حيدر الموسوي
28-01-2008, 02:46 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أصحاب الحسين
منقول
--------------------
الجو في عموم العراق بارد جدا هذه الايام , لكن ذلك لم يمنع حسينا ذات السبع سنوات من مرافقة والده كاظم مشيا الى كربلاء لزيارة
الحسين ع واحياء شعائر عاشوراء هناك . كان حسين يحدث نفسه : آه كم الجو بارد , أكاد لا أشعر بأنامل يدي ولا بأنفي , لكن هذه هي
المرة الأولى التي يطلب مني فيها والدي أن أذهب معه مشيا الى كربلاء , لقد علمني الصلاة حديثا ويريدني أن أذهب لزيارة الحسين ع في عاشوراء ويشدد علي أن لا تكون هذه المرة الأخيرة ما دمت حيا . سأتحمل كل هذا البرد وأواصل المسير معك يا أبي , سأثبت لك كم أنا شجاع وصلب , وسأباهي زملائي في المدرسة بأني قد أديت الزيارة مشيا لسيد الشهداء الحسين ع , وها أنا أرفع رايتي الصغيرة المكتوب عليها ( لبيك يا حسين ) وأضع يدي بيدك , وسأكمل الطريق دون أن أشتكي أو يكل عزمي .
وكأن الوالد قد أحس باشتداد قسوة البرد على ولده الصغير , فرق قلبه لحاله , وأخذ يخاطب نفسه قائلا : تحمل يا حسين , فأنا أسميتك حسينا من شدة حبي للحسين ع , أريدك يا بني أن تتعلم كل شيء عن الحسين ع , وعن مجده وشجاعته , وعن الرسالة التي قدمها للعالم أجمع مضحيا بنفسه وعياله وأقربائه وأصحابه في سبيل أن تصل كلمة الاسلام الحقة للكل , فخذ يا ولدي من ثورة الحسين هذه كل المعاني السامية لتنير لك دربك , أريدك أن تكبر وتصبح شابا حسيني الفكر والخلق , كي تستطيع أن تقدم الخدمات لمذهب آل بيت رسول الله ص , فكن مع الحسين ليكون الله معك ( أحب الله من أحب حسينا ) .
ها قد لاح لنظرهم في الطريق تواجد موكب حسيني ومجلس عزاء يتم فيه تقديم الماء والشاي والمأكولات للزوار , فتشبث كاظم بيد حسين وأشار عليه بأن يذهبوا الى ذلك الموكب لغرض الحصول على بعض الدفء هناك وشرب الشاي الحار والاستراحة قليلا .
هناك , في ذلك المجلس الذي سمي بموكب عزاء ( ثار الله ) , كانت مجموعات من الزوار تقف للراحة وشرب الشاي وتناول وجبة أكل خفيفة , ومجموعات أخرى ترتحل من جديد , وكان مكبر الصوت يشدو : ( كل قطرة بدمي بشرياني تهتف باسمك ياااااااحسين روحي شلون تظل بجسمي من أذكر اسمك يااااااااحسين ) . كان القائم على هذا الموكب السيد أبو عادل يحادث أحد الزوار , الشيخ هادي والذي استقر هنا لغرض اراحة قدميه من عناء المشي وشرب الشاي . يقول أبو عادل : كنا قد أنشأنا موكب عزاء ( ثار الله ) أنا وأقربائي منذ قرابة عشر سنوات مضين , حينما يأتي محرم , نغلق محالنا وننسى كل شيء لنأتي هنا ونقيم هذا المجلس لخدمة زوار الحسين ع , لم يهمنا أبدا ملاحقة رجال الطاغية لنا سابقا , وقد سجن البعض منا بسبب اقامة هذا المجلس , ولكن من نحن وماذا تعني اموالنا وما هو ثمن دماءنا امام خدمة من توجه لزيارة الامام الحسين ع روحي له الفداء ؟ , فعندما يأتي الزائر ليشرب من ماءنا وشاينا ويأكل من طعامنا , فأنا وأعواني نحس أننا نوجه بكل شربة وبكل لقمة ضربة لأعداء الحسين . آه على لوعتنا بمصابك يا حسين , كم أراد الأعداء أن يخمدوا ثورتك يا سيدي ومولاي , لكن خاب ظنهم وظل مسعاهم , ففي كل عام تتجدد ذكراك ياسيدي , ويتجدد معها سعينا ودأبنا لخدمة زوارك , وما أهنأه من عمل نتقرب به الى الله بحبك يا مولاي , فكل وأشرب هنيئا مريئا يا شيخ , واذكرنا عند الحسين بالدعاء حالما تصل بالسلامة الى هناك . شكره الشيخ هادي كثيرا ودعا له بالصحة والعافية ودوام القدرة على خدمة أحباب الحسين .
خرج الشيخ هادي ذو الثمانين عاما من ذلك الموكب وبدأ يكمل مسيره مستعينا بعصاه بخطوات بطيئة وهادئة . أطرق الشيخ متأملا : الهي , ها أنا ذا أمامك تراني قد نحل جسمي ووهن عظمي , فأسألك بجاه الحسين ع أن تتم نعمتك علي وتكرمني بالاستطاعة لأكمال الطريق نحو حبيبي الحسين عليه وعلى جده وأبيه أفضل الصلاة والسلام , فأنا لم أنقطع عن زيارته لسبعين سنة من عمري , في كل عاشر من محرم أكون هناك , عند حضرته , أبكيه وأبكي مصابه ومصاب عائلته وأصحابه , فهون علي الطريق يا ألهي وخذ بيدي لأكمل المشوار , فأنا لا أعلم ان كنت سأحيا لعام آخر لأنعش قلبي مجددا بزيارة سبط الرسول الأكرم أم لا ؟ , هونها يا رب وسهلها , انك نعم المولى ونعم المجيب.
تقدم نحو الشيخ الجليل أثنان من الشباب , وعرضوا عليه المساعدة لغرض اكمال الطريق معهم بأن يستند بيديه على أكتافهما , ولكنه رفض وشكر لطفهم وكرمهم ودعا لهم بالخير والتوفيق . تركاه متأثرين له ومشفقين عليه , وباشروا يكملون طريقهم بخطوات أسرع . كانا قد تعارفا على بعضهما البعض في الطريق , ماجد من بغداد وسامي من الحلة , يقول ماجد : تعودنا أنا وأسرتي أن نزور أبي عبد الله في محرم مشيا , كنا نأتي كل سنة ومعنا أحبابنا وجيراننا , نمشي سوية غير آبهين بمصاعب الطريق , وقد فقدت أحد أخواني قبل سنتين عندما قرر أن يسبقنا بالرحيل للزيارة بفارق يوم واحد ليذهب مع أصدقائه المقربين , وكانت الأيدي الخبيثة في اللطيفية بأنتظارهم , فقد أسروه هو وكل من كان معه من الشباب , ولم نعرف بأختفاءه الا بعد أن أكملنا مراسيم الزيارة وقفلنا راجعين الى بغداد , انتظرناه ليوم وأثنين وأكثر ولكنه لم يعد , وبعد فترة جاءنا أتصال من أحد المعارف ليخبرنا بأنه قد تم التعرف على جثة أخي وأحد أصدقائه في دائرة الطب العدلي . عندما ذهبنا لأستلامه , هالنا ما رأيناه , لم يبق الظلمة أي مكان من جسمه الا وعملوا فيه حقدهم , لقد تشوه جسده الشريف بالكامل , مات حسينيا ولله الحمد , نحتسب قاتليه في النار مع قاتلي الحسين وظالميه , وها نحن نجدد المسير نحو كربلاء بعزيمة أكبر وهمة أعلى , فلا شيء يمنعنا من زيارة مولاي الحسين سوى الموت . أجابه سامي قائلا : بارك الله فيكم أخي ماجد وفي مسعاكم , هذا هو حال محبي أهل البيت ع , شموع تنير وتحترق من أجل ادامة الفكر الحسيني والحفاظ على مذهب آل الرسول الكريم ص , نحن أيضا تعرضنا لحادث أثناء زيارتنا لكربلاء العام الفائت , فقد أطلق أعداء أهل البيت قذائف الهاون على الطريق الزراعي الذي يسلكه الزوار باتجاه كربلاء , وقد سقط نتيجة هذا الأعتداء أربعة عشر من الأخوة الزوار بينهم ثلاثة نساء وأربعة أطفال , نحتسبهم شهداء عند الله تعالى , وستظل هذه الجموع تواصل مسيرها كل عام نحو كربلاء غير آبهة بما تلاقيه من محن وعقبات . وفي أثناء حديثهما , توقفت سيارة بالقرب منهم وأبرز سائقها رأسه منها صائحا : السلام عليكم , كيف حالك يا ماجد ؟ , رد ماجد : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته , أهلا بك أخي جعفر , وكيف حالك أنت ؟ , جعفر : له الحمد من قبل ومن بعد , أنا متجه مع والدتي وأختي الى كربلاء , أتريد أن أقلك معي ؟ , ماجد : مشكور يا جعفر , ولكني كنت قد نويت زيارة الحسين ع مشيا , وها أنا أكمل طريقي مع رفيقي سامي من أهالي الحلة الكرام . جعفر : خيرا ان شاء الله , عظم الله أجوركم بمصاب أبي عبد الله ونسألكم الدعاء .
توادع الصديقان وأخذ جعفر يكمل مسيره بالسيارة والتفت الى والدته : كان هذا ماجدا يا أمي , الذي كان معي في الجامعة , أم جعفر : أي نعم , لقد تذكرته , الله يحميه لشبابه ويحمي كل شباب هذا البلد بجاه محمد وآل محمد . رجعت أم جعفر الى سكونها وشرود ذهنها الذي كانت عليه وعلامات الحزن بادية عليها , هي قد اعتادت أن تأتي لزيارة الحسين ع في كل محرم بصحبة ابنيها جعفر وجابر وابنتها شيماء , ولكن هذه المرة جاءوا من دون جابر, فقد هده المرض وصار طريح الفراش , ولم يتوصل الأطباء الى حل لعلته , فهو مرض أشبه بالعضال , هذه المرة أقبلت أم جعفر لزيارة كربلاء كما هي العادة , ولكن لتتوسل ايضا الى الله بجاه الحسين أن يشافي ابنها جابر ويأخذ بيده , فهي لا تستطيع أن تتصور أنها قد تفقد ابنها في أية لحظة , وكلما تفكر بذلك يخفق قلبها سريعا وتنساب الدموع من عينيها , وبينما هي على هذه الحالة , فاذا بابنتها شيماء تمسك بيدي امها مخاطبة : تصبري يا أماه , وأجعلي توكلك على الله , فها نحن ذا متوجهين نحو سيد الشهداء , وسنصلي هناك كثيرا ونقرأ القرآن وننذر النذور ونتوجه الى الباري المشافي بالدعاء والتوسل بحق من سنزوره ونكون عنده ضيوفا , وقد عهدناك أمرأة صابرة تقية مؤمنة , فأرمي بحمولك على الله , وكل ما يأتي من الله هو خير . عقب جعفر على كلام أخته : صدقت يا شيماء , ونعم بالله , الذي لا يخيب ظن عبده المؤمن به أبدا , أن جابرا أخانا هو نعم العبد الصالح , أشهد أني ما رأيته قد عصا الله قط , أراه دائما صابرا على الابتلاء محتسبا , وشاكرا لخالقه في السراء كما في الضراء , وأنت تعرفين يا أمي أن المؤمن مبتلى , فتوجهي الى الله بالدعاء , وهو سيكفينا شر كل بلية .
كانت أم جعفر قد أعدت فطائر متنوعة , ونوت أن توزع منها على كل شاب من الزوار تراه يسير مشيا بمفرده , فلاح لها أحدهم كان يحمل راية مكتوب عليها ( يا قائم آل محمد ... أدركني ) , فسألت جعفر أن يوقف السيارة بقربه لتعطيه من الأكل الذي أعدته , أم جعفر : السلام عليكم , ما أسمك يا بني ؟ , توقف الشاب قائلا : وعليكم السلام يا أمي , أنا سلمان من سامراء , تفضلي , أم جعفر : أنت تفضل مني وجبة الأكل البسيطة هذه يا ولدي , وأسئلك أن تدعو لأبني جابر بالشفاء العاجل . سلمان : اللهم يا باري يا معافي , أسئلك بجاه الحسين الذي جاءت هذه المرأة لتزوره وتبكي مصابه وتشكي له مصابها أن تقر عينها بشفاء ابنها جابر والبراء من كل علة له ولسائر مرضى المسلمين , أنك نعم المجيب . أم جعفر باكية : بارك الله فيك يا ولدي وحماك من كل شر ومن كل سوء .
مضت السيارة شاقة طريقها ثانية بين الجموع الماشية نحو مركز مدينة كربلاء . رفع سلمان رأسه مادا بصره نحو السماء , ومضى يقول : الحمد لك يا الهي على جزيل النعم , سهلت لي طريقي من سامراء الى ها هنا , وبت قريبا من ريحانة رسول الله ص , وأعطيتني الصحة والقابلية على تحمل هذا البرد ,وها هو الطعام قد جاء الي دون عناء وكنت أنا في حاجة اليه , فكأنك سقته لي سبحانك , اللهم أسئلك أن تتقبل سعيي وزيارتي هذه , فأنت تعلم أني جئت الى كربلاء لأبكي مصاب آل محمد ع وأجدد العهد لهم , وأسئلك يا الهي أن تعجل فرج مولاي صاحب الزمان وتقر عيني برؤيته , فقد جئت أبث شكواي الى الامام العباس ع , فها هي مآذن الحضرة السامرائية وقببها قد نسفت بكيد أعداء آل البيت , فانهض يا أبا الفضل وسلم الراية للمهدي ع كي يملأ الارض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا , فنحن بالانتظار يا سادتي .
خطر في فكر سلمان أن يتجه الى الوحدة الطبية التي كانت تحمل اسم وحدة الزهراء الطبية والموجودة على جانب الطريق لغرض علاج ما أصاب رجليه من تقرحات نتيجة المشي . دخل الخيمة وسلم على القائمين على الوحدة من مسعفين وجلس , جاء اليه أحد المسعفين قائلا : يااااااه , أن قدميك يا أخي متورمتان ومتقرحتان !! , سلمان : نعم يا أخي , فقد جئت مشيا من سامراء , أجابه المسعف : شكر الله سعيك يا أخي وتقبل منك زيارتك , أنا مرتضى , معاون طبي من أهالي المقدادية بديالى , على مدار السنوات الثلاث الماضية نأتي أنا وزملائي هؤلاء من هناك وننصب خيمتنا الطبية هنا لخدمة زوار أبي عبد الله الحسين ع واسعافهم , ونبقى ها هنا الى الأربعينية . سلمان : جزاكم الله خير الجزاء يا مرتضى وبارك الله في جهودكم .
أكمل مرتضى ترطيب قدمي سلمان بالدهون والكريمات المرطبة وقام بتدليك ساقيه واعطاءه مسكنات بسيطة لتخفيف آلامه نتيجة المشي المتواصل , وبعد أن انتهى من سلمان ودعه وأنتقل لأسعاف شخص آخر : أهلا سيدنا تفضل , الزائر الجديد ( رجل بعمامة سوداء ) : أهلا بك أخي , جئت هنا لأتأكد من قياس الضغط , فقد نسيت أن آخذ حبة الدواء معي . مرتضى : بسيطة سيدنا , سأقيسه لك ومن بعدها أعطيك العلاج المطلوب فقد وفرنا كل شيء , هل جئت لوحدك ؟ , سيد صادق : لا , جئت من الكرادة / بغداد ومعي العلوية زوجتي وابنتي الصغيرة بتول , مرتضى : وأين هي بتول لأعطيها قطعة الكعك هذه ؟ , سيد صادق مبتسما : هي تلك الواقفة خارج الخيمة تنظر الينا .
كانت بتول تمسك بيد والدتها العلوية والتي كانت منشغلة بالحوار مع أمرأة أخرى . أم بتول : صحيح أن الجو بارد جدا هذه السنة , ولكن ما شاء الله تعالى أرى الزوار كثيرين جدا كما هو الحال في العام الماضي , أجابتها أم قاسم : أي نعم علوية , اذا كان زوار العراق قد تحدوا ظلم الطاغية قديما وتحدوا الارهاب والتقتيل خلال هذه السنوات الأخيرة , فهل يقف البرد في وجههم أمام زيارة حبيبهم الحسين ؟ , أنا وأبو قاسم وولدنا قاسم نأتي سنويا للزيارة مشيا , وفي هذه المنطقة بالذات يأخذنا صديق أبي قاسم ( أبو نصير ) الى بيته الذي جعله مضيفا للزوار لنبيت هذه الليلة عنده ثم نكمل المشي غدا صباحا بحول الله , وأنا بانتظار عودة أبي قاسم وقاسم برفقة أبي نصير , ....... آه , ها هم قادمون مع أبي نصير . وفي أثناء اقترابهم خرج السيد صادق من خيمة الوحدة الطبية وتعارف الجميع على بعضهم البعض , وسئل أبو نصير السيد صادق بأن يحل وعائلته ضيوفا عليه في بيته مع عائلة أبي قاسم , فالبيت يتسع لثلاثة عوائل , وافق السيد صادق على هذا المقترح مرحبا , وذهب الجميع الى بيت أبي نصير للمبيت هناك ليكملوا مسيرهم مع بداية فجر اليوم التالي نحو .........كربلاء .
كاظم وحسين وأبو عادل والشيخ هادي وماجد وسامي وجعفر وأم جعفر وشيماء وسلمان ومرتضى وعائلة السيد صادق وأبي قاسم وأبو نصير , هم نموذج من مئات الآلاف بل ملايين من الزوار العراقين من محبي أهل البيت ع , يأتون زاحفين نحو كربلاء المقدسة لأداء مراسيم زيارة أبي عبد الله الحسين ع , يبكون لمصابه ويستذكرون المأساة الأليمة التي حلت به وبآل بيت محمد ص , يبكونهم , يندبونهم , ويستمعون للنعاة الذين يروون قصة مقتلهم , يزورون المراقد الشريفة ويجددون عهد الولاء .
هناك ..... , في كربلاء , تختلط الوجوه , فتجد ابن ديالى وكركوك مع ابن بغداد وسامراء مع ابناء الجنوب مع أهالي كربلاء , وتجد العراقيين سوية مع الوفود الزائرة القادمة من الخليج ولبنان وايران والهند وباكستان وغيرها من أرجاء المعمورة . يأتي الكل لهدف واحد منشود , احياء ذكرى واقعة الطف وتجديد العهد لآل بيت المصطفى ع , والترديد بصوت واحد : ( أبد والله ما ننسى حسيناه أبد والله ما ننسى حسيناه ) .
كنت قد سمعت ترديد هذه الكلمات قبل يومين من ذكرى الاربعينية في السنة الماضية , وأتذكر أني بكيت هناك بكاء لم أبك مثله طوال حياتي . عجيبة أنت يا مأساة كربلاء , تسيل لك أعيننا أنهارا , لا شيء يقف أمام انهمار دموعنا , وكأن مقلنا قد خلقت لتبكي شهداءك ! , وعجيبة أنت يا مدينة كربلاء , فبالرغم من صغرك وضيق شوارعك وساحاتك , الا أن ملايين البشر تردك كل سنة , تستقبلين ملايين منهم في أيام وتودعين آخرين , كيف رحبت أرضك وشوارعك بهم رغم ضيقها ؟ , فالقائمين على أمور مكة يعدون العدة لشهور قبل استقبال أثنين الى ثلاثة ملايين زائر يوم الحج الأكبر , وهنا في أيام معدودة تستقبلين أنت يا كربلاء ضعف هذا العدد أو يزيد وتمضي حركات زوارك بانسيابية فائقة دون صعوبات أو مشاكل . أكيد أنها حكمة الخالق عز وجل بأن يستمر ذكر الحسين ع ومصابه على مدى السنين , ذكر يتجدد ويكبر مع الوقت , نذكر فيه مصاب آل البيت ع , ونأخذ منه العضة والخلاصة , ونستمر بتمسكنا بالقرآن وبعترة محمد ص , بانتظار الامام الآتي للأخذ بثأر آل محمد من أعداء الاسلام وأعداء العقيدة المحمدية الحقة , عجل الله تعالى فرجه الشريف , وجعلنا من مناصريه . ثبتنا الله وأياكم على نهج أهل البيت ع , وعظم الله أجورنا وأجوركم بمصاب ذبيح كربلاء .
يا أبا عبد الله يا حسين بن علي , أيها الشهيد , يا أبن رسول الله , يا حجة الله على خلقه , يا سيدنا ومولانا , انا توجهنا واستشفعنا وتوسلنا بك الى الله , وقدمناك بين يدي حاجاتنا , يا وجيها عند الله اشفع لنا عند الله .
اللهم انا دعوناك كما أمرت , فاستجب لنا كما وعدت , انك لا تخلف الميعاد
طلال الابراهيمي
-----------------
انتهى النقل
اللهم صلي على محمد وعلى آل محمد
السلام على الحسين وعلى علي بن الحسين وعلى أصحاب الحسين
منقول
--------------------
الجو في عموم العراق بارد جدا هذه الايام , لكن ذلك لم يمنع حسينا ذات السبع سنوات من مرافقة والده كاظم مشيا الى كربلاء لزيارة
الحسين ع واحياء شعائر عاشوراء هناك . كان حسين يحدث نفسه : آه كم الجو بارد , أكاد لا أشعر بأنامل يدي ولا بأنفي , لكن هذه هي
المرة الأولى التي يطلب مني فيها والدي أن أذهب معه مشيا الى كربلاء , لقد علمني الصلاة حديثا ويريدني أن أذهب لزيارة الحسين ع في عاشوراء ويشدد علي أن لا تكون هذه المرة الأخيرة ما دمت حيا . سأتحمل كل هذا البرد وأواصل المسير معك يا أبي , سأثبت لك كم أنا شجاع وصلب , وسأباهي زملائي في المدرسة بأني قد أديت الزيارة مشيا لسيد الشهداء الحسين ع , وها أنا أرفع رايتي الصغيرة المكتوب عليها ( لبيك يا حسين ) وأضع يدي بيدك , وسأكمل الطريق دون أن أشتكي أو يكل عزمي .
وكأن الوالد قد أحس باشتداد قسوة البرد على ولده الصغير , فرق قلبه لحاله , وأخذ يخاطب نفسه قائلا : تحمل يا حسين , فأنا أسميتك حسينا من شدة حبي للحسين ع , أريدك يا بني أن تتعلم كل شيء عن الحسين ع , وعن مجده وشجاعته , وعن الرسالة التي قدمها للعالم أجمع مضحيا بنفسه وعياله وأقربائه وأصحابه في سبيل أن تصل كلمة الاسلام الحقة للكل , فخذ يا ولدي من ثورة الحسين هذه كل المعاني السامية لتنير لك دربك , أريدك أن تكبر وتصبح شابا حسيني الفكر والخلق , كي تستطيع أن تقدم الخدمات لمذهب آل بيت رسول الله ص , فكن مع الحسين ليكون الله معك ( أحب الله من أحب حسينا ) .
ها قد لاح لنظرهم في الطريق تواجد موكب حسيني ومجلس عزاء يتم فيه تقديم الماء والشاي والمأكولات للزوار , فتشبث كاظم بيد حسين وأشار عليه بأن يذهبوا الى ذلك الموكب لغرض الحصول على بعض الدفء هناك وشرب الشاي الحار والاستراحة قليلا .
هناك , في ذلك المجلس الذي سمي بموكب عزاء ( ثار الله ) , كانت مجموعات من الزوار تقف للراحة وشرب الشاي وتناول وجبة أكل خفيفة , ومجموعات أخرى ترتحل من جديد , وكان مكبر الصوت يشدو : ( كل قطرة بدمي بشرياني تهتف باسمك ياااااااحسين روحي شلون تظل بجسمي من أذكر اسمك يااااااااحسين ) . كان القائم على هذا الموكب السيد أبو عادل يحادث أحد الزوار , الشيخ هادي والذي استقر هنا لغرض اراحة قدميه من عناء المشي وشرب الشاي . يقول أبو عادل : كنا قد أنشأنا موكب عزاء ( ثار الله ) أنا وأقربائي منذ قرابة عشر سنوات مضين , حينما يأتي محرم , نغلق محالنا وننسى كل شيء لنأتي هنا ونقيم هذا المجلس لخدمة زوار الحسين ع , لم يهمنا أبدا ملاحقة رجال الطاغية لنا سابقا , وقد سجن البعض منا بسبب اقامة هذا المجلس , ولكن من نحن وماذا تعني اموالنا وما هو ثمن دماءنا امام خدمة من توجه لزيارة الامام الحسين ع روحي له الفداء ؟ , فعندما يأتي الزائر ليشرب من ماءنا وشاينا ويأكل من طعامنا , فأنا وأعواني نحس أننا نوجه بكل شربة وبكل لقمة ضربة لأعداء الحسين . آه على لوعتنا بمصابك يا حسين , كم أراد الأعداء أن يخمدوا ثورتك يا سيدي ومولاي , لكن خاب ظنهم وظل مسعاهم , ففي كل عام تتجدد ذكراك ياسيدي , ويتجدد معها سعينا ودأبنا لخدمة زوارك , وما أهنأه من عمل نتقرب به الى الله بحبك يا مولاي , فكل وأشرب هنيئا مريئا يا شيخ , واذكرنا عند الحسين بالدعاء حالما تصل بالسلامة الى هناك . شكره الشيخ هادي كثيرا ودعا له بالصحة والعافية ودوام القدرة على خدمة أحباب الحسين .
خرج الشيخ هادي ذو الثمانين عاما من ذلك الموكب وبدأ يكمل مسيره مستعينا بعصاه بخطوات بطيئة وهادئة . أطرق الشيخ متأملا : الهي , ها أنا ذا أمامك تراني قد نحل جسمي ووهن عظمي , فأسألك بجاه الحسين ع أن تتم نعمتك علي وتكرمني بالاستطاعة لأكمال الطريق نحو حبيبي الحسين عليه وعلى جده وأبيه أفضل الصلاة والسلام , فأنا لم أنقطع عن زيارته لسبعين سنة من عمري , في كل عاشر من محرم أكون هناك , عند حضرته , أبكيه وأبكي مصابه ومصاب عائلته وأصحابه , فهون علي الطريق يا ألهي وخذ بيدي لأكمل المشوار , فأنا لا أعلم ان كنت سأحيا لعام آخر لأنعش قلبي مجددا بزيارة سبط الرسول الأكرم أم لا ؟ , هونها يا رب وسهلها , انك نعم المولى ونعم المجيب.
تقدم نحو الشيخ الجليل أثنان من الشباب , وعرضوا عليه المساعدة لغرض اكمال الطريق معهم بأن يستند بيديه على أكتافهما , ولكنه رفض وشكر لطفهم وكرمهم ودعا لهم بالخير والتوفيق . تركاه متأثرين له ومشفقين عليه , وباشروا يكملون طريقهم بخطوات أسرع . كانا قد تعارفا على بعضهما البعض في الطريق , ماجد من بغداد وسامي من الحلة , يقول ماجد : تعودنا أنا وأسرتي أن نزور أبي عبد الله في محرم مشيا , كنا نأتي كل سنة ومعنا أحبابنا وجيراننا , نمشي سوية غير آبهين بمصاعب الطريق , وقد فقدت أحد أخواني قبل سنتين عندما قرر أن يسبقنا بالرحيل للزيارة بفارق يوم واحد ليذهب مع أصدقائه المقربين , وكانت الأيدي الخبيثة في اللطيفية بأنتظارهم , فقد أسروه هو وكل من كان معه من الشباب , ولم نعرف بأختفاءه الا بعد أن أكملنا مراسيم الزيارة وقفلنا راجعين الى بغداد , انتظرناه ليوم وأثنين وأكثر ولكنه لم يعد , وبعد فترة جاءنا أتصال من أحد المعارف ليخبرنا بأنه قد تم التعرف على جثة أخي وأحد أصدقائه في دائرة الطب العدلي . عندما ذهبنا لأستلامه , هالنا ما رأيناه , لم يبق الظلمة أي مكان من جسمه الا وعملوا فيه حقدهم , لقد تشوه جسده الشريف بالكامل , مات حسينيا ولله الحمد , نحتسب قاتليه في النار مع قاتلي الحسين وظالميه , وها نحن نجدد المسير نحو كربلاء بعزيمة أكبر وهمة أعلى , فلا شيء يمنعنا من زيارة مولاي الحسين سوى الموت . أجابه سامي قائلا : بارك الله فيكم أخي ماجد وفي مسعاكم , هذا هو حال محبي أهل البيت ع , شموع تنير وتحترق من أجل ادامة الفكر الحسيني والحفاظ على مذهب آل الرسول الكريم ص , نحن أيضا تعرضنا لحادث أثناء زيارتنا لكربلاء العام الفائت , فقد أطلق أعداء أهل البيت قذائف الهاون على الطريق الزراعي الذي يسلكه الزوار باتجاه كربلاء , وقد سقط نتيجة هذا الأعتداء أربعة عشر من الأخوة الزوار بينهم ثلاثة نساء وأربعة أطفال , نحتسبهم شهداء عند الله تعالى , وستظل هذه الجموع تواصل مسيرها كل عام نحو كربلاء غير آبهة بما تلاقيه من محن وعقبات . وفي أثناء حديثهما , توقفت سيارة بالقرب منهم وأبرز سائقها رأسه منها صائحا : السلام عليكم , كيف حالك يا ماجد ؟ , رد ماجد : وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته , أهلا بك أخي جعفر , وكيف حالك أنت ؟ , جعفر : له الحمد من قبل ومن بعد , أنا متجه مع والدتي وأختي الى كربلاء , أتريد أن أقلك معي ؟ , ماجد : مشكور يا جعفر , ولكني كنت قد نويت زيارة الحسين ع مشيا , وها أنا أكمل طريقي مع رفيقي سامي من أهالي الحلة الكرام . جعفر : خيرا ان شاء الله , عظم الله أجوركم بمصاب أبي عبد الله ونسألكم الدعاء .
توادع الصديقان وأخذ جعفر يكمل مسيره بالسيارة والتفت الى والدته : كان هذا ماجدا يا أمي , الذي كان معي في الجامعة , أم جعفر : أي نعم , لقد تذكرته , الله يحميه لشبابه ويحمي كل شباب هذا البلد بجاه محمد وآل محمد . رجعت أم جعفر الى سكونها وشرود ذهنها الذي كانت عليه وعلامات الحزن بادية عليها , هي قد اعتادت أن تأتي لزيارة الحسين ع في كل محرم بصحبة ابنيها جعفر وجابر وابنتها شيماء , ولكن هذه المرة جاءوا من دون جابر, فقد هده المرض وصار طريح الفراش , ولم يتوصل الأطباء الى حل لعلته , فهو مرض أشبه بالعضال , هذه المرة أقبلت أم جعفر لزيارة كربلاء كما هي العادة , ولكن لتتوسل ايضا الى الله بجاه الحسين أن يشافي ابنها جابر ويأخذ بيده , فهي لا تستطيع أن تتصور أنها قد تفقد ابنها في أية لحظة , وكلما تفكر بذلك يخفق قلبها سريعا وتنساب الدموع من عينيها , وبينما هي على هذه الحالة , فاذا بابنتها شيماء تمسك بيدي امها مخاطبة : تصبري يا أماه , وأجعلي توكلك على الله , فها نحن ذا متوجهين نحو سيد الشهداء , وسنصلي هناك كثيرا ونقرأ القرآن وننذر النذور ونتوجه الى الباري المشافي بالدعاء والتوسل بحق من سنزوره ونكون عنده ضيوفا , وقد عهدناك أمرأة صابرة تقية مؤمنة , فأرمي بحمولك على الله , وكل ما يأتي من الله هو خير . عقب جعفر على كلام أخته : صدقت يا شيماء , ونعم بالله , الذي لا يخيب ظن عبده المؤمن به أبدا , أن جابرا أخانا هو نعم العبد الصالح , أشهد أني ما رأيته قد عصا الله قط , أراه دائما صابرا على الابتلاء محتسبا , وشاكرا لخالقه في السراء كما في الضراء , وأنت تعرفين يا أمي أن المؤمن مبتلى , فتوجهي الى الله بالدعاء , وهو سيكفينا شر كل بلية .
كانت أم جعفر قد أعدت فطائر متنوعة , ونوت أن توزع منها على كل شاب من الزوار تراه يسير مشيا بمفرده , فلاح لها أحدهم كان يحمل راية مكتوب عليها ( يا قائم آل محمد ... أدركني ) , فسألت جعفر أن يوقف السيارة بقربه لتعطيه من الأكل الذي أعدته , أم جعفر : السلام عليكم , ما أسمك يا بني ؟ , توقف الشاب قائلا : وعليكم السلام يا أمي , أنا سلمان من سامراء , تفضلي , أم جعفر : أنت تفضل مني وجبة الأكل البسيطة هذه يا ولدي , وأسئلك أن تدعو لأبني جابر بالشفاء العاجل . سلمان : اللهم يا باري يا معافي , أسئلك بجاه الحسين الذي جاءت هذه المرأة لتزوره وتبكي مصابه وتشكي له مصابها أن تقر عينها بشفاء ابنها جابر والبراء من كل علة له ولسائر مرضى المسلمين , أنك نعم المجيب . أم جعفر باكية : بارك الله فيك يا ولدي وحماك من كل شر ومن كل سوء .
مضت السيارة شاقة طريقها ثانية بين الجموع الماشية نحو مركز مدينة كربلاء . رفع سلمان رأسه مادا بصره نحو السماء , ومضى يقول : الحمد لك يا الهي على جزيل النعم , سهلت لي طريقي من سامراء الى ها هنا , وبت قريبا من ريحانة رسول الله ص , وأعطيتني الصحة والقابلية على تحمل هذا البرد ,وها هو الطعام قد جاء الي دون عناء وكنت أنا في حاجة اليه , فكأنك سقته لي سبحانك , اللهم أسئلك أن تتقبل سعيي وزيارتي هذه , فأنت تعلم أني جئت الى كربلاء لأبكي مصاب آل محمد ع وأجدد العهد لهم , وأسئلك يا الهي أن تعجل فرج مولاي صاحب الزمان وتقر عيني برؤيته , فقد جئت أبث شكواي الى الامام العباس ع , فها هي مآذن الحضرة السامرائية وقببها قد نسفت بكيد أعداء آل البيت , فانهض يا أبا الفضل وسلم الراية للمهدي ع كي يملأ الارض قسطا وعدلا بعدما ملئت ظلما وجورا , فنحن بالانتظار يا سادتي .
خطر في فكر سلمان أن يتجه الى الوحدة الطبية التي كانت تحمل اسم وحدة الزهراء الطبية والموجودة على جانب الطريق لغرض علاج ما أصاب رجليه من تقرحات نتيجة المشي . دخل الخيمة وسلم على القائمين على الوحدة من مسعفين وجلس , جاء اليه أحد المسعفين قائلا : يااااااه , أن قدميك يا أخي متورمتان ومتقرحتان !! , سلمان : نعم يا أخي , فقد جئت مشيا من سامراء , أجابه المسعف : شكر الله سعيك يا أخي وتقبل منك زيارتك , أنا مرتضى , معاون طبي من أهالي المقدادية بديالى , على مدار السنوات الثلاث الماضية نأتي أنا وزملائي هؤلاء من هناك وننصب خيمتنا الطبية هنا لخدمة زوار أبي عبد الله الحسين ع واسعافهم , ونبقى ها هنا الى الأربعينية . سلمان : جزاكم الله خير الجزاء يا مرتضى وبارك الله في جهودكم .
أكمل مرتضى ترطيب قدمي سلمان بالدهون والكريمات المرطبة وقام بتدليك ساقيه واعطاءه مسكنات بسيطة لتخفيف آلامه نتيجة المشي المتواصل , وبعد أن انتهى من سلمان ودعه وأنتقل لأسعاف شخص آخر : أهلا سيدنا تفضل , الزائر الجديد ( رجل بعمامة سوداء ) : أهلا بك أخي , جئت هنا لأتأكد من قياس الضغط , فقد نسيت أن آخذ حبة الدواء معي . مرتضى : بسيطة سيدنا , سأقيسه لك ومن بعدها أعطيك العلاج المطلوب فقد وفرنا كل شيء , هل جئت لوحدك ؟ , سيد صادق : لا , جئت من الكرادة / بغداد ومعي العلوية زوجتي وابنتي الصغيرة بتول , مرتضى : وأين هي بتول لأعطيها قطعة الكعك هذه ؟ , سيد صادق مبتسما : هي تلك الواقفة خارج الخيمة تنظر الينا .
كانت بتول تمسك بيد والدتها العلوية والتي كانت منشغلة بالحوار مع أمرأة أخرى . أم بتول : صحيح أن الجو بارد جدا هذه السنة , ولكن ما شاء الله تعالى أرى الزوار كثيرين جدا كما هو الحال في العام الماضي , أجابتها أم قاسم : أي نعم علوية , اذا كان زوار العراق قد تحدوا ظلم الطاغية قديما وتحدوا الارهاب والتقتيل خلال هذه السنوات الأخيرة , فهل يقف البرد في وجههم أمام زيارة حبيبهم الحسين ؟ , أنا وأبو قاسم وولدنا قاسم نأتي سنويا للزيارة مشيا , وفي هذه المنطقة بالذات يأخذنا صديق أبي قاسم ( أبو نصير ) الى بيته الذي جعله مضيفا للزوار لنبيت هذه الليلة عنده ثم نكمل المشي غدا صباحا بحول الله , وأنا بانتظار عودة أبي قاسم وقاسم برفقة أبي نصير , ....... آه , ها هم قادمون مع أبي نصير . وفي أثناء اقترابهم خرج السيد صادق من خيمة الوحدة الطبية وتعارف الجميع على بعضهم البعض , وسئل أبو نصير السيد صادق بأن يحل وعائلته ضيوفا عليه في بيته مع عائلة أبي قاسم , فالبيت يتسع لثلاثة عوائل , وافق السيد صادق على هذا المقترح مرحبا , وذهب الجميع الى بيت أبي نصير للمبيت هناك ليكملوا مسيرهم مع بداية فجر اليوم التالي نحو .........كربلاء .
كاظم وحسين وأبو عادل والشيخ هادي وماجد وسامي وجعفر وأم جعفر وشيماء وسلمان ومرتضى وعائلة السيد صادق وأبي قاسم وأبو نصير , هم نموذج من مئات الآلاف بل ملايين من الزوار العراقين من محبي أهل البيت ع , يأتون زاحفين نحو كربلاء المقدسة لأداء مراسيم زيارة أبي عبد الله الحسين ع , يبكون لمصابه ويستذكرون المأساة الأليمة التي حلت به وبآل بيت محمد ص , يبكونهم , يندبونهم , ويستمعون للنعاة الذين يروون قصة مقتلهم , يزورون المراقد الشريفة ويجددون عهد الولاء .
هناك ..... , في كربلاء , تختلط الوجوه , فتجد ابن ديالى وكركوك مع ابن بغداد وسامراء مع ابناء الجنوب مع أهالي كربلاء , وتجد العراقيين سوية مع الوفود الزائرة القادمة من الخليج ولبنان وايران والهند وباكستان وغيرها من أرجاء المعمورة . يأتي الكل لهدف واحد منشود , احياء ذكرى واقعة الطف وتجديد العهد لآل بيت المصطفى ع , والترديد بصوت واحد : ( أبد والله ما ننسى حسيناه أبد والله ما ننسى حسيناه ) .
كنت قد سمعت ترديد هذه الكلمات قبل يومين من ذكرى الاربعينية في السنة الماضية , وأتذكر أني بكيت هناك بكاء لم أبك مثله طوال حياتي . عجيبة أنت يا مأساة كربلاء , تسيل لك أعيننا أنهارا , لا شيء يقف أمام انهمار دموعنا , وكأن مقلنا قد خلقت لتبكي شهداءك ! , وعجيبة أنت يا مدينة كربلاء , فبالرغم من صغرك وضيق شوارعك وساحاتك , الا أن ملايين البشر تردك كل سنة , تستقبلين ملايين منهم في أيام وتودعين آخرين , كيف رحبت أرضك وشوارعك بهم رغم ضيقها ؟ , فالقائمين على أمور مكة يعدون العدة لشهور قبل استقبال أثنين الى ثلاثة ملايين زائر يوم الحج الأكبر , وهنا في أيام معدودة تستقبلين أنت يا كربلاء ضعف هذا العدد أو يزيد وتمضي حركات زوارك بانسيابية فائقة دون صعوبات أو مشاكل . أكيد أنها حكمة الخالق عز وجل بأن يستمر ذكر الحسين ع ومصابه على مدى السنين , ذكر يتجدد ويكبر مع الوقت , نذكر فيه مصاب آل البيت ع , ونأخذ منه العضة والخلاصة , ونستمر بتمسكنا بالقرآن وبعترة محمد ص , بانتظار الامام الآتي للأخذ بثأر آل محمد من أعداء الاسلام وأعداء العقيدة المحمدية الحقة , عجل الله تعالى فرجه الشريف , وجعلنا من مناصريه . ثبتنا الله وأياكم على نهج أهل البيت ع , وعظم الله أجورنا وأجوركم بمصاب ذبيح كربلاء .
يا أبا عبد الله يا حسين بن علي , أيها الشهيد , يا أبن رسول الله , يا حجة الله على خلقه , يا سيدنا ومولانا , انا توجهنا واستشفعنا وتوسلنا بك الى الله , وقدمناك بين يدي حاجاتنا , يا وجيها عند الله اشفع لنا عند الله .
اللهم انا دعوناك كما أمرت , فاستجب لنا كما وعدت , انك لا تخلف الميعاد
طلال الابراهيمي
-----------------
انتهى النقل