صدى المهدي
29-07-2023, 12:46 PM
وا حسيناه..استشهاد سيد الشهداء أبي عبدالله الحسين عليه السلام
https://media.arabicradio.net/original/2020/08/22/637336833804283399.jpg
استشهاد سبط الرسول وسيد شباب اهل الجنة الامام الحسين بن علي بن ابي طالب https://www.ahbabhusain.net/vb/images/smilies/a-14.gifواقعة عاشوراء، ملحمة كبرى دارت رحاها على أرض كربلاء في اليوم العاشر من محرم سنة 61 للهجرة. سقط فيها مجموعة من الشهداء وعلى رأسهم الإمام الحسين بن علي مع ابنين له أحدهما رضيع، وكذلك إخوته وبني إخوته وأبناء عمومته من بني هاشم، وعصبة من أصحابه، حين قرّروا البقاء مع الحسين ومنازلة جيش يزيد بن معاوية بقيادة عمر بن سعد.
وبعد أن انتهت المعركة سيق ركب النساء واليتامى أسارى إلى الكوفة ومنها إلى الشام، وفيهم الإمام زين العابدين وزينب بنت علي ، يتقدمهم رؤوس الشهداء على الرماح.
واقعة عاشوراء من أشهر الحوادث المأساوية في التاريخ وأكثرها إثارة؛ وجري فيها الإنتهاكات وهتك الحرمات، فكانت لها انعكاسات وأصداء واسعة، وقد صوّر الفن كل ذلك على شكل لوحات فنية، وأفلام ومسلسلات وخطته أنامل الشعراء والأدباء وأرباب المقاتل شعراً ونثراً.
وقد اعتنى الشيعة منذ العصور القديمة وبإيعاز واهتمام من أئمة أهل البيت ، بإحياء تلك المناسبة على مدار السنة لاسيما خلال شهريمحرم وصفر.
من العبارات المنقولة عن النبي الأكرم فيما يتعلق بالواقعة: «إنّ لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لن تبرد أبداً»، كما وصف سبطه بـ«قتيل العبرة ... الذي لا يذكره مؤمن إلّا بكى».
كلمة عاشوراء
عاشوراء: يوم سُمّي في الإسلام، ولم يُعرف في الجاهلية، وهو اليوم العاشر من المحرم.
بعد أن تمكّن عبيد الله بن زياد من السيطرة على الكوفة وهيمن على الواقع العسكري والإداري في البلد وتمكن من قتل الإمام الحسين وأصحابه في اليوم العاشر من شهر المحرم؛ وبعد أن حطّت الحرب أوزارها ساق النساء والأطفال أسارى إلى الكوفة وحبسهم هناك عدّة أيام، وبعد أن كتب إلى يزيد بن معاوية يعلمه الخبر بقتل الحسين وأهل بيته وأصحابه، كتب إليه يزيد أن يحمل إليه في الشام الرؤوس والأسرى.
ومن هنا تحول هذا اليوم عند الشيعة إلى يوم حزنٍ وعزاء على استشهاد الإمام الحسين ، والذي يعدّ أكبر مصيبة وقعت على آل الرسول، فاتخذه أعداء أهل البيت يوم فرح لهم، واتخذته الشيعة مأتماً ومواساةً لآل الرسول يبكون فيه القتلى. يضاف إلى ذلك اهتمام الشيعة بجميع وقائع ذلك اليوم وما سبقه وما تلاه من الوقائع من تمثيل بأجساد الشهداء وحرق للخيام وأسر للنساء والأطفال.
أحداث ليلة العاشر
قبل البدء بالتحركات والإجراءات اللازمة في يوم عاشوراء، شهدت أرض الطف استعدادات في معسكر بني هاشم من أجل المواجهة المتوقعة، فقد ذكرت المصادر بأن ليلة العاشر من محرم، حملت في طيّاتها مواقف ومضامين متميزة، من ضمنها "لمّا أمسى حسينٌ (ع) وأصحابه قاموا الليل كلّه يصلّون ويستغفرون ويدعون ويتضرّعون..."،وفي رواية أخرى وصف معسكر الإمام الحسين في تلك الليلة على أنه "بات الحسين (ع) وأصحابه تلك الليلة، ليلة العاشر من المحرم، ولهم دوي كدوي النحل، ما بين راكع وساجد، وقائم وقاعد".
وأحداث أخرى مشابهة. كما تميزت هذه الليلة بمواصفات خاصة، منها:
الإستعدادات العسكرية كـتفقد التلاع والعقاب، والأمر بحفر خندق حول الخيم، وأن تلقى فيه النار، والأمر بأن يقرب بعضهم خيامهم من بعض وأن يدخلوا الأطناب بعضها في بعض وأمور من هذا القبيل.
وتأكيد أنصار الإمام على البيعة والوفاء بالعهد
وحوار الإمام الحسين مع السيدة زينب وذلك بعد أن انتهى الإمام الحسين (ع) من استطلاع التلاع والروابي عاد، حتى دخل خيمة زينب فسألته (ع) عما إذا كان قد استعلم من أصحابه نياتهم فكانت تخشى أن يسلموه (ع) عند الشدة؟». فأجابها: والله لقد بلوتهم فما وجدت فيهم إلا الأشوس الأقعس يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل إلى محالب أمّه.
كما حصل موقف آخر بين الحسين وأخته عند ابنه السجاد (ع) في تلك الليلة وهي تمرضه ولمّا علمت منه أن الشهادة حتمية وأن ساعة الرحيل قد أزفت بكت فسكّنها الحسين وأوصاها بالصبر.
وكتابة الرسائل
وبعد أن فرغ الإمام (ع) من تلك المهام شرع بكتابة مجموعة من الرسائل كتبها لأشخاص وجهات معينة وحيث كان قد أحاط به العدو من كل صوب جعلها عند كل من الإمام السجاد والسيدة زينب وابنته فاطمة لإيصالها بعد انتهاء الحرب.
وقائع صباح يوم العاشر من محرّم
بدأت حركة الإمام صباح العاشر من المحرم بإقامة صلاة الصبح جماعة. ثم نظّم صفوف قواته، وكانوا اثنين وثلاثين فارساً وأربعين راجلاً. فجعل زهير بن القين على ميمنته، وحبيب بن مظاهر على ميسرته، ودفع الراية إلى أخيه العباس بن علي . وأمر أصحابه أن يقرّب بعضهم خيامهم من بعض وأن يدخلوا الأطناب بعضها في بعض وأن يكونوا بين البيوت فيستقبلون القوم من وجه واحد. وأمر فأتي بقصب وحطب إلى مكان من ورائهم منخفض كأنّه ساقية وكانوا حفروه في ساعة من الليل فصار كالخندق ثم ألقوا فيه ذلك القصب والحطب وقالوا: «إذا غدوا فقاتلونا ألهبنا فيه النار لئلا يأتونا من ورائنا ففعلوا».
وفي المقابل تقدّم عمر بن سعد ليؤم جيشه الذي بلغ عدده على المشهور أربعة آلاف مقاتل لصلاة الغداة وجعل عمر بن سعد على ميمنته عمرو بن الحجاج الزبيدي وعلى ميسرتهشمر بن ذي الجوشن الضبابي وعلى الخيل عزرة بن قيس الأحمسي وعلى الرجالة شبث بن ربعي الرياحي.
وجعل عمر بن سعد أيضاً على ربع أهل المدينة عبد الله بن زهير الأزديّ، وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الأشعث بن قيس، وعلى ربع مذحج وأسد عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفيّ، وعلى ربع تميم وهمدان الحرّ بن يزيد الرياحيّ، وأعطى الراية دريداً مولاه. واستعد لمحاربة أبي عبد الله الحسين وأصحابه.
فلمّا نظر الإمام الحسين - كما في الرواية - إلى الجيش رفع يديه بالابتهال إلى الله قائلاً: «اَللّهُمَّ أَنْتَ ثِقَتي في كُلِّ كَرْب، وأَنْتَ رَجائي في كُلِّ شِدَّة، وأَنْتَ لي في كُلِّ أَمْر نَزَلَ بِي ثِقَةٌ وعُدَّةٌ، كَمْ مِنْ هَمٍّ يُضَعِّفُ فيهِ الْفُؤادُ وتَقِلُّ فيهِ الْحيلَةُ، ويَخْذِلُ فيهِ الصَّديقُ ويَشْمِتُ فيهِ الْعَدُوُّ، أَنْزَلْتُهُ بِكَ وشَكَوْتُهُ إِلَيْكَ، رَغْبَةً مِنِّي إِلَيْكَ عَمَّنْ سِواكَ، فَفَرَّجْتَهُ عَنّي وكَشَفْتَهُ، فَأَنْتَ وَلِىُّ كُلِّ نِعْمَة، وصاحِبُ كُلِّ حَسَنَة ومُنْتَهى كُلِّ رَغْبَة».
وحينها أرسل عمر بن سعد رجالاً يقوضون الخيام عن إيمانهم وعن شمائلهم ليحيطوا بهم، قال: فأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الحسين يتخللون البيوت فيشدون على الرجل وهو يقوض وينهب فيقتلونه ويرمونه من قريب ويعقرونه.
خطاب الإمام الحسين وأصحابه
قبل أن تنشب الحرب بين الطرفين قرر الإمام إلقاء الحجّة على جيش عمر بن سعد فركب فرسه وتقدّم نحو القوم في نفر من أصحابه، وبين يديه برير بن خضير، فقال له الحسين : كلّم القوم، فتقدم برير، فقال: «يا قوم اتقوا الله فإن ثقل محمد قد أصبح بين أظهركم، هؤلاء ذريته وعترته وبناته وحرمه، فهاتوا ما عندكم وما الذي تريدون أن تصنعوا بهم؟. فجعل القوم يرمونه بالسهام، فرجع برير إلى ورائه. وتقدم الحسين حتى وقف بإزاء القوم، فجعل ينظر إلى صفوفهم كأنهم السيل، ونظر إلى ابن سعد واقفاً في صناديد الكوفة، فقال: «الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال، متصرفة بأهلها حالا بعد حال...» فتقدم شمر فقال: «يا حسين، ما هذا الذي تقول؟ أفهمنا حتى نفهم»، فقال: أقول:
«اتقوا الله ربكم ولا تقتلوني، فإنّه لا يحل لكم قتلي، ولا انتهاك حرمتي، فإني ابن بنت نبيكم وجدتي خديجة زوجة نبيكم، ولعله قد بلغكم قول نبيكم : «الحسنوالحسين سيدا شباب أهل الجنة».
وقال المفيد: «ودعا الحسين براحلته فركبها ونادى بأعلى صوته: يا أهل العراق- وجلهم يسمعون- فقال: أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظكم بما يحق لكم عليّ، وحتى أعذر إليكم، فإن أعطيتموني النصف، كنتم بذلك أسعد، وإن لم تعطوني النصف من أنفسكم فاجمعوا رأيكم، ثم لا يكن أمركم عليكم غمة، ثم اقضوا إلي ولا تنظرون إن وليي الله الذي نزّل الكتاب، وهو يتولى الصالحين. ثم حمد الله وأثنى عليه....».
ثم قال: «أما بعد فانسبوني، فانظروا من أنا، ثم راجعوا أنفسكم وعاتبوها، فانظروا هل يصلح لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن "بنت" نبيكم، وابن وصيه وابن عمه، وأول مؤمن مصدق لرسول الله بما جاء به من عند ربه؟ أو ليس حمزة سيد الشهداءعمي؟ أو ليس جعفر الطيار في الجنة بجناحين عمي؟ أولم يبلغكم ما قال رسول الله لي ولأخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة؟ فإن صدقتموني بما أقول وهو الحقّ والله ما تعمّدت كذباً مذ علمت أنّ الله يمقت عليه أهله، وإن كذبتموني فإن فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري وأبا سعيد الخدري وسهل بن سعد الساعدي والبراء بن عازب أوزيد بن أرقم أو أنس بن مالك يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله لي ولأخي...» ثم نادى: «يا شبث بن ربعي، ويا حجار بن أبجر، ويا قيس بن الاشعث، ويا يزيد بن الحارث ألم تكتبوا إليّ أن قد أينعت الثمار، واخضر الجناب، وإنما تقدم على جند لك مجندة؟» فقال له قيس بن الأشعث: «ما ندري ما تقول ولكن أنزل على حكم بني عمك، فإنهم لن يروك إلا ما تحب»، فقال لهم الحسين : «لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد».
ثم تقدم زهير بن القين فخاطب الكوفيين بقوله: «يا أهل الكوفة، نذارِ لكم من عذاب اللهِ نَذارِ، إنّ حقاً على المسلم نصيحة أخيه المسلم، ونحن حتّى الآن إخوةٌ على دين واحد وملّة وحدة ما لمْ يَقَع بيننا وبينكم السّيف وأنتم للنّصيحة منّا أهلٌ فإذا وقع السّيف انقطعت العِصمة وكنّا نحن أُمّة وأنتم أُمّة، إنّ الله قد ابتلانا وإيّاكم بذريّة نبيّه محمّد ليَنْظُر ما نحن وأنتم عاملون».
فرماه الشمر بسهم، وقال له: «اسكُت، اسكَتَ الله نأمَتك فقد أبرمتنا "اضجرتنا" بكثرة كلامك»، وكان من قبل ذلك قد رد على خطاب الإمام الحسين .
الحسين (ع) يمنع من البدء بالقتال
لما أقبل القوم يقودهم شمر بن ذي الجوشن يجولون حول الخيام ورأوا الخندق في ظهورهم والنار تضطرم في الحطب والقصب الذي كان أُلقي فيه، فتكلم شمر بكلمات نابية لا تخرج الا من أمثاله، رام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم فمنعه الحسين من ذلك قائلاً: «لا ترمه فإني أكره أن أبدأهم بقتال».
اندفاع شمر نحو الحرب
وبعد أن انتهت حملة عمرو بن الحجاج على معسكر الحسين حمل شمر بن ذي الجوشن في الميسرة على أهل الميسرة فثبتوا له، فطاعنوه وأصحابه. ولم يكن في جيشالكوفة من هو أقل شوقاً للحرب واندفاعا لها من شمر بن ذي الجوشن حتى أنّه لم يرع أخلاقيات الحرب وكاد أن يفتك بالنساء على مرأى من الإمام حتى وبّخه بعض قادة جيش ابن زياد بقوله: «أمرعبا للنساء صرت يا شمر؟!».
الحملة الكبرى
وقبيل الزوال من ظهر العاشر من محرم حمل جيش ابن زياد على الحسين وأصحابه من كل جانب، فقاتلهم أصحاب الحسين قتالاً شديداً، وأخذت خيل أصحاب الحسين تحمل وإنما هم اثنان وثلاثون فارساً، وأخذت لا تحمل على جانب من خيل أهل الكوفة إلا كشفته، فلما رأى ذلك عزرة بن قيس- وهو على خيل أهل الكوفة- أن خيله تنكشف من كل جانب، بعث إلى عمر بن سعد بعبد الرحمن ابن حصن، فقال: «أما ترى ما تلقى خيلي مذ اليوم من هذه العدة اليسيرة! أبعث إليهم الرجال و الرماة». فدعا عمر بن سعدالحصين بن تميم فبعث معه المجففة "وهم جماعة من الجيش يحملون دروعاً أو متاريس كبيرة" وخمسمائة من المرامية، فأقبلوا حتى إذا دنوا من الحسين وأصحابه رشقوهم بالنبل، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم، وصاروا رجّاله كلهم. وأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الإمام الحسين بالانتشار بين الخيام للدفاع عنها ومنع من يريد الاقتراب منها ونهبه وتمكنوا من قتل البعض وجرح البعض الآخر، فلما أحسّ عمر بن سعد بحراجة الموقف وموقفه من القضاء على الإمام وأصحابه بسرعة فائقة أمر بتقويض الخيام فسارع شمر بن ذي الجوشن مع أصحابه للهجوم على المخيم فتصدى له زهير بن القين في عشرة رجال من أصحاب الحسين وكشفوهم عن البيوت.
واشتد القتال والتحم وكثر القتلى والجرحى في أصحاب أبي عبد الله الحسين إلى أن زالت الشمس. وقد استشهد في هذه الحمل بالإضافة إلى مسلم بن عوسجة كل منعبد الله بن عمير الكلبي في ميمنة جيش الإمام على يد هاني بن ثبيت الحضرمي وبكير بن حي التميمي. وعمرو بن خالد الصيداوي وجابر بن الحارث السلماني وسعد غلام عمرو بن خالد ومجمع بن عبد الله العائذي وابنه عائذ بن مجمع سقطوا عند مبارزة العدو. كما سقطت مجموعة من أنصار الإمام أوصلتها بعض المصادر التاريخة إلى الخمسين شهيداً.
انظر: عبد الله بن عمير الكلبي، عمرو بن خالد الصيداوي، جابر بن حارث السلماني، سعد غلام عمرو بن خالد، مجمع بن عبد الله العائذئ، وعائذ بن مجمع.
وقائع ظهر العاشر من محرّم
استمر القتال بين الطرفين حتى زوال الشمس وحلول وقت الصلاة فلما رأى ذلك أبو ثمامة الصيداوي قال للحسين : «يا أبا عبد الله، نفسي لنفسك الفداء هؤلاء اقتربوا منك ولا والله لا تقتل حتى أقتل دونك وأحب أن ألقى الله ربي وقد صليت هذه الصلاة، فرفع الحسين رأسه إلى السماء» وقال: «ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين، نعم هذا أوّل وقتها»، ثم قال: «سلوهم أن يكفوا عنا حتّى نصلي».فقال الحصين بن نمير: «إنها لا تقبل»، فقال حبيب بن مظاهر: «لا تقبل الصلاة زعمت من ابن رسول الله وتقبل منك يا حمار»، "وفي رواية يا ختار يعني يا غادر وفي رواية ثالثه يا فاسق"، فحمل عليه الحصين بن نمير وحمل عليه حبيب. ولم يزلْ حبيب يُقاتل حتّى حمَلَ عليه رجلٌ من بني تميم يُقال له بُديل بن صُرَيم فضربه برمحه فوقع وذهب ليقوم فضربه الحُصينُ بن نَمير على رأسه بالسّيف فسقط.
تقدّم الإمام ببقيّة أصحابه وكانوا عشرين رجلاً اصطفوا للصلاة خلفه فلما أراد الصلاة قال لزهير بن القين وسعيد بن عبد الله الحنفي: «تقدما أمامي حتى أصلي الظهر فتقدما أمامه في نحو من نصف أصحابه حتى صلّى بهم صلاة الخوف». وروي أن سعيد بن عبد الله الحنفي تقدم أمام الحسين فاستهدف لهم يرمونه بالنبل كلّما أخذ الحسين يمينا وشمالاً قام بين يديه، فما زال يرمى به حتى سقط شهيداً.
وبعد أن أتمّ الإمام صلاته استشهد سعيد بن عبد الله على أثر ما أصيب من جراح ثمّ برز كل من زهير بن القين، برير بن خضير الهمداني،نافع بن هلال الجملي، عابس بن أبي شبيب الشاكري، حنظلة بن سعد الشبامي فاستشهدوا واحداً تلو الآخر.
انظر: سعيد بن عبد الله، زهير بن القين، برير بن خضير الهمداني، نافع بن هلال الجملي، عابس بن أبي شبيب الشاكري، وحنظلة بن سعد الشبامي.
وقائع عصر يوم عاشوراء
بنو هاشم يتقدمون إلى الموت
تسجل لنا المصادر التاريخية أنه لمّا استشهد أصحاب الإمام الحسين أخذ بنو هاشم بالخروج إلى المعركة وكان أوّل من طلب الخروج إلى الحرب علي بن الحسين المعروف بعلي الأكبر فأذن له أبوه مودعاً له بقوله: «اللهم اشهد على هؤلاء فانه قد برز إليهم غلام أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً و منطقاً برسولك».
وبعد أن سقط علي الأكبر شهيداً تقدم سائر إخوة الإمام عبد الله وعثمان وجعفر قبل العباس حتى استشهدوا جميعاً. ثم خرج سائر بني هاشم واحداً تلو الآخر منهم أبناء عقيل بن أبي طالب وعبد الله بن مسلم بن عقيل بالإضافة إلى أبناء جعفر بن أبي طالب، وعدي بن عبد الله بن جعفر الطيار بالإضافة إلى أبناء الإمام الحسن كالقاسم بن الحسن وأخيه أبو بكر فسقطوا جميعهم شهداء واحداً تلو الآخر.
انظر: عبد الله بن مسلم بن عقيل، عبد الرحمن بن عقيل، القاسم بن الحسن، عدي بن عبد الله بن جعفر الطيار، أبو بكر بن حسن ، عبد الله بن علي ، عثمان بن علي ، وجعفر بن علي وكان أبو الفضل العباس صاحب راية الإمام وقد تمكن من كسر الحصار المضروب على الخيام واقتحم الفرات لكنه استشهد في طريق عودته وقبل أن يوصل الماء إلى العيال.
إصرار الإمام السجاد (ع) على خوض الحرب
ولما فجع الحسين بأهل بيته وولده وأصحابه، ورأى جميع صحبه مجزرين على الأرض ولم يبق غيره وغير النساء والذراري نادى : «هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله ؟ هل من موحد يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا؟».
ثم التفت إلى أصحابه منادياُ: «يا حبيب بن مظاهر، ويا زهير بن القين، ويا مسلم بن عوسجة، يا أبطال الصفا، ويا فرسان الهيجاء، مالي أناديكم فلا تجيبوني، وأدعوكم فلا تسمعوني؟! أنتم نيام أرجوكم تنتبهون؟ أم حالت مودتكم عن إمامكم فلا تنصرونه؟ فهذه نساء الرسول لفقدكم قد علاهن النحول، فقوموا من نومتكم، أيها الكرام، وادفعوا عن حرم الرسول الطغاة اللئام...».
فخرج علي بن الحسين زين العابدين وكان مريضاً لا يقدر أن يقل سيفه، وأم كلثوم تنادي خلفه: يا بني ارجع، فقال: يا عمتاه ذريني أقاتل بين يدي ابن رسول الله : فقال الحسين : يا أم كلثوم خذيه لئلا تبقى الأرض خالية من نسل آل محمد .
https://media.arabicradio.net/original/2020/08/22/637336833804283399.jpg
استشهاد سبط الرسول وسيد شباب اهل الجنة الامام الحسين بن علي بن ابي طالب https://www.ahbabhusain.net/vb/images/smilies/a-14.gifواقعة عاشوراء، ملحمة كبرى دارت رحاها على أرض كربلاء في اليوم العاشر من محرم سنة 61 للهجرة. سقط فيها مجموعة من الشهداء وعلى رأسهم الإمام الحسين بن علي مع ابنين له أحدهما رضيع، وكذلك إخوته وبني إخوته وأبناء عمومته من بني هاشم، وعصبة من أصحابه، حين قرّروا البقاء مع الحسين ومنازلة جيش يزيد بن معاوية بقيادة عمر بن سعد.
وبعد أن انتهت المعركة سيق ركب النساء واليتامى أسارى إلى الكوفة ومنها إلى الشام، وفيهم الإمام زين العابدين وزينب بنت علي ، يتقدمهم رؤوس الشهداء على الرماح.
واقعة عاشوراء من أشهر الحوادث المأساوية في التاريخ وأكثرها إثارة؛ وجري فيها الإنتهاكات وهتك الحرمات، فكانت لها انعكاسات وأصداء واسعة، وقد صوّر الفن كل ذلك على شكل لوحات فنية، وأفلام ومسلسلات وخطته أنامل الشعراء والأدباء وأرباب المقاتل شعراً ونثراً.
وقد اعتنى الشيعة منذ العصور القديمة وبإيعاز واهتمام من أئمة أهل البيت ، بإحياء تلك المناسبة على مدار السنة لاسيما خلال شهريمحرم وصفر.
من العبارات المنقولة عن النبي الأكرم فيما يتعلق بالواقعة: «إنّ لقتل الحسين حرارة في قلوب المؤمنين لن تبرد أبداً»، كما وصف سبطه بـ«قتيل العبرة ... الذي لا يذكره مؤمن إلّا بكى».
كلمة عاشوراء
عاشوراء: يوم سُمّي في الإسلام، ولم يُعرف في الجاهلية، وهو اليوم العاشر من المحرم.
بعد أن تمكّن عبيد الله بن زياد من السيطرة على الكوفة وهيمن على الواقع العسكري والإداري في البلد وتمكن من قتل الإمام الحسين وأصحابه في اليوم العاشر من شهر المحرم؛ وبعد أن حطّت الحرب أوزارها ساق النساء والأطفال أسارى إلى الكوفة وحبسهم هناك عدّة أيام، وبعد أن كتب إلى يزيد بن معاوية يعلمه الخبر بقتل الحسين وأهل بيته وأصحابه، كتب إليه يزيد أن يحمل إليه في الشام الرؤوس والأسرى.
ومن هنا تحول هذا اليوم عند الشيعة إلى يوم حزنٍ وعزاء على استشهاد الإمام الحسين ، والذي يعدّ أكبر مصيبة وقعت على آل الرسول، فاتخذه أعداء أهل البيت يوم فرح لهم، واتخذته الشيعة مأتماً ومواساةً لآل الرسول يبكون فيه القتلى. يضاف إلى ذلك اهتمام الشيعة بجميع وقائع ذلك اليوم وما سبقه وما تلاه من الوقائع من تمثيل بأجساد الشهداء وحرق للخيام وأسر للنساء والأطفال.
أحداث ليلة العاشر
قبل البدء بالتحركات والإجراءات اللازمة في يوم عاشوراء، شهدت أرض الطف استعدادات في معسكر بني هاشم من أجل المواجهة المتوقعة، فقد ذكرت المصادر بأن ليلة العاشر من محرم، حملت في طيّاتها مواقف ومضامين متميزة، من ضمنها "لمّا أمسى حسينٌ (ع) وأصحابه قاموا الليل كلّه يصلّون ويستغفرون ويدعون ويتضرّعون..."،وفي رواية أخرى وصف معسكر الإمام الحسين في تلك الليلة على أنه "بات الحسين (ع) وأصحابه تلك الليلة، ليلة العاشر من المحرم، ولهم دوي كدوي النحل، ما بين راكع وساجد، وقائم وقاعد".
وأحداث أخرى مشابهة. كما تميزت هذه الليلة بمواصفات خاصة، منها:
الإستعدادات العسكرية كـتفقد التلاع والعقاب، والأمر بحفر خندق حول الخيم، وأن تلقى فيه النار، والأمر بأن يقرب بعضهم خيامهم من بعض وأن يدخلوا الأطناب بعضها في بعض وأمور من هذا القبيل.
وتأكيد أنصار الإمام على البيعة والوفاء بالعهد
وحوار الإمام الحسين مع السيدة زينب وذلك بعد أن انتهى الإمام الحسين (ع) من استطلاع التلاع والروابي عاد، حتى دخل خيمة زينب فسألته (ع) عما إذا كان قد استعلم من أصحابه نياتهم فكانت تخشى أن يسلموه (ع) عند الشدة؟». فأجابها: والله لقد بلوتهم فما وجدت فيهم إلا الأشوس الأقعس يستأنسون بالمنية دوني استئناس الطفل إلى محالب أمّه.
كما حصل موقف آخر بين الحسين وأخته عند ابنه السجاد (ع) في تلك الليلة وهي تمرضه ولمّا علمت منه أن الشهادة حتمية وأن ساعة الرحيل قد أزفت بكت فسكّنها الحسين وأوصاها بالصبر.
وكتابة الرسائل
وبعد أن فرغ الإمام (ع) من تلك المهام شرع بكتابة مجموعة من الرسائل كتبها لأشخاص وجهات معينة وحيث كان قد أحاط به العدو من كل صوب جعلها عند كل من الإمام السجاد والسيدة زينب وابنته فاطمة لإيصالها بعد انتهاء الحرب.
وقائع صباح يوم العاشر من محرّم
بدأت حركة الإمام صباح العاشر من المحرم بإقامة صلاة الصبح جماعة. ثم نظّم صفوف قواته، وكانوا اثنين وثلاثين فارساً وأربعين راجلاً. فجعل زهير بن القين على ميمنته، وحبيب بن مظاهر على ميسرته، ودفع الراية إلى أخيه العباس بن علي . وأمر أصحابه أن يقرّب بعضهم خيامهم من بعض وأن يدخلوا الأطناب بعضها في بعض وأن يكونوا بين البيوت فيستقبلون القوم من وجه واحد. وأمر فأتي بقصب وحطب إلى مكان من ورائهم منخفض كأنّه ساقية وكانوا حفروه في ساعة من الليل فصار كالخندق ثم ألقوا فيه ذلك القصب والحطب وقالوا: «إذا غدوا فقاتلونا ألهبنا فيه النار لئلا يأتونا من ورائنا ففعلوا».
وفي المقابل تقدّم عمر بن سعد ليؤم جيشه الذي بلغ عدده على المشهور أربعة آلاف مقاتل لصلاة الغداة وجعل عمر بن سعد على ميمنته عمرو بن الحجاج الزبيدي وعلى ميسرتهشمر بن ذي الجوشن الضبابي وعلى الخيل عزرة بن قيس الأحمسي وعلى الرجالة شبث بن ربعي الرياحي.
وجعل عمر بن سعد أيضاً على ربع أهل المدينة عبد الله بن زهير الأزديّ، وعلى ربع ربيعة وكندة قيس بن الأشعث بن قيس، وعلى ربع مذحج وأسد عبد الرحمن بن أبي سبرة الجعفيّ، وعلى ربع تميم وهمدان الحرّ بن يزيد الرياحيّ، وأعطى الراية دريداً مولاه. واستعد لمحاربة أبي عبد الله الحسين وأصحابه.
فلمّا نظر الإمام الحسين - كما في الرواية - إلى الجيش رفع يديه بالابتهال إلى الله قائلاً: «اَللّهُمَّ أَنْتَ ثِقَتي في كُلِّ كَرْب، وأَنْتَ رَجائي في كُلِّ شِدَّة، وأَنْتَ لي في كُلِّ أَمْر نَزَلَ بِي ثِقَةٌ وعُدَّةٌ، كَمْ مِنْ هَمٍّ يُضَعِّفُ فيهِ الْفُؤادُ وتَقِلُّ فيهِ الْحيلَةُ، ويَخْذِلُ فيهِ الصَّديقُ ويَشْمِتُ فيهِ الْعَدُوُّ، أَنْزَلْتُهُ بِكَ وشَكَوْتُهُ إِلَيْكَ، رَغْبَةً مِنِّي إِلَيْكَ عَمَّنْ سِواكَ، فَفَرَّجْتَهُ عَنّي وكَشَفْتَهُ، فَأَنْتَ وَلِىُّ كُلِّ نِعْمَة، وصاحِبُ كُلِّ حَسَنَة ومُنْتَهى كُلِّ رَغْبَة».
وحينها أرسل عمر بن سعد رجالاً يقوضون الخيام عن إيمانهم وعن شمائلهم ليحيطوا بهم، قال: فأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الحسين يتخللون البيوت فيشدون على الرجل وهو يقوض وينهب فيقتلونه ويرمونه من قريب ويعقرونه.
خطاب الإمام الحسين وأصحابه
قبل أن تنشب الحرب بين الطرفين قرر الإمام إلقاء الحجّة على جيش عمر بن سعد فركب فرسه وتقدّم نحو القوم في نفر من أصحابه، وبين يديه برير بن خضير، فقال له الحسين : كلّم القوم، فتقدم برير، فقال: «يا قوم اتقوا الله فإن ثقل محمد قد أصبح بين أظهركم، هؤلاء ذريته وعترته وبناته وحرمه، فهاتوا ما عندكم وما الذي تريدون أن تصنعوا بهم؟. فجعل القوم يرمونه بالسهام، فرجع برير إلى ورائه. وتقدم الحسين حتى وقف بإزاء القوم، فجعل ينظر إلى صفوفهم كأنهم السيل، ونظر إلى ابن سعد واقفاً في صناديد الكوفة، فقال: «الحمد لله الذي خلق الدنيا فجعلها دار فناء وزوال، متصرفة بأهلها حالا بعد حال...» فتقدم شمر فقال: «يا حسين، ما هذا الذي تقول؟ أفهمنا حتى نفهم»، فقال: أقول:
«اتقوا الله ربكم ولا تقتلوني، فإنّه لا يحل لكم قتلي، ولا انتهاك حرمتي، فإني ابن بنت نبيكم وجدتي خديجة زوجة نبيكم، ولعله قد بلغكم قول نبيكم : «الحسنوالحسين سيدا شباب أهل الجنة».
وقال المفيد: «ودعا الحسين براحلته فركبها ونادى بأعلى صوته: يا أهل العراق- وجلهم يسمعون- فقال: أيها الناس اسمعوا قولي ولا تعجلوا حتى أعظكم بما يحق لكم عليّ، وحتى أعذر إليكم، فإن أعطيتموني النصف، كنتم بذلك أسعد، وإن لم تعطوني النصف من أنفسكم فاجمعوا رأيكم، ثم لا يكن أمركم عليكم غمة، ثم اقضوا إلي ولا تنظرون إن وليي الله الذي نزّل الكتاب، وهو يتولى الصالحين. ثم حمد الله وأثنى عليه....».
ثم قال: «أما بعد فانسبوني، فانظروا من أنا، ثم راجعوا أنفسكم وعاتبوها، فانظروا هل يصلح لكم قتلي وانتهاك حرمتي؟ ألست ابن "بنت" نبيكم، وابن وصيه وابن عمه، وأول مؤمن مصدق لرسول الله بما جاء به من عند ربه؟ أو ليس حمزة سيد الشهداءعمي؟ أو ليس جعفر الطيار في الجنة بجناحين عمي؟ أولم يبلغكم ما قال رسول الله لي ولأخي: هذان سيدا شباب أهل الجنة؟ فإن صدقتموني بما أقول وهو الحقّ والله ما تعمّدت كذباً مذ علمت أنّ الله يمقت عليه أهله، وإن كذبتموني فإن فيكم من إن سألتموه عن ذلك أخبركم، سلوا جابر بن عبد الله الأنصاري وأبا سعيد الخدري وسهل بن سعد الساعدي والبراء بن عازب أوزيد بن أرقم أو أنس بن مالك يخبروكم أنهم سمعوا هذه المقالة من رسول الله لي ولأخي...» ثم نادى: «يا شبث بن ربعي، ويا حجار بن أبجر، ويا قيس بن الاشعث، ويا يزيد بن الحارث ألم تكتبوا إليّ أن قد أينعت الثمار، واخضر الجناب، وإنما تقدم على جند لك مجندة؟» فقال له قيس بن الأشعث: «ما ندري ما تقول ولكن أنزل على حكم بني عمك، فإنهم لن يروك إلا ما تحب»، فقال لهم الحسين : «لا والله لا أعطيكم بيدي إعطاء الذليل ولا أقر لكم إقرار العبيد».
ثم تقدم زهير بن القين فخاطب الكوفيين بقوله: «يا أهل الكوفة، نذارِ لكم من عذاب اللهِ نَذارِ، إنّ حقاً على المسلم نصيحة أخيه المسلم، ونحن حتّى الآن إخوةٌ على دين واحد وملّة وحدة ما لمْ يَقَع بيننا وبينكم السّيف وأنتم للنّصيحة منّا أهلٌ فإذا وقع السّيف انقطعت العِصمة وكنّا نحن أُمّة وأنتم أُمّة، إنّ الله قد ابتلانا وإيّاكم بذريّة نبيّه محمّد ليَنْظُر ما نحن وأنتم عاملون».
فرماه الشمر بسهم، وقال له: «اسكُت، اسكَتَ الله نأمَتك فقد أبرمتنا "اضجرتنا" بكثرة كلامك»، وكان من قبل ذلك قد رد على خطاب الإمام الحسين .
الحسين (ع) يمنع من البدء بالقتال
لما أقبل القوم يقودهم شمر بن ذي الجوشن يجولون حول الخيام ورأوا الخندق في ظهورهم والنار تضطرم في الحطب والقصب الذي كان أُلقي فيه، فتكلم شمر بكلمات نابية لا تخرج الا من أمثاله، رام مسلم بن عوسجة أن يرميه بسهم فمنعه الحسين من ذلك قائلاً: «لا ترمه فإني أكره أن أبدأهم بقتال».
اندفاع شمر نحو الحرب
وبعد أن انتهت حملة عمرو بن الحجاج على معسكر الحسين حمل شمر بن ذي الجوشن في الميسرة على أهل الميسرة فثبتوا له، فطاعنوه وأصحابه. ولم يكن في جيشالكوفة من هو أقل شوقاً للحرب واندفاعا لها من شمر بن ذي الجوشن حتى أنّه لم يرع أخلاقيات الحرب وكاد أن يفتك بالنساء على مرأى من الإمام حتى وبّخه بعض قادة جيش ابن زياد بقوله: «أمرعبا للنساء صرت يا شمر؟!».
الحملة الكبرى
وقبيل الزوال من ظهر العاشر من محرم حمل جيش ابن زياد على الحسين وأصحابه من كل جانب، فقاتلهم أصحاب الحسين قتالاً شديداً، وأخذت خيل أصحاب الحسين تحمل وإنما هم اثنان وثلاثون فارساً، وأخذت لا تحمل على جانب من خيل أهل الكوفة إلا كشفته، فلما رأى ذلك عزرة بن قيس- وهو على خيل أهل الكوفة- أن خيله تنكشف من كل جانب، بعث إلى عمر بن سعد بعبد الرحمن ابن حصن، فقال: «أما ترى ما تلقى خيلي مذ اليوم من هذه العدة اليسيرة! أبعث إليهم الرجال و الرماة». فدعا عمر بن سعدالحصين بن تميم فبعث معه المجففة "وهم جماعة من الجيش يحملون دروعاً أو متاريس كبيرة" وخمسمائة من المرامية، فأقبلوا حتى إذا دنوا من الحسين وأصحابه رشقوهم بالنبل، فلم يلبثوا أن عقروا خيولهم، وصاروا رجّاله كلهم. وأخذ الثلاثة والأربعة من أصحاب الإمام الحسين بالانتشار بين الخيام للدفاع عنها ومنع من يريد الاقتراب منها ونهبه وتمكنوا من قتل البعض وجرح البعض الآخر، فلما أحسّ عمر بن سعد بحراجة الموقف وموقفه من القضاء على الإمام وأصحابه بسرعة فائقة أمر بتقويض الخيام فسارع شمر بن ذي الجوشن مع أصحابه للهجوم على المخيم فتصدى له زهير بن القين في عشرة رجال من أصحاب الحسين وكشفوهم عن البيوت.
واشتد القتال والتحم وكثر القتلى والجرحى في أصحاب أبي عبد الله الحسين إلى أن زالت الشمس. وقد استشهد في هذه الحمل بالإضافة إلى مسلم بن عوسجة كل منعبد الله بن عمير الكلبي في ميمنة جيش الإمام على يد هاني بن ثبيت الحضرمي وبكير بن حي التميمي. وعمرو بن خالد الصيداوي وجابر بن الحارث السلماني وسعد غلام عمرو بن خالد ومجمع بن عبد الله العائذي وابنه عائذ بن مجمع سقطوا عند مبارزة العدو. كما سقطت مجموعة من أنصار الإمام أوصلتها بعض المصادر التاريخة إلى الخمسين شهيداً.
انظر: عبد الله بن عمير الكلبي، عمرو بن خالد الصيداوي، جابر بن حارث السلماني، سعد غلام عمرو بن خالد، مجمع بن عبد الله العائذئ، وعائذ بن مجمع.
وقائع ظهر العاشر من محرّم
استمر القتال بين الطرفين حتى زوال الشمس وحلول وقت الصلاة فلما رأى ذلك أبو ثمامة الصيداوي قال للحسين : «يا أبا عبد الله، نفسي لنفسك الفداء هؤلاء اقتربوا منك ولا والله لا تقتل حتى أقتل دونك وأحب أن ألقى الله ربي وقد صليت هذه الصلاة، فرفع الحسين رأسه إلى السماء» وقال: «ذكرت الصلاة جعلك الله من المصلين، نعم هذا أوّل وقتها»، ثم قال: «سلوهم أن يكفوا عنا حتّى نصلي».فقال الحصين بن نمير: «إنها لا تقبل»، فقال حبيب بن مظاهر: «لا تقبل الصلاة زعمت من ابن رسول الله وتقبل منك يا حمار»، "وفي رواية يا ختار يعني يا غادر وفي رواية ثالثه يا فاسق"، فحمل عليه الحصين بن نمير وحمل عليه حبيب. ولم يزلْ حبيب يُقاتل حتّى حمَلَ عليه رجلٌ من بني تميم يُقال له بُديل بن صُرَيم فضربه برمحه فوقع وذهب ليقوم فضربه الحُصينُ بن نَمير على رأسه بالسّيف فسقط.
تقدّم الإمام ببقيّة أصحابه وكانوا عشرين رجلاً اصطفوا للصلاة خلفه فلما أراد الصلاة قال لزهير بن القين وسعيد بن عبد الله الحنفي: «تقدما أمامي حتى أصلي الظهر فتقدما أمامه في نحو من نصف أصحابه حتى صلّى بهم صلاة الخوف». وروي أن سعيد بن عبد الله الحنفي تقدم أمام الحسين فاستهدف لهم يرمونه بالنبل كلّما أخذ الحسين يمينا وشمالاً قام بين يديه، فما زال يرمى به حتى سقط شهيداً.
وبعد أن أتمّ الإمام صلاته استشهد سعيد بن عبد الله على أثر ما أصيب من جراح ثمّ برز كل من زهير بن القين، برير بن خضير الهمداني،نافع بن هلال الجملي، عابس بن أبي شبيب الشاكري، حنظلة بن سعد الشبامي فاستشهدوا واحداً تلو الآخر.
انظر: سعيد بن عبد الله، زهير بن القين، برير بن خضير الهمداني، نافع بن هلال الجملي، عابس بن أبي شبيب الشاكري، وحنظلة بن سعد الشبامي.
وقائع عصر يوم عاشوراء
بنو هاشم يتقدمون إلى الموت
تسجل لنا المصادر التاريخية أنه لمّا استشهد أصحاب الإمام الحسين أخذ بنو هاشم بالخروج إلى المعركة وكان أوّل من طلب الخروج إلى الحرب علي بن الحسين المعروف بعلي الأكبر فأذن له أبوه مودعاً له بقوله: «اللهم اشهد على هؤلاء فانه قد برز إليهم غلام أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً و منطقاً برسولك».
وبعد أن سقط علي الأكبر شهيداً تقدم سائر إخوة الإمام عبد الله وعثمان وجعفر قبل العباس حتى استشهدوا جميعاً. ثم خرج سائر بني هاشم واحداً تلو الآخر منهم أبناء عقيل بن أبي طالب وعبد الله بن مسلم بن عقيل بالإضافة إلى أبناء جعفر بن أبي طالب، وعدي بن عبد الله بن جعفر الطيار بالإضافة إلى أبناء الإمام الحسن كالقاسم بن الحسن وأخيه أبو بكر فسقطوا جميعهم شهداء واحداً تلو الآخر.
انظر: عبد الله بن مسلم بن عقيل، عبد الرحمن بن عقيل، القاسم بن الحسن، عدي بن عبد الله بن جعفر الطيار، أبو بكر بن حسن ، عبد الله بن علي ، عثمان بن علي ، وجعفر بن علي وكان أبو الفضل العباس صاحب راية الإمام وقد تمكن من كسر الحصار المضروب على الخيام واقتحم الفرات لكنه استشهد في طريق عودته وقبل أن يوصل الماء إلى العيال.
إصرار الإمام السجاد (ع) على خوض الحرب
ولما فجع الحسين بأهل بيته وولده وأصحابه، ورأى جميع صحبه مجزرين على الأرض ولم يبق غيره وغير النساء والذراري نادى : «هل من ذاب يذب عن حرم رسول الله ؟ هل من موحد يخاف الله فينا؟ هل من مغيث يرجو الله في إغاثتنا؟».
ثم التفت إلى أصحابه منادياُ: «يا حبيب بن مظاهر، ويا زهير بن القين، ويا مسلم بن عوسجة، يا أبطال الصفا، ويا فرسان الهيجاء، مالي أناديكم فلا تجيبوني، وأدعوكم فلا تسمعوني؟! أنتم نيام أرجوكم تنتبهون؟ أم حالت مودتكم عن إمامكم فلا تنصرونه؟ فهذه نساء الرسول لفقدكم قد علاهن النحول، فقوموا من نومتكم، أيها الكرام، وادفعوا عن حرم الرسول الطغاة اللئام...».
فخرج علي بن الحسين زين العابدين وكان مريضاً لا يقدر أن يقل سيفه، وأم كلثوم تنادي خلفه: يا بني ارجع، فقال: يا عمتاه ذريني أقاتل بين يدي ابن رسول الله : فقال الحسين : يا أم كلثوم خذيه لئلا تبقى الأرض خالية من نسل آل محمد .