أبو شهاب
21-12-2007, 10:19 PM
معلم تربية اسلامية قال لطلابه بأن الآية (( ولاَ تَقْرَبواْ الصَّلاَةَ وَأَنتمْ سكَارَى )) نزلت بعلي (ع)، وعند مناقشة الخبر مع بعض الاخوة السنة فانهم استدلوا بصحة هذا الكلام بتفسير ابن كثير ويبررون ذلك بأن القضية كانت قبل تحريم الخمر ولذا فان الأمر لايقلل من شأن الامام (ع)، طبعا اذا ناقشتهم باستحالة ذلك لأن الامام معصوم فان القضية ستطول كونهم لا يؤمنون بعصمة الأئمة (ولا حتى بعصمة النبي موسى (ع) قبل الرسالة لأنهم كما يقولون قتل نفسا قبل الرسالة).
فهل هناك طريقة أخرى لشرح الموضوع لهم (عن طريق الرواة مثلا)؟
الجواب
الاخ علي أكبر المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخي العزيز ان هذا المعلم ومن على شاكلته ناصبي ومنافق موافق للخوارج شاء أم أبى لأسباب سنذكرها في جوابنا هذا؛ ومنها إختياره لهذه الرواية دون سواها كما فعل الخوارج مع وجود روايات أخر كثيرة غيرها في سبب نزول هذه الآية الكريمة وضعف هذه الرواية حتى عندهم.
فقيامه بترجيحها دون مرجح بل كونها مردودة وعدم ذكر هذا القول كاحتمال مع بقية الاحتمالات في سبب نزول الآية يدل على نصب هذا الرجل ونفاقه والطعن في علي وأهل البيت(عليهم السلام) من حيث يشعر ويقصد أو غير ذلك.
وبالتالي نقول لإيضاح هذا الأمر وبالله التوفيق:
1ـ اضطربت الروايات واختلفت في سبب نزول هذه الآية اختلافاً عجيباً وشديداً كما سنبين ذلك وكما هو الحال في سائر المسائل التي يختلفون فيها معنا فان رواياتهم تختلف وتضطرب فيها ولله الحمد المنة.
وهذا دليل واضح على عدم صحة ما يستدلون به وانه من وضع واضع وكذب كاذب لأن الله تعالى تعهد بذلك فقال عز من قائل (( وَلَوْ كَانَ مفنْ عفندف غَيْرف اللّهف لَوَجَدفواْ ففيهف اخْتفلاَفًا كَثفيرًا )) (النساء /82) صدق الله العلي العظيم.
2ـ أن علياً (عليه السلام) أسلم وهو ابن عشر سنين صبياً فلم يكبر في الجاهلية حتى يشرب الخمر أو يعبد الصنم بل تربى في أحضان الرسالة واخلاق رسول الله(ص) ودين الحنيفية ولم يبح الاسلام شرب الخمر قط بل الخمر محرم في كل الاديان كما هو معلوم وموجود الى اليوم في الكتب المقدسة ومنها مثلاً في الكلام عن الجنة (لا يدخلها السكيرون) وما إلى ذلك ويدل على تحريم الخمر منذ بداية البعثة ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (7/333) وابن المنذر عن ابن الحنفية قال كان أبو جهل من صناديد قريش يتلقون الناس اذا جاؤوا الى النبي(صلى الله عليه واله) يسلمون يقولون انه يحرم الخمر ويحرم الزنا ويحرم ما كانت تصنع العرب فارجعوا فنحن نحمل أوزاركم .
3ـ ضعف هذه الرواية سنداً فقد اختلف في كل طرق الرواية عن عطاء بن السائب إلى نهاية السند فرواها عنه سفيان الثوري من جهة ورواها عنه ثلاثة آخرون من جهة أخرى وهؤلاء الثلاثة هم أبو جعفر الرازي وهو ضعيف بنفسه وكذا رواها عنه خالد بن عبد الله الطحان وجرير.
وهم رووا عن عطاء بن السائب بعد اختلاطه فحديثهم ضعيف ومردود أما سفيان فقد نصوا على انه حيث عن عطاء قبل اختلاطه وصحة روايته عنه وقبولها فقد نص يحيى بن معين على ذلك فقال في تاريخة برواية الدوري(ج1/ 242) رقم (1577) سمعت يحيى يقول كان عطاء بن السائب قد اختلط قال سمعت من عبيدة ثلاثين حديثاً فقلت ليحيى فما سمع منه جرير وذووه؛ أليس هو صحيح؟ قال: لا, ما روى هو وخالد الطحان كأنه يضعفهم, إلا من سمع منه قديماً. وقال الشنقيطي السلفي في أضواء البيان (ج4/ 399) ما نصه:
وقال ابن معين: من سمع منه قديماً فهو صحيح ومن سمع منه حديثاً فليس بشيء وجميع من روى عنه روى عنه في الاختلاط الا شعبة وسفيان وما سمع منه جرير وغيره فليس من صحيح حديثه. ا هـ.
وقال ابن حجر العسقلاني في مقدمة فتح الباري( 424) عطاء بن السائب من مشاهير الرواة الثقات إلا أنه اختلط فضعفوه بسبب ذلك.
وتحصل لي من مجموع كلام الائمة ان رواية شعبة وسفيان الثوري وزهير بن معاوية وزائدة وأيوب وحماد بن زيد عنه قبل الاختلاط وأن جميع من روى عنه غير هؤلاء فحديثه ضعيف لانه بعد اختلاطه الا حماد بن سلمه فاختلف قولهم فيه ,ونقل ذلك عن أحمد أيضاً, وبالتالي فكل ما روي عن عطاء غير رواية سفيان فهي مردودة بإجماع أهل العلم.
أما رواية سفيان فقد رويت عنه بخمسة او ستة طرق كلها تنص على عدم كون من صلى بهم علي إلا طريقاً واحداً شذ به يحيى بن سعيد القطان عنه ونص فيها على أن علياً هو من تقدم وصلى وهذا الرجل تتبعنا أقواله فوجدناه ناصبياً يضعف كل من له علاقة بالتشيع فهو يضعف الامام الصادق ويخالف اجماعهم على إمامته وصدقة(ع) ويقول عنه (في نفس منه شيء ومجالد أحب إليَّ منه) مع أنهم اجمعوا على ضعف مجالد وهو أيضاً يضعفه!
وكذلك فعل مع جعفر بن سليمان احد رواة ورجال مسلم المجمع على وثاقته فهو يطعن به ويضعفه ولا يكتب حديثه وكذلك فعل مع محمد بن إسحق صاحب السيرة وهكذا.
بالاضافة الى مخالفة الثقات كلهم له حين رووا عن سفيان النص على عدم كون من صلى بهم علياً (عليه السلام) وانما هو عبد الرحمن بن عوف أو غيره فقد خالفه عبد الرحمن بن مهدي ووكيع بن الجراح وابو نعيم وقبيصة وكل هؤلاء يقدم الواحد منهم على يحيى القطان فكيف بمجموعهم فالحديث شاذ على قواعدهم ومنكر على التحقيق وقد نص على ذلك الحاكم وغيره فقال الحاكم في مستدركه (4/ 142) بعد ذكره لحديث يذكر تقدم عبد الرحمن في الصلاة: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه وقد اختلف فيه على عطاء بن السائب من ثلاثة أوجه هذا أولها وأصحها. وقال الذهبي: صحيح ثم قال الحاكم: والوجه الثاني: بسنده عن علي(ع) ثم ذكر الوجه الثالث وقال: هذه الاسانيد كلها صحيحة والحكم لحديث سفيان الثوري فانه احفظ من كل من رواه عن عطاء بن السائب.
وقال الحاكم في موضع آخر من مستدركه (2/307) بسنده عن علي(عليه السلام) قال: دعانا رجل من الانصار قبل تحريم الخمر فحضرت صلاة المغرب فتقدم رجل فقرأ (( قل يا أيها الكافرون )) فالتبس عليه فنزلت (( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون )) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه, ووافقه الذهبي. ثم قال الحاكم: وفي هذا الحديث فائدة كثيرة وهي أن الخوارج تنسب هذا السكر وهذه القراءة الى أمير المؤمنين علي بن ابي طالب(ع) دون غيره وقد برأه الله منها فانه راوي هذا الحديث.
بل قال المباركفوري السلفي في تحفة الاجوذي شرح سنن الترمذي (8/302): قال المنذري: وفي اسناده عطاء بن السائب لا يعرف إلا من حديثه وقد قال يحيى بن معين لا يحتج بحديثه, وفرق مرة بين حديثه القديم وحديثه الحديث ووافقه على التفرقة الامام أحمد.
ثم نقل عن المنذري قوله: وقد اختلف في إسناده ومتنه فأما الاختلاف في إسناده فرواه سفيان الثوري وأبو جعفر الرازي عن عطاء بن السائب فأرسلوه.
وأما الاختلاف في متنه ففي كتاب أبي داود والترمذي ما قدمناه وفي كتاب النسائي وابي جعفر النحاس أن المصلي بهم عبد الرحمن بن عوف وفي كتاب أبي بكر البزار أمروا رجلاً فصلى بهم ولم يسمه وفي حديث غيره: فتقدم بعض القوم انتهى كلام المنذري.
ونقل الزيلعي في تخريج الاحاديث والآثار (1/323) قول المنذري بما نصه: وعطاء من المختلطين وقد اضطرب في متنه ففي الترمذي وأبي داود ما تقدم وفي كتاب النسائي أن المصلي بهم هو عبد الرحمن بن عوف وفي مسند البزار أمروا رجلاً فصلى بهم ولم يسمه وفي غيره فتقدم بعض القوم (انتهى)
وهذا كله يدل على اضطراب هذه الرواية وهذا السبب في نزولها, إضافة الى ما يعارضها من أسباب نزول أخرى قد رووها لهذه الآية الكريمة,منها :
1ـ ما رووه عن عمر كما نقله ابن كثير (1/256) و (2/93) عن احمد وأبي داود والترمذي والنسائي والسيوطي في الدر المنثور(1/605) قوله: أخرج ابن أبي شيبة واحمد وعبد بن حميد وابو داود والترمذي وصححه والنسائي وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن ابي حاتم والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه البيهقي والضياء المقدسي في المختارة عن عمر أنه قال اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فإنها تذهب المال والعقل فنزلت (( يسألونك عن الخمر والميسر )) التي في البقرة فدعي عمر فقرئت عليه فقال اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت الآية التي في سورة النساء ((يَا أَيّفهَا الَّذفينَ آمَنفواْ لاَ تَقْرَبفواْ الصَّلاَةَ وَأَنتفمْ سفكَارَى ... )) (النساء الآية 43) فكان منادي رسول الله(ص) إذا أقام الصلاة نادى أن لا يقربن الصلاة سكران فدعي عمر فقرئت عليه فقال اللهم بين لنا في الخمر بياناًً شافياً فنزلت الآية التي في المائدة (فدعي عمر فقرئت عليه فلما بلغ (( فهل أنتم منتهون )) (المائدة الآية 91) قال عمر: إنتهينا إنتهينا.
2ـ وكذا رووها ولكن بتعميم وليس بخصوص عمر فقد أخرج الطيالسي ابو داود في مسنده(1957) وابن جرير وابن ابي حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الايمان عن ابن عمر وبمعناه احمد عن ابي هريرة ولفظه حرمت الخمر ثلاث مرات وغيرهم, قال أبن عمر: نزل في الخمر ثلاث آيات فأول شيء نزل : (( يسألونك عن الخمر والميسر )) فقيل حرمت الخمر فقالوا يا رسول الله دعنا ننتفع بها كما قال الله فسكت عنهم ثم نزلت هذه الآية (( لاَ تَقْرَبفواْ الصَّلاَةَ وَأَنتفمْ سفكَارَى )) فقيل حرمت الخمر فقالوا يا رسول الله لا نشربها قرب الصلاة فسكت عنهم ثم نزلت (( يا أيها الذين آمنوا انما الخمر والميسر )) فقال رسول الله(ص) حرمت الخمر.
3ـ ما قاله ابن كثير في تفسيره (1/501): وذكر ابن ابي شيبة في سبب نزول هذه الآية ما رواه ابن ابي حاتم (وكذا اخرجه ابو داود الطيالسي) عن سعد قال نزلت فيَّ أربع آيات صنع رجل من الانصار طعاماً فدعا أناساً من المهاجرين واناساً من الانصار فأكلنا وشربنا حتى سكرنا ثم افتخرنا فرفع رجل لحي بعير فغرز به أنف سعد فكان سعد مغروز الآنف وذلك قبل تحريم الخمر فنزلت (( يَا أَيّفهَا الَّذفينَ آمَنفواْ لاَ تَقْرَبفواْ الصَّلاَةَ وَأَنتفمْ سفكَارَى ... )) الآية والحديث بطوله عند مسلم 1784 ـ 2412.
4ـ وعن الدر المنثور (3/165) قال: وأخرج ابن المنذر عن محمد بن كعب القرظي قال: نزلت أربع آيات في تحريم الخمر أولهن التي في البقرة ثم نزلت الثانية (( وَمفن ثَمَرَاتف النَّخفيلف وَالأَعْنَابف تَتَّخفذفونَ مفنْهف سَكَرًا وَرفزْقًا حَسَنًا )) النحل 67, ثم أنزلت التي في النساء بينا رسول الله(ص) يصلي بعض الصلوات إذ غنى سكران خلفه فأنزل الله (( لاَ تَقْرَبفواْ الصَّلاَةَ وَأَنتفمْ سفكَارَى )) النساء 43. فشربها طائفة من الناس وتركها طائفة ثم نزلت الرابعة التي في المائدة فقال عمر بن الخطاب إنتهينا يا ربنا.
5ـ وذكروا في معنى هذه الآية قول الضحاك: لم يعني بها الخمر إنما عنى بها سكر النوم اخرجه عنه الغريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن ابي حاتم وكل المفسرين, ونقله في الدر المنثور(2/546) وقال بعده: واخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في قوله تعالى (( وَأَنتفمْ سفكَارَى )) قال النعاس.
ويدل عليه ما أخرجه البخاري عن أنس قوله: قال رسول الله(ص) إذا نعس أحدكم وهو يصلي فلينصرف فلينم حتى يعلم ما يقول.
وقد ورد في رواياتنا عن العترة تفسير الآية بذلك أيضاً دون غيره وهو أن السكر هنا النوم.
فاذا أخذنا بنظر الاعتبار تحريم الخمر في مكة ولو من دون نزول قرآن كما دلتَّ عليه رواية ابن ابي شيبة وابن المنذر عن ابن الحنفية بأن أبا جهل كان وصناديد قريش يتلقون الناس إذا جاءوا الى النبي(ص) يسلمون, يقولون إنه يحرم الخمر ويحرم الزنا ويحرم ما كانت تصنع العرب فارجعوا فنحن نحمل أوزاركم.
ويشهد لتحريم الخمر في مكة ما روي بأنه أول ما نهي عنه النبي(ص) مع عبادة الاوثان هو الخمر؛ فقد روى الهيثمي عدة روايات في مجمع زوائده (ج5/52, 53) عن أبي الدرداء أو معاذ بن جبل عن النبي (ص) قال: إن أول شيء نهاني عنه ربي بعد عبادة الاوثان, شرب الخمر وملاحاة الرجال وعن أم سلمه أن النبي(ص) قال إن كان لمن أول ما عهد إليَّ فيه ربي ونهاني عنه بعد عبادة الأوثان وشرب الخمر لملاحاة الرجال وأخرج البيهقي في الشعب عن علي(ع) بالاضافة الى حديث ام سلمة الذي ذكرناه قال سمعت رسول الله(ص) يقول: لم يزل جبريل ينهاني عن عبادة الاوثان وشرب الخمر وملاحاة الرجال.
وكذلك أخرج هذا الحديث ابن ابي شيبة في مصنفه (7/ 260) عن عروة بن رويم قال: قال رسول الله(ص): أول ما نهاني ربي عن عبادة الاوثان وعن شرب الخمر وعن ملاحاة الرجال واخرجه ايضاً عن ام سلمه في (7/267).
وفي المعجم الكبير روى الطبراني (8/152) في حديث طويل وفيه (.. ذروا المراء فإن اول ما نهاني عنه ربي بعد عبادة الاوثان المراء وشرب الخمر ذروا المراء فإن الشيطان قد يئس ان يعبد ولكنه رضي منكم بالتحريش).
مع إننا نستطيع الطعن في رواية شرب أمير المؤمنين للخمر مع كل من كان في الدار معه بأنهم لم يكونوا يعلموا ما يقولون بنص الآية الكريمة فكيف تنقل الروايات ما قالوا!!؟
ومن مجموع ما تقدم يتضح كذب هذه الرواية وهذه النسبة لامير المؤمنين(ع) ويكفي في ردها بأن عطاء بن السائب مطعون به كما بينا وقد انفرد بهذه الرواية وقد اعرض عنه البخاري ومسلم فلم يرووا عنه ما انفرد به لما قيل فيه إلا حديثاً مقروناً بغيره في البخاري فقط.
فمن يحتج بهذه الرواية دون غيرها فهو خارجي ناصبي منافق الله حسيبه ولا ينقص من مقام أمير المؤمنين قيد أنملة خصوصاً بأن الرواية تنص على أن ذلك قبل تحريم الخمر فهذا على مبانيهم وقواعدهم اما رواياتنا ومبانينا وقواعدنا فهي على خلاف ذلك ولا يهمنا ما يروون أصلاً ناهيك عن قولنا بعصمته (ع) التي ترد هذه الرواية وامثالها وتضرب بها عرض الجدار.
منقول عن مركز الأبحاث العقائدية
smilies/110.gifwww.aqaed.com
فهل هناك طريقة أخرى لشرح الموضوع لهم (عن طريق الرواة مثلا)؟
الجواب
الاخ علي أكبر المحترم
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
اخي العزيز ان هذا المعلم ومن على شاكلته ناصبي ومنافق موافق للخوارج شاء أم أبى لأسباب سنذكرها في جوابنا هذا؛ ومنها إختياره لهذه الرواية دون سواها كما فعل الخوارج مع وجود روايات أخر كثيرة غيرها في سبب نزول هذه الآية الكريمة وضعف هذه الرواية حتى عندهم.
فقيامه بترجيحها دون مرجح بل كونها مردودة وعدم ذكر هذا القول كاحتمال مع بقية الاحتمالات في سبب نزول الآية يدل على نصب هذا الرجل ونفاقه والطعن في علي وأهل البيت(عليهم السلام) من حيث يشعر ويقصد أو غير ذلك.
وبالتالي نقول لإيضاح هذا الأمر وبالله التوفيق:
1ـ اضطربت الروايات واختلفت في سبب نزول هذه الآية اختلافاً عجيباً وشديداً كما سنبين ذلك وكما هو الحال في سائر المسائل التي يختلفون فيها معنا فان رواياتهم تختلف وتضطرب فيها ولله الحمد المنة.
وهذا دليل واضح على عدم صحة ما يستدلون به وانه من وضع واضع وكذب كاذب لأن الله تعالى تعهد بذلك فقال عز من قائل (( وَلَوْ كَانَ مفنْ عفندف غَيْرف اللّهف لَوَجَدفواْ ففيهف اخْتفلاَفًا كَثفيرًا )) (النساء /82) صدق الله العلي العظيم.
2ـ أن علياً (عليه السلام) أسلم وهو ابن عشر سنين صبياً فلم يكبر في الجاهلية حتى يشرب الخمر أو يعبد الصنم بل تربى في أحضان الرسالة واخلاق رسول الله(ص) ودين الحنيفية ولم يبح الاسلام شرب الخمر قط بل الخمر محرم في كل الاديان كما هو معلوم وموجود الى اليوم في الكتب المقدسة ومنها مثلاً في الكلام عن الجنة (لا يدخلها السكيرون) وما إلى ذلك ويدل على تحريم الخمر منذ بداية البعثة ما رواه ابن أبي شيبة في مصنفه (7/333) وابن المنذر عن ابن الحنفية قال كان أبو جهل من صناديد قريش يتلقون الناس اذا جاؤوا الى النبي(صلى الله عليه واله) يسلمون يقولون انه يحرم الخمر ويحرم الزنا ويحرم ما كانت تصنع العرب فارجعوا فنحن نحمل أوزاركم .
3ـ ضعف هذه الرواية سنداً فقد اختلف في كل طرق الرواية عن عطاء بن السائب إلى نهاية السند فرواها عنه سفيان الثوري من جهة ورواها عنه ثلاثة آخرون من جهة أخرى وهؤلاء الثلاثة هم أبو جعفر الرازي وهو ضعيف بنفسه وكذا رواها عنه خالد بن عبد الله الطحان وجرير.
وهم رووا عن عطاء بن السائب بعد اختلاطه فحديثهم ضعيف ومردود أما سفيان فقد نصوا على انه حيث عن عطاء قبل اختلاطه وصحة روايته عنه وقبولها فقد نص يحيى بن معين على ذلك فقال في تاريخة برواية الدوري(ج1/ 242) رقم (1577) سمعت يحيى يقول كان عطاء بن السائب قد اختلط قال سمعت من عبيدة ثلاثين حديثاً فقلت ليحيى فما سمع منه جرير وذووه؛ أليس هو صحيح؟ قال: لا, ما روى هو وخالد الطحان كأنه يضعفهم, إلا من سمع منه قديماً. وقال الشنقيطي السلفي في أضواء البيان (ج4/ 399) ما نصه:
وقال ابن معين: من سمع منه قديماً فهو صحيح ومن سمع منه حديثاً فليس بشيء وجميع من روى عنه روى عنه في الاختلاط الا شعبة وسفيان وما سمع منه جرير وغيره فليس من صحيح حديثه. ا هـ.
وقال ابن حجر العسقلاني في مقدمة فتح الباري( 424) عطاء بن السائب من مشاهير الرواة الثقات إلا أنه اختلط فضعفوه بسبب ذلك.
وتحصل لي من مجموع كلام الائمة ان رواية شعبة وسفيان الثوري وزهير بن معاوية وزائدة وأيوب وحماد بن زيد عنه قبل الاختلاط وأن جميع من روى عنه غير هؤلاء فحديثه ضعيف لانه بعد اختلاطه الا حماد بن سلمه فاختلف قولهم فيه ,ونقل ذلك عن أحمد أيضاً, وبالتالي فكل ما روي عن عطاء غير رواية سفيان فهي مردودة بإجماع أهل العلم.
أما رواية سفيان فقد رويت عنه بخمسة او ستة طرق كلها تنص على عدم كون من صلى بهم علي إلا طريقاً واحداً شذ به يحيى بن سعيد القطان عنه ونص فيها على أن علياً هو من تقدم وصلى وهذا الرجل تتبعنا أقواله فوجدناه ناصبياً يضعف كل من له علاقة بالتشيع فهو يضعف الامام الصادق ويخالف اجماعهم على إمامته وصدقة(ع) ويقول عنه (في نفس منه شيء ومجالد أحب إليَّ منه) مع أنهم اجمعوا على ضعف مجالد وهو أيضاً يضعفه!
وكذلك فعل مع جعفر بن سليمان احد رواة ورجال مسلم المجمع على وثاقته فهو يطعن به ويضعفه ولا يكتب حديثه وكذلك فعل مع محمد بن إسحق صاحب السيرة وهكذا.
بالاضافة الى مخالفة الثقات كلهم له حين رووا عن سفيان النص على عدم كون من صلى بهم علياً (عليه السلام) وانما هو عبد الرحمن بن عوف أو غيره فقد خالفه عبد الرحمن بن مهدي ووكيع بن الجراح وابو نعيم وقبيصة وكل هؤلاء يقدم الواحد منهم على يحيى القطان فكيف بمجموعهم فالحديث شاذ على قواعدهم ومنكر على التحقيق وقد نص على ذلك الحاكم وغيره فقال الحاكم في مستدركه (4/ 142) بعد ذكره لحديث يذكر تقدم عبد الرحمن في الصلاة: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه وقد اختلف فيه على عطاء بن السائب من ثلاثة أوجه هذا أولها وأصحها. وقال الذهبي: صحيح ثم قال الحاكم: والوجه الثاني: بسنده عن علي(ع) ثم ذكر الوجه الثالث وقال: هذه الاسانيد كلها صحيحة والحكم لحديث سفيان الثوري فانه احفظ من كل من رواه عن عطاء بن السائب.
وقال الحاكم في موضع آخر من مستدركه (2/307) بسنده عن علي(عليه السلام) قال: دعانا رجل من الانصار قبل تحريم الخمر فحضرت صلاة المغرب فتقدم رجل فقرأ (( قل يا أيها الكافرون )) فالتبس عليه فنزلت (( لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون )) وقال الحاكم: هذا حديث صحيح الاسناد ولم يخرجاه, ووافقه الذهبي. ثم قال الحاكم: وفي هذا الحديث فائدة كثيرة وهي أن الخوارج تنسب هذا السكر وهذه القراءة الى أمير المؤمنين علي بن ابي طالب(ع) دون غيره وقد برأه الله منها فانه راوي هذا الحديث.
بل قال المباركفوري السلفي في تحفة الاجوذي شرح سنن الترمذي (8/302): قال المنذري: وفي اسناده عطاء بن السائب لا يعرف إلا من حديثه وقد قال يحيى بن معين لا يحتج بحديثه, وفرق مرة بين حديثه القديم وحديثه الحديث ووافقه على التفرقة الامام أحمد.
ثم نقل عن المنذري قوله: وقد اختلف في إسناده ومتنه فأما الاختلاف في إسناده فرواه سفيان الثوري وأبو جعفر الرازي عن عطاء بن السائب فأرسلوه.
وأما الاختلاف في متنه ففي كتاب أبي داود والترمذي ما قدمناه وفي كتاب النسائي وابي جعفر النحاس أن المصلي بهم عبد الرحمن بن عوف وفي كتاب أبي بكر البزار أمروا رجلاً فصلى بهم ولم يسمه وفي حديث غيره: فتقدم بعض القوم انتهى كلام المنذري.
ونقل الزيلعي في تخريج الاحاديث والآثار (1/323) قول المنذري بما نصه: وعطاء من المختلطين وقد اضطرب في متنه ففي الترمذي وأبي داود ما تقدم وفي كتاب النسائي أن المصلي بهم هو عبد الرحمن بن عوف وفي مسند البزار أمروا رجلاً فصلى بهم ولم يسمه وفي غيره فتقدم بعض القوم (انتهى)
وهذا كله يدل على اضطراب هذه الرواية وهذا السبب في نزولها, إضافة الى ما يعارضها من أسباب نزول أخرى قد رووها لهذه الآية الكريمة,منها :
1ـ ما رووه عن عمر كما نقله ابن كثير (1/256) و (2/93) عن احمد وأبي داود والترمذي والنسائي والسيوطي في الدر المنثور(1/605) قوله: أخرج ابن أبي شيبة واحمد وعبد بن حميد وابو داود والترمذي وصححه والنسائي وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن ابي حاتم والنحاس في ناسخه وأبو الشيخ وابن مردويه والحاكم وصححه البيهقي والضياء المقدسي في المختارة عن عمر أنه قال اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فإنها تذهب المال والعقل فنزلت (( يسألونك عن الخمر والميسر )) التي في البقرة فدعي عمر فقرئت عليه فقال اللهم بين لنا في الخمر بياناً شافياً فنزلت الآية التي في سورة النساء ((يَا أَيّفهَا الَّذفينَ آمَنفواْ لاَ تَقْرَبفواْ الصَّلاَةَ وَأَنتفمْ سفكَارَى ... )) (النساء الآية 43) فكان منادي رسول الله(ص) إذا أقام الصلاة نادى أن لا يقربن الصلاة سكران فدعي عمر فقرئت عليه فقال اللهم بين لنا في الخمر بياناًً شافياً فنزلت الآية التي في المائدة (فدعي عمر فقرئت عليه فلما بلغ (( فهل أنتم منتهون )) (المائدة الآية 91) قال عمر: إنتهينا إنتهينا.
2ـ وكذا رووها ولكن بتعميم وليس بخصوص عمر فقد أخرج الطيالسي ابو داود في مسنده(1957) وابن جرير وابن ابي حاتم وابن مردويه والبيهقي في شعب الايمان عن ابن عمر وبمعناه احمد عن ابي هريرة ولفظه حرمت الخمر ثلاث مرات وغيرهم, قال أبن عمر: نزل في الخمر ثلاث آيات فأول شيء نزل : (( يسألونك عن الخمر والميسر )) فقيل حرمت الخمر فقالوا يا رسول الله دعنا ننتفع بها كما قال الله فسكت عنهم ثم نزلت هذه الآية (( لاَ تَقْرَبفواْ الصَّلاَةَ وَأَنتفمْ سفكَارَى )) فقيل حرمت الخمر فقالوا يا رسول الله لا نشربها قرب الصلاة فسكت عنهم ثم نزلت (( يا أيها الذين آمنوا انما الخمر والميسر )) فقال رسول الله(ص) حرمت الخمر.
3ـ ما قاله ابن كثير في تفسيره (1/501): وذكر ابن ابي شيبة في سبب نزول هذه الآية ما رواه ابن ابي حاتم (وكذا اخرجه ابو داود الطيالسي) عن سعد قال نزلت فيَّ أربع آيات صنع رجل من الانصار طعاماً فدعا أناساً من المهاجرين واناساً من الانصار فأكلنا وشربنا حتى سكرنا ثم افتخرنا فرفع رجل لحي بعير فغرز به أنف سعد فكان سعد مغروز الآنف وذلك قبل تحريم الخمر فنزلت (( يَا أَيّفهَا الَّذفينَ آمَنفواْ لاَ تَقْرَبفواْ الصَّلاَةَ وَأَنتفمْ سفكَارَى ... )) الآية والحديث بطوله عند مسلم 1784 ـ 2412.
4ـ وعن الدر المنثور (3/165) قال: وأخرج ابن المنذر عن محمد بن كعب القرظي قال: نزلت أربع آيات في تحريم الخمر أولهن التي في البقرة ثم نزلت الثانية (( وَمفن ثَمَرَاتف النَّخفيلف وَالأَعْنَابف تَتَّخفذفونَ مفنْهف سَكَرًا وَرفزْقًا حَسَنًا )) النحل 67, ثم أنزلت التي في النساء بينا رسول الله(ص) يصلي بعض الصلوات إذ غنى سكران خلفه فأنزل الله (( لاَ تَقْرَبفواْ الصَّلاَةَ وَأَنتفمْ سفكَارَى )) النساء 43. فشربها طائفة من الناس وتركها طائفة ثم نزلت الرابعة التي في المائدة فقال عمر بن الخطاب إنتهينا يا ربنا.
5ـ وذكروا في معنى هذه الآية قول الضحاك: لم يعني بها الخمر إنما عنى بها سكر النوم اخرجه عنه الغريابي وعبد بن حميد وابن جرير وابن المنذر وابن ابي حاتم وكل المفسرين, ونقله في الدر المنثور(2/546) وقال بعده: واخرج عبد بن حميد عن ابن عباس في قوله تعالى (( وَأَنتفمْ سفكَارَى )) قال النعاس.
ويدل عليه ما أخرجه البخاري عن أنس قوله: قال رسول الله(ص) إذا نعس أحدكم وهو يصلي فلينصرف فلينم حتى يعلم ما يقول.
وقد ورد في رواياتنا عن العترة تفسير الآية بذلك أيضاً دون غيره وهو أن السكر هنا النوم.
فاذا أخذنا بنظر الاعتبار تحريم الخمر في مكة ولو من دون نزول قرآن كما دلتَّ عليه رواية ابن ابي شيبة وابن المنذر عن ابن الحنفية بأن أبا جهل كان وصناديد قريش يتلقون الناس إذا جاءوا الى النبي(ص) يسلمون, يقولون إنه يحرم الخمر ويحرم الزنا ويحرم ما كانت تصنع العرب فارجعوا فنحن نحمل أوزاركم.
ويشهد لتحريم الخمر في مكة ما روي بأنه أول ما نهي عنه النبي(ص) مع عبادة الاوثان هو الخمر؛ فقد روى الهيثمي عدة روايات في مجمع زوائده (ج5/52, 53) عن أبي الدرداء أو معاذ بن جبل عن النبي (ص) قال: إن أول شيء نهاني عنه ربي بعد عبادة الاوثان, شرب الخمر وملاحاة الرجال وعن أم سلمه أن النبي(ص) قال إن كان لمن أول ما عهد إليَّ فيه ربي ونهاني عنه بعد عبادة الأوثان وشرب الخمر لملاحاة الرجال وأخرج البيهقي في الشعب عن علي(ع) بالاضافة الى حديث ام سلمة الذي ذكرناه قال سمعت رسول الله(ص) يقول: لم يزل جبريل ينهاني عن عبادة الاوثان وشرب الخمر وملاحاة الرجال.
وكذلك أخرج هذا الحديث ابن ابي شيبة في مصنفه (7/ 260) عن عروة بن رويم قال: قال رسول الله(ص): أول ما نهاني ربي عن عبادة الاوثان وعن شرب الخمر وعن ملاحاة الرجال واخرجه ايضاً عن ام سلمه في (7/267).
وفي المعجم الكبير روى الطبراني (8/152) في حديث طويل وفيه (.. ذروا المراء فإن اول ما نهاني عنه ربي بعد عبادة الاوثان المراء وشرب الخمر ذروا المراء فإن الشيطان قد يئس ان يعبد ولكنه رضي منكم بالتحريش).
مع إننا نستطيع الطعن في رواية شرب أمير المؤمنين للخمر مع كل من كان في الدار معه بأنهم لم يكونوا يعلموا ما يقولون بنص الآية الكريمة فكيف تنقل الروايات ما قالوا!!؟
ومن مجموع ما تقدم يتضح كذب هذه الرواية وهذه النسبة لامير المؤمنين(ع) ويكفي في ردها بأن عطاء بن السائب مطعون به كما بينا وقد انفرد بهذه الرواية وقد اعرض عنه البخاري ومسلم فلم يرووا عنه ما انفرد به لما قيل فيه إلا حديثاً مقروناً بغيره في البخاري فقط.
فمن يحتج بهذه الرواية دون غيرها فهو خارجي ناصبي منافق الله حسيبه ولا ينقص من مقام أمير المؤمنين قيد أنملة خصوصاً بأن الرواية تنص على أن ذلك قبل تحريم الخمر فهذا على مبانيهم وقواعدهم اما رواياتنا ومبانينا وقواعدنا فهي على خلاف ذلك ولا يهمنا ما يروون أصلاً ناهيك عن قولنا بعصمته (ع) التي ترد هذه الرواية وامثالها وتضرب بها عرض الجدار.
منقول عن مركز الأبحاث العقائدية
smilies/110.gifwww.aqaed.com