سامي حسون
18-12-2007, 08:51 PM
ويلٌ للمصلين...؟!
قصة قصيرة
تفزّ من نومك ، تغسل وجهك وتلتقط أشياءك المتناثرة ، هنا وهناك..وبما أن الفزع في يومنا هذا أمر طبيعي.. من مخلفات الصدمات التي نواجهها.. يستقبلك المساء بخيبة..وتدرك أن يومك تعيس تخطف نظرة على المدينة ،على أحيائها ، أناسها ،شوارعها ، ترتسم حدود الحي ،تقف في حلم واقعي متجسّد..في ود حميم،ونظرة أولى على بنت الجيران(سلمى )..فيبدو جسدها بمفاتنه التي لا يظهر به شيء سوى عينيها الكحيلتين ذواتي الرموش الطويلة وبعض من خصلات شعرها البني اللون المتسلل إلى جبهتها .. ترتبك خطواتك وأنت تحاول أن تتذكر ملامحها .. رغم أن لك امرأة لا بأس بروعتها ، ورغم امتلاء العوالم بالنساء ، ولكنك ما زلتتذكر أنوثتها التي منحتها لك .. رائحة لا تتكرر في النساء .. ما قلتُ لها أحبكِ .. ولكن كانت أجمل من ذلك بكثير.. تحتفظ بأسرارك ، برغم أنها أرضعت طفلتين من ثدييها ..ولم يكن نصيبك في الزواج منها.. ما عدت تميز أيهما حلم وأيهما واقع ..؟"
مدينتي هاجعة هذا المساء على غير عادتها .... الرجال أصابهم اليأس .. والنساء يبكين على حالهن في وسط الحي.. وصبيان وصبايا الحي ملوثون بانحرافات ونكبات ألمت بالمجتمع ،يطغى ضعف الوازع الديني في قلوبهم ، ويتجول في أزقته.. كل الناس في فوضى وثمة رجل مسن تجاوز سن السبعين ينتظر موته على حافة القبر.. لا يبالي بمن حوله .. فهو في شرود مستمر .. فالنار هائجة ، ترفض الاختباء .. لا تريد الانطفاء مرة أخرى .. كما كانت سابقا .. نساء ورجال ساهون بين فارٍ وطريح التراب ولصيق الجدران .. الرجل المسن يذهب لوحده ناحية حافة قبره الذي ينتظر موته بفارغ الصبر ...
فجأة ارتجفت أضلاعي ، بعنف وكأني أعاني من نوبة صرع ، وأشعر لوهلة بأن الشيطان الرجيم ، ذا العينالمفقوءة والأصابع الطويلة ، يعشش في أدمغة صبيان وصبايا الحي.. بينما النار تتصاعد بكل قوتها .. فقرّرت مراقبتهم قدر استطاعتي من النافذة المطلة على الحي، خاصة عندما يخرجون معاً.. لا أدري لماذا تنتابني الرعشة كلما تذكرت صديقي " محمود " ،عندما جاءته المنية وقبضت على روحه في تلك الظهيرة اللاهبة وسط الحي .. فقد نفر من عروق جسدي حزن في مشاهدة مظهره المقزز وهو ملقى بجسده .. واستنشاق انفي وحنجرتي المعبأة من رائحة الخمر في فمه.. وبعد أن مرت لحظات طويلة متسمرا ومرابضاً فوق جسده الممدد.. أحسست قلبي يشهق متداركاً أنفاسي ، فقد التهبت أنفاسي وهي تعانق أنفاسه.. من دون استئذان؟!.. قلت في نفسي ؟.. أي فحش ارتكبه .. وأي حلباتٍ سودٍ أوقعته؟!! عندها كرهت الدنيا كلّها بأولئك الساهين والذين في أموالهم حق للسائل والمحروم وبين منعهم للزكاة لحفظ أرواحنا الأكثر نقاء ..نعم سأقول لهم ذلك ، وليكن ما يكون ..!
نهضت لحظتها بتثاقل حاد في قدمي ، خطوت نحو بيتنا الكائن بجوار سور بقيع " الغرقد " ،كأني أقود عائلة ورائي، أتعبتها الفاقة ، وكادت تثبّط شيئاً من عزيمتي في رعايتهم.. وعندما اقتربت من بيتنا .. شاهدت "سلمى " واقفة بألم محزن .. لم يسبق لي أن رايتها في تلك الحالة العصيبة .. وما أن ألقيت نظرتي الثانية عليها حتى شعرت بلا جدوى قول ما جال بخاطري .. أفردت قامتي أمامها.. بينما أشاحت هي بوجهها عنّي ،لمحت الدموع العائمة بخطوط الكحل الخفيفة التي رُسمت أسفل جفنيها.. فقد اعتقلنا الصمت برهة من الوقت!..
هو ذلك، نفسه، ما يحدث الآن أيضا...! في حينا بقدوم جيل من شباب الحي في ارتكاب جريمة،وشراب حرمه الله ، واغتصاب صباياه ، ونهب ممتلكاته، بينما آباؤهم غافلون في طريقهم نحو الجامع.. تتسلل خلفهم انحرافات فتى تاركٍ للصلاة وفتاة تعشق شاباً من وراء شاشة عنكبوتيه.. فتجدهم غارقين بنسخ مكرّرة ، نفساللحى ، نفس "الأثواب" البيض ، وحتى عند سجودهم .. سجدوا وكأنهم رجل واحد ، لههيئة واحدة ، تعكسها مرايا لا نهائيّة
..
عدت إلى منطقة عملي في تلك المدينة الساحلية لممارسة حياتي اليوميّة المعتادة . عدت للقفز هنا وهناك مقلّداً آباءنا في الحصول على لقمة العيش ، وأستأنف في مخيلتي الألعاب مع أبناء الجيران ومتابعة أفلام الرسوم المتحركة، ولكن هذه الانحرافات لم تغب عن بالي أبداً ، أذكرها مع كلّ أذان ،وفي كل قنوت في صلاتي بدعاء.. وأتحسّر، لأنني لم أسعد بلقائهم .. ولم يتعظوا بنهاية صديقي " محمود " وما حل به .. أتعلمون من يكون ، انه شقيق بنت الجيران " سلمى "...؟؟!!
جدة
20/10/1428هـ
ðكاتب صحافي وقاص سعودي – جدة
Moushair_2006*************
قصة قصيرة
تفزّ من نومك ، تغسل وجهك وتلتقط أشياءك المتناثرة ، هنا وهناك..وبما أن الفزع في يومنا هذا أمر طبيعي.. من مخلفات الصدمات التي نواجهها.. يستقبلك المساء بخيبة..وتدرك أن يومك تعيس تخطف نظرة على المدينة ،على أحيائها ، أناسها ،شوارعها ، ترتسم حدود الحي ،تقف في حلم واقعي متجسّد..في ود حميم،ونظرة أولى على بنت الجيران(سلمى )..فيبدو جسدها بمفاتنه التي لا يظهر به شيء سوى عينيها الكحيلتين ذواتي الرموش الطويلة وبعض من خصلات شعرها البني اللون المتسلل إلى جبهتها .. ترتبك خطواتك وأنت تحاول أن تتذكر ملامحها .. رغم أن لك امرأة لا بأس بروعتها ، ورغم امتلاء العوالم بالنساء ، ولكنك ما زلتتذكر أنوثتها التي منحتها لك .. رائحة لا تتكرر في النساء .. ما قلتُ لها أحبكِ .. ولكن كانت أجمل من ذلك بكثير.. تحتفظ بأسرارك ، برغم أنها أرضعت طفلتين من ثدييها ..ولم يكن نصيبك في الزواج منها.. ما عدت تميز أيهما حلم وأيهما واقع ..؟"
مدينتي هاجعة هذا المساء على غير عادتها .... الرجال أصابهم اليأس .. والنساء يبكين على حالهن في وسط الحي.. وصبيان وصبايا الحي ملوثون بانحرافات ونكبات ألمت بالمجتمع ،يطغى ضعف الوازع الديني في قلوبهم ، ويتجول في أزقته.. كل الناس في فوضى وثمة رجل مسن تجاوز سن السبعين ينتظر موته على حافة القبر.. لا يبالي بمن حوله .. فهو في شرود مستمر .. فالنار هائجة ، ترفض الاختباء .. لا تريد الانطفاء مرة أخرى .. كما كانت سابقا .. نساء ورجال ساهون بين فارٍ وطريح التراب ولصيق الجدران .. الرجل المسن يذهب لوحده ناحية حافة قبره الذي ينتظر موته بفارغ الصبر ...
فجأة ارتجفت أضلاعي ، بعنف وكأني أعاني من نوبة صرع ، وأشعر لوهلة بأن الشيطان الرجيم ، ذا العينالمفقوءة والأصابع الطويلة ، يعشش في أدمغة صبيان وصبايا الحي.. بينما النار تتصاعد بكل قوتها .. فقرّرت مراقبتهم قدر استطاعتي من النافذة المطلة على الحي، خاصة عندما يخرجون معاً.. لا أدري لماذا تنتابني الرعشة كلما تذكرت صديقي " محمود " ،عندما جاءته المنية وقبضت على روحه في تلك الظهيرة اللاهبة وسط الحي .. فقد نفر من عروق جسدي حزن في مشاهدة مظهره المقزز وهو ملقى بجسده .. واستنشاق انفي وحنجرتي المعبأة من رائحة الخمر في فمه.. وبعد أن مرت لحظات طويلة متسمرا ومرابضاً فوق جسده الممدد.. أحسست قلبي يشهق متداركاً أنفاسي ، فقد التهبت أنفاسي وهي تعانق أنفاسه.. من دون استئذان؟!.. قلت في نفسي ؟.. أي فحش ارتكبه .. وأي حلباتٍ سودٍ أوقعته؟!! عندها كرهت الدنيا كلّها بأولئك الساهين والذين في أموالهم حق للسائل والمحروم وبين منعهم للزكاة لحفظ أرواحنا الأكثر نقاء ..نعم سأقول لهم ذلك ، وليكن ما يكون ..!
نهضت لحظتها بتثاقل حاد في قدمي ، خطوت نحو بيتنا الكائن بجوار سور بقيع " الغرقد " ،كأني أقود عائلة ورائي، أتعبتها الفاقة ، وكادت تثبّط شيئاً من عزيمتي في رعايتهم.. وعندما اقتربت من بيتنا .. شاهدت "سلمى " واقفة بألم محزن .. لم يسبق لي أن رايتها في تلك الحالة العصيبة .. وما أن ألقيت نظرتي الثانية عليها حتى شعرت بلا جدوى قول ما جال بخاطري .. أفردت قامتي أمامها.. بينما أشاحت هي بوجهها عنّي ،لمحت الدموع العائمة بخطوط الكحل الخفيفة التي رُسمت أسفل جفنيها.. فقد اعتقلنا الصمت برهة من الوقت!..
هو ذلك، نفسه، ما يحدث الآن أيضا...! في حينا بقدوم جيل من شباب الحي في ارتكاب جريمة،وشراب حرمه الله ، واغتصاب صباياه ، ونهب ممتلكاته، بينما آباؤهم غافلون في طريقهم نحو الجامع.. تتسلل خلفهم انحرافات فتى تاركٍ للصلاة وفتاة تعشق شاباً من وراء شاشة عنكبوتيه.. فتجدهم غارقين بنسخ مكرّرة ، نفساللحى ، نفس "الأثواب" البيض ، وحتى عند سجودهم .. سجدوا وكأنهم رجل واحد ، لههيئة واحدة ، تعكسها مرايا لا نهائيّة
..
عدت إلى منطقة عملي في تلك المدينة الساحلية لممارسة حياتي اليوميّة المعتادة . عدت للقفز هنا وهناك مقلّداً آباءنا في الحصول على لقمة العيش ، وأستأنف في مخيلتي الألعاب مع أبناء الجيران ومتابعة أفلام الرسوم المتحركة، ولكن هذه الانحرافات لم تغب عن بالي أبداً ، أذكرها مع كلّ أذان ،وفي كل قنوت في صلاتي بدعاء.. وأتحسّر، لأنني لم أسعد بلقائهم .. ولم يتعظوا بنهاية صديقي " محمود " وما حل به .. أتعلمون من يكون ، انه شقيق بنت الجيران " سلمى "...؟؟!!
جدة
20/10/1428هـ
ðكاتب صحافي وقاص سعودي – جدة
Moushair_2006*************