عاشقه الحسن والحسين
06-01-2008, 10:49 PM
منذ صغره وهو يحب الشتاء.. لكنه كان يكره تلك الغيوم التي تضفي على الكون حوله لونًا كئيبًا موحشًا.. ويشعر بمشاعر غامضة محببة لنفسه، حينما يرى الشمس تطلع بعد احتجابها وراء تلك الغيوم.. نظر للسماء، وجد الغيوم قد تجمعت وسدت الطريق أمام الشمس تماما.. الوقت يوحي إليه بوقت الغروب.. لكن الشمس تحاول أن تتسلل من تلك الفرج بين الغيوم.. أعجبه هذا الصراع الخفي فانشغل بمتابعته للحظات..
تذكر موعده فأعاد النظر إلى ساعته في قلق.. ربما كان يخشى أن تقفز عقاربها فجأة فيفوت الموعد المحتوم.. كان ينظر في الساعة كل دقيقة تقريبا.. الساعة الآن العاشرة وعشرون دقيقة.. ما زال أمامه عشر دقائق كاملة..
سار في طريقه، وهو يراقب الغيوم بطرف عينه.. تذكر موعده فشعر ببعض القلق.. دقات قلبه تتسارع بشكل عجيب، والدماء كأنما أجرت سباقا محموما داخل شرايينه.. وذهنه صار كأنه جمهور مهووس يثيره هذا السباق..
تمتم ببعض آيات القرآن، وهو يحاول أن يغالب قلقه.. نظر في ساعته.. ما زال هناك تسع دقائق..
نسمة رقيقة آتية من وراء المدينة داعبت وجهه، ليست من جنس نسمات الشتاء تلك.. سمع معها صوت أمه تناديه.. استدار بلهفة ناحية الصوت، لكنه لم ير إلا عصفورا يلتقط صغيره من الأرض، ويطير به مسرعا ناحية السماء..
امتلأ ذهنه الآن بصورة أمه.. تلك الملاك الطاهر.. أحس بتلك الابتسامة -التي اعتادها تصاحب ذكر أمه- قد سرت إلى شفتيه.. هدأ قلبه واطمأن.. أخذ يستعيد ذكرى ماضيه القريب البعيد..
تذكر بيتهم الذي كان يملؤه الحب.. وتطوف السعادة فيه صباح مساء.. تذكر ضحكة أبيه الصافية التي لم يسمع مثلها قط..
وجَدّته التي لا تملّ الدعاء لهم جميعا، وهى جالسة على عتبة دارهم؛ منشغلة بمراقبة الحياة في فصلها الأخير وهى تمر أمام عينها..
تذكر تلك الروح الجميلة التي كانت تظلل بيتهم حينما تذكر ضحكات أخته الحبيبة إلى قلبه.. كانوا يعيشون في الجنة، مثلما قالت هي ذات مرة..
خنقته عَبْرَة، وهو يتذكر صورتها، وقد أخرج جسدها الهامد من تحت أنقاض بيتهم.. كانت تحتضن ثياب عرسها.. فقد كانت تستعد لزفافها بعد أيام.
ذكرياته الجميلة معها تمر أمام ذهنه كشريط سينمائي.. كان يحبها ويشعر أنها ملاك يعيش في صورة فتاة.. انقبض صدره حينما سمع جدته تقول ذات مرة إن الملائكة لا يُعمرّون في الأرض كثيرا.. تذكرها وهى ترتدى ثياب عرسها وتريها له.. كانت جميلة ورقيقة مثل حورية من الجنة.. قالت له لو لم تكن أخي هل كنت تتزوجني؟ رد عليها مداعبا: إمممم. دعيني أفكر..
صدى ضحكاتهم، وعتابها اللطيف، وصورة أمه وهى تدور بالبخور حولهم، يملأ رأسه ونفسه ويعيد إليه ذكريات جميلة صارت الآن مؤلمة..
أطلق من صدره تنهيدة كئيبة مثل تلك الغيوم التي تملأ صدر السماء فوق رأسه.. خمس دقائق..
طافت في ذهنه صورة تلك الدمعة الصلبة التي رآها في عيون جدته وهى جالسة بجوار جثة أبيه صامتة، كما اعتاد أن يراها وهى تراقب فصول حياتها الماضية..
تذكر تلك الجنة التي استحالت جحيما في لحظات .. وتذكر تلك السعادة التي ضاعت من حياته للأبد مع جثة أمه التي ضاعت تحت الركام..
كاميرات التلفاز تصور بيتهم.. وهو يراقبهم في صمت.. أحدهم يلتقط صورة لأخته وهى تحتضن أبيه من بين الركام ويرفعها أمام شاشة التلفاز.. وصوته يعلو ويعلو، ويبدو من ملامح وجهه الغضب الشديد.. وبعدما انتهى التصوير ألقى بالصورة وراءه، وسار يبحث عن شيء جديد بين الركام.. ابتسم بينه وبين نفسه في مرارة.. إنه يبحث عن سبق صحفي.. التقط الصورة الملقاة ونفض التراب عن وجه أبيه الذي كان مازال يبتسم تحت كل هذا الحطام..
عربات الإسعاف تتسابق في نقل الموتى.. وهرج ومرج ينتشران بالمنطقة.. وهو ما زال على صمته بجوار جثة أخته العروس.. تذكر نبوءة جدته أن الملائكة لا تعمر فشعر بشيء من التسليم، وتمنى وقتها أن يكون ملاكا..
أشارت إليه جدته برأسها أن اقترب.. حدق في عينيها اللتين كانتا كأنما دفن بهما أبيه منذ لحظات.. ضمته إلى صدرها.. استمع إلى هذا اللحن الحزين الذي يعزفه قلبها.. شدت على يديه في صلابة، وأشارت له أن ارحل!!
نظر مرة أخرى إلى عينيها وإلى أبيه الراقد في قاعهما.. فَهِم كل ما تريد أن تقوله؛ فقام في صمت..
ها هو الميدان يلوح له.. مئات المارة يملئون الميدان.. عشرات السيارات تقطعه ذهابا وايابا.. نظر فى ساعته بقيت دقيقة واحدة على الموعد.. شعر باشتياق رهيب لهم جميعا.. متى يتم لقاؤهم لقد طال البعاد.. وعصف به الشوق.. وها هى الحافلة واقفة تنتظر. انهم يزدحمون عند بابها.. اتجه صوب الحافلة وهو يتأمل وجوه الجنود الكريهة.. دقيقة واحدة.. بل هى خطوة واحدة على اللقاء.. إننى مشتاق لهم جدا..
تحسس جسده وبدا كأنما يعدل هندامه ويستعد لاستقبالهم.. أخرج صورة أخته وأبيه من طيات ثيابه وقبلها.. رفع بصره إلى السماء ابتسم قلبه حينما وجد الغيوم قد تفرقت.. عاودته تلك المشاعر الطفولية الجميلة حينما رأى الشمس تطارد بأشعتها بقية ما تبقى منها لتصفو السماء تدريجيا..
أحس بقوة أن روح أمه ترفرف الآن حوله.. إنه يشعر بحضورها الذى لا يمكن أن تخطئه نفسه أبدا.. سمع ضحكات أبيه النقية الصافية تتردد بجلاء من فوقه.. أخذ يجيل بصره في شوق إلى السماء.. بعيدا جدا، وراء آخر غيمة في السماء.. رآهم هناك ينتظرون..
شعر بالطمأنينة الكاملة.. وتوقف السباق المحموم الدائر فى شرايينه.. نظرت كل جارحة من جوارحه مع عينه إلى عقارب ساعته وحينما صار بجوار الحافلة ودونما تردد ضغط الزر المختبأ فى حزامه.. لتتناثر بأرض الميدان عشرات الأشلاء!!
تذكر موعده فأعاد النظر إلى ساعته في قلق.. ربما كان يخشى أن تقفز عقاربها فجأة فيفوت الموعد المحتوم.. كان ينظر في الساعة كل دقيقة تقريبا.. الساعة الآن العاشرة وعشرون دقيقة.. ما زال أمامه عشر دقائق كاملة..
سار في طريقه، وهو يراقب الغيوم بطرف عينه.. تذكر موعده فشعر ببعض القلق.. دقات قلبه تتسارع بشكل عجيب، والدماء كأنما أجرت سباقا محموما داخل شرايينه.. وذهنه صار كأنه جمهور مهووس يثيره هذا السباق..
تمتم ببعض آيات القرآن، وهو يحاول أن يغالب قلقه.. نظر في ساعته.. ما زال هناك تسع دقائق..
نسمة رقيقة آتية من وراء المدينة داعبت وجهه، ليست من جنس نسمات الشتاء تلك.. سمع معها صوت أمه تناديه.. استدار بلهفة ناحية الصوت، لكنه لم ير إلا عصفورا يلتقط صغيره من الأرض، ويطير به مسرعا ناحية السماء..
امتلأ ذهنه الآن بصورة أمه.. تلك الملاك الطاهر.. أحس بتلك الابتسامة -التي اعتادها تصاحب ذكر أمه- قد سرت إلى شفتيه.. هدأ قلبه واطمأن.. أخذ يستعيد ذكرى ماضيه القريب البعيد..
تذكر بيتهم الذي كان يملؤه الحب.. وتطوف السعادة فيه صباح مساء.. تذكر ضحكة أبيه الصافية التي لم يسمع مثلها قط..
وجَدّته التي لا تملّ الدعاء لهم جميعا، وهى جالسة على عتبة دارهم؛ منشغلة بمراقبة الحياة في فصلها الأخير وهى تمر أمام عينها..
تذكر تلك الروح الجميلة التي كانت تظلل بيتهم حينما تذكر ضحكات أخته الحبيبة إلى قلبه.. كانوا يعيشون في الجنة، مثلما قالت هي ذات مرة..
خنقته عَبْرَة، وهو يتذكر صورتها، وقد أخرج جسدها الهامد من تحت أنقاض بيتهم.. كانت تحتضن ثياب عرسها.. فقد كانت تستعد لزفافها بعد أيام.
ذكرياته الجميلة معها تمر أمام ذهنه كشريط سينمائي.. كان يحبها ويشعر أنها ملاك يعيش في صورة فتاة.. انقبض صدره حينما سمع جدته تقول ذات مرة إن الملائكة لا يُعمرّون في الأرض كثيرا.. تذكرها وهى ترتدى ثياب عرسها وتريها له.. كانت جميلة ورقيقة مثل حورية من الجنة.. قالت له لو لم تكن أخي هل كنت تتزوجني؟ رد عليها مداعبا: إمممم. دعيني أفكر..
صدى ضحكاتهم، وعتابها اللطيف، وصورة أمه وهى تدور بالبخور حولهم، يملأ رأسه ونفسه ويعيد إليه ذكريات جميلة صارت الآن مؤلمة..
أطلق من صدره تنهيدة كئيبة مثل تلك الغيوم التي تملأ صدر السماء فوق رأسه.. خمس دقائق..
طافت في ذهنه صورة تلك الدمعة الصلبة التي رآها في عيون جدته وهى جالسة بجوار جثة أبيه صامتة، كما اعتاد أن يراها وهى تراقب فصول حياتها الماضية..
تذكر تلك الجنة التي استحالت جحيما في لحظات .. وتذكر تلك السعادة التي ضاعت من حياته للأبد مع جثة أمه التي ضاعت تحت الركام..
كاميرات التلفاز تصور بيتهم.. وهو يراقبهم في صمت.. أحدهم يلتقط صورة لأخته وهى تحتضن أبيه من بين الركام ويرفعها أمام شاشة التلفاز.. وصوته يعلو ويعلو، ويبدو من ملامح وجهه الغضب الشديد.. وبعدما انتهى التصوير ألقى بالصورة وراءه، وسار يبحث عن شيء جديد بين الركام.. ابتسم بينه وبين نفسه في مرارة.. إنه يبحث عن سبق صحفي.. التقط الصورة الملقاة ونفض التراب عن وجه أبيه الذي كان مازال يبتسم تحت كل هذا الحطام..
عربات الإسعاف تتسابق في نقل الموتى.. وهرج ومرج ينتشران بالمنطقة.. وهو ما زال على صمته بجوار جثة أخته العروس.. تذكر نبوءة جدته أن الملائكة لا تعمر فشعر بشيء من التسليم، وتمنى وقتها أن يكون ملاكا..
أشارت إليه جدته برأسها أن اقترب.. حدق في عينيها اللتين كانتا كأنما دفن بهما أبيه منذ لحظات.. ضمته إلى صدرها.. استمع إلى هذا اللحن الحزين الذي يعزفه قلبها.. شدت على يديه في صلابة، وأشارت له أن ارحل!!
نظر مرة أخرى إلى عينيها وإلى أبيه الراقد في قاعهما.. فَهِم كل ما تريد أن تقوله؛ فقام في صمت..
ها هو الميدان يلوح له.. مئات المارة يملئون الميدان.. عشرات السيارات تقطعه ذهابا وايابا.. نظر فى ساعته بقيت دقيقة واحدة على الموعد.. شعر باشتياق رهيب لهم جميعا.. متى يتم لقاؤهم لقد طال البعاد.. وعصف به الشوق.. وها هى الحافلة واقفة تنتظر. انهم يزدحمون عند بابها.. اتجه صوب الحافلة وهو يتأمل وجوه الجنود الكريهة.. دقيقة واحدة.. بل هى خطوة واحدة على اللقاء.. إننى مشتاق لهم جدا..
تحسس جسده وبدا كأنما يعدل هندامه ويستعد لاستقبالهم.. أخرج صورة أخته وأبيه من طيات ثيابه وقبلها.. رفع بصره إلى السماء ابتسم قلبه حينما وجد الغيوم قد تفرقت.. عاودته تلك المشاعر الطفولية الجميلة حينما رأى الشمس تطارد بأشعتها بقية ما تبقى منها لتصفو السماء تدريجيا..
أحس بقوة أن روح أمه ترفرف الآن حوله.. إنه يشعر بحضورها الذى لا يمكن أن تخطئه نفسه أبدا.. سمع ضحكات أبيه النقية الصافية تتردد بجلاء من فوقه.. أخذ يجيل بصره في شوق إلى السماء.. بعيدا جدا، وراء آخر غيمة في السماء.. رآهم هناك ينتظرون..
شعر بالطمأنينة الكاملة.. وتوقف السباق المحموم الدائر فى شرايينه.. نظرت كل جارحة من جوارحه مع عينه إلى عقارب ساعته وحينما صار بجوار الحافلة ودونما تردد ضغط الزر المختبأ فى حزامه.. لتتناثر بأرض الميدان عشرات الأشلاء!!