مصطفى الهادي
03-12-2024, 09:18 PM
قلع باب خيبر ، هل هي أسطورة توراتية. الجزء الثاني.
مصطفى الهادي.
(فيا عجبا للدهر إذ صرت يقرن بي من لم يسع بقدمي ولم تكن له كسابقتي التي لا يدلي أحد بمثلها إلا أن يدعي مدع ما لا أعرفه ولا أظن الله يعرفه).
أولا: لا مقارنة بين بين الامام علي (ع) وبين شخص مبتذل محتال. مهما نسبوا لهذا المحتال من بطولات وخوارق فهي تبقى خرافات ذات أهداف خاصة بمخترعيها، عزف عليها فيما بعد مرضى النفوس .
ثانيا : لو بحثنا في شخصية شمشون عبر التوراة وبعض أقول العلماء وما جاء على لسان المفسرين، لوجدنا شمشون هذا شخصا هزيلا تافها زانيا جبانا، نُسبت إليه بطولات خارقة حتى قيل له (شمشون الجبّار)، والسر وراء بطولاته كما تقول التوراة هو أن الله اختاره من بطن أمه لكي يتسبب بطرد الفلسطينيين من أرضهم وتقديمها لقومه اليهود.
ولكن هناك عقبة كأداء في طريق شمشون ومن لف لفه ، فهم يعلمون أن الفلسطينيين شعبٌ عريق في أرضه له تاريخ يمتد إلى مراحل البشرية الأولى وهذا القول ننقله من التوراة لأنهُ ألزم لهم فتقول التوراة بأن شعب فلسطين وجد قبل زمن إبراهيم النبي (ع). كما نقرأ: (وتغرّب إبراهيمُ في أرض الفلسطينيين أياما كثيرة).(1) فإبراهيم وصل إلى أرض فلسطين قبل بزوغ ذكر بني إسرائيل. ولم يكن الفلسطينيون حينها أمة طارئة أو شعب هزيل ضعيف مشتت بل كانوا دولة مترامية الأطراف لها ملوك وأسوار وشعب شجاع، ولذلك عندما أمر الله بني إسرائيل فيما بعد على لسان نبيه موسى أن يدخلوها خافوا وجبنوا : (قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها).(2) وهذا ما أكدته التوراة نفسها في أن بني إسرائيل رفضوا دخول أرض فلسطين خوفا من قومها ومدنها المحصنة كما تقول التوراة على لسان بني إسرائيل: (أن الشعب الساكن في الأرض معتزّ، والمدن حصينة عظيمة جدا. لا نقدر أن نصعد لأنهم أشد منا وقد رأينا هناك الجبابرة).(3)
جبنهم دفعهم لخلق الأساطير لرفع معنوياتهم وللتأثير نفسيا على أعدائهم فامتلأت التوراة بالشخصيات الأسطورية والخرافات والبطولات الوهمية، فكان من بينها شخصية (شمشون)حيث تزعم التوراة أن شمشون ولد بمعجزة إلهية بعد أن كانت أمه عاقر، وأن ألله وضع هذا الطفل في بطنها وتعهده بالرعاية وأعطاه القوة الخارقة لسبب واحد كما تقول التوراة : (فتراءى ملاك الرب للمرأة وقال لها: ها أنت عاقر لم تلدي، ولكنك تحبلين وتلدين ابنا.لأن الصبي يكون نذيرا لله من البطن، وهو يبدأ يخلص إسرائيل من يد الفلسطينيين، فولدت المرأة ابنا ودعت اسمه شمشون وباركه الرب).(4) وهذه معادلة جديد يظهر بها اليهود ،لا ندري هل خلّص موسى اليهود من فرعون ليُلقيهم بأحضان الفلسطينيين فيستعبدوهم فيحتاج الله تعالى إلى شمشون الزاني السكير لإنقاذهم من يد الفلسطينيين ويبيدهم حتى يهنئ شعبه الحبيب بالأرض التي وعد آبائهم ان يعطيها لهم!
زعم اليهود أن الله تعالى أيد شمشون وأعطاه القوة الجسدية الخارقة، ولكن تبين أن سر قوته لم يكن إلهيا أو إيمانيا ، بل في شعر رأسه الذي بمجرد أن قصته الزانية دليلة انهار شمشون واصبح كالفأر.(5) من هذه الأسطورة يتبين بأن قوة شمشون ليست هبة إلهية بل كانت في شعره . فعندما كان شعره طويلا استطاع ان يشق الأسد بيديه العاريتين ويقتل الف فلسطيني بفك حمار. وأن يقلع باب مدينة غزة ويفر به هاربا إلى الجبل.
هذه الأمة تعتاش على الأساطير فلا نجد لها أي بطولة سوى استخدام أساليب الإبادة وسفك الدماء ونهب الثروات وقتل الأطفال وإباحة النساء كحق منحهم إياه ربهم الدموي. فكما هو معروف ومن خلال التوراة نفسها فإن اليهود لا يواجهون أعدائهم بل يستخدمون أساليب قذرة ملتوية للقضاء على أعدائهم وإذا شعروا يوما بأن عدوهم وصل إليهم لا ينهضون إليه بالسلاح ويقاتلون ويموتون بشرف، بل يعمدون إلى الانتحار الجماعي والأمثلة على ذلك كثيرة منها معركة قلعة مسادا على جبل معدة قرب البحر الميت. بمجرد أن اقتحم الرومان عليهم باب الحصن انتحروا. فاختار اليهود الانتحار الجماعي على المواجهة، وقيام 967 يهودي بقتل أنفسهم، سنة 73 ميلادية.(6)
بالرجوع إلى نصوص التوراة وما يصفه المؤرخون عن شخصية شمشون نجده يتصف بالإثم والخطيئة والكذب والخداع وسفك دم الأبرياء والزنا والنجاسة والحمق والطيش وهو انعكاس للشخصية الهمجية الدموية الطائشة الحمقاء المخادعة تتوفر فيها جميع الصفات الأخلاقية الدنيئة والخسيسة من قتل وزنا وخداع وعنجهية. ومع كل ذلك يقولون بأن الله تعهدهُ وحلت روح الله عليه من بطن أمه، ولكننا نرى الله لا يفارقه عندما يشرب شمشون الخمر ويزني ويقتل ويسرق ويكذب ويخدع الناس. ولكن الله فارقه عندما قامت دليلة بحلاقة شعر رأسه.
أمام هذا الكم الكبير من الأكاذيب التوراتية يقع المفسر المسيحي في حيرة، ماذا عليه أن يفعل لتبرير هذه الأساطير والخرافات. وبدلا من التفسير الموضوعي أو التاريخي ، يعمد المفسر المسيحي إلى الأسلوب الفلسفي العقيم في تفسيره لقصة شمشون ويربطها بالمسيح ، مع أن شمشون مات قبل المسيح بألف ومائة سنة.
يقول القديس (أوغسطينو) مبررا وجود هذه الخرافة في الكتاب المقدس : (شخصية شمشون هي رمز للعقل، ودليلة الزانية ترمز للجسد. واستسلام شمشون لها هو رمز لضعف العقل أمام الجسد. فدليلة في قصة شمشون تعادل المَجمَع اليهودي الذي حاكَم المسيح وأسلمه إلى الصّلب. وإصابة شمشون بالعَمَى رمز للمسيحي الذي آمن، لكنه فقد إيمانه عندما لم يصبر. أما بسط شمشون ذراعيه لهدم المعبد، فهو كشد المسيح على الصليب ليهدم بصلبه بيت الشيطان).(7)
وأما عن قلع شمشون لباب المدينة فيقول القس في تفسيره : (قام محطمًا أبواب الهاوية وصعد للسماء. ويشبّه أوغسطينوس البيت بالجحيم أي بيت الزانية وهناك أعداء محيطين بالبيت ليمسكوه. ولكن لم يستطع أحد أن يمسك المسيح في الجحيم فخرج نازعًا الأبواب أي محطمًا أبواب الهاوية للأبد. ثم صعد شمشون للجبل كما صعد المسيح للسماء). (8)
بعد هذه السرديات الفلسفية العقيمة من قبل المفسر المسيحي ومحاولتهم المستميتة في إثبات هذه الأسطورة، نعرض ما قاله اكبر علماء المسيحية عن شمشون. وعلى ضوء ذلك هل يجوز المقارنة بين هذا الشخص لمجرد أنه كما قيل قلع باب المدينة وفرّ هاربا بعد أن اوشكوا على الإمساك به وهو يزني بأحد بناتهم. وبين شخصية الامام علي عليه السلام وأسباب قلعه لباب خيبر، التي أدت إلى هدم وكر العنكبوت.
يقول جيمس فريزر عن شمشون: (أن موهبته كانت أكثر ما تتمثل في أحداث الشغب والعراك وفي إحراق محصول الذرة التي يختزنها الناس، وفي كثرة التردد على بيوت الدعارة. أي أن شمشون كان يبدو في شخصية الطليق الفاجر وعندما كان يقوم بمذبحة للفلسطينيين... فأنه لم يكن يفعل ذلك بدافع وطني أو دهاء سياسي، وإنما كان بدافع حقد شخصي صرف يهدف إلى الانتقام من هؤلاء الذين أساءوا له ، فقصته من بدايتها حتى نهايتها هي قصة مغامر أناني مخادع تحركه ثورات عاطفية جامحة، ولا يكترث بشيء سوى إرضاء نزواته الوقتية). (9) (https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1030.html#1)
ويقول زينون كوسيدوفسكي: (فشمشون لم يكن زعيمًا أو قائدًا كما هو الحال بالنسبة لبقية القضاة... فمصارعته تحمل صفة الفردية، صفة صراع فدائي متطرف يريد الانتقام ممن أغضبه... ولا تكمن البطولة وراء تصرفاته، بل رغبته في تصفية حسابات شخصية... لذلك لا يمكن وصفه بالمناضل من أجل اليهودية فهو يتصرف في معاركه، وفي مغامراته الدموية المشكوك بصحتها من الناحية الأخلاقية، فيتصرف كمتوحش وكوثني، ولم يكن شمشون قاضيًا حكيمًا وقائدًا لقبيلة، ولا إنسانًا متدينًا محافظًا على تعاليم إلهه. لذلك من غير المفهوم، لماذا أدخل مؤلفو التوراة قصته في كتبهم الدينية والتعليمية، جاعلين منه مثل يُحتذى، ولم يكتفوا بإدخال قصته فقط، بل وبطبيعة فظة، وضعوا أشياء لا تصلح حقيقة لكتاب يُدعى مقدَّسًا.. ما الذي حصل حتى أدخل مؤلفوا التوراة ذلك البطل الجلف إلى مجتمع الزعماء والملوك والأنبياء؟ أظن أن الجواب بسيط. صار شمشون رمزًا لفترة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني). (10) (https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1030.html#2)
المسلمون وقصة شمشون وقلعه للباب.
كما ذكرنا في الجزء الأول فإن قصة شمشون لم ترد في القرآن. وكذلك لم ترد في الحديث النبوي أي إشارة لذلك. ولكننا نرى أغلب التفاسير تعتمد على روايات اليهود والنصارى فتنقل عنهم خرافاتهم. ولمّا كان المفسرون لا يملكون ذلك الاطلاع الواسع على أراء من سبقهم من علماء اليهود والنصارى فقد وقعوا في مطبّات وعرة فضحت جهلهم. ومن ذلك مثلا ما يقوله الثعلبي النيسابوري حول شمشون وقع فيها بمغالطة فاضحة عندما قال بأن شمشون من أهل الإنجيل، وعلى ما يبدو فإن الثعلبي لا يعلم بأن شمشون شخصية توراتية يهودية كان قبل الإنجيل والمسيح بأحد عشر قرنا. فيقول : (إن اسمه كان شمسون بن مسوح، وإنه كان مؤمنًا من أهل الإنجيل يعيش في بعض قرى بلاد الروم، وكان قومه يعبدون الأوثان، فكان يَغِير على الوثنيين فيحاربهم بعظم بعير حتى يقتل منهم كثيرًا، وبقي كذلك ألف شهر، ولهذا يُضرَب بالألف شهر المثل في القول خير من ألف شهر (https://twitter.com/intent/tweet?text=%D9%83%D8%A7%D9%86%20%D8%B4%D9%85%D8%B4 %D9%88%D9%86%20%D9%8A%D9%8E%D8%BA%D9%90%D9%8A%D8%B 1%20%D8%B9%D9%84%D9%89%20%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%AB% D9%86%D9%8A%D9%8A%D9%86%20%D9%81%D9%8A%D8%AD%D8%A7 %D8%B1%D8%A8%D9%87%D9%85%20%D8%AD%D8%AA%D9%89%20%D 9%8A%D9%82%D8%AA%D9%84%20%D9%85%D9%86%D9%87%D9%85% 20%D9%83%D8%AB%D9%8A%D8%B1%D9%8B%D8%A7%D8%8C%20%D9 %88%D8%A8%D9%82%D9%8A%20%D9%83%D8%B0%D9%84%D9%83%2 0%D8%A3%D9%84%D9%81%20%D8%B4%D9%87%D8%B1%D8%8C%20% D9%88%D9%84%D9%87%D8%B0%D8%A7%20%D9%8A%D9%8F%D8%B6 %D8%B1%D9%8E%D8%A8%20%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%8 4%D9%81%20%D8%B4%D9%87%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D9%85% D8%AB%D9%84%20%D9%81%D9%8A%20%D8%A2%D9%8A%D8%A9%20 %C2%AB%D8%AE%D9%8A%D8%B1%20%D9%85%D9%86%20%D8%A3%D 9%84%D9%81%20%D8%B4%D9%87%D8%B1%C2%BB%20https%3A%2 F%2Fmanshoor.com%2Fp%2F13887%2F%20via%20%40manshoo r)).(11) ولعل أغرب ما في تفسير الثعلبي أنهُ ينسب نزول سورة القدر إلى صبر شمشون في قتال الوثنيين ألف شهر، ولكنه نسى أن ألف شهر تساوي (84) سنة في حين أن شمشون قتل في عمر الشباب. (12) بعد أن فقأت عيناه وربط كالحمار لطحن الشعير.(فأخذه الفلسطينيون وقلعوا عينيه، وأوثقوه بسلاسل . وكان يطحن في بيت السجن).(13)
هذا التفسير لم ينفرد به الثعلبي بل أن القرطبي يقول : إن الرسول محمد (ص) أخبر المسلمين عن رجل لبس السلاح للجهاد مدة ألف شهر.(14)
خيبر ومرحب.
لم يكن مرحب شخصا عاديا او قائدا عسكريا من النوع الذي نراه كثيرا في كتب التاريخ، بل كان أشبه بالأبطال الخياليين في أعين المحبين والأعداء على السواء، فلم يُهزم في معركة قط ولم يكن ينازله رجل إلا شلّهُ الرعب. فهو فارس قومه حيث يعتقدون بأنّه تجسيد لشخصية (شمشون) حيث ساهمت قوته وفروسيته وبطشه في إحاطته بهالة ضخمة من الدّعاية النفسيّة، التي تهزم جيشا قبل ان يقترب منه، وهذا ما حصل عندما أرسل النبي (ص) بعض الصحابة فانهزموا. وقد احس أهل خيبر بالأمان وركنوا إلى بطولة فرسانهم ومنعة حصونهم.
وسائل كثيرة تحمي بها الدول أراضيها وشعوبها وأحد اشهر هذه الوسائل هي الحصون ذات الجدران العالية التي تحيط بها. ولهذه الحصون أبواب لدخول الأفراد أو المواكب. وهذه الأبواب مهما كبرت أو صغرت فقد صُممت لحماية المدينة من الاختراق. فلا بد وأن تكون هذه الأبواب ذات ثقل وقوة لا يسهل اقتحامها فلربما تكون منقورة في الحجر ، او من أقوى أنواع الخشب يغشاها الحديد من ظاهرها وباطنها. وهي على كل حال أحد أهم وسائل الحماية للبلد. فنحن في هذا البحث لا نُريد مناقشة حجم الباب الذي قلعه الإمام علي (ع) ولا وزنه، وعدد الرجال الذين عجزا عن رفعه، فقد تكفلت بذلك كتب الحديث والسيرة وقامت بوصف تلك الحالة وصفا دقيق. ولكننا هنا نُريد أن نُثبت من خلال ما نشاهده في بقايا الحصون والقلاع الموجودة في العراق والمنطقة والعالم بأن هذه الحصون والقلاع فعلا فيها أبواب وأهميتها تساوي أهمية جدران الحصون والقلاع نفسها، وهذا مما لا يستطيع أحد إنكاره فإلى هذا اليوم لا تزال بقايا حصن خيبر موجودة في الحجاز (السعودية). وكذلك حصن الأخيضر وقلعة أربيل وقلعة كركوك ، قلعة هيت ، ولربما تكون القلعة في قلب المدينة للحامية ، ولربما تكون القلعة هي المدينة بأكملها محاطة بسور مرتفع يمنع الغزاة من اقتحامها. ولربما تكون القلعة مركز الحصن الذي تُدار منه العمليات العسكرية. وخيبر توصف أيضا بالحصن ، وكذلك يُقال لها قلعة حسب الروايات. ويصف المؤرخون مدينة خيبر بقولهم : (كانت خيبر مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع على بعد ثمانين ميلا من المدينة في جهة الشمال، مدينة مليئة بالحصون وبها ماء من تحت الأرض وطعام يكفيها سنوات وبها عشرة آلاف مقاتل من اليهود (https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%8A%D9%87%D9%88%D8%AF) منهم آلاف يجيدون الرمي، وكانت خيبر (https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AE%D9%8A%D8%A8%D8%B1) ممتلئة بالمال وكان اليهود (https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%8A%D9%87%D9%88%D8%AF) يعملون بالربا (https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B1%D8%A8%D8%A7) مع جميع البلدان).(15) فهي ليست قرية صغيرة بل حصن واسع يحتوي في داخله على عدة حصون قال المؤرخون أنها ثمان حصون منها : حصن الصعب ، حصن ناعم ، حصن قلعة الزبير، حسن أبي، حصن النزار ، حصن القموص ، حصن الوطيح ، حصن السلالم. والقتال دار في الحصن الأول حصن ناعم وهو أول الحصون الثمانية. وكان خط الدفاع الأول لمكانه الاستراتيجي، وكان فيه مرحب الذي يُعد بألف فارس. وهو الحصن الذي قلع الإمام علي (ع) بابه بعد قتله لمرحب وأخيه الحارث فكان ذلك سبب استسلام الحصون الأخرى من دون قتال. والبخاري في صحيحه يروي رواية عن أبن عمر تُبيّن حجم خيبر فيقول : (ما شبعنا حتى فتحنا خيبر).(16) فكل هذه المغانم كانت بسبب مقتل مرحب بطل اليهود وقلع باب امنع حصونهم على يد علي ابن أبي طالب (ع).
روايات قلع باب خيبر.
يقول الإمام علي (ع) عن قلعه للباب : (والله ما قلعت باب خيبر ورميت بها خلف ظهري أربعين ذراعا بقوة جسدية، ولا حركة غذائية، لكني أيدت بقوة ملكوتية، ونفس بنور ربها مضية، وأنا من أحمد كالضوء من الضوء، والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت، ولو أمكنتني الفرصة من رقابها لما بقيت، ومن لم يبال متى حتفه عليه ساقط فجنانه في الملمات رابط).(17)
وقد اتفق المؤرخون بأن الكلام عن قلع باب خيبر وحملها من قبل أمير المؤمنين(ع) أمر مشهور متسالم عليه، وهو أمر تاريخي لا يشترط المسلمون ـ حتّى السلفية ـ صحّة إسناده، كما يشترطون ذلك في الحلال والحرام، فلا ندري لماذا هذا التعنت والتشدد في فضائل أمير المؤمنين(ع) وفي قضية تاريخية وليست حديثا نبوياً؟!علما إنّه منقول بعدّة أسانيد نذكر منها ما ذكره الذهبي الإمام المحقّق عندهم وتلميذ ابن تيمية مرسلا إياه إرسال المسلّمات لبعض طرقه، فقال: (عن ليث، عن أبي جعفر، عن جابر بن عبد الله: إنّ علياً حمل الباب على ظهره يوم خيبر، حتّى صعد المسلمون عليه ففتحوها، يعني خيبر، وأنّهم جرّوه بعد ذلك، فلم يحمله إلاّ أربعون رجلاً).(18)
وقال ابن إسحاق في المغازي: عن أبي رافع مولى رسول الله(ص)، قال: خرجنا مع عليّ حين بعثه رسول الله(ص) برايته، فلمّا دنا من الحصن، خرج إليه أهله، فقاتلهم، فضربه رجل من اليهود، فطرح ترسه من يده، فتناول عليّ باباً عند الحصن، فتترس به عن نفسه، فلم يزل في يده، وهو يقاتل، حتّى فتح الله علينا، ثمّ ألقاه من يده حين فرغ، فلقد رأيتني في ثمانية نفر، نجهد أن نقلب ذلك الباب، فما استطعنا أن نقلبه.
وقال ابن كثير ـ تلميذ ابن تيمية الآخر المتشدد ـ في ترجمة أمير المؤمنين(ع): (وشهد خيبر وكانت له بها مواقف هائلة، ومشاهد طائلة، منها أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم)، قال: (لأعطين الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله...).(19)
وذكر محمّد بن إسحاق، عن أبي رافع: أنّ يهوديا ضرب عليّاً فطرح ترسه، فتناول باباً عند الحصن فتترّس به، فلم يزل في يده حتّى فتح الله على يديه، ثمّ ألقاه من يده، قال أبو رافع: فلقد رأيتني أنا وسبعة معي نجتهد أن نقلب ذلك الباب على ظهره يوم خيبر فلم نستطع.
وقال ليث، عن أبي جعفر، عن جابر: أنّ عليّاً حمل الباب على ظهره يوم خيبر حتّى صعد المسلمون عليه ففتحوها، فلم يحملوه إلاّ أربعون رجلا. وهكذا نرى أنّهما سلّما بهذه الحقيقة مع إنّهما تلميذا ابن تيمية وشاميان ومتشدّدان كشيخيهما على الشيعة وعلى فضائل أمير المؤمنين(ع)!! فلماذا هذه المكابرة من البعض وطلب صحة السند؟!علما إنّ أحدهما أخرجه الحاكم في مستدركه، والآخر أخرجه الإمام أحمد في مسنده!
وقال المحدّث الكبير وإمام أهل السُنّة ابن أبي عاصم في كتابه :السنة ص632 : سُئلت عن السُنّة ما هي؟ إلى أن قال: ومن فضائله التي أبانه الله به: تزويجه بفاطمة، وولده الحسن والحسين وحمله باب خيبر، وقتله مرحبا، وأشياء يكثر ذكرها.
ولشهرة هذا الأمر نظمت فيه الأشعار حتّى من قبل المخالفين للشيعة في تخليد وتعظيم هذه الفضيلة والتميّز لأمير المؤمنين(ع)، فقد قال ابن أبي الحديد المعتزلي مثلاً:
يا قالع الباب الذي عن هزها ـــ عجزت أكف أربعون وأربع.
وفي تاريخ بغداد عن أبي جعفر - يعني محمد بن علي - قال : (حدثني جابر بن عبد الله ان عليا حمل باب خيبر يوم افتتحها وأنهم جربوه بعد ذلك فلم يحمله إلا أربعون رجلا) .(20)
وفي لسان الميزان قال) : خبر مرحب اليهودي ومقتله ثم خرج مرحب فحمل على علي وضربه ، فاتقاه بالترس ، فأطن ترس علي رضي الله عنه ، فتناول بابا كان عند الحصن فترس به عن نفسه ، فلم يزل في يده حتى فتح الله عليه الحصن ، وبعث رجلا يبشر النبي (ص) بفتح حصن مرحب . ويقال: إن باب الحصن جرب بعد ذلك، فلم يحمله أربعون رجلا).(21)
يقول السيد جعفر مرتضى العاملي : (تقدم أنهم زعموا : أن خبر قلع باب خيبر بعضه فيه جهالة ، وبعضه فيه انقطاع ، وبعضه ضعيف أو منكر . . بل فيهم من يقول : طرق حديث الباب كلها واهية ، أو يقول : حديث الباب لا أصل له ، أو أنه يروي عن رعاع الناس . . ونقول : أولاً : إذا ثبت حديث قلع الباب أو غيره من طريق أهل البيت (ع) فذلك يكفينا عن كل حديث . ثانياً : لقد روى حديث قلع باب خيبر محدثوا أهل السنة ، وأثبته علماء المسلمين في كتبهم ، وذكروا أن أربعين أو سبعين رجلاً عَجَزوا عن حمله . . فإذا كان هذا الحديث مكذوباً أو مختلقاً ، فمعنى ذلك اتهام محدثي أهل السنة وعلمائهم بالكذب والاختلاق ، لأنهم قد رووه وتناقلوه بأسانيدهم وفي مصادرهم .وقد ذكر علمائهم : أن تعدد طرق الحديث يعد من الشواهد التي توصله إلى درجة الحسن . وقال الزرقاني : ومن القواعد : أن تعدد الطرق يفيد : أن للحديث أصلاً ).(22)
المصادر:
1- سفر التكوين 21 : 34.
2- سورة المائدة آية : 22.
3- سفر العدد 13 : 28 ـ 32.
4- سفر القضاة 13 : 3 ــ 25 .
5- (فقالت دليلة لشمشون اخبرني بماذا قوتك العظيمة فقال : ان حلقت رأسي تفارقني قوتي و اضعف و أصير كأحد الناس فأنامته على ركبتيها و حلقت سبع خصل راسه و ابتدأت بإذلاله و فارقته قوته فأخذه الفلسطينيون و قلعوا عينيه و نزلوا به الى غزة و أوثقوه بسلاسل نحاس و كان يطحن كالحمار في بيت السجن). سفر القضاة 16: 19.
6- المؤرخ اليهودي الروماني يوسيفوس فلافيوس (38- 100 ميلادي). وكذلك نحمان بن يهودا، انتحار جماعة السيكاري في متسادا ترجمة ياسين السيد محور العدد: مجلة األركيولوجيا، السياسة واأليديولوجيا في إسرائيل ، مقال البروفسور المتخصص في علم الاجتماع، الجامعة العبرية.
7- أنطونيوس فكري تفسير العهد القديم سفر القضاة : 16. لا معنى لهذا التكلف يا جناب القس.
8- أنطونيوس فكري تفسير العهد القديم سفر القضاة : 16.
9- الفولكلور في العهد القديم، جيمس فريزر ص 275، 276. ترجمة نبيلة إبراهيم. مصر . 1974.
10- ترجمة د. محمد مخلوف - الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية، زينون كوسيدوفسكي. ص 213. مطبعة الأهالي دمشق، 1996. إن هوليوود أنتجتها سينمائياً ثلاث مرات (1908 و1923 و1949) وقدمت على معظم المسارح الغربية كعروض مسرحية وموسيقية أشهرها أوبرا المؤلف الموسيقي سان سون (1835-1921).
11- قصص الأنبياء ، المسمى عرائس المجالس للثعلبي النيسابوري. الطبعة الثالثة.
12- لا يحدد المؤرخون متى كانت ولادة شمشون أو مقتله. بسبب أنها أسطورة منقولة ولكن اليهود يُحددون فترة ظهور القضاة فيقولون هذه المرحلة بدأت من 1375 ق.م من بعد يشوع تلميذ موسى النبي إلى سنة 1050 ق.م. هذه المرحلة انتهت بأخر قاضي الذي كان صموئيل النبي، وبما أن التوراة تزعم أن شمشون كان أحد قضاة بني إسرائيل، فهذا يضعهُ في فترة أربعمائة سنة لا يعرف في أي زمان هو منها. ولكن يُفهم من سياق الأسطورة أنه قتل في عمر مبكرة. يقول القمص انجيلوس جرجس شنودة (https://www.facebook.com/angelosgerges?__cft__%5b0%5d=AZVrwD8k62mq8zyGmZJws _Vpl09hVzufgL53LR1wUbhKxeUP8Dhs0-MV3pX8wPvHVNCW4A6-AKOlh_mYeB2TMt-JQlnhxN8cVxYDlMkBuuE0QnEHrwIX3-b5z_Vm6v9fL2hs8KfnDT7QNP00cqlGPXqaSrF4wjR5vS9gpWJa xtPN8g&__tn__=-UC%2CP-R): وشمشون كان معاصراً لـ يفتاح الجلعادي الذي تقول عنه التوراة : (كان يفتاح الجلعادي ابنُ امرأة زانية). سفر القضاة 12 : 1.
13- سفر القضاة 16 : 21.
14- تفسير القرطبي ج20 ص : 117. نقلا عن ابن مسعود: إن النبي(ص) ذكر رجلا من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر ; فعجب المسلمون من ذلك ; فنزلت إنا أنزلناه الآية وقوله : خير من ألف شهر (https://www.islamweb.net/ar/library/content/48/3814/%D9%82%D9%88%D9%84%D9%87-%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%89-%D9%88%D9%85%D8%A7-%D8%A3%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D9%83-%D9%85%D8%A7-%D9%84%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D8%B1#docu)، يعني التي لبس فيها الرجل سلاحه في سبيل الله . ونحوه عن ابن عباس عن وهب بن منبه : إن ذلك الرجل كان مسلما ، وإن أمه جعلته نذرا لله ، وكان من قرية قوم يعبدون الأصنام ، وكان يسكن قريبا منها ; فجعل يغزوهم وحده ، ويقتل ويسبي ويجاهد ، وكان لا يلقاهم إلا بلحيي بعير ، وكان إذا قاتلهم وقاتلوه وعطش ، انفجر له من اللحيين ماء عذب ، فيشرب منه ، وكان قد أعطي قوة في البطش ، لا يوجعه حديد ولا غيره : وكان اسمه شمسون. وكذلك الطبري في تفسيره وابن كثير في تفسير القرآن العظيم.يلاحظ في هذه الروايات أنها نقل حرفي لما ورد في التوراة.
15- غزوة خيبر دروس وعبر، أمير بن محمد المدري، مكتبة خالد بن الوليد، صنعاء، اليمن، ص8.
16- صحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة خيبر ج4 . حديث رقم : 4000. هذه المغانم هي وعد الله للمسلمين : (وعدكمُ اللهُ مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم). الفتح : 20.
17- الآمالي للشيخ الصدوق - ص 604 و: روضة الواعظين: ص:١٤٢ (http://shiaonlinelibrary.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/1171_%D8%B1%D9%88%D8%B6%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%A7%D8%B9%D8%B8%D9%8A%D9%86/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%81%D8%AD%D8%A9_0?pageno=142# top)،و: الخرائج والجرائح: ج٢ (http://shiaonlinelibrary.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/1345_%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D8%AC-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D8%AD-%D8%AC-%D9%A2) ص: ٥٤٢ . و: المناقب (http://shiaonlinelibrary.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/3697_%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%A7%D9%82%D8%A8) لابن شهر آشوب: ج2 ص: ٢٣٩.
18- تاريخ الإسلام ج3ص:626.
19- في البداية والنهاية ج7 ص: 225.
20- تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج11 ص: 322 .
21- لسان الميزان لابن حجر ج4 ص:195. وفي كتاب إمتاع الأسماع للمقريزي ج1 ص: 310 . وكذلك كتاب سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي ج5 ص: 128.
22- الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام) للسيد جعفر مرتضى العاملي ج5 ص: 50.
مصطفى الهادي.
(فيا عجبا للدهر إذ صرت يقرن بي من لم يسع بقدمي ولم تكن له كسابقتي التي لا يدلي أحد بمثلها إلا أن يدعي مدع ما لا أعرفه ولا أظن الله يعرفه).
أولا: لا مقارنة بين بين الامام علي (ع) وبين شخص مبتذل محتال. مهما نسبوا لهذا المحتال من بطولات وخوارق فهي تبقى خرافات ذات أهداف خاصة بمخترعيها، عزف عليها فيما بعد مرضى النفوس .
ثانيا : لو بحثنا في شخصية شمشون عبر التوراة وبعض أقول العلماء وما جاء على لسان المفسرين، لوجدنا شمشون هذا شخصا هزيلا تافها زانيا جبانا، نُسبت إليه بطولات خارقة حتى قيل له (شمشون الجبّار)، والسر وراء بطولاته كما تقول التوراة هو أن الله اختاره من بطن أمه لكي يتسبب بطرد الفلسطينيين من أرضهم وتقديمها لقومه اليهود.
ولكن هناك عقبة كأداء في طريق شمشون ومن لف لفه ، فهم يعلمون أن الفلسطينيين شعبٌ عريق في أرضه له تاريخ يمتد إلى مراحل البشرية الأولى وهذا القول ننقله من التوراة لأنهُ ألزم لهم فتقول التوراة بأن شعب فلسطين وجد قبل زمن إبراهيم النبي (ع). كما نقرأ: (وتغرّب إبراهيمُ في أرض الفلسطينيين أياما كثيرة).(1) فإبراهيم وصل إلى أرض فلسطين قبل بزوغ ذكر بني إسرائيل. ولم يكن الفلسطينيون حينها أمة طارئة أو شعب هزيل ضعيف مشتت بل كانوا دولة مترامية الأطراف لها ملوك وأسوار وشعب شجاع، ولذلك عندما أمر الله بني إسرائيل فيما بعد على لسان نبيه موسى أن يدخلوها خافوا وجبنوا : (قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها).(2) وهذا ما أكدته التوراة نفسها في أن بني إسرائيل رفضوا دخول أرض فلسطين خوفا من قومها ومدنها المحصنة كما تقول التوراة على لسان بني إسرائيل: (أن الشعب الساكن في الأرض معتزّ، والمدن حصينة عظيمة جدا. لا نقدر أن نصعد لأنهم أشد منا وقد رأينا هناك الجبابرة).(3)
جبنهم دفعهم لخلق الأساطير لرفع معنوياتهم وللتأثير نفسيا على أعدائهم فامتلأت التوراة بالشخصيات الأسطورية والخرافات والبطولات الوهمية، فكان من بينها شخصية (شمشون)حيث تزعم التوراة أن شمشون ولد بمعجزة إلهية بعد أن كانت أمه عاقر، وأن ألله وضع هذا الطفل في بطنها وتعهده بالرعاية وأعطاه القوة الخارقة لسبب واحد كما تقول التوراة : (فتراءى ملاك الرب للمرأة وقال لها: ها أنت عاقر لم تلدي، ولكنك تحبلين وتلدين ابنا.لأن الصبي يكون نذيرا لله من البطن، وهو يبدأ يخلص إسرائيل من يد الفلسطينيين، فولدت المرأة ابنا ودعت اسمه شمشون وباركه الرب).(4) وهذه معادلة جديد يظهر بها اليهود ،لا ندري هل خلّص موسى اليهود من فرعون ليُلقيهم بأحضان الفلسطينيين فيستعبدوهم فيحتاج الله تعالى إلى شمشون الزاني السكير لإنقاذهم من يد الفلسطينيين ويبيدهم حتى يهنئ شعبه الحبيب بالأرض التي وعد آبائهم ان يعطيها لهم!
زعم اليهود أن الله تعالى أيد شمشون وأعطاه القوة الجسدية الخارقة، ولكن تبين أن سر قوته لم يكن إلهيا أو إيمانيا ، بل في شعر رأسه الذي بمجرد أن قصته الزانية دليلة انهار شمشون واصبح كالفأر.(5) من هذه الأسطورة يتبين بأن قوة شمشون ليست هبة إلهية بل كانت في شعره . فعندما كان شعره طويلا استطاع ان يشق الأسد بيديه العاريتين ويقتل الف فلسطيني بفك حمار. وأن يقلع باب مدينة غزة ويفر به هاربا إلى الجبل.
هذه الأمة تعتاش على الأساطير فلا نجد لها أي بطولة سوى استخدام أساليب الإبادة وسفك الدماء ونهب الثروات وقتل الأطفال وإباحة النساء كحق منحهم إياه ربهم الدموي. فكما هو معروف ومن خلال التوراة نفسها فإن اليهود لا يواجهون أعدائهم بل يستخدمون أساليب قذرة ملتوية للقضاء على أعدائهم وإذا شعروا يوما بأن عدوهم وصل إليهم لا ينهضون إليه بالسلاح ويقاتلون ويموتون بشرف، بل يعمدون إلى الانتحار الجماعي والأمثلة على ذلك كثيرة منها معركة قلعة مسادا على جبل معدة قرب البحر الميت. بمجرد أن اقتحم الرومان عليهم باب الحصن انتحروا. فاختار اليهود الانتحار الجماعي على المواجهة، وقيام 967 يهودي بقتل أنفسهم، سنة 73 ميلادية.(6)
بالرجوع إلى نصوص التوراة وما يصفه المؤرخون عن شخصية شمشون نجده يتصف بالإثم والخطيئة والكذب والخداع وسفك دم الأبرياء والزنا والنجاسة والحمق والطيش وهو انعكاس للشخصية الهمجية الدموية الطائشة الحمقاء المخادعة تتوفر فيها جميع الصفات الأخلاقية الدنيئة والخسيسة من قتل وزنا وخداع وعنجهية. ومع كل ذلك يقولون بأن الله تعهدهُ وحلت روح الله عليه من بطن أمه، ولكننا نرى الله لا يفارقه عندما يشرب شمشون الخمر ويزني ويقتل ويسرق ويكذب ويخدع الناس. ولكن الله فارقه عندما قامت دليلة بحلاقة شعر رأسه.
أمام هذا الكم الكبير من الأكاذيب التوراتية يقع المفسر المسيحي في حيرة، ماذا عليه أن يفعل لتبرير هذه الأساطير والخرافات. وبدلا من التفسير الموضوعي أو التاريخي ، يعمد المفسر المسيحي إلى الأسلوب الفلسفي العقيم في تفسيره لقصة شمشون ويربطها بالمسيح ، مع أن شمشون مات قبل المسيح بألف ومائة سنة.
يقول القديس (أوغسطينو) مبررا وجود هذه الخرافة في الكتاب المقدس : (شخصية شمشون هي رمز للعقل، ودليلة الزانية ترمز للجسد. واستسلام شمشون لها هو رمز لضعف العقل أمام الجسد. فدليلة في قصة شمشون تعادل المَجمَع اليهودي الذي حاكَم المسيح وأسلمه إلى الصّلب. وإصابة شمشون بالعَمَى رمز للمسيحي الذي آمن، لكنه فقد إيمانه عندما لم يصبر. أما بسط شمشون ذراعيه لهدم المعبد، فهو كشد المسيح على الصليب ليهدم بصلبه بيت الشيطان).(7)
وأما عن قلع شمشون لباب المدينة فيقول القس في تفسيره : (قام محطمًا أبواب الهاوية وصعد للسماء. ويشبّه أوغسطينوس البيت بالجحيم أي بيت الزانية وهناك أعداء محيطين بالبيت ليمسكوه. ولكن لم يستطع أحد أن يمسك المسيح في الجحيم فخرج نازعًا الأبواب أي محطمًا أبواب الهاوية للأبد. ثم صعد شمشون للجبل كما صعد المسيح للسماء). (8)
بعد هذه السرديات الفلسفية العقيمة من قبل المفسر المسيحي ومحاولتهم المستميتة في إثبات هذه الأسطورة، نعرض ما قاله اكبر علماء المسيحية عن شمشون. وعلى ضوء ذلك هل يجوز المقارنة بين هذا الشخص لمجرد أنه كما قيل قلع باب المدينة وفرّ هاربا بعد أن اوشكوا على الإمساك به وهو يزني بأحد بناتهم. وبين شخصية الامام علي عليه السلام وأسباب قلعه لباب خيبر، التي أدت إلى هدم وكر العنكبوت.
يقول جيمس فريزر عن شمشون: (أن موهبته كانت أكثر ما تتمثل في أحداث الشغب والعراك وفي إحراق محصول الذرة التي يختزنها الناس، وفي كثرة التردد على بيوت الدعارة. أي أن شمشون كان يبدو في شخصية الطليق الفاجر وعندما كان يقوم بمذبحة للفلسطينيين... فأنه لم يكن يفعل ذلك بدافع وطني أو دهاء سياسي، وإنما كان بدافع حقد شخصي صرف يهدف إلى الانتقام من هؤلاء الذين أساءوا له ، فقصته من بدايتها حتى نهايتها هي قصة مغامر أناني مخادع تحركه ثورات عاطفية جامحة، ولا يكترث بشيء سوى إرضاء نزواته الوقتية). (9) (https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1030.html#1)
ويقول زينون كوسيدوفسكي: (فشمشون لم يكن زعيمًا أو قائدًا كما هو الحال بالنسبة لبقية القضاة... فمصارعته تحمل صفة الفردية، صفة صراع فدائي متطرف يريد الانتقام ممن أغضبه... ولا تكمن البطولة وراء تصرفاته، بل رغبته في تصفية حسابات شخصية... لذلك لا يمكن وصفه بالمناضل من أجل اليهودية فهو يتصرف في معاركه، وفي مغامراته الدموية المشكوك بصحتها من الناحية الأخلاقية، فيتصرف كمتوحش وكوثني، ولم يكن شمشون قاضيًا حكيمًا وقائدًا لقبيلة، ولا إنسانًا متدينًا محافظًا على تعاليم إلهه. لذلك من غير المفهوم، لماذا أدخل مؤلفو التوراة قصته في كتبهم الدينية والتعليمية، جاعلين منه مثل يُحتذى، ولم يكتفوا بإدخال قصته فقط، بل وبطبيعة فظة، وضعوا أشياء لا تصلح حقيقة لكتاب يُدعى مقدَّسًا.. ما الذي حصل حتى أدخل مؤلفوا التوراة ذلك البطل الجلف إلى مجتمع الزعماء والملوك والأنبياء؟ أظن أن الجواب بسيط. صار شمشون رمزًا لفترة الصراع الإسرائيلي الفلسطيني). (10) (https://st-takla.org/books/helmy-elkommos/biblical-criticism/1030.html#2)
المسلمون وقصة شمشون وقلعه للباب.
كما ذكرنا في الجزء الأول فإن قصة شمشون لم ترد في القرآن. وكذلك لم ترد في الحديث النبوي أي إشارة لذلك. ولكننا نرى أغلب التفاسير تعتمد على روايات اليهود والنصارى فتنقل عنهم خرافاتهم. ولمّا كان المفسرون لا يملكون ذلك الاطلاع الواسع على أراء من سبقهم من علماء اليهود والنصارى فقد وقعوا في مطبّات وعرة فضحت جهلهم. ومن ذلك مثلا ما يقوله الثعلبي النيسابوري حول شمشون وقع فيها بمغالطة فاضحة عندما قال بأن شمشون من أهل الإنجيل، وعلى ما يبدو فإن الثعلبي لا يعلم بأن شمشون شخصية توراتية يهودية كان قبل الإنجيل والمسيح بأحد عشر قرنا. فيقول : (إن اسمه كان شمسون بن مسوح، وإنه كان مؤمنًا من أهل الإنجيل يعيش في بعض قرى بلاد الروم، وكان قومه يعبدون الأوثان، فكان يَغِير على الوثنيين فيحاربهم بعظم بعير حتى يقتل منهم كثيرًا، وبقي كذلك ألف شهر، ولهذا يُضرَب بالألف شهر المثل في القول خير من ألف شهر (https://twitter.com/intent/tweet?text=%D9%83%D8%A7%D9%86%20%D8%B4%D9%85%D8%B4 %D9%88%D9%86%20%D9%8A%D9%8E%D8%BA%D9%90%D9%8A%D8%B 1%20%D8%B9%D9%84%D9%89%20%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%AB% D9%86%D9%8A%D9%8A%D9%86%20%D9%81%D9%8A%D8%AD%D8%A7 %D8%B1%D8%A8%D9%87%D9%85%20%D8%AD%D8%AA%D9%89%20%D 9%8A%D9%82%D8%AA%D9%84%20%D9%85%D9%86%D9%87%D9%85% 20%D9%83%D8%AB%D9%8A%D8%B1%D9%8B%D8%A7%D8%8C%20%D9 %88%D8%A8%D9%82%D9%8A%20%D9%83%D8%B0%D9%84%D9%83%2 0%D8%A3%D9%84%D9%81%20%D8%B4%D9%87%D8%B1%D8%8C%20% D9%88%D9%84%D9%87%D8%B0%D8%A7%20%D9%8A%D9%8F%D8%B6 %D8%B1%D9%8E%D8%A8%20%D8%A8%D8%A7%D9%84%D8%A3%D9%8 4%D9%81%20%D8%B4%D9%87%D8%B1%20%D8%A7%D9%84%D9%85% D8%AB%D9%84%20%D9%81%D9%8A%20%D8%A2%D9%8A%D8%A9%20 %C2%AB%D8%AE%D9%8A%D8%B1%20%D9%85%D9%86%20%D8%A3%D 9%84%D9%81%20%D8%B4%D9%87%D8%B1%C2%BB%20https%3A%2 F%2Fmanshoor.com%2Fp%2F13887%2F%20via%20%40manshoo r)).(11) ولعل أغرب ما في تفسير الثعلبي أنهُ ينسب نزول سورة القدر إلى صبر شمشون في قتال الوثنيين ألف شهر، ولكنه نسى أن ألف شهر تساوي (84) سنة في حين أن شمشون قتل في عمر الشباب. (12) بعد أن فقأت عيناه وربط كالحمار لطحن الشعير.(فأخذه الفلسطينيون وقلعوا عينيه، وأوثقوه بسلاسل . وكان يطحن في بيت السجن).(13)
هذا التفسير لم ينفرد به الثعلبي بل أن القرطبي يقول : إن الرسول محمد (ص) أخبر المسلمين عن رجل لبس السلاح للجهاد مدة ألف شهر.(14)
خيبر ومرحب.
لم يكن مرحب شخصا عاديا او قائدا عسكريا من النوع الذي نراه كثيرا في كتب التاريخ، بل كان أشبه بالأبطال الخياليين في أعين المحبين والأعداء على السواء، فلم يُهزم في معركة قط ولم يكن ينازله رجل إلا شلّهُ الرعب. فهو فارس قومه حيث يعتقدون بأنّه تجسيد لشخصية (شمشون) حيث ساهمت قوته وفروسيته وبطشه في إحاطته بهالة ضخمة من الدّعاية النفسيّة، التي تهزم جيشا قبل ان يقترب منه، وهذا ما حصل عندما أرسل النبي (ص) بعض الصحابة فانهزموا. وقد احس أهل خيبر بالأمان وركنوا إلى بطولة فرسانهم ومنعة حصونهم.
وسائل كثيرة تحمي بها الدول أراضيها وشعوبها وأحد اشهر هذه الوسائل هي الحصون ذات الجدران العالية التي تحيط بها. ولهذه الحصون أبواب لدخول الأفراد أو المواكب. وهذه الأبواب مهما كبرت أو صغرت فقد صُممت لحماية المدينة من الاختراق. فلا بد وأن تكون هذه الأبواب ذات ثقل وقوة لا يسهل اقتحامها فلربما تكون منقورة في الحجر ، او من أقوى أنواع الخشب يغشاها الحديد من ظاهرها وباطنها. وهي على كل حال أحد أهم وسائل الحماية للبلد. فنحن في هذا البحث لا نُريد مناقشة حجم الباب الذي قلعه الإمام علي (ع) ولا وزنه، وعدد الرجال الذين عجزا عن رفعه، فقد تكفلت بذلك كتب الحديث والسيرة وقامت بوصف تلك الحالة وصفا دقيق. ولكننا هنا نُريد أن نُثبت من خلال ما نشاهده في بقايا الحصون والقلاع الموجودة في العراق والمنطقة والعالم بأن هذه الحصون والقلاع فعلا فيها أبواب وأهميتها تساوي أهمية جدران الحصون والقلاع نفسها، وهذا مما لا يستطيع أحد إنكاره فإلى هذا اليوم لا تزال بقايا حصن خيبر موجودة في الحجاز (السعودية). وكذلك حصن الأخيضر وقلعة أربيل وقلعة كركوك ، قلعة هيت ، ولربما تكون القلعة في قلب المدينة للحامية ، ولربما تكون القلعة هي المدينة بأكملها محاطة بسور مرتفع يمنع الغزاة من اقتحامها. ولربما تكون القلعة مركز الحصن الذي تُدار منه العمليات العسكرية. وخيبر توصف أيضا بالحصن ، وكذلك يُقال لها قلعة حسب الروايات. ويصف المؤرخون مدينة خيبر بقولهم : (كانت خيبر مدينة كبيرة ذات حصون ومزارع على بعد ثمانين ميلا من المدينة في جهة الشمال، مدينة مليئة بالحصون وبها ماء من تحت الأرض وطعام يكفيها سنوات وبها عشرة آلاف مقاتل من اليهود (https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%8A%D9%87%D9%88%D8%AF) منهم آلاف يجيدون الرمي، وكانت خيبر (https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%AE%D9%8A%D8%A8%D8%B1) ممتلئة بالمال وكان اليهود (https://ar.wikipedia.org/wiki/%D9%8A%D9%87%D9%88%D8%AF) يعملون بالربا (https://ar.wikipedia.org/wiki/%D8%B1%D8%A8%D8%A7) مع جميع البلدان).(15) فهي ليست قرية صغيرة بل حصن واسع يحتوي في داخله على عدة حصون قال المؤرخون أنها ثمان حصون منها : حصن الصعب ، حصن ناعم ، حصن قلعة الزبير، حسن أبي، حصن النزار ، حصن القموص ، حصن الوطيح ، حصن السلالم. والقتال دار في الحصن الأول حصن ناعم وهو أول الحصون الثمانية. وكان خط الدفاع الأول لمكانه الاستراتيجي، وكان فيه مرحب الذي يُعد بألف فارس. وهو الحصن الذي قلع الإمام علي (ع) بابه بعد قتله لمرحب وأخيه الحارث فكان ذلك سبب استسلام الحصون الأخرى من دون قتال. والبخاري في صحيحه يروي رواية عن أبن عمر تُبيّن حجم خيبر فيقول : (ما شبعنا حتى فتحنا خيبر).(16) فكل هذه المغانم كانت بسبب مقتل مرحب بطل اليهود وقلع باب امنع حصونهم على يد علي ابن أبي طالب (ع).
روايات قلع باب خيبر.
يقول الإمام علي (ع) عن قلعه للباب : (والله ما قلعت باب خيبر ورميت بها خلف ظهري أربعين ذراعا بقوة جسدية، ولا حركة غذائية، لكني أيدت بقوة ملكوتية، ونفس بنور ربها مضية، وأنا من أحمد كالضوء من الضوء، والله لو تظاهرت العرب على قتالي لما وليت، ولو أمكنتني الفرصة من رقابها لما بقيت، ومن لم يبال متى حتفه عليه ساقط فجنانه في الملمات رابط).(17)
وقد اتفق المؤرخون بأن الكلام عن قلع باب خيبر وحملها من قبل أمير المؤمنين(ع) أمر مشهور متسالم عليه، وهو أمر تاريخي لا يشترط المسلمون ـ حتّى السلفية ـ صحّة إسناده، كما يشترطون ذلك في الحلال والحرام، فلا ندري لماذا هذا التعنت والتشدد في فضائل أمير المؤمنين(ع) وفي قضية تاريخية وليست حديثا نبوياً؟!علما إنّه منقول بعدّة أسانيد نذكر منها ما ذكره الذهبي الإمام المحقّق عندهم وتلميذ ابن تيمية مرسلا إياه إرسال المسلّمات لبعض طرقه، فقال: (عن ليث، عن أبي جعفر، عن جابر بن عبد الله: إنّ علياً حمل الباب على ظهره يوم خيبر، حتّى صعد المسلمون عليه ففتحوها، يعني خيبر، وأنّهم جرّوه بعد ذلك، فلم يحمله إلاّ أربعون رجلاً).(18)
وقال ابن إسحاق في المغازي: عن أبي رافع مولى رسول الله(ص)، قال: خرجنا مع عليّ حين بعثه رسول الله(ص) برايته، فلمّا دنا من الحصن، خرج إليه أهله، فقاتلهم، فضربه رجل من اليهود، فطرح ترسه من يده، فتناول عليّ باباً عند الحصن، فتترس به عن نفسه، فلم يزل في يده، وهو يقاتل، حتّى فتح الله علينا، ثمّ ألقاه من يده حين فرغ، فلقد رأيتني في ثمانية نفر، نجهد أن نقلب ذلك الباب، فما استطعنا أن نقلبه.
وقال ابن كثير ـ تلميذ ابن تيمية الآخر المتشدد ـ في ترجمة أمير المؤمنين(ع): (وشهد خيبر وكانت له بها مواقف هائلة، ومشاهد طائلة، منها أنّ رسول الله(صلّى الله عليه وسلّم)، قال: (لأعطين الراية غداً رجلاً يحبّ الله ورسوله، ويحبّه الله ورسوله...).(19)
وذكر محمّد بن إسحاق، عن أبي رافع: أنّ يهوديا ضرب عليّاً فطرح ترسه، فتناول باباً عند الحصن فتترّس به، فلم يزل في يده حتّى فتح الله على يديه، ثمّ ألقاه من يده، قال أبو رافع: فلقد رأيتني أنا وسبعة معي نجتهد أن نقلب ذلك الباب على ظهره يوم خيبر فلم نستطع.
وقال ليث، عن أبي جعفر، عن جابر: أنّ عليّاً حمل الباب على ظهره يوم خيبر حتّى صعد المسلمون عليه ففتحوها، فلم يحملوه إلاّ أربعون رجلا. وهكذا نرى أنّهما سلّما بهذه الحقيقة مع إنّهما تلميذا ابن تيمية وشاميان ومتشدّدان كشيخيهما على الشيعة وعلى فضائل أمير المؤمنين(ع)!! فلماذا هذه المكابرة من البعض وطلب صحة السند؟!علما إنّ أحدهما أخرجه الحاكم في مستدركه، والآخر أخرجه الإمام أحمد في مسنده!
وقال المحدّث الكبير وإمام أهل السُنّة ابن أبي عاصم في كتابه :السنة ص632 : سُئلت عن السُنّة ما هي؟ إلى أن قال: ومن فضائله التي أبانه الله به: تزويجه بفاطمة، وولده الحسن والحسين وحمله باب خيبر، وقتله مرحبا، وأشياء يكثر ذكرها.
ولشهرة هذا الأمر نظمت فيه الأشعار حتّى من قبل المخالفين للشيعة في تخليد وتعظيم هذه الفضيلة والتميّز لأمير المؤمنين(ع)، فقد قال ابن أبي الحديد المعتزلي مثلاً:
يا قالع الباب الذي عن هزها ـــ عجزت أكف أربعون وأربع.
وفي تاريخ بغداد عن أبي جعفر - يعني محمد بن علي - قال : (حدثني جابر بن عبد الله ان عليا حمل باب خيبر يوم افتتحها وأنهم جربوه بعد ذلك فلم يحمله إلا أربعون رجلا) .(20)
وفي لسان الميزان قال) : خبر مرحب اليهودي ومقتله ثم خرج مرحب فحمل على علي وضربه ، فاتقاه بالترس ، فأطن ترس علي رضي الله عنه ، فتناول بابا كان عند الحصن فترس به عن نفسه ، فلم يزل في يده حتى فتح الله عليه الحصن ، وبعث رجلا يبشر النبي (ص) بفتح حصن مرحب . ويقال: إن باب الحصن جرب بعد ذلك، فلم يحمله أربعون رجلا).(21)
يقول السيد جعفر مرتضى العاملي : (تقدم أنهم زعموا : أن خبر قلع باب خيبر بعضه فيه جهالة ، وبعضه فيه انقطاع ، وبعضه ضعيف أو منكر . . بل فيهم من يقول : طرق حديث الباب كلها واهية ، أو يقول : حديث الباب لا أصل له ، أو أنه يروي عن رعاع الناس . . ونقول : أولاً : إذا ثبت حديث قلع الباب أو غيره من طريق أهل البيت (ع) فذلك يكفينا عن كل حديث . ثانياً : لقد روى حديث قلع باب خيبر محدثوا أهل السنة ، وأثبته علماء المسلمين في كتبهم ، وذكروا أن أربعين أو سبعين رجلاً عَجَزوا عن حمله . . فإذا كان هذا الحديث مكذوباً أو مختلقاً ، فمعنى ذلك اتهام محدثي أهل السنة وعلمائهم بالكذب والاختلاق ، لأنهم قد رووه وتناقلوه بأسانيدهم وفي مصادرهم .وقد ذكر علمائهم : أن تعدد طرق الحديث يعد من الشواهد التي توصله إلى درجة الحسن . وقال الزرقاني : ومن القواعد : أن تعدد الطرق يفيد : أن للحديث أصلاً ).(22)
المصادر:
1- سفر التكوين 21 : 34.
2- سورة المائدة آية : 22.
3- سفر العدد 13 : 28 ـ 32.
4- سفر القضاة 13 : 3 ــ 25 .
5- (فقالت دليلة لشمشون اخبرني بماذا قوتك العظيمة فقال : ان حلقت رأسي تفارقني قوتي و اضعف و أصير كأحد الناس فأنامته على ركبتيها و حلقت سبع خصل راسه و ابتدأت بإذلاله و فارقته قوته فأخذه الفلسطينيون و قلعوا عينيه و نزلوا به الى غزة و أوثقوه بسلاسل نحاس و كان يطحن كالحمار في بيت السجن). سفر القضاة 16: 19.
6- المؤرخ اليهودي الروماني يوسيفوس فلافيوس (38- 100 ميلادي). وكذلك نحمان بن يهودا، انتحار جماعة السيكاري في متسادا ترجمة ياسين السيد محور العدد: مجلة األركيولوجيا، السياسة واأليديولوجيا في إسرائيل ، مقال البروفسور المتخصص في علم الاجتماع، الجامعة العبرية.
7- أنطونيوس فكري تفسير العهد القديم سفر القضاة : 16. لا معنى لهذا التكلف يا جناب القس.
8- أنطونيوس فكري تفسير العهد القديم سفر القضاة : 16.
9- الفولكلور في العهد القديم، جيمس فريزر ص 275، 276. ترجمة نبيلة إبراهيم. مصر . 1974.
10- ترجمة د. محمد مخلوف - الأسطورة والحقيقة في القصص التوراتية، زينون كوسيدوفسكي. ص 213. مطبعة الأهالي دمشق، 1996. إن هوليوود أنتجتها سينمائياً ثلاث مرات (1908 و1923 و1949) وقدمت على معظم المسارح الغربية كعروض مسرحية وموسيقية أشهرها أوبرا المؤلف الموسيقي سان سون (1835-1921).
11- قصص الأنبياء ، المسمى عرائس المجالس للثعلبي النيسابوري. الطبعة الثالثة.
12- لا يحدد المؤرخون متى كانت ولادة شمشون أو مقتله. بسبب أنها أسطورة منقولة ولكن اليهود يُحددون فترة ظهور القضاة فيقولون هذه المرحلة بدأت من 1375 ق.م من بعد يشوع تلميذ موسى النبي إلى سنة 1050 ق.م. هذه المرحلة انتهت بأخر قاضي الذي كان صموئيل النبي، وبما أن التوراة تزعم أن شمشون كان أحد قضاة بني إسرائيل، فهذا يضعهُ في فترة أربعمائة سنة لا يعرف في أي زمان هو منها. ولكن يُفهم من سياق الأسطورة أنه قتل في عمر مبكرة. يقول القمص انجيلوس جرجس شنودة (https://www.facebook.com/angelosgerges?__cft__%5b0%5d=AZVrwD8k62mq8zyGmZJws _Vpl09hVzufgL53LR1wUbhKxeUP8Dhs0-MV3pX8wPvHVNCW4A6-AKOlh_mYeB2TMt-JQlnhxN8cVxYDlMkBuuE0QnEHrwIX3-b5z_Vm6v9fL2hs8KfnDT7QNP00cqlGPXqaSrF4wjR5vS9gpWJa xtPN8g&__tn__=-UC%2CP-R): وشمشون كان معاصراً لـ يفتاح الجلعادي الذي تقول عنه التوراة : (كان يفتاح الجلعادي ابنُ امرأة زانية). سفر القضاة 12 : 1.
13- سفر القضاة 16 : 21.
14- تفسير القرطبي ج20 ص : 117. نقلا عن ابن مسعود: إن النبي(ص) ذكر رجلا من بني إسرائيل لبس السلاح في سبيل الله ألف شهر ; فعجب المسلمون من ذلك ; فنزلت إنا أنزلناه الآية وقوله : خير من ألف شهر (https://www.islamweb.net/ar/library/content/48/3814/%D9%82%D9%88%D9%84%D9%87-%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D9%84%D9%89-%D9%88%D9%85%D8%A7-%D8%A3%D8%AF%D8%B1%D8%A7%D9%83-%D9%85%D8%A7-%D9%84%D9%8A%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%82%D8%AF%D8%B1#docu)، يعني التي لبس فيها الرجل سلاحه في سبيل الله . ونحوه عن ابن عباس عن وهب بن منبه : إن ذلك الرجل كان مسلما ، وإن أمه جعلته نذرا لله ، وكان من قرية قوم يعبدون الأصنام ، وكان يسكن قريبا منها ; فجعل يغزوهم وحده ، ويقتل ويسبي ويجاهد ، وكان لا يلقاهم إلا بلحيي بعير ، وكان إذا قاتلهم وقاتلوه وعطش ، انفجر له من اللحيين ماء عذب ، فيشرب منه ، وكان قد أعطي قوة في البطش ، لا يوجعه حديد ولا غيره : وكان اسمه شمسون. وكذلك الطبري في تفسيره وابن كثير في تفسير القرآن العظيم.يلاحظ في هذه الروايات أنها نقل حرفي لما ورد في التوراة.
15- غزوة خيبر دروس وعبر، أمير بن محمد المدري، مكتبة خالد بن الوليد، صنعاء، اليمن، ص8.
16- صحيح البخاري كتاب المغازي باب غزوة خيبر ج4 . حديث رقم : 4000. هذه المغانم هي وعد الله للمسلمين : (وعدكمُ اللهُ مغانم كثيرة تأخذونها فعجل لكم هذه وكف أيدي الناس عنكم). الفتح : 20.
17- الآمالي للشيخ الصدوق - ص 604 و: روضة الواعظين: ص:١٤٢ (http://shiaonlinelibrary.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/1171_%D8%B1%D9%88%D8%B6%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D9%88%D8%A7%D8%B9%D8%B8%D9%8A%D9%86/%D8%A7%D9%84%D8%B5%D9%81%D8%AD%D8%A9_0?pageno=142# top)،و: الخرائج والجرائح: ج٢ (http://shiaonlinelibrary.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/1345_%D8%A7%D9%84%D8%AE%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D8%AC-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%AC%D8%B1%D8%A7%D8%A6%D8%AD-%D8%AC-%D9%A2) ص: ٥٤٢ . و: المناقب (http://shiaonlinelibrary.com/%D8%A7%D9%84%D9%83%D8%AA%D8%A8/3697_%D8%A7%D9%84%D9%85%D9%86%D8%A7%D9%82%D8%A8) لابن شهر آشوب: ج2 ص: ٢٣٩.
18- تاريخ الإسلام ج3ص:626.
19- في البداية والنهاية ج7 ص: 225.
20- تاريخ بغداد للخطيب البغدادي ج11 ص: 322 .
21- لسان الميزان لابن حجر ج4 ص:195. وفي كتاب إمتاع الأسماع للمقريزي ج1 ص: 310 . وكذلك كتاب سبل الهدى والرشاد للصالحي الشامي ج5 ص: 128.
22- الصحيح من سيرة الإمام علي (عليه السلام) للسيد جعفر مرتضى العاملي ج5 ص: 50.