وهج الإيمان
12-03-2022, 04:03 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
الدكتور السني عبدالحليم الحسيني يعرض محطات من بكاء الإمام زين العابدين عليه السلام على والده الإمام الحسين عليه السلام و أنه قد بكاه المصطفى صلى الله عليه واله وسلم عليه وأجر البكاء عليه وفضائل العباس عليه السلام وإحتفاظ الإمام زين العابدين عليه السلام بتربه من تراب قبر والده وسجوده عليها
قال الدكتور السني عبدالحليم الحسيني : "
ثانيا : كانت كثرة بكاء الإمام زين العابدين
مـن مظاهر وعوامل تخليد النهضة الحسينية ،
*************************************
فقد اصطبغت أيامـة بألوان الحزن والبكاء ، وكان التوجع والتفجع على مصائب العترة ديدنه وعادته التي عرف بها في مجتمعه ، فغدا ذلك الحزن والبكاء تخليدا لنهضة أبيه التي ظلت شعارا يحمل عنوان تحرير الإنسان من الظلم والعبودية والطغيان ، وكان ذلك سببا لاستمرار الـذكرى فـي الأذهان ، وحياتهـا علـى الخواطر ،
وبقاء الأهداف حيـة نابضـة فـي الضمائر ووجدان التاريخ ، وتكدس النقمة والنفرة من القتلة الظلمة ، وهذا يعني تركيز الشعور بالإثم الكبير لمقتل الإمام الحسين عليه السلام ظلما ؛ حتى صار عنوانه : ( اللهم العن أمة قتلتك ، والعن أمـة ظلمتك ، والعن أمة شائعت وبايعت على قتلك ، والعن أمة سمعت بذلك فرضيت به ) .
وكان الإمام زين العابدين يشيد أيضا بأصحاب الإمام الحسين عليه السلام لتخليد ذكراهم ،
فقد ذكر الصدوق في أماليه عن ثابت بن أبي صفية قال :
نظر سيد العابدين علي بن الحسين إلى عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب ، فاستعبر ثم قال :
( ما من يوم أشد على رسول اللہ ﷺ من يوم أحد ، قتل فيه عمه حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله ، وبعده يوم مؤتة قتل فيه ابن عمه جعفر بن أبي طالب ) .
-- ثم قال السلام : ( ولا يوم كيوم الحسين !! ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل يزعمون أنهـم مـن هـذه الأمة ، كـل يتقرب إلى الله عزوجل بدمـه ، وهـو بـالله يذكرهم ، فلا يتعظون ؛ حتى قتلوه بغيا وظلما وعدوانًا ) .
-- ثم قال : ( رحم الله العباس ، فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه ؛ حتى قطعت يداه ، فأبدله الله عزوجل بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب ، وإن للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطة بها جميع الشهداء يوم القيامة ) .
وفي كامل الزيارات لابن قولوية : كان لعلي بن الحسين ميـل إلـى ولـد عقيل ، فقيل له : ما بالك تميل إلى بني عمك هؤلاء دون آل جعفـر ؟
فقال : ( إني أذكـر يومهم مع أبي عبد الله الحسين بن علي ؛ فارق لهم ) ۔
وأضاف : ( أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي دمعة ؛ حتى تسيل على خده ، بوأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا ) .
وذكر أبو نعيم في حلية الأولياء ، والمجلسي في بحار الأنوار : أن الإمام زين العابدين كان إذا أخذ الإناء ليشرب الماء تذكر عطـش أبيه ومن معه ، فيبكي ؛ حتى يمزجه من دموعه ، فإذا قيل له في ذلك يقول :
( كيف لا أبكي وقد منع أبـي من الماء الذي هو مطلق للوحوش والسباع ) ...
والإمام زين العابدين في بكائه على أبيـه الإمام الحسين ، إنمـا يقتدي بـجـده رسول اللہ ﷺ وجده علي بن أبي طالب عليه السلام ،
فقد روى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ، وأبو يعلى في مسنده ، والبزار في مسنده ، والطبري فـي ذخـائر العقبي ، والطبراني في المعجم الكبير ، والهيثمي في مجمع الزوائد ، وقال : رجاله ثقات ، والذهبي في سير أعلام النبلاء عن الإمام علي بن أبي طالب قال :
( دخلت على رسول الله ﷺ ذات يوم وعيناه تفيضان ، قلت : يا نبي الله ، ما شأن عينيك تفيضان ؟
قال : قام من عندي جبريل قبل ، فحدثني أن ولدي الحسين يقتـل بشط الفرات ، فهل لك إلى أن أشمك من تربته ؟، قلت : نعم ، فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها ، فلم أملك عيني أن فاضتا )
. ثالثا : إيهام السلطة الحاكمة وعيونها وأزلامهـا ومرتزقتها أنّ المفجوع ليس لديه إلا البكاء ، وأنـه لـيس عملا جرميـا يبرر للسلطة اتخاذ إجـراء قمعي لمواجهته ، فكيف إذا كان المفجوع باكيا فعلا وليس متباكيا ، كما هو حال الإمام
رابعا : كان البكاء واحدا من الأساليب التي جعلها الإمام السجاد وسيلة لإحياء يوم كربلاء ، كما استعمل أساليب أخرى حين خلط دمـوع البكـاء مـع تـراب قبر المتوفى ، حيث كان يطيل سجوده وبكاءه على التراب الذي احتفظ بـه مـن ثـرى روضة والده ، ومسحة بخاتمه الذي أصر على لبسه والمحافظة عليه مع الشعار المنقوش عليه ، والذي كان يردده عليه السلام : ( خزي وشقي قاتل الحسين بن علي ) ..إضافة إلى حثه على زيارة الإمام الحسين عليه السلام ،
فقد ذكر السيد محمد رضا الحسيني الجلالي في كتابه ( جهاد الإمام السجاد ) ، أن أبا حمزة الثمالي سأل الإمام علي بن الحسين عن زيارة الإمام الحسين ،
فقال : ( ززه كـل يـوم ، فإن لم تقدر فكل جمعة ، فإن لم تقدر فكل شهر ، فمن لم يزره ؛ فقد استخف بحـق رسول اللهﷺ)
، فإذا اجتمعت هذه الأساليب تكـون رسالة البكاء أكثر تعبيرا ، وأمضى أثرا في إذكاء الوجدان المعذب ، والضمير الحي ، وتفجيرهما ضد الظلم والظالمين .
خامسا : حين يمتزج البكـاء مـع الـدعاء ـ الـذي سنــأتـي علـى ذكـره فـي الاستضاءة الثالثة – وتتكامل لوحة الرفض المقدس عبر العاطفة والفكر ، وعبر العقل والقلب ، يكون الهدف من البكاء أكثر تجليا وسطوعا .
هذا ما يلاحظ عند الإمام عليه السلام ، وذكره القندوزي الحنفي في ينابيع المودة ، والمجلسي في بحار الأنوار ، أن مولى له عليه السلام قال :
برز سيدي زين العابدين يوما إلى الصحراء ، فتبعثه ، فوجدته قـد سـجـد علـى جـجـارة خشنة ، فوقفت وأنا أسمع شهيقه وبكاءه ، واحصيت عليه ألف مرة يقول :
( لا إله إلا الله حقا حقا ، لا إله إلا الله تعبدا ورقا ، لا إله إلا الله إيمانا وتصديقا وصدقا ) ، ثم رفع رأسـه مـن سجوده ، وإن لحيته ووجهه قد غمرا بالماء من دمـوع عينيه ،
فقلت : يا سيدي !! أما أن لحزنك أن ينقضي ، ولبكائك أن يقل ؟.
فقال لي : ( ويحك ، إن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم كان نبيا ابن نبي ، لـه اثنا عشر ابنا ، فغيب الله واحدا منهم ، فشاب رأسه من الحزن ، واحدودب ظهره من الغم ، وذهب بصره من البكاء ، وابنه حي في دار الدنيا . وأنـا رأيـت أبـي وأخـي وسبعة عشـر مـن أهـل بيتـي صـرعي مقتولين ، فكيف ينقضي حزني ويقـل بكائي ؟ !! ) .
هذا الجواب من الإمام عليه السلام : دال معبر عن حـزن ليس كمثله حزن ، وبكاء ليس كمثله بكاء !!..
إنه بوضوح كامل حزن على رمز مقدس بكت عليه أهل الأرض وملائكة السماء ، وليس حزن ولد على أبيه قط ، وإنه حزن على فجيعة بدين ، أي أنه حزن على دين مضيع ، صيره الصبيان لعبة يعبث بها غلمان بني أمية ، ودمية تتلاقفها أكف أحفاد الطلقاء ..
إنه باختصار شديد : رسالة صامتة شديدة اللهجة ، ودموع حرى ناطقة ، وبيان صارخ مشحون بعواطف البكاء النّبيلة ، ممزوج بثرى تُراب طاهر ، مشفوع بتأوهات خالصة أرادت وتريد أن تواجـة الظـالم بأفصـح مـا يكـون التعبير عن الرفض والغضب المقدس ، وأقدس ما يكون الإفصاح عن الثورة والتمرد .
إنه سلاح ماض لكشف الجرم الكبير وفضحه ، والدعوة لقطع اليد التي نفذته ، وأمام من ؟ وبدموع من ؟
بدموع الثائر المفجوع الذي لم يستطع الإستشهاد فـي يـوم كربلاء العظيم ، لمرض أقعده ، وعلة ما كان يستطيع الوقوف على قدميه بسببها ، فشاءت إرادة الله أن تحتفظ به ليكشف خيوط الجريمة الكبرى ، وهو يبكي ويقول :
وهـن المنايـا أي واد سلكثه عليهـا طريقـي أو علـي طريقهـا وگــلا ألاقـي نكبـة وفجيعـة وكـاس مـرارات دعافـا أذوقهـا
ثم يختتمها بدعاء دامع حزين : ( يا نفس حتام إلى الحياة سكونك ؟ وإلـى الـدنيا وعمارتها ركونك ؟ أما اعتبرت بمن مضى من أسلافك ؟ ومن وارته الأرض من ألأفك ؟ ومن فجعت به من إخوانك ؟ ونقل من الثرى من أقرانك ؟ ..
فختام إلى الدنيا إقبالك ، وبشهواتها اشتغالك ، وقد رأيت انقلاب أهل الشهوات ، وعاينت مـا حل بها من المصيبات .. ) ( ۱ ) .
ولسان حاله يقول :
لا تطلبوا قبر الحسين بشرق أرض أو بغرب
فـــدعوا الجـميـع وعرجوا فمشهده بقلبي
نعم ، إنه البكاء الهادف ، والنّشيج المدوي ، والدموع الناطقة ، رسالة صامتة ، شديدة اللهجة ، صارخة الاحتجاج ، محبوكة المتن ، متينة السند ، إنه بكاء أفقه أهل زمانه ، وأعلمهم وأورعهم وأتقاهم ،
إنه حفيد النبي ﷺ ، وابن سبطه المفجوع بقتله ، الشاهد على ذمه ، حامل رسالته ، ومبلغ أمانته ، ووريثه والداعي إلى حقه ..
إنه بكاء الإمام السجاد علي زين العابدين ابن الإمام الحسين ابن الإمام علي ابن أبي طالب عليهم جميعا سلام الله . " انتهى النقل
دمتم برعاية الله
كتبته : وهج الإيمان
اللهم صل على محمد وال محمد
الدكتور السني عبدالحليم الحسيني يعرض محطات من بكاء الإمام زين العابدين عليه السلام على والده الإمام الحسين عليه السلام و أنه قد بكاه المصطفى صلى الله عليه واله وسلم عليه وأجر البكاء عليه وفضائل العباس عليه السلام وإحتفاظ الإمام زين العابدين عليه السلام بتربه من تراب قبر والده وسجوده عليها
قال الدكتور السني عبدالحليم الحسيني : "
ثانيا : كانت كثرة بكاء الإمام زين العابدين
مـن مظاهر وعوامل تخليد النهضة الحسينية ،
*************************************
فقد اصطبغت أيامـة بألوان الحزن والبكاء ، وكان التوجع والتفجع على مصائب العترة ديدنه وعادته التي عرف بها في مجتمعه ، فغدا ذلك الحزن والبكاء تخليدا لنهضة أبيه التي ظلت شعارا يحمل عنوان تحرير الإنسان من الظلم والعبودية والطغيان ، وكان ذلك سببا لاستمرار الـذكرى فـي الأذهان ، وحياتهـا علـى الخواطر ،
وبقاء الأهداف حيـة نابضـة فـي الضمائر ووجدان التاريخ ، وتكدس النقمة والنفرة من القتلة الظلمة ، وهذا يعني تركيز الشعور بالإثم الكبير لمقتل الإمام الحسين عليه السلام ظلما ؛ حتى صار عنوانه : ( اللهم العن أمة قتلتك ، والعن أمـة ظلمتك ، والعن أمة شائعت وبايعت على قتلك ، والعن أمة سمعت بذلك فرضيت به ) .
وكان الإمام زين العابدين يشيد أيضا بأصحاب الإمام الحسين عليه السلام لتخليد ذكراهم ،
فقد ذكر الصدوق في أماليه عن ثابت بن أبي صفية قال :
نظر سيد العابدين علي بن الحسين إلى عبيد الله بن العباس بن علي بن أبي طالب ، فاستعبر ثم قال :
( ما من يوم أشد على رسول اللہ ﷺ من يوم أحد ، قتل فيه عمه حمزة بن عبد المطلب أسد الله وأسد رسوله ، وبعده يوم مؤتة قتل فيه ابن عمه جعفر بن أبي طالب ) .
-- ثم قال السلام : ( ولا يوم كيوم الحسين !! ازدلف إليه ثلاثون ألف رجل يزعمون أنهـم مـن هـذه الأمة ، كـل يتقرب إلى الله عزوجل بدمـه ، وهـو بـالله يذكرهم ، فلا يتعظون ؛ حتى قتلوه بغيا وظلما وعدوانًا ) .
-- ثم قال : ( رحم الله العباس ، فلقد آثر وأبلى وفدى أخاه بنفسه ؛ حتى قطعت يداه ، فأبدله الله عزوجل بهما جناحين يطير بهما مع الملائكة في الجنة كما جعل لجعفر بن أبي طالب ، وإن للعباس عند الله تبارك وتعالى منزلة يغبطة بها جميع الشهداء يوم القيامة ) .
وفي كامل الزيارات لابن قولوية : كان لعلي بن الحسين ميـل إلـى ولـد عقيل ، فقيل له : ما بالك تميل إلى بني عمك هؤلاء دون آل جعفـر ؟
فقال : ( إني أذكـر يومهم مع أبي عبد الله الحسين بن علي ؛ فارق لهم ) ۔
وأضاف : ( أيما مؤمن دمعت عيناه لقتل الحسين بن علي دمعة ؛ حتى تسيل على خده ، بوأه الله بها في الجنة غرفا يسكنها أحقابا ) .
وذكر أبو نعيم في حلية الأولياء ، والمجلسي في بحار الأنوار : أن الإمام زين العابدين كان إذا أخذ الإناء ليشرب الماء تذكر عطـش أبيه ومن معه ، فيبكي ؛ حتى يمزجه من دموعه ، فإذا قيل له في ذلك يقول :
( كيف لا أبكي وقد منع أبـي من الماء الذي هو مطلق للوحوش والسباع ) ...
والإمام زين العابدين في بكائه على أبيـه الإمام الحسين ، إنمـا يقتدي بـجـده رسول اللہ ﷺ وجده علي بن أبي طالب عليه السلام ،
فقد روى الإمام أحمد بن حنبل في مسنده ، وأبو يعلى في مسنده ، والبزار في مسنده ، والطبري فـي ذخـائر العقبي ، والطبراني في المعجم الكبير ، والهيثمي في مجمع الزوائد ، وقال : رجاله ثقات ، والذهبي في سير أعلام النبلاء عن الإمام علي بن أبي طالب قال :
( دخلت على رسول الله ﷺ ذات يوم وعيناه تفيضان ، قلت : يا نبي الله ، ما شأن عينيك تفيضان ؟
قال : قام من عندي جبريل قبل ، فحدثني أن ولدي الحسين يقتـل بشط الفرات ، فهل لك إلى أن أشمك من تربته ؟، قلت : نعم ، فمد يده فقبض قبضة من تراب فأعطانيها ، فلم أملك عيني أن فاضتا )
. ثالثا : إيهام السلطة الحاكمة وعيونها وأزلامهـا ومرتزقتها أنّ المفجوع ليس لديه إلا البكاء ، وأنـه لـيس عملا جرميـا يبرر للسلطة اتخاذ إجـراء قمعي لمواجهته ، فكيف إذا كان المفجوع باكيا فعلا وليس متباكيا ، كما هو حال الإمام
رابعا : كان البكاء واحدا من الأساليب التي جعلها الإمام السجاد وسيلة لإحياء يوم كربلاء ، كما استعمل أساليب أخرى حين خلط دمـوع البكـاء مـع تـراب قبر المتوفى ، حيث كان يطيل سجوده وبكاءه على التراب الذي احتفظ بـه مـن ثـرى روضة والده ، ومسحة بخاتمه الذي أصر على لبسه والمحافظة عليه مع الشعار المنقوش عليه ، والذي كان يردده عليه السلام : ( خزي وشقي قاتل الحسين بن علي ) ..إضافة إلى حثه على زيارة الإمام الحسين عليه السلام ،
فقد ذكر السيد محمد رضا الحسيني الجلالي في كتابه ( جهاد الإمام السجاد ) ، أن أبا حمزة الثمالي سأل الإمام علي بن الحسين عن زيارة الإمام الحسين ،
فقال : ( ززه كـل يـوم ، فإن لم تقدر فكل جمعة ، فإن لم تقدر فكل شهر ، فمن لم يزره ؛ فقد استخف بحـق رسول اللهﷺ)
، فإذا اجتمعت هذه الأساليب تكـون رسالة البكاء أكثر تعبيرا ، وأمضى أثرا في إذكاء الوجدان المعذب ، والضمير الحي ، وتفجيرهما ضد الظلم والظالمين .
خامسا : حين يمتزج البكـاء مـع الـدعاء ـ الـذي سنــأتـي علـى ذكـره فـي الاستضاءة الثالثة – وتتكامل لوحة الرفض المقدس عبر العاطفة والفكر ، وعبر العقل والقلب ، يكون الهدف من البكاء أكثر تجليا وسطوعا .
هذا ما يلاحظ عند الإمام عليه السلام ، وذكره القندوزي الحنفي في ينابيع المودة ، والمجلسي في بحار الأنوار ، أن مولى له عليه السلام قال :
برز سيدي زين العابدين يوما إلى الصحراء ، فتبعثه ، فوجدته قـد سـجـد علـى جـجـارة خشنة ، فوقفت وأنا أسمع شهيقه وبكاءه ، واحصيت عليه ألف مرة يقول :
( لا إله إلا الله حقا حقا ، لا إله إلا الله تعبدا ورقا ، لا إله إلا الله إيمانا وتصديقا وصدقا ) ، ثم رفع رأسـه مـن سجوده ، وإن لحيته ووجهه قد غمرا بالماء من دمـوع عينيه ،
فقلت : يا سيدي !! أما أن لحزنك أن ينقضي ، ولبكائك أن يقل ؟.
فقال لي : ( ويحك ، إن يعقوب بن إسحق بن إبراهيم كان نبيا ابن نبي ، لـه اثنا عشر ابنا ، فغيب الله واحدا منهم ، فشاب رأسه من الحزن ، واحدودب ظهره من الغم ، وذهب بصره من البكاء ، وابنه حي في دار الدنيا . وأنـا رأيـت أبـي وأخـي وسبعة عشـر مـن أهـل بيتـي صـرعي مقتولين ، فكيف ينقضي حزني ويقـل بكائي ؟ !! ) .
هذا الجواب من الإمام عليه السلام : دال معبر عن حـزن ليس كمثله حزن ، وبكاء ليس كمثله بكاء !!..
إنه بوضوح كامل حزن على رمز مقدس بكت عليه أهل الأرض وملائكة السماء ، وليس حزن ولد على أبيه قط ، وإنه حزن على فجيعة بدين ، أي أنه حزن على دين مضيع ، صيره الصبيان لعبة يعبث بها غلمان بني أمية ، ودمية تتلاقفها أكف أحفاد الطلقاء ..
إنه باختصار شديد : رسالة صامتة شديدة اللهجة ، ودموع حرى ناطقة ، وبيان صارخ مشحون بعواطف البكاء النّبيلة ، ممزوج بثرى تُراب طاهر ، مشفوع بتأوهات خالصة أرادت وتريد أن تواجـة الظـالم بأفصـح مـا يكـون التعبير عن الرفض والغضب المقدس ، وأقدس ما يكون الإفصاح عن الثورة والتمرد .
إنه سلاح ماض لكشف الجرم الكبير وفضحه ، والدعوة لقطع اليد التي نفذته ، وأمام من ؟ وبدموع من ؟
بدموع الثائر المفجوع الذي لم يستطع الإستشهاد فـي يـوم كربلاء العظيم ، لمرض أقعده ، وعلة ما كان يستطيع الوقوف على قدميه بسببها ، فشاءت إرادة الله أن تحتفظ به ليكشف خيوط الجريمة الكبرى ، وهو يبكي ويقول :
وهـن المنايـا أي واد سلكثه عليهـا طريقـي أو علـي طريقهـا وگــلا ألاقـي نكبـة وفجيعـة وكـاس مـرارات دعافـا أذوقهـا
ثم يختتمها بدعاء دامع حزين : ( يا نفس حتام إلى الحياة سكونك ؟ وإلـى الـدنيا وعمارتها ركونك ؟ أما اعتبرت بمن مضى من أسلافك ؟ ومن وارته الأرض من ألأفك ؟ ومن فجعت به من إخوانك ؟ ونقل من الثرى من أقرانك ؟ ..
فختام إلى الدنيا إقبالك ، وبشهواتها اشتغالك ، وقد رأيت انقلاب أهل الشهوات ، وعاينت مـا حل بها من المصيبات .. ) ( ۱ ) .
ولسان حاله يقول :
لا تطلبوا قبر الحسين بشرق أرض أو بغرب
فـــدعوا الجـميـع وعرجوا فمشهده بقلبي
نعم ، إنه البكاء الهادف ، والنّشيج المدوي ، والدموع الناطقة ، رسالة صامتة ، شديدة اللهجة ، صارخة الاحتجاج ، محبوكة المتن ، متينة السند ، إنه بكاء أفقه أهل زمانه ، وأعلمهم وأورعهم وأتقاهم ،
إنه حفيد النبي ﷺ ، وابن سبطه المفجوع بقتله ، الشاهد على ذمه ، حامل رسالته ، ومبلغ أمانته ، ووريثه والداعي إلى حقه ..
إنه بكاء الإمام السجاد علي زين العابدين ابن الإمام الحسين ابن الإمام علي ابن أبي طالب عليهم جميعا سلام الله . " انتهى النقل
دمتم برعاية الله
كتبته : وهج الإيمان