صدى المهدي
27-05-2023, 08:03 AM
الحادي عشر من ذي القعدة ولادة قرة أعين المؤمنين وغيظ الملحدين الإمام علي بن موسى الرضا عليهما السلام
http://www.alshirazi.net/monasabat/monasabat/99a.jpghttps://shiaali.net/vb/data:image/gif;base64,R0lGODlhAQABAPABAP///wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
بسم الله الرحمن الرحيم
وقع الخلاف في تاريخ ولادته والأشهر أنه عليه السلام ولد في الحادي عشر من شهر ذي القعدة سنة 148 للهجرة في المدينة المنورة وقيل في الحادي عشر من شهر ذي الحجة سنة 158 للهجرة بعد وفاة الإمام الصادق عليه السلام بخمس سنين، وعلى الرواية الأولى المشهورة تكون ولادته بعد وفاة الإمام الصادق عليه السلام بأيام قليلة.
بشارة الإمام الصادق بولادة الإمام الرضا عليهما السلام:
كان الصادق عليه السلام يتمنى رؤيته كما روي عن الإمام موسى الكاظم عليه السلام أنه قال: (...سمعت أبي جعفر بن محمد عليه السلام غير مرة يقول لي: أن عالم آل محمد لفي صلبك وليتني أدركته فإنه سمّي أمير المؤمنين عليّ عليه السلام).
وروى الشيخ الصدوق عن يزيد بن سليط أنه قال: لقينا أبا عبد الله عليه السلام في طريق مكة ونحن جماعة فقلت له: بأبي أنت وأمي أنتم الأئمة المطهرون والموت لا يعري منه أحداً، فأحدث إلي شيئاً ألقيه إلى من يخلفني.
فقال: نعم هؤلاء ولدي وهذا سيدهم ـ وأشار إلى ابنه موسى عليه السلام ـ وفيه علم الحكم، والفهم، والسخاء، والمعرفة بما يحتاج الناس إليه فيما أختلفوا فيه من أمر دينهم، وفيه حسن الخلق وحسن الجوار، وهو باب من أبواب الله عز وجل وفيه أخرى هي خيرٌ من هذا كله، فقال له أبي: وما هي بأبي أنت وأمي؟
قال: يخرج الله منه غوث هذه الأمة وغياثها وعلمها ونورها وفهمها وحكمها، خير مولود وخير ناشئ، يحقن الله به الدماء، ويصلح به ذات البين، ويلمّ به الشعث، ويشعب به الصدع، ويكسو به العاري، ويشبع به الجائع، ويؤمن به الخائف، وينزل به القطر، ويأتمر له العباد، خير كهل، وخير ناشئ، يبشر به عشيرته قبل أوان حمله، وقوله حكم، وصمته علم، يبين للناس ما يختلفون فيه...
جارية من المغرب وتنبؤ أهل الكتاب:
وروى أيضاً بسند معتبر عن هشام أنه قال: قال أبو الحسن الأول عليه السلام هل علمت أحداً من أهل المغرب قدم؟ قلت: لا، فقال: بلى قد أتى رجل فانطلق بنا إليه، فركب وركبنا معه حتى إنتهينا إلى الرجل فإذا رجل من أهل المغرب معه رقيق، فقال له: أعرض علينا، فعرض علينا تسع جوارٍ كلّ ذلك يقول أبو الحسن عليه السلام: لا حاجة لي فيها.
ثم قال له: أعرض علينا، قال: لا والله ما عندي ألا جارية مريضة، فقال له: ما عليك أن تعرضها؟فأبى عليه، ثم انصرف عليه السلام ثم إنه أرسلني من الغد إليه، فقال لي: قل له: كم غايتك فيها؟فإذا قال: كذا وكذا، فقل: قد أخذتها.
فأتيته فقال: ما أريد أن أنقصها من كذا وكذا، قلت قد أخذتها وهو لك، فقال: هي لك، ولكن من الرجل الذي كان معك بالأمس؟ فقلت: رجل من بني هاشم، فقال: من أي بني هاشم؟ قلت: من نقبائهم، فقال: أريد أكثر منه، فقلت: ما عندي أكثر من هذا، فقال: أخبرك عن هذه الوصيفة: انّي اشتريتها من أقصى بلاد المغرب،فلقيتني إمرأة من أهل الكتاب ، فقالت: ما هذه الوصيفة معك؟ فقلت: اشتريتها لنفسي.
فقالت: ما ينبغي أن تكون هذه الوصيفة عند مثلك، انّ هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض، فلا تلبث عنده إلّا قليلاً حتى تلد منه غلاماً يدين له شرقا الأرض وغربها.
أبي وجدي:
قال: فأتيته بها فلم تلبث عنده إلّا قليلاً حتى ولدت له علياً عليه السلام.
روى الدر النظيم عن إثبات الوصية عن أبي هارون عليه السلام أنه قال: لمّا ابتاعها (أي تكتم) جمع قوماً من أصحابه ثم قال: والله ما اشتريت هذه الأمة الّا بأمر الله ووحيه، فسُئل عن ذلك، فقال: بينما أنا نائم إذ أتاني جدّي وأبي ومعهما شقّة حرير فنشرها، فإذا قميص وفيه صورة هذه الجارية.
فقال: يا موسى ليكوننّ من هذه الجارية خير أهل الأرض بعدك، ثم أمراني إذا ولدته أن أسميه علياً وقالا لي: إن الله تعالى يظهر به العدل والرأفة طوبى لمن صدَّقه وويل لمن عاداه وجحده وعانده.
إرهاصات الاختيار:
أمه الشريفة الطاهرة أم ولد لها أسماء منها: تُكتم ونجمة وأروى وسكن وسمانة وأم البنين وقيل أيضاً خيزران وصقر وشقراء.
وروى ابن بابويه بسند معتبر عن علي بن ميثم انه قال: اشترت حميدة المصفاة – وهي أم أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام – وكانت من أشراف العجم، جارية مولدة واسمها تكتم وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها حميدة المصفاة حتى انها ما جلست بين يديها منذ ملكتها إجلالاً لها.
فقالت لابنها موسى عليه السلام: يا بني ان تكتم جارية ما رأيت جارية قط أفضل منها ولست أشك ان الله تعالى سيطهر نسلها إن كان لها نسل وقد وهبتها لك فأستوص بها خيراً.
فلما ولدت له الرضا عليه السلام سماها الطاهرة، قال: وكان الرضا عليه السلام يرتضع كثيراً وكان تامّ الخلق، فقالت أعينوني بمرضعة، فقيل أنقص الدّر؟فقالت: لا أكذب، والله ما نقص ولكن عليّ ورد صلاتي وتسبيحي وقد نقص منذ وَلدت.
الرؤيا الصادقة وبشارة الولادة:
وروى أيضاً بسند معتبر أنّه: لما اشترت حميدة ـ أم موسى بن جعفر عليه السلام ـ أم الرضا نجمة ذكرت حميدة أنها رأت في المنام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لها: يا حميدة هبي نجمة لابنك موسى فإنه سيولد به منها خير أهل الأرض، فوهبتها له...وكانت نجمة بكراً لما اشترتها حميدة.
http://www.alshirazi.net/monasabat/monasabat/99b.jpghttps://shiaali.net/vb/data:image/gif;base64,R0lGODlhAQABAPABAP///wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
بقية الله وإرهاصات الولادة:
روى الصدوق بسند معتبر عن نجمة أم الرضا عليه السلام انها قالت: لمّا حملت بإبني عليّ لم أشعر بثقل الحمل وكنت أسمع في منامي تسبيحاً وتهليلاً وتمجيداً من بطني فيفزعني ذلك ويهولني، فإذا انتبهت لم أسمع شيئاً.
فلما وضعته وقع على الأرض واضعاً يديه على الأرض رافعاً رأسه الى السماء يحرك شفتيه كأنّه يتكلّم، فدخل إليّ أبوه موسى بن جعفر عليه السلام فقال لي: هنيئاً لك يا نجمة كرامة ربك فناولته إياه في خرقةٍ بيضاء فأذن في إذنه اليمنى وأقام في اليسرى، ودعى بماء الفرات فحنّكه به ثم رده إليّ، وقال: خذيه فإنه بقية الله تعالى في أرضه.
وروى ابن بابويه بسند معتبر عن محمد بن زياد أنه قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام يقول ـ لما ولد الرضا عليه السلام ـ إن إبني هذا ولد مختوناً طاهراً مطهراً وليس من الأئمة أحدٌ يولد إلا مختوناً طاهراً مطهراً، ولكن سنمر الموسى عليه لإصابة السنّة وإتباع الحنيفية.
وكان نقش خاتمه عليه السلام: (ما شاء الله ولا قوة إلا بالله) وعلى رواية: (حسبي الله).
الأسماء الشريفة:
قال العلامة المجلسي رحمه الله في جلاء العيون عند ذكر أحوال الإمام الرضا عليه السلام: اسمه الوفي وقرة أعين المؤمنين وغيظ الملحدين.
وروى ابن بابويه بسند حسنٍ عن البزنطي انه قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي بن موسى عليهم السلام: إن قوماً من مخالفيكم يزعمون أن أباك عليه السلام إنما سماه المأمون (الرضا) لما رضيه لولاية عهده، فقال عليه السلام: كذبوا والله وفجروا، بل الله تبارك وتعالى سماه الرضا لأنه كان رضياً لله تعالى في سمائه ورضياً لرسوله والأئمة من بعده صلوات الله عليهم في أرضه.
قال: قلت له: ألم يكن كلّ واحد من آبائك الماضين عليهم السلام رضياً لله تعالى ولرسوله والأئمة عليهم السلام؟ فقال: بلى، فقلت: فلم سمي أبوك عليه السلام من بينهم الرضا؟ قال: لأنه رضي به المخالفون من أعدائه كما رضي به الموافقون من أوليائه ولم يكن ذلك لأحدٍ من آبائه عليهم السلام فلذلك سمي من بينهم الرضا عليه السلام.
وروى أيضاً عن سليمان بن حفص بسند معتبر أنه قال: كان موسى بن جعفر عليهما السلام يسمي ولده علياً (الرضا) وكان يقول: ادعوا لي ولدي الرضا، وقال لي ولدي الرضا، وإذا خاطبه قال أبا الحسن.
مناقب ومكارم وأخلاق ثامن الأئمة:
لا يخفى أن فضائل ومناقب الإمام أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام لكثرها وتوافرها خرجت عن حد الإحصاء وفي الحقيقة إنّ إحصاء فضائله مستحيل كإحصاء النجوم، ولقد أجاد أبو نؤاس في قوله عند هارون كما في المناقب، أو عند المأمون كما في سائر الكتب حيث قال:
قيل لي إنّ أوحد الناس طُراً في علوم الورى وشعر البديه
لك من جوهر الكلام نظام يُثمِر الدرّ من يدي مجتنيه
فعلى ما تركت مدح بن موسى والخصال التي تجمّعن فيه
قلت لا أستطيع مدح إمام كان جبريل خادماً لأبيه
ولكن من أجل التبرك والتيمّن نذكر نبذة من فضائله والتي هي بالقياس إلى سائر فضائله كالقطرة من البحر.
الأولى: في كثرة علمه: روى الشيخ الطبرسي عن أبي الصلت الهروي أنه قال: ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضا عليه السلام ولا رآه عالم إلا شهد له بمثل شهادتي، ولقد جمع المأمون في مجالس له ذوات عدد، علماء الأديان وفقهاء الشريعة والمتكلّمين، فغلبهم عن آخرهم حتى ما بقى أحدٌ منهم إلا أقر له بالفضل وأقر على نفسه بالقصور، ولقد سمعت عليّ بن موسى الرضا عليه السلام يقول:
«كنت أجلس في الروضة والعلماء بالمدينة متوافرون فإذا أعيا الواحد منهم عن مسألة أشاروا إليَّ بأجمعهم وبعثوا إليَّ بالمسائل فأجيب عنها»
عالم آل محمد:
قال أبو الصلت: ولقد حدثني محمد بن إسحاق بن موسى بن جعفر عن أبيه موسى بن جعفر عليهما السلام أنه كان يقول لبنيه: هذا أخوكم عليّ بن موسى الرضا عالم آل محمد فاسألوه عن أديانكم واحفظوا ما يقول لكم فإني سمعت أبي جعفر بن محمد عليهما السلام غير مرة يقول لي: انّ عالم آل محمد في صلبك وليتني أدركته فإنّه سمّي أمير المؤمنين عليّ عليه السلام.
الثانية: روى الشيخ الصدوق عن إبراهيم بن العباس أنه قال:
ما رأيت أبا الحسن الرضا عليه السلام جفا أحداً بكلمة قط، وما رأيته قطع على أحدٍ كلامه حتى يفرغ منه، وما ردَّ أحداً عن حاجةٍ يقدر عليها ولا مد رجليه بين يدي جليس له قط، ولا اتكأـ بين يدي جليس له قط ولا رأيته شتم أحداً من مواليه ومماليكه قط، ولا رأيته تفل قط، ولا رأيته يقهقه في ضحكه قط بل ضحكته التبسم.
وكان إذا خلا ونصبت مائدته أجلس معه على مائدته مماليكه ومواليه حتى البواب والسائس، وكان عليه السلام قليل النوم بالليل، كثير السهر، يحيي أكثر لياليه من أولها الى الصبح، وكان كثير الصيام لا يفوته صيام ثلاث أيام في الشهر (وهي الخميس من أول كل شهر وآخره والأربعاء من وسط الشهر) ويقول ذلك صوم الدهر.
وكان عليه السلام كثير المعروف وصدقة السر وأكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة، فمن زعم أنّه رأى في فضله فلا تصدّقوه.
وروي عن محمد بن أبي عباد أنه قال: كان جلوس الرضا عليه السلام في الصيف على حصير وفي الشتاء على مسح، ولبسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزيّن لهم.
الثالثة: روى الشيخ الأجل أحمد بن محمد البرقي عن معمر بن خلّاد أنه قال:
كان أبو الحسن الرضا عليه السلام إذا أكل أتى بصحفه فتوضع قرب مائدته فيعمد الى أطيب الطعام مما يؤتى به فيأخذ من كل شيء شيئاً فيوضع في تلك الصحفة ثم يأمر بها للمساكين، ثم يتلو هذه الآية: (فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) البلد:11.
وحاصل الآيات الشريفة والآيات بعدها أن أصحاب الميمنة وأهل الجنة يدخلون في العقبة أي الأمر الصعب وهو مخالفة النفس وتلك العقبة في إعتاق رقبة أو إطعام في يوم ذي مسبغة إلى اليتيم القريب أو إعانة مسكين ذي مقربة، ثم يقول عليه السلام: علم الله تعالى أن ليس كل إنسان يقدر على عتق رقبة، فجعل لهم السبيل إلى الجنة بإطعام الطعام.
الرابعة: روى الشيخ الصدوق في عيون الأخبار عن الحاكم أبي عليّ البيهقي عن محمد بن يحيى الصولي أنه قال:
حدثتني جدتي أم أبي وأسمها(غدر) قالت: اشتريت مع عدّة جوار من الكوفة وكنت من مولّداتها، قالت: فحملنا إلى المأمون، فكنا في داره في جنّة من الأكل والشرب والطيب وكثرة الدنانير، فوهبني المأمون للرضا عليه السلام.
فلما صرت في داره فقدت جميع ما كنت فيه من النعيم وكانت علينا قيّمة تنبهنا من الليل وتأخذنا بالصلاة وكان ذلك من أشد ما علينا، فكنت أتمنا الخروج من داره إلى أن وهبني لجدك أبا عبد الله بن العباس، فلمّا صرت إلى منزله كنت كأني قد أدخلت الجنة.
قال الصولي: ما رأيت إمرأة قط أتمُ من جدتي هذه عقلاً ولا أسخى كفاً وتوفيت سنة سبعين ومائتين ولها نحو مائة سنة، وكانت تسأل عن أمر الرضا عليه السلام كثيراً فتقول: ما أذكرك منه شيئاً إلا إنني كنت أراه يتبخّر بالعود الهندي النيّ، ويستعمل بعده ماورد ومسكاً، وكان عليه السلام إذا صلّا الغداة يصلّيها في أول وقت ثم يسجد فلا يرفع رأسه حتى ترتفع الشمس، ثم يقوم فيجلس للناس أو يركب ولم يكن أحد يقدر أن يرفع صوته في داره كائناً من كان إنما كان يتكلم الناس قليلاً قليلاً.
وكان جدي عبد الله يتبرّك بجدتي هذه، فدبّرها يوم ولدت له: فدخل عليه خاله العباس بن الأحنف الحنفي الشاعر: فأعجبته فقال لجديّ: هب لي هذه الجارية، فقال: هي مدبّرة، فقال العباس بن الأحنف:
أيا غدر زيّن باسِمَك الغدرُ وأساء لم يحسن بك الدهر
لا يخفى أن العرب تسمي الجواري غالباً بإسم غدر وغادرة بمعنى عدم الوفاء، فيكون معنى البيت:
أيتها المسماة بالغدر وعدم الوفاء زيّنت عدم الوفاء والغدر ولقد أساء إليك الدهر لمّا سماكِ غدراً.
الخامسة: وروى بالسند السابق عن أبي ذكوان عن إبراهيم بن العباس أنه قال:
ما رأيت الرضا عليه السلام يسأل عن شيء قط إلّا علم، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان الأول إلى وقته وعصره وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شيء فيجيب فيه، وكان كلامه كلّه وجوابه وتمثله إنتزاعات من القرآن، وكان يختمه في كل ثلاثة ويقول: لو أردت أن أختمه في أقرب من ثلاثة لختمته ولكنّي ما مررت بآية قط إلّا فكّرت فيها، وفي أي شيء أنزلت وفي أي وقت، فلذلك صرت أختم في كل ثلاثة أيام.
السادسة: وروى الشيخ الكليني عن اليسع بن حمزة القمي أنه قال:
كنت أنا في مجلس أبي الحسن الرضا عليه السلام أحدثه وقد إجتمع إليه خلقٌ كثير يسألونه عن الحلال والحرام إذ دخل عليه رجلٌ طوال آدم(والآدم هو الأسمر) فقال له: السلام عليك يا ابن رسول الله رجل من محبيك ومحبّي آبائك وأجدادك عليهم السلام، مصدري من الحجّ وقد إفتقدت نفقتي وما معي ما أبلغ به مرحلةً فإن رأيت أن تنهضني الى بلدي ولله عليّ نعمة فإذا بلغت بلدي تصدّقت بالذي تولّيني عنك، فلست موضع صدقة.
فقال له عليه السلام: إجلس رحمك الله وأقبل على الناس يحدثهم حتى تفرّقوا وبقي هو وسليمان الجعفري وخيثمة وأنا، فقال: أتأذنون لي في الدخول؟ فقال له سليمان: قدّم الله أمرك، فقام فدخل الحجرة وبقي ساعة، ثم خرج وردّ الباب وأخرج يده من أعلى الباب، وقال: أين الخراساني؟ فقال: ها أنا ذا، فقال: خذ هذه المائتي ديناراً وأستعن بها في مؤنتك ونفقتك وتبرّك بها ولا تصدق بها عني وأخرج فلا أراك ولا تراني، ثم خرج.
فقال سليمان: جعلت فداك لقد أجزلت ورحمت: فلماذا سترت وجهك عنه؟ فقال: مخافة أن أرى ذلّ السؤال في وجهه لقضائي حاجته، أما سمعت حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (المستتر بالحسنة تعدل سبعين حجّة، والمذيع بالسيئة مخذول، والمستتر بها مغفور له)
أما سمعت قول الأول:
متى آته يوماً لأطلب حاجةً رجعت إلى أهلي ووجهي بمائه
السابعة: روى شهر بن آشوب عن موسى بن سيار أنه قال:
كنت مع الرضا عليه السلام وقد أشرف على حيطان طوس وسمعت واعية فاتبعتها فإذا نحن بجنازة، فلما بصرت بها رأيت سيدي وقد ثنى رجله عن فرسه ثم أقبل نحو الجنازة فرفعها، ثم أقبل يلوذ بها كما تلوذ السخلة بأمّها ثم أقبل عليّ وقال: يا موسى بن سيّار من شيّع جنازة وليّ من أوليائنا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه لا ذنب عليه، حتى إذا وضع الرجل على شفير قبره رأيت سيدي قد أقبل فأخرج الناس عن الجنازة، حتى بدا له الميت، فوضع يده على صدره.
ثم قال: يا فلان بن فلان أبشر بالجنة فلا خوف عليك بعد هذه الساعة، فقلت: جعلت فداك هل تعرف الرجل؟ فوالله إنّها بقعة لم تطأها قبل يومك هذا فقال لي: يا موسى بن سيّار، أما علمت أنّا معاشر الأئمة تعرض علينا أعمال شيعتنا صباحاً ومساءً؟ فما كان من التقصير في أعمالهم سألنا الله تعالى الصفح لصاحبه، وما كان من العلو سألنا الله الشكر لصاحبه.
التاسعة: روي عن ياسر الخادم أنه قال:
كان الرضا عليه السلام إذا خلا، جمع حشمه كلّهم عنده الصغير والكبير فيحدثهم ويأنس بهم ويؤنسهم، وكان عليه السلام إذا جلس الى المائدة لا يدع صغيراً ولا كبيراً حتى السائس والحجّام إلّا أقعده على مائدته.
قال ياسر: قال لنا أبو الحسن عليه السلام إن قمت على رؤوسكم وانتم تأكلون فلا تقوموا حتى تفرغوا، ولربما دعا بعضنا فيقال له: هم يأكلون فيقول: دعوهم حتى يفرغوا.
العاشرة: روى الشيخ الكليني عن رجل من أهل بلخ أنّه قال:
كنت مع الرضا عليه السلام في سفره إلى خراسان فدعا يوماً بمائدة له فجمع عليها مواليه من السودان وغيرهم، فقلت: جعلت فداك لو عزلت لهؤلاء مائدةً، فقال: مه إن الرب تبارك وتعالى واحد، والأم واحدة، والأب واحد، والجزاء بالأعمال.
والحمد لله رب العالمين.
موقع الشيرازي نت
http://www.alshirazi.net/monasabat/monasabat/99a.jpghttps://shiaali.net/vb/data:image/gif;base64,R0lGODlhAQABAPABAP///wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
بسم الله الرحمن الرحيم
وقع الخلاف في تاريخ ولادته والأشهر أنه عليه السلام ولد في الحادي عشر من شهر ذي القعدة سنة 148 للهجرة في المدينة المنورة وقيل في الحادي عشر من شهر ذي الحجة سنة 158 للهجرة بعد وفاة الإمام الصادق عليه السلام بخمس سنين، وعلى الرواية الأولى المشهورة تكون ولادته بعد وفاة الإمام الصادق عليه السلام بأيام قليلة.
بشارة الإمام الصادق بولادة الإمام الرضا عليهما السلام:
كان الصادق عليه السلام يتمنى رؤيته كما روي عن الإمام موسى الكاظم عليه السلام أنه قال: (...سمعت أبي جعفر بن محمد عليه السلام غير مرة يقول لي: أن عالم آل محمد لفي صلبك وليتني أدركته فإنه سمّي أمير المؤمنين عليّ عليه السلام).
وروى الشيخ الصدوق عن يزيد بن سليط أنه قال: لقينا أبا عبد الله عليه السلام في طريق مكة ونحن جماعة فقلت له: بأبي أنت وأمي أنتم الأئمة المطهرون والموت لا يعري منه أحداً، فأحدث إلي شيئاً ألقيه إلى من يخلفني.
فقال: نعم هؤلاء ولدي وهذا سيدهم ـ وأشار إلى ابنه موسى عليه السلام ـ وفيه علم الحكم، والفهم، والسخاء، والمعرفة بما يحتاج الناس إليه فيما أختلفوا فيه من أمر دينهم، وفيه حسن الخلق وحسن الجوار، وهو باب من أبواب الله عز وجل وفيه أخرى هي خيرٌ من هذا كله، فقال له أبي: وما هي بأبي أنت وأمي؟
قال: يخرج الله منه غوث هذه الأمة وغياثها وعلمها ونورها وفهمها وحكمها، خير مولود وخير ناشئ، يحقن الله به الدماء، ويصلح به ذات البين، ويلمّ به الشعث، ويشعب به الصدع، ويكسو به العاري، ويشبع به الجائع، ويؤمن به الخائف، وينزل به القطر، ويأتمر له العباد، خير كهل، وخير ناشئ، يبشر به عشيرته قبل أوان حمله، وقوله حكم، وصمته علم، يبين للناس ما يختلفون فيه...
جارية من المغرب وتنبؤ أهل الكتاب:
وروى أيضاً بسند معتبر عن هشام أنه قال: قال أبو الحسن الأول عليه السلام هل علمت أحداً من أهل المغرب قدم؟ قلت: لا، فقال: بلى قد أتى رجل فانطلق بنا إليه، فركب وركبنا معه حتى إنتهينا إلى الرجل فإذا رجل من أهل المغرب معه رقيق، فقال له: أعرض علينا، فعرض علينا تسع جوارٍ كلّ ذلك يقول أبو الحسن عليه السلام: لا حاجة لي فيها.
ثم قال له: أعرض علينا، قال: لا والله ما عندي ألا جارية مريضة، فقال له: ما عليك أن تعرضها؟فأبى عليه، ثم انصرف عليه السلام ثم إنه أرسلني من الغد إليه، فقال لي: قل له: كم غايتك فيها؟فإذا قال: كذا وكذا، فقل: قد أخذتها.
فأتيته فقال: ما أريد أن أنقصها من كذا وكذا، قلت قد أخذتها وهو لك، فقال: هي لك، ولكن من الرجل الذي كان معك بالأمس؟ فقلت: رجل من بني هاشم، فقال: من أي بني هاشم؟ قلت: من نقبائهم، فقال: أريد أكثر منه، فقلت: ما عندي أكثر من هذا، فقال: أخبرك عن هذه الوصيفة: انّي اشتريتها من أقصى بلاد المغرب،فلقيتني إمرأة من أهل الكتاب ، فقالت: ما هذه الوصيفة معك؟ فقلت: اشتريتها لنفسي.
فقالت: ما ينبغي أن تكون هذه الوصيفة عند مثلك، انّ هذه الجارية ينبغي أن تكون عند خير أهل الأرض، فلا تلبث عنده إلّا قليلاً حتى تلد منه غلاماً يدين له شرقا الأرض وغربها.
أبي وجدي:
قال: فأتيته بها فلم تلبث عنده إلّا قليلاً حتى ولدت له علياً عليه السلام.
روى الدر النظيم عن إثبات الوصية عن أبي هارون عليه السلام أنه قال: لمّا ابتاعها (أي تكتم) جمع قوماً من أصحابه ثم قال: والله ما اشتريت هذه الأمة الّا بأمر الله ووحيه، فسُئل عن ذلك، فقال: بينما أنا نائم إذ أتاني جدّي وأبي ومعهما شقّة حرير فنشرها، فإذا قميص وفيه صورة هذه الجارية.
فقال: يا موسى ليكوننّ من هذه الجارية خير أهل الأرض بعدك، ثم أمراني إذا ولدته أن أسميه علياً وقالا لي: إن الله تعالى يظهر به العدل والرأفة طوبى لمن صدَّقه وويل لمن عاداه وجحده وعانده.
إرهاصات الاختيار:
أمه الشريفة الطاهرة أم ولد لها أسماء منها: تُكتم ونجمة وأروى وسكن وسمانة وأم البنين وقيل أيضاً خيزران وصقر وشقراء.
وروى ابن بابويه بسند معتبر عن علي بن ميثم انه قال: اشترت حميدة المصفاة – وهي أم أبي الحسن موسى بن جعفر عليه السلام – وكانت من أشراف العجم، جارية مولدة واسمها تكتم وكانت من أفضل النساء في عقلها ودينها وإعظامها لمولاتها حميدة المصفاة حتى انها ما جلست بين يديها منذ ملكتها إجلالاً لها.
فقالت لابنها موسى عليه السلام: يا بني ان تكتم جارية ما رأيت جارية قط أفضل منها ولست أشك ان الله تعالى سيطهر نسلها إن كان لها نسل وقد وهبتها لك فأستوص بها خيراً.
فلما ولدت له الرضا عليه السلام سماها الطاهرة، قال: وكان الرضا عليه السلام يرتضع كثيراً وكان تامّ الخلق، فقالت أعينوني بمرضعة، فقيل أنقص الدّر؟فقالت: لا أكذب، والله ما نقص ولكن عليّ ورد صلاتي وتسبيحي وقد نقص منذ وَلدت.
الرؤيا الصادقة وبشارة الولادة:
وروى أيضاً بسند معتبر أنّه: لما اشترت حميدة ـ أم موسى بن جعفر عليه السلام ـ أم الرضا نجمة ذكرت حميدة أنها رأت في المنام رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول لها: يا حميدة هبي نجمة لابنك موسى فإنه سيولد به منها خير أهل الأرض، فوهبتها له...وكانت نجمة بكراً لما اشترتها حميدة.
http://www.alshirazi.net/monasabat/monasabat/99b.jpghttps://shiaali.net/vb/data:image/gif;base64,R0lGODlhAQABAPABAP///wAAACH5BAEKAAAALAAAAAABAAEAAAICRAEAOw==
بقية الله وإرهاصات الولادة:
روى الصدوق بسند معتبر عن نجمة أم الرضا عليه السلام انها قالت: لمّا حملت بإبني عليّ لم أشعر بثقل الحمل وكنت أسمع في منامي تسبيحاً وتهليلاً وتمجيداً من بطني فيفزعني ذلك ويهولني، فإذا انتبهت لم أسمع شيئاً.
فلما وضعته وقع على الأرض واضعاً يديه على الأرض رافعاً رأسه الى السماء يحرك شفتيه كأنّه يتكلّم، فدخل إليّ أبوه موسى بن جعفر عليه السلام فقال لي: هنيئاً لك يا نجمة كرامة ربك فناولته إياه في خرقةٍ بيضاء فأذن في إذنه اليمنى وأقام في اليسرى، ودعى بماء الفرات فحنّكه به ثم رده إليّ، وقال: خذيه فإنه بقية الله تعالى في أرضه.
وروى ابن بابويه بسند معتبر عن محمد بن زياد أنه قال: سمعت أبا الحسن موسى بن جعفر عليه السلام يقول ـ لما ولد الرضا عليه السلام ـ إن إبني هذا ولد مختوناً طاهراً مطهراً وليس من الأئمة أحدٌ يولد إلا مختوناً طاهراً مطهراً، ولكن سنمر الموسى عليه لإصابة السنّة وإتباع الحنيفية.
وكان نقش خاتمه عليه السلام: (ما شاء الله ولا قوة إلا بالله) وعلى رواية: (حسبي الله).
الأسماء الشريفة:
قال العلامة المجلسي رحمه الله في جلاء العيون عند ذكر أحوال الإمام الرضا عليه السلام: اسمه الوفي وقرة أعين المؤمنين وغيظ الملحدين.
وروى ابن بابويه بسند حسنٍ عن البزنطي انه قال: قلت لأبي جعفر محمد بن علي بن موسى عليهم السلام: إن قوماً من مخالفيكم يزعمون أن أباك عليه السلام إنما سماه المأمون (الرضا) لما رضيه لولاية عهده، فقال عليه السلام: كذبوا والله وفجروا، بل الله تبارك وتعالى سماه الرضا لأنه كان رضياً لله تعالى في سمائه ورضياً لرسوله والأئمة من بعده صلوات الله عليهم في أرضه.
قال: قلت له: ألم يكن كلّ واحد من آبائك الماضين عليهم السلام رضياً لله تعالى ولرسوله والأئمة عليهم السلام؟ فقال: بلى، فقلت: فلم سمي أبوك عليه السلام من بينهم الرضا؟ قال: لأنه رضي به المخالفون من أعدائه كما رضي به الموافقون من أوليائه ولم يكن ذلك لأحدٍ من آبائه عليهم السلام فلذلك سمي من بينهم الرضا عليه السلام.
وروى أيضاً عن سليمان بن حفص بسند معتبر أنه قال: كان موسى بن جعفر عليهما السلام يسمي ولده علياً (الرضا) وكان يقول: ادعوا لي ولدي الرضا، وقال لي ولدي الرضا، وإذا خاطبه قال أبا الحسن.
مناقب ومكارم وأخلاق ثامن الأئمة:
لا يخفى أن فضائل ومناقب الإمام أبي الحسن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام لكثرها وتوافرها خرجت عن حد الإحصاء وفي الحقيقة إنّ إحصاء فضائله مستحيل كإحصاء النجوم، ولقد أجاد أبو نؤاس في قوله عند هارون كما في المناقب، أو عند المأمون كما في سائر الكتب حيث قال:
قيل لي إنّ أوحد الناس طُراً في علوم الورى وشعر البديه
لك من جوهر الكلام نظام يُثمِر الدرّ من يدي مجتنيه
فعلى ما تركت مدح بن موسى والخصال التي تجمّعن فيه
قلت لا أستطيع مدح إمام كان جبريل خادماً لأبيه
ولكن من أجل التبرك والتيمّن نذكر نبذة من فضائله والتي هي بالقياس إلى سائر فضائله كالقطرة من البحر.
الأولى: في كثرة علمه: روى الشيخ الطبرسي عن أبي الصلت الهروي أنه قال: ما رأيت أعلم من علي بن موسى الرضا عليه السلام ولا رآه عالم إلا شهد له بمثل شهادتي، ولقد جمع المأمون في مجالس له ذوات عدد، علماء الأديان وفقهاء الشريعة والمتكلّمين، فغلبهم عن آخرهم حتى ما بقى أحدٌ منهم إلا أقر له بالفضل وأقر على نفسه بالقصور، ولقد سمعت عليّ بن موسى الرضا عليه السلام يقول:
«كنت أجلس في الروضة والعلماء بالمدينة متوافرون فإذا أعيا الواحد منهم عن مسألة أشاروا إليَّ بأجمعهم وبعثوا إليَّ بالمسائل فأجيب عنها»
عالم آل محمد:
قال أبو الصلت: ولقد حدثني محمد بن إسحاق بن موسى بن جعفر عن أبيه موسى بن جعفر عليهما السلام أنه كان يقول لبنيه: هذا أخوكم عليّ بن موسى الرضا عالم آل محمد فاسألوه عن أديانكم واحفظوا ما يقول لكم فإني سمعت أبي جعفر بن محمد عليهما السلام غير مرة يقول لي: انّ عالم آل محمد في صلبك وليتني أدركته فإنّه سمّي أمير المؤمنين عليّ عليه السلام.
الثانية: روى الشيخ الصدوق عن إبراهيم بن العباس أنه قال:
ما رأيت أبا الحسن الرضا عليه السلام جفا أحداً بكلمة قط، وما رأيته قطع على أحدٍ كلامه حتى يفرغ منه، وما ردَّ أحداً عن حاجةٍ يقدر عليها ولا مد رجليه بين يدي جليس له قط، ولا اتكأـ بين يدي جليس له قط ولا رأيته شتم أحداً من مواليه ومماليكه قط، ولا رأيته تفل قط، ولا رأيته يقهقه في ضحكه قط بل ضحكته التبسم.
وكان إذا خلا ونصبت مائدته أجلس معه على مائدته مماليكه ومواليه حتى البواب والسائس، وكان عليه السلام قليل النوم بالليل، كثير السهر، يحيي أكثر لياليه من أولها الى الصبح، وكان كثير الصيام لا يفوته صيام ثلاث أيام في الشهر (وهي الخميس من أول كل شهر وآخره والأربعاء من وسط الشهر) ويقول ذلك صوم الدهر.
وكان عليه السلام كثير المعروف وصدقة السر وأكثر ذلك يكون منه في الليالي المظلمة، فمن زعم أنّه رأى في فضله فلا تصدّقوه.
وروي عن محمد بن أبي عباد أنه قال: كان جلوس الرضا عليه السلام في الصيف على حصير وفي الشتاء على مسح، ولبسه الغليظ من الثياب حتى إذا برز للناس تزيّن لهم.
الثالثة: روى الشيخ الأجل أحمد بن محمد البرقي عن معمر بن خلّاد أنه قال:
كان أبو الحسن الرضا عليه السلام إذا أكل أتى بصحفه فتوضع قرب مائدته فيعمد الى أطيب الطعام مما يؤتى به فيأخذ من كل شيء شيئاً فيوضع في تلك الصحفة ثم يأمر بها للمساكين، ثم يتلو هذه الآية: (فَلاَ اقْتَحَمَ الْعَقَبَةَ) البلد:11.
وحاصل الآيات الشريفة والآيات بعدها أن أصحاب الميمنة وأهل الجنة يدخلون في العقبة أي الأمر الصعب وهو مخالفة النفس وتلك العقبة في إعتاق رقبة أو إطعام في يوم ذي مسبغة إلى اليتيم القريب أو إعانة مسكين ذي مقربة، ثم يقول عليه السلام: علم الله تعالى أن ليس كل إنسان يقدر على عتق رقبة، فجعل لهم السبيل إلى الجنة بإطعام الطعام.
الرابعة: روى الشيخ الصدوق في عيون الأخبار عن الحاكم أبي عليّ البيهقي عن محمد بن يحيى الصولي أنه قال:
حدثتني جدتي أم أبي وأسمها(غدر) قالت: اشتريت مع عدّة جوار من الكوفة وكنت من مولّداتها، قالت: فحملنا إلى المأمون، فكنا في داره في جنّة من الأكل والشرب والطيب وكثرة الدنانير، فوهبني المأمون للرضا عليه السلام.
فلما صرت في داره فقدت جميع ما كنت فيه من النعيم وكانت علينا قيّمة تنبهنا من الليل وتأخذنا بالصلاة وكان ذلك من أشد ما علينا، فكنت أتمنا الخروج من داره إلى أن وهبني لجدك أبا عبد الله بن العباس، فلمّا صرت إلى منزله كنت كأني قد أدخلت الجنة.
قال الصولي: ما رأيت إمرأة قط أتمُ من جدتي هذه عقلاً ولا أسخى كفاً وتوفيت سنة سبعين ومائتين ولها نحو مائة سنة، وكانت تسأل عن أمر الرضا عليه السلام كثيراً فتقول: ما أذكرك منه شيئاً إلا إنني كنت أراه يتبخّر بالعود الهندي النيّ، ويستعمل بعده ماورد ومسكاً، وكان عليه السلام إذا صلّا الغداة يصلّيها في أول وقت ثم يسجد فلا يرفع رأسه حتى ترتفع الشمس، ثم يقوم فيجلس للناس أو يركب ولم يكن أحد يقدر أن يرفع صوته في داره كائناً من كان إنما كان يتكلم الناس قليلاً قليلاً.
وكان جدي عبد الله يتبرّك بجدتي هذه، فدبّرها يوم ولدت له: فدخل عليه خاله العباس بن الأحنف الحنفي الشاعر: فأعجبته فقال لجديّ: هب لي هذه الجارية، فقال: هي مدبّرة، فقال العباس بن الأحنف:
أيا غدر زيّن باسِمَك الغدرُ وأساء لم يحسن بك الدهر
لا يخفى أن العرب تسمي الجواري غالباً بإسم غدر وغادرة بمعنى عدم الوفاء، فيكون معنى البيت:
أيتها المسماة بالغدر وعدم الوفاء زيّنت عدم الوفاء والغدر ولقد أساء إليك الدهر لمّا سماكِ غدراً.
الخامسة: وروى بالسند السابق عن أبي ذكوان عن إبراهيم بن العباس أنه قال:
ما رأيت الرضا عليه السلام يسأل عن شيء قط إلّا علم، ولا رأيت أعلم منه بما كان في الزمان الأول إلى وقته وعصره وكان المأمون يمتحنه بالسؤال عن كل شيء فيجيب فيه، وكان كلامه كلّه وجوابه وتمثله إنتزاعات من القرآن، وكان يختمه في كل ثلاثة ويقول: لو أردت أن أختمه في أقرب من ثلاثة لختمته ولكنّي ما مررت بآية قط إلّا فكّرت فيها، وفي أي شيء أنزلت وفي أي وقت، فلذلك صرت أختم في كل ثلاثة أيام.
السادسة: وروى الشيخ الكليني عن اليسع بن حمزة القمي أنه قال:
كنت أنا في مجلس أبي الحسن الرضا عليه السلام أحدثه وقد إجتمع إليه خلقٌ كثير يسألونه عن الحلال والحرام إذ دخل عليه رجلٌ طوال آدم(والآدم هو الأسمر) فقال له: السلام عليك يا ابن رسول الله رجل من محبيك ومحبّي آبائك وأجدادك عليهم السلام، مصدري من الحجّ وقد إفتقدت نفقتي وما معي ما أبلغ به مرحلةً فإن رأيت أن تنهضني الى بلدي ولله عليّ نعمة فإذا بلغت بلدي تصدّقت بالذي تولّيني عنك، فلست موضع صدقة.
فقال له عليه السلام: إجلس رحمك الله وأقبل على الناس يحدثهم حتى تفرّقوا وبقي هو وسليمان الجعفري وخيثمة وأنا، فقال: أتأذنون لي في الدخول؟ فقال له سليمان: قدّم الله أمرك، فقام فدخل الحجرة وبقي ساعة، ثم خرج وردّ الباب وأخرج يده من أعلى الباب، وقال: أين الخراساني؟ فقال: ها أنا ذا، فقال: خذ هذه المائتي ديناراً وأستعن بها في مؤنتك ونفقتك وتبرّك بها ولا تصدق بها عني وأخرج فلا أراك ولا تراني، ثم خرج.
فقال سليمان: جعلت فداك لقد أجزلت ورحمت: فلماذا سترت وجهك عنه؟ فقال: مخافة أن أرى ذلّ السؤال في وجهه لقضائي حاجته، أما سمعت حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (المستتر بالحسنة تعدل سبعين حجّة، والمذيع بالسيئة مخذول، والمستتر بها مغفور له)
أما سمعت قول الأول:
متى آته يوماً لأطلب حاجةً رجعت إلى أهلي ووجهي بمائه
السابعة: روى شهر بن آشوب عن موسى بن سيار أنه قال:
كنت مع الرضا عليه السلام وقد أشرف على حيطان طوس وسمعت واعية فاتبعتها فإذا نحن بجنازة، فلما بصرت بها رأيت سيدي وقد ثنى رجله عن فرسه ثم أقبل نحو الجنازة فرفعها، ثم أقبل يلوذ بها كما تلوذ السخلة بأمّها ثم أقبل عليّ وقال: يا موسى بن سيّار من شيّع جنازة وليّ من أوليائنا خرج من ذنوبه كيوم ولدته أمه لا ذنب عليه، حتى إذا وضع الرجل على شفير قبره رأيت سيدي قد أقبل فأخرج الناس عن الجنازة، حتى بدا له الميت، فوضع يده على صدره.
ثم قال: يا فلان بن فلان أبشر بالجنة فلا خوف عليك بعد هذه الساعة، فقلت: جعلت فداك هل تعرف الرجل؟ فوالله إنّها بقعة لم تطأها قبل يومك هذا فقال لي: يا موسى بن سيّار، أما علمت أنّا معاشر الأئمة تعرض علينا أعمال شيعتنا صباحاً ومساءً؟ فما كان من التقصير في أعمالهم سألنا الله تعالى الصفح لصاحبه، وما كان من العلو سألنا الله الشكر لصاحبه.
التاسعة: روي عن ياسر الخادم أنه قال:
كان الرضا عليه السلام إذا خلا، جمع حشمه كلّهم عنده الصغير والكبير فيحدثهم ويأنس بهم ويؤنسهم، وكان عليه السلام إذا جلس الى المائدة لا يدع صغيراً ولا كبيراً حتى السائس والحجّام إلّا أقعده على مائدته.
قال ياسر: قال لنا أبو الحسن عليه السلام إن قمت على رؤوسكم وانتم تأكلون فلا تقوموا حتى تفرغوا، ولربما دعا بعضنا فيقال له: هم يأكلون فيقول: دعوهم حتى يفرغوا.
العاشرة: روى الشيخ الكليني عن رجل من أهل بلخ أنّه قال:
كنت مع الرضا عليه السلام في سفره إلى خراسان فدعا يوماً بمائدة له فجمع عليها مواليه من السودان وغيرهم، فقلت: جعلت فداك لو عزلت لهؤلاء مائدةً، فقال: مه إن الرب تبارك وتعالى واحد، والأم واحدة، والأب واحد، والجزاء بالأعمال.
والحمد لله رب العالمين.
موقع الشيرازي نت