صدى المهدي
26-07-2023, 10:15 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
وبعد..
1ـ فان ما نقوله في سند زيارة عاشوراء متوافق مع ما يقوله علماؤنا الأبرار، ويكفي أن نذكر أن اللذين من دأبهم التشكيك في النصوص، ويسعون للتهرب منهما باي نحو كان لم يمكنهم انكار هذه الزيارة التي وجدوا أنها متلقاة بالقبول وعليهما مدار العمل من قبل أعيان وكبار اعلام طائفة أهل الحق «رضوان الله تعالى عليهم»، وحيث اهتموا بها، ودونوها في كتبهم، ووضعوها بين أيدي الناس لتداولها والعمل بها.
ومنهم:ابن قولوية المتوفي 367 أو 369 هـ. في كامل الزيارات.
والشيخ الطوسي المتوفي سنة 360 هـ. في كتابه المصباح الكبير، وكتابه: المفتاح الصغير.
وهي مذكورة أيضاً في المزار القديم وهو للقطب الراوندي، أو احد معاصريه، أو لرجل معاصر لصاحب الإحتجاج.
وذكرها أيضاً ابن المشهدي (وهو من أعلام القرن السابع) في كتابه المزار الكبير.
وعلي بن طاووس (المتوفي سنة 664 هـ) في مصباح الزائر..
وأشار إليهما السيد عبد الكريم بن أحمد بن طاووس، المتوفي سنة 648 هـ. في كتابة فرحة الغري.
وذكرها العلامة الحلي المتوفي سنة 726 هـ. في منهاج الصلاح.
والشهيد الاول المستشهد سنة 786 هـ. في كتاب المزار.
وعلى بن حسان بن باقي (من اعلام القرن الثامن) في كتاب اختيار المصباح..
والكفعمي المتوفي سنة 905هـ في المصباح..
والبهائي المتوفي سنة 1030هـ في كتاب جامع عباسي
والمير الدماد في الرواشح السماوية. وفي كتاب: أربعة أيام.
والمجلسي في بحار الأوار، وزاد المعاد، وتحفة الزائر.
والحر العاملي في وسائل الشيعة وحكم بوثاقة رواة الزيارة..([1]).
بالاضافة إلى كثيرين آخرين..
2 ـ ان المأخذ الذي سجلوه على زيارة عاشوراء، هو انها تضمنت لعن بني أمية، لأجل ما أوردوه على أهل البيت من ظلم وأذى. وزعمو ان هذا اللعن مقحم في الزيارة. واستدلوا على ذلك بما يلي:
أولاً: أن اللعن أمر مرفوض، وتنفر منه القلوب، وتشمئز منه النفوس، وينافي الآداب والاخلاق.
ونقول:
قد أجاب علماؤنا على هذا بما يلي:
ألف:إن الله تعالى قد لعن الكافرين والمنافقين والكاذبين وسواهم في كتابه العزيز..
ب: إن الله تعالى قد ذكر: أن الأنبياء والناس يلعنون أهل الضلال والإنحراف، فقد قال تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾([2]).
وقال: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾([3]).
وفي آية أخرى: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾([4]).
وفي آية أخرى: ﴿أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾([5]).
ج:إن آية الملاعنة تأمر المرأة المتهمة بلعن صاحبها إن كان كاذباً.. وتأمر الرجل بلعن صاحبته إن كانت كاذبة([6]).
وفي آية المباهلة جعل قوام المباهلة ونزول العذاب بأن يجعل كل فريق لعنة الله على الكاذبين.
د:إن الوارد على لسان النبي «صلى الله عليه وآله» والأئمة الطاهرين لجماعات من الناس، أو لأشخاص لأجل ما يصدر عنهم أعمال معينة لا تكاد تحصى، فراجع كتب الحديث والتاريخ..
ثانياً:زعموا: أن اللعن نوع من أنواع السب. وقد قال علي «عليه السلام»: «إني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر»([7]).
وقال الإمام الصادق «عليه السلام» لأصحابه: «نزهونا عن السب، ولا تكونوا قوماً سبابين.. حتى يقال: رحم الله جعفر بن محمد ما أحسن ما كان يؤدب به أصحابه»([8]).
ونجيب:
ألف: إن السب هو الطعن بالكرامة والشرف. أما اللعن، فهو دعاء بالإبعاد عن رحمة الله، وشتان ما بينهما.
ب: إن النهي إنما هو نهي كراهة وإرشاد إلى الأصلح، لا نهي تحريم، بقرينة قوله: «أكره لكم». ولم يقل: لا يجوز لكم ـ مثلاً ـ. وبقرينة إرشادهم إلى وصف أعمالهم، ليكون ذلك أصوب في القول، وأبلغ في العذر..
ج: إن المنهي عنه هو أن يكونوا سبابين ـ بمعنى أن تكون هذه هي الصفة الغالبة عليهم ـ ولا يدل ذلك على حرمة السب حين تقتضيه المصلحة.. كما لو كان من اشتهر بكونه ابن زنا يرشح نفسه للخلافة والإمامة، أو يحاول الطعن في كرامة النبي أو الوصي، فيوصف بما فيه لكي لا يأخذ الناس بقوله.. ولا يطاع فيما يريد أن يحمل الناس عليه.
ولأجل ذلك نجد: أن أمير المؤمنين يقول: زعم ابن النابغة أن فيَّ دعابة، وإني امرؤ تلعابة إلخ..([9]).
3 ـوزعموا أيضاً: أن تعميم اللعن لبني أمية قاطبة.. لا يصح، لوجود مؤمن فيهم، مثل معاوية بن يزيد.
ونجيب بما يلي:
أولاً: إن الروايات صريحة في أن قوله تعالى ﴿وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ﴾([10]). قد نزل في بني أمية([11]).
وروايات أخرى تقول: إن قوله تعالى: ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ﴾([12]). نزل في بني أمية أيضاً.. وهذا يعني: جواز لعنهم قاطبة..
بل هي تدل على عدم وجود مؤمن فيهم..
ثانياً: إن كان في بني أمية من لا يستحق اللعن، وبقي على حالة الصلاح إلى أن مات، فلا يشمله اللعن، بل يكون منصرفاً عنه على قاعدة المخصص اللبي، فإن من المعلوم: أنه إذا كانت قبيلة بأسرها أعداء لرسول الله «صلى الله عليه وآله» باستثناء رجل منها أو رجلين، فإنه إذا قال: لعن الله جميع أفراد العائلة الفلانية بحضور هذين الرجلين، فإنهما وجميع من حضر وعرف حال ذينك الرجلين في الإيمان، والحب للرسول، وحال سائر أفراد تلك العائلة في العداء له، لا يخطر على بالهم: أن كلامه يشمل هذين المحبين له، ولا ينزعج ذانك الرجلان من هذا التعميم في الكلام منه «صلى الله عليه وآله».. لأنهما يعرفان أن المقصود غيرهما بلا ريب.
وهو نظير قوله تعالى: ﴿وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ﴾([13]). فإن الأمر ينصرف إلى المكذبين منهم باستثناء بضعة أشخاص آمنوا منهم، وإن كان ظاهره التعميم للجميع، ولكن لا ينظر إلى هؤلاء المؤمنين في مقام الإزراء على القوم.. ولا يعاب هذا التعميم لجميع القوم، لأن الفرد أو الأفراد المؤمنين غير مقصودين بكلامه يقيناً.. ولا سيما مع تبرؤ المؤمنين من قومهم الكافرين..
بل ربما اعتبر المؤمنون أنفسهم من الذين استودعت نطفهم في أصلاب آبائهم، وهم ليسوا من سنخهم، ولا جزءاً منهم، ولا هي نتاج أجسادهم..
ثالثاً: نحن لا ننكر: أنه قد كان في بني أمية أناس مؤمنون صالحون، مثل خالد بن سعيد بن العاص.. ومع ذلك، فقد وصفهم القرآن: بأنهم الشجرة الملعونة في القرآن .. وورد الأمر بلعنهم قاطبة ..
ولعل سبب ذلك: أن اللعنة إنما تصيب من يستحقها.. فقد روي عن الإمام الصادق «عليه السلام»، عن أبيه «عليه السلام»: إن اللعنة إذا خرجت من صاحبها ترددت بينها وبين الذي يلعن، فإن وجدت مساغاً وإلا عادت إلى صاحبها، وكان أحق بها(1) الحديث.
فإذا كانت اللعنة تصيب من يستحقها، وكان الأمر قد ورد بلعن بني أمية قاطبة، لكي يصيب بها أصحابها بدون استثناء، ولو لم نعلمهم بالتفصيل، فإن اللعنة لا ترجع إلى المؤمن، لأنها وجدت مستحقها، ولأن المؤمن لا يستحقها في هذا المورد، لأنه مؤمن، ولأنه يمتثل الأمر الصادر إليه من الشارع نفسه.
رابعاً:لم يظهر لنا: أن معاوية بن يزيد كان صالحاً بنحو تطمئن له النفس، لأن ما نقل له من كلمات تدل على اعترافه بالفضل للإمام السجاد «عليه السلام» قد وردت في مصدر متأخر ومن دون أسناد([14]).
والمذكور في كتب المتقدمين.. فكالذي ذكره المؤرخ الأقدم ابن واضح اليعقوبي، الذي أورد خطبته التي يعترف فيها بفضل أمير المؤمنين «عليه السلام»، ويذكر جرائم أبيه، ولكنه صرح: بأنه لا يجد في من حوله خليفة من بينهم([15]).
وهكذا ذكر المسعودي أيضاً، غير أنه قال: لا أجد نفراً كأهل الشورى، فأجعلها إليهم ينصبون لها من يرونه أهلاً لها([16]).
وعند ابن الأثير: أنه ابتغى لهم مثل عمر ليستخلفه، فلم يجد، فابتغى لهم ستة مثل ستة الشورى، فلم يجد([17]).
ولا ندري لماذا لم يجد لهم في نص رسول الله «صلى الله عليه وآله» على الأئمة الاثني عشر من أهل بيته، وفي قوله: «إني تارك فيكم الثقلين..»، وغير ذلك ـ لماذا لم يجد فيه ـ ما يدعوه للتذكير بهذه النصوص، وإظهار التأسف لعدم الإلتزام بها؟! بل التجأ إلى الشورى العمرية التي جرَّت الكثير من البلاءات على الأمة، حيث مكنت لبني أمية، ومهدت لحروب الجمل وصفين والنهروان، وجاءت بأمثال يزيد لتضعهم في موقع الخلافة لرسول الله «صلى الله عليه وآله»، فيبيدون ذريته، ويقتلون خيار الأمة، ويهدمون الكعبة، ويرمون كتاب الله بالنشاب.. وما إلى ذلك من مخزيات وموبقات.
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
([1]) أخذنا هذه النبذة عن هؤلاء الأعلام من كتاب زيارة عاشوراء فوق الشبهات لآية الله الشيخ جواد التبريزي «قدس سره» (ط سنة 1427 هـ.) ص 67 ـ 72.
([2]) الآية 78 من سورة المائدة
([3]) الآية 87 من سورة آل عمران
([4]) الآية 161 من سورة البقرة، والآية 87 من سورة آل عمران.
([5]) الآية 159 من سورة البقرة
([6]) راجع: الآية 6 و 7 من سورة النور.
([7]) نهج البلاغة (بشرح عبده) الخطبة رقم 201.
([8]) من لا يحضره الفقيه ج1 ص383 ووسائل الشيعة (آل البيت) ج8 ص430 و (الإسلامية) ج5 ص477 وج8 ص310 و 312 ومستدرك الوسائل ج6 ص508 وجواهر الكلام ج22 ص53 والذكرى للشهيد الأول ج4 ص370 والوافي ج8 ص1220 ودعائم الإسلام ج1 ص57 و 66
([9]) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج1 ص147 والإحتجاج للطبرسي ج1 ص269 وشرح مئة كلمة لأمير المؤمنين لابن ميثم ص162 وبحار الأنوار ج30 ص285 وج33 ص223 ومناقب أهل البيت للشيرواني ص455 والأمالي للطوسي ص131 وحلية الأبرار ج2 ص415 والغارات للثقفي ج2 ص514 والفايق للزمخشري ج3 ص203 وأنساب الأشراف ج2 ص127 و 145 و 151 و النهاية في غريب الحديث ج1 ص194 و 196 و 252
([10]) الآية 26 من سورة إبراهيم.
([11]) راجع: بحار الأنوار ج31 ص525 و 526 وتفسير العياشي ج2 ص97 و 298 وتفسير البرهان ج2 ص 424 و 425 وتفسير الصافي ج3 ص199.
([12]) الآية 60 من سورة الإسراء.
([13]) الآية 66 من سورة الأنعام.
([14]) تاريخ اليعقوبي (ط النجف) ج2 ص 241
([15]) مروج الذهب ج3 ص73
([16]) حبيب السير ج2 ص131 وفي كامل البهائي ج2 ص260: أنه كان له معلم شيعي.
([17]) الكامل لابن عدي ج4 ص130.
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
وبعد..
1ـ فان ما نقوله في سند زيارة عاشوراء متوافق مع ما يقوله علماؤنا الأبرار، ويكفي أن نذكر أن اللذين من دأبهم التشكيك في النصوص، ويسعون للتهرب منهما باي نحو كان لم يمكنهم انكار هذه الزيارة التي وجدوا أنها متلقاة بالقبول وعليهما مدار العمل من قبل أعيان وكبار اعلام طائفة أهل الحق «رضوان الله تعالى عليهم»، وحيث اهتموا بها، ودونوها في كتبهم، ووضعوها بين أيدي الناس لتداولها والعمل بها.
ومنهم:ابن قولوية المتوفي 367 أو 369 هـ. في كامل الزيارات.
والشيخ الطوسي المتوفي سنة 360 هـ. في كتابه المصباح الكبير، وكتابه: المفتاح الصغير.
وهي مذكورة أيضاً في المزار القديم وهو للقطب الراوندي، أو احد معاصريه، أو لرجل معاصر لصاحب الإحتجاج.
وذكرها أيضاً ابن المشهدي (وهو من أعلام القرن السابع) في كتابه المزار الكبير.
وعلي بن طاووس (المتوفي سنة 664 هـ) في مصباح الزائر..
وأشار إليهما السيد عبد الكريم بن أحمد بن طاووس، المتوفي سنة 648 هـ. في كتابة فرحة الغري.
وذكرها العلامة الحلي المتوفي سنة 726 هـ. في منهاج الصلاح.
والشهيد الاول المستشهد سنة 786 هـ. في كتاب المزار.
وعلى بن حسان بن باقي (من اعلام القرن الثامن) في كتاب اختيار المصباح..
والكفعمي المتوفي سنة 905هـ في المصباح..
والبهائي المتوفي سنة 1030هـ في كتاب جامع عباسي
والمير الدماد في الرواشح السماوية. وفي كتاب: أربعة أيام.
والمجلسي في بحار الأوار، وزاد المعاد، وتحفة الزائر.
والحر العاملي في وسائل الشيعة وحكم بوثاقة رواة الزيارة..([1]).
بالاضافة إلى كثيرين آخرين..
2 ـ ان المأخذ الذي سجلوه على زيارة عاشوراء، هو انها تضمنت لعن بني أمية، لأجل ما أوردوه على أهل البيت من ظلم وأذى. وزعمو ان هذا اللعن مقحم في الزيارة. واستدلوا على ذلك بما يلي:
أولاً: أن اللعن أمر مرفوض، وتنفر منه القلوب، وتشمئز منه النفوس، وينافي الآداب والاخلاق.
ونقول:
قد أجاب علماؤنا على هذا بما يلي:
ألف:إن الله تعالى قد لعن الكافرين والمنافقين والكاذبين وسواهم في كتابه العزيز..
ب: إن الله تعالى قد ذكر: أن الأنبياء والناس يلعنون أهل الضلال والإنحراف، فقد قال تعالى: ﴿لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَلِكَ بِمَا عَصَوْا وَكَانُوا يَعْتَدُونَ﴾([2]).
وقال: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾([3]).
وفي آية أخرى: ﴿أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ لَعْنَةُ اللهِ وَالْمَلَائِكَةِ وَالنَّاسِ أَجْمَعِينَ﴾([4]).
وفي آية أخرى: ﴿أُولَئِكَ يَلْعَنُهُمُ اللهُ وَيَلْعَنُهُمُ اللَّاعِنُونَ﴾([5]).
ج:إن آية الملاعنة تأمر المرأة المتهمة بلعن صاحبها إن كان كاذباً.. وتأمر الرجل بلعن صاحبته إن كانت كاذبة([6]).
وفي آية المباهلة جعل قوام المباهلة ونزول العذاب بأن يجعل كل فريق لعنة الله على الكاذبين.
د:إن الوارد على لسان النبي «صلى الله عليه وآله» والأئمة الطاهرين لجماعات من الناس، أو لأشخاص لأجل ما يصدر عنهم أعمال معينة لا تكاد تحصى، فراجع كتب الحديث والتاريخ..
ثانياً:زعموا: أن اللعن نوع من أنواع السب. وقد قال علي «عليه السلام»: «إني أكره لكم أن تكونوا سبابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم، كان أصوب في القول، وأبلغ في العذر»([7]).
وقال الإمام الصادق «عليه السلام» لأصحابه: «نزهونا عن السب، ولا تكونوا قوماً سبابين.. حتى يقال: رحم الله جعفر بن محمد ما أحسن ما كان يؤدب به أصحابه»([8]).
ونجيب:
ألف: إن السب هو الطعن بالكرامة والشرف. أما اللعن، فهو دعاء بالإبعاد عن رحمة الله، وشتان ما بينهما.
ب: إن النهي إنما هو نهي كراهة وإرشاد إلى الأصلح، لا نهي تحريم، بقرينة قوله: «أكره لكم». ولم يقل: لا يجوز لكم ـ مثلاً ـ. وبقرينة إرشادهم إلى وصف أعمالهم، ليكون ذلك أصوب في القول، وأبلغ في العذر..
ج: إن المنهي عنه هو أن يكونوا سبابين ـ بمعنى أن تكون هذه هي الصفة الغالبة عليهم ـ ولا يدل ذلك على حرمة السب حين تقتضيه المصلحة.. كما لو كان من اشتهر بكونه ابن زنا يرشح نفسه للخلافة والإمامة، أو يحاول الطعن في كرامة النبي أو الوصي، فيوصف بما فيه لكي لا يأخذ الناس بقوله.. ولا يطاع فيما يريد أن يحمل الناس عليه.
ولأجل ذلك نجد: أن أمير المؤمنين يقول: زعم ابن النابغة أن فيَّ دعابة، وإني امرؤ تلعابة إلخ..([9]).
3 ـوزعموا أيضاً: أن تعميم اللعن لبني أمية قاطبة.. لا يصح، لوجود مؤمن فيهم، مثل معاوية بن يزيد.
ونجيب بما يلي:
أولاً: إن الروايات صريحة في أن قوله تعالى ﴿وَمَثَلُ كَلِمَةٍ خَبِيثَةٍ كَشَجَرَةٍ خَبِيثَةٍ اجْتُثَّتْ مِنْ فَوْقِ الْأَرْضِ مَا لَهَا مِنْ قَرَارٍ﴾([10]). قد نزل في بني أمية([11]).
وروايات أخرى تقول: إن قوله تعالى: ﴿وَالشَّجَرَةَ الْمَلْعُونَةَ فِي الْقُرْآنِ﴾([12]). نزل في بني أمية أيضاً.. وهذا يعني: جواز لعنهم قاطبة..
بل هي تدل على عدم وجود مؤمن فيهم..
ثانياً: إن كان في بني أمية من لا يستحق اللعن، وبقي على حالة الصلاح إلى أن مات، فلا يشمله اللعن، بل يكون منصرفاً عنه على قاعدة المخصص اللبي، فإن من المعلوم: أنه إذا كانت قبيلة بأسرها أعداء لرسول الله «صلى الله عليه وآله» باستثناء رجل منها أو رجلين، فإنه إذا قال: لعن الله جميع أفراد العائلة الفلانية بحضور هذين الرجلين، فإنهما وجميع من حضر وعرف حال ذينك الرجلين في الإيمان، والحب للرسول، وحال سائر أفراد تلك العائلة في العداء له، لا يخطر على بالهم: أن كلامه يشمل هذين المحبين له، ولا ينزعج ذانك الرجلان من هذا التعميم في الكلام منه «صلى الله عليه وآله».. لأنهما يعرفان أن المقصود غيرهما بلا ريب.
وهو نظير قوله تعالى: ﴿وَكَذَّبَ بِهِ قَوْمُكَ وَهُوَ الْحَقُّ﴾([13]). فإن الأمر ينصرف إلى المكذبين منهم باستثناء بضعة أشخاص آمنوا منهم، وإن كان ظاهره التعميم للجميع، ولكن لا ينظر إلى هؤلاء المؤمنين في مقام الإزراء على القوم.. ولا يعاب هذا التعميم لجميع القوم، لأن الفرد أو الأفراد المؤمنين غير مقصودين بكلامه يقيناً.. ولا سيما مع تبرؤ المؤمنين من قومهم الكافرين..
بل ربما اعتبر المؤمنون أنفسهم من الذين استودعت نطفهم في أصلاب آبائهم، وهم ليسوا من سنخهم، ولا جزءاً منهم، ولا هي نتاج أجسادهم..
ثالثاً: نحن لا ننكر: أنه قد كان في بني أمية أناس مؤمنون صالحون، مثل خالد بن سعيد بن العاص.. ومع ذلك، فقد وصفهم القرآن: بأنهم الشجرة الملعونة في القرآن .. وورد الأمر بلعنهم قاطبة ..
ولعل سبب ذلك: أن اللعنة إنما تصيب من يستحقها.. فقد روي عن الإمام الصادق «عليه السلام»، عن أبيه «عليه السلام»: إن اللعنة إذا خرجت من صاحبها ترددت بينها وبين الذي يلعن، فإن وجدت مساغاً وإلا عادت إلى صاحبها، وكان أحق بها(1) الحديث.
فإذا كانت اللعنة تصيب من يستحقها، وكان الأمر قد ورد بلعن بني أمية قاطبة، لكي يصيب بها أصحابها بدون استثناء، ولو لم نعلمهم بالتفصيل، فإن اللعنة لا ترجع إلى المؤمن، لأنها وجدت مستحقها، ولأن المؤمن لا يستحقها في هذا المورد، لأنه مؤمن، ولأنه يمتثل الأمر الصادر إليه من الشارع نفسه.
رابعاً:لم يظهر لنا: أن معاوية بن يزيد كان صالحاً بنحو تطمئن له النفس، لأن ما نقل له من كلمات تدل على اعترافه بالفضل للإمام السجاد «عليه السلام» قد وردت في مصدر متأخر ومن دون أسناد([14]).
والمذكور في كتب المتقدمين.. فكالذي ذكره المؤرخ الأقدم ابن واضح اليعقوبي، الذي أورد خطبته التي يعترف فيها بفضل أمير المؤمنين «عليه السلام»، ويذكر جرائم أبيه، ولكنه صرح: بأنه لا يجد في من حوله خليفة من بينهم([15]).
وهكذا ذكر المسعودي أيضاً، غير أنه قال: لا أجد نفراً كأهل الشورى، فأجعلها إليهم ينصبون لها من يرونه أهلاً لها([16]).
وعند ابن الأثير: أنه ابتغى لهم مثل عمر ليستخلفه، فلم يجد، فابتغى لهم ستة مثل ستة الشورى، فلم يجد([17]).
ولا ندري لماذا لم يجد لهم في نص رسول الله «صلى الله عليه وآله» على الأئمة الاثني عشر من أهل بيته، وفي قوله: «إني تارك فيكم الثقلين..»، وغير ذلك ـ لماذا لم يجد فيه ـ ما يدعوه للتذكير بهذه النصوص، وإظهار التأسف لعدم الإلتزام بها؟! بل التجأ إلى الشورى العمرية التي جرَّت الكثير من البلاءات على الأمة، حيث مكنت لبني أمية، ومهدت لحروب الجمل وصفين والنهروان، وجاءت بأمثال يزيد لتضعهم في موقع الخلافة لرسول الله «صلى الله عليه وآله»، فيبيدون ذريته، ويقتلون خيار الأمة، ويهدمون الكعبة، ويرمون كتاب الله بالنشاب.. وما إلى ذلك من مخزيات وموبقات.
والحمد لله، والصلاة والسلام على محمد وآله الطاهرين..
([1]) أخذنا هذه النبذة عن هؤلاء الأعلام من كتاب زيارة عاشوراء فوق الشبهات لآية الله الشيخ جواد التبريزي «قدس سره» (ط سنة 1427 هـ.) ص 67 ـ 72.
([2]) الآية 78 من سورة المائدة
([3]) الآية 87 من سورة آل عمران
([4]) الآية 161 من سورة البقرة، والآية 87 من سورة آل عمران.
([5]) الآية 159 من سورة البقرة
([6]) راجع: الآية 6 و 7 من سورة النور.
([7]) نهج البلاغة (بشرح عبده) الخطبة رقم 201.
([8]) من لا يحضره الفقيه ج1 ص383 ووسائل الشيعة (آل البيت) ج8 ص430 و (الإسلامية) ج5 ص477 وج8 ص310 و 312 ومستدرك الوسائل ج6 ص508 وجواهر الكلام ج22 ص53 والذكرى للشهيد الأول ج4 ص370 والوافي ج8 ص1220 ودعائم الإسلام ج1 ص57 و 66
([9]) نهج البلاغة (بشرح عبده) ج1 ص147 والإحتجاج للطبرسي ج1 ص269 وشرح مئة كلمة لأمير المؤمنين لابن ميثم ص162 وبحار الأنوار ج30 ص285 وج33 ص223 ومناقب أهل البيت للشيرواني ص455 والأمالي للطوسي ص131 وحلية الأبرار ج2 ص415 والغارات للثقفي ج2 ص514 والفايق للزمخشري ج3 ص203 وأنساب الأشراف ج2 ص127 و 145 و 151 و النهاية في غريب الحديث ج1 ص194 و 196 و 252
([10]) الآية 26 من سورة إبراهيم.
([11]) راجع: بحار الأنوار ج31 ص525 و 526 وتفسير العياشي ج2 ص97 و 298 وتفسير البرهان ج2 ص 424 و 425 وتفسير الصافي ج3 ص199.
([12]) الآية 60 من سورة الإسراء.
([13]) الآية 66 من سورة الأنعام.
([14]) تاريخ اليعقوبي (ط النجف) ج2 ص 241
([15]) مروج الذهب ج3 ص73
([16]) حبيب السير ج2 ص131 وفي كامل البهائي ج2 ص260: أنه كان له معلم شيعي.
([17]) الكامل لابن عدي ج4 ص130.