صدى المهدي
08-06-2023, 10:14 AM
زيارة الإمام الحسين -عليه السلام- أنموذجاً
مقدّمة
إنّ النصوص الدينية ـ المرتبطة بزيارة المعصومين(عليهم السلام) ـ تطالعنا بمفردة من المفردات المهمّة، والتي تُعدّ شرطاً من الشروط الأساسية في حصول الزائر على الأجر والثواب في زيارة الأئمّة الأطهار(عليهم السلام)، وهذه المفردة هي المعرفة، أي: معرفة الإمام، أو ما عُبِّر عنه في بعض النصوص معرفة حقّ الإمام(عليه السلام)؛ إذ ورد في روايات زيارة أمير المؤمنين والإمام الحسين(عليهما السلام) التأكيد على التعبير التالي: «مَن أتاه عارفاً بحقّه...»[1] ، وكذلك عندما نقرأ في نصوص الزيارات ونخاطبهم(عليهم السلام) بقولنا: «أتيتك يا حبيب رسول الله وابن رسوله، وإنّي بك عارف، وبحقك مقرّ... عارف بالهدي الذي أنتم عليه...»[2]، أو قولنا في الزيارة الجامعة: «عارفاً بحقِّكم، مستبصراً بشأنكم...»[3]. بل هناك نصوص أُخرى كما في الحديث عن الإمام الصادق(عليه السلام): «مَن أتى الكعبة فعرف من حقِّنا وحرمتنا ما عرف من حقِّها وحرمتها لم يخرج من مكّة إلّا وقد غُفر له ذنوبه، وكفاه الله ما أهمّه من أمر دنياه وآخرته»[4]، فهذه النصوص وغيرها الكثير قد اشترطت المعرفة بهم وبحقِّهم.
والمراد من المعرفة ـ كما ذُكر في التفريق بينها وبين العلم ـ هو أنّ: «المعرفة: قد تُقال فيما تُدرك آثاره، وإن لم يُدرك ذاته، والعلم لا يكاد يُقال إلّا فيما أُدرك ذاته. ولذا يُقال: فلان يعرف الله، ولا يُقال: يعلم الله، لما كانت معرفته - سبحانه - ليست إلّا بمعرفة آثاره دون معرفة ذاته...»[5].
كما أنّ سرّ ارتقاء شهداء واقعة الطفّ إلى هذه المنزلة والمقام هو كونهم عارفين بإمامهم الحسين(عليه السلام) ومقامه، فمعرفتهم هي التي أوصلتهم إلى هذه المنزلة؛ كما ورد هذا المضمون في بعض الروايات التي تؤكِّد وقوفهم على الحقيقة التي لا تقبل الشك[6]؛ وكما يتجلّى ذلك في جوابهم للإمام الحسين(عليه السلام) حينما قال لهم: «وهذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً»، فكان جواب أصحابه أن قام: «مسلم بن عوسجة وقال: والله، لو علمت أنّي أُقتل ثمّ أُحيى ثمّ أُحرق ثمّ أُحيى ثمّ أُحرق ثمّ أُذرّى، يُفعل بي ذلك سبعين مرّة ما فارقتك حتّى ألقى حمامي من دونك!! وكيف لا أفعل ذلك؟! وإنّما هي قتلة واحدة ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً. وقام زهير بن القين(رحمه الله)، فقال: والله، لوددت أنّي قُتلت ثمّ نُشرت ثمّ قُتلت، حتّى أُقتل هكذا ألف مرّة، وأنّ الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك لفعلت. وتكلّم بعض أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضاً في وجهٍ واحد، فجزّاهم الحسين(عليه السلام) خيراً»[7].
وفي بعض المصادر أنّهم قالوا: «... والله، لا نخليك حتّى يعلم الله أن قد حفظنا غيبة رسول الله(صلى الله عليه واله) فيك...»[8]، وقالوا أيضاً: «لا والله، يابن رسول الله، لا نخليك أبداً حتّى يعلم الله أنّا قد حفظنا فيك وصية رسوله محمد(صلى الله عليه واله)...»[9]. ما يعني أنّهم أقدموا على القتل واختاروا ذلك عن معرفة ويقين بمنزلة الإمام الحسين(عليه السلام) ومقامه الإلهي، عارفين بوصية رسول الله(صلى الله عليه واله) في حقّ أئمّتهم(عليهم السلام).فكانوا يمتازون جميعاً بوقوفهم على الحقيقة الملموسة والمعرفة العميقة؛ كما يدلّنا على ذلك وصف الأعداء لهم بـ: (أهل البصائر)، ذلك التعبير الذي ورد في قول عمرو بن الحجاج الزبيدي حينما خاطب أصحابه قائلاً: «ويلكم يا حمقى! مهلاً، أتدرون مَن تقاتلون؟! إنّما تقاتلون فرسان المصر، وأهل البصائر، وقوماً مستميتين...»[10]، ذلك الوصف الذي يحمل في طيّاته دلالات واضحة على المعرفة القلبية واليقين الراسخ الذي حملهم على هذا القرار المصيري[11]، مع تنوعهم قَبَليّاً وجغرافياً.
إذاً؛ فالمعرفة أمر مصيري في تحديد المسير والاتجاه الذي يسلكه الإنسان، والتي من أهمّها الممارسات الدينية والأُمور العبادية التي يقوم بها المؤمنون.
وفي ضوء هذه النقطة المهمة نفهم معنى الروايات التي أكّدت على أفضلية العالم على العابد، وأهمّية العقل في حياة الإنسان ونيله الجزاء الأُخروي، كما في الرواية الواردة عن الإمام الباقر(عليه السلام) بقوله: «عالم يُنتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد»[12]، ونظائر هذه الرواية كثير جدّاً تبلغ حدّ التواتر، يجدها القارئ الكريم في أُمهات المصادر الحديثيّة المعتبرة والمهمة لدى المسلمين[13].
ومن هنا؛ فإنّنا نرى أنّ من الضروري جدّاً العمل على رفع المستوى المعرفي لدى زائر الإمام الحسين(عليه السلام) لكي يترتّب الأثر المرجو من الزيارة، فضلاً عن ضرورة الإسهام في تحصينه أمام الشبهات والإشكالات التي تُثار حول نهضة الإمام الحسين(عليه السلام) وما يرتبط بها من جوانب معرفية وفكرية مهمة، بل كلّ ما يُثار حول الدين عموماً؛ ولأجل ذلك فقد سعينا لإيجاد آلية مقترحة ليتم اعتمادها في نشر الفكر الحسيني خلال موسم الزيارات التي تشهد تجمّعاً واسعاً من قِبل أتباع مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)؛ فكانت هذه الورقة التي أضعها بين أيدي الأساتذة الفضلاء والإخوة الباحثين الكرام والقرّاء المحترمين.
الموضوع: بعد أن قمنا بعرض بعض المقدمات التوضيحية ندخل في صلب موضوعنا المتعلّق بورقة العمل المقترحة، وهي تتكون من عدّة نقاط:
النقطة الأُولى: منشأ الفكرة لإقامة المشروع وأهدافه
1ـ منشأ الفكرة لإقامة المشروع
بعد تفكير وتأمّل مستديم ومداولة واسعة مع الأساتذة الفضلاء، ومناقشة معمّقة حول الأسئلة التالية:
ما هو الدور الذي يتحتّم على الجهات المعنية بشأن التجمّعات المليونية، والتي لا يمكن أن تتكرر في أي مناسبة أو مكان آخر؟
ما هي الآليات التربوية والتعليمية التي تتناسب مع أجواء الزيارات والظروف التي يعيشها زائر الإمام الحسين(عليه السلام)؟
وهل هناك إمكانية لتطبيق الأفكار التي تُطرح من قِبَل العلماء والأساتذة وسائر المهتمين بالشأن الديني؟ أو أنّ الأجواء لا تسمح لنا بتطبيق أيّ محاولة إرشادية وتربوية.
ومن خلال المداولات المستمرّة والتأمّل في جوانب الموضوع، سعينا لكتابة دراسة استراتيجية لنشر الفكر الحسيني تتضمّن آلية نعتقد أنّها ستكون مفيدة ومثمرة في هذا المجال، وفي ضمن هذه الجولة التأمّلية أخذنا بالمقارنة والمقايسة بين بعض النشاطات والمشاريع التي أُعدّت من قِبل بعض الأقسام في العتبة الحسينية المقدّسة وغيرها من المراقد المشرّفة، وبين الفكرة التي عاشت في خلدنا لفترة طويلة من الزمن، وكنموذج للبرامج التي قمنا بمقايسة فكرتنا عليها نذكر البرنامج الذي يتضمّن قراءة القرآن والتوجيهات الدينية التي يتمّ بثّها قُبَيل أوقات الصلاة من العتبتين الحسينية والعباسية المقدّستين ـ والتي قد سارت على هذا النهج في الآونة الأخيرة العتبة العلويّة المقدّسة أيضاً ـ فلاحظنا أثناء سيرنا في مواسم الزيارات المليونيّة خلال السنين المتقدّمة وإلى هذه السنة أنّ كثيراً من المواكب والحسينيّات في طريق الزائرين يعتمدون بالدرجة الأساس على قراءة القرآن الكريم الذي يُبثّ من العتبة الحسينية المقدّسة، وكذلك الأذان الذي يُرفع من هذه البقعة الطاهرة، بل الملاحظ على مدار أيام السنة أنّ كثيراً من الناس في المساجد التي تُعنى ببثّ الأذان والأذكار اليومية تعتمد هذه البرامج التي يتمّ بثّها من العتبات المقدّسة، وكثيراً ما سمعنا من بعض المؤمنين: أنّ التوجيهات الدينية ساهمت في تعرّف الناس على المناسبات التي تمرّ عليهم، وكذلك الأعمال التي يستحب القيام بها في هذه المناسبات.
وخير شاهد على ما ذكرناه آنفاً هو: أنّ وسائل التواصل الاجتماعي تتداول بعض المقاطع الفيديويّة التي أُعدت في قناة كربلاء الفضائية، وتعتمدها في نشر الفكر الديني الهادف، كما في ليالي الجُمع حيث ينتشر المقطع المتضمن لفضل الصلاة على محمد وآل محمد. وغيرها من النماذج الأُخرى التي يطول المقام بذكرها.
فوجدت أنّ بالإمكان اغتنام هذه الفرصة والاستفادة من الأرضية الخصبة واستثمار هذه التجمّعات لتقديم برنامج ثقافي يتسلّح من خلاله الزائر فكريّاً ودينيّاً.
كما أنّ طرح هذه الورقة ضمن الملتقى الفصلي الخامس[14] يعود لعدّة أسباب أيضاً، وأهمّها:
إنّ تطبيق محتوى هذه الورقة بحاجة إلى فترة زمنية كافية، تُقدر من ستة إلى تسعة أشهر؛ ولكي نضمن سعة الوقت، فقد سعينا جاهدين إلى تقديم هذه الورقة في هذا الوقت المبكِّر نسبياً؛ تحسبّاً للظروف الطارئة في العمل.
إنّ محتوى هذه الورقة يحتاج إلى تكاتف جهود من قِبَل جهات متعددة، سواء العلمية أم الإعلامية أم الإدارية والتنفيذية، فكلّ جهة من الجهات التي من المقرر أن تشترك في هذا المشروع لها محورية أساسية في إنجاحه، ومن دون هذه الجهود الاستثنائية سوف يُحكم على المشروع بالفشل. كما أنّ إنجاحه ـ في بعض فرضياته ـ بأمس الحاجة إلى تنسيقات موسّعة بين الجهات المعنية وبين أصحاب المواكب والحسينيات في طريق (يا حسين)، فضلاً عن الاجتماعات المكثفة والكثيرة التي يتوقف عليها إبرام التوافقات المسبقة، ناهيك عن الورشات التحضيرية التي نحتاجها مسبقاً.
إنّني شخصياً أعتقد بضرورة الاستماع للآراء ووجهات النظر من قبل الإخوة الحاضرين لكي تكون الفكرة والمشروع أكثر نضجاً وقابلية للتطبيق؛ إذ مهما بلغت هذه الورقة فإنّها تبقى ورقة مقترحةً في بداية طريقها وقابلة للتطوير.
2 ـ أهداف المشروع
ليس خافياً على أحد منّا ما تقدِّمه الجهات الدينية في داخل العراق وخارجه ـ فضلاً عن الجهود الفردية التي يقدّمها الموالون لأهل البيت(عليهم السلام) ـ إذ بذل الجميع قصارى جهدهم في سبيل تأمين المستلزمات المهمّة لإنجاح مراسيم زيارة الأربعين المباركة، وهذا الأمر لا يحتاج إلى برهنة ومثبتات للقرّاء الكرام والأساتذة الأفاضل، بعد أن لمسوا ذلك وعاشوا تفاصيل الزيارة المباركة، فتجد المبادرات الجادة من قِبل الجهات المعنية والتنسيقات المسبقة مع الجهات الأمنية لأجل تأمين سلامة الزائرين والمحافظة على أرواحهم وأجسادهم، كما يتمّ العمل على تأمين وسائل النقل من محافظاتهم وإليها ـ ذهاباً وإياباً ـ فضلاً عن المأكل والمشرب والمسكن وغيرها من الأُمور.
وكذلك تمّ العمل على الجانب الفكري والثقافي لتغذية الزائر روحياً من قِبل المؤسسات الدينية، فأُنشئت مشاريع مهمّة بجهود مشكورة من قِبل الحوزة العلمية في النجف الأشرف، فضلاً عن العتبات المقدّسة والمزارات الدينية، بل حتّى مؤسسات المجتمع المدني وغيرها، مهمّتها الأساس الارتقاء بوعي الزائر ورفع مستواه الفكري والثقافي والأخلاقي، وقد اتّبع القائمون على هذه المشاريع آليات وسبل جيدة كتكليف بعض رجال الدين لإقامة صلاة الجماعة في طرق الزائرين، وكذلك التصدّي للإجابة عن الأسئلة الشرعية والشبهات التي تُثار حول المسائل الدينية.
إلّا أنّ هذا لا يمنع من أن تبادر العتبة الحسينية المقدّسة ـ وهي المعنية بالدرجة الأُولى بهذه الزيارة؛ خصوصاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار المشاريع العلمية والفكرية والثقافية التابعة لها، بالإضافة إلى كونها مؤسّسة دينية تحت خيمة المرجعية العليا في النجف الأشرف ـ إلى تقديم برنامج ومشروع منتظم يرفع من وعي الزائر وثقافته؛ ولذا نقترح هذا المشروع الذي يهدف إلى الأُمور التالية:
اغتنام الفرصة للاستفادة من هذه الجموع الغفيرة لزائري سيد الشهداء(عليه السلام)؛ للنهوض بالواقع الاجتماعي، ومعالجة المشاكل التي يعاني منها مجتمعنا المسلم بصورة عامة، فإنّ الجمهور الموالي يكون أكثر تقبّلاً فيما لو كان الخطاب مستنداً إلى نهضة الإمام الحسين(عليه السلام)، وهذا الشيء ملموس بوضوح في المواسم التبليغية؛ حيث يجتمع الناس حول المنبر الحسيني بأعداد ليس لها نظير في سائر التجمّعات، وما ذلك إلّا ببركة سيد الشهداء(عليه السلام) وانتساب القضايا الفكريّة والدينية التي يتمّ طرحها في المنبر إلى الإمام الحسين(عليه السلام)، ما يعني إمكانية العمل على نسق ذلك في موسم زيارة الأربعين، ولكن يتوقّف ذلك على كيفيّة توظيف المعلومة وعرضها لهذا الغرض بما يتناسب مع الظروف التي يعيشها أفراد تلك التجمعات.
البرهنة على قابلية خطابات النهضة الحسينية وبياناتها وقدرتها على تغطية جميع جوانب الحياة البشرية، ورفدها بالنصوص التي تعالج المشاكل فيها، كما سوف يأتي في النماذج التي نذكرها للمشروع، على أنّ واحداً من مشاريع مؤسّسة وارث الأنبياء يصلح لأن يغطي جميع الجوانب العملية في هذه الورقة، فضلاً عن المشاريع الأُخرى في هذه المؤسّسة، فلو أخذنا مشروع الموسوعة العلمية من كلمات الإمام الحسين(عليه السلام) ـ والتي يصل عدد أجزائها إلى خمسين مجلداً ـ لوجدنا أنّه قد تناول العلوم المختلفة والمتنوعة التي تثري الساحة الفكرية بالمعلومات المستندة إلى الإمام الحسين(عليه السلام).
سدّ الطريق أمام المغرضين والمهرِّجين الذين يريدون إلغاء هذه المراسيم التي حفظت لنا الدين، وتمكنت في قلوب مجتمعاتنا خلال القرون الماضية؛ إذ نسمع من هنا وهناك بعض الأصوات الناشزة تضج وتهرِّج وتلقي باللوم على الجهات الدينية من جهة، ومن جهة أُخرى تسعى لإلغاء تلك الزيارات المليونيّة بذريعة أنّها تتسبب في أضرار اقتصادية وتعليمية وغير ذلك من المبررات؛ فإذا قدّمنا البرامج التعليمية والتثقيفية الكافية سوف لا يبقى مجال لأولئك الذين يريدون إلغاءها.
بغضِّ النظر عن الإشكالية التي يثيرها المغرضون، والتي تقدّم ذكرها في النقطة السابقة، فإنّ التجمّع الذي يتواجد في هذه الزيارات لا يمكن أن يوجد في أيّ مكان آخر وفي أيّ زمان من الأزمنة؛ فمن الضروري جدّاً أن نستثمر ذلك ونغتنم الفرصة عن طريق تقديم برنامج فكري وثقافي يتناسب مع حجم هذا التواجد، ومن المتّفق عليه أنّ الظروف التي يكون فيها الزائر ـ أثناء سيره ومشيه على الأقدام ـ لا يتناسب معها إلّا تقديم المعلومة المسموعة أو المرئية؛ حيث لا يتمكن الجميع من القراءة، فضلاً عن الذين لا يجيدون القراءة أساساً.
الاستفادة من الطرق العصرية الحديثة المسموعة والمرئية وكافة وسائل التواصل الاجتماعي التي ينجذب إليها الجيل المعاصر الذين يتواجدون في هذه المسيرة المباركة، والسعي جهد الإمكان لأن تكون مواكبة ومتناسبة مع عصرها في كلّ زمن من الأزمنة؛ إذ إنّ الوسائل الحديثة بجميع أنواعها وأشكالها أصبحت محلّ اهتمام الكثير على مدار السنة وفي أوقات كثيرة؛ فإنّ الإحصائيات رصدت أنّ أغلب الشباب ـ بل وكثيراً من غيرهم ـ يتفاعلون مع المسموع أو المرئي أكثر من المقروء والمطبوع بكثير، وهذا الشيء يحتِّم علينا أن نستثمر هذا التواجد في المجالات المتاحة لنا، وأن يكون لنا حضور في جميع الأندية الفكرية والميادين الثقافية؛ فضلاً عن ضرورة اعتماد الآلية الملائمة لظروف الزائرين السائرين على الأقدام؛ حيث لا يتيسر له قراءة المكتوب أو مشاهدة المقاطع المرئية أثناء المسير، ويكون حاله يشبه سائقي المركبات؛ إذ إنّ وضعهم لا يسمح لهم بالمطالعة أو مشاهدة المقاطع المرئية، فتجدهم يلتجئون إلى البرامج المسموعة التي لا تؤثر على تركيزهم في مواصلة السير.
مقدّمة
إنّ النصوص الدينية ـ المرتبطة بزيارة المعصومين(عليهم السلام) ـ تطالعنا بمفردة من المفردات المهمّة، والتي تُعدّ شرطاً من الشروط الأساسية في حصول الزائر على الأجر والثواب في زيارة الأئمّة الأطهار(عليهم السلام)، وهذه المفردة هي المعرفة، أي: معرفة الإمام، أو ما عُبِّر عنه في بعض النصوص معرفة حقّ الإمام(عليه السلام)؛ إذ ورد في روايات زيارة أمير المؤمنين والإمام الحسين(عليهما السلام) التأكيد على التعبير التالي: «مَن أتاه عارفاً بحقّه...»[1] ، وكذلك عندما نقرأ في نصوص الزيارات ونخاطبهم(عليهم السلام) بقولنا: «أتيتك يا حبيب رسول الله وابن رسوله، وإنّي بك عارف، وبحقك مقرّ... عارف بالهدي الذي أنتم عليه...»[2]، أو قولنا في الزيارة الجامعة: «عارفاً بحقِّكم، مستبصراً بشأنكم...»[3]. بل هناك نصوص أُخرى كما في الحديث عن الإمام الصادق(عليه السلام): «مَن أتى الكعبة فعرف من حقِّنا وحرمتنا ما عرف من حقِّها وحرمتها لم يخرج من مكّة إلّا وقد غُفر له ذنوبه، وكفاه الله ما أهمّه من أمر دنياه وآخرته»[4]، فهذه النصوص وغيرها الكثير قد اشترطت المعرفة بهم وبحقِّهم.
والمراد من المعرفة ـ كما ذُكر في التفريق بينها وبين العلم ـ هو أنّ: «المعرفة: قد تُقال فيما تُدرك آثاره، وإن لم يُدرك ذاته، والعلم لا يكاد يُقال إلّا فيما أُدرك ذاته. ولذا يُقال: فلان يعرف الله، ولا يُقال: يعلم الله، لما كانت معرفته - سبحانه - ليست إلّا بمعرفة آثاره دون معرفة ذاته...»[5].
كما أنّ سرّ ارتقاء شهداء واقعة الطفّ إلى هذه المنزلة والمقام هو كونهم عارفين بإمامهم الحسين(عليه السلام) ومقامه، فمعرفتهم هي التي أوصلتهم إلى هذه المنزلة؛ كما ورد هذا المضمون في بعض الروايات التي تؤكِّد وقوفهم على الحقيقة التي لا تقبل الشك[6]؛ وكما يتجلّى ذلك في جوابهم للإمام الحسين(عليه السلام) حينما قال لهم: «وهذا الليل قد غشيكم فاتّخذوه جملاً»، فكان جواب أصحابه أن قام: «مسلم بن عوسجة وقال: والله، لو علمت أنّي أُقتل ثمّ أُحيى ثمّ أُحرق ثمّ أُحيى ثمّ أُحرق ثمّ أُذرّى، يُفعل بي ذلك سبعين مرّة ما فارقتك حتّى ألقى حمامي من دونك!! وكيف لا أفعل ذلك؟! وإنّما هي قتلة واحدة ثمّ هي الكرامة التي لا انقضاء لها أبداً. وقام زهير بن القين(رحمه الله)، فقال: والله، لوددت أنّي قُتلت ثمّ نُشرت ثمّ قُتلت، حتّى أُقتل هكذا ألف مرّة، وأنّ الله يدفع بذلك القتل عن نفسك وعن أنفس هؤلاء الفتيان من أهل بيتك لفعلت. وتكلّم بعض أصحابه بكلام يشبه بعضه بعضاً في وجهٍ واحد، فجزّاهم الحسين(عليه السلام) خيراً»[7].
وفي بعض المصادر أنّهم قالوا: «... والله، لا نخليك حتّى يعلم الله أن قد حفظنا غيبة رسول الله(صلى الله عليه واله) فيك...»[8]، وقالوا أيضاً: «لا والله، يابن رسول الله، لا نخليك أبداً حتّى يعلم الله أنّا قد حفظنا فيك وصية رسوله محمد(صلى الله عليه واله)...»[9]. ما يعني أنّهم أقدموا على القتل واختاروا ذلك عن معرفة ويقين بمنزلة الإمام الحسين(عليه السلام) ومقامه الإلهي، عارفين بوصية رسول الله(صلى الله عليه واله) في حقّ أئمّتهم(عليهم السلام).فكانوا يمتازون جميعاً بوقوفهم على الحقيقة الملموسة والمعرفة العميقة؛ كما يدلّنا على ذلك وصف الأعداء لهم بـ: (أهل البصائر)، ذلك التعبير الذي ورد في قول عمرو بن الحجاج الزبيدي حينما خاطب أصحابه قائلاً: «ويلكم يا حمقى! مهلاً، أتدرون مَن تقاتلون؟! إنّما تقاتلون فرسان المصر، وأهل البصائر، وقوماً مستميتين...»[10]، ذلك الوصف الذي يحمل في طيّاته دلالات واضحة على المعرفة القلبية واليقين الراسخ الذي حملهم على هذا القرار المصيري[11]، مع تنوعهم قَبَليّاً وجغرافياً.
إذاً؛ فالمعرفة أمر مصيري في تحديد المسير والاتجاه الذي يسلكه الإنسان، والتي من أهمّها الممارسات الدينية والأُمور العبادية التي يقوم بها المؤمنون.
وفي ضوء هذه النقطة المهمة نفهم معنى الروايات التي أكّدت على أفضلية العالم على العابد، وأهمّية العقل في حياة الإنسان ونيله الجزاء الأُخروي، كما في الرواية الواردة عن الإمام الباقر(عليه السلام) بقوله: «عالم يُنتفع بعلمه أفضل من سبعين ألف عابد»[12]، ونظائر هذه الرواية كثير جدّاً تبلغ حدّ التواتر، يجدها القارئ الكريم في أُمهات المصادر الحديثيّة المعتبرة والمهمة لدى المسلمين[13].
ومن هنا؛ فإنّنا نرى أنّ من الضروري جدّاً العمل على رفع المستوى المعرفي لدى زائر الإمام الحسين(عليه السلام) لكي يترتّب الأثر المرجو من الزيارة، فضلاً عن ضرورة الإسهام في تحصينه أمام الشبهات والإشكالات التي تُثار حول نهضة الإمام الحسين(عليه السلام) وما يرتبط بها من جوانب معرفية وفكرية مهمة، بل كلّ ما يُثار حول الدين عموماً؛ ولأجل ذلك فقد سعينا لإيجاد آلية مقترحة ليتم اعتمادها في نشر الفكر الحسيني خلال موسم الزيارات التي تشهد تجمّعاً واسعاً من قِبل أتباع مدرسة أهل البيت(عليهم السلام)؛ فكانت هذه الورقة التي أضعها بين أيدي الأساتذة الفضلاء والإخوة الباحثين الكرام والقرّاء المحترمين.
الموضوع: بعد أن قمنا بعرض بعض المقدمات التوضيحية ندخل في صلب موضوعنا المتعلّق بورقة العمل المقترحة، وهي تتكون من عدّة نقاط:
النقطة الأُولى: منشأ الفكرة لإقامة المشروع وأهدافه
1ـ منشأ الفكرة لإقامة المشروع
بعد تفكير وتأمّل مستديم ومداولة واسعة مع الأساتذة الفضلاء، ومناقشة معمّقة حول الأسئلة التالية:
ما هو الدور الذي يتحتّم على الجهات المعنية بشأن التجمّعات المليونية، والتي لا يمكن أن تتكرر في أي مناسبة أو مكان آخر؟
ما هي الآليات التربوية والتعليمية التي تتناسب مع أجواء الزيارات والظروف التي يعيشها زائر الإمام الحسين(عليه السلام)؟
وهل هناك إمكانية لتطبيق الأفكار التي تُطرح من قِبَل العلماء والأساتذة وسائر المهتمين بالشأن الديني؟ أو أنّ الأجواء لا تسمح لنا بتطبيق أيّ محاولة إرشادية وتربوية.
ومن خلال المداولات المستمرّة والتأمّل في جوانب الموضوع، سعينا لكتابة دراسة استراتيجية لنشر الفكر الحسيني تتضمّن آلية نعتقد أنّها ستكون مفيدة ومثمرة في هذا المجال، وفي ضمن هذه الجولة التأمّلية أخذنا بالمقارنة والمقايسة بين بعض النشاطات والمشاريع التي أُعدّت من قِبل بعض الأقسام في العتبة الحسينية المقدّسة وغيرها من المراقد المشرّفة، وبين الفكرة التي عاشت في خلدنا لفترة طويلة من الزمن، وكنموذج للبرامج التي قمنا بمقايسة فكرتنا عليها نذكر البرنامج الذي يتضمّن قراءة القرآن والتوجيهات الدينية التي يتمّ بثّها قُبَيل أوقات الصلاة من العتبتين الحسينية والعباسية المقدّستين ـ والتي قد سارت على هذا النهج في الآونة الأخيرة العتبة العلويّة المقدّسة أيضاً ـ فلاحظنا أثناء سيرنا في مواسم الزيارات المليونيّة خلال السنين المتقدّمة وإلى هذه السنة أنّ كثيراً من المواكب والحسينيّات في طريق الزائرين يعتمدون بالدرجة الأساس على قراءة القرآن الكريم الذي يُبثّ من العتبة الحسينية المقدّسة، وكذلك الأذان الذي يُرفع من هذه البقعة الطاهرة، بل الملاحظ على مدار أيام السنة أنّ كثيراً من الناس في المساجد التي تُعنى ببثّ الأذان والأذكار اليومية تعتمد هذه البرامج التي يتمّ بثّها من العتبات المقدّسة، وكثيراً ما سمعنا من بعض المؤمنين: أنّ التوجيهات الدينية ساهمت في تعرّف الناس على المناسبات التي تمرّ عليهم، وكذلك الأعمال التي يستحب القيام بها في هذه المناسبات.
وخير شاهد على ما ذكرناه آنفاً هو: أنّ وسائل التواصل الاجتماعي تتداول بعض المقاطع الفيديويّة التي أُعدت في قناة كربلاء الفضائية، وتعتمدها في نشر الفكر الديني الهادف، كما في ليالي الجُمع حيث ينتشر المقطع المتضمن لفضل الصلاة على محمد وآل محمد. وغيرها من النماذج الأُخرى التي يطول المقام بذكرها.
فوجدت أنّ بالإمكان اغتنام هذه الفرصة والاستفادة من الأرضية الخصبة واستثمار هذه التجمّعات لتقديم برنامج ثقافي يتسلّح من خلاله الزائر فكريّاً ودينيّاً.
كما أنّ طرح هذه الورقة ضمن الملتقى الفصلي الخامس[14] يعود لعدّة أسباب أيضاً، وأهمّها:
إنّ تطبيق محتوى هذه الورقة بحاجة إلى فترة زمنية كافية، تُقدر من ستة إلى تسعة أشهر؛ ولكي نضمن سعة الوقت، فقد سعينا جاهدين إلى تقديم هذه الورقة في هذا الوقت المبكِّر نسبياً؛ تحسبّاً للظروف الطارئة في العمل.
إنّ محتوى هذه الورقة يحتاج إلى تكاتف جهود من قِبَل جهات متعددة، سواء العلمية أم الإعلامية أم الإدارية والتنفيذية، فكلّ جهة من الجهات التي من المقرر أن تشترك في هذا المشروع لها محورية أساسية في إنجاحه، ومن دون هذه الجهود الاستثنائية سوف يُحكم على المشروع بالفشل. كما أنّ إنجاحه ـ في بعض فرضياته ـ بأمس الحاجة إلى تنسيقات موسّعة بين الجهات المعنية وبين أصحاب المواكب والحسينيات في طريق (يا حسين)، فضلاً عن الاجتماعات المكثفة والكثيرة التي يتوقف عليها إبرام التوافقات المسبقة، ناهيك عن الورشات التحضيرية التي نحتاجها مسبقاً.
إنّني شخصياً أعتقد بضرورة الاستماع للآراء ووجهات النظر من قبل الإخوة الحاضرين لكي تكون الفكرة والمشروع أكثر نضجاً وقابلية للتطبيق؛ إذ مهما بلغت هذه الورقة فإنّها تبقى ورقة مقترحةً في بداية طريقها وقابلة للتطوير.
2 ـ أهداف المشروع
ليس خافياً على أحد منّا ما تقدِّمه الجهات الدينية في داخل العراق وخارجه ـ فضلاً عن الجهود الفردية التي يقدّمها الموالون لأهل البيت(عليهم السلام) ـ إذ بذل الجميع قصارى جهدهم في سبيل تأمين المستلزمات المهمّة لإنجاح مراسيم زيارة الأربعين المباركة، وهذا الأمر لا يحتاج إلى برهنة ومثبتات للقرّاء الكرام والأساتذة الأفاضل، بعد أن لمسوا ذلك وعاشوا تفاصيل الزيارة المباركة، فتجد المبادرات الجادة من قِبل الجهات المعنية والتنسيقات المسبقة مع الجهات الأمنية لأجل تأمين سلامة الزائرين والمحافظة على أرواحهم وأجسادهم، كما يتمّ العمل على تأمين وسائل النقل من محافظاتهم وإليها ـ ذهاباً وإياباً ـ فضلاً عن المأكل والمشرب والمسكن وغيرها من الأُمور.
وكذلك تمّ العمل على الجانب الفكري والثقافي لتغذية الزائر روحياً من قِبل المؤسسات الدينية، فأُنشئت مشاريع مهمّة بجهود مشكورة من قِبل الحوزة العلمية في النجف الأشرف، فضلاً عن العتبات المقدّسة والمزارات الدينية، بل حتّى مؤسسات المجتمع المدني وغيرها، مهمّتها الأساس الارتقاء بوعي الزائر ورفع مستواه الفكري والثقافي والأخلاقي، وقد اتّبع القائمون على هذه المشاريع آليات وسبل جيدة كتكليف بعض رجال الدين لإقامة صلاة الجماعة في طرق الزائرين، وكذلك التصدّي للإجابة عن الأسئلة الشرعية والشبهات التي تُثار حول المسائل الدينية.
إلّا أنّ هذا لا يمنع من أن تبادر العتبة الحسينية المقدّسة ـ وهي المعنية بالدرجة الأُولى بهذه الزيارة؛ خصوصاً إذا أخذنا بنظر الاعتبار المشاريع العلمية والفكرية والثقافية التابعة لها، بالإضافة إلى كونها مؤسّسة دينية تحت خيمة المرجعية العليا في النجف الأشرف ـ إلى تقديم برنامج ومشروع منتظم يرفع من وعي الزائر وثقافته؛ ولذا نقترح هذا المشروع الذي يهدف إلى الأُمور التالية:
اغتنام الفرصة للاستفادة من هذه الجموع الغفيرة لزائري سيد الشهداء(عليه السلام)؛ للنهوض بالواقع الاجتماعي، ومعالجة المشاكل التي يعاني منها مجتمعنا المسلم بصورة عامة، فإنّ الجمهور الموالي يكون أكثر تقبّلاً فيما لو كان الخطاب مستنداً إلى نهضة الإمام الحسين(عليه السلام)، وهذا الشيء ملموس بوضوح في المواسم التبليغية؛ حيث يجتمع الناس حول المنبر الحسيني بأعداد ليس لها نظير في سائر التجمّعات، وما ذلك إلّا ببركة سيد الشهداء(عليه السلام) وانتساب القضايا الفكريّة والدينية التي يتمّ طرحها في المنبر إلى الإمام الحسين(عليه السلام)، ما يعني إمكانية العمل على نسق ذلك في موسم زيارة الأربعين، ولكن يتوقّف ذلك على كيفيّة توظيف المعلومة وعرضها لهذا الغرض بما يتناسب مع الظروف التي يعيشها أفراد تلك التجمعات.
البرهنة على قابلية خطابات النهضة الحسينية وبياناتها وقدرتها على تغطية جميع جوانب الحياة البشرية، ورفدها بالنصوص التي تعالج المشاكل فيها، كما سوف يأتي في النماذج التي نذكرها للمشروع، على أنّ واحداً من مشاريع مؤسّسة وارث الأنبياء يصلح لأن يغطي جميع الجوانب العملية في هذه الورقة، فضلاً عن المشاريع الأُخرى في هذه المؤسّسة، فلو أخذنا مشروع الموسوعة العلمية من كلمات الإمام الحسين(عليه السلام) ـ والتي يصل عدد أجزائها إلى خمسين مجلداً ـ لوجدنا أنّه قد تناول العلوم المختلفة والمتنوعة التي تثري الساحة الفكرية بالمعلومات المستندة إلى الإمام الحسين(عليه السلام).
سدّ الطريق أمام المغرضين والمهرِّجين الذين يريدون إلغاء هذه المراسيم التي حفظت لنا الدين، وتمكنت في قلوب مجتمعاتنا خلال القرون الماضية؛ إذ نسمع من هنا وهناك بعض الأصوات الناشزة تضج وتهرِّج وتلقي باللوم على الجهات الدينية من جهة، ومن جهة أُخرى تسعى لإلغاء تلك الزيارات المليونيّة بذريعة أنّها تتسبب في أضرار اقتصادية وتعليمية وغير ذلك من المبررات؛ فإذا قدّمنا البرامج التعليمية والتثقيفية الكافية سوف لا يبقى مجال لأولئك الذين يريدون إلغاءها.
بغضِّ النظر عن الإشكالية التي يثيرها المغرضون، والتي تقدّم ذكرها في النقطة السابقة، فإنّ التجمّع الذي يتواجد في هذه الزيارات لا يمكن أن يوجد في أيّ مكان آخر وفي أيّ زمان من الأزمنة؛ فمن الضروري جدّاً أن نستثمر ذلك ونغتنم الفرصة عن طريق تقديم برنامج فكري وثقافي يتناسب مع حجم هذا التواجد، ومن المتّفق عليه أنّ الظروف التي يكون فيها الزائر ـ أثناء سيره ومشيه على الأقدام ـ لا يتناسب معها إلّا تقديم المعلومة المسموعة أو المرئية؛ حيث لا يتمكن الجميع من القراءة، فضلاً عن الذين لا يجيدون القراءة أساساً.
الاستفادة من الطرق العصرية الحديثة المسموعة والمرئية وكافة وسائل التواصل الاجتماعي التي ينجذب إليها الجيل المعاصر الذين يتواجدون في هذه المسيرة المباركة، والسعي جهد الإمكان لأن تكون مواكبة ومتناسبة مع عصرها في كلّ زمن من الأزمنة؛ إذ إنّ الوسائل الحديثة بجميع أنواعها وأشكالها أصبحت محلّ اهتمام الكثير على مدار السنة وفي أوقات كثيرة؛ فإنّ الإحصائيات رصدت أنّ أغلب الشباب ـ بل وكثيراً من غيرهم ـ يتفاعلون مع المسموع أو المرئي أكثر من المقروء والمطبوع بكثير، وهذا الشيء يحتِّم علينا أن نستثمر هذا التواجد في المجالات المتاحة لنا، وأن يكون لنا حضور في جميع الأندية الفكرية والميادين الثقافية؛ فضلاً عن ضرورة اعتماد الآلية الملائمة لظروف الزائرين السائرين على الأقدام؛ حيث لا يتيسر له قراءة المكتوب أو مشاهدة المقاطع المرئية أثناء المسير، ويكون حاله يشبه سائقي المركبات؛ إذ إنّ وضعهم لا يسمح لهم بالمطالعة أو مشاهدة المقاطع المرئية، فتجدهم يلتجئون إلى البرامج المسموعة التي لا تؤثر على تركيزهم في مواصلة السير.