سلام امين تامول
24-12-2007, 12:24 PM
يقول تعالى في سورة الفتح: (مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعاً سُجَّداً يَبْتَغُونَ فَضْلاً مِنَ اللهِ وَرِضْوَاناً سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الاِنْجِيلِ كَزَرْع أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الكُفَّارَ وَعَدَ اللهُ الَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً»(1) .
فمن ينظر إلى أول الاية يرى أن الممدوحين مع رسول الله هم عموم الصحابة، لكن انظر إلى قوله تعالى: (وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ...) .
فلم يَعِدْ الله جميع الصحابة بالمغفرة والاجر، بل فقط مَنْ آمن وعمل صالحاً، ولو كان الوعد للجميع لقال: (وعدهم الله...) فتأمل.
ويقول تعالى في نفس هذه السورة: (إِنَّ الَّذينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ
____________
1) سورة الفتح: 29.
أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)(1) .
وأنت ترى في هذه الاية أنّ الله تعالى يحذّر الناكثين بأنهم إنّما ينكثون على أنفسهم وليسوا بضارّي الله تعالى شيئاً.
ولدى قراءة سورة الحجرات تصادف هذه الاية: (إِنَّ الَّذينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَآءِ الحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَروُا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)(2) .
فانظر لوصف الله تعالى هذه الفئة من المسلمين حيث وصفهم بأبشع وصف وهو أنهم لا يعقلون، وقد وصفهم الله في صدر السورة بأنهم يرفعون أصواتهم فوق صوت النبي مع أنهم مؤمنين به (صلى الله عليه وآله وسلم).
ويقول في سورة الحجرات أيضاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَة فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)(3) .
ومن المعلوم والمشهور أن هذه الاية نزلت في الوليد بن عقبة، وهو أخو عثمان بن عفان لامه، عندما بعثه إلى بني المصطلق فرجع وكذب على
____________
1) سورة الفتح: 10.
2) سورة الحجرات: 4 ـ 5.
3) سورة الحجرات: 6.
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)(1) ، فالله يصف الوليد بالفاسق، وأئمة السنّة يقولون إنّه عدل؟!
ويقول تعالى في سورة التوبة: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَة وَيَوْمَ حُنَيْن إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الاَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرينَ)(2) .
في هذه الاية يذكر الله ويشنّع على المسلمين فرارهم يوم حنين حيث تركوا النبي مع ثلة قليلة عدد أصابع اليد وفرّوا، وقد اغترَّ المسلمون في حنين بكثرتهم حتّى قال أبو بكر: «لن نُغلَب اليوم من قلّة»(3) .
وقال الله أيضاً مخاطباً الصحابة: (يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيْلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الاَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الاخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الاخِرَةِ إِلاّ قَلِيلٌ إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِل قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ)(4) .
____________
1) أنظر تفسير الفخر الرازي (التفسير الكبير) في سورة الحجرات: 6، تفسير الطبري 26: 78، تفسير الدرّ المنثور 7: 555.
2) سورة التوبة: 25.
3) أنظر تفسير الفخر الرازي (التفسير الكبير) في سورة التوبة: 25.
4) سورة التوبة: 38 ـ 39. يقول الفخر الرازي في تفسير سورة التوبة: وهذا يدل أنّ كل المؤمنين كانوا متثاقلين في ذلك التكليف، وذلك التثاقل معصية. ويقول الرازي بعد ذلك، إنّ خطاب الكل وارادة البعض مجاز مشهور في القرآن.
فالله هنا يقرّع الصحابة بسبب تثاقلهم عن الغزو وكما لايخفى فإن الله تعالى توعّد الصحابة في هذه الاية بالعذاب الاليم وباستبدالهم بقوم آخرين ـ الفرس على رأي ـ إذا لم ينفروا في سبيله، فأين مدح الله للصحابة هنا؟!
وفي نفس سورة التّوبة هذه تقرأ قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يُلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)(1) .
المشهور أن هذه الاية نزلت في أحد الصحابة على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو ثعلبة بن حاطب الانصاري، الذي شكا لرسول الله الفقر وطلب أن يدعو له الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بالغنى والثروة، ولمّا أعطاه الله سؤله رفض دفع الزكاة وقال: إنّها الجزية أو أخت الجزية، فأنزل الله فيه هذه الاية.
إنّ ثعلبة صحابي أنصاري عاش مسلماً مؤمناً بالله ورسوله لكنه يوصف بالنفاق كما قال تعالى; فأين عدالة الصحابة جميعاً ؟! وأين ما يدّعيه علماء
____________
1) سورة التوبة: 75 ـ 77.
أهل السنة وأئمتهم ؟! ثم يأتي من يقول: إذا انتقصت أحداً من الصحابة فأنت زنديق !! فها هو الله ينتقص بعضهم بل كثير منهم، افتونا بعلم إن كنتم صادقين.
ويقول تعالى في سورة الاحزاب: (وَإِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً)(1) .
قد يقول كثير من علماء أهل السنة: إنّ هذه الاية خاصة بالمنافقين ولا دخل لها بالصحابة (وسنُبيّن أن المنافقين هم صحابة كذلك فيما بعد) ولكن من ينظر مليّاً إلى الاية فسيجدها تقصد فئتين، المنافقين ثم فئة أُخرى غير المنافقين وهم الذين في قلوبهم مرض.
يقول الله تعالى عزّوجلّ في سورة الاحزاب أيضاً: (يَا أَيُّهَا الَّذينَ ءامَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَام غَيْرَ نَاظِرينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيث إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْي مِنْكُمْ وَاللهُ لاَ يَسْتَحْي مِنَ الحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاء حِجَاب ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلاَ أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً)(2) .
وقد قال الامام الفخر الرازي في تفسيره: «القائل هو طلحة بن عبيدالله
____________
1) سورة الاحزاب: 12.
2) سورة الاحزاب: 53.
الذي قال: لئن عشتُ بعد محمّد لانكحنّ عائشة»(1) .
ويقول تعالى في آية أُخرى من سورة الاحزاب: (يَا نِسَاءَ النَّبِيّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَة مُبَيِّنَة يُضَاعَفْ لَهَا العَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً)(2) .
نعم هذا هو منطق القرآن لا قرابة بين الله وبين أحد من خلقه ولا مجاملة من الله ولا من رسوله لاحد، لا لصحابي ولا لزوجة النبيّ، إنّ أكرم الخلق عند الله أتقاهم بما في ذلك الانبياء والمرسلين، بل إنّ صحبة الرسول مسؤولية خطيرة وكذلك الزوجيّة له (صلى الله عليه وآله وسلم)، فمن لم يراعها حقّ رعايتها كان عذابه مضاعفاً لمارأى من الحق ومن هدي الرسول الكريم، فهل بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)من هاد وهل بعده من عظيم؟! ولولا رسول الله لاخذ عذاب الله كثيراً من الصحابة كما أخذ السامريّ ومن كان قبل الصحابة من أتباع وأصحاب الانبياء، ألا ترى إلى قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ
____________
1) تفسير الفخر الرازي لهذه الاية 25: 180، تفسير الدرّ المنثور 6: 643، وأنظر تفسير الالوسي حيث يورد رواية عن ابن عباس لكنّه كعادة القوم لم يذكر طلحة بالاسم فيها وإنّما بلفظ «رجل»، ثمّ أورد إسمه في رواية ثانية حاول تضعيفها بدون أيّ دليل ! أنظر روح المعاني للالوسي البغدادي 11: 249 ـ 250.
2) سورة الاحزاب: 30.
وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)(1) .
ويقول الله تعالى في سورة الاحزاب: (إِنَّ الَّذينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالاخِرَةَ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُّهِيناً)(2) .
إنّ الله لا يتأذّى ولكن أذى الله من أذى الرسول، وعليه فكلّ من آذى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)صحابيّاً أو غيره فقد آذى الله، وهذا نظير قوله تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ)(3) ، وما أكثر من آذى الرسول من الصحابة والصحابيّات، ومن أراد اليقين فليبحث فسيرى عجباً.
ويقول الله تعالى في سورة آل عمران: (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الُمؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 121 ƒ إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلاَ وَاللهُ وَلِيَّهُمَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنونَ)(4) .
ويقول الفخر الرازي في تفسيره: «أنها نزلت في حيّين من الانصار همّا
____________
1) سورة الانفال: 33.
2) سورة الاحزاب: 57.
3) سورة النساء: 80.
4) سورة آل عمران: 121 ـ 122.
بترك القتال في أُحد والعودة إلى المدينة أُسوة برأس النفاق عبدالله بن أُبي بن أبي سلول»(1) .
ويقول تعالى في سورة آل عمران حول معركة أُحد: (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الاَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُريدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُريدُ الاخِرَةَ...)(2) .
ويقول كذلك: (إذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَد وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)(3) .
ويقول أيضاً: (إِنَّ الَّذينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمَ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)(4) .
____________
1) التفسير الكبير للفخر الرازي ـ تفسير سورة آل عمران: 121 ـ 122، تفسير الطبري 4: 48، الدرّ المنثور 2: 305.
2) سورة آل عمران: 152.
3) سورة آل عمران: 153.
4) سورة آل عمران: 155.
مرحى لهؤلاء الصحابة الذين يفرّون من ساحة المعركة ويتركون الرسول خلفهم والرسول يناديهم في ذلك الموقف الشديد.
وقد ذكر الفخر الرازي في تفسيره: «أنّ عمر بن الخطاب كان من المنهزمين، إلاّ أنّه لم يكن في أوائل المنهزمين!! ومن الذين فرّوا يوم أُحد عثمان بن عفان ورجلين من الانصار يقال لهما سعد وعقبة، انهزموا حتّى بلغوا موضعاً بعيداً ثم رجعوا بعد ثلاثة أيام فقال لهم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): لقد ذهبتم بها عريضة»(1) !
ثم لنأت إلى سورة الجمعة ولنقرأ هذه الاية: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)(2) .
وقد نزلت هذه الاية في الصحابة الذين كانوا يصلون الجمعة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتّى إذا دخل دحية الكلبي ـ وكان مشركاً ـ المدينة بتجارة من الشام فترك الصحابة المسجد وخرجوا إليه ولم يبق معه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلاّ اثنا عشر رجلاً على رواية، حتّى قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)فيهم: «لو اتّبع آخرهم أوّلهم لالتهب
____________
1) تفسير الفخر الرازي في تفسير الاية 155 من سورة آل عمران، تفسير الطبري 4: 96، تفسير الدرّ المنثور 2: 355 ـ 356.
2) سورة الجمعة: 11.
الوادي عليهم ناراً»(1) .
ونأتي إلى سورة التحريم حيث ترى عجباً، إذ فضحت هذه السورة زوجتين من زوجات الرسول وهما عائشة وحفصة، حيث جاء في سبب نزولها أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يأتي زينب بنت جحش ويأكل عندها عسلاً، فاتفقت عائشة مع حفصة على أن تقولا للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إنّ فيك رائحة مغافير (الثوم)، وهكذا كان إلى أن قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «لقد حرّمتُ العسل على نفسي»، فنزلت سورة التحريم ومنها قوله تعالى: (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ)(2) .
وصالح المؤمنين كما رواه البعض هو علي بن أبي طالب (عليه السلام)(3) .
ومعنى صغت كما قال الفخر الرازي في تفسيره: مالت عن
____________
1) انظر تفسير الفخر الرازي سورة الجمعة، تفسير الدر المنثور 8: 165، تفسير الطبري 28: 67 ـ 68.
2) سورة التحريم: 4.
وأنظر قصة المغافير هذه في صحيح البخاري 6: 194.
3) أنظر تفسير روح المعاني للالوسي البغدادي 14: 348. في تفسيره لسورة التحريم.
الحقّ.
وتواصل السورة: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَات مُؤْمِنَات قَانِتَات تَائِبَات عَابِدَات سَائِحَات ثَيِّبَات وَأَبْكَاراً)(1) .
فالله يقول لعائشة وحفصة لا تظنّا أنكما أفضل النّساء لانكما زوجتا الرسول، بل يستطيع الله أن يبدله نساءاً خيراً منكنّ.
ثم يقارن الله تعالى عائشة وحفصة بامرأة نوح وامرأة لوط ليحذّرهنّ أنّ كونهما زوجتين لمحمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يدرأ عنهما عذاب النار ولا يجعلهنّ بالضرورة من أهل الجنة، يقول تعالى: (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوح وَامْرَأَةَ لُوط كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ)(2) .
ثم يأتي علماء أهل السنة بعد كلّ هذه الادلة ليقولوا: إنّ عائشة أحبّ النّاس لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والويل لمن يقول غير ذلك!(3) .
ثم تعال معي إلى سورة النور، حيث يقول العزيز الحكيم: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بالاِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ
____________
1) سورة التحريم: 5.
2) سورة التحريم: 10.
3) أنظر مثلاً صحيح الترمذي 5: 707 حديث رقم 3890.
امْرِئ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الاِثْمِ وَالَّذي تَوَلّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ)(1) .
فتأمّل قوله تعالى: (عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) ، ألا يعني ذلك أنهم داخلون في دائرة الصحابة، وقد ورد في التفاسير أنّ الذين جاؤوا بالافك (اتهام عائشة) هم زيادة على رأس النفاق عبدالله بن أبي سلول، حسان بن ثابت شاعر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والاسلام، وزيد بن رفاعة ومسطح بن أُثاثة وحمنة بنت جحش(2) .
وقد يدّعي الكثير من البسطاء أنّ هذه فضيلة لعائشة حيث برّأها الله وأنزل فيها قرآناً من فوق سماواته، لكن من يتأمّل الحالة جيّداً يجد أنّ الاية نزلت لتبرأة ساحة النبي الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وتنزيهه، ولو كانت عائشة زوجة لغير رسول الله ما كان ينزل فيها حرف واحد، لانّ الله تعالى بيّن أحكامه وأحكام السرقة والخمر وغيرها في كتابه، لكن نظراً لحساسية موقع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنزلته العظمية برأ الله ساحته ونزّهها.
ويقول الله تعالى في سورة الانفال: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتّى يُثْخِنَ فِي الارْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الاخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْلاَ كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذابٌ
____________
1) سورة النور: 11.
2) راجع تفسير الفخر الرازي في تفسير سورة النور، تفسير الدرّ المنثور 6: 148، تفسير الطبري 18: 68.
عَظيمٌ)(1) .
في هذه الايات خطاب شديد للصحابة الذين حاربوا في بدر لانهم أخذوا أسرى، وليس هذا من شأن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كما ليس من شأن الانبياء السابقين، لكن الله سمح لهم بعد ذلك بأخذ الفداء، والعجيب أنّ كثيراً من المفسّرين أدخلوا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا التهديد مع أنّ ظاهر الاية واضح في مخاطبة الصحابة، ثم أنّ رسول الله ما كان ليقوم بفعل أو قول دون إذن الله فلماذا يدخل في دائرة التهديد؟! نعم هذا ما فعلته أيدي بني أُمية الحاقدة على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته فينطبق عليهم قول الله تعالى: (يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ)(2) .
وتقرأ في سورة الانعام هذه الاية: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللهُ...)(3) .
____________
1) سورة الانفال: 67 ـ 68.
2) سورة المائدة: 41.
3) سورة الانعام: 93.
أُنظر تفسير الفخر الرازي في تفسيره للسورة 13: 93، تفسير الطبري 7: 181، تفسير الدرّ المنثور 3: 317.
وفي قول نزلت هذه الاية في عبدالله بن سعد بن أبي سرح أخو عثمان بن عفان والذي أهدر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دمه لانّه قال إنني أستطيع أن أقول مثل ما أنزل الله، والعجيب أنّ هذا الافّاك الاثيم يصبح في زمن عثمان أحد وزراء الدولة وقادة الجيش؟!
هذا غيض من فيض، ولولا أنّ المجال لا يتّسع لاكثر من هذا لاتينا على كلّ الايات النازلة في شأن الصحابة والتي كانت تفضح بعضاً منهم أو تُقرّع البعض الاخر أو تهدّدهم وتتوعّدهم.
وهكذا ترى أنّ القرآن يضع الصحابة في محلّهم الطبيعي.
والعجب أنّ علماء أهل السنّة كما أشرنا إلى ذلك سابقاً يزعمون أنّ الله والقرآن عدّلا الصحابة جميعاً، وعليه إنّ أىّ قدح في أىّ واحد منهم هو خروج عن الاسلام وزندقة، فها هو القرآن يكذّب آراءهم النابعة من الهوى ويقول غير ما قالوا، ولا كلام بعد كلام الله وإن كره الكارهون.
ثمّ دعنا من الصحابة ولنأت إلى أشرف ولد آدم وأفضل رسل الله ورأس أُولي العزم (عليهم السلام) حيث إنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكتسب تلك المنزلة العظيمة بالاماني بل بأعماله، وها هو القرآن يشير إلى هذه الحقيقة قائلاً: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرِينَ)(1) .
وحاشا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يشرك، لكن هذا هو مقياس الله، لا مجاملة
____________
15) سورة الزمر: 6.
ولا محاباة مع أىّ أحد في أحكامه وشرائعه.
ثم انظر إلى قوله تعالى في سورة الحاقة: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الاَقَاوِيلَ لاََخَذْنَا مِنْهُ بِاليَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوَتِينَ)(1) .
فليس معنى كون الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) نبيّاً يحجزه عن العقاب إذا خرج عن حدود الله، فما بالك بعد هذا بالصحابة؟!
إنّ الصحابة هم أوّل المكلّفين في الاسلام وأوّل المسؤولين.
فهم إذن تحت الشرع وليسوا فوقه، وليس عندهم جواز عبور إلى الجنّة، هيهات ليس الامر بالاماني.
إنّ الصحابة في موضع خطير حيث أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان بين أظهرهم ولا حجّة لمن تعدّى حدود الله منهم غداً يوم القيامة، فقد شاهدوا نور النبوّة وآيات الله نزلت بينهم وقد تمت عليهم الحجّة والويل لمن لم يُنجِه كلّ ذلك.
____________
1) سورة الحاقة: 44 ـ 46.
فمن ينظر إلى أول الاية يرى أن الممدوحين مع رسول الله هم عموم الصحابة، لكن انظر إلى قوله تعالى: (وَعَدَ اللهُ الَّذينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ...) .
فلم يَعِدْ الله جميع الصحابة بالمغفرة والاجر، بل فقط مَنْ آمن وعمل صالحاً، ولو كان الوعد للجميع لقال: (وعدهم الله...) فتأمل.
ويقول تعالى في نفس هذه السورة: (إِنَّ الَّذينَ يُبَايِعُونَكَ إِنَّمَا يُبَايِعُونَ اللهَ يَدُ اللهِ فَوْقَ أَيْدِيهِمْ فَمَنْ نَكَثَ فَإِنَّمَا يَنْكُثُ عَلَى نَفْسِهِ وَمَنْ
____________
1) سورة الفتح: 29.
أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً)(1) .
وأنت ترى في هذه الاية أنّ الله تعالى يحذّر الناكثين بأنهم إنّما ينكثون على أنفسهم وليسوا بضارّي الله تعالى شيئاً.
ولدى قراءة سورة الحجرات تصادف هذه الاية: (إِنَّ الَّذينَ يُنَادُونَكَ مِنْ وَرَآءِ الحُجُرَاتِ أَكْثَرُهُمْ لا يَعْقِلُونَ وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَروُا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْراً لَهُمْ وَاللهُ غَفُورٌ رَّحِيمٌ)(2) .
فانظر لوصف الله تعالى هذه الفئة من المسلمين حيث وصفهم بأبشع وصف وهو أنهم لا يعقلون، وقد وصفهم الله في صدر السورة بأنهم يرفعون أصواتهم فوق صوت النبي مع أنهم مؤمنين به (صلى الله عليه وآله وسلم).
ويقول في سورة الحجرات أيضاً: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَة فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)(3) .
ومن المعلوم والمشهور أن هذه الاية نزلت في الوليد بن عقبة، وهو أخو عثمان بن عفان لامه، عندما بعثه إلى بني المصطلق فرجع وكذب على
____________
1) سورة الفتح: 10.
2) سورة الحجرات: 4 ـ 5.
3) سورة الحجرات: 6.
النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)(1) ، فالله يصف الوليد بالفاسق، وأئمة السنّة يقولون إنّه عدل؟!
ويقول تعالى في سورة التوبة: (لَقَدْ نَصَرَكُمُ اللهُ فِي مَوَاطِنَ كَثِيرَة وَيَوْمَ حُنَيْن إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنْكُمْ شَيْئاً وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الاَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرينَ)(2) .
في هذه الاية يذكر الله ويشنّع على المسلمين فرارهم يوم حنين حيث تركوا النبي مع ثلة قليلة عدد أصابع اليد وفرّوا، وقد اغترَّ المسلمون في حنين بكثرتهم حتّى قال أبو بكر: «لن نُغلَب اليوم من قلّة»(3) .
وقال الله أيضاً مخاطباً الصحابة: (يَا أَيُّهَا الَّذينَ آمَنُوا مَا لَكُمْ إِذَا قِيْلَ لَكُمُ انْفِرُوا فِي سَبِيلِ اللهِ اثَّاقَلْتُمْ إِلَى الاَرْضِ أَرَضِيتُمْ بِالحَيَاةِ الدُّنْيَا مِنَ الاخِرَةِ فَمَا مَتَاعُ الحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الاخِرَةِ إِلاّ قَلِيلٌ إِلاَّ تَنْفِرُوا يُعَذِّبْكُمْ عَذاباً أَلِيماً وَيَسْتَبْدِل قَوْماً غَيْرَكُمْ وَلا تَضُرُّوهُ شَيْئاً وَاللهُ عَلَى كُلِّ شَيْء قَدِيرٌ)(4) .
____________
1) أنظر تفسير الفخر الرازي (التفسير الكبير) في سورة الحجرات: 6، تفسير الطبري 26: 78، تفسير الدرّ المنثور 7: 555.
2) سورة التوبة: 25.
3) أنظر تفسير الفخر الرازي (التفسير الكبير) في سورة التوبة: 25.
4) سورة التوبة: 38 ـ 39. يقول الفخر الرازي في تفسير سورة التوبة: وهذا يدل أنّ كل المؤمنين كانوا متثاقلين في ذلك التكليف، وذلك التثاقل معصية. ويقول الرازي بعد ذلك، إنّ خطاب الكل وارادة البعض مجاز مشهور في القرآن.
فالله هنا يقرّع الصحابة بسبب تثاقلهم عن الغزو وكما لايخفى فإن الله تعالى توعّد الصحابة في هذه الاية بالعذاب الاليم وباستبدالهم بقوم آخرين ـ الفرس على رأي ـ إذا لم ينفروا في سبيله، فأين مدح الله للصحابة هنا؟!
وفي نفس سورة التّوبة هذه تقرأ قوله تعالى: (وَمِنْهُمْ مَنْ عَاهَدَ اللهَ لَئِنْ آَتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ * فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوا وَهُمْ مُعْرِضُونَ * فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يُلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)(1) .
المشهور أن هذه الاية نزلت في أحد الصحابة على عهد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)، وهو ثعلبة بن حاطب الانصاري، الذي شكا لرسول الله الفقر وطلب أن يدعو له الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) بالغنى والثروة، ولمّا أعطاه الله سؤله رفض دفع الزكاة وقال: إنّها الجزية أو أخت الجزية، فأنزل الله فيه هذه الاية.
إنّ ثعلبة صحابي أنصاري عاش مسلماً مؤمناً بالله ورسوله لكنه يوصف بالنفاق كما قال تعالى; فأين عدالة الصحابة جميعاً ؟! وأين ما يدّعيه علماء
____________
1) سورة التوبة: 75 ـ 77.
أهل السنة وأئمتهم ؟! ثم يأتي من يقول: إذا انتقصت أحداً من الصحابة فأنت زنديق !! فها هو الله ينتقص بعضهم بل كثير منهم، افتونا بعلم إن كنتم صادقين.
ويقول تعالى في سورة الاحزاب: (وَإِذْ يَقُولُ المُنَافِقُونَ وَالَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ مَا وَعَدَنَا اللهُ وَرَسُولُهُ إِلاَّ غُرُوراً)(1) .
قد يقول كثير من علماء أهل السنة: إنّ هذه الاية خاصة بالمنافقين ولا دخل لها بالصحابة (وسنُبيّن أن المنافقين هم صحابة كذلك فيما بعد) ولكن من ينظر مليّاً إلى الاية فسيجدها تقصد فئتين، المنافقين ثم فئة أُخرى غير المنافقين وهم الذين في قلوبهم مرض.
يقول الله تعالى عزّوجلّ في سورة الاحزاب أيضاً: (يَا أَيُّهَا الَّذينَ ءامَنُوا لاَ تَدْخُلُوا بُيُوتَ النَّبِيِّ إِلاّ أَنْ يُؤْذَنَ لَكُمْ إِلَى طَعَام غَيْرَ نَاظِرينَ إِنَاهُ وَلَكِنْ إِذَا دُعِيتُمْ فَادْخُلُوا فَإِذَا طَعِمْتُمْ فَانْتَشِرُوا وَلاَ مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيث إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ يُؤْذِي النَّبِيَّ فَيَسْتَحْي مِنْكُمْ وَاللهُ لاَ يَسْتَحْي مِنَ الحَقِّ وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاء حِجَاب ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ وَمَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللهِ وَلاَ أَنْ تَنْكِحُوا أَزْوَاجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً إِنَّ ذَلِكُمْ كَانَ عِنْدَ اللهِ عَظِيماً)(2) .
وقد قال الامام الفخر الرازي في تفسيره: «القائل هو طلحة بن عبيدالله
____________
1) سورة الاحزاب: 12.
2) سورة الاحزاب: 53.
الذي قال: لئن عشتُ بعد محمّد لانكحنّ عائشة»(1) .
ويقول تعالى في آية أُخرى من سورة الاحزاب: (يَا نِسَاءَ النَّبِيّ مَنْ يَأْتِ مِنْكُنَّ بِفَاحِشَة مُبَيِّنَة يُضَاعَفْ لَهَا العَذَابُ ضِعْفَيْنِ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللهِ يَسِيراً)(2) .
نعم هذا هو منطق القرآن لا قرابة بين الله وبين أحد من خلقه ولا مجاملة من الله ولا من رسوله لاحد، لا لصحابي ولا لزوجة النبيّ، إنّ أكرم الخلق عند الله أتقاهم بما في ذلك الانبياء والمرسلين، بل إنّ صحبة الرسول مسؤولية خطيرة وكذلك الزوجيّة له (صلى الله عليه وآله وسلم)، فمن لم يراعها حقّ رعايتها كان عذابه مضاعفاً لمارأى من الحق ومن هدي الرسول الكريم، فهل بعد رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)من هاد وهل بعده من عظيم؟! ولولا رسول الله لاخذ عذاب الله كثيراً من الصحابة كما أخذ السامريّ ومن كان قبل الصحابة من أتباع وأصحاب الانبياء، ألا ترى إلى قوله تعالى: (وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ
____________
1) تفسير الفخر الرازي لهذه الاية 25: 180، تفسير الدرّ المنثور 6: 643، وأنظر تفسير الالوسي حيث يورد رواية عن ابن عباس لكنّه كعادة القوم لم يذكر طلحة بالاسم فيها وإنّما بلفظ «رجل»، ثمّ أورد إسمه في رواية ثانية حاول تضعيفها بدون أيّ دليل ! أنظر روح المعاني للالوسي البغدادي 11: 249 ـ 250.
2) سورة الاحزاب: 30.
وَمَا كَانَ اللهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ)(1) .
ويقول الله تعالى في سورة الاحزاب: (إِنَّ الَّذينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّنْيَا وَالاخِرَةَ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذاباً مُّهِيناً)(2) .
إنّ الله لا يتأذّى ولكن أذى الله من أذى الرسول، وعليه فكلّ من آذى الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)صحابيّاً أو غيره فقد آذى الله، وهذا نظير قوله تعالى: (مَنْ يُطِعِ الرَّسُولَ فَقَدْ أَطَاعَ اللهَ)(3) ، وما أكثر من آذى الرسول من الصحابة والصحابيّات، ومن أراد اليقين فليبحث فسيرى عجباً.
ويقول الله تعالى في سورة آل عمران: (وَإِذْ غَدَوْتَ مِنْ أَهْلِكَ تُبَوِّئُ الُمؤْمِنِينَ مَقَاعِدَ لِلْقِتَالِ وَاللهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ 121 ƒ إِذْ هَمَّتْ طَائِفَتَانِ مِنْكُمْ أَنْ تَفْشَلاَ وَاللهُ وَلِيَّهُمَا وَعَلَى اللهِ فَلْيَتَوَكَّلِ المُؤْمِنونَ)(4) .
ويقول الفخر الرازي في تفسيره: «أنها نزلت في حيّين من الانصار همّا
____________
1) سورة الانفال: 33.
2) سورة الاحزاب: 57.
3) سورة النساء: 80.
4) سورة آل عمران: 121 ـ 122.
بترك القتال في أُحد والعودة إلى المدينة أُسوة برأس النفاق عبدالله بن أُبي بن أبي سلول»(1) .
ويقول تعالى في سورة آل عمران حول معركة أُحد: (وَلَقَدْ صَدَقَكُمُ اللهُ وَعْدَهُ إِذْ تَحُسُّونَهُمْ بِإِذْنِهِ حَتّى إِذَا فَشِلْتُمْ وَتَنَازَعْتُمْ فِي الاَمْرِ وَعَصَيْتُمْ مِنْ بَعْدِ مَا أَرَاكُمْ مَا تُحِبُّونَ مِنْكُمْ مَنْ يُريدُ الدُّنْيَا وَمِنْكُمْ مَنْ يُريدُ الاخِرَةَ...)(2) .
ويقول كذلك: (إذْ تُصْعِدُونَ وَلا تَلْوُونَ عَلَى أَحَد وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ فِي أُخْرَاكُمْ فَأَثَابَكُمْ غَمّاً بِغَمٍّ لِكَيْلا تَحْزَنُوا عَلَى مَا فَاتَكُمْ وَلاَ مَا أَصَابَكُمْ وَاللهُ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)(3) .
ويقول أيضاً: (إِنَّ الَّذينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمَ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا وَلَقَدْ عَفَا اللهُ عَنْهُمْ إِنَّ اللهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)(4) .
____________
1) التفسير الكبير للفخر الرازي ـ تفسير سورة آل عمران: 121 ـ 122، تفسير الطبري 4: 48، الدرّ المنثور 2: 305.
2) سورة آل عمران: 152.
3) سورة آل عمران: 153.
4) سورة آل عمران: 155.
مرحى لهؤلاء الصحابة الذين يفرّون من ساحة المعركة ويتركون الرسول خلفهم والرسول يناديهم في ذلك الموقف الشديد.
وقد ذكر الفخر الرازي في تفسيره: «أنّ عمر بن الخطاب كان من المنهزمين، إلاّ أنّه لم يكن في أوائل المنهزمين!! ومن الذين فرّوا يوم أُحد عثمان بن عفان ورجلين من الانصار يقال لهما سعد وعقبة، انهزموا حتّى بلغوا موضعاً بعيداً ثم رجعوا بعد ثلاثة أيام فقال لهم النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم): لقد ذهبتم بها عريضة»(1) !
ثم لنأت إلى سورة الجمعة ولنقرأ هذه الاية: (وَإِذَا رَأَوْا تِجَارَةً أَوْ لَهْواً انْفَضُّوا إِلَيْهَا وَتَرَكُوكَ قَائِماً قُلْ مَا عِنْدَ اللهِ خَيْرٌ مِنَ اللَّهْوِ وَمِنَ التِّجَارَةِ وَاللهُ خَيْرُ الرَّازِقِينَ)(2) .
وقد نزلت هذه الاية في الصحابة الذين كانوا يصلون الجمعة مع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)، حتّى إذا دخل دحية الكلبي ـ وكان مشركاً ـ المدينة بتجارة من الشام فترك الصحابة المسجد وخرجوا إليه ولم يبق معه (صلى الله عليه وآله وسلم) إلاّ اثنا عشر رجلاً على رواية، حتّى قال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم)فيهم: «لو اتّبع آخرهم أوّلهم لالتهب
____________
1) تفسير الفخر الرازي في تفسير الاية 155 من سورة آل عمران، تفسير الطبري 4: 96، تفسير الدرّ المنثور 2: 355 ـ 356.
2) سورة الجمعة: 11.
الوادي عليهم ناراً»(1) .
ونأتي إلى سورة التحريم حيث ترى عجباً، إذ فضحت هذه السورة زوجتين من زوجات الرسول وهما عائشة وحفصة، حيث جاء في سبب نزولها أن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان يأتي زينب بنت جحش ويأكل عندها عسلاً، فاتفقت عائشة مع حفصة على أن تقولا للرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) إنّ فيك رائحة مغافير (الثوم)، وهكذا كان إلى أن قال الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم): «لقد حرّمتُ العسل على نفسي»، فنزلت سورة التحريم ومنها قوله تعالى: (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا وَإِنْ تَظَاهَرَا عَلَيْهِ فَإِنَّ اللهَ هُوَ مَوْلاَهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ وَالمَلاَئِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ)(2) .
وصالح المؤمنين كما رواه البعض هو علي بن أبي طالب (عليه السلام)(3) .
ومعنى صغت كما قال الفخر الرازي في تفسيره: مالت عن
____________
1) انظر تفسير الفخر الرازي سورة الجمعة، تفسير الدر المنثور 8: 165، تفسير الطبري 28: 67 ـ 68.
2) سورة التحريم: 4.
وأنظر قصة المغافير هذه في صحيح البخاري 6: 194.
3) أنظر تفسير روح المعاني للالوسي البغدادي 14: 348. في تفسيره لسورة التحريم.
الحقّ.
وتواصل السورة: (عَسَى رَبُّهُ إِنْ طَلَّقَكُنَّ أَنْ يُبْدِلَهُ أَزْوَاجاً خَيْراً مِنْكُنَّ مُسْلِمَات مُؤْمِنَات قَانِتَات تَائِبَات عَابِدَات سَائِحَات ثَيِّبَات وَأَبْكَاراً)(1) .
فالله يقول لعائشة وحفصة لا تظنّا أنكما أفضل النّساء لانكما زوجتا الرسول، بل يستطيع الله أن يبدله نساءاً خيراً منكنّ.
ثم يقارن الله تعالى عائشة وحفصة بامرأة نوح وامرأة لوط ليحذّرهنّ أنّ كونهما زوجتين لمحمّد (صلى الله عليه وآله وسلم) لا يدرأ عنهما عذاب النار ولا يجعلهنّ بالضرورة من أهل الجنة، يقول تعالى: (ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً لِلَّذِينَ كَفَرُوا امْرَأَةَ نُوح وَامْرَأَةَ لُوط كَانَتَا تَحْتَ عَبْدَيْنِ مِنْ عِبَادِنَا صَالِحَيْنِ فَخَانَتَاهُمَا فَلَمْ يُغْنِيَا عَنْهُمَا مِنَ اللهِ شَيْئاً وَقِيلَ ادْخُلاَ النَّارَ مَعَ الدَّاخِلِينَ)(2) .
ثم يأتي علماء أهل السنة بعد كلّ هذه الادلة ليقولوا: إنّ عائشة أحبّ النّاس لرسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والويل لمن يقول غير ذلك!(3) .
ثم تعال معي إلى سورة النور، حيث يقول العزيز الحكيم: (إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بالاِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لاَ تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ لِكُلِّ
____________
1) سورة التحريم: 5.
2) سورة التحريم: 10.
3) أنظر مثلاً صحيح الترمذي 5: 707 حديث رقم 3890.
امْرِئ مَا اكْتَسَبَ مِنَ الاِثْمِ وَالَّذي تَوَلّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ)(1) .
فتأمّل قوله تعالى: (عُصْبَةٌ مِنْكُمْ) ، ألا يعني ذلك أنهم داخلون في دائرة الصحابة، وقد ورد في التفاسير أنّ الذين جاؤوا بالافك (اتهام عائشة) هم زيادة على رأس النفاق عبدالله بن أبي سلول، حسان بن ثابت شاعر الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) والاسلام، وزيد بن رفاعة ومسطح بن أُثاثة وحمنة بنت جحش(2) .
وقد يدّعي الكثير من البسطاء أنّ هذه فضيلة لعائشة حيث برّأها الله وأنزل فيها قرآناً من فوق سماواته، لكن من يتأمّل الحالة جيّداً يجد أنّ الاية نزلت لتبرأة ساحة النبي الاعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) وتنزيهه، ولو كانت عائشة زوجة لغير رسول الله ما كان ينزل فيها حرف واحد، لانّ الله تعالى بيّن أحكامه وأحكام السرقة والخمر وغيرها في كتابه، لكن نظراً لحساسية موقع رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ومنزلته العظمية برأ الله ساحته ونزّهها.
ويقول الله تعالى في سورة الانفال: (مَا كَانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَكُونَ لَهُ أَسْرى حَتّى يُثْخِنَ فِي الارْضِ تُرِيدُونَ عَرَضَ الدُّنْيَا وَاللهُ يُرِيدُ الاخِرَةَ وَاللهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ لَوْلاَ كِتَابٌ مِنَ اللهِ سَبَقَ لَمَسَّكُمْ فِيمَا أَخَذْتُمْ عَذابٌ
____________
1) سورة النور: 11.
2) راجع تفسير الفخر الرازي في تفسير سورة النور، تفسير الدرّ المنثور 6: 148، تفسير الطبري 18: 68.
عَظيمٌ)(1) .
في هذه الايات خطاب شديد للصحابة الذين حاربوا في بدر لانهم أخذوا أسرى، وليس هذا من شأن الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كما ليس من شأن الانبياء السابقين، لكن الله سمح لهم بعد ذلك بأخذ الفداء، والعجيب أنّ كثيراً من المفسّرين أدخلوا الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) في هذا التهديد مع أنّ ظاهر الاية واضح في مخاطبة الصحابة، ثم أنّ رسول الله ما كان ليقوم بفعل أو قول دون إذن الله فلماذا يدخل في دائرة التهديد؟! نعم هذا ما فعلته أيدي بني أُمية الحاقدة على النبيّ (صلى الله عليه وآله وسلم) وأهل بيته فينطبق عليهم قول الله تعالى: (يُحَرِّفُونَ الكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ)(2) .
وتقرأ في سورة الانعام هذه الاية: (وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرى عَلَى اللهِ كَذِباً أَوْ قَالَ أُوحِيَ إِلَيَّ وَلَمْ يُوحَ إِلَيْهِ شَيْءٌ وَمَنْ قَالَ سَأُنزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللهُ...)(3) .
____________
1) سورة الانفال: 67 ـ 68.
2) سورة المائدة: 41.
3) سورة الانعام: 93.
أُنظر تفسير الفخر الرازي في تفسيره للسورة 13: 93، تفسير الطبري 7: 181، تفسير الدرّ المنثور 3: 317.
وفي قول نزلت هذه الاية في عبدالله بن سعد بن أبي سرح أخو عثمان بن عفان والذي أهدر النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) دمه لانّه قال إنني أستطيع أن أقول مثل ما أنزل الله، والعجيب أنّ هذا الافّاك الاثيم يصبح في زمن عثمان أحد وزراء الدولة وقادة الجيش؟!
هذا غيض من فيض، ولولا أنّ المجال لا يتّسع لاكثر من هذا لاتينا على كلّ الايات النازلة في شأن الصحابة والتي كانت تفضح بعضاً منهم أو تُقرّع البعض الاخر أو تهدّدهم وتتوعّدهم.
وهكذا ترى أنّ القرآن يضع الصحابة في محلّهم الطبيعي.
والعجب أنّ علماء أهل السنّة كما أشرنا إلى ذلك سابقاً يزعمون أنّ الله والقرآن عدّلا الصحابة جميعاً، وعليه إنّ أىّ قدح في أىّ واحد منهم هو خروج عن الاسلام وزندقة، فها هو القرآن يكذّب آراءهم النابعة من الهوى ويقول غير ما قالوا، ولا كلام بعد كلام الله وإن كره الكارهون.
ثمّ دعنا من الصحابة ولنأت إلى أشرف ولد آدم وأفضل رسل الله ورأس أُولي العزم (عليهم السلام) حيث إنّه (صلى الله عليه وآله وسلم) لم يكتسب تلك المنزلة العظيمة بالاماني بل بأعماله، وها هو القرآن يشير إلى هذه الحقيقة قائلاً: (وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الخاسِرِينَ)(1) .
وحاشا رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) أن يشرك، لكن هذا هو مقياس الله، لا مجاملة
____________
15) سورة الزمر: 6.
ولا محاباة مع أىّ أحد في أحكامه وشرائعه.
ثم انظر إلى قوله تعالى في سورة الحاقة: (وَلَوْ تَقَوَّلَ عَلَيْنَا بَعْضَ الاَقَاوِيلَ لاََخَذْنَا مِنْهُ بِاليَمِينِ ثُمَّ لَقَطَعْنَا مِنْهُ الوَتِينَ)(1) .
فليس معنى كون الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) نبيّاً يحجزه عن العقاب إذا خرج عن حدود الله، فما بالك بعد هذا بالصحابة؟!
إنّ الصحابة هم أوّل المكلّفين في الاسلام وأوّل المسؤولين.
فهم إذن تحت الشرع وليسوا فوقه، وليس عندهم جواز عبور إلى الجنّة، هيهات ليس الامر بالاماني.
إنّ الصحابة في موضع خطير حيث أنّ الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) كان بين أظهرهم ولا حجّة لمن تعدّى حدود الله منهم غداً يوم القيامة، فقد شاهدوا نور النبوّة وآيات الله نزلت بينهم وقد تمت عليهم الحجّة والويل لمن لم يُنجِه كلّ ذلك.
____________
1) سورة الحاقة: 44 ـ 46.