مصطفى الهادي
28-03-2024, 01:39 AM
قالوا يا موسى إن فيها قوما جبّارين.
قالوا لموسى : (لا نقدر أن نصعد إلى الأرض لأنهم أشد منا. وقد رأينا هناك الجبابرة).
مصطفى الهادي.
لا ينكر أحد أن الكثير من وقائع التاريخ تم التلاعب بها إما من قبل رجال الدين ، أو رغبة بعض الملوك، وأمّا الشعوب فهي المغلوبة على أمرها ولا تمتلك الوسائل لفعل ذلك. وقد أثبتت الدراسات أن الكثير من رجال الدين والملوك قاموا بطمس مآثر من سبقهم ، او تحويلها إلى مآثر لهم. ولعل أسوأ طمس وتحريف وتغيير وتزوير هو ما حدث في التوراة العبرية. ونظرا لكثرة ما جرى فيها من تغيير فقد اختلط الحابل بالنابل وأصبح القارئ أو الباحث يدور في متاهة عند بحثه عن قضية أو نص.
(اذكر ما فعلتهُ عماليق بك).
منذ القدم كان بنو إسرائيل شعب يسكنون في الخيام و يرعى الأغنام همّهُ الوحيد هو الماء والكلأ لأغنامه. لم يستقر يوما ، وكان يمر أثناء ترحاله بمدن وحضارات وقرى وقصبات فيتمنى ان يكون لهُ مثلها فيترك حياة البداوة وهذا ما نراه يلوح في كلام نبي الله يوسف في قوله لأبيه : (وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو).(1) فقد أسكنهم الله بعد خروجهم من مصر في الخيام : (وأنا الرب إلهك من أرض مصر حتى أسكنك الخيام. فسكنا في الخيام، وسمعنا وعملنا حسب كل ما أوصانا به).(2)
وحياة البداوة والترحال لليهود تشهد بها التوراة وتشهد كذلك بأن شعب عماليق (الجبّارين) هم شعب متحضر يسكن في مدن حصينة كما نقرأ : (وعندما أرسل موسى من البرية الجواسيس وجدوا أن الشعب الساكن في الأرض معتزّ والمدن حصينة عظيمة جدا. والعمالقة ساكنون في أرض الجنوب ــ النقب ــ ثم قالوا لموسى : لا نقدر أن نصعد إلى الأرض لأنهم أشد منا. وقد رأينا هناك الجبابرة).(3)
هذا الكلام حرفيا ذكره القرآن عن جبنهم وتخاذلهم عندما أمرهم الله تعالى ان يدخلوا الأرض المقدسة فأخذوا يبكون ويقولون لموسى : (قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها).(4) شعبُ رعديد جبان متخاذل عندما رأوا شعب الجبارين أخذتهم الرِعدة وخافوا جدا وأخذوا يبكون ويطلبون من موسى أن يعود بهم إلى مصر تحت العبودية لأنها أفضل لهم من القتل على أيدي هؤلاء الجبابرة: (فرفعت كل الجماعة صوتها وصرخت، وبكى الشعب وتذمر على موسى وعلى هارون جميع بني إسرائيل، وقالوا لهما ليتنا متنا في أرض مصر، أو ليتنا متنا في هذا القفر لماذا أتى بنا الرب إلى هذه الأرض لنسقط بالسيف؟ تصير نساؤنا وأطفالنا غنيمة . أليس خير لنا أن نرجع إلى مصر).(5)
جبنهم جعلهم يتمردون على الله ربهم وموسى وهارون ويقبلون بالرجوع إلى الذل والعبودية. ولا يُستغرب منهم ذلك وهم يتجرؤون على موسى وربه ويقولون له : (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون).
شعب الجبارين هذا علِم بنوايا بني إسرائيل وعلم أن هذا الشعب التائه يبحث عن أرض لينهبها، فبادرهم بالهجوم وهم في الصحراء، وحاول دفع شرّهم وإبعاد الخطر عن البلاد (فلسطين). ولازالت الحرب مستعرة بينهم وبين اليهود منذ ذلك التاريخ ، حتى أن اليهود عندما لم يقدروا على شعب عماليق الجبارين كتبوا نصا في التوراة وصية للأجيال يقولون فيه بأن الله أوصاهم بإبادة شعب عماليق : (أذكر ما فعلتهُ عماليق بك في الطريق عند خروجك من مصر. فمتى أراحك الرب إلهك من جميع أعدائك ، تمحو ذكر عماليق من تحت السماء. لا تنس).(6)
فقد كان الجبارين أول من سكن هذه المنطقة (فلسطين) وهذا باعتراف التوراة نفسها عندما تقول عنهم : (عماليق أول الشعوب).(7) تقول دائرة المعارف الكتابية : (وعبارة أول الشعوب تعني أنهم أول شعب سكن تلك المنطقة وهم أول شعب هاجم بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر).( 8 )
وهكذا وبنصوص دينية مزيفة نسبوها لله تعالى لازالت توراتهم تأمرهم أن يخوضوا حربهم مع الشعب الفلسطيني من جيل إلى جيل إلى أن يمحو ذكرهم من تحت السماء. وهذا ما نراه يجري بحذافيره ونحن بعد شهود أحياء. (للرب حربٌ مع عماليقَ من دورٍ إلى دور).(9) أي سيُحاربهم الرب من جيل إلى جيل. يقول في تفسير الكتاب المقدس : (لأن عماليق هاجم شعب الله ، فقد هاجم الله نفسه لذا قام عليه الله بحرب امتدت سنينا كثيرة ، فمن يقدر أن يقف أمام الله).(10) ولعل التوراة تقدم لنا دليلا على أن المقصود بشعب عماليق وأرض عماليق هي فلسطين كما نقرأ : (لما أطلق فرعون الشعب أن الله لم يهدهم في طريق أرض فلسطين مع أنها قريبة. وحمى غضب الرب على إسرائيل وباعهم بيد الفلسطينيين، فدفعهم الرب ليد الفلسطينيين أربعين سنة).(11)
المصادر:
1- سورة يوسف آية : 100.
2- سفر هوشع 12 : 9. و : سفر إرميا 35 : 10.
3- سفر العدد 13 : 28 ــ 30. يقول المفسر المسيحي : (هناك أكثر من ذكر لعماليق فهناك جماعة عماليق بن اليفاز بكر عيسو، ولكن هناك من هم أقدم من ذلك بكثير فهم موجودين قبل إبراهيم فكدر لعومر ضرب بلاد العمالقة. وعموما العمالقة قد تُشير لسكان الوديان. وهم شعوب قوية). شرح الكتاب المقدس ، العهد القديم ، القمص أنطونيوس فكري ، تفسير سفر العدد 24.
4- سورة المائدة آية : 22.
5- سفر العدد 14 : 1 ــ 3.
6- سفر التثنية 25 : 17 ــ 19.
7- سفر العدد 24 : 20.
8- دائرة المعارف الكتابية المسيحية: عماليق.
9- سفر الخروج 17 : 16.
10- سفر الخروج 17 : 16. تفسير الكتاب المقدس، الموسوعة الكنسية لتفسير العهد القديم: تفسير سفر الخروج 17.
11- سفر الخروج 13 : 17. و : سفر القضاة 10 : 7، كذلك : سفر القضاة 13 : 1.
قالوا لموسى : (لا نقدر أن نصعد إلى الأرض لأنهم أشد منا. وقد رأينا هناك الجبابرة).
مصطفى الهادي.
لا ينكر أحد أن الكثير من وقائع التاريخ تم التلاعب بها إما من قبل رجال الدين ، أو رغبة بعض الملوك، وأمّا الشعوب فهي المغلوبة على أمرها ولا تمتلك الوسائل لفعل ذلك. وقد أثبتت الدراسات أن الكثير من رجال الدين والملوك قاموا بطمس مآثر من سبقهم ، او تحويلها إلى مآثر لهم. ولعل أسوأ طمس وتحريف وتغيير وتزوير هو ما حدث في التوراة العبرية. ونظرا لكثرة ما جرى فيها من تغيير فقد اختلط الحابل بالنابل وأصبح القارئ أو الباحث يدور في متاهة عند بحثه عن قضية أو نص.
(اذكر ما فعلتهُ عماليق بك).
منذ القدم كان بنو إسرائيل شعب يسكنون في الخيام و يرعى الأغنام همّهُ الوحيد هو الماء والكلأ لأغنامه. لم يستقر يوما ، وكان يمر أثناء ترحاله بمدن وحضارات وقرى وقصبات فيتمنى ان يكون لهُ مثلها فيترك حياة البداوة وهذا ما نراه يلوح في كلام نبي الله يوسف في قوله لأبيه : (وقد أحسن بي إذ أخرجني من السجن وجاء بكم من البدو).(1) فقد أسكنهم الله بعد خروجهم من مصر في الخيام : (وأنا الرب إلهك من أرض مصر حتى أسكنك الخيام. فسكنا في الخيام، وسمعنا وعملنا حسب كل ما أوصانا به).(2)
وحياة البداوة والترحال لليهود تشهد بها التوراة وتشهد كذلك بأن شعب عماليق (الجبّارين) هم شعب متحضر يسكن في مدن حصينة كما نقرأ : (وعندما أرسل موسى من البرية الجواسيس وجدوا أن الشعب الساكن في الأرض معتزّ والمدن حصينة عظيمة جدا. والعمالقة ساكنون في أرض الجنوب ــ النقب ــ ثم قالوا لموسى : لا نقدر أن نصعد إلى الأرض لأنهم أشد منا. وقد رأينا هناك الجبابرة).(3)
هذا الكلام حرفيا ذكره القرآن عن جبنهم وتخاذلهم عندما أمرهم الله تعالى ان يدخلوا الأرض المقدسة فأخذوا يبكون ويقولون لموسى : (قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها).(4) شعبُ رعديد جبان متخاذل عندما رأوا شعب الجبارين أخذتهم الرِعدة وخافوا جدا وأخذوا يبكون ويطلبون من موسى أن يعود بهم إلى مصر تحت العبودية لأنها أفضل لهم من القتل على أيدي هؤلاء الجبابرة: (فرفعت كل الجماعة صوتها وصرخت، وبكى الشعب وتذمر على موسى وعلى هارون جميع بني إسرائيل، وقالوا لهما ليتنا متنا في أرض مصر، أو ليتنا متنا في هذا القفر لماذا أتى بنا الرب إلى هذه الأرض لنسقط بالسيف؟ تصير نساؤنا وأطفالنا غنيمة . أليس خير لنا أن نرجع إلى مصر).(5)
جبنهم جعلهم يتمردون على الله ربهم وموسى وهارون ويقبلون بالرجوع إلى الذل والعبودية. ولا يُستغرب منهم ذلك وهم يتجرؤون على موسى وربه ويقولون له : (اذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون).
شعب الجبارين هذا علِم بنوايا بني إسرائيل وعلم أن هذا الشعب التائه يبحث عن أرض لينهبها، فبادرهم بالهجوم وهم في الصحراء، وحاول دفع شرّهم وإبعاد الخطر عن البلاد (فلسطين). ولازالت الحرب مستعرة بينهم وبين اليهود منذ ذلك التاريخ ، حتى أن اليهود عندما لم يقدروا على شعب عماليق الجبارين كتبوا نصا في التوراة وصية للأجيال يقولون فيه بأن الله أوصاهم بإبادة شعب عماليق : (أذكر ما فعلتهُ عماليق بك في الطريق عند خروجك من مصر. فمتى أراحك الرب إلهك من جميع أعدائك ، تمحو ذكر عماليق من تحت السماء. لا تنس).(6)
فقد كان الجبارين أول من سكن هذه المنطقة (فلسطين) وهذا باعتراف التوراة نفسها عندما تقول عنهم : (عماليق أول الشعوب).(7) تقول دائرة المعارف الكتابية : (وعبارة أول الشعوب تعني أنهم أول شعب سكن تلك المنطقة وهم أول شعب هاجم بني إسرائيل بعد خروجهم من مصر).( 8 )
وهكذا وبنصوص دينية مزيفة نسبوها لله تعالى لازالت توراتهم تأمرهم أن يخوضوا حربهم مع الشعب الفلسطيني من جيل إلى جيل إلى أن يمحو ذكرهم من تحت السماء. وهذا ما نراه يجري بحذافيره ونحن بعد شهود أحياء. (للرب حربٌ مع عماليقَ من دورٍ إلى دور).(9) أي سيُحاربهم الرب من جيل إلى جيل. يقول في تفسير الكتاب المقدس : (لأن عماليق هاجم شعب الله ، فقد هاجم الله نفسه لذا قام عليه الله بحرب امتدت سنينا كثيرة ، فمن يقدر أن يقف أمام الله).(10) ولعل التوراة تقدم لنا دليلا على أن المقصود بشعب عماليق وأرض عماليق هي فلسطين كما نقرأ : (لما أطلق فرعون الشعب أن الله لم يهدهم في طريق أرض فلسطين مع أنها قريبة. وحمى غضب الرب على إسرائيل وباعهم بيد الفلسطينيين، فدفعهم الرب ليد الفلسطينيين أربعين سنة).(11)
المصادر:
1- سورة يوسف آية : 100.
2- سفر هوشع 12 : 9. و : سفر إرميا 35 : 10.
3- سفر العدد 13 : 28 ــ 30. يقول المفسر المسيحي : (هناك أكثر من ذكر لعماليق فهناك جماعة عماليق بن اليفاز بكر عيسو، ولكن هناك من هم أقدم من ذلك بكثير فهم موجودين قبل إبراهيم فكدر لعومر ضرب بلاد العمالقة. وعموما العمالقة قد تُشير لسكان الوديان. وهم شعوب قوية). شرح الكتاب المقدس ، العهد القديم ، القمص أنطونيوس فكري ، تفسير سفر العدد 24.
4- سورة المائدة آية : 22.
5- سفر العدد 14 : 1 ــ 3.
6- سفر التثنية 25 : 17 ــ 19.
7- سفر العدد 24 : 20.
8- دائرة المعارف الكتابية المسيحية: عماليق.
9- سفر الخروج 17 : 16.
10- سفر الخروج 17 : 16. تفسير الكتاب المقدس، الموسوعة الكنسية لتفسير العهد القديم: تفسير سفر الخروج 17.
11- سفر الخروج 13 : 17. و : سفر القضاة 10 : 7، كذلك : سفر القضاة 13 : 1.