المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : هل أمر موسى أمته بالصيام ، وماذا عن عيسى؟


مصطفى الهادي
17-03-2024, 12:12 PM
هل أمر موسى أمته بالصيام، وماذا عن عيسى؟
مصطفى الهادي.
(كتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم).(1)
لدى البحث في التوراة والإنجيل لم نجد وصية من الأنبياء لأمتهم بالصيام، ولم نجد نص تشريعي من الله فرض فيه الصيام على الأمم السابقة. ولكن وجدنا أن ألله فرض الصيام على الأنبياء فقط، وإلى هذا ذهبت الروايات الإسلامية من أن قوله تعالى : (كتب عليكم الصيام كما كُتب على الذين من قبلكم). إنما يقصد الأنبياء الذين قبلكم ففي الروايات عن النبي محمد وآله بيته عليهم السلام نجد ذلك واضحا، فقد ورد عن الإمام الصادق (ع) أنه قال الذين من قبلنا هم الأنبياء دون أممهم كما في حديثه (الإمام الصادق (عليه السلام): إن شهر رمضان لم يفرض الله صيامه على أحد من الأمم قبلنا، فقلت له: فقول الله عز وجل: (يا أيها الذين آمنوا كتب...) ؟! قال: إنما فرض الله صيام شهر رمضان على الأنبياء دون الأمم، ففضل الله به هذه الأمة، وجعل صيامه فرضا على رسول الله (صلى الله عليه وآله) وعلى أمته ). وهذا ما يقوله الإمام زين العابدين عليه السلام في وداعه لشهر رمضان: (ثم آثرتنا به على ساير الأمم، واصطفيتنا بفضله دون أهل الملل).(2)
وفي تفسير الآية المذكورة قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) : ( ان الله تبارك وتعالى لم يفرض صيام شهر رمضان فيمن مضى إلا على الأنبياء دون الأمم ، وإنما فرض عليكم ما فرض على أنبيائه ورسله قبلي إكراما وتفضيلا لي ، والذي بعثني بالحقّ ما أعطى الله عزّ وجلّ نبيا من أنبيائه فضيلة إلا وقد اعطانيها ، ولقد أعطاني ما لم يعطهم وفضلني على كافتهم وانا سيّدهم وخيرهم وأفضلهم ...).(3)
فقوله تعالى: (على الذين من قبلكم) .يصح أن يشمل ظاهر الآية كل من سبقنا من آدم إلى عيسى-عليهما السلام- وليس اليهود والنصارى فقط، وأن كل من سبقنا كانوا يصومون، لكن لا يلزم أن يكون صومهم هو نفس صومنا الشرعي بمعنى الإمساك عن مخصوص في وقت مخصوص، ولا أن يكون فرض عليهم شهر رمضان، وإنما المقصود فرض عليهم أصل الصيام لا صفته.
وأما الرجوع إلى كتب اليهود والنصارى فإننا لم نجد في التوراة أي تحديد أو الزام لفترة الصيام فلا ذكر لهُ هل هو شهر أكثر أو أقل . التوراة سكتت عن ذلك . ولكن لو جمعنا أيام الصوم التي يقوم بها اليهود وهي متفرقة هنا وهناك لوجدنا أن اليهود يصومون ستة أيام في السنة. يغلب عليها الانقطاع عن عدة أمور منها ما يُسمى الخمس عذابات : (ﺣﻈﺮ اﻟﻄﻌﺎم واﻟﺸﺮاب، وﺣﻈﺮ اﻻﺳﺘﺤﻤﺎم، وﺣﻈﺮ ﺗﻐﻄﻴﺔ اﻟﺠﺴﺪ، وﺣﻈﺮ ﻟﺒﺲ اﻟﺤﺬاء وﺣﻈﺮ اﻟﺠﻤﺎع).(4) واليوم السادس هو صيام يوم أستير .(5)
وهناك أصوام لا حصر لها في التوراة كلها تُعتبر تقاليد قومية اكتسبت الطابع الديني بمرور الأيام. وﺑﻤﺮور اﻷﻳﺎم ، أﺿﻴﻔﺖ ﻷﻳﺎم اﻟﺼﻮم اﻟﺴﺘﺔ ، أﺻﻮام ﺟﻤﺎﻋﻴﺔ ﻟﻔﺘﺮة زﻣﻨﻴﺔ ﻗﺼﻴﺮة، وهو اﻟﺬي ﺗﺄﻣﺮ ﺑﻪ اﻟﻤﺤﻜﻤﺔ الدينية العليا (السنهدريم) وتأمر به اليهود عند حدوث مخوفات كونية مثل : ﻮﻗﻒ اﻷﻣﻄﺎر، اﻟﺤﺮب، اﻟﻮﺑﺎء وﻣﺎ إﻟﻰ ذﻟﻚ ، وإذا ﺳﻘﻄﺖ اﻷﻣﻄﺎر، أو ﺗﻮﻗﻒ اﻟﻮﺑﺎء ﺑﻄﻞ اﻟﺼﻴﺎم.
أما صوم موسى على الجبل لأربعين يوما الذي ذكره اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ ، ﻟﻢ ﺗﺼﺮح ﻧﺼﻮص اﻟﻌﻬﺪ اﻟﻘﺪﻳﻢ ﺑﻔﺮض ﻫﺬا اﻟﺼﻴﺎم اﻷرﺑﻌﻴﻨﻲ ﻋﻠﻰ اﻟيهود، ﻛﻤﺎ أن التوراة ﻟﻢ ﺗﺤﺪد ﻣﻮﻗﻊ ﻫﺬﻩ اﻷرﺑﻌﻴﻦ ﻳﻮﻣﺎ ً ﻣﻦ أﻳﺎم اﻟﺴﻨﺔ فلا نرى أي يهودي يصومها.(6) وقد أشار القرآن إلى ذلك بقوله تعالى : (وواعدنا موسى ثلاثين ليلة وأتممناها بعشر فتم ميقات ربه أربعين ليلة).(7(
أما في المسيحية، فإن الصيام اليهودي نفسه أستمر على زمن المسيح عند اليهود ونفهم من النص التالي بأن السيد المسيح صام أيام كثيرة في أحدها صام (40) يوما،ولكن لم يقم بتشريع الصوم ولم يأمر حتى تلاميذه ــ حوارييه ــ بالصوم ، فقد كان تلاميذ يوحنا والفريسيين يصومون،على ديانتهم اليهودية، ولكنهم تعجبوا عندما لم يروا أتباع السيد المسيح يصومون، ولذلك قالوا للسيد المسيح : (لماذا يصوم تلاميذ يوحنا الفريسيين، وأما تلاميذك فلا يصومون؟ .(8 وفي نص آخر : (لماذا يصوم تلاميذ يوحنا كثيرا ، وكذلك تلاميذ الفريسيين أيضا، وأما تلاميذك فيأكلون ويشربون؟).(9(
اعتراضهم هذا يدلنا على أنهم كانوا يعرفون الصوم ويستغربون عدم تشريع ذلك في ديانة السيد المسيح، ولكن السيد المسيح بيّن لهم علة عدم تشريعه للصيام قائلا : ( ستأتي أيام حين يرفع العريس ــ المسيح ــ عنهم، فحينئذ يصومون في تلك الأيام(10 .( من هذا النص يتبين لنا عدة أمور منها.
الأول : أن السيد المسيح أوكل مهمة تشريع الصوم إلى أتباعه وحدد توقيت ذلك بارتفاعه إلى السماء. (متى ما ارتفع عنهم يصومون).يعني ترك الأمر لهم.
الثاني : وكأنه يُنبأهم بأنه لا يُقتل ولا يُصلب بل سوف يرتفع إلى السماء (ولما قال هذا ارتفع وهم ينظرون. وأخذته سحابة عن أعينهم).(11) وهذا مصداق قوله تعالى : (بل رفعهُ اللهُ إليه).(12(
أما في الإسلام فقد بيّن تعالى بأن الصيام فيه خير كثير كما يقول : (وأن تصوموا خيرٌ لكم إن كنتم تعلمون).(13) وعلّة خيره هو نزول القرآن فيه : (شهر رمضان الذي أنزل فيه القرآن).(14) وأن فيه ليلة القدر التي هي أفضل من الف شهر : (إنا أنزلناه في ليلة القدر وما أدراك ما ليلة القدر ليلة القدر خيرٌ من الف شهر).(15) ولماذا هذه الليلة افضل من ألف شهر؟ لأنها الوسيلة الوحيدة الباقية النزول الملائكة إلى الأرض بالخير والبركة ، وكل ما يحتاجه الإنسان في شؤون حياته وفيها دعاء الإنسان مستجاب : (تنزل الملائكة والروح فيها بإذن ربهم من كل أمر).(16(
بادروا قبل أن تُغادروا.
المصادر:
1- سورة البقرة آية : 183.
2- الصحيفة السجادية: الدعاء ٤٥. وكذلك انظر كتاب ما لا يحضره الفقيه: ٢ج ص ٩٩ / ١٨٤٤.
3- عن كتاب وقائع الأيام : ص 425 لأبن طاووس السيد رضي الدين.
4- ﺳﻔﺮ اﻟﻼوﻳﻴﻦ٢٣/٢٨–٣٢. راجع : الموسوعة العبرية دائرة المعارف العبرية ص: 319.
5- سفر أستير٣/١٦،١٧ . الدكتور محمد فوزي الضيف ، أﺳﺘﺎذ اﻟﻠﻐﺔ اﻟﻌﺒﺮﻳﺔ وآداﺑﻬﺎ–ﻛﻠﻴﺔاﻵداب– ﺟﺎﻣﻌﺔ اﻟﻤﻨﻮﻓﻴﺔ، وقت الصيام في اليهودية والإسلام. مجلة مجلة رسالة المشرق العدد: 291.
6- الدﻛﺘﻮر ﻣﺤﻤﺪ اﻟﻬﻮاري. اﻟﺼﻮم ﻓﻲ اﻟﻴﻬﻮدﻳﺔ. دار اﻟﻬﺎﻧﻲ ﻟﻠﻄﺒﺎﻋﺔ واﻟﻨﺸﺮ. اﻟﻘﺎﻫﺮة.١٩٨٨. ص43.
7- سورة الأعراف آية : 142.
8- إنجيل مرقس 2: 18 .
9- إنجيل لوقا 5: 33 .
10- إنجيل لوقا 5: 35.
11- سفر أعمال الرسل 1: 9 .
12- سورة النساء آية : 158.
13- سورة البقرة آية : 184.
14- سورة البقرة آية : 185.وعن الأئمة المعصومين (ع) أنهم قالوا أن جميع الكتب نزلت في شهر رمضان.
15- سورة القدر آية : 3.
16- سورة القدر آية : 4.