شيعية موالية
11-02-2008, 12:13 AM
تكمن أهمية دراسة سيرة الإمام الحسن(ع) وما رافق ذلك من تحوّلات نوعية في مجرى التاريخ الإسلامي، حيث طبعت المرحلة الحسنية الواقع الإسلامي بوسم الحكمة والتعالي عن الصغائر، لتخط بذلك معالم النهج في وسم الحدث لتلافي المشكلات والمآزق، حفظاً لمسار الأمة القويم. ولذلك نجد أن سماحة العلامة السيد محمد حسين فضل الله، يفرد مساحة واسعة من البحث والمناقشة حول شخصية الإمام الحسن(ع)، في سيرته وصلحه، وباقي محطات حياته، ليس كشخصية مستقلة، وإنما من خلال نظرة تكاملية مع النبي(ص) والأئمة(ع).
فتح الإمام الحسن(ع) عينيه على الحياة في بداية الهجرة، عندما كان الإسلام يتحرّك بقيادة رسول الله(ص) من أجل أن يركّز قواعده كدين يحكم الحياة، لأنّ الهجرة كانت تمثّل البداية التي أريد لها أن تحوّل الإسلام من الدعوة إلى الدولة.
في أحضان رسول الله(ص):
ولد الإمام الحسن(ع) في بداية عهد الهجرة، وكان أول وليد لعلي(ع) وفاطمة(ع)، وكان قرّة عين رسول الله(ص) الذي فقد ابنه الوحيد. وانضمّ إليه أخوه الحسين(ع) بعد وقت قصير، ودرجا معاً في حضن رسول الله(ص)، وانفتحا معاً على كلمات رسول الله(ص)، وحدّقا معاً في عيني رسول الله(ص)، لأنّ الطفل عادةً ما يحدّق بالعينين اللتين يجد فيهما سكينته وفرحه وابتسامته وروحيته. وقد وجدا ملاعبهما في الساحة التي كانا يتحرّكان فيها مع رسول الله(ص)، من خلال هذه الطفولة الرائعة، بكلّ ما حشدته من فرح وسكينة في عيني الحسنين(ع) وفي روحيهما وعقليهما وقلبيهما، وبكلّ معاني الروحانية والطهر والصفاء التي كانا يختزنانها في داخل شخصيتهما التي كانت تنمو بين يدي رسول الله(ص) وفي أحضان علي(ع) وفاطمة(ع).
ونحن نعرف ما معنى أن يكون رسول الله(ص) أستاذهما الأول. ومسألة الأستاذية التي تميزت بها هذه التجربة الحسنية ـ الحسينية، لم تكن مجرد كلمة يسمعانها، ولكنها كانت كلّ شيء بالنسبة لهما، وإنّي لأتمثّلهما في أحضان رسول الله(ص) يصعدان إلى منبره، ويركبان ظهره وهو ساجد، فيطيل سجوده، ويرفعهما على كتفيه أو ظهره. ولقد كانت أستاذية رسول الله(ص) لهما كأستاذيته لأبيهما وأمهما. وكان علي(ع) تلميذ رسول الله(ص) الأول يقول عن ذلك: "ووضعني في حجره وأنا وليد، يضمّني إلى صدره، ويكنفني في فراشه... وكنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً...". التجربة نفسها التي عاشها الإمام علي(ع) مع رسول الله(ص) عاشها الحسنان(ع).
وإذا كنا نعرف أنّ الزهراء(ع) عاشت روحانية رسول الله(ص) في ما أفاض عليها من روحانيته، وعاشت عقله في ما أعطاها من عقله، وعاشت خلقه في ما أعطاها من خلقه في طفولتها الأولى بعد وفاة أمّها، نعرف كيف أن الحسنين(ع) جمعا ذلك كلّه. فلقد جمعا ما اكتسبه الأب والأم، وجمعا ما تحدّث به رسول الله(ص) بشكل مباشر.
مـع أبيــه(ع):
وغاب رسول الله(ص)، ودرجا ـ كما كانا يدرجان في حياته ـ في أحضان أمهما الطاهرة التي أذهب الله عنها الرجس وطهّرها تطهيراً، وفي أحضان أبيهما الذي عاش العصمة كلّها والطهارة كلّها والنقاء كلّه.
ثم انطلقا مع علي(ع) في تجربة من أصعب التجارب، وشاهدا معاً، وسمعا معاً، ورأيا كيف استوعب(ع) الصدمة، وكيف تسامى وترفّع عن الخلافات والفتن الداخلية عندما قال: "لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا عليّ خاصة". هذا السموّ العلويّ الذي أخلص للإسلام كما لم يخلص له أحد بعد رسول الله(ص)، وجاهد في الإسلام الذي كان عزيزاً عليه أكثر مما يعزّ الإنسان ذاته. واختزن الإمام الحسن(ع) كما الحسين(ع) تلك التجربة، وكانا مع أبيهما عندما ودّع أبا ذر الذي نفي إلى الربذة ولم يودّعه أحد، وتكلّما معه بالكلمات التي تفتح قلبه، وتجعله يشعر بأنّ هناك قلوباً تنفتح على موقفه الذي كان للّه ولم يكن لغيره. وانطلق الحسنان(ع) في ما واجه أمير المؤمنين(ع) من محن وفتن في خلافته. وأرسل علي(ع) الحسن(ع) إلى الكوفة ليعالج المشكلة، وكانت له مواقف صلبة في هذا الشأن، وكانت له معالجات من أكثر المعالجات حكمة، وكانت له مواعظ هي من أكثر المواعظ أصالةً. ورأيناه مع أبيه يساعده في كل قضاياه، وينطلق معه في كل حروبه ومواقع حكمه، وكان عليّ(ع) يشير إليه ليعرّف الناس أنه المرجع والإمام من بعده. وعندما استشهد الإمام عليّ(ع)، كان الإمام الحسن(ع) الخليفة من بعده، الخليفة من خلال إمامته التي فرضها الله، والتي تحدث عنها رسول الله(ص) في ما روي عنه: "الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا"، "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة".
دراسة صلـح الحسن(ع):
وعندما استلم الإمام الحسن(ع) الخلافة، ومارس المسؤولية، وجد أن المسألة تتحرك في اتجاه استمرار الحرب من دون أن تكون هناك أية ظروف واقعية للانتصار فيها، وهذا ما يعني أن الحرب قد تكون انتحاراً.
وأوقف الإمام الحسن(ع) الحرب، لا على أساس الاعتراف بشرعية خلافة معاوية الذي لا يملك أي أساس من الشرعية الإسلامية، ولكن من أجل أن يحقن دماء المسلمين، ولاعتقاده بأن المعركة كانت لا تؤدي إلى نتائج كبرى حتى على مستوى المستقبل، باعتبار أنها سوف تسقط كل الطليعة الإسلامية المعارضة التي كانت تمثل القوة الروحية في مجتمع المسلمين. وهكذا دخل الإمام(ع) الصلح الذي هو عبارة عن هدنة، وليس اعترافاً بشرعية حكم معاوية كما أسلفنا.
ولعل من العوامل التي أدت إلى الصلح: هي أن جيش الإمام الحسن(ع) كان عبارة عن بقايا جيش الإمام علي(ع)، وكان جيشاً متعباً، حتى إنهم عطّلوا على الإمام علي(ع) خطّته في مواجهة الانحراف، وكانوا إذا دعاهم إلى قتال معاوية في الشتاء، قالوا (صبارة القرّ)، وإذا دعاهم إلى قتاله في الصيف قالوا (حمّارة القيظ)، وهذا يعني أنهم جيش متكاسل متخاذل يتحجّج بالحجج الواهية تهرّباً من مسؤولياته، حتى قال علي(ع) وهو يصف حالهم، وينقل ما قالته قريش عنه بسببهم: "إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب"، وكان يعبّر عن تقاعس جيشه بمرارة، فيقول: "لوددت أنّ معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم". فلقد تناهبته ـ أي جيش الحسن(ع) ـ العصبيات من خلال رؤساء العشائر الذين اشتراهم معاوية، ولم يكن مع الإمام الحسن(ع) إلا جماعة من (ربيعة) و(مضر) كما يقولون. لذلك فقد عبثت بهم الأهواء من خلال العناصر السيئة التي سيطرت على مواقع هذا الجيش، حيث كان معاوية يرسل بالأموال الطائلة حتى يشتري ذمم القادة وولاءهم .
وانطلاقاً من ذلك، يجب أن ندرس مسألة الصلح في مستوى الأوضاع التي كان يعيشها المجتمع الإسلامي آنذاك، حيث لم يكن في الحرب مصلحة على مستوى القضايا الكبرى.
وعلينا أن لا نطلق كلمة الصلح عشوائياً، كما أطلقها الكثير من الناس عندما تحدّثوا عن صلح الحديبية أو صلح الإمام الحسن(ع). فلا بدّ من أن نكون دقيقين في عملية المقارنة. وعلينا أن لا نخطىء فنقحم الصلح مع (إسرائيل) في خط الحديث عن صلح الحديبية أو صلح الإمام الحسن(ع)، لأنّ الكيان الصهيوني بكلّه ليس شرعياً في الماضي ولا في الحاضر ولن يكون كذلك في المستقبل، كما هو الغصب ليس شرعياً لا في الماضي ولا في الحاضر ولا في المستقبل.
ولذلك، لا تدرسوا التاريخ في السطح، ولكن ادرسوه في العمق. لا تقحموا التاريخ في قلب المأساة، ولكن ضعوا المأساة في حركة القضية ولا تجعلوها في حركة الذات. لقد نسينا القضية التي انطلقت الذات لتؤكدها في رساليتها، ولذلك لم يبق لنا قضية، فلقد أصبحت الدموع هي القضية، وأصبحنا في الوقت الذي نشجب مأساة التاريخ ونحتجّ عليها، نصنع في كلّ يوم أكثر من مأساة للمسلمين في فتنة هنا وحرب هناك، ونزاع هنا ونزاع هناك، ونبكي التاريخ ونفرض البكاء على الواقع.
قال الله تبارك وتعالى لنا إن التاريخ عِبرة وليس مجرد عَبرة {لقد كان في قصصهم عبرةٌ لأولي الألباب} [يوسف:111]. ولذلك اقرأوا التاريخ بذهنية العِبرة، ليغدو مدرسة نعرف نتائجها في حجم التجربة، ولنصنع التاريخ في مدرسة نحرّك نتائجها في مستقبلنا.
الاستشهاد:
ورجع الإمام الحسن(ع) من الكوفة إلى المدينة، وعاش في المدينة شخصية عظيمة محترمة من جميع الناس. وعندما دسّ إليه السم، وكان يرى أن القوم ربما يمنعون من دفنه عند رسول الله(ص)، أوصى أخاه الحسين(ع) أن لا يهرق في أمره ملء محجمة دماً، لأنه لا يريد للناس أن تسفك دماؤهم بعد موته، كما لم يرد لهم أن تسفك دماؤهم في حياته، وهكذا منع من دفن الحسن(ع) عند رسول الله(ص)، ودفن في البقيع.
السلام على الحسن المسموم كريم أهل البيت
فتح الإمام الحسن(ع) عينيه على الحياة في بداية الهجرة، عندما كان الإسلام يتحرّك بقيادة رسول الله(ص) من أجل أن يركّز قواعده كدين يحكم الحياة، لأنّ الهجرة كانت تمثّل البداية التي أريد لها أن تحوّل الإسلام من الدعوة إلى الدولة.
في أحضان رسول الله(ص):
ولد الإمام الحسن(ع) في بداية عهد الهجرة، وكان أول وليد لعلي(ع) وفاطمة(ع)، وكان قرّة عين رسول الله(ص) الذي فقد ابنه الوحيد. وانضمّ إليه أخوه الحسين(ع) بعد وقت قصير، ودرجا معاً في حضن رسول الله(ص)، وانفتحا معاً على كلمات رسول الله(ص)، وحدّقا معاً في عيني رسول الله(ص)، لأنّ الطفل عادةً ما يحدّق بالعينين اللتين يجد فيهما سكينته وفرحه وابتسامته وروحيته. وقد وجدا ملاعبهما في الساحة التي كانا يتحرّكان فيها مع رسول الله(ص)، من خلال هذه الطفولة الرائعة، بكلّ ما حشدته من فرح وسكينة في عيني الحسنين(ع) وفي روحيهما وعقليهما وقلبيهما، وبكلّ معاني الروحانية والطهر والصفاء التي كانا يختزنانها في داخل شخصيتهما التي كانت تنمو بين يدي رسول الله(ص) وفي أحضان علي(ع) وفاطمة(ع).
ونحن نعرف ما معنى أن يكون رسول الله(ص) أستاذهما الأول. ومسألة الأستاذية التي تميزت بها هذه التجربة الحسنية ـ الحسينية، لم تكن مجرد كلمة يسمعانها، ولكنها كانت كلّ شيء بالنسبة لهما، وإنّي لأتمثّلهما في أحضان رسول الله(ص) يصعدان إلى منبره، ويركبان ظهره وهو ساجد، فيطيل سجوده، ويرفعهما على كتفيه أو ظهره. ولقد كانت أستاذية رسول الله(ص) لهما كأستاذيته لأبيهما وأمهما. وكان علي(ع) تلميذ رسول الله(ص) الأول يقول عن ذلك: "ووضعني في حجره وأنا وليد، يضمّني إلى صدره، ويكنفني في فراشه... وكنت أتّبعه اتّباع الفصيل أثر أمه، يرفع لي في كلّ يوم من أخلاقه علماً...". التجربة نفسها التي عاشها الإمام علي(ع) مع رسول الله(ص) عاشها الحسنان(ع).
وإذا كنا نعرف أنّ الزهراء(ع) عاشت روحانية رسول الله(ص) في ما أفاض عليها من روحانيته، وعاشت عقله في ما أعطاها من عقله، وعاشت خلقه في ما أعطاها من خلقه في طفولتها الأولى بعد وفاة أمّها، نعرف كيف أن الحسنين(ع) جمعا ذلك كلّه. فلقد جمعا ما اكتسبه الأب والأم، وجمعا ما تحدّث به رسول الله(ص) بشكل مباشر.
مـع أبيــه(ع):
وغاب رسول الله(ص)، ودرجا ـ كما كانا يدرجان في حياته ـ في أحضان أمهما الطاهرة التي أذهب الله عنها الرجس وطهّرها تطهيراً، وفي أحضان أبيهما الذي عاش العصمة كلّها والطهارة كلّها والنقاء كلّه.
ثم انطلقا مع علي(ع) في تجربة من أصعب التجارب، وشاهدا معاً، وسمعا معاً، ورأيا كيف استوعب(ع) الصدمة، وكيف تسامى وترفّع عن الخلافات والفتن الداخلية عندما قال: "لأسلمنّ ما سلمت أمور المسلمين ولم يكن فيها جور إلا عليّ خاصة". هذا السموّ العلويّ الذي أخلص للإسلام كما لم يخلص له أحد بعد رسول الله(ص)، وجاهد في الإسلام الذي كان عزيزاً عليه أكثر مما يعزّ الإنسان ذاته. واختزن الإمام الحسن(ع) كما الحسين(ع) تلك التجربة، وكانا مع أبيهما عندما ودّع أبا ذر الذي نفي إلى الربذة ولم يودّعه أحد، وتكلّما معه بالكلمات التي تفتح قلبه، وتجعله يشعر بأنّ هناك قلوباً تنفتح على موقفه الذي كان للّه ولم يكن لغيره. وانطلق الحسنان(ع) في ما واجه أمير المؤمنين(ع) من محن وفتن في خلافته. وأرسل علي(ع) الحسن(ع) إلى الكوفة ليعالج المشكلة، وكانت له مواقف صلبة في هذا الشأن، وكانت له معالجات من أكثر المعالجات حكمة، وكانت له مواعظ هي من أكثر المواعظ أصالةً. ورأيناه مع أبيه يساعده في كل قضاياه، وينطلق معه في كل حروبه ومواقع حكمه، وكان عليّ(ع) يشير إليه ليعرّف الناس أنه المرجع والإمام من بعده. وعندما استشهد الإمام عليّ(ع)، كان الإمام الحسن(ع) الخليفة من بعده، الخليفة من خلال إمامته التي فرضها الله، والتي تحدث عنها رسول الله(ص) في ما روي عنه: "الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا"، "الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة".
دراسة صلـح الحسن(ع):
وعندما استلم الإمام الحسن(ع) الخلافة، ومارس المسؤولية، وجد أن المسألة تتحرك في اتجاه استمرار الحرب من دون أن تكون هناك أية ظروف واقعية للانتصار فيها، وهذا ما يعني أن الحرب قد تكون انتحاراً.
وأوقف الإمام الحسن(ع) الحرب، لا على أساس الاعتراف بشرعية خلافة معاوية الذي لا يملك أي أساس من الشرعية الإسلامية، ولكن من أجل أن يحقن دماء المسلمين، ولاعتقاده بأن المعركة كانت لا تؤدي إلى نتائج كبرى حتى على مستوى المستقبل، باعتبار أنها سوف تسقط كل الطليعة الإسلامية المعارضة التي كانت تمثل القوة الروحية في مجتمع المسلمين. وهكذا دخل الإمام(ع) الصلح الذي هو عبارة عن هدنة، وليس اعترافاً بشرعية حكم معاوية كما أسلفنا.
ولعل من العوامل التي أدت إلى الصلح: هي أن جيش الإمام الحسن(ع) كان عبارة عن بقايا جيش الإمام علي(ع)، وكان جيشاً متعباً، حتى إنهم عطّلوا على الإمام علي(ع) خطّته في مواجهة الانحراف، وكانوا إذا دعاهم إلى قتال معاوية في الشتاء، قالوا (صبارة القرّ)، وإذا دعاهم إلى قتاله في الصيف قالوا (حمّارة القيظ)، وهذا يعني أنهم جيش متكاسل متخاذل يتحجّج بالحجج الواهية تهرّباً من مسؤولياته، حتى قال علي(ع) وهو يصف حالهم، وينقل ما قالته قريش عنه بسببهم: "إن ابن أبي طالب رجل شجاع ولكن لا علم له بالحرب"، وكان يعبّر عن تقاعس جيشه بمرارة، فيقول: "لوددت أنّ معاوية صارفني بكم صرف الدينار بالدرهم". فلقد تناهبته ـ أي جيش الحسن(ع) ـ العصبيات من خلال رؤساء العشائر الذين اشتراهم معاوية، ولم يكن مع الإمام الحسن(ع) إلا جماعة من (ربيعة) و(مضر) كما يقولون. لذلك فقد عبثت بهم الأهواء من خلال العناصر السيئة التي سيطرت على مواقع هذا الجيش، حيث كان معاوية يرسل بالأموال الطائلة حتى يشتري ذمم القادة وولاءهم .
وانطلاقاً من ذلك، يجب أن ندرس مسألة الصلح في مستوى الأوضاع التي كان يعيشها المجتمع الإسلامي آنذاك، حيث لم يكن في الحرب مصلحة على مستوى القضايا الكبرى.
وعلينا أن لا نطلق كلمة الصلح عشوائياً، كما أطلقها الكثير من الناس عندما تحدّثوا عن صلح الحديبية أو صلح الإمام الحسن(ع). فلا بدّ من أن نكون دقيقين في عملية المقارنة. وعلينا أن لا نخطىء فنقحم الصلح مع (إسرائيل) في خط الحديث عن صلح الحديبية أو صلح الإمام الحسن(ع)، لأنّ الكيان الصهيوني بكلّه ليس شرعياً في الماضي ولا في الحاضر ولن يكون كذلك في المستقبل، كما هو الغصب ليس شرعياً لا في الماضي ولا في الحاضر ولا في المستقبل.
ولذلك، لا تدرسوا التاريخ في السطح، ولكن ادرسوه في العمق. لا تقحموا التاريخ في قلب المأساة، ولكن ضعوا المأساة في حركة القضية ولا تجعلوها في حركة الذات. لقد نسينا القضية التي انطلقت الذات لتؤكدها في رساليتها، ولذلك لم يبق لنا قضية، فلقد أصبحت الدموع هي القضية، وأصبحنا في الوقت الذي نشجب مأساة التاريخ ونحتجّ عليها، نصنع في كلّ يوم أكثر من مأساة للمسلمين في فتنة هنا وحرب هناك، ونزاع هنا ونزاع هناك، ونبكي التاريخ ونفرض البكاء على الواقع.
قال الله تبارك وتعالى لنا إن التاريخ عِبرة وليس مجرد عَبرة {لقد كان في قصصهم عبرةٌ لأولي الألباب} [يوسف:111]. ولذلك اقرأوا التاريخ بذهنية العِبرة، ليغدو مدرسة نعرف نتائجها في حجم التجربة، ولنصنع التاريخ في مدرسة نحرّك نتائجها في مستقبلنا.
الاستشهاد:
ورجع الإمام الحسن(ع) من الكوفة إلى المدينة، وعاش في المدينة شخصية عظيمة محترمة من جميع الناس. وعندما دسّ إليه السم، وكان يرى أن القوم ربما يمنعون من دفنه عند رسول الله(ص)، أوصى أخاه الحسين(ع) أن لا يهرق في أمره ملء محجمة دماً، لأنه لا يريد للناس أن تسفك دماؤهم بعد موته، كما لم يرد لهم أن تسفك دماؤهم في حياته، وهكذا منع من دفن الحسن(ع) عند رسول الله(ص)، ودفن في البقيع.
السلام على الحسن المسموم كريم أهل البيت