المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإمام علي بن موسى الرضا (عليه السلام)


البحرانية
05-01-2008, 03:49 AM
• جده: الإمام جعفر الصادق (عليه السلام).
• أبوه: الإمام موسى الكاظم (عليه السلام).


• أمه: تكتم، أو الطاهرة، وتكنى بـ (أم البنين).


• ولادته: ولد في المدينة المنورة يوم الخميس 11 ذي القعدة سنة 148.


• كنيته: أبو الحسن.


• ألقابه: الرضا، الصابر، الوفي، الصادق، الفاضل.


• نقش خاتمه: ما شاء الله لا قوة إلا بالله.


• زوجاته: سبيكة ـ من أهل بيت مارية زوجة رسول الله (صلّى الله عليه وآله وسلّم)، وأم ولده إبراهيم ـ أم حبيبة بنت المأمون العباسي.


• ولده: الإمام محمد الجواد (عليه السلام).


• شعراؤه: دعبل الخزاعي، أبو نؤاس، إبراهيم بن العباس الصولي.


• مؤلفاته: 7.


• بوابه: محمد بن الفرات.


• ولاية العهد: بويع له بولاية العهد في 5 شهر رمضان سنة 201.


• السكة الرضوية: بعد البيعة للإمام عليه السلام بولاية العهد ضربت بإسمه الدراهم والدنانير.


• ملوك عصره: هارون الرشيد، الأمين، المأمون.


• وفاته: توفي يوم الثلاثاء 17 صفر سنة 203 متأثراً بسم المأمون.


• مدة إمامته: 20 سنة.


• عمره: 55 سنة.


• قبره: في خراسان ينافس السماء علواً وازدهاراً، على أعتابه يتكدس الذهب، ويزدحم المسلمون من شرق الأرض وغربها لزيارته، والصلاة عنده، والتطواف حول ضريحه الأقدس.



النصوص الدالة على إمامة علي بن موسى الرضا (عليه السلام)



• قال الشيخ المفيد: (كان الإمام القائم بعد أبي الحسن موسى بن جعفر (عليهما السلام) ابنه أبا الحسن علي بن موسى الرضا (عليهما السلام) لفضله على جماعة إخوته وأهل بيته وظهور علمه وحلمه وورعه واجتماع الخاصة والعامة على ذلك فيه، ومعرفتهم به منه ولنص أبيه (عليه السلام) على إمامته من بعده وإشارته إليه بذلك دون جماعة أخوته وأهل بيته.. فممن روى النص على الرضا علي بن موسى (عليهما السلام) بالإمامة من أبيه، والإشارة إليه منه بذلك من خاصته وثقاته وأهل الورع والعلم والفقه من شيعته (عليه السلام):

داود بن كثير الرّقي، ومحمّد بن إسحاق بن عمّار، وعلي بن يقطين، ونعيم القابوسي، والحسين بن المختار، وزياد بن مروان، والمخزومي، وداود بن سليمان، ونضر بن قابوس، وداود بن زربي، ويزيد بن سليط ومحمد بن سنان)(1) (http://www.14masom.com/14masom/10/asha-mn/1/1.htm#1).


•• ولنذكر بعض النصوص كنموذج ممّا ورد في إمامة علي بن موسى الرضا (عليهما السلام):



• روى الكليني بإسناده عن الحسين بن نعيم الصحّاف قال: (كنت أنا وهشامُ بنُ الحكم وعليُّ بنُ يقطين ببغداد، فقال عليُّ بن يقطين: كنت عند العبد الصالح جالساً فدخل عليه ابنُهُ عليّ فقال لي: يا عليّ بن يقطين هذا عليٌّ سيد ولدي أما إني قد نحلتُهُ كُنيتي، فضرب هشامُ بن الحكم براحته جَبهَتَهُ ثم قال: ويحك كيف قلت؟ فقال عليّ بن يقطين: سمعتُ والله منه كما قلت فقال هشام: أخبَرَكَ أن الأمر فيه من بعده)(2) (http://www.14masom.com/14masom/10/asha-mn/1/1.htm#2).


الهوامش


1 - الإرشاد : ص 284.


2 - الكافي :

البحرانية
05-01-2008, 03:52 AM
علي بن موسى الرضا بضعة رسول الله (صلّى الله عليه وآله)

• روى الحمويني بإسناده عن جعفر بن محمد الصادق، عن أبيه محمّد بن علي عن أبيه علي بن الحسين عن أبيه عن علي (عليهم السلام) قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): (ستدفن بضعة منّى بخراسان، لا يزورها مؤمن إلاّ أوجب الله له الجنة وحرم جسده على النار)(1) (http://www.14masom.com/14masom/10/asha-mn/2/1.htm#1).

• وروى بإسناده عن جابر بن يزيد الجعفي قال: (سمعت وارث علم الأنبياء أبا جعفر محمد بن عليّ بن الحسين بن علي بن أبي طالب يقول: حدثني سيّد العابدين عليّ بن الحسين، عن سيّد الشهداء الحسين بن علي، عن سيد الأوصياء علي بن أبي طالب (عليه السلام). قال: قال رسول الله (صلى الله عليه وآله): ستدفن بضعة مني بأرض خراسان، ما زارها مكروب إلاّ نفس الله كربته، ولا مذنب إلاّ غفر الله ذنوبه)(2) (http://www.14masom.com/14masom/10/asha-mn/2/1.htm#2).

• وروى بإسناده عن علي بن الحسين بن علي بن فضّال قال: حدثنا أبي، قال: (سمعت عليّ بن موسى الرضا وجاءه رجل فقال له: يا ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ـ رأيت رسول الله في المنام كأنّه يقول لي: كيف أنتم إذا دفن في أرضكم بعضي واستحفظتم وديعتي وغيّب في ثراكم نجمي؟ فقال الرضا (عليه السلام): أنا المدفون في أرضكم وأنا بضعة من نبيكم، وأنا الوديعة والنجم، من زارني وهو يعرف ما أوجب الله من حقّي وطاعتي فأنا وآبائي شفعاؤه يوم القيامة، ومن كنّا شفعاؤه نجا ولو كان عليه مثل وزر الثقلين الجنّ والإنس، ولقد حدّثني أبي عن أبيه، عن آبائه أن رسول الله (صلى الله عليه وآله) قال: من رآني في منامه فقد رآني فإنّ الشيطان لا يتمثل في صورتي ولا في صورة واحد من أوصيائي، وان الرؤيا الصادقة جزء من سبعين جزءاً من النبوّة)(3) (http://www.14masom.com/14masom/10/asha-mn/2/1.htm#3).
كرامات عليّ بن موسى الرضا (عليهما السلام)

• قال محمد بن طلحة الشافعي: (ممّا خصّه الله تعالى به ويشهد له بعلوّ قدره وسموّ شأنه هو أنّه لمّا جعله الخليفة المأمُون ولي عهده وأقامه خليفة من بعده كان في حاشية المأمون أناس كرهُوا ذلك وخافوا خروج الخلافة عن بني العباس وعودها إلى بني فاطمة عليهم السلام فحصل عندهم من الرضا (عليه السلام) نفور وكان عادة الرضا (عليه السلام) إذا جاء ليدخل إلى دار الخليفة المأمون ليدخل عليه يبادر من الدهليز من الحاشية إلى السلام عليه، ورفع الستر بين يديه ليدخل فلمّا حصلت لهم النفرة عنه تواصوا فيما بينهم وقالوا إذا جاء ليدخل على الخليفة اعرضوا عنه ولا يرفعون الستر له فاتّفقوا على ذلك فبينما هم قعود إذ جاء الرضا (عليه السلام) على عادته فلم يملكوا أنفسهم إذ سلّموا عليه ورفعوا الستر على ما اتّفقوا عليه وقالوا النوبة الآتية إذا جاء لا نرفعه له فلمّا كان في ذلك اليوم جاء فقاموا وسلّموا عليه ووقفوا ولم يبتدر إلى رفع الستر فأرسل الله تعالى ريحاً شديدة دخلت في السّتر رفعته أكثر ما كانوا يرفعونه فدخل فسكنت الريح فعاد الستر إلى ما كان عليه فلمّا خرج عادت الريح دخلت في الستر ورفعته حتى خرج ثم سكنت فعاد الستر فلمّا ذهب أقبل بعضهم على بعض وقالوا هل رأيتم قالوا نعم فقال بعضهم لبعض يا قوم هذا رجلّ له عند الله منزلة ولله به عناية ألم تروا أنّكم لمّا لم ترفعوا له الستر أرسل الله الريح وسخّرها له لرفع الستر كما سخّرها لسليمان فارجعوا إلى خدمته فهو خيرٌ لكم فعادوا إلى ما كانوا عليه وزادت عقيدتهم فيه)(4) (http://www.14masom.com/14masom/10/asha-mn/2/1.htm#4).
الهوامش
1 - فرائد السمطين : ج 2 ص 188 رقم 465.
2 - المصدر : ص 190 رقم 476، ورواه القندوزي في ينابيع الموّدة : ص 265 مع فرق.
3 - المصدر : ص 191 رقم 468.
4 - مطالب السؤول : ص 231 مخطوط، ورواه ابن الصباغ المالكي في الفصول المهمة : ص ؟؟.
ج 1 ص 248 رقم 1 (الطبعة المشكولة).

البحرانية
05-01-2008, 03:53 AM
مكارم أخلاقه

تواضعه


دخل يوماً حماماً فبينا هو في مكان من الحمام إذ دخل عليه جندي فأزاله عن موضعه وقال: صبّ على رأسي يا أسود، فصبّ على رأسه، فدخل من يعرفه فصاح: يا جندي هلكت أتستخدم ابن بنت رسول الله صلى الله عليه (وآله) وسلم فأقبل الجندي يقبّل رجليه ويقول: هلا عصيتني إذ أمرتك فقال: إنها لمثوبة وما أردت أن أعصيك)(1) (http://www.14masom.com/14masom/10/asha-mn/3/1.htm#1).

(ودخل الحمام فقال له بعض الناس: دلّكني يا رجل، فجعل يدلّكه فعرفوه فجعل الرجل يعتذر منه وهو يطيب قلبه ويدلّكه)(2) (http://www.14masom.com/14masom/10/asha-mn/3/1.htm#2).

أدبه


• قال إبراهيم بن العباس: (ما رأيت ولا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضا (عليه السلام) ما جفا أحداً ولا قطع على أحد كلامه، ولا رد أحداً عن حاجة وما مد رجليه بين يدي جليس، ولا اتكأ قبله ولا شتم مواليه مواليه ومماليكه ولا قهقه في ضحكه وكان يجلس على مائدة مماليكه ومواليه، قليل النوم بالليل يحيى أكثر لياليه من أوّلها إلى آخرها، كثير الصوم كثير المعروف والصدقة في السر وأكثر في ذلك الليالي المظلمة)(3) (http://www.14masom.com/14masom/10/asha-mn/3/1.htm#3).


الهوامش


1 - نور الأبصار للشبلنجي : ص 178.


2 - المناقب لابن شهر آشوب: ج4 ص362.


3 - المصدر : ص 360.



عصره



عاش الإمام الرضا (عليه السلام) عصرين مختلفين وكان عهد هارون الرشيد من أقسى العهود على آل البيت، حيث قرأنا عما في سيرة الإمام الكاظم (عليه السلام) كيف ضيّق العباسيون على شيعة أهل البيت، وكيف آذوا الإمام وهجّروه عن دار أمنه عند قبر جده إلى البصرة، ثم إلى بغداد حيث وضعوه إما تحت الإقامة الجبرية، وإما في قعر السجون المظلمة حتى دسوا إليه السم، فمات شهيداً مظلوماً.


وخلال السنين الأربع الأولى من عهد إمامته تجرّع كوالده غصص الألم. وهناك قصتان تعكسان طبيعة هذه الغصص:



1 - يروي أبو الصلت الهروي: كان الرضا ذات يوم جالساً في منزله إذ دخل عليه رسول هارون الرشيد فقال: أجب أمير المؤمنين فقام، فقال لي:

(يا أبا الصلت إنه لا يدعوني في هذا الوقت إلاّ لداهيةٍ، فوالله لا يمكنه أن يعمل بي شيئاً أكرهه لكلمات وقعت إليّ من جدي رسول الله).

قال فخرجت معه حتى دخلنا على هارون الرشيد فلما نظر إليه الرضا قرأ هذا الحرز (وذكره) فلما وقف بين يديه نظر إليه هارون الرشيد وقال: يا أبا الحسن قد أمرنا لك بمائة ألف درهم، واكتب حوائج أهلك، فلما ولي عنه علي بن موسى وهارون ينظر إليه في قفاه قال: (أردت وأراد الله وما أراد الله خير)(1) (http://www.14masom.com/14masom/10/asha-mn/4/1.htm#1).

وقد أشار يحيى البرمكي على هارون بقتل الإمام الرضا كما أشار غيره بذلك فاستعظم الأمر، وقال: ما ترى؟ تريد أن أقتلهم كلهم.


2 - والقصة الثانية عن دخول الجلودي على الإمام وسلبه أهله. حتى هلك هارون، وشبّ الخلاف بين ورثته بدأ الإمام نشاطه بقدر من الحرية النسبية.

لقد وصّى هارون لثلاثة من أبنائه بولاية العهد وهم الأمين والمأمون والمؤتمن بالترتيب، ولمعرفته بميول العباسيين إلى الأمين الذي كانت والدته زبيدة ترعاه، خشي على المأمون الذي كان يرى فيه كفاءة أكثر لإدارة البلاد فمنحه بعض المناصب في الدولة..

وكان الفرس الذين كانوا لا يزالون متنفذين في الدولة العباسية بالرغم من نكبة البرامكة يميلون نحو المأمون لأن أمه منهم ولأنه تربى في أحضانهم.

من هنا كانت سحُب الفتنة تتجمع في سماء الأمة، وكان هلاك هارون الرشيد في خراسان في وقت مبكر وقبل أن يرتب أوضاع البلاد، فعجَّل ذلك في اشتعال نار الفتنة، كما أن مرافقة المأمون لوالده التي جاءت - حسب بعض الروايات - بإشارة من فضل بن سهل ساهمت فيها.

لقد سارع الأمين وربما بإشارة من بعض قواده العباسيين في خلع أخيه ونصب ابنه ولياً للعهد، وكان من الطبيعي أن يرفض المأمون ذلك مما حدى بالأمين إلى بعث بعض قواده ليأتون به مغلولاً.

وقد شجع المأمون بعض قادة جيشه ولاسيما من هم من الفرس على التمرد، ففعل وانتهى إلى الحرب بين الأخوين التي انتهت بخلع الأمين واستتب الأمر لأخيه.

وكانت هذه الحرب أول حرب بين العباسيين، ومن أسوأ الحروب الداخلية بين المسلمين. مما زعزع الثقة بالنظام السياسي عند الجماهير وشجع المعارضة على الثورة، فإذا بأطراف البلاد تنتفض وتخلع الحاكم وتبايع واحداً من العلويين.

وكانت أخطر وأعظم هذه الثورات حركة أبي السرايا في الكوفة التي قادها السري بن منصور، وعقدت لواء الزعامة لواحد من أبناء الإمام الحسن المجتبى (عليه السلام) واسمه محمد بن إبراهيم بن إسماعيل.

وانتشرت هذه حتى شملت الكوفة وواسط والبصرة والحجاز واليمن. ووقعت بينها وبين جيوش بني العباس معارك طاحنة لم يظفر العباسيون بها إلاّ بالحيلة والمكر(2) (http://www.14masom.com/14masom/10/asha-mn/4/1.htm#2).

وفي مكة المكرمة ثار محمد ابن الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) وبويع بالخلافة ولقب بـ(أمير المؤمنين).

وكانت هناك ثورات أخرى في بلاد الشام والمغرب وكلها تدل على اضطراب الوضع السياسي، حتى أن الناس لم يبايعوا المأمون إلاّ بعد أن استتب الأمر له وعاد إلى بغداد، وبعد حروب أكلت مئات الألوف من المسلمين.

وكان عصر المأمون يتميز - كما أشرنا سابقاً - بتنامي التيارات الفكرية الغريبة التي كان من شأنها زعزعة النظام الثقافي للأمة، وكانت نتيجة طبيعية لحركة الترجمة التي شجّعها العباسيون من دون رؤية.

كما أن الثقة عند قيادات الجيش الذي يمثل العماد الأصلي للنظام كادت تنهار، حتى قال هرثمة بن حازم (أحد قيادات العسكر) للمأمون:

يا أمير المؤمنين لن ينصحك من كذبك، ولن يغشك من صدقك، لا تجرئ القواد على الخلع فيخلعوك، ولا تحملهم على نكث العهد فينكثوا عهدك وبيعتك(3) (http://www.14masom.com/14masom/10/asha-mn/4/1.htm#3).

ولعلنا نضيف إلى كل ذلك حالة المجون والترف التي اشتهرت بين رجال الدولة وبطانتهم، والتي كان يشجعها النظام لإلهائهم عن الحقائق المرة التي يعيشها المسلمون. وإذا كان آل (برمك) بالأمس أبطال هذا الميدان، فإن آل (سهل) خلفوهم فيه، وما يذكره بعض المؤرخين عن زواج الخليفة بـ(بوران) وما رافقه من مظاهر البذخ والترف شاهد على ذلك.

الإمام الرضا يتحدّى الفساد


حينما نتدبر في سورة هود أو سائر السور القرآنية التي تقص علينا رسالة الأنبياء السابقين (عليهم السلام) نجد أنهم يتحدون الفساد بكل ألوانه. وبالذات الفساد الذي كان مستشرياً في قومهم، ويعتبرون كل فساد سياسي أو اجتماعي أو اقتصادي أو فكري ينتهي إلى الضلالة أو الشرك أو الكفر وكانوا (عليهم السلام) يذكّرون الناس بالله ويحذِّرونهم عذابه في الدنيا وعقابه في الآخرة، لأن هذا هو السبيل لإصلاح الإنسان وردعه عن الفساد بكل ألوانه.

وسار الأئمة (عليهم السلام) على طريق الأنبياء، حاربوا كل ألوان الفساد، بذات الوسيلة، والإمام الرضا (عليه السلام) كأجداده قاد المخلصين من أبناء الأمة في هذا السبيل وتحمل الأذى في سبيل الله.

لقد رفض الاعتراف بالسلطة الجاهلية التي بناها العباسيون باسم الإسلام واعتبرها سلطة غاصبة ظالمة فاسدة جملةً وتفصيلاً.

وناهض التيارات الفكرية المخالفة لأصول الشريعة، وقاوم الفساد الخلقي في الأمة وذلك بنشر تعاليم الدين الحنيف.

ولم يكن الإمام وحده في مواجهة ذلك الفساد العريض، بل كانت صفوة الأمة وخيرة العلماء والحكماء والقادة المخلصين وهم شيعة أهل البيت (عليهم السلام) يتبعونه في ذلك.

وقد قرأنا معاً كيف وبأي أسلوب كان الأئمة يقودون الأمة، ولكن هنا ينبغي أن نتحدث قليلاً عما أثار التساؤل عند المؤرخين، وهي نقطةٌ مضيئةٌ - في رأينا - تلمع في حياة الإمام الرضا، ومنعطف أساسي في حركة الشيعة وهي قبول الإمام بولاية عهد المأمون.

وقبل كل شيء نتساءل عن الأسباب التي دفعت الخليفة العباسي للإقدام على هذه الخطوة الجريئة.


المأمون يتقرّب للإمام


والمأمون الذي ولد من أم فارسية، وتربى في حجر المؤيدين للبيت العلوي، وعرف الكثير من تاريخ الإسلام وتبحَّر في علم الكلام، هل كان شيعياً فعلاً، وهل كان عهده إلى الإمام الرضا بدافع سليم، ثم انقلب عن ذلك ودس السم إلى الإمام لأن الملك - كما قال والده هارون له يوماً - عقيم وأنه لو نازعه فيه لأخذ الذي فيه عيناه؟

أم كانت خطة دبرها الفضل بن سهل وغيره من بطانته ووقع فيها من دون التفات، ثم عاد عنها وقتل الفضل غيلة في الحمام وقضى على الإمام بالسم؟

أم أنها كانت خطته اشترك فيها هو وغيره من القادة، وكانت مجرد لعبة سياسية؟

كل ذلك ممكن! ولم أجد فيما اطلعت عليه من التاريخ ما يدل على واحد من الاحتمالات بالتأكيد، على أني أميل إلى الاعتراف بكل العوامل التاريخية، وأخذها بعين الاعتبار عند تفسير ظاهرة معينة، لأن مثل هذه العوامل تتفاعل مع بعضها في حياتنا وتصنع من حيث المجموع حياتنا الحاضرة، فلماذا لا نعتقد أن الماضي كالحاضر تصنعه كل العوامل المؤثرة في حياة البشر؟

من هنا أميل إلى الرأي التالي.. أن كلا من خلفية المأمون الثقافية، والظروف السياسية، ورأي بطانته، أقرت في الإقدام على هذه الخطوة الجريئة، ولولا واحدة منها لم يقدم..

وهذا يعني أن انقلاب المأمون على الإمام الرضا (عليه السلام) جاء بعد تحول الظروف السياسية، وأن الرجل لم يكن شيعياً بالمعنى الحقيقي للكلمة، وهو اتِّباع أهل البيت، والتعبد لله في طاعته، إنما كان متأثراً ببعض الأفكار الشيعية كتفضيل أمير المؤمنين (عليه السلام) على غيره من الخلفاء، والاعتقاد بخيانة معاوية، وبأن القرآن كتاب محدث وما أشبه.

إلاّ أن ذلك لا يجعل الفرد شيعياً في نظر الأئمة (عليهم السلام) وهو بالتالي كان صاحب سلطة يبحث عنها أكثر مما يبحث عن المبادئ والقيم.

ولعل والده هارون كان يشير إلى ابنه وإلى خواصّ أهل بيته كما يشير الطغاة عادة إلى بطانتهم من الاعتراف بحق معارضيهم، وذلك عندما تستيقظ ضمائرهم ولو لفترة محدودة. وهكذا يروي المأمون أنه إنما تشيّع على يد والده.

وقد أسرّ المأمون إلى بعض خواصه بالسبب الذي دعاه إلى هذا الأمر. فعن الريّان بن الصلت قال: أكثر الناس في بيعة الرضا (عليه السلام) من القواد والعامة، ومن لا يحب ذلك، وقالوا: إن هذا من تدبير الفضل بن سهل ذي الرئاستين، فبلغ المأمون ذلك، فبعث إليَّ في جوف الليل فصرت إليه، فقال: يا ريّان بلغني أن الناس يقولون: أن بيعة الرضا (عليه السلام) كانت من تدبير الفضل بن سهل؟ فقلت: يا أمير المؤمنين يقولون هذا. قال: ويحك يا ريّان أيجسر أحد أن يجيء إلى خليفة قد استقامت له الرعية والقواد، واستوت له الخلافة فيقول له: ادفع الخلافة من يدك إلى غيرك، أيجوز هذا في العقل؟ قلت له: لا والله يا أمير المؤمنين ما يجسر على هذا أحد، قال: لا والله ما كان كما يقولون ولكن سأخبرك بسبب ذلك:

إنه لما كتب إليّ محمد أخي يأمرني بالقدوم عليه فأبيت عليه، عقد لعلي بن عيسى بن ماهان وأمره أن يقيِّدني بقيد ويجعل الجامعة في عنقي، فورد علي بذلك الخبر، وبعثتُ هرثمة بن أعين إلى سجستان وكرمان وما والاهما فأفسد علي أمري، وانهزم هرثمة وخرج صاحب السرير، وغلب على كور خراسان، من ناحيته، فورد عليَّ هذا كله في أسبوع.

فلما ورد ذلك عليَّ لم يكن لي قوة بذلك ولا كان لي مال أتقوى به، ورأيت من قوادي ورجالي الفشل والجبن، أردت أن ألحق بملك كابل، فقلت في نفسي: ملك كابل رجل كافر ويبذل محمد له الأموال فيدفعني إلى يده، فلم أجد وجهاً أفضل من أن أتوب إلى الله عزّ وجلّ من ذنوبي وأستعين به على هذه الأمور وأستجير بالله عزّ وجل، فأمرت بهذا البيت وأشار إلى بيت تكنس، وصببت عليَّ الماء، ولبست ثوبين أبيضين وصليت أربع ركعات، قرأت فيها من القرآن ما حضرني ودعوت الله عزّ وجلّ واستجرت به، وعاهدته عهداً وثيقاً بنية صادقة إن أفضى الله بهذا الأمر إليَّ وكفاني عاديته، وهذه الأمور الغليظة، أن أضع هذا الأمر في موضعه الذي وضعه الله عزّ وجلّ فيه.

ثم قوي فيه قلبي فبعثت طاهراً إلى علي بن عيس بن هامان فكان من أمره ما كان، ورددت هرثمة إلى رافع (بن أعين) فظفر به وقتله، وبعثت إلى صاحب السرير فهادنته وبذلت له شيئاً حتى رجع، فلم يزل أمري يقوى حتى كان من أمر محمد ما كان، وأفضى الله إلي بهذا الأمر، واستوى لي.

فلما وافى الله عزّ وجلّ لي بما عاهدته عليه، أحببت أن أفي الله تعالى بما عاهدته، فلم أر أحداً أحق بهذا الأمر من أبي الحسن الرضا (عليه السلام)، فوضعتها فيه فلم يقبلها إلا أن عليَّ ما قد عملت، فهذا كان سببها(4) (http://www.14masom.com/14masom/10/asha-mn/4/1.htm#4).

ولعل هذا السبب كان أيضاً من الدواعي المساعدة إلاّ أن أبرز العوامل التي دفعته إلى ذلك كانت الظروف السياسية التي أشرنا إليها حيث كانت علاقته بالعباسيين سيئة لقتله أخاه أميناً، كما أن القيادات العربية لم تكن راضية عنه بسبب تفضيله الصارخ للقيادات الفارسية، أما أنصار البيت العلوي فقد رأوا ووجدوا الفرصة مؤاتية للانتقام من السلطة العباسية الغاشمة، وانتفضوا في كل مصر. فماذا بقي له من فرص الاستمرار في السلطة؟

ولكن محصلة خطط المأمون، والأقدار التي أجرت الرياح في اتجاهه كانت التالية.

1 - اكتساب ود أنصار البيت العلوي باستقدام الإمام الرضا لولاية عهده.

2 - تصفية لكثير من الثورات بالأعمال العسكرية وبقدر من السماحة والعطاء.

3 - الالتفاف على العباسيين واكتساب ودّهم والعودة إلى خطهم، بعد تصفية الفضل بن سهل، وشهادة الإمام الرضا (عليه السلام).

وهكذا تسنى للمأمون أن يستمر في الحكم وأن يحافظ على العرش العباسي من بعده.