صدى المهدي
05-06-2023, 07:54 AM
المهدوية برؤية حضارية فلسفة الخلاص نموذجاً
مجتبى السادة
إن الإنسان يتوق منذ القدم للبحث عن الأمن والسلام والفضيلة والرخاء، هذا ما تشهد له مختلف الأديان السماوية والفلسفات البشرية والتي تركز جهودها للبحث عن الخلاص، وعن السبيل التي تؤمن الحصول عليه، والذي يعني كمفهوم عام: تخليص أو إنقاذ البشرية بصورة أساسية من الظروف السلبية أو المعاناة إلى وضع أو حالة أرقى وأعلى يملؤها الرخاء والفضيلة.. والخلاص بشكله النهائي يكمن في إحلال الخير والعدل والإيمان بدلاً من الشر والظلم والإلحاد، ويشير ضمناً وبصورة منطقية إلى عصر ذهبي ومثالي يحفه الكمال المعنوي والتقدم المادي ويشمل البشرية كافة.
إن فكرة الخلاص في الأساس رؤية إنسانية عميقة، أشارت إليها جميع الديانات السماوية، وحثت عليها المبادئ العقلية والمنطقية للأفراد، ومالت إليها الفطرة الطبيعية للبشر، وهي في جوهرها تتعلق بقضية القلق الإنساني العميق حول الظلم والحروب والقتل والفساد، ووضع الإنسانية المريع، والبحث عن الخلاص والإنقاذ منه.. من المهم ايضاح معنى الخلاص والفلسفة القائمة عليه، وقبل ذلك إيجاد أجوبة منطقية مقنعة لأسئلة عديدة تتعلق برؤية كل حضارة أو أمة أو شعب لمفهوم الخلاص.
من الصعب الاعتقاد بأن الجميع على درجة من الاتفاق في رؤيتهم للخلاص، بل إن إتباع أديان سماوية كبرى وحضارات متنوعة تحمل مواقع متناقضة ورؤى متفاوتة طبقاً لشكل الخلاص وتصوره لديهم.. لقد أصبح الخلاص (كأمنية) مفهوم إنساني شامل، وقاسماً مشتركاً بين الأديان والفلسفات لمشروع آخر الزمان (نهاية التاريخ)، وهي خلاصة وجود البشرية على الأرض، وهي التي تحقق آمال وطموحات الأنبياء.. وهنا نتساءل حول هذه الفكرة الإلهية العقلية الفطرية: ما هي رؤية إتباع الأديان السماوية الرئيسية لها؟ وعلى يد من ينجز هذا الخلاص؟ وكيفية تطبيقه؟.
الخلاص عند اليهود:
إن فكرة المخلص برزت في الفكر اليهودي كخطوة ناشئة عن خطوات وعوامل سبقتها، وأهم تلك العوامل هي الاعتقاد بأن الشعب اليهودي أرقى الجنس البشري، وشعب مميز اختاره الرب ليكون شعبه المقدس.. لقد بدأت فكرة الخلاص اليهودي في الأصل بناءاً على ما أصاب اليهود من نكسات وهزائم وإذلال وشتات لفترة طويلة،(١) بدءاً بالآشوريين فالبابليين فالفرس فالإغريق ثم في النهاية الرومان، الأمر الذي جعلهم يتمنون أن يرسل الله إليهم مخلصاً ينقذهم من أيدي الأعداء، ويعيد إليهم ملكهم (مملكة داود وعرش سليمان) وبنحو مثالي وكامل، ويسيطرون على كل شعوب العالم.
وهكذا أصبح الخلاص اليهودي يقوم على أساس أن هناك مخلصاً منتظراً سيأتي لينتشلهم من الوهدة السياسية، وفي مفهومهم واعتقادهم فإن المخلص هو قائداً عسكرياً أو ملكاً مميزاً، ويجب أن يكون إنساناً ومولوداً بطريقة طبيعية، ولم يفكروا بأن المخلص كائن سماوي أو قادم من عالم آخر، بل الأمر المهم لكل اليهود أن يكون من نسل وسلالة داود (عليه السلام)، وان يحررهم من الاستعباد ويجلس على كرسي أبيه.
إن التاريخ اليهودي يثبت أن الشعب اليهودي على عكس الشعوب القديمة والحضارات الأخرى التي كانت تصنع عصرها الذهبي في الماضي المتوغل في القدم، ولذا كان اليهود ينتظرون المخلص في المستقبل في آخر الزمان ينشئ لهم دولتهم الكبرى، ويعيد بناء هيكل سليمان، ويجعل العالم متملقاً إليهم، ويعيد قضيب الملك إلى بني إسرائيل، فتخدمهم الشعوب وتخضع لهم الممالك.. ففكرة الخلاص والمخلص في نظرهم فصلت خصيصاً بمقاييس الشعب اليهودي، ولذا رفض اليهود الدعوة الجديدة (النبي عيسى (عليه السلام)) حيث تعارضت تماماً مع آمالهم وأحلامهم: فلم تحقق لهم الملك المادي الذي كانوا يحلمون به، وثانياً لم يخلصهم من الاحتلال الروماني والذل والاستعباد وغير ذلك، ومن أجل هذا ومطالب أخرى دخل اليهود في صراع مع عيسى (عليه السلام).
المسيح المنتظر أو المخلص عند اليهود ستكون مهمته الرئيسية مركزة على رفع شأن اليهود، ومن ثم يحكم العالم بشريعة النبي موسى (عليه السلام)، فيتحقق مجد بني إسرائيل، ويكون هو ملكاً عليهم، ويبلغ سلطانه البر والبحر، ويجعل من الأقلية اليهودية النخبة التي ترث العالم وتسوده وتحكمه.. ويعتقدون كذلك أن المخلص عندما يخرج يجمع شمل اليهود من كل أنحاء العالم، ويكوّن منهم جيشاً عظيماً، ويكون اجتماعهم في القدس، وهذا الاجتماع ليس مقصوراً على الأحياء فقط، بل حتى الأموات من اليهود يحييهم الله ويخرجهم من قبورهم لينضموا إلى جيش اليهود الذي يقوده المسيح،(٢) وسيقتل ثلثي أهل الأرض(٣) في معركة شهيرة (هرمجدون)، وبعد ذلك يقوم بجمع الأمم الأخرى الذين ظلموا اليهود ويحاكمهم ويقتص منهم، وكذلك تتغير أجسام اليهود (تصل قامة اليهودي في ذلك الوقت إلى مائتي ذراع)، وتطول أعمارهم (يعمر اليهودي قروناً كثيرة)، والطفل يموت في سن المئة.
ويمكننا تلخيص أطروحة الخلاص عند اليهود ونوجزها في النقاط التالية:
١- فكرة الخلاص تقتصر على الشعب اليهودي فقط، أي على العصبية القومية.
٢- قام الخلاص أساساً لينقذ اليهود من الوهدة السياسية.
٣- رفع شأن اليهود كأسياد للعالم، وأن الشعوب والممالك الأخرى تخدمهم.
٤- نشر الشريعة الدينية (اليهودية) التي أسسها النبي موسى (عليه السلام).
٥- يجب أن يكون هذا المخلص (الملك أو القائد) من نسل داود (عليه السلام).
٦- إقامة دولة الله في الأرض ويكون سادتها اليهود، من الأحياء والأموات بعد رجعتهم.
٧- استحقاق الخلاص: فعل إلهي محض، وما على الناس إلّا الانتظار.
الخلاص عند المسيحيين:
يعتقد المسيحيون أن غاية الديانة المسيحية خلاص الإنسان من سلطة الخطيئة، والتي تقوم على أساس أن آدم (عليه السلام) أخطأ (أكله من الشجرة في الجنة)، وانه بخطيئته بُعد عن الله سبحانه وتعالى وأحدث عداوة بينهما، ثم ان هذه الخطيئة -كما يدعون - لم تختص به وحده، بل انتقلت بالوراثة إلى جميع أبنائه (الجنس البشري) فجميعهم مخطئون بالطبيعة الموروثة من آدم، وهؤلاء (البشر) لا يستطيعون التخلص من هذه الخطيئة بأنفسهم، ولما كان الله متصف بالمحبة والرحمة، وهب المسيح (ابنه كما يعتقدون) ليصلب فداء عن البشرية، فالمسيح بموته على الصليب حل محل الإنسانية وحمل عقاب الخطيئة وهو الموت، وأعاد مصالحة الإنسان مع الله، ولم ينته الأمر عند هذا الحد، بل بعد دفنه قام من القبر بعد ثلاثة أيام.
يرون إن المخلص (المسيح) لابد وأن يتحمل الآلام ويصلب من أجل البشرية، ولكن هذه الآلام لم تعطي فائدتها إلّا بعد الانتصار على الألم والموت بعد الصلب.. القيام من الموت (قيامة المسيح) هي أساس عمل الخلاص، فعلى ضوء القيامة، قبل الرب الصليب، وقبل الرب الموت، فالقيامة هي جوهر الكفارة وهي شرط الفداء، وبهذا يكتمل عمل المسيح الكفاري وخلاص البشرية به.
بالتأكيد إن الخلاص المسيحي قائم على خطيئة آدم التي انتقلت بالوراثة إلى جميع الجنس البشري، وإن الطريق الوحيد للخلاص يتمثل في إن (ابن الله) نزل وتجسد في صورة بشرية (المسيح) – مشتركاً في اللاهوت والناسوت - ليصلب ويقتل ويتغلب على الموت فيقوم، وبهذا ينال الناس الخلاص.
وبعد أن تم ذلك، يعيش المسيحيون الانتظار لعودة المسيح الثانية في المستقبل، ويرتكز هذا الإيمان على الاعتقاد بأن الله كان قد أرسل المسيح لإنقاذ البشر، وقد رفضه اليهود في ذلك الوقت، وخطة الله تتضمن العودة الثانية للمسيح.. إن قيامة (المسيح) التي حدثت في الماضي، وعودته التي ستحدث في المستقبل (آخر الزمان)، لابد أن يكون لها هدف كبير وجليل يتناسب مع هذه العملية الربانية الفريدة، والتي تتلخص في إقامة حكم الله وملكوته في الأرض، عند نهاية الزمن، ونهاية العذاب الإنساني، ونهاية المخطط الإلهي على الأرض، فيملأها عدلاً وصلاحاً، وأن علامة نزوله اجتماع اليهود في آخر الزمان في أرض فلسطين، وبناء الهيكل.
هذه هي أصل فكرة وأطروحة ومفهوم المسيحيون للخلاص، ونوجزها في النقاط التالية:
١- فكرة الخلاص قائمة على أساس أن الإنسان متلبس بالخطيئة، ولن يخلصه منها إلّا الله.
٢- لا يمكن للإنسان أن يقوم بالخلاص بنفسه، بل تحتاج البشرية إلى مساعدة قدسية وإلهية مباشرة.
٣- الطريق الوحيد للخلاص يتمثل في إن (ابن الله) يتجسد ويدفع الفداء ويصلب من أجل التكفير عن خطايا البشر.
٤- يجب أن يكون هذا المخلص مركباً من اللاهوتية (ابن الله) والناسوتية (ابن مريم العذراء).
٥- انحصار خلاص الإنسان بإيمانه بالمسيح (الإنسان/الإله) واعتناقه تعاليم الكنيسة، لا خلاص خارج الكنيسة. (٤)
٦- المسيح سينزل مرة ثانية (آخر الزمان) ويقيم ملكوت الله في الأرض ويملأها عدلاً وصلاحاً لإسعاد البشرية.
٧- استحقاق الخلاص: فعل إلهي محض (إعجازي)، ولا يتم إلّا عبر إرادة إلهية.
الخلاص عند المسلمين (المهدوية):
إن رؤية المسلمين للخلاص يتمثل في التخلص من نقص أساسي أو جوهري في الطبيعة الإنسانية أو التاريخ البشري أو كليهما معاً في الحياة الدنيا أو الآخرة، وهذا المفهوم يلبي الحاجات النفسية الفردية والجماعية باختلافها، ويشعر الأفراد والشعوب بوجود فرص جديدة لبناء مستقبل فردي أو جماعي مثالي، وهكذا يتمحور الخلاص الإسلامي في صعيدين:
على الصعيد الشخصي: أكد الإسلام أصالة المسئولية الفردية، فكل إنسان مسئول عن عمله، وهو قادر بعمله الصالح التقرب من الله تعالى، وتحقيق النجاة الأخروية والدنيوية معاً، وإن ارتكب خطيئة أو معصية فأن باب (التوبة) مفتوح في كل زمان ومكان، والله واسع المغفرة.
مجتبى السادة
إن الإنسان يتوق منذ القدم للبحث عن الأمن والسلام والفضيلة والرخاء، هذا ما تشهد له مختلف الأديان السماوية والفلسفات البشرية والتي تركز جهودها للبحث عن الخلاص، وعن السبيل التي تؤمن الحصول عليه، والذي يعني كمفهوم عام: تخليص أو إنقاذ البشرية بصورة أساسية من الظروف السلبية أو المعاناة إلى وضع أو حالة أرقى وأعلى يملؤها الرخاء والفضيلة.. والخلاص بشكله النهائي يكمن في إحلال الخير والعدل والإيمان بدلاً من الشر والظلم والإلحاد، ويشير ضمناً وبصورة منطقية إلى عصر ذهبي ومثالي يحفه الكمال المعنوي والتقدم المادي ويشمل البشرية كافة.
إن فكرة الخلاص في الأساس رؤية إنسانية عميقة، أشارت إليها جميع الديانات السماوية، وحثت عليها المبادئ العقلية والمنطقية للأفراد، ومالت إليها الفطرة الطبيعية للبشر، وهي في جوهرها تتعلق بقضية القلق الإنساني العميق حول الظلم والحروب والقتل والفساد، ووضع الإنسانية المريع، والبحث عن الخلاص والإنقاذ منه.. من المهم ايضاح معنى الخلاص والفلسفة القائمة عليه، وقبل ذلك إيجاد أجوبة منطقية مقنعة لأسئلة عديدة تتعلق برؤية كل حضارة أو أمة أو شعب لمفهوم الخلاص.
من الصعب الاعتقاد بأن الجميع على درجة من الاتفاق في رؤيتهم للخلاص، بل إن إتباع أديان سماوية كبرى وحضارات متنوعة تحمل مواقع متناقضة ورؤى متفاوتة طبقاً لشكل الخلاص وتصوره لديهم.. لقد أصبح الخلاص (كأمنية) مفهوم إنساني شامل، وقاسماً مشتركاً بين الأديان والفلسفات لمشروع آخر الزمان (نهاية التاريخ)، وهي خلاصة وجود البشرية على الأرض، وهي التي تحقق آمال وطموحات الأنبياء.. وهنا نتساءل حول هذه الفكرة الإلهية العقلية الفطرية: ما هي رؤية إتباع الأديان السماوية الرئيسية لها؟ وعلى يد من ينجز هذا الخلاص؟ وكيفية تطبيقه؟.
الخلاص عند اليهود:
إن فكرة المخلص برزت في الفكر اليهودي كخطوة ناشئة عن خطوات وعوامل سبقتها، وأهم تلك العوامل هي الاعتقاد بأن الشعب اليهودي أرقى الجنس البشري، وشعب مميز اختاره الرب ليكون شعبه المقدس.. لقد بدأت فكرة الخلاص اليهودي في الأصل بناءاً على ما أصاب اليهود من نكسات وهزائم وإذلال وشتات لفترة طويلة،(١) بدءاً بالآشوريين فالبابليين فالفرس فالإغريق ثم في النهاية الرومان، الأمر الذي جعلهم يتمنون أن يرسل الله إليهم مخلصاً ينقذهم من أيدي الأعداء، ويعيد إليهم ملكهم (مملكة داود وعرش سليمان) وبنحو مثالي وكامل، ويسيطرون على كل شعوب العالم.
وهكذا أصبح الخلاص اليهودي يقوم على أساس أن هناك مخلصاً منتظراً سيأتي لينتشلهم من الوهدة السياسية، وفي مفهومهم واعتقادهم فإن المخلص هو قائداً عسكرياً أو ملكاً مميزاً، ويجب أن يكون إنساناً ومولوداً بطريقة طبيعية، ولم يفكروا بأن المخلص كائن سماوي أو قادم من عالم آخر، بل الأمر المهم لكل اليهود أن يكون من نسل وسلالة داود (عليه السلام)، وان يحررهم من الاستعباد ويجلس على كرسي أبيه.
إن التاريخ اليهودي يثبت أن الشعب اليهودي على عكس الشعوب القديمة والحضارات الأخرى التي كانت تصنع عصرها الذهبي في الماضي المتوغل في القدم، ولذا كان اليهود ينتظرون المخلص في المستقبل في آخر الزمان ينشئ لهم دولتهم الكبرى، ويعيد بناء هيكل سليمان، ويجعل العالم متملقاً إليهم، ويعيد قضيب الملك إلى بني إسرائيل، فتخدمهم الشعوب وتخضع لهم الممالك.. ففكرة الخلاص والمخلص في نظرهم فصلت خصيصاً بمقاييس الشعب اليهودي، ولذا رفض اليهود الدعوة الجديدة (النبي عيسى (عليه السلام)) حيث تعارضت تماماً مع آمالهم وأحلامهم: فلم تحقق لهم الملك المادي الذي كانوا يحلمون به، وثانياً لم يخلصهم من الاحتلال الروماني والذل والاستعباد وغير ذلك، ومن أجل هذا ومطالب أخرى دخل اليهود في صراع مع عيسى (عليه السلام).
المسيح المنتظر أو المخلص عند اليهود ستكون مهمته الرئيسية مركزة على رفع شأن اليهود، ومن ثم يحكم العالم بشريعة النبي موسى (عليه السلام)، فيتحقق مجد بني إسرائيل، ويكون هو ملكاً عليهم، ويبلغ سلطانه البر والبحر، ويجعل من الأقلية اليهودية النخبة التي ترث العالم وتسوده وتحكمه.. ويعتقدون كذلك أن المخلص عندما يخرج يجمع شمل اليهود من كل أنحاء العالم، ويكوّن منهم جيشاً عظيماً، ويكون اجتماعهم في القدس، وهذا الاجتماع ليس مقصوراً على الأحياء فقط، بل حتى الأموات من اليهود يحييهم الله ويخرجهم من قبورهم لينضموا إلى جيش اليهود الذي يقوده المسيح،(٢) وسيقتل ثلثي أهل الأرض(٣) في معركة شهيرة (هرمجدون)، وبعد ذلك يقوم بجمع الأمم الأخرى الذين ظلموا اليهود ويحاكمهم ويقتص منهم، وكذلك تتغير أجسام اليهود (تصل قامة اليهودي في ذلك الوقت إلى مائتي ذراع)، وتطول أعمارهم (يعمر اليهودي قروناً كثيرة)، والطفل يموت في سن المئة.
ويمكننا تلخيص أطروحة الخلاص عند اليهود ونوجزها في النقاط التالية:
١- فكرة الخلاص تقتصر على الشعب اليهودي فقط، أي على العصبية القومية.
٢- قام الخلاص أساساً لينقذ اليهود من الوهدة السياسية.
٣- رفع شأن اليهود كأسياد للعالم، وأن الشعوب والممالك الأخرى تخدمهم.
٤- نشر الشريعة الدينية (اليهودية) التي أسسها النبي موسى (عليه السلام).
٥- يجب أن يكون هذا المخلص (الملك أو القائد) من نسل داود (عليه السلام).
٦- إقامة دولة الله في الأرض ويكون سادتها اليهود، من الأحياء والأموات بعد رجعتهم.
٧- استحقاق الخلاص: فعل إلهي محض، وما على الناس إلّا الانتظار.
الخلاص عند المسيحيين:
يعتقد المسيحيون أن غاية الديانة المسيحية خلاص الإنسان من سلطة الخطيئة، والتي تقوم على أساس أن آدم (عليه السلام) أخطأ (أكله من الشجرة في الجنة)، وانه بخطيئته بُعد عن الله سبحانه وتعالى وأحدث عداوة بينهما، ثم ان هذه الخطيئة -كما يدعون - لم تختص به وحده، بل انتقلت بالوراثة إلى جميع أبنائه (الجنس البشري) فجميعهم مخطئون بالطبيعة الموروثة من آدم، وهؤلاء (البشر) لا يستطيعون التخلص من هذه الخطيئة بأنفسهم، ولما كان الله متصف بالمحبة والرحمة، وهب المسيح (ابنه كما يعتقدون) ليصلب فداء عن البشرية، فالمسيح بموته على الصليب حل محل الإنسانية وحمل عقاب الخطيئة وهو الموت، وأعاد مصالحة الإنسان مع الله، ولم ينته الأمر عند هذا الحد، بل بعد دفنه قام من القبر بعد ثلاثة أيام.
يرون إن المخلص (المسيح) لابد وأن يتحمل الآلام ويصلب من أجل البشرية، ولكن هذه الآلام لم تعطي فائدتها إلّا بعد الانتصار على الألم والموت بعد الصلب.. القيام من الموت (قيامة المسيح) هي أساس عمل الخلاص، فعلى ضوء القيامة، قبل الرب الصليب، وقبل الرب الموت، فالقيامة هي جوهر الكفارة وهي شرط الفداء، وبهذا يكتمل عمل المسيح الكفاري وخلاص البشرية به.
بالتأكيد إن الخلاص المسيحي قائم على خطيئة آدم التي انتقلت بالوراثة إلى جميع الجنس البشري، وإن الطريق الوحيد للخلاص يتمثل في إن (ابن الله) نزل وتجسد في صورة بشرية (المسيح) – مشتركاً في اللاهوت والناسوت - ليصلب ويقتل ويتغلب على الموت فيقوم، وبهذا ينال الناس الخلاص.
وبعد أن تم ذلك، يعيش المسيحيون الانتظار لعودة المسيح الثانية في المستقبل، ويرتكز هذا الإيمان على الاعتقاد بأن الله كان قد أرسل المسيح لإنقاذ البشر، وقد رفضه اليهود في ذلك الوقت، وخطة الله تتضمن العودة الثانية للمسيح.. إن قيامة (المسيح) التي حدثت في الماضي، وعودته التي ستحدث في المستقبل (آخر الزمان)، لابد أن يكون لها هدف كبير وجليل يتناسب مع هذه العملية الربانية الفريدة، والتي تتلخص في إقامة حكم الله وملكوته في الأرض، عند نهاية الزمن، ونهاية العذاب الإنساني، ونهاية المخطط الإلهي على الأرض، فيملأها عدلاً وصلاحاً، وأن علامة نزوله اجتماع اليهود في آخر الزمان في أرض فلسطين، وبناء الهيكل.
هذه هي أصل فكرة وأطروحة ومفهوم المسيحيون للخلاص، ونوجزها في النقاط التالية:
١- فكرة الخلاص قائمة على أساس أن الإنسان متلبس بالخطيئة، ولن يخلصه منها إلّا الله.
٢- لا يمكن للإنسان أن يقوم بالخلاص بنفسه، بل تحتاج البشرية إلى مساعدة قدسية وإلهية مباشرة.
٣- الطريق الوحيد للخلاص يتمثل في إن (ابن الله) يتجسد ويدفع الفداء ويصلب من أجل التكفير عن خطايا البشر.
٤- يجب أن يكون هذا المخلص مركباً من اللاهوتية (ابن الله) والناسوتية (ابن مريم العذراء).
٥- انحصار خلاص الإنسان بإيمانه بالمسيح (الإنسان/الإله) واعتناقه تعاليم الكنيسة، لا خلاص خارج الكنيسة. (٤)
٦- المسيح سينزل مرة ثانية (آخر الزمان) ويقيم ملكوت الله في الأرض ويملأها عدلاً وصلاحاً لإسعاد البشرية.
٧- استحقاق الخلاص: فعل إلهي محض (إعجازي)، ولا يتم إلّا عبر إرادة إلهية.
الخلاص عند المسلمين (المهدوية):
إن رؤية المسلمين للخلاص يتمثل في التخلص من نقص أساسي أو جوهري في الطبيعة الإنسانية أو التاريخ البشري أو كليهما معاً في الحياة الدنيا أو الآخرة، وهذا المفهوم يلبي الحاجات النفسية الفردية والجماعية باختلافها، ويشعر الأفراد والشعوب بوجود فرص جديدة لبناء مستقبل فردي أو جماعي مثالي، وهكذا يتمحور الخلاص الإسلامي في صعيدين:
على الصعيد الشخصي: أكد الإسلام أصالة المسئولية الفردية، فكل إنسان مسئول عن عمله، وهو قادر بعمله الصالح التقرب من الله تعالى، وتحقيق النجاة الأخروية والدنيوية معاً، وإن ارتكب خطيئة أو معصية فأن باب (التوبة) مفتوح في كل زمان ومكان، والله واسع المغفرة.