المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عيد الغدير عند الائمة المعصومين ع


سلام امين تامول
29-12-2007, 08:36 PM
[عيد الغدير عند العترة الطاهرة]
إنّ هذه التهنئة المشفوعة بأمر من مصدر النبوة، والمصافقة بالبيعة المذكورة مع ابتهاج النبي بها بقوله: «الحمد لله الذي فضّلنا على جميع العالمين»، على ما عرفته من نزول الاية الكريمة في هذا اليوم المشهود، الناصّة بإكمال الدين، وإتمام النعمة، ورضى الربِّ فيما وقع فيه.
وقد عرف ذلك طارق بن شهاب الكتابي الذي حضر مجلس عمر بن الخطاب، فقال: لو نزلت فينا هذه الاية(1) لاتخذنا يوم نزولها عيداً(2) ، ولم ينكرها عليه أحدٌ من الحضور، وصدر من عمر ما يشبه التقرير لكلامه، وذلك بعد نزول آية التبليغ، وفيها ما يشبه التهديد إن تأخّر عن تبليغ ذلك النصّ الجلي، حذار بوادر الدهماء من الاُمة.
كلُّ هذه لا محالة قد أكسب هذا اليوم منعةً وبذخاً ورفعةً وشموخاً، سرّ موقعها صاحب الرسالة الخاتمة وأئمة الهدى ومن اقتصّ أثرهم من المؤمنين، وهذا هو الذي نعنيه من التعيّد به.
وقد نوّه به رسول الله فيما رواه فرات بن إبراهيم الكوفي في القرن الثالث، عن محمد بن ظهير، عن عبد الله بن الفضل الهاشمي، عن
____________
(1) يعني قوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم...) الاية، راجع: 230-238 «المؤلّف (قدس سره)».
وذكر في كتابه الغدير 1: 230 إلى 238 الاحاديث الواردة في شأن نزول هذه الاية، وأنها نزلت في شان يوم الغدير.
راجع من المصادر التي نقل عنها الاحاديث: كتاب الولاية للطبري، تفسير ابن كثير 2: 14، الدرّ المنثور 2: 259، الاتقان 1: 31، تاريخ الخطيب 8: 290، كتاب الولاية للسجستاني، المناقب للخوارزمي: 80، التذكرة لابن الجوزي: 18، فرائد السمطين: الباب الثاني عشر... وغيرها كثير.
(2) أخرجه الائمة الخمسة: مسلم ومالك والبخاري والترمذي والنسائي، كما في تيسير الوصول 1: 122، ورواه الطحاوي في مشكل الاثار 3: 196، والطبري في تفسيره 6: 46، وابن كثير في تفسيره 2: 13 عن أحمد والبخاري، ورواه جمع آخر «المؤلّف (قدس سره)».
الامام الصادق، عن أبيه، عن آبائه قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): «يوم غدير خمّ أفضل أعياد أمّتي، وهو اليوم الذي أمرني الله تعالى ذكره بنصب أخي علي بن أبي طالب علماً لامّتي يهتدون به من بعدي، وهو اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأتمّ على أمّتي فيه النعمة، ورضي لهم الاسلام ديناً»(1) .
كما يُعرب عنه قوله (صلى الله عليه وآله) في حديث أخرجه الحافظ الخركوشي كما مرّ ص 274: «هنِّئوني هنِّئوني»(2) .
واقتفى اثر النبيّ الاعظم أمير المؤمنين عليّ بن أبي طالب (عليه السلام)نفسه، فاتّخذه عيداً، وخطب فيه سنة اتفق فيها الجمعة والغدير، ومن خطبته قوله:
إنّ الله عزّوجلّ جمع لكم معشر المؤمنين في هذا اليوم عيدين عظيمين كبيرين، ولايقوم أحدهما إلاّ بصاحبه، ليكمل عندكم جميل صنعه، ويقفكم على طريق رشده، ويقفو بكم آثار المستضيئين بنور هدايته، ويسلككم منهاج قصده، ويوفّر عليكم هنيء رفده، فجعل الجمعة مجمعاً ندب إليه لتطهير ما كان قبله، وغسل ما اوقعته مكاسب السوء من مثله إلى مثله، وذكرى
____________
(1) رواه الشيخ الصدوق في الامالي: 109 ح 8 عن الحسن بن محمد بن سعيد الهاشمي قال: حدّثنا فرات بن إبراهيم بن فرات الكوفي، قال: حدّثنا محمد ابن ظهير....
(2) راجع: رقم (11) من أرقام حديث التهنئة.
للمؤمنين، وتبيان خشية المتّقين، ووهب من ثواب الاعمال فيه أضعاف ما وهب لاهل طاعته في الايّام قبله، وجعله لايتمّ إلاّ بالائتمار لما أمر به، والانتهاء عمّا نهى عنه، والبخوع بطاعته فيما حثّ عليه وندب إليه، فلا يُقبل توحيده إلاّ بالاعتراف لنبيّه (صلى الله عليه وآله)بنبّوته، ولا يقبل ديناً إلاّ بولاية من أمر بولايته، ولا تنتظم أسباب طاعته إلاّ بالتمسك بعصمه وعصم أهل ولايته، فأنزل على نبيّه (صلى الله عليه وآله)في يوم الدوح ما بيّن به عن إرادته في خلصائه وذوي اجتبائه، وأمره بالبلاغ وترك الحفل بأهل الزيغ والنفاق، وضمن له عصمته منهم.
إلى أن قال:
عودوا رحمكم الله بعد انقضاء مجمعكم بالتوسعة على عيالكم، وبالبرّ بإخوانكم، والشكر لله عزّوجلّ على ما منحكم، وأجمعوا يجمع الله شملكم، وتبارّوا يصل الله ألفتكم، وتهادوا نعمة الله كما منّكم بالثواب فيه على أضعاف الاعياد قبله أو بعده إلاّ في مثله، والبرّ فيه يثمر المال ويزيد في العمر، والتعاطف فيه يقتضي رحمة الله وعطفه، وهيّئوا لاخوانكم وعيالكم عن فضله بالجهد من وجودكم، وبما تناله القدرة من استطاعتكم، وأظهروا البِشر فيما بينكم والسرور في ملاقاتكم... الخطبة(1) .
____________
(1) ذكرها شيخ الطائفة باسناده في مصباح المتهجد: 524 «المؤلّف (قدس سره)».
راجع: مصباح المتهجد: 698.
وعرفه أئمّة العترة الطاهرة صلوات الله عليهم فسمّوه عيداً، وأمروا بذلك عامّه المسلمين، ونشروا فضل اليوم ومثوبة مَن عمل البرّ فيه:
ففي تفسير فرات بن إبراهيم الكوفي في سورة المائدة، عن جعفر بن محمّد الازدي، عن محمّد بن الحسين الصائغ، عن الحسن بن علي الصيرفي، عن محمّدالبزّاز، عن فرات بن أحنف، عن أبي عبدالله (عليه السلام).
قال: قلت: جعلت فداك للمسلمين عيد أفضل من الفطر والاضحى ويوم الجمعة ويوم عرفة؟
قال: فقال لي: نعم أفضلها وأعظمها وأشرفها عند الله منزلة هو(1) اليوم الذي أكمل الله فيه الدين وأنزل على نبيّه محمّد: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الاسلام دينا) .
قال قلت: وأيّ يوم هو؟
قال: فقال لي: إنّ أنبياء بني إسرائيل كانوا إذا أراد أحدهم أن يعقد الوصيّة والامامة من بعده(2) ففعل ذلك جعلوا ذلك اليوم عيداً، وإنّه اليوم الذي نصب فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) عليّاً للناس علماً،
____________
(1) في المصدر: وهو.
(2) في المصدر: للوصي من بعده.
وأنزل فيه ما أنزل، وكمل فيه الدين، وتمّت فيه النعمة على المؤمنين.
قال: قلت: وأيّ يوم هو في السنة؟
قال: فقال لي: إنّ الايّام تتقدَّم وتتأخّر، وربما كان يوم السبت والاحد والاثنين إلى آخر الايام السبعة(1) .
قال: قلت: فما ينبغي لنا أن نعمل في ذلك اليوم؟
قال: هو يوم عبادة وصلاة وشكر لله وحمد له وسرور لما منّ الله به عليكم من ولايتنا، فإنّي أُحبّ لكم أن تصوموه(2) .
وفي الكافي لثقة الاسلام الكليني 1: 303 عن علي بن إبراهيم، عن أبيه، عن القاسم بن يحيى، عن جدّه الحسن بن راشد، عن أبي عبد الله (عليه السلام).
قال: قلت: جعلت فداك للمسلمين عيد غير العيدين؟
قال: نعم ياحسن، أعظمهما وأشرفهما.
قلت: وأيّ يوم هو؟
قال: يوم(3) نصب أمير المؤمنين (عليه السلام) علماً للناس.
____________
(1) الظاهر أن في لفظ الحديث سقطاً، ولعلّه ما سيأتي في لفظ الكليني عن الامام نفسه من تعيينه باليوم الثامن عشر من ذي الحجة «المؤلّف (قدس سره)».
(2) تفسير فرات: 117 ح 123، ط وزارة الثقافة.
(3) في المصدر: هو يوم.
قلت: جعلت فداك، وما ينبغي لنا أن نصنع فيه؟
قال: تصوم(1) يا حسن، وتكثر الصلاة على محمد وآله، وتبرأ إلى الله ممّن ظلمهم، فإنّ الانبياء صلوات الله عليهم كانت تأمر الاوصياء اليوم(2) الذي كان يُقام فيه الوصيُّ أن يتّخذ عيداً.
قال: قلت: فما لمن صامه؟
قال صيام ستّين شهراً(3) (4).
وفي الكافي أيضاً 1: 204 عن سهل بن زياد، عن عبد الرحمن ابن سالم، عن أبيه قال: سألت أبا عبد الله (عليه السلام) هل للمسلمين عيدٌ غير يوم الجمعة والاضحى والفطر؟
قال: نعم أعظمها حرمةً.
قلت: وأيّ عيد هو جعلت فداك؟
قال: اليوم الذي نصب فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمير المؤمنين وقال:
____________
(1) في المصدر: تصومه.
(2) في المصدر: باليوم.
(3) الكافي 4: 148 ح 1 باب صيام الترغيب، ط دار الكتب الاسلامية.
(4) ستوافيك هذه المثوبة من رواية الحفّاظ باسناد رجاله كلّهم ثقات «المؤلّف (قدس سره)».
ذكر في كتابه الغدير 1: 401 إلى 411 بحثاً حول صوم يوم الغدير، ألحقناه في آخر هذه الرسالة، فراجع.
«مَن كنت مولاه فعليٌّ مولاه».
قلت: وأيّ يوم هو؟
قال: وما تصنع باليوم، إنّ السنة تدور، ولكنه يوم ثمانية عشر من ذي الحجّة.
فقلت: ما ينبغي لنا أن نفعل في ذلك اليوم؟
قال: تذكرون الله عزّ ذكره فيه بالصيام والعبادة والذكر لمحمّد وآل محمّد، فإنَّ رسول الله (صلى الله عليه وآله)أوصى أمير المؤمنين (عليه السلام) أن يتّخذوا(1) ذلك اليوم عيداً، وكذلك كانت الانبياء تفعل، كانوا يوصون أوصياءهم بذلك فيتّخذونه عيداً(2) .
وباسناده عن الحسين بن الحسن الحسيني، عن محمد بن موسى الهمداني، عن علي بن حسان الواسطي، عن علي بن الحسين العبدي قال:
سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) يقول: صيام يوم غدير خم يعدل عند الله في كلّ عام مائة حجة ومائة عمرة مبرورات متقبّلات، وهو عيد الله الاكبر... الحديث(3) .
____________
(1) في المصدر: يتخذ.
(2) الكافي 4: 149 ح 3 باب صيام الترغيب.
(3) رواه الشيخ الطوسي في التهذيب 3: 143 ح317 باب صلاة الغدير، وطريق الشيخ الطوسي إلى الحسين بن الحسن فيه محمد بن يعقوب الكليني.
وفي الخصال لشيخنا الصدوق، باسناده عن المفضل بن عمر قال:
قلت لابي عبد الله (عليه السلام): كم للمسلمين من عيد؟
فقال: أربعة أعياد.
قال: قلت: قد عرفت العيدين والجمعة.
فقال لي: أعظمها وأشرفها يوم الثامن عشر من ذي الحجّة، وهو اليوم الذي أقام فيه رسول الله (صلى الله عليه وآله) أمير المؤمنين (عليه السلام) ونصبه للناس علماً.
قال: قلت: ما يجب علينا في ذلك اليوم؟
قال: يجب(1) عليكم صيامه شكراً لله وحمداً له، مع أنّه أهل أن يشكر كلّ ساعة، كذلك أمرت الانبياء أوصياءها أن يصوموا اليوم الذي يُقام فيه الوصيّ ويتّخذونه عيداً... الحديث(2) .
وفي المصباح لشيخ الطائفة الطوسي: 513 عن داود الرقّي، عن أبي هارون عمّار بن حريز العبدي قال:
دخلت على أبي عبد الله (عليه السلام) في اليوم الثامن عشر من ذي
____________
(1) المراد بالوجوب: هو الثبوت في السنّة الشامل للندب أيضاً، كما يكشف عن التعبير بـ (ينبغي) في بقية الاحاديث، وله في أحاديث الفقه نظائر جمّة «المؤلّف (قدس سره)».
(2) الخصال: 264 ح 145.
الحجّة فوجدته صائماً، فقال لي: هذا يومٌ عظيم، عظّم الله حرمته على المؤمنين، وأكمل لهم فيه الدين، وتمّم عليهم النعمة، وجدّد لهم ما أخذ عليهم من العهد والميثاق.
فقيل له: ما ثواب صوم هذا اليوم؟
قال: إنّه يوم عيد وفرح وسرور، ويوم صوم شكراً للهِ، وإنَّ صومه يعدل ستّين شهراً من أشهر الحرم... الحديث(1) .
وروى عبد الله بن جعفر الحميري، عن هارون بن مسلم، عن أبي الحسن الليثي، عن أبي عبد الله (عليه السلام):
أنّه قال لمن حضره من مواليه وشيعته: أتعرفون يوماً شيّد الله به الاسلام، وأظهر به منار الدين، وجعله عيداً لنا ولموالينا وشيعتنا؟
فقالوا: الله ورسوله وابن رسوله أعلم، أيوم الفطر هو يا سيّدنا؟
قال: لا.
قالوا: أفيوم الاضحى هو؟
قال: لا، وهذان يومان جليلان شريفان، ويوم منار الدين
____________
(1) المصباح: 680.
أشرف منهما، وهو اليوم الثامن عشر من ذي الحجّة، وأنّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) لَمّا انصرف من حجّة الوداع وصار بغدير خمّ... الحديث(1) .
وفي حديث الحميري بعد ذكر صلاة الشكر يوم الغدير وتقول في سجودك: اللهمّ إنّا نُفرِّج وجوهنا في يوم عيدنا الذي شرَّفتنا فيه بولاية مولانا أمير المؤمنين علي بن أبي طالب صلى الله عليه(2) .
وقال الفيّاض بن محمّد بن عمر الطوسي سنة تسع وخمسين ومائتين وقد بلغ التسعين: إنه شهد أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليه السلام) في يوم الغدير وبحضرته جماعة من خاصّته قد احتبسهم للافطار، وقد قدّم إلى منازلهم الطعام والبرّ والصِّلات والكسوة حتّى الخواتيم والنعال، وقد غيّر من أحوالهم وأحوال حاشيته وجدّدت لهم آلة غير الالة التي جرى الرسم بابتذالها قبل يومه، وهو يذكر فضل اليوم وقِدمه(3) .
وفي مختصر بصائر الدرجات، بالاسناد عن محمّد بن العلاء الهمداني الواسطي ويحيى بن جريح البغدادي، قالا في حديث: قصدنا جميعاً أحمد بن إسحاق القمي صاحب الامام أبي محمّد
____________
(1) الاقبال لابن طاووس: 474، الطبعة الحجرية.
(2) المصدر السابق.
(3) الاقبال لابن طاووس: 461، الطبعة الحجرية.
العسكري المتوفّى 260 بمدينة قم، وقرعنا عليه الباب، فخرجت إلينا من داره صبيّة عراقيّة، فسألناها عنه، فقالت: هو مشغولٌ بعيده فإنّه يوم عيد، فقلنا: سبحان الله أعياد الشيعة أربعة: الاضحى والفطر والغدير والجمعة... الحديث(1) .

____________
(1) لم نجده في مختصر بصائر الدرجات، وهو بنصّه موجود في كتاب المحتضر للحسن بن سليمان: 45.
ورواه العلامة المجلسي في البحار 95: 351 عن كتاب زوائد الفوائد للسيد ابن طاووس بنفس السند والمتن.

علي الدر والذهب المصفى وباقي الناس كلهم تراب


خادم الزهراء سلام