المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : امرأة اسمها زينب .. رواية لكمال السيد ..رائعة ..أجزاء .


بنتُ علي
05-02-2008, 08:02 AM
إمرأة اسمها زينب ..رواية لكمال السيد

الإهداء:
إلى روح الله
في زمن يلفّه الضباب والدخان .. في زمن الشيطان .. في زمن ٍ رسَمَ الرعبُ ملامحه في المدن الخائفة .. العالم مستسلم بين أنياب تنزّ صديداً .. في هذا الزمن اليائس ,تمخّضت الأرض فأنجبت "روحَ الله".
وجهٌ يحمل شارات الأنبياء ..وامتدادات السماء :سيفاً ..قرآناً ..صهيلاً مخزوناً من أرض كربلاء .. من لحظة عاشوراء .
وتُشرق شمس جديدة تغمر الدنيا بالدفئ والنور والأمل ... وترفع النوق في الصحارى رؤوسها .
هناك في الأفق البعيد , قافلة يقودها وارث الحسين .
السلام عليك ياروح الله, وعلى الأرواح التي حلّت بفنائك .
سرعان مارحلت عنا ,بقلبك المطمئن المفعَم بالسلام ..بروحك الطاهرة ..بأملك الكبير في حياة ٍ أبدية ٍ لا نكَد فيها ولاعناء .
كيف نخبّئ دموعنا في دربك اللاحب .سنُحرق كلَّ أشرعتنا , ونغرق في شواطئك ..
ايها المسكون بهاجس الرحيل .. المبهور بالسفر .. ايها القادم الينا من عماق التاريخ والانسان .. ايها المضمخ بعبير النبوّات ..يابشارة هذا العصر .
عندما اشرقت على الدنيا بدأ عصر الزوابع .. الغيوم المخزونة بالرعود تتحشد فتشعل البروق , وتسيل اودية بقدر .
السلام عليك ياروح الله .. ايها القادم من رحم كربلاء , جواداً ينبعث من أعماق رمال الصحراء .. صوتاً فيه أنغام الزبور ..تراتيل التوراة .. بشارة الانجيل .. وآيات القرآن العظيم .
السلام عليك ياروح الله ..
ايها الروح الذي حطّم اصنام الطغاة .. ايها القلب الذي أصبح نبعاً للحياة , وطريقاً للنجاة .
مذ رأيناك رأينا آية الله .. معجزات الانبياء .في قبضتك عصا موسى تنسف سحر الشياطين ..فأس ابراهيم تهشم وجوه الآلهة المزيفة .في عينيك بريق الحسين .. والجراح التي هزمت سيوف القبائل .
مايزال حضورك قوياً رغم غيابك .. أيها الشاهد الغائب , والغائب الشاهد ..
قبرك يرفض صمت المقابر .. وصمتك العجيب يتحدث بلغة مدهشة ابلغ من كل ابجديات الدنيا .
أنا لا أصدق خرافة موتك ..فالذين التحقوا بقافلة الحسين لن يموتوا .. لقد حطّموا جدران الزمن الصدئة .. اكتشفوا سرّ الخلود .
باقة ورد اقدمها بين يديك ياسيدي , وسلام عليك في العالمين .

كمال السيد



بداية الرواية :

"1"


جمحت الفرس ... رمحت ... ارتفع صهيلها عالياً يملأ الآفاق ... لقد عانق الفارس الذي دوّخ القبائل ... عانق الأرض ... توسّد رمال الصحراء ... أفناه الظمأ ... وأعياه نزف الدم , والفرات يجري متلويّاً تتدافع أمواجه كأنه بطون الحيّات .
جالت الفرس .. جمحت ْ وهي تقترب منه . راحت تمرّغ ناصيتها بالدماء الثائرة .. تلوّن ذرّات الرمل الملتهبة بلون الشفَق الحزين .
هتف رجل ٌ من القبائل ... رجل أسكرته نشوة القتل :
-دونكم الفرَس .انها من جياد خيل النبي .
مثل دوّامة مالها من قرار , دارت الخيل حولها الفرس تقاتل بضراوة .. تدفع عنها غائلة القبائل , كمالو أن روح السبط قد سكنت أعماقها .
أما هو فقد توقّف ليستريح فوق رمال كربلاء .
مالها القبائل تشتعل حقداً .. تضطرم غيظاً .. تتفجر في أعماقها شهوة الثأر .
ثارت الرمال تحت حوافر الخيل وعجزت الذئاب عن كبح جماح فرس ثائرة كان صاحبها قد التوى به السرج , فانسربت روحه الدافئة تلتقط أنفاسها من بين ذرات الارض ...
صرخ الرجل الذي يحلم بكنوز الري وجرجان :
-دعوها لننظر ماتصنع .
انحسرت عنها الخيل .. نظرت إلى الافق البعيد , ثم لوت راسها باتجاه آخر الاسباط .
مايزال غافياً فوق الرمال ينوء بنفسه .. قلبه ينزف دماً , ودماء القلب ترسم طريقها فوق الارض نهراً صغيراً يكاد سنا نوره يضئ التاريخ .
خفت زعيق القبائل ... وتقدّمت الفرس نحو سبط النبي .. شمته .. ملأت رئتيها من عبير النبوّات .. اطلقت صهيلاً مدوّياً وهي تركل الأرض .. تريدها أن تستيقظ .. أن تهتز .. , وتتزلزل تحت أقدام الذين اغتالوا الحرّية وطعنوا السلام .
انطلقت الفرس نحو خيام قافلة عصفت ْ بها الريح من كل مكان .
كانت وماتزال تصهل عالياً ... ماتزال كلماتها تتردد في سماء التاريخ .
- الظليمة الظليمة من امة قتلت ابن بنت نبيّها .
لقد انتهى كل شئ , ومرّت العاصفة الهوجاء .. ملأت الرمال دماء ودموعاً .. والفرات مايزال يجري .. تتدافع أمواجه نحو البحر البعيد .
يمّمت الفرس وجهها شطر الفرات المسافر في مجاهل الصحراء ..
اقتحمت أمواجه المتدافعة , وغمرتها الأمواج , وكان الحصى المتناثر فوق الشواطئ يصغي لأنين خافت يشبه حمحمة فرس حزينة .
وتالقت في أعماق النهر مآذن وقباب وقوافل مسافرة .
هناك في القيعان الخفية تسطع النجوم , ويغفو القمر بسلام , ويمتزج الصهيل الكربلائي مع المياه المتدافعة صوب البحر .
وتغفو الفرس في أحضان الطين المعطور بعد يوم عصيب .
وفي المساء , عندما بدا نخيل الشواطئ كأهداب حورية شهيدة , فقد الفرات مذاقه العذب فإذا هو أجاج يلفظه الظمآن كمالوكان مترعاً بملح الصحراء .
وعندما مرّت غيوم , شاهد بعضهم غيمة ً بيضاء تشبه فرساً مجنونة تشّق طريقهافي الفضاء الأزرق .. ترسم للأجيال طريق الحرّية .


"2"

تراقصت ألسنة النار المجنونة وهي تلتهم خيام القافلة ...
بدتْ كشَيْطانٍ يتميّز من الغيظ.
فرّت النسوة والأطفال هائمين في وجه الصحراء , وقطعان الذئاب تجوس خلال الخيام كريحٍ مجنونة .
هبّت القبائل تسلب وتنهب , وتحوّلت تلك القطعة من أرض الله إلى مسرح ٍ رهيب ٍ , وقد ظهر ابليس ينفخ ويصفر .. يسخر من آدم .. وبدا آدمُ حزيناً على فردوسه المفقود .
وكانت امرأة اسمها زينب تتالّق وسْط الناس ... ترتل نداء السماء :
يا نار كوني برداً وسلاماً .
تقدمتْ نحو الشمس التي كُوّرت .. كانت تتنفس روحَ علي ..ترتدي حلّة أيوب النبي .
تقدمت نحو آخر القرابين السماوية .
اختفت الزهور والرياحين , وظهرت الأشواك حادّة كأنصال السكاكين .. ملأت الطريق .. الطريق الذي يؤدي إلى الحسين .
قالت زينب وهي تجثو أمام جسد ممزَّق:
- الهي تقبّل منا هذا القربان !
- نهضت تلملم آلامها .. تبحث عن أطفال ونسوة فرّت مذعورة كطيور هاربة من سفن بعيدة قد غرقت .
العيون الحالمة والقلوب الصغيرة فرّت خائفة . وكان " الرضيع " مايزال غافياً مصبوغ النحر بلون الأرجوان .
عواء الذئاب يمزّق وداعة الرياحين . واستحالت الاشياء الخضراء الى رماد تذروه الرياح .
كل شئ بات يهتّز بشدّة .. الموجودات تتأرجح كمالو أن زلزالاً ضرب الأرض ,فبدت مجنونة , وهي تمخر غبار الكون .
آن للقافلة أن تستأنف رحلتها , وقد ظهرت امرأة ترتدي صبر الأنبياء .. عنفوان الرسالات .. وكان اسمها زينب ...
آن للقافلة أن ترحل .
رفعت النوق اثقالها ... وانتشلت الصحراء مراسيها ... وبوصلة التاريخ تشير الى المدينة المشهورة بالغدر .
ومن بعيد لاحت الكوفة ذليلةً خاوية ً على عروشها .
قالت زينب وهي تستقي صبر الحسين :
- لن يموت مَن رأسه فوق الرمح ... انظر انه يرتل سورة الكهف .
قال فتى عليل أفلَت من أنياب الذئاب :
- انهم يقتلون الحرية .. والانسان .
- الروح العظيمة لاتعرف الموت .. انهم يرفعونها عالياً فوق ذرى الرماح .
وأردفت المرأة المتوشحة بالصبر:
- انظر يابن اخي سندخل الكوفة .
- ياعمتي اننا ندخلها اسرى .
- بل فاتحين ... وسينجلي ذلك ولو بعد حين .
- وهذه الحبال وقيود الحديد
- ستلتف حول أعناق الذين غدروا.انهم لاايمان لهم .صبرا يابقية جدي وأبي واخوتي , فوالله ان هذا لعهد من الله الى جدّك وأبيك , ولقد أخذ الله ميثاق أناس ٍ لاتعرفهم فراعنة هذه الأرض , وهم معروفون في أهل السماوات ..انهم يجمعون هذه الجسوم المضّرجة فيوارونها , وينصبون بذاك الطف علماً لايُدرس أثره .

يتبع إن شاء الله ...سأكمل لكم الرواية ...وأرجو التثبيت على الأقل حتى ننتهي من كل الأجزاء ...

انتبهوا لكل كلمة وخصوصا المقطع الآخير ...في هذا الجزء
مأجورين

تحياتي :بنتُ علي

hassan.khalifa
06-02-2008, 12:13 PM
جزاكــ الله الف شكر اختي.:)

وانشاء الله سيتم التثبيت، بس ترجع ادوات الاشراف لي :)


جزاك الله الف خير وانا متابع معاكـــ:)

بنتُ علي
06-02-2008, 09:36 PM
ياهلا اخوي حسن ...

شكرا :)

انشاء اكملها ........

رواية روعة ..احب اسلوب كمال السيد

تحياتي

بنتُ علي
07-02-2008, 02:36 AM
امرأة اسمها زينب ...........

"3"

عصف الأرق بأم سلمة ... غادر النوم عينيها الساهرتين ... تراقب النجوم وهي تومض من بعيد .
مذ غادر الحسين الحجاز والرؤيا لا تفارقها
مذ رحل السبط إلى أرض السواد , وهي ترى النبي حزيناً مكتئباً .
وعندما تنحسر الرؤيا , تتذكر حزن الحبيب يوم فقَد ابنَه إبراهيم .
عانقه ثم قال – وعيناه تدمعان : إنّا بك لمحزونون .
ولكن حزنه الآن حزنٌ عميقٌ .. كبئر سحيقة .
لم تشاهده بهذه الحال أبداً .
رأت شعره المتموّج تموَّجّ الصحارى . رأته أشعث , ورأت وجهه القطني المشرَّب بحمرة الشفق مغبرّاً , وعلى رأسه التراب .
هدّ أمَّ المؤمنين القلقُ . كانت تدرك في قرارة نفسها أنّ شيئاً رهيباً قد وقع , فالحسين في أرضٍ طالما غدرت ْ بأبنائها .
أغمضت عينيها الواهنتين ,فرأت الحبيب َ مرة أخرى . أفزعها منظره .. كان ينكت التراب عن رأسه , وبدا شعره أشعث مغبرّاً :
- مالي أراك أراك أشعث مغبرّاً يا رسول الله .
أجاب آخر الأنبياء , وعيناه تدمعان :
-قُتل ولدي الحسين , ومازلتُ أحفر القبور له ولأصحابه .
انتبهتْ أمّ سلمه من الحُلم .. وجدت ْ نفسها تبكي بصوت يشبه نشيج الميازيب في مواسم المطر .
الباء يشق ّ طريقه في الليل .. يتسلّل من خلال الظلام الذي يغمر المدينة قبل الساعة التي ينفلق فيها الفجر .
النجوم ما تزال تومض كقلوبٍ واهنة ٍ أجهدها النبض .
أسرعت أمّ سلمة إلى قارورة فيها قبضة من ترابٍ كان جبريل قد أحضرها من شطآن الفرات .
كانت القارورة تفور دماً عبيطاً .. كجُرح بعيدَ الغوْر .. بركان من دم ثائر .
- واثكلاه ! ليت الموت أعدمني الحياة ... اليوم مات رسول الله ... فاطمةُ الزهراء .
غبره كئيبة لفّت المدينة التي فقدتْ مجدها ...
هاهو أبو سفيان يقود جيوشَ الشرك مرّة أخرى , وقد عاد ليثأر من بدر .. يثأر لأبي جهل , وأمية , والوليد , وهبل , واللات والعزى .
-أين أنت يا رسول الله؟ . هلّم إلى سبطك تتخطّفه سيوف القبائل .. هلّم لترى ما يفعل طلقاؤك .. لقد سرقوا منبرك.. ينزّون عليه قردة وخنازير .
وهاهم اليوم يمزّقون قلبك .. يمزقون صدر الحسين !
انهم يطعنون المزن في السماء . فيا أرض اعطشي .. يطفئون وهجة الضياء . فيا شمس ارحلي .. يسحقون الورد والريحان . فيا أرض اهمدي .
وحين غاب الحسين حلّ زمن القهر , وبدت خيول العرب ذليلة .. ذليلة كصبايا السبْي .
ومضت أمّ سلمة تحثّ الخطى الى رسول الله .. تعزّيه في ريحانته .. أمّا الزهراء فما يزال مثواها مجهولاً يرسم علامة سؤال كبير يستفهم التاريخ .
استيقظت المدينة خائفة تترقّب .. أطلّت عيون زائغة ..
الأفاعي التي فرّت من مكّة ظهرتْ رؤوسها في دمشق ... فحيحها يملأ الفضاء .. يكاد يخنق كلمات السماء .
وانبعث أبو جهل يكرع كؤوس الخمر , ويعربد . وفرّ بلال وعمّار وسلمان .. كانوا يبحثون عن رسول الله , فلقد حمي الوطيس .. وطيس المعركة .


"4"


الغروب الحزين يقرض منازل المدينة المشهورة بالغدر, توهّجت ذرى النخيل بحمرة تشبه الجمر , فبدت ْ كجراح متألّقة .
دخلت القافلة التي جاءت على قدَرٍ العاصمة الدارسة .
كمومس عجوز بدت الكوفة ذلك الغروب.
احتشدت جموع مذهولة حول القافلة العجيبة .
سألت امرأة كوفية ربّما لتمسّ الجراح :
-من أي الأسارى أنت ؟
وجاء الجواب الصاعقة :
- نحن أسارى آل محمد .
وأومأت بنت محمد إلى الناس , فسكنت الأصوات , وبلغت القلوب الحناجر .
وبدت ْ وهي فوق ناقتها ملاكاً قادماً ن السماء .
سكت الناس , وتوقّف التاريخ يصغي إلى كلمات عليّ تنبعث من جديد :
- أما بعد يا أهل الكوفة , يا أهل الختل والغدر . أتبكون فلا رقأت الدمعة , ولا هدأت الرنّة . إنما مثلكم كمثل التي نقضت غزلها من بعد قوة أنكاثا , تتخذون أيمانكم دَخلاً بينكم . ألا وهل فيكم الا الصلف النطف والعجب والكذب والشنف , وملق الإماء , وغمز الأعداء .
كمرعى على دمنة أو كقصة عل ملحودة . ألا بئس ما قدّمت لكم أنفسكم أن سخِط الله عليكم وفي العذاب أنتم خالدون .
كلمات تشبه الصواعق . وبدت الجموع كشواهد قبور دارسة تحترق .
كان الصمت ما يزال جاثماً فوق المكان كغراب أسطوري , وكانت الكلمات وحدها تدوّي في أذن التاريخ :
-أتبكون وتنتحبون , اي والله فابكوا كثيراً واضحكوا قليلاً , فلقد ذهبتم بعارها وشنارها ... فتعساً لكم وسحقاً , فلقد خاب السعي , وتبّت الأيدي وخسرت الصفقة , وبؤتم بغضب من الله ورسوله , وضربت عليكم الذلّة والمسكنة ... ويلكم يا أهل الكوفة ! أتدرون أي كبد لرسول الله فريتم ؟ وأي كريمة له أبرزتم ؟ وأي حرمة له انتهكتم , وأي دم له سفكْتم ؟! لقد جئتم شيئاً إدّا .. تكاد السماوات يتفطّرن منه وتنشقّ الأرض , وتخرّ الجبال هدّاً ... لقد أتيتم بها خرقاء شوهاء كطلاع الأرض وملء السماء . أفعجبتم أن مطرت السماء دماً , ولعذاب الآخرة أخزى , وأن ربكم لبا لمرصاد .
كانت الكلمات تتدفّق قويّة كإعصار فيه نار, وكان صهيل ٌ غاضب يتردّد من بعيد .. قادماً من أرض كربلاء ...
ما يزال الحسين يقاتل .فالحسين لا يعرف الموت . لقد كشف سرّ الخلود , ومزّق بسيفه حجب الزمن . وهاهي زينب تشير بيدها نحو الدرْب .. الدرب الذي خطّه الحسين .
تساءل صوتٌ مدهوش :
- ولكن الحسين ما يزال في الرمضاء .. جسداً بلا رأس !!
- مجرّد إغفاءة .. وسينهض الفارس الذي دوّخ القبائل .. سيلمع سيفه كبروق السماء , وسينبعث جواده من مياه الفرات , وعندها ستشتعل المعركة من جديد ... .
كربلاء معركة متجدّدة في كل أرض مظلومة وفي كل زمان جائر .
وستغدو كلّ بقعة من دنيا الله كربلاء, وسيمتدّ يوم عاشوراء ليشمل كل الزمن . سيصبح أطول يوم في التاريخ , بل سيستوعب التاريخ كلّه .
- هاهي زينب .. هاهي بنت علي .
هتف حرّاس القصر , وهم يتطلّعون إلى قافلة قادمة .. قافلة تحوطها ذئاب غبراء .
هاهي زينب تتقدّم بخطى ً واثقة .. تدخل القصر .. ينبض في صدرها قلب عليّ , ويتألق في عينيها بريق الحسين .
وتتفتّح الأبواب أمام موكب من الأسرى .. تطفح فوق وجوههم العزّة والإباء . العيون النفّاذة تخترق أستار الزمن , تنظر إلى ما وراء الأيام ... .
لقد سقط يزيد وابن زياد .. تحّطمت عروشهم , وتهاوت قصورهم . أنهم لم يعودوا سوى جثث متعفّنة غادرتّها الروح .
أناخت القافلة رحلها في قصر يكاد يميد بأهله .. قصر تحرسه رماح ونبال .


"5"


جلس الأرقط متربعاً على عرشه . تقدحان شرراً , و ما تزال سكرة الليل ترسم آثارها فوق وجهه ... وفي عينيه لاحتْ كؤوس من خمرة ودماء .
كان يتصفّح وجوه "أسراه" . توقّف عند أحدهم . تسمّرت عيناه وارتدّ بصره خاسئاً وهو حسير , فهؤلاء لا تلوح عليهم سمات الأسْر أو القهر .
نظرات متحدّية تصفعه من كل صوب . وكانت ذلّة الأسر تلوح فوق حرّاسه و جلاوزته .
سأل الأرقط وقد غاظته هيْبة "الأسرى ":
- من هذه المتنكرة ؟!
كان الصمت المشوب بالاحتقار صفعة أطارت بقايا نشوةٍ تطوف في رأسه .
لم تجب المتنكرة .
حاول أحد الجلاوزة إنقاذ هيبة سيّده , فتمتم :
- إنها زينب ... زينب ابنة علي .
لمعت في عينيه شهوة الانتقام :
- الحمد لله الذي فضَحكم وقتَلكم وأكْذَب أُحدوثتكم .
وانتفضت المرأة الزوبعة :
- الحمد لله الذي أكرمنا بنبيّه " محمد" وطهّرنا من الرجس تطهيراً .
وإنما يُفتضح الفاسق ويكذَّب الفاجر , وهو غيرنا .
قال الأرقط متمادياً في شماتة ونفاق :
- كيف رأيتِ فعْل الله بأهل بيتكِ؟
- أجابت بنتُ محمد ٍ وهي تنظر إلى ما وراء الحوادث :
- ما رأيت ُ الاّ جميلاً . هؤلاء قومٌ كتب اللهُ عليهم القتْل فبرزوا إلى مضاجعهم , وسيجمع الله ُ بينك وبينهم فتحاجَّ وتخاصم , فانظر لمن الفلج يومئذ . ثكلتك أمّك يا بن مرجانة .
لم تنتَه المعركة بعد.هناك جولاتٌ أخرى .. جولات مريرة عنيفة .
كاد يتميّز غيظاً , وبدا كأفعى رقطاءَ تهمُّ بابتلاع ضحيتّها .
زاغت عيناه تطاير منها شرر كشَرر الجحيم المستعرة , وثار بركان حقدٍ في أعماقه , فنظر إلى أ حد جلاوزته .
كان رأس الحسين صامتاً , وكان صمته المحيِّر يتكلّم بلغة عميقة أو صرخة مدوّية تكاد تعصف بالقصر وساكنيه .
كفحيح حيّة جاء صوت الأرقط :
لقد اشتفيت من الحسين والعصاة المرَدة من أهل بيتك ِ .
تساءلت المرأة المقهورة : كيف أمكن لخنزير ان يسرق منابر الصدّيقين , تمتمت بحرقة :
- لعمري لقد قتلتَ كهلي , وقطعتَ فرعي واجتثثتَ أصلي , فإن يشفِكَ هذا فقد اشتفيت .
أدارت الأفعى رأسها نحو فتى عليل .. فتىً ادّخره القدر لزمن آخر .
سأل الأرقط : ما اسمك ؟
أجاب الفتى باعتزاز عليّ بن الحسين .
- أولم يقتل ِ الله ُ علياً ؟!
- كان لي أخ أكبر منّي يُسمى علياً , قتله الناس .
- بل قتله الله .
ردّ الفتى , والحكمة تتفجّر من جوانبه :
- الله يتوفّى الأنفس َ حين موتها , وما كان لنفس لتموت إلا بإذن الله .
زاغت عينا الأرقط غيظاً . أشار إلى أحد جلاّديه
- اضرب عنقه !
هبّت عمته معترضة :
-حسبك يا بن زياد من دمائنا ما سفكتَ , وهل أبقيت أحداً غير هذا , فإن أردت قتْله فاقتلني معه .
زاد الفتى من تحدّيه . إنه لا يرى سوى خرائب قصر ولا يرى سوى جثث متعفّنة :
- أما علمت أن القتل لنا عادة , وكرامتنا من الله الشهادة ؟!
الشهادة ليست موتا بل خلوداً ... الموت ان يتعفّن الإنسان .
والذي يعبر جدار الزمن وأوداجُه تشخب دماً ليس ميّتاً .
لا يموت من يصبغ الأرض بلون الشفَق الدامي .



تحياتي : بنتُ علي

عاشقة الكوثر
10-02-2008, 01:14 AM
شكرا ما قصرتي وعطاش الله الف عافيه وتسلمين حبيبتي

أميرة الدلع
10-02-2008, 03:47 AM
تسلمي
ننتظرك

بنتُ علي
12-02-2008, 01:50 AM
ياهلا اختي عاشقة الكوثر ..الله يعافيج ...شكرا ..مأجورة

ياهلا امورة الدلع ..الله يسلمج ..مأجورة ...

تحياتي: بنتُ علي