صدى المهدي
31-10-2022, 08:35 AM
الصدفة.. تقود للقاء "المرجع الأعلى"
في زيارة تأجلت كثيرا، غادرنا العاصمة بغداد متجهين لمدينة النجف، وبعد رحلة استمرت لمدة ساعتين او اكثر بقليل وصلنا لتلك الارض الرملية التي يزدحم واديها بالقبور.. أخذني الفضول لدى وصولنا البوابة الخارجية لمرقد الإمام علي (ع)، إلى البحث عن شارع الرسول الذي يقطنه المرجع الاعلى السيد علي السيستاني، كوني سمعت بأنه يستقبل الناس يوميا، وقد تكون هذه الفرصة المناسبة لمقابلته.
انطلقنا بعدها في محيط مرقد وصي الرسول، حيث الأزقة الضيقة، نسأل هنا وهناك فاهتدينا لمكان الشارع، فدفعني الفضول مرة أخرى لتوثيق تلك اللحظة من خلال كاميرا الهاتف النقال، بعدها قطعت التصوير حينما شاهدت مجموعة من الناس يتجمهرون عند مدخل احد الازقة، اقتربنا منهم واذا بحاجز امني يقف عنده عدد من رجال الامن ، يطالبون المتجمهرين بالانتظام بصف واحد، اخرجت هاتفي مرة اخرى ومنحت الكاميرا الموافقة بتصوير مدخل الزقاق الضيق والحاجز الامني، مع ابتسامة واضحة وكلمات تعليق ترافق عملية التصوير تعرف بالمكان وطبيعته (الزقاق المؤدي لمنزل المرجع الاعلى).
أغلقت الهاتف وقبل الاستدارة للمغادرة، احسست بيدٍ تمتد على كتفي وبصوت خافت تحدث بأذني، (هل تستطيع حذف التصوير) اجبته باستغراب.. ما هو السبب.. فرد بأسلوب هادئ وصوت لا يسمع منه سوى الهمس.. يمنع التصوير هنا لأسباب أمنية.. وترك الباب مفتوحا للموافقة على حذف التصوير من عدمه، لكنه تحدث بعبارات أخجلتني بسبب الطريقة المهذبة، فوجدت نفسي أحذف التصوير ومن دون تردد.. في تلك الأثناء تمكن زميلي في هذه الرحلة من الحصول على فرصة لدخول منزل المرجع الأعلى وتجاوز مقلدي المرجع الذين كانوا ينتظرون دورهم منذ عدة ساعات، وهم خليط كبير من جنسيات مختلفة، حتى أن بعضهم كان يُظهر جوازات خليجية، لاعتقادهم بأن ذلك سيسهل تحقيق رغبتهم سريعا بلقاء السيد السيستاني، وبعد دقائق لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، نودي باسمي، فأدركت حينها أن هويتنا الصحفية تركت أثرها لدى مكتب المرجعية فاختار السماح لنا بالدخول واستثنائنا من هذا الطابور الطويل.
تجاوزنا الحاجز الأول واستقبلنا رجل دين بعمامة سوداء ووجه بشوش مع كلمات ترحيب.. (أهلا بالصحفيين وأهلا بالقادمين من بغداد) ثم صافحني وأخذ يسألني أين تعمل بأي فضائية وأين تسكن في بغداد، بعبارات لا تخلو من بساطة الحديث وعذوبة اللسان، فكانت إجابتي بوضوح ومختصرة، حينها قادنا لحاجز تفتيش ثان وثالث قبل الوصول لغرفة صغيرة شبيهة بالدكان تدعى (الأمانات) يقف في داخلها أحد عناصر الأمن، الذي طلب منا تسليم جميع حاجياتنا والبقاء بالملابس فقط، عاد رجل الدين المعمم صاحب الابتسامة لاصطحابنا مجددا، لكن هذه المرة مباشرة لبوابة منزل المرجع الأعلى، التي تمتاز بصغر حجمها قياسا بأبواب منازلنا الخارجية، دخلنا المنزل برفقة رجل الدين وبخطوات هادئة تترقب الخطوة المقبلة، عندها توقف رجل الدين ليعرفنا على رجل يرتدي العمامة السوداء وكمامة تغطي نصف وجهه، وبزي ديني تبدو عليه الأناقة، فهمس رجل الدين بأذنه بضع كلمات، ليلتفت باتجاهنا ويمد يده للمصافحة بحرارة، استقبلت يده وضممتها بقوة مع نظرة مباشرة للجزء الظاهر من وجهه، واذا بالرجل (محمد رضا السيستاني) الابن الأكبر للمرجع الأعلى، أدخلنا لوسط الدار بفسحة تحيط بها أربع غرف، وأشار علينا بالجلوس في المقدمة، وعلى أريكة منفصلة عن بقية الحضور.. كان هناك بالقرب من السيد محمد رضا شاب يرتدي البدلة الرسمية يستقبل الخارجين من إحدى الغرف ويضع بيدهم قطعة معدنية، حينها استذكرت حديثا لأحد الزملاء كان يزور المرجع الأعلى سابقا أخبرني ذات مرة بأن من يدخل للقاء السيد السيستاني من المواطنين حينما يخرج يضعون بيده هذه قطعة كتذكار للزيارة.
وبعد انتظار لعدة دقائق قد تكون عشر أو أقل بقليل، لأننا لا نستطيع تقدير الوقت بشكل مضبوط بسبب تجريدنا حتى من الساعات اليدوية، وعند الاكتفاء من شرب الماء والشاي الذي قدم لنا، وبطريقة ميزتنا عن بقية الحاضرين، اقترب السيد محمد رضا وأشار علينا بالدخول لإحدى الغرف، مع كلمة (السيد بانتظاركم)، في طريقة اثارت فضولي.. لان.. جميع من ينادونهم للدخول يذهب الشاب الذي يرتدي البدلة الرسمية أو أي شخص آخر، وليس نجل المرجع الأعلى كما فعلها معنا، توقفت لعدة ثواني بعدها أدركت أن مهمة الصحفي قد فعلت فعلتها، أصابتني الدهشة في البداية، لكنني دخلت مسرعا لتلك الغرفة، لأجد رجلا كبيرا في السن يجلس على أريكة في زاوية قريبة بعمامة سوداء وملامح هادئة ونظرات تدخل الطمأنينة للقلوب ولحية غلب فيها البياض على السواد، رفعت صوتي بالسلام وإذا بنبرة خفيفة ترد.. وعليكم السلام، لم أستطيع حينها الجلوس بسبب انشغالي بتلك النظرات.. حينها تدخل شخص كان يقف مع أربعة آخرين في الغرفة ذاتها، واختار لي مكانا للجلوس يبعد عن المرجع الاعلى متراً واحداً أو أقل.. فأصبحت قريبا جدا وبإمكاني سماع الصوت الهادئ الذي اتعبته مسؤولية حفظ حقوق الملايين حول العالم.. فكانت بداية حديثه.. (نرحب بأهل بغداد وندعو الله أن يحفظهم ويحفظ جميع العراقيين، ليكمل حديثه بعدة وصايا.. منها.. اثبتوا على الحق فانتم أهل علم وثقافة وحافظوا على دينكم كما فعلتم سابقا في أيام العثمانيين والانكليز، وبين كلمة وأخرى يدعو لتوحيد الكلمة لتجاوز الأخطار وكررها أكثر من مرة، من دون أن أعرف الغاية منها)، استمر حديث المرجع الأعلى معنا لنحو دقيقتين أغلبها كانت دعاء لحفظ العراق وأهله، ولم اجد الفرصة لطرح حتى سؤال واحد بسبب انشغالي بالنظر لوجهه واللغة العربية السليمة واللسان الفصيح الذي يتحدث به، ومع نهاية حديثه الذي ختمه بدعوة للعراق والعراقيين وضرورة توحيد مواقف، اقترب السيد محمد رضا، ففهمنا بان مدة الزيارة انتهت، عندها نهضت من مكاني وبادرت بتحية المرجع من نفس المسافة التي كنت جالسا فيها، ونظراتي لا تفارق نظرات المرجع الأعلى حتى وصلت باب الغرفة ليودعنا السيد محمد رضا بهدية وصفها بالبسيطة تذكرنا بالزيارة، وهي عبارة عن خاتم من الفضة الخالصة مع حجر در النجف.
خرجنا من منزل السيد علي السيستاني بينما كان العديد من الزائرين ينتظرون دورهم لكننا كسبنا فرصة اللقاء بالمرجع الأعلى منفردين وليس على شكل مجموعات كما سمعنا من الحاضرين، وهنا لابد من قول كلمة حق، فتعامل مكتب المرجع الاعلى وانشغال نجله الاكبر باستقبالنا وتوديعنا، عكست حقيقة ثابتة عن طريقة تعامل المرجعية مع الصحفيين ووسائل الاعلام، حتى من دون وجود تنسيق مسبق للقاء، وعلى الرغم من غياب التخطيط لهذا اللقاء الذي حصل بالصدفة، لكنني أدركت جيدا لماذا يقلد الملايين حول العالم رجلا يسكن بزقاق ضيق ومنزل بسيط، إنها الصفة التي زرعها الله في تلك الشيبة، فمن تواضع لله رفعه.
من موقع الائمة الاثنى عشر
في زيارة تأجلت كثيرا، غادرنا العاصمة بغداد متجهين لمدينة النجف، وبعد رحلة استمرت لمدة ساعتين او اكثر بقليل وصلنا لتلك الارض الرملية التي يزدحم واديها بالقبور.. أخذني الفضول لدى وصولنا البوابة الخارجية لمرقد الإمام علي (ع)، إلى البحث عن شارع الرسول الذي يقطنه المرجع الاعلى السيد علي السيستاني، كوني سمعت بأنه يستقبل الناس يوميا، وقد تكون هذه الفرصة المناسبة لمقابلته.
انطلقنا بعدها في محيط مرقد وصي الرسول، حيث الأزقة الضيقة، نسأل هنا وهناك فاهتدينا لمكان الشارع، فدفعني الفضول مرة أخرى لتوثيق تلك اللحظة من خلال كاميرا الهاتف النقال، بعدها قطعت التصوير حينما شاهدت مجموعة من الناس يتجمهرون عند مدخل احد الازقة، اقتربنا منهم واذا بحاجز امني يقف عنده عدد من رجال الامن ، يطالبون المتجمهرين بالانتظام بصف واحد، اخرجت هاتفي مرة اخرى ومنحت الكاميرا الموافقة بتصوير مدخل الزقاق الضيق والحاجز الامني، مع ابتسامة واضحة وكلمات تعليق ترافق عملية التصوير تعرف بالمكان وطبيعته (الزقاق المؤدي لمنزل المرجع الاعلى).
أغلقت الهاتف وقبل الاستدارة للمغادرة، احسست بيدٍ تمتد على كتفي وبصوت خافت تحدث بأذني، (هل تستطيع حذف التصوير) اجبته باستغراب.. ما هو السبب.. فرد بأسلوب هادئ وصوت لا يسمع منه سوى الهمس.. يمنع التصوير هنا لأسباب أمنية.. وترك الباب مفتوحا للموافقة على حذف التصوير من عدمه، لكنه تحدث بعبارات أخجلتني بسبب الطريقة المهذبة، فوجدت نفسي أحذف التصوير ومن دون تردد.. في تلك الأثناء تمكن زميلي في هذه الرحلة من الحصول على فرصة لدخول منزل المرجع الأعلى وتجاوز مقلدي المرجع الذين كانوا ينتظرون دورهم منذ عدة ساعات، وهم خليط كبير من جنسيات مختلفة، حتى أن بعضهم كان يُظهر جوازات خليجية، لاعتقادهم بأن ذلك سيسهل تحقيق رغبتهم سريعا بلقاء السيد السيستاني، وبعد دقائق لا تتجاوز أصابع اليد الواحدة، نودي باسمي، فأدركت حينها أن هويتنا الصحفية تركت أثرها لدى مكتب المرجعية فاختار السماح لنا بالدخول واستثنائنا من هذا الطابور الطويل.
تجاوزنا الحاجز الأول واستقبلنا رجل دين بعمامة سوداء ووجه بشوش مع كلمات ترحيب.. (أهلا بالصحفيين وأهلا بالقادمين من بغداد) ثم صافحني وأخذ يسألني أين تعمل بأي فضائية وأين تسكن في بغداد، بعبارات لا تخلو من بساطة الحديث وعذوبة اللسان، فكانت إجابتي بوضوح ومختصرة، حينها قادنا لحاجز تفتيش ثان وثالث قبل الوصول لغرفة صغيرة شبيهة بالدكان تدعى (الأمانات) يقف في داخلها أحد عناصر الأمن، الذي طلب منا تسليم جميع حاجياتنا والبقاء بالملابس فقط، عاد رجل الدين المعمم صاحب الابتسامة لاصطحابنا مجددا، لكن هذه المرة مباشرة لبوابة منزل المرجع الأعلى، التي تمتاز بصغر حجمها قياسا بأبواب منازلنا الخارجية، دخلنا المنزل برفقة رجل الدين وبخطوات هادئة تترقب الخطوة المقبلة، عندها توقف رجل الدين ليعرفنا على رجل يرتدي العمامة السوداء وكمامة تغطي نصف وجهه، وبزي ديني تبدو عليه الأناقة، فهمس رجل الدين بأذنه بضع كلمات، ليلتفت باتجاهنا ويمد يده للمصافحة بحرارة، استقبلت يده وضممتها بقوة مع نظرة مباشرة للجزء الظاهر من وجهه، واذا بالرجل (محمد رضا السيستاني) الابن الأكبر للمرجع الأعلى، أدخلنا لوسط الدار بفسحة تحيط بها أربع غرف، وأشار علينا بالجلوس في المقدمة، وعلى أريكة منفصلة عن بقية الحضور.. كان هناك بالقرب من السيد محمد رضا شاب يرتدي البدلة الرسمية يستقبل الخارجين من إحدى الغرف ويضع بيدهم قطعة معدنية، حينها استذكرت حديثا لأحد الزملاء كان يزور المرجع الأعلى سابقا أخبرني ذات مرة بأن من يدخل للقاء السيد السيستاني من المواطنين حينما يخرج يضعون بيده هذه قطعة كتذكار للزيارة.
وبعد انتظار لعدة دقائق قد تكون عشر أو أقل بقليل، لأننا لا نستطيع تقدير الوقت بشكل مضبوط بسبب تجريدنا حتى من الساعات اليدوية، وعند الاكتفاء من شرب الماء والشاي الذي قدم لنا، وبطريقة ميزتنا عن بقية الحاضرين، اقترب السيد محمد رضا وأشار علينا بالدخول لإحدى الغرف، مع كلمة (السيد بانتظاركم)، في طريقة اثارت فضولي.. لان.. جميع من ينادونهم للدخول يذهب الشاب الذي يرتدي البدلة الرسمية أو أي شخص آخر، وليس نجل المرجع الأعلى كما فعلها معنا، توقفت لعدة ثواني بعدها أدركت أن مهمة الصحفي قد فعلت فعلتها، أصابتني الدهشة في البداية، لكنني دخلت مسرعا لتلك الغرفة، لأجد رجلا كبيرا في السن يجلس على أريكة في زاوية قريبة بعمامة سوداء وملامح هادئة ونظرات تدخل الطمأنينة للقلوب ولحية غلب فيها البياض على السواد، رفعت صوتي بالسلام وإذا بنبرة خفيفة ترد.. وعليكم السلام، لم أستطيع حينها الجلوس بسبب انشغالي بتلك النظرات.. حينها تدخل شخص كان يقف مع أربعة آخرين في الغرفة ذاتها، واختار لي مكانا للجلوس يبعد عن المرجع الاعلى متراً واحداً أو أقل.. فأصبحت قريبا جدا وبإمكاني سماع الصوت الهادئ الذي اتعبته مسؤولية حفظ حقوق الملايين حول العالم.. فكانت بداية حديثه.. (نرحب بأهل بغداد وندعو الله أن يحفظهم ويحفظ جميع العراقيين، ليكمل حديثه بعدة وصايا.. منها.. اثبتوا على الحق فانتم أهل علم وثقافة وحافظوا على دينكم كما فعلتم سابقا في أيام العثمانيين والانكليز، وبين كلمة وأخرى يدعو لتوحيد الكلمة لتجاوز الأخطار وكررها أكثر من مرة، من دون أن أعرف الغاية منها)، استمر حديث المرجع الأعلى معنا لنحو دقيقتين أغلبها كانت دعاء لحفظ العراق وأهله، ولم اجد الفرصة لطرح حتى سؤال واحد بسبب انشغالي بالنظر لوجهه واللغة العربية السليمة واللسان الفصيح الذي يتحدث به، ومع نهاية حديثه الذي ختمه بدعوة للعراق والعراقيين وضرورة توحيد مواقف، اقترب السيد محمد رضا، ففهمنا بان مدة الزيارة انتهت، عندها نهضت من مكاني وبادرت بتحية المرجع من نفس المسافة التي كنت جالسا فيها، ونظراتي لا تفارق نظرات المرجع الأعلى حتى وصلت باب الغرفة ليودعنا السيد محمد رضا بهدية وصفها بالبسيطة تذكرنا بالزيارة، وهي عبارة عن خاتم من الفضة الخالصة مع حجر در النجف.
خرجنا من منزل السيد علي السيستاني بينما كان العديد من الزائرين ينتظرون دورهم لكننا كسبنا فرصة اللقاء بالمرجع الأعلى منفردين وليس على شكل مجموعات كما سمعنا من الحاضرين، وهنا لابد من قول كلمة حق، فتعامل مكتب المرجع الاعلى وانشغال نجله الاكبر باستقبالنا وتوديعنا، عكست حقيقة ثابتة عن طريقة تعامل المرجعية مع الصحفيين ووسائل الاعلام، حتى من دون وجود تنسيق مسبق للقاء، وعلى الرغم من غياب التخطيط لهذا اللقاء الذي حصل بالصدفة، لكنني أدركت جيدا لماذا يقلد الملايين حول العالم رجلا يسكن بزقاق ضيق ومنزل بسيط، إنها الصفة التي زرعها الله في تلك الشيبة، فمن تواضع لله رفعه.
من موقع الائمة الاثنى عشر