عاشق الزهراء
12-01-2008, 05:44 PM
http://www.ebaa.net/khaber/2008/01/10/04/01.jpg
إباء
استقبل المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في بيته المكرّم بمدينة قم المقدّسة يوم الثلاثاء الموافق للثامن والعشرين من شهر ذي الحجة الحرام 1428 للهجرة وعشية حلول شهر محرم الحرام قام بزيارة جمع من مسؤولي وأعضاء الهيئات والمواكب الحسينية للاستفادة من إرشادات سماحته القيمة.
حيث بدأ سماحته حديثه معهم بذكر رواية عبد الله بن بكير أحد ثقات أصحاب الإمام الصادق سلام الله عليه يقول فيها:
«قلت له ـ يعني الإمام الصادق سلام الله عليه ـ إني أنزل الأرجان وقلبي ينازعني إلى قبر أبيك فإذا خرجت فقلبي وجل مشفق حتى أرجع خوفاً من السلطان والسعاة وأصحاب المسالح. فقال: يا ابن بكير أما تحب أن يراك الله فينا خائفا؟ أما تعلم أنه من خاف لخوفنا أظله الله في ظل عرشه وكان محدّثه الحسين سلام الله عليه تحت العرش وآمنه الله من أفزاع يوم القيامة يفزع الناس ولا يفزع فإن فزع وقرته الملائكة وسكنت قلبه بالبشارة»(1).
واستنتج سماحته من هذه الرواية عدة أمور؛ منها:
أن زيارة الإمام الحسين سلام الله عليه كانت على مر التاريخ مقرونة بالخوف والتضحية وتحمّل الصعاب، بل كان حتى ذكر الإمام الحسين سلام الله عليه يغيظ الظلمة فكانوا يضيّقون على المؤمنين ويخلقون لهم المشاكل إذا ذكروا الإمام الحسين سلام الله عليه أو نصبوا له المآتم أو ذهبوا لزيارته أو عظّموا أيّاً من شعائره، أو ذكّروا بما جرى عليه وعلى أهل بيته وأصحابه في كربلاء؛ ولذا قال الإمام لابن بكير: أما تحب أن يراك الله فينا ـ أي في سبيلنا ومن أجلنا ـ خائفاً؟
عظمة ذكر الإمام الحسين سلام الله عليه وإقامة التعازي على مصابه، وهكذا زيارته، وإحياء شعائره التي هي شعائر الله تعالى، وتميّزها بميزة لا توجد في كل العبادات حتى الواجبات منها فضلاً عن المستحبات، وهي عدم رفع جوازها ولا استحبابها حتى مع الخوف؛ قال سماحته: إذ استثنينا الجهاد الذي يكون الخوف ملازماً له بالطبع والغالب، لا نجد عبادة أخرى في الإسلام تبقى على حكمها مع الخوف، سواء كانت تلك العبادة واجبة أو مستحبة.
فالصلاة مثلاً أوجب الواجبات وهي «أوّل ما يُحاسَبُ به العبدُ، فإن قُبلت قُبِلَ ما سواها»(2)، ومع ذلك إن خاف المرء على نفسه وحياته بسببها في وقت من الأوقات أخّرها حتى يزول الخوف وأتى بها قضاءً.
والصوم وهو من العبادات المهمة في الإسلام إذا خاف المرء على نفسه بسببه فعليه أن يفطر ويقضي صيامه بعد ذلك.
والحجّ وهو من أركان الإسلام أيضاً، حتى ورد عن الإمام الصادق سلام الله عليه أن: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الإِسْلامِ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ ذَلِكَ حَاجَةٌ تُجْحِفُ بِهِ أَوْ مَرَضٌ لا يُطِيقُ فِيهِ الْحَجَّ أَوْ سُلْطَانٌ يَمْنَعُهُ فَلْيَمُتْ يَهُودِيّاً أَوْ نَصْرَانِيّاً»(3).. ومع ذلك عُدّ عدم الخوف من شروطه، فقد عبّر الفقهاء عن هذا الشرط بتخلية السرب، أي إن وقع الحج مع الخوف فلا يكون مقبولاً، وعلى المكلّف إعادته إن كان الحجّ الواجب.
أمّا الشعائر الحسينية ومنها زيارة الإمام الحسين سلام الله عليه فمع أن المشهور عند فقهاء الشيعة استحبابها ـ لا وجوبها ـ لا تسقط مع الخوف، أي لا يسقط استحبابها فضلاً عن جوازها. ولذلك قال الإمام الصادق سلام الله عليه في جواب ابن بكير: «أما تحبّ أن يراك الله خائفاً فينا»، ولم يسمع عن المعصومين سلام الله عليهم تعبير مماثل في مورد عبادة أخرى.
3. إن الروايات في هذا الخصوص كثيرة وليس هذه الرواية الوحيدة في هذا المجال، فلقد وردت هذه الرواية عن ابن بكير وروايات أخرى مشابهة عن مسمع وآخرين في بابٍ يحمل اسم «باب إستحباب زيارة الإمام الحسين على خوف»، مع أنه لا يوجد عندنا في كتب الروايات باب في وجوب أو استحباب عبادة أخرى على خوف.
تطرّق سماحته بعد ذلك إلى إصرار محبّي الإمام الحسين سلام الله عليه على إحياء شعائره رغم الخوف والمضايقات وتقديمهم التضحيات الكبيرة في هذا الطريق، فنقل عن أحد العراقيين ما وقع له ولمجموعته خلال مسيرة المشي إلى زيارة الإمام الحسين سلام الله عليه في أحد الاعوام التي منع فيها طاغوت العراق (صدام) المشي ضمن محاربته للشعائر الحسينية، وقال:
لما منع (صدام) المشي إلى زيارة الإمام الحسين سلام الله عليه بثّ الشرطة السرية بين المدن في الطرق المؤدية إلى كربلاء وكانوا يقتلون من يظفرون به من الزوّار المشاة، لذلك لم يكن الناس يذهبون على شكل جماعات كبيرة بل كانوا يتشكلون في أعداد صغيرة ليتسنى لهم الهرب ان رصدهم أعوان الظالم، ومع ذلك ما أكثر من استشهد منهم في هذا السبيل. وهنيئاً لهم، فإنّ من يذهب في هذا الطريق يكون يوم القيامة محدّثه الإمام الحسين سلام الله عليه، كما في الرواية المتقدمة عن الإمام الصادق سلام الله عليه.
يقول ناقل الواقعة: كنا مجموعة صغيرة نرتدي ملابس سوداء أو غامقة ولا نحمل حتى العصيّ رغم أنها تعين الماشي لمسافات طويلة، كل ذلك مخافة أن تعكس النور فيرانا شرطة النظام ومن يسمّون برجال الأمن، وكنّا في المناطق التي فيها أبنية أو أشجار أو حواجز أخرى نسير نهاراً ونتوقف ليلاً، أما في الصحاري والمناطق المكشوفة فكنا نسير ليلاً لعدم وجود ما نختبئ خلفه تجنباً من عيون العدوّ.
وفي إحدى الليالي وصلنا إلى نهر ماء وكانت القنطرة في منطقة مكشوفة وبعيدة عنا، ولم تكن في منطقة عبورنا قنطرة نعبر عليها، فبحثنا عن خشبة نجعل منها جسراً نعبر عليه، فلم نجد سوى خشبة كانت أقصر من عرض النهر، فتبرع أحدنا وكان شاباً قويّ البنية بأن يحمل طرفها على كتفه ويوضع الطرف الآخر على الساحل الآخر للنهر، وعبرنا عليها واحداً بعد الآخر ثم أخرجنا ذلك الشاب من النهر بعد أن كان قد انغمس في الطين وأصيب بإعياء شديد لأنّ المهمّة لم تكن يسيرة، فقد كان الطين رخواً والثبات عليه مع حمل الخشبة ومرورنا عليها جميعاً صعباً ومنهكاً، وقد وفّق لذلك، كما وفّقنا لإخراجه سالماً معافى بحمد الله تعالى، ولكن في تلك اللحظة خرجت حية من النهر ولدغته في رجله فتورمت واسودّت بسرعة وسقط يتلوّى من الألم، وسُقط بأيدينا، ولم ندر ما نفعل ولا توجد مستشفى قريبة ننقله إليها ولا سبيل آخر نلجأ إليه، ولم يكن من الصلاح أن نتأخر كثيراً، وكنا نخشى أن يدركنا الشرطة وقد أيسنا من حاله كما أيس هو أيضاً، وأدرك أن لا فائدة من بقائنا عنده ولا حيلة لنا بإنقاذه فقال لنا: إني ميت لا محالة، وخاطب الإمام الحسين سلام الله عليه قائلاً: كنت أحبّ أن آتي لزيارتك، ولكني معذور كما ترى.
فودّعناه وواصلنا سيرنا مضطرين بسبب الخوف، حتى اختفى عن أنظارنا وقرّرنا أن نسرع في السير لأنه كان علينا أن نقطع صحراء طويلة قبل أن يدركنا الصباح.. ولكن ما إن تقدّمنا حتى سمعنا صوتاً يشبه صوته ينادينا من الخلف فالتفتنا فإذا به وقد التحق بنا. تعجّبنا كيف استطاع المشي ولم يكن يستطيع الوقوف قبل قليل، ونظرنا إلى رجله فإذا هي معافاة لا ورم فيها ولا اسوداد.
ولما سألناه عما جرى له قال: بعد أن ذهبتم توجّهت إلى الإمام الحسين سلام الله عليه بالسلام وكنت آيساً من الشفاء، لذلك طلبت منه أن يشفع لي في الآخرة.. وبينما أنا كذلك وإذا بشخص حضر عندي، فخفت بادئ الأمر لئلا يكون من أعوان النظام، ولكني سرعان ما اطمأننت لأني لست مع جماعة ليقال إني سائر إلى زيارة الإمام الحسين سلام الله عليه. ثم عندما ألقيت نظرة على وجهه شرعت بارتياح شديد واطمأننت إليه.
وبعد أن سأل عن حالي اقترب منّي ثم مسح يده على رجلي، وقال: ما بك شيء، انهض. ثم رحل.
انتبهت إلى نفسي وقلت: هل أستطيع القيام؟ شعرت بخدر ولكني وجدت أني أستطيع القيام. فقمت ومشيت والتحقت بكم.
وفي الختام أوصاهم سماحة السيد المرجع بوصيتين؛ فقال: لقد كان من دأب أخي المرجع الراحل قدس سره أن يوصي المؤمنين في هذه المناسبات بوصايا قرآنية أو من وصايا أهل البيت سلام الله عليهم، أو وصايا مستلهمة من تعاليم القرآن وأهل البيت سلام الله عليه وأنا أوصيكم في هذه المناسبة بوصيتين:
الأولى: اسعوا إذا حصل نزاع أو خلاف أو مشكلة بين شخصين أو أشخاص أن لا يدخلوا نزاعهم في قضايا الإمام الحسين سلام الله عليه وشعائره، دعوا المشاكل والخلافات جانباً وشاركوا في هذه المراسم، إنكم لستم من أهل النزاع والحمد الله تعالى، ولكن إن وجد بينكم من كانت عنده مشكلة شخصية مع زميله فانصحوه بأن لا يجعل لها مدخلية في الشعائر والمجالس الحسينية فيختلف مع زميله في الشعائر لاختلافه معه خارجها؛ لأنّ ههنا محل التقرب إلى الله تعالى.
الثانية: لا تبعدوا أيّ شخص عن هذه الشعائر والمجالس وإن كان ملوّثاً بالمعاصي والذنوب بل اسعوا في إصلاح من كان ملوّثاً.
وما أكثر من صلحوا في هذا الطريق. وما أكثر الروايات والقصص التاريخية والمعاصرة عن أشخاص كانوا بعيدين عن الله والصلاة والعبادات والمستحبات والواجبات... ولكن جاءوا ـ أو جيء بهم ـ صوب الإمام الحسين سلام الله عليه فاهتدوا واستقاموا وترقّوا ووفّقوا وبلغوا الدرجات الرفيعة.
فاسعوا إلى ترغيب أمثال هؤلاء ونصحهم إن استطعتم أو بواسطة الواعظ الذي تعرفونه لتغييره إن شاء الله تعالى، وتكونون بذلك شركاء وسبباً في الهداية.
قال مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله:
«إنه لمكتوب عن يمين عرش الله عزّ وجلّ: الحسين مصباح هدى وسفينة نجاة»(4).
ولقد وجد النبي صلى الله عليه وآله هذه العبارة عندما عرج به إلى السماء، ليريه الله من آياته الكبرى. فكانت هذه من تلك الآيات الكبرى.
ليس الضالون والمذنبون وحدهم يهتدون بالإمام الحسين سلام الله عليه، بل كلّ إنسان مهما علت درجته يهتدي بالإمام الحسين سلام الله عليه. فاسعوا للترقي أكثر والتحلّي بأخلاق أفضل والتكامل في الهداية بالإمام الحسين سلام الله عليه.
أسأل الله أن يتقبّل منّا ومنكم ببركة سفينة النجاة ومصباح الهدى (الإمام الحسين سلام الله عليه) وأن يزيد في توفيقنا خلال هذين الشهرين محرم وصفر... وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
جدير بالذكر، أنه قبل أن يستمع الحضور لكلمة سماحة المرجع الشيرازي دام ظله أقيم مجلس للعزاء، وقرأ الرادود إيزدي مراث وقصائد شجية في مصاب مولانا سيد الشهداء صلوات الله عليه.
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الكامل في الزيارات/الباب 45 ثواب من زار الحسين سلام الله عليه وعليه خوف/ص125/ح2.
(2) وسائل الشيعة/ ج4/ باب 1 وجوب المحافظة على الصلوات في .../ص108/ح4636.
(3) فروع الكافي/ ج4/ باب من سوّف الحج وهو مستطيع/ ص 268/ ح1.
(4) عيون أخبار الرضا/ج2/ باب 31/ ص62.
جتنب مصور
http://www.ebaa.net/khaber/2008/01/10/04/03.jpg
http://www.ebaa.net/khaber/2008/01/10/04/04.jpg
http://www.ebaa.net/khaber/2008/01/10/04/02.jpg
إباء
استقبل المرجع الديني سماحة آية الله العظمى السيد صادق الحسيني الشيرازي دام ظله في بيته المكرّم بمدينة قم المقدّسة يوم الثلاثاء الموافق للثامن والعشرين من شهر ذي الحجة الحرام 1428 للهجرة وعشية حلول شهر محرم الحرام قام بزيارة جمع من مسؤولي وأعضاء الهيئات والمواكب الحسينية للاستفادة من إرشادات سماحته القيمة.
حيث بدأ سماحته حديثه معهم بذكر رواية عبد الله بن بكير أحد ثقات أصحاب الإمام الصادق سلام الله عليه يقول فيها:
«قلت له ـ يعني الإمام الصادق سلام الله عليه ـ إني أنزل الأرجان وقلبي ينازعني إلى قبر أبيك فإذا خرجت فقلبي وجل مشفق حتى أرجع خوفاً من السلطان والسعاة وأصحاب المسالح. فقال: يا ابن بكير أما تحب أن يراك الله فينا خائفا؟ أما تعلم أنه من خاف لخوفنا أظله الله في ظل عرشه وكان محدّثه الحسين سلام الله عليه تحت العرش وآمنه الله من أفزاع يوم القيامة يفزع الناس ولا يفزع فإن فزع وقرته الملائكة وسكنت قلبه بالبشارة»(1).
واستنتج سماحته من هذه الرواية عدة أمور؛ منها:
أن زيارة الإمام الحسين سلام الله عليه كانت على مر التاريخ مقرونة بالخوف والتضحية وتحمّل الصعاب، بل كان حتى ذكر الإمام الحسين سلام الله عليه يغيظ الظلمة فكانوا يضيّقون على المؤمنين ويخلقون لهم المشاكل إذا ذكروا الإمام الحسين سلام الله عليه أو نصبوا له المآتم أو ذهبوا لزيارته أو عظّموا أيّاً من شعائره، أو ذكّروا بما جرى عليه وعلى أهل بيته وأصحابه في كربلاء؛ ولذا قال الإمام لابن بكير: أما تحب أن يراك الله فينا ـ أي في سبيلنا ومن أجلنا ـ خائفاً؟
عظمة ذكر الإمام الحسين سلام الله عليه وإقامة التعازي على مصابه، وهكذا زيارته، وإحياء شعائره التي هي شعائر الله تعالى، وتميّزها بميزة لا توجد في كل العبادات حتى الواجبات منها فضلاً عن المستحبات، وهي عدم رفع جوازها ولا استحبابها حتى مع الخوف؛ قال سماحته: إذ استثنينا الجهاد الذي يكون الخوف ملازماً له بالطبع والغالب، لا نجد عبادة أخرى في الإسلام تبقى على حكمها مع الخوف، سواء كانت تلك العبادة واجبة أو مستحبة.
فالصلاة مثلاً أوجب الواجبات وهي «أوّل ما يُحاسَبُ به العبدُ، فإن قُبلت قُبِلَ ما سواها»(2)، ومع ذلك إن خاف المرء على نفسه وحياته بسببها في وقت من الأوقات أخّرها حتى يزول الخوف وأتى بها قضاءً.
والصوم وهو من العبادات المهمة في الإسلام إذا خاف المرء على نفسه بسببه فعليه أن يفطر ويقضي صيامه بعد ذلك.
والحجّ وهو من أركان الإسلام أيضاً، حتى ورد عن الإمام الصادق سلام الله عليه أن: «مَنْ مَاتَ وَلَمْ يَحُجَّ حَجَّةَ الإِسْلامِ لَمْ يَمْنَعْهُ مِنْ ذَلِكَ حَاجَةٌ تُجْحِفُ بِهِ أَوْ مَرَضٌ لا يُطِيقُ فِيهِ الْحَجَّ أَوْ سُلْطَانٌ يَمْنَعُهُ فَلْيَمُتْ يَهُودِيّاً أَوْ نَصْرَانِيّاً»(3).. ومع ذلك عُدّ عدم الخوف من شروطه، فقد عبّر الفقهاء عن هذا الشرط بتخلية السرب، أي إن وقع الحج مع الخوف فلا يكون مقبولاً، وعلى المكلّف إعادته إن كان الحجّ الواجب.
أمّا الشعائر الحسينية ومنها زيارة الإمام الحسين سلام الله عليه فمع أن المشهور عند فقهاء الشيعة استحبابها ـ لا وجوبها ـ لا تسقط مع الخوف، أي لا يسقط استحبابها فضلاً عن جوازها. ولذلك قال الإمام الصادق سلام الله عليه في جواب ابن بكير: «أما تحبّ أن يراك الله خائفاً فينا»، ولم يسمع عن المعصومين سلام الله عليهم تعبير مماثل في مورد عبادة أخرى.
3. إن الروايات في هذا الخصوص كثيرة وليس هذه الرواية الوحيدة في هذا المجال، فلقد وردت هذه الرواية عن ابن بكير وروايات أخرى مشابهة عن مسمع وآخرين في بابٍ يحمل اسم «باب إستحباب زيارة الإمام الحسين على خوف»، مع أنه لا يوجد عندنا في كتب الروايات باب في وجوب أو استحباب عبادة أخرى على خوف.
تطرّق سماحته بعد ذلك إلى إصرار محبّي الإمام الحسين سلام الله عليه على إحياء شعائره رغم الخوف والمضايقات وتقديمهم التضحيات الكبيرة في هذا الطريق، فنقل عن أحد العراقيين ما وقع له ولمجموعته خلال مسيرة المشي إلى زيارة الإمام الحسين سلام الله عليه في أحد الاعوام التي منع فيها طاغوت العراق (صدام) المشي ضمن محاربته للشعائر الحسينية، وقال:
لما منع (صدام) المشي إلى زيارة الإمام الحسين سلام الله عليه بثّ الشرطة السرية بين المدن في الطرق المؤدية إلى كربلاء وكانوا يقتلون من يظفرون به من الزوّار المشاة، لذلك لم يكن الناس يذهبون على شكل جماعات كبيرة بل كانوا يتشكلون في أعداد صغيرة ليتسنى لهم الهرب ان رصدهم أعوان الظالم، ومع ذلك ما أكثر من استشهد منهم في هذا السبيل. وهنيئاً لهم، فإنّ من يذهب في هذا الطريق يكون يوم القيامة محدّثه الإمام الحسين سلام الله عليه، كما في الرواية المتقدمة عن الإمام الصادق سلام الله عليه.
يقول ناقل الواقعة: كنا مجموعة صغيرة نرتدي ملابس سوداء أو غامقة ولا نحمل حتى العصيّ رغم أنها تعين الماشي لمسافات طويلة، كل ذلك مخافة أن تعكس النور فيرانا شرطة النظام ومن يسمّون برجال الأمن، وكنّا في المناطق التي فيها أبنية أو أشجار أو حواجز أخرى نسير نهاراً ونتوقف ليلاً، أما في الصحاري والمناطق المكشوفة فكنا نسير ليلاً لعدم وجود ما نختبئ خلفه تجنباً من عيون العدوّ.
وفي إحدى الليالي وصلنا إلى نهر ماء وكانت القنطرة في منطقة مكشوفة وبعيدة عنا، ولم تكن في منطقة عبورنا قنطرة نعبر عليها، فبحثنا عن خشبة نجعل منها جسراً نعبر عليه، فلم نجد سوى خشبة كانت أقصر من عرض النهر، فتبرع أحدنا وكان شاباً قويّ البنية بأن يحمل طرفها على كتفه ويوضع الطرف الآخر على الساحل الآخر للنهر، وعبرنا عليها واحداً بعد الآخر ثم أخرجنا ذلك الشاب من النهر بعد أن كان قد انغمس في الطين وأصيب بإعياء شديد لأنّ المهمّة لم تكن يسيرة، فقد كان الطين رخواً والثبات عليه مع حمل الخشبة ومرورنا عليها جميعاً صعباً ومنهكاً، وقد وفّق لذلك، كما وفّقنا لإخراجه سالماً معافى بحمد الله تعالى، ولكن في تلك اللحظة خرجت حية من النهر ولدغته في رجله فتورمت واسودّت بسرعة وسقط يتلوّى من الألم، وسُقط بأيدينا، ولم ندر ما نفعل ولا توجد مستشفى قريبة ننقله إليها ولا سبيل آخر نلجأ إليه، ولم يكن من الصلاح أن نتأخر كثيراً، وكنا نخشى أن يدركنا الشرطة وقد أيسنا من حاله كما أيس هو أيضاً، وأدرك أن لا فائدة من بقائنا عنده ولا حيلة لنا بإنقاذه فقال لنا: إني ميت لا محالة، وخاطب الإمام الحسين سلام الله عليه قائلاً: كنت أحبّ أن آتي لزيارتك، ولكني معذور كما ترى.
فودّعناه وواصلنا سيرنا مضطرين بسبب الخوف، حتى اختفى عن أنظارنا وقرّرنا أن نسرع في السير لأنه كان علينا أن نقطع صحراء طويلة قبل أن يدركنا الصباح.. ولكن ما إن تقدّمنا حتى سمعنا صوتاً يشبه صوته ينادينا من الخلف فالتفتنا فإذا به وقد التحق بنا. تعجّبنا كيف استطاع المشي ولم يكن يستطيع الوقوف قبل قليل، ونظرنا إلى رجله فإذا هي معافاة لا ورم فيها ولا اسوداد.
ولما سألناه عما جرى له قال: بعد أن ذهبتم توجّهت إلى الإمام الحسين سلام الله عليه بالسلام وكنت آيساً من الشفاء، لذلك طلبت منه أن يشفع لي في الآخرة.. وبينما أنا كذلك وإذا بشخص حضر عندي، فخفت بادئ الأمر لئلا يكون من أعوان النظام، ولكني سرعان ما اطمأننت لأني لست مع جماعة ليقال إني سائر إلى زيارة الإمام الحسين سلام الله عليه. ثم عندما ألقيت نظرة على وجهه شرعت بارتياح شديد واطمأننت إليه.
وبعد أن سأل عن حالي اقترب منّي ثم مسح يده على رجلي، وقال: ما بك شيء، انهض. ثم رحل.
انتبهت إلى نفسي وقلت: هل أستطيع القيام؟ شعرت بخدر ولكني وجدت أني أستطيع القيام. فقمت ومشيت والتحقت بكم.
وفي الختام أوصاهم سماحة السيد المرجع بوصيتين؛ فقال: لقد كان من دأب أخي المرجع الراحل قدس سره أن يوصي المؤمنين في هذه المناسبات بوصايا قرآنية أو من وصايا أهل البيت سلام الله عليهم، أو وصايا مستلهمة من تعاليم القرآن وأهل البيت سلام الله عليه وأنا أوصيكم في هذه المناسبة بوصيتين:
الأولى: اسعوا إذا حصل نزاع أو خلاف أو مشكلة بين شخصين أو أشخاص أن لا يدخلوا نزاعهم في قضايا الإمام الحسين سلام الله عليه وشعائره، دعوا المشاكل والخلافات جانباً وشاركوا في هذه المراسم، إنكم لستم من أهل النزاع والحمد الله تعالى، ولكن إن وجد بينكم من كانت عنده مشكلة شخصية مع زميله فانصحوه بأن لا يجعل لها مدخلية في الشعائر والمجالس الحسينية فيختلف مع زميله في الشعائر لاختلافه معه خارجها؛ لأنّ ههنا محل التقرب إلى الله تعالى.
الثانية: لا تبعدوا أيّ شخص عن هذه الشعائر والمجالس وإن كان ملوّثاً بالمعاصي والذنوب بل اسعوا في إصلاح من كان ملوّثاً.
وما أكثر من صلحوا في هذا الطريق. وما أكثر الروايات والقصص التاريخية والمعاصرة عن أشخاص كانوا بعيدين عن الله والصلاة والعبادات والمستحبات والواجبات... ولكن جاءوا ـ أو جيء بهم ـ صوب الإمام الحسين سلام الله عليه فاهتدوا واستقاموا وترقّوا ووفّقوا وبلغوا الدرجات الرفيعة.
فاسعوا إلى ترغيب أمثال هؤلاء ونصحهم إن استطعتم أو بواسطة الواعظ الذي تعرفونه لتغييره إن شاء الله تعالى، وتكونون بذلك شركاء وسبباً في الهداية.
قال مولانا رسول الله صلى الله عليه وآله:
«إنه لمكتوب عن يمين عرش الله عزّ وجلّ: الحسين مصباح هدى وسفينة نجاة»(4).
ولقد وجد النبي صلى الله عليه وآله هذه العبارة عندما عرج به إلى السماء، ليريه الله من آياته الكبرى. فكانت هذه من تلك الآيات الكبرى.
ليس الضالون والمذنبون وحدهم يهتدون بالإمام الحسين سلام الله عليه، بل كلّ إنسان مهما علت درجته يهتدي بالإمام الحسين سلام الله عليه. فاسعوا للترقي أكثر والتحلّي بأخلاق أفضل والتكامل في الهداية بالإمام الحسين سلام الله عليه.
أسأل الله أن يتقبّل منّا ومنكم ببركة سفينة النجاة ومصباح الهدى (الإمام الحسين سلام الله عليه) وأن يزيد في توفيقنا خلال هذين الشهرين محرم وصفر... وصلى الله على محمد وآله الطاهرين.
جدير بالذكر، أنه قبل أن يستمع الحضور لكلمة سماحة المرجع الشيرازي دام ظله أقيم مجلس للعزاء، وقرأ الرادود إيزدي مراث وقصائد شجية في مصاب مولانا سيد الشهداء صلوات الله عليه.
--------------------------------------------------------------------------------
(1) الكامل في الزيارات/الباب 45 ثواب من زار الحسين سلام الله عليه وعليه خوف/ص125/ح2.
(2) وسائل الشيعة/ ج4/ باب 1 وجوب المحافظة على الصلوات في .../ص108/ح4636.
(3) فروع الكافي/ ج4/ باب من سوّف الحج وهو مستطيع/ ص 268/ ح1.
(4) عيون أخبار الرضا/ج2/ باب 31/ ص62.
جتنب مصور
http://www.ebaa.net/khaber/2008/01/10/04/03.jpg
http://www.ebaa.net/khaber/2008/01/10/04/04.jpg
http://www.ebaa.net/khaber/2008/01/10/04/02.jpg