صدى المهدي
26-07-2022, 08:56 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل صحيح ما يقال إنَّ الحرَّ الرياحي دُفن بعيدًا عن الحائر الحسيني بسبب ترويعه لبنات الرسالة؟
الجواب:
لا ينبغي التفوُّه بمثل هذا الكلام فإنَه قد يُعدُّ من التنقُّص بهذا الشهيد المبرور، فهو من سادة الشهداء كما في الحديث المرويِّ عن النبيِّ الكريم (ص) قال: ".. تنصرُه -الحسين (ع)- عصابةٌ من المسلمين أولئك مِن سادة شهداءِ أمَّتي يومَ القيامة"([1]).
الحرُّ من سادة الشهداء وقتلى النبيِّين:
وقد رُوي عن الإمام الباقر (ع) قال: "كان الحسين بن عليٍّ (https://ahbabhusain.net/vb/images/smilies/s.gif) يضعُ قتلاه بعضَهم على بعض، ثم يقول: قتلانا قتلى النبيِّين وآل النبيِّين"([2]).
فهو (رحمه الله) من قتلى النبيِّين وآل النبيِّين، وأيُّ شرفٍ أحظى مِن هذا الشرف، وورد في الأثر عن ميثم التمار قال: "إنَّ الحسين بن علي (ع) سيدُ الشهداء يوم القيامة ولأصحابِه على سائر الشهداء درجة .."([3]). فهو بمقتضى هذه الرواية ممَّن يفوقُ سائر شهداء الإسلام -إلى يوم القيامة- درجة.
وقد أبَّنه الإمام الحسين (ع) -كما في اللهوف للسيد ابن طاووس- حين سقط شهيدًا وحمله أصحاب الحسين (ع) ووضعوه بين يديه وكان به رمَق فجعل الحسين (ع) يمسحُ التراب عن وجهه ويقول: أنتَ الحُرُّ كَما سَمَّتكَ أمُّكَ، حُرٌّ فِي الدُّنيا وحُرٌّ فِي الآخِرَةِ"([4]).
وقد ورد التسليم عليه في زيارة الشهداء المأثورة عن الناحية (ع): "السَّلامُ عَلَى الحُرِّ بنِ يَزيدَ الرِّياحِيِّ .."([5]) وكذلك ورد التسليم عليه في الزيارة الرجبيَّة المأثورة عن الإمام أبي عبد الله الصادق (ع) والتي قال (ع) في خاتمتها: "السلامُ عليكم أيُّها الربَّانيون، أنتم خيرةٌ اختاركم اللهُ لأبي عبد الله (https://ahbabhusain.net/vb/images/smilies/as.gif)، وأنتم خاصَّةٌ اختصَّكمُ الله، أشهدُ أنَّكم قُتلتم على الدعاء إلى الحقِّ، ونصرتُم ووفيتُم وبذلتُم مهجَكم مع ابن رسول الله صلَّى الله عليه وآله، وأنتم السعداء سعدتُم وفُزتُم بالدرجاتِ العُلى، فجزاكم اللهُ من أعوانٍ واخوان خيرَ ما جازى مَن صبَر مع رسول الله صلَّى الله عليه وآله، هنيئا لكم ما أعطيتُم وهنيئا لكم ما به حييتم، طافتْ عليكم مِن الله الرحمةُ، وبلغتُم بها شرفَ الآخرة"([6]).
وأمَّا لماذا صار قبرُه بعيدًا عن قبور سائر الشهداء الواقعة ضمن الحائر الحسيني الشريف؟
فجوابه:
أنَّ منشأ ذلك -بحسب ما أفاده بعض العلماء- هو أنَّ عشيرته هي مَن اختارت له هذا الموقع ودفنته فيه([7])، فلو صحَّ أنَّ قبر الحُرِّ ليس ضمن الحائر الحسيني الذي فيه مدفن سائر الشهداء وأنَّ قبره هو هذا القبر المعروف فإنَّ التوجيه الذي أفاده بعض العلماء يكون قريبًا، إذ لا مُبرِّر -يكون قابلًا للقبول- لدفنه بعيدًا عن سيِّد الشهداء (ع) وعن سائر الشهداء إلا اختيار ذلك من قِبَل بعض أفراد عشيرته ممَّن كانوا في المعسكر الأموي فأرادوا أنْ ينئوا به بعيدًا عن الإمام الحسين (ع) وأنصاره تزلُّفًا للسلطان الأموي وللتأكيد له على أنَّهم لم يكونوا يرتضون موقف الحُر، فهم لم يتركوه دون دفنٍ حميةً، ودفنوه بعيدًا إمَّا خوفًا من أنْ يُؤاخذُهم السلطان بفعله وموقفه أو لإيصال رسالة للسلطان أنَّهم لا يرتضون فعله وموقفه من الإمام الحسين (ع) ولو صحَّ ذلك فإنَّه لا يُقلِّل من شأنه وجلالة قدره ومقامِه الرفيع عند الله جلَّ وعلا.
هذا ويظهر ممَّا أفاده الشيخ الشهيد الأول (رحمه الله) -المتوفى سنة 786ه- في كتابه الدروس الشرعيَّة أنَّ قبر الحرِّ بن يزيد الرياحي المعروف فعلًا كان معروفًا في زمانه حيثُ أمر بزيارته بعد زيار الإمام الحسين (ع) والعباس بن علي (ع)([8]).
وعلَّق الشيخ عباس القمِّي (رحمه الله) في كتابه منتهى الآمال على ما أفاده الشهيد الأول بقوله: "وهذا الكلام ظاهرٌ بل صريحٌ في كون قبر الحرِّ بن يزيد معروفًا في عصر الشيخ الشهيد، وموصوفًا بصفة الاعتبار عنده، وهذا يكفينا في هذا المقام"([9]).
هذا ويتناقل العلماء خبرًا يصلح -لو صحَّ- شاهدًا على صحَّة نسبة القبر المعروف للحرِّ بن يزيد الرياحي رضوان الله عليه، فمثلًا ينقل الشيخ يوسف البحراني صاحب الحدائق في كتابه الكشكول عن كتاب الأنوار النعمانية للسيد نعمة الله الجزائري قال: "حدثني جماعة من الثقاة أنَّ الشاه إسماعيل -الصفوي- لمَّا ملك بغداد أتى إلى مشهد الحسين (عليه السّلام) وسمع من بعض الناس الطعن على الحرِّ أتى إلى قبره وأمر بنبشه فنبشوه، فرأوه نائمًا كهيئته لمَّا قُتل ورأى على رأسِه عصابة مشدودة، فأراد الشاه أخذ تلك العصابة لِمَا نُقل في كتب السير والتواريخ أنَّ تلك العصابة هي دسمال الحسين (عليه السّلام) شدّ بها رأس الحرِّ لمَّا أُصيب في تلك الواقعة ودُفن على تلك الهيئة، فلمَّا حلُّوا تلك العصابة جرى الدم من رأسِه حتى امتلأ منه القبر فلمَّا شدُّوا تلك العصابة انقطع الدم، فلمَّا حلّوها جرى الدم، وكلَّما أرادوا أنْ يُعالجوا قطع الدم بغير تلك العصابة لم يمكنهم فتبيَّن لهم حسن حاله، فأمر فبنيَ على قبرِه بناءٌ وعيَّن له خادمًا يخدم قبرَه"([10]).
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
[1]- الأمالي -الصدوق- ص177.
[2]- الغيبة -النعماني- ص 219.
[3]- الأمالي -الصدوق- ص 190، علل الشرائع- الصدوق- ج1 / ص228.
[4]- اللهوف -السيد ابن طاووس- ص62.
[5]- المزار -محمد جعفر المشهدي- ص493.
[6]- المزار -الشهيد الأول- ص154.
[7]- منتهى الآمال -الشيخ عباس القمي- ج1 / ص722، مقتل الحسين (ع) -المقرم- ص337.
[8]- لاحظ الدروس الشرعيَّة -الشهيد الأول- ج2 / ص11.
[9]- منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل (ع) -الشيخ عباس القمي- ج1 / 722-723.
[10]- الكشكول -المحقق البحراني- ج1 / ص269.
اللهمَّ صلِّ على محمد وآل محمد
المسألة:
سلام عليكم ورحمة الله وبركاته
هل صحيح ما يقال إنَّ الحرَّ الرياحي دُفن بعيدًا عن الحائر الحسيني بسبب ترويعه لبنات الرسالة؟
الجواب:
لا ينبغي التفوُّه بمثل هذا الكلام فإنَه قد يُعدُّ من التنقُّص بهذا الشهيد المبرور، فهو من سادة الشهداء كما في الحديث المرويِّ عن النبيِّ الكريم (ص) قال: ".. تنصرُه -الحسين (ع)- عصابةٌ من المسلمين أولئك مِن سادة شهداءِ أمَّتي يومَ القيامة"([1]).
الحرُّ من سادة الشهداء وقتلى النبيِّين:
وقد رُوي عن الإمام الباقر (ع) قال: "كان الحسين بن عليٍّ (https://ahbabhusain.net/vb/images/smilies/s.gif) يضعُ قتلاه بعضَهم على بعض، ثم يقول: قتلانا قتلى النبيِّين وآل النبيِّين"([2]).
فهو (رحمه الله) من قتلى النبيِّين وآل النبيِّين، وأيُّ شرفٍ أحظى مِن هذا الشرف، وورد في الأثر عن ميثم التمار قال: "إنَّ الحسين بن علي (ع) سيدُ الشهداء يوم القيامة ولأصحابِه على سائر الشهداء درجة .."([3]). فهو بمقتضى هذه الرواية ممَّن يفوقُ سائر شهداء الإسلام -إلى يوم القيامة- درجة.
وقد أبَّنه الإمام الحسين (ع) -كما في اللهوف للسيد ابن طاووس- حين سقط شهيدًا وحمله أصحاب الحسين (ع) ووضعوه بين يديه وكان به رمَق فجعل الحسين (ع) يمسحُ التراب عن وجهه ويقول: أنتَ الحُرُّ كَما سَمَّتكَ أمُّكَ، حُرٌّ فِي الدُّنيا وحُرٌّ فِي الآخِرَةِ"([4]).
وقد ورد التسليم عليه في زيارة الشهداء المأثورة عن الناحية (ع): "السَّلامُ عَلَى الحُرِّ بنِ يَزيدَ الرِّياحِيِّ .."([5]) وكذلك ورد التسليم عليه في الزيارة الرجبيَّة المأثورة عن الإمام أبي عبد الله الصادق (ع) والتي قال (ع) في خاتمتها: "السلامُ عليكم أيُّها الربَّانيون، أنتم خيرةٌ اختاركم اللهُ لأبي عبد الله (https://ahbabhusain.net/vb/images/smilies/as.gif)، وأنتم خاصَّةٌ اختصَّكمُ الله، أشهدُ أنَّكم قُتلتم على الدعاء إلى الحقِّ، ونصرتُم ووفيتُم وبذلتُم مهجَكم مع ابن رسول الله صلَّى الله عليه وآله، وأنتم السعداء سعدتُم وفُزتُم بالدرجاتِ العُلى، فجزاكم اللهُ من أعوانٍ واخوان خيرَ ما جازى مَن صبَر مع رسول الله صلَّى الله عليه وآله، هنيئا لكم ما أعطيتُم وهنيئا لكم ما به حييتم، طافتْ عليكم مِن الله الرحمةُ، وبلغتُم بها شرفَ الآخرة"([6]).
وأمَّا لماذا صار قبرُه بعيدًا عن قبور سائر الشهداء الواقعة ضمن الحائر الحسيني الشريف؟
فجوابه:
أنَّ منشأ ذلك -بحسب ما أفاده بعض العلماء- هو أنَّ عشيرته هي مَن اختارت له هذا الموقع ودفنته فيه([7])، فلو صحَّ أنَّ قبر الحُرِّ ليس ضمن الحائر الحسيني الذي فيه مدفن سائر الشهداء وأنَّ قبره هو هذا القبر المعروف فإنَّ التوجيه الذي أفاده بعض العلماء يكون قريبًا، إذ لا مُبرِّر -يكون قابلًا للقبول- لدفنه بعيدًا عن سيِّد الشهداء (ع) وعن سائر الشهداء إلا اختيار ذلك من قِبَل بعض أفراد عشيرته ممَّن كانوا في المعسكر الأموي فأرادوا أنْ ينئوا به بعيدًا عن الإمام الحسين (ع) وأنصاره تزلُّفًا للسلطان الأموي وللتأكيد له على أنَّهم لم يكونوا يرتضون موقف الحُر، فهم لم يتركوه دون دفنٍ حميةً، ودفنوه بعيدًا إمَّا خوفًا من أنْ يُؤاخذُهم السلطان بفعله وموقفه أو لإيصال رسالة للسلطان أنَّهم لا يرتضون فعله وموقفه من الإمام الحسين (ع) ولو صحَّ ذلك فإنَّه لا يُقلِّل من شأنه وجلالة قدره ومقامِه الرفيع عند الله جلَّ وعلا.
هذا ويظهر ممَّا أفاده الشيخ الشهيد الأول (رحمه الله) -المتوفى سنة 786ه- في كتابه الدروس الشرعيَّة أنَّ قبر الحرِّ بن يزيد الرياحي المعروف فعلًا كان معروفًا في زمانه حيثُ أمر بزيارته بعد زيار الإمام الحسين (ع) والعباس بن علي (ع)([8]).
وعلَّق الشيخ عباس القمِّي (رحمه الله) في كتابه منتهى الآمال على ما أفاده الشهيد الأول بقوله: "وهذا الكلام ظاهرٌ بل صريحٌ في كون قبر الحرِّ بن يزيد معروفًا في عصر الشيخ الشهيد، وموصوفًا بصفة الاعتبار عنده، وهذا يكفينا في هذا المقام"([9]).
هذا ويتناقل العلماء خبرًا يصلح -لو صحَّ- شاهدًا على صحَّة نسبة القبر المعروف للحرِّ بن يزيد الرياحي رضوان الله عليه، فمثلًا ينقل الشيخ يوسف البحراني صاحب الحدائق في كتابه الكشكول عن كتاب الأنوار النعمانية للسيد نعمة الله الجزائري قال: "حدثني جماعة من الثقاة أنَّ الشاه إسماعيل -الصفوي- لمَّا ملك بغداد أتى إلى مشهد الحسين (عليه السّلام) وسمع من بعض الناس الطعن على الحرِّ أتى إلى قبره وأمر بنبشه فنبشوه، فرأوه نائمًا كهيئته لمَّا قُتل ورأى على رأسِه عصابة مشدودة، فأراد الشاه أخذ تلك العصابة لِمَا نُقل في كتب السير والتواريخ أنَّ تلك العصابة هي دسمال الحسين (عليه السّلام) شدّ بها رأس الحرِّ لمَّا أُصيب في تلك الواقعة ودُفن على تلك الهيئة، فلمَّا حلُّوا تلك العصابة جرى الدم من رأسِه حتى امتلأ منه القبر فلمَّا شدُّوا تلك العصابة انقطع الدم، فلمَّا حلّوها جرى الدم، وكلَّما أرادوا أنْ يُعالجوا قطع الدم بغير تلك العصابة لم يمكنهم فتبيَّن لهم حسن حاله، فأمر فبنيَ على قبرِه بناءٌ وعيَّن له خادمًا يخدم قبرَه"([10]).
والحمد لله ربِّ العالمين
الشيخ محمد صنقور
[1]- الأمالي -الصدوق- ص177.
[2]- الغيبة -النعماني- ص 219.
[3]- الأمالي -الصدوق- ص 190، علل الشرائع- الصدوق- ج1 / ص228.
[4]- اللهوف -السيد ابن طاووس- ص62.
[5]- المزار -محمد جعفر المشهدي- ص493.
[6]- المزار -الشهيد الأول- ص154.
[7]- منتهى الآمال -الشيخ عباس القمي- ج1 / ص722، مقتل الحسين (ع) -المقرم- ص337.
[8]- لاحظ الدروس الشرعيَّة -الشهيد الأول- ج2 / ص11.
[9]- منتهى الآمال في تواريخ النبي والآل (ع) -الشيخ عباس القمي- ج1 / 722-723.
[10]- الكشكول -المحقق البحراني- ج1 / ص269.