وهج الإيمان
18-11-2023, 08:54 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صل على محمد وال محمد
الشيخ السني محمود البرشومى يقر بفضائل الإمام علي عليه السلام وبمولده في الكعبة ، وقال ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال له :" أن الله وهبَ لك حب المساكين، رضوا بك إمامًا"، وأنه المرجع في المسائل الفقهية وأن آية الإطعام نزلت فيه وغيرها من الفضائل .
قال الشيخ السني محمود البرشومى في مقالته علي بن أبي طالب إمام الزاهدين في صحيفة روز اليوسف : " فى الكعبة وُلِد! لم يسبقه إلى ذلك سابقٌ، ولم يقع ذلك للاحقٍ. وَلَدته السيدة فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، فكان أول هاشمى وُلِد من أبوين هاشميَّيْن، اجتمعت فيه صفات هذه العائلة من مروءة ونُبل وشجاعة وقوة وذكاء وحب للمساكين ومناصرة للمظلومين.
كان على بن أبى طالب أصغر أبناء والدَيْه، يكبره جعفر وعقيل وطالب، ولكنّ عقيلًا كان أحب الأبناء لأبيه لأنه كان ضعيف البنية محتاجًا إلى رعاية أكثر من والده، لذلك عندما أصاب القحط قريشًا أهاب الرسول بعمّه حمزة والعباس أن يحملا بعض تبعات أبى طالب من الأبناء وهو معهم، وبعض مسئوليته فى تربيتهم، ذلك أن أبا طالب لنبالته قد تحمّل الكثير من أجل الحفاظ على مكانة الأسرة وعلى اسم عبدالمطلب الذى كان زعيمًا لقريش، أخذ العباس طالبًا، وأخذ حمزة جعفرًا، وأخذ الرسول (صلى الله عليه وسلم) عليًّا.. فعوّضه عن أبيه حنانًا وحبّا وبرّا.
كان على بن أبى طالب أصغر أبناء والدَيْه، يكبره جعفر وعقيل وطالب، ولكنّ عقيلًا كان أحب الأبناء لأبيه لأنه كان ضعيف البنية محتاجًا إلى رعاية أكثر من والده، لذلك عندما أصاب القحط قريشًا أهاب الرسول بعمّه حمزة والعباس أن يحملا بعض تبعات أبى طالب من الأبناء وهو معهم، وبعض مسئوليته فى تربيتهم، ذلك أن أبا طالب لنبالته قد تحمّل الكثير من أجل الحفاظ على مكانة الأسرة وعلى اسم عبدالمطلب الذى كان زعيمًا لقريش، أخذ العباس طالبًا، وأخذ حمزة جعفرًا، وأخذ الرسول (صلى الله عليه وسلم) عليًّا.. فعوّضه عن أبيه حنانًا وحبّا وبرّا.
تحمَّل على (رضى الله عنه) مسئولية نفسه فى سِنّ مبكرة، فهو فى السابعة من عمره يحلم بمجىء الرسالة لابن عمه عليه الصلاة والسلام، وعندما يتحدث إليه النبى فى شأنها يطلب مهلة للتفكير كالكبار، وحتى يستشير والده. وفى الصباح يعلن إسلامه بعد تفكير عميق، قائلا أنه لم يستشر والده فى دخوله الإسلام. وظل ملازمًا للرسول (ص) لا يفارقه إلا فى سَرِيّة أو على رأس وفد أو فى بعض الأمور التى يوليه الرسول إياها. فلمّا جهَر رسول الله بدعوته تعرّض لجهل الجهلة ولاحقه الكفار بالإيذاء والسب وملاحقة الصبية بالحجارة يقذفونه بها، وبالتراب يلقونه فى وجهه، ولم يجد الرسول بُدّا من الإفضاء بذلك إلى على وهو فى مثل سنهم، فطاردهم وهم كثير وهو واحد فرد، وتمكن من رد أذاهم حتى سُمّى بالقضيم لشدة ضرباته القاضمة لظهورهم!
كان (رضى الله عنه) طفلًا شديد البنيان وشابّا قويّا، وصفوه وهو فى تمام الرجولة بأنه كان ربعة، أميل إلى القصر، آدم- أى أسمر- شديد الأدمة، عريض المنكبين، ذا قوة جسدية هائلة، فربما رفع الفارس بيده فجلد به الأرض (أى: طرح به الأرض) مرّات، ويمسك بذراع الرجل فكأنه أمسك بنفسه فلا يستطيع أن يتنفس، وما صارع أحدًا إلا صرعه، وما بارز أحدًا إلا قتله، وقد يزحزح الحجر الضخم لا يزحزحه رجال، ويحمل الباب الكبير فإذا وضعه لم يستطع رفعه عشرة من الرجال
أبو(تراب) كان يكره رؤية المال مجتمعًا فى مكان أو فى أيدٍ قليلة مستغلة مكتنزة، لذلك كان يزهد فيه إلى حد معاداته وعدم الاطمئنان إليه، إلا إذا صار فى أيدٍ كثيرة هى فى أشد الحاجة إليه، فكان يوزعه دائمًا. فإذا اطمأن إلى توزيعه دخل بيت المال ليطمئن على ذلك، ثم يأمر بكنسه ورشه بالماء، ويصلى فيه ركعتين شكرًا لله الذى مَكنه من إعطاء ذى حق حقه.
رؤى مرّات وهو يعمل فى بستان له، مع عماله، فى تنقية بئر وتغويرها عمقًا للوصول إلى منابع الماء، يرفع الطين معهم ويجر الحبال ويسوى الأخاديد، ثم يأكل معهم جنبًا إلى جنب وما عندهم إلا رخيص الطعام ورديئه، فلا يترفع أو يتقزز، ولقد ظلت أحب كُناه إلى نفسه (أبا تراب).. وهو ما كَناه به النبى عليه السلام حين وجده نائمًا يفترش أرض المسجد وقد تترب ظهره وصدره.
سمع عمار بن ياسر رسول الله يقول لعلىّ كرّم الله وجهه: (يا علىّ، إن الله عز وجل قد زينك بزينة لم يتزين العباد بزينة أحب إليه منها، الزّهد فى الدنيا فجعلك لا تنال من الدنيا شيئًا ولا تنال منك شيئًا. ووهبَ لك حب المساكين، رضوا بك إمامًا ورضيت بهم أتباعًا، فطوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب عليك.. فأمّا الذين أحبوك وصدقوا فيك فهم جيرانك فى دارك ورفقاؤك فى قصرك. وأمّا الذين أبغضوك وكذبوا عليك فحق على الله أن يوقفهم موقف الكذابين يوم القيامة).
كان العدل هدف علىّ (رضى الله عنه) وغايته، والناس فى حق الحياة سواء. كانت إقطاعيات قد وزعت قبله على المقربين والرؤساء، فانتزعها من القابضين عليها، وردها إلى بيت مال المسلمين لتوزع على من يستحقونها فعلًا بالتسوية. وقال قولته المشهورة (والله لو وجدته قد تزوج به النساء وملك الإماء لرددته، فإن العدل سعة. ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق).
فى مقعد القاضى
وقد بلغ من مثاليته أنه كان يحاسب الولاة حتى على حضور الولائم التى لا يجمل بأمثالهم حضورهم، وفقه علىّ (رضى الله عنه) أسرار الشريعة وعرف أهدافها وغاياتها ومقاصدها. انتهى إليه القضاء فى عهد عمر بن الخطاب، فما حكم حكمًا إلا واستشار فيه عليّا (رضى الله عنه) وكان عمر يقول: (لولا علىّ لهلك عمر) اعترافًا بفضل علىّ فى القضاء، الذى بلغ فيه الذروة بمنطق رصين، وعقل حصيف، وروح عالية، وفهم للإنسانية، وعمق لهذا الفهم، ومعرفة بالإنسان وضعفه والعوامل التى تحيط به، فإذا أشكل على عمر أمر لجأ إلى علىّ وهو يقول: (قضية ولا أبا حسن لها!)
جىء إلى عمر بن الخطاب بامرأة زانية يشتبه فى حملها، فاستفتى ابن أبى طالب، فأفتَى بوجوب الإبقاء عليها حتى تضع جنينها قائلًا له: (إن كان لك سُلطان عليها فلا سُلطان لك على ما فى بطنها). وانتزع امرأة من أيدى الموكلين بإقامة الحد عليها، وسأله عمر فى ذلك فقال: «أما سمعت قول النبى (ص): رفع القلم عن ثلاثة، عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المبتلى حتى يعقل»، قال عمر: بلى، قال فهذه مبتلاة بنى فلان، فلعله أتاها ذهوبها (أى قد يكون حملها قد تم فى فترة ذهاب عقلها) قال عمر: لا أدرى، قال: وأنا لا أدرى. فترك رجمها للشك فى عقلها.
سُئل عبدالله بن عباس: لم كان صفو الناس إلى علىّ؟ فقال: كان له غرس قاطع فى العلم، وكان له البسطة فى العشيرة، والقدم فى الإسلام، والصهر لرسول الله، والفقه فى السُّنة، والنجدة فى الحرب، والجود بالماعون، فهو القاضى بالحق ببركة دعاء النبى. الفقيه لسُنة رسول الله لأنه كان أقرب الناس إليه أضف إلى ذلك شجاعة فى القتال يُضرب بها الأمثال ويُحتذَى بها فى كل زمان ومكان، لقد حضر مع رسول الله المواقع كلها، وكان فى طليعة المبشرين بالجنة، يذب الأذى عن رسول الله ويحارب أمامه وبجواره، أصابته يوم أحُد ست عشرة ضربة كل ضربة تلزمه الأرض، فكان يقوم منها أوفر ما يكون قوة وإصرارًا، وفى معركة بدر كان أول ثلاثة بارزوا وقضوا على مبارزيهم. وفى غزوة تبوك خلفه رسول الله على أهله، فلما ظهر عليه الضيق قال له رسول الله مطيبًا خاطره «أما ترضى أن تكون منّى بمنزلة هارون بن موسى، غير أنه لا نبى بعدى».
تآمر الخوارج على قتله، واتفقوا على أن يقوم بالمهمة أشقاهم (عبدالرحمن بن ملجم). يروى عثمان بن صهيب الرومى عن أبيه صهيب قال: قال علىّ قال لى الرسول: من أشقى الأولين؟ قلت: عاقر الناقة، قال صدقت، فمن أشقى الآخرين ؟ قلت: لا علم لى يا رسول الله. قال: الذى يضربك على هذا (وأشار بيده على يافوخه). ودخل شهر رمضان فجعل علىّ يتعشى ليلة عند الحسن، وليلة عند الحسين، وليلة عند عبدالله بن جعفر، لا يزيد على ثلاث لقم.
خرج لصلاة الفجر بعد أن قال لابنه الحسين: سنح لى الليلة رسول الله فى منامى فقلت يا رسول الله والله ما لقيت من أمتك إلا الأود واللدد، قال: ادع عليهم، قلت: اللهم أبدلنى بهم من هو خير لى منهم، وأبدلهم بى من هو شر منّى. ثم خرج للصلاة، فأسرع اليه عبدالرحمن بن ملجم بسيفه فضربه على رأسه، فأصاب جبهته إلى قرنه، ووصل إلى دماغه، أمّا الآخر واسمه (شبيب) فوقع منه السيف وهرب، وسمع علىّ وهو يقول: (لا يفوتنكم الرجل)، وشد الناس عليهما من كل جانب، واستطاعوا القبض على ابن ملجم. فلما مثل بين يدى علىّ، وكانت دماؤه تنزف، لم تفارقه عدالته التى عُرف بها، فقال لمن حوله: «أطيبوا طعامه وألينوا فراشه، فإن أعش فأنا ولى دمى، عفوٌ أو قصاصٌ، وإن أمت فألحقوه بى أخاصمه عند رب العالمين».
رحم الله أبا الحسن. لقد كان مثالًا للبشرية بأسرها، لم يترك من حطام الدنيا شيئا، ومهما كتبنا أو قلنا فلن نفى (أبا تراب) حقه، يكفى أن الله كرّم وجهه، وأحبه رسول الله، ذكر القرآن إيثاره ووفاءه بالنذر، وخوفه من الله، وبذله الطعام مع حاجته الماسة إليه، وهو صائم يؤثر على نفسه، ولو كان به خصاصة، يمنح المسكين ويعطى اليتيم ويطعم الأسير «إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورًا. إنا نخاف من ربنا يومًا عبوسًا قمطريرًا. فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورًا. وجزاهم بما صبروا جنة وحريرًا». " انتهى النقل
دمتم برعاية الله
كتبته : وهج الإيمان
اللهم صل على محمد وال محمد
الشيخ السني محمود البرشومى يقر بفضائل الإمام علي عليه السلام وبمولده في الكعبة ، وقال ان رسول الله صلى الله عليه واله وسلم قال له :" أن الله وهبَ لك حب المساكين، رضوا بك إمامًا"، وأنه المرجع في المسائل الفقهية وأن آية الإطعام نزلت فيه وغيرها من الفضائل .
قال الشيخ السني محمود البرشومى في مقالته علي بن أبي طالب إمام الزاهدين في صحيفة روز اليوسف : " فى الكعبة وُلِد! لم يسبقه إلى ذلك سابقٌ، ولم يقع ذلك للاحقٍ. وَلَدته السيدة فاطمة بنت أسد بن هاشم بن عبد مناف، فكان أول هاشمى وُلِد من أبوين هاشميَّيْن، اجتمعت فيه صفات هذه العائلة من مروءة ونُبل وشجاعة وقوة وذكاء وحب للمساكين ومناصرة للمظلومين.
كان على بن أبى طالب أصغر أبناء والدَيْه، يكبره جعفر وعقيل وطالب، ولكنّ عقيلًا كان أحب الأبناء لأبيه لأنه كان ضعيف البنية محتاجًا إلى رعاية أكثر من والده، لذلك عندما أصاب القحط قريشًا أهاب الرسول بعمّه حمزة والعباس أن يحملا بعض تبعات أبى طالب من الأبناء وهو معهم، وبعض مسئوليته فى تربيتهم، ذلك أن أبا طالب لنبالته قد تحمّل الكثير من أجل الحفاظ على مكانة الأسرة وعلى اسم عبدالمطلب الذى كان زعيمًا لقريش، أخذ العباس طالبًا، وأخذ حمزة جعفرًا، وأخذ الرسول (صلى الله عليه وسلم) عليًّا.. فعوّضه عن أبيه حنانًا وحبّا وبرّا.
كان على بن أبى طالب أصغر أبناء والدَيْه، يكبره جعفر وعقيل وطالب، ولكنّ عقيلًا كان أحب الأبناء لأبيه لأنه كان ضعيف البنية محتاجًا إلى رعاية أكثر من والده، لذلك عندما أصاب القحط قريشًا أهاب الرسول بعمّه حمزة والعباس أن يحملا بعض تبعات أبى طالب من الأبناء وهو معهم، وبعض مسئوليته فى تربيتهم، ذلك أن أبا طالب لنبالته قد تحمّل الكثير من أجل الحفاظ على مكانة الأسرة وعلى اسم عبدالمطلب الذى كان زعيمًا لقريش، أخذ العباس طالبًا، وأخذ حمزة جعفرًا، وأخذ الرسول (صلى الله عليه وسلم) عليًّا.. فعوّضه عن أبيه حنانًا وحبّا وبرّا.
تحمَّل على (رضى الله عنه) مسئولية نفسه فى سِنّ مبكرة، فهو فى السابعة من عمره يحلم بمجىء الرسالة لابن عمه عليه الصلاة والسلام، وعندما يتحدث إليه النبى فى شأنها يطلب مهلة للتفكير كالكبار، وحتى يستشير والده. وفى الصباح يعلن إسلامه بعد تفكير عميق، قائلا أنه لم يستشر والده فى دخوله الإسلام. وظل ملازمًا للرسول (ص) لا يفارقه إلا فى سَرِيّة أو على رأس وفد أو فى بعض الأمور التى يوليه الرسول إياها. فلمّا جهَر رسول الله بدعوته تعرّض لجهل الجهلة ولاحقه الكفار بالإيذاء والسب وملاحقة الصبية بالحجارة يقذفونه بها، وبالتراب يلقونه فى وجهه، ولم يجد الرسول بُدّا من الإفضاء بذلك إلى على وهو فى مثل سنهم، فطاردهم وهم كثير وهو واحد فرد، وتمكن من رد أذاهم حتى سُمّى بالقضيم لشدة ضرباته القاضمة لظهورهم!
كان (رضى الله عنه) طفلًا شديد البنيان وشابّا قويّا، وصفوه وهو فى تمام الرجولة بأنه كان ربعة، أميل إلى القصر، آدم- أى أسمر- شديد الأدمة، عريض المنكبين، ذا قوة جسدية هائلة، فربما رفع الفارس بيده فجلد به الأرض (أى: طرح به الأرض) مرّات، ويمسك بذراع الرجل فكأنه أمسك بنفسه فلا يستطيع أن يتنفس، وما صارع أحدًا إلا صرعه، وما بارز أحدًا إلا قتله، وقد يزحزح الحجر الضخم لا يزحزحه رجال، ويحمل الباب الكبير فإذا وضعه لم يستطع رفعه عشرة من الرجال
أبو(تراب) كان يكره رؤية المال مجتمعًا فى مكان أو فى أيدٍ قليلة مستغلة مكتنزة، لذلك كان يزهد فيه إلى حد معاداته وعدم الاطمئنان إليه، إلا إذا صار فى أيدٍ كثيرة هى فى أشد الحاجة إليه، فكان يوزعه دائمًا. فإذا اطمأن إلى توزيعه دخل بيت المال ليطمئن على ذلك، ثم يأمر بكنسه ورشه بالماء، ويصلى فيه ركعتين شكرًا لله الذى مَكنه من إعطاء ذى حق حقه.
رؤى مرّات وهو يعمل فى بستان له، مع عماله، فى تنقية بئر وتغويرها عمقًا للوصول إلى منابع الماء، يرفع الطين معهم ويجر الحبال ويسوى الأخاديد، ثم يأكل معهم جنبًا إلى جنب وما عندهم إلا رخيص الطعام ورديئه، فلا يترفع أو يتقزز، ولقد ظلت أحب كُناه إلى نفسه (أبا تراب).. وهو ما كَناه به النبى عليه السلام حين وجده نائمًا يفترش أرض المسجد وقد تترب ظهره وصدره.
سمع عمار بن ياسر رسول الله يقول لعلىّ كرّم الله وجهه: (يا علىّ، إن الله عز وجل قد زينك بزينة لم يتزين العباد بزينة أحب إليه منها، الزّهد فى الدنيا فجعلك لا تنال من الدنيا شيئًا ولا تنال منك شيئًا. ووهبَ لك حب المساكين، رضوا بك إمامًا ورضيت بهم أتباعًا، فطوبى لمن أحبك وصدق فيك، وويل لمن أبغضك وكذب عليك.. فأمّا الذين أحبوك وصدقوا فيك فهم جيرانك فى دارك ورفقاؤك فى قصرك. وأمّا الذين أبغضوك وكذبوا عليك فحق على الله أن يوقفهم موقف الكذابين يوم القيامة).
كان العدل هدف علىّ (رضى الله عنه) وغايته، والناس فى حق الحياة سواء. كانت إقطاعيات قد وزعت قبله على المقربين والرؤساء، فانتزعها من القابضين عليها، وردها إلى بيت مال المسلمين لتوزع على من يستحقونها فعلًا بالتسوية. وقال قولته المشهورة (والله لو وجدته قد تزوج به النساء وملك الإماء لرددته، فإن العدل سعة. ومن ضاق عليه العدل فالجور عليه أضيق).
فى مقعد القاضى
وقد بلغ من مثاليته أنه كان يحاسب الولاة حتى على حضور الولائم التى لا يجمل بأمثالهم حضورهم، وفقه علىّ (رضى الله عنه) أسرار الشريعة وعرف أهدافها وغاياتها ومقاصدها. انتهى إليه القضاء فى عهد عمر بن الخطاب، فما حكم حكمًا إلا واستشار فيه عليّا (رضى الله عنه) وكان عمر يقول: (لولا علىّ لهلك عمر) اعترافًا بفضل علىّ فى القضاء، الذى بلغ فيه الذروة بمنطق رصين، وعقل حصيف، وروح عالية، وفهم للإنسانية، وعمق لهذا الفهم، ومعرفة بالإنسان وضعفه والعوامل التى تحيط به، فإذا أشكل على عمر أمر لجأ إلى علىّ وهو يقول: (قضية ولا أبا حسن لها!)
جىء إلى عمر بن الخطاب بامرأة زانية يشتبه فى حملها، فاستفتى ابن أبى طالب، فأفتَى بوجوب الإبقاء عليها حتى تضع جنينها قائلًا له: (إن كان لك سُلطان عليها فلا سُلطان لك على ما فى بطنها). وانتزع امرأة من أيدى الموكلين بإقامة الحد عليها، وسأله عمر فى ذلك فقال: «أما سمعت قول النبى (ص): رفع القلم عن ثلاثة، عن النائم حتى يستيقظ، وعن الصغير حتى يكبر، وعن المبتلى حتى يعقل»، قال عمر: بلى، قال فهذه مبتلاة بنى فلان، فلعله أتاها ذهوبها (أى قد يكون حملها قد تم فى فترة ذهاب عقلها) قال عمر: لا أدرى، قال: وأنا لا أدرى. فترك رجمها للشك فى عقلها.
سُئل عبدالله بن عباس: لم كان صفو الناس إلى علىّ؟ فقال: كان له غرس قاطع فى العلم، وكان له البسطة فى العشيرة، والقدم فى الإسلام، والصهر لرسول الله، والفقه فى السُّنة، والنجدة فى الحرب، والجود بالماعون، فهو القاضى بالحق ببركة دعاء النبى. الفقيه لسُنة رسول الله لأنه كان أقرب الناس إليه أضف إلى ذلك شجاعة فى القتال يُضرب بها الأمثال ويُحتذَى بها فى كل زمان ومكان، لقد حضر مع رسول الله المواقع كلها، وكان فى طليعة المبشرين بالجنة، يذب الأذى عن رسول الله ويحارب أمامه وبجواره، أصابته يوم أحُد ست عشرة ضربة كل ضربة تلزمه الأرض، فكان يقوم منها أوفر ما يكون قوة وإصرارًا، وفى معركة بدر كان أول ثلاثة بارزوا وقضوا على مبارزيهم. وفى غزوة تبوك خلفه رسول الله على أهله، فلما ظهر عليه الضيق قال له رسول الله مطيبًا خاطره «أما ترضى أن تكون منّى بمنزلة هارون بن موسى، غير أنه لا نبى بعدى».
تآمر الخوارج على قتله، واتفقوا على أن يقوم بالمهمة أشقاهم (عبدالرحمن بن ملجم). يروى عثمان بن صهيب الرومى عن أبيه صهيب قال: قال علىّ قال لى الرسول: من أشقى الأولين؟ قلت: عاقر الناقة، قال صدقت، فمن أشقى الآخرين ؟ قلت: لا علم لى يا رسول الله. قال: الذى يضربك على هذا (وأشار بيده على يافوخه). ودخل شهر رمضان فجعل علىّ يتعشى ليلة عند الحسن، وليلة عند الحسين، وليلة عند عبدالله بن جعفر، لا يزيد على ثلاث لقم.
خرج لصلاة الفجر بعد أن قال لابنه الحسين: سنح لى الليلة رسول الله فى منامى فقلت يا رسول الله والله ما لقيت من أمتك إلا الأود واللدد، قال: ادع عليهم، قلت: اللهم أبدلنى بهم من هو خير لى منهم، وأبدلهم بى من هو شر منّى. ثم خرج للصلاة، فأسرع اليه عبدالرحمن بن ملجم بسيفه فضربه على رأسه، فأصاب جبهته إلى قرنه، ووصل إلى دماغه، أمّا الآخر واسمه (شبيب) فوقع منه السيف وهرب، وسمع علىّ وهو يقول: (لا يفوتنكم الرجل)، وشد الناس عليهما من كل جانب، واستطاعوا القبض على ابن ملجم. فلما مثل بين يدى علىّ، وكانت دماؤه تنزف، لم تفارقه عدالته التى عُرف بها، فقال لمن حوله: «أطيبوا طعامه وألينوا فراشه، فإن أعش فأنا ولى دمى، عفوٌ أو قصاصٌ، وإن أمت فألحقوه بى أخاصمه عند رب العالمين».
رحم الله أبا الحسن. لقد كان مثالًا للبشرية بأسرها، لم يترك من حطام الدنيا شيئا، ومهما كتبنا أو قلنا فلن نفى (أبا تراب) حقه، يكفى أن الله كرّم وجهه، وأحبه رسول الله، ذكر القرآن إيثاره ووفاءه بالنذر، وخوفه من الله، وبذله الطعام مع حاجته الماسة إليه، وهو صائم يؤثر على نفسه، ولو كان به خصاصة، يمنح المسكين ويعطى اليتيم ويطعم الأسير «إنما نطعمكم لوجه الله لا نريد منكم جزاءً ولا شكورًا. إنا نخاف من ربنا يومًا عبوسًا قمطريرًا. فوقاهم الله شر ذلك اليوم ولقاهم نضرة وسرورًا. وجزاهم بما صبروا جنة وحريرًا». " انتهى النقل
دمتم برعاية الله
كتبته : وهج الإيمان