهر لنا بولص شاول الطرسوسي مخرّب المسيحية ليزعم أن الله مسح يسوع كما نقرأ في العبرانيين : (أحببت البر وأبغضت لإثم من أجل ذلك مسحك الله الهك بزيت الابتهاج).(14) طبعا وهذا النص نسخة كوبي من التوراة اقتبسه بولص من المزامير ووضعه في الإنجيل لكي يزعم أن المسيح مُسح بزيت فيقول في مزامير التوراة : (من أجل ذلك مسحك الله إلهك بزيت الابتهاج).(15)
ومن المعروف أن تعيين الأوصياء من بعد الأنبياء يتم عبر التنصيب الإلهي وهذا ما نراه يلوح في نصوص كثيرة منها امر الله تعالى لموسى نبيه بأن يقوم بتنصيب اخيه هارون وابنيه خلفاء من بعده عن طريق مسحهم بالدهن المقدس كما نقرأ : تأخذ لك أفخر الأطياب وتصنعهُ دهنا مقدسا للمسحة، وتمسح هارون وبنيه وتقدسهم ليكهنوا لي).(16) ليكهنوا لي أي يُبلغوا عنّي ، وهذا ما فعله الله مع نبيه محمد (ص) حيث امره ان يقوم بتنصيب عليا وولده من بعده خلفاء مبلغون عنه.ومن هنا قال النبي محمد (ص) لعلي أن فيه شبها من عيسى. وشبّه الحسن والحسين بأولاد هارون.
وأما عند المسلمين فهناك تفسيرات كثيرة لمعنى كلمة (المسيح) ومما قالوه : قيل لعيسى أنه المسيح لأنه ما مسح بيده مريضا او ذي عاهة إلا شفاه الله وبرئ من مرضه. وقالوا : أن معنى المسيح يعني (الصدّيق). وقالوا : سمي المسيح لكثرة سياحته في الأرض.وقيل لأن فيه مسحة من الجمال فقيل له المسيح.وقيل سمي المسيح لأنه مُسح بالزيت. وهذا لم نجد له اثر في الانجيل.ومن وجهة نظري ونظرا لاشتهار النبي عيسى بارتدائه (المسح).(17) اطلقوا عليه المسيح. وهذا ما يذكره الكتاب المقدس كما في سفر دانيال : (وجهت وجهي إلى الله السيد طالبا بالصلاة والتضرعات، بالصوم والمسح والرماد،وصليت إلى الرب إلهي).(18)
ولكن عجيبة العجائب عندما نذهب إلى قاموس الكتاب المقدس نجد تفسيرا غريبا لكلمة مسيحي فيقول : (دعي المؤمنون مسيحيين أول مرة في أنطاكية سنة 43 ميلادية ويُرجّح أن ذلك اللقب كان في الأول شتيمة بهدف التوبيخ والتحقير من شأنهم. فقد قال المؤرخ تاسيتس : أن تابعي المسيح كانوا أناساً سفلة عاميين).(91) وهذا يعني أن صفة أو لقب مسيح مسيحي ظهرت بعد رحيل السيد المسيح بأكثر من أربعين عاما. والغريب أن هذه التسمية مع أنها كانت شتيمة إلا أننا نرى المذاهب المسيحية تتقاتل عليها وتنفي هذه الصفة من المذاهب الأخرى. الكاثوليكي لا يرى الارثوذكس مسيحيين ، وهذا لا يرى البروتستانت مسيحا. وحتى اليوم فإن الفاتيكان لا يرى المذاهب الحديثة بأنها مسيحية مثل شهود يهوه والمورمون وغيرهم. وأما كيفية اعتبار كلمة (المسيح). شتيمة. فهي مما اطلقها اليهود على عيسى بن مريم من باب السخرية لأنهم يعرفون أن هذا المنصب الإلهي لا يحصل عليه احد إلا بعد أن يُمسح بالزيت المقدس من قبل الكاهن الأكبر، ولذلك سخروا منه وأطلقوا عليه المسيح انكارا منهم له ولنبوته.ولكن الله تعالى ذكرها في القرآن واقرها له نكاية باليهود.
المسلمون يطلقون على اتباع عيسى بن مريم (نصارى). وهي مشتقة من النصرة . (فلما احسن عيسى منهم الكفر قال من انصاري إلى الله قال الحواريون نحن أنصار الله).(20) ولذلك نرى القرآن اقر لقب (المسيح) لعيسى ولكنه لم يطلقها على اتباعه فيقول لهم (مسيحيين) بل اطلق عليهم (النصارى). (الذين آمنوا والذين هادوا والنصارى والصابئين).(21) وسبب هذه التسمية هو ما تقدم ذكره.
وفي رأيي أن كلمة المسيح المقصود منها (البركة) التي تحلّ على المكان الذي يضع فيه عيسى يده. ولذلك استخدم السيد المسيح كلمة (بارك لنا أو باركنا وبركات ومبارك وبركة ويُبارك) ففي كامل الكتاب المقدس وردت أكثر من (200) مرة وفي الإنجيل وحده وردت اكثر من (50) مرة بارك فيها السيد المسيح كل شيء لمسه او دعى له. ونظرا لكثرة البركة التي حلت في الاشخاص والأشياء التي كان السيد المسيح يُباركها قيل له (المسيح).(22) وبالعكس من ذلك تسيح اللعنة من يد (المسيح الدجال). حيث يمسح الناس بالكفر فكل من يمسح عليه يضع فيه العلامة (السمة). كما يقول في يوحنا (لا يقدر أحد أن يشتري أو يبيع، إلا من له السمة أو اسم الوحش).(23) والوحش هنا كناية عن المسيح الدجال. والسمة أي علامة الكفر، ولذلك يطلق عليه الانجيل لقب (ضد المسيح) . أي ان الناس اذا انتموا إليه حصل الضد لأنهم لا ينالوا سوى الكفر والانحراف كما نقرأ : (وكل روح لا يعترف بيسوع المسيح فليس من الله. وهذا هو روح ضد المسيح الذي سمعتم أنه يأتي، والآن هو في العالم).(24)
المسلمون حذّرهم نبيهم من فتنة المسيح الدجال ووضع لهم علامات لمعرفته حال ظهوره ، ولكن السؤال للمسيحية برمتها : كيف ستتعرفون على المسيح الدجال وتفرقون بينه وبين المسيح بن مريم؟ بسبب هذا الخلط ستقفون مع المسيح الدجال وتتبعونه وتكونوا جنودا له.
من هنا نفهم أن هناك مسيحان سيأتيان في آخر الزمان ولهذا السبب سيأتي السيد المسيح في عودته الثانية ليقتل المسيح الدجال الذي ينتحل شخصيته ويزعم أنه المسيح ونظرا لقدرته الكبيرة في التأثير على الناس اقتصاديا وإعلاميا وعسكريا ، ونفسيا. فلا يتصدى له سوى المسيح بن مريم بإمكانات إلهية خاصة فيقتله وينقذ الناس من شرّه.ثم يتصدى سيده القائم المنتظر إلى بقية اشرار العالم فيُنقذ الناس منهم ويطوي هذه المرحلة من عمر البشرية والتي حسب الروايات ستكون آخر مراحل ألإنسان حيث الانتقالة الكبرى إلى العالم الآخر.
المصادر:
1- ورد في الرواية عن النبي (ص) أنه قال : (إني أولى الناس بعيسى ابن مريم . ويهلك الله في زمانه المسيح الدجال).
2- إنجيل يوحنا 5 : 43. ونفس التحذير اطلقه نبينا (ص) عندما قال : (يا أيها الناس إنها لم تكن فتنة على وجه الأرض منذ ذرأ الله ذرية آدم أعظم من فتنة (المسيح) الدجال وإن الله عز وجل لم يبعث نبيا إلا حذر أمته الدجال وأنا آخر الأنبياء وأنتم آخر الأمم وهو خارج فيكم لا محالة. يا عباد الله فاثبتوا).
3- يقول كتاب النقد الكتابي من مكتبة الكتب المسيحية أ.حلمي القمص يعقوب : مسيح الرب : (شاع استخدام الزيت أو الدهن للمسح في بني إسرائيل فكانوا يمسحون الملوك والكهنة والأنبياء . فعندما اختار الله شاول مسحهُ صموئيل وصب الدهن على رأسه وقبّله : فدعي مسيح الرب). ويُصنع الدهن المقدس من أفخر أنواع العطور والأطياب وهو حسب قول التوراة وصفة إلهية انزلها على موسى كما نقرأ : (وقال الرب لموسى: تأخذ أفخر الأطياب. مراً قاطرا. وقرفة عطرة. وقصب الذريرة ، وسليخة، وزيت الزيتون ، تصنعهُ زيتا مقدسا للمسحة). سفر الخروج 30 : 22 ـ 31.
4- كتاب الخلفية العقيدية واللاهوتية للكتاب المقدس الراهب القمص بطرس البراموسي: السيد المسيح ممسوح من الروح القدس.
5- إنجيل متى 16 : 13 ـ 17.
6- كما نقرأ في إنجيل متى 13 : 55. (أليس هذا ابن النجار؟ اليست أمه تدعى مريم).
7- تيموثاوس الأولى 3:16.
8- إنجيل متى 26 : 74.
9- سفر إشعياء 45 : 1.
10- تكرر هذا التحذير مرتين في إنجيل مرقص: 13 : 22. وفي إنجيل متى 24 : 24.
11- سورة الانعام آية : 124.فقد كان في الأديان تنصيب الائمة او الخلفاء حواريين او اسباط كان بإذن الله وبتبليغ من النبي لأمته.
12- إنجيل يوحنا 11 : 2.
13- رسالة بولص الثانية كورنثوس 1 : 21.
14- رسالة بولص إلى العبرانيين 1 : 9.
15- سفر المزامير 45 : 7.
16- سفر الخروج 30 : 26 ـ 30.
17- انظر معجم المعاني الجامع (مسح) و لسان العرب ج6 و تاج العروس ج2 ص : 224 . و المعجم الوسيط ج2 ص : 903.قالوا بالمجمل : أمساحٌ ومسوحٌ الكساء من شعر وهو ثوب الراهب. ومنه : المفعول به ممسوح ومسيح.وفي لسان العرب : ثوب أو كساء من الشعر الغليظ. وقال في تاج العروس : وقيل به سُمّي عيسى عليه السلام للبسة البلاس الأسود تقشفا، وفي المعجم الوسيط : اطلق المسح على ثوب الراهب.والراهب إنما لبس المسح تأسيا بسيده المسيح.
18- سفر دانيال 9 : 3.
29- انظر قاموس الكتاب المقدس ، دائرة المعارف الكتابية المسيحية شرح كلمة مسيحي.وكذلك انظر سفر أعمال الرسل 11 : 26. حيث يقول : (ودعي التلاميذ في أنطاكية مسيحيين).
20- آل عمران : 52.
21- سورة البقرة آية : 62.
22- ومن أكبر بركاته أنه مسح وبارك خمس ارغفة من الخبز وسمكتين، فأكل منها خمسة آلاف إنسان حتى شبعوا وحملوا الباقي في اثنا عشر قفة.إنجيل لوقا 9 : 16.
23- سفر رؤيا يوحنا اللاهوتي 13 : 17.
24- رسالة يوحنا الأولى 4 : 3.