نور العباس
14-01-2008, 08:21 PM
في غرفته المغلقة اعتاد قضاء أيامه ولياليه، فكم قضى ساعات مستمراً أمام شاشةالحاسوب،وبضغطة أصبع يتنقل من موقع لموقع، ومن محادثة لمحادثة على شبكة (الانترنت)، أياماً عاشها ليس له رفيق سوى الشيطان، وليس له أنيس سوى الضلال، كان الشيطان يسكنه ويسكن كل شئ لديه ، يحركه لنزوة هنا، وشهوة هناك، وصاحبنا مخمور في حضنه، مولع به، قد أعاره قلبه، وعقله،وروحه،وجوارحه،فإن رأى فلا يرى إلا محرّماً، وإن سمع فلا يسمع إلا لغواً، لا يملأفراغه إلا بلهو ، ولا يقضي يومه إلا بمعصية، وإن ملّ شبكته العنكبوتية التي أحكمت قبضتها عليه،انتقل للقنوات الفضائية الماجنة،يتراقص على أوتارها،ويتمايل مع نغمات مزاميرها،ولا يكاد يصحو من سكرة إلا إلى سكرة، ومن غفلة إلا إلى أختها، وها هو كعادته،يغلق غرفته عليه،ولا يعلم أنه حين يغلقها، فإنما يغلق بصيرته التي لو نماها لكانت نافذة،ويحبس روحه التي لو رعاها لكانت ملائكية،ويغتال قلبه الي لو رباه لكان إلهياً،وبدأ بلهفته المعتادة يتصفح الشيطان ويستعرض إبليس أمامه، ليعيش في عالمه كمّاً غارقاً في بحر من الظلمات .. بينما كان كذلك، إذ اقترب صوت موكب حسيني يلامس بنغماته الروحانية جدران منزله،وتنير راياته الحمراء أزقة قريته،وإذا بصوت المعزين يصل لآذانه الميتة، ويسمعهم بصرخة واحدة ينادون ( أبد والله ما ننسى حسينا ) عبارة لم تكن غريبة على مسامعه ولكنها غريبة على روحه وقلبه،وقف مذهولاً وهو ينادي:آه..نعم..هذه ليلة العاشر من المحرم،ركض للنافذة،فتح منها زاوية ضيقة، ولكنّ عينيه-ولأول مرة-رأت ما هو أوسع وأوسع، رأت بهاء موكب الحسين، رأت الأعلام الحمراء والخضراء وكأنها مشاعل تخترق الأرض وتسمو في السماء، ورأى المعزين بسوادهم وكأنهم أرواح ملائكية، وكلما سمع كلمة ( الحسين) كلما خشع بصره، وقال في نفسه: نعم هو الحسين حبيبنا المظلوم،أحس بقطرات من الدموع تترقرق من عينيه، وشعر بقشعريرة في جسده، وضع رأسه على الحائط، وأجهش في البكاء، وركضت رجلاه، ولم يرَ نفسه إلا بين المعزين، يلطم ويبكي ويتحسر، الناس يبكون على الحسين ، وهو يبكي على نفسه التي أضاعت الحسين،وهم يلطمون على الحسين، وهو يلطم على جسده الذي أفناه يزيدياً، والناس يتحسرون لمقتل الحسين ، وهو يتحسر على مقتل روحه وقلبه ، وهاهو الآن نسيه الجميع وأيقظه الحسين، وأماته الشيطان وأحياه الحسين، وكلما كان يلطم على صدره ورأسه كان يقول: الحسين أيقظني.....
تحياتى ....
تحياتى ....