حيــــــــــدرة
25-02-2008, 01:50 AM
بِسْمِ اللهِ الْرَّحْمَنِ الرَّحِيِمِ
الَلَّهٌمَّ صَلَِ عَلَىَ مٌحَمَّدْ وَآلِ مُحّمَّدْ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وَالْعَنْ أَعْدَائَهُمْ
الْسَّلامٌ عَلَيٌكٌمْ وَرَحْمَةٌ الله وَبَرَكَاتٌهٌ
_______________________
وبالله أســـــــــــتعين ولرضاه أنا في أجتهاد رزين ...
ورجل أسمه أحــمد أبن تيمية ... وما أدراك ما أبن تيمية ........!!
وقد تعرّفت على مسألة العقائد الموروثة من ابن تيمية، في ظلّ الاَُصول المسلّمة الاِسلامية، وقد كانت تلك الاَفكار والعقائد مدفونةً في طيّات الكُُتُب، منسيةً غير معروفةٍ، لولا أنّ محمّد بن عبد الوهاب قام بدعمها وإحيائها من جديد في القرن الثاني عشر فانتشرت تلك البذور في الجزيرة العربية وتمت وتبلورت بالقهر والقوة.
ويجب إكمالاً للبحث التعرّف على حياة الموَسّس والمروّج حتى نستشف كيفية تلقّي العلماء عقائده من لدن ظهوره إلى عصرنا هذا فنقول:
وُلد أحمد بن تيمية عام 661 وتوفي عام 728 ، وقد ترعرع في أحضان عصر كانت القوارع فيه تنصب على روَوس المسلمين من الشرق والغرب وتهدم الديار ويُقتل الاَبرياء وتشق بطون النساء والاَطفال ويرفع الرجال على أعواد المشانق وتُخضّب الاَراضي بدماء المسلمين وذلك بسبب هجوم التتر (عبّاد الصنم) على بلاد المسلمين وسقوط الخلافة العباسية في بغداد.
وهي ظروف كان من المتوقع أن تساهم في انضاج الشخصية، وتزويدها بالتعقل والذكاء والعاطفة الدينية والحماس وغير ذلك ممّا تحتاج إليه الاَُمّة لرفع الظلم عنها، وإعادة الوحدة والقوة إلى كيانها الممزق.
نعم في هذا الوقت الذي كان المسلمون فيه بحاجة إلى أن يقوم علماوَهم بتنشيط العزائم ووعظ الملوك والساسة بالقيام بالوظائف،وفتح معسكرات لاِعداد الشباب وتدريبهم وإيجاد روح الكفاح أمام الوثنيين «التتر» والصليبيين المهاجمين... طرح ابن تيمية مسائلا تعود على المسلمين في تلك الظروف العصيبة بشيء سوى تعميق الخلاف وتعكير الصفوف وتشديد النزاعات المذهبية والطائفية، وأقل ما يقال عنها إنّها قضايا استهلاكية ومسائل جانبية لا تمتّ إلى انقاذ الاَُمّة من المحنة السياسية والعسكرية والغزو الصليبي الوثني الذي كانت تعاني منه.
وأوّل بادرة بدرت من الشيخ هو التقوّل بإثبات الجهة وذلك في عام 698 في «الرسالة الحمويّة» (منشورة و مطبوعة) حيث ادّعى بصراحة بأنّ الصفات الخبرية كالاستواء واليد والوجه والنزول والصعود يحمل على اللّه تعالى بنفس معانيها اللغوية من دون تصرّف.
ولما كانت «الرسالة الحمويّة» صريحة في إثبات الجهة والحركة والنقل دُعي الشيخ إلى دار السعادة بدمشق ليجيب على أسئلة القضاة.
يقول تلميذه ابن كثير في حوادث تلك السنة:
« ... قام عليه جماعة من الفقهاء وأرادوا إحضاره إلى مجلس القاضي جلال الدين الحنفي فلم يحضر، فنودي في البلد في العقيدة التي كان سأل عنها أهل حماة المسمى به (الحموية... )» (1)
ثمّ إنّه لم يكتف بهذا الرأي الشاذ وأخذ يحط من شأن الاَنبياء ومنازلهم فخرج بهذه الفتاوى:
1ـ يحرم شدّ الرحال إلى زيارة النبي وتعظيمه بحجّة أنّه يوَدي إلى الشرك.
2ـ يحرم التوسّل بالاَولياء والصالحين.
3ـ تحرم الاستغاثة بالاَولياء ودعوتهم.
4ـ يحرم البناء على القبور وتعميرها.
5ـ لا تصح أكثر الفضائل المنقولة في الصحاح والسنن في حقّ العترة الطاهرة.
إلى غير ذلك من الآراء الشاذة.
وهكذا نجده في الظروف التي كانت المحن الباهظة تحيط بالمسلمين من جانب الشرق (التتر) والغرب (الصليبيون)، أتى بهذه الاَفكار الهدّامة وشغل بال القضاة والحكام طيلة حياته.
ولاَجل ذلك كان يُعتقل سنة ويفرَّج عنه سنة أُخرى إلى أن لفظ آخر أنفاسه في سجن دمشق عام 728 هـ.
ومن أراد أن يقف على موقف العلماء من آرائه وأفكاره فعليه الرجوع إلى كتب المعاجم والتراجم، فهو يرى أنَّهم يترجمونه (مع الاِشادة بفضله وعلمه وإحاطته بالقرآن والسنّة) مشيرين إلى لجاجه وشذوذه واعوجاجه.
ولاَجل أن يكون ذلك الادعاء مشفوعاً بالبرهان نأتي بنصوصهم في هذا المجال حتى تقف على أنَّ آراء الرجل كانت تخالف الرأي العام بين أهل السنَّة إلى حدٍّ قد مُنِعَ من الكتابة حتى في السجن، فما حال من كان على خلافٍ مع قضاة المذاهب وعلمائهم وحكامهم، وبذلك تعرف أنَّ الدعايات الاَخيرة التي تريد أن تصوّره كشيخ الاِسلام ومحيي السنَّة و ... لا تقوم على واقع صحيح فإنّ علماء وقضاة عصره ومن تأخر عنهم أجمعوا على ضلاله وفساد عقيدته فكيف يكون شيخ المسلمين؟
وها نحن نذكر كلمات العلماء في حقّه سواء كان من معاصريه أو ممّن أتى من بعده حسب ترتيب التواريخ. ..:
1ـ صفي الدين الهندي (ت 644| م 715)
كان صفي الدين الهندي من أعلم الناس بالاَصلين، ومن تصانيفه في علم الكلام «الزبدة» وفي أُصول الفقه «النهاية» وكل مصنفاته حسنةٌ جامعةٌ لا سيَّما النهاية، وقد عُقد له مجلس بدار السعادة عام 715 هـ ليناظر أبن تيمية، وكان طويل النفس في التقرير، فلمّـا شرعَ يقرّر، أخذ ابن تيمية يعجِّلُ عليه على عادته، ويخرج من شيء إلى شيء.
فقال له الهندي: ما أراك يا ابن تيمية إلاّ كالعُصفور حيث أردتُ أن أقبضه من مكان فرَّ إلى مكانٍ آخر.
وكان الهنديُّ شيخُ الحاضرين كلِّهم، فالكلّ صَدَر عن رأيه.
وحبس ابن تيمية بسبب تلك المسألة وهي التي تضمّنت قوله بالجهة ونُودي عليه في البلاد وعلى أصحابه وعزِلوا من وظائفهم (2) .
2ـ كمال الدين الزملكاني (ت 667 | م 727)
الاِمام العلاّمة المناظر وُلِدَ في شوال سنة 667 هـ ودرس بالشامية، البرانية وولّـي قضاء حلب وألّف رسالة مستقلة في الردّ على ابن تيمية في مسألتي الطلاق والزيارة (3).
3ـ شهاب الدين الحلبي (م 733)
عرّفه السبكي بأنّه درس وأفتى وشغَلَ بالعلم مدةً بالقدس ودمشق، وله تصنيفٌ في نفي الجهة رداً على ابن تيمية، وقد جاء السبكي بنفس الرسالة في ترجمته وهي رسالة مفصَّلة، في تنزيهه سبحانه عن الجسم والجسمانيات، قال في مقدمته:
«أمّا بعد الذي دعا إلى تصدير هذه النبذة ما وقع في هذه المدّة ممّا علقه بعضهم في إثبات الجهة، واغترّ بها من لم يرسخ له في التعليم، قدم ولم يتعلَّق بأذيال المعرفة، فعجبت أن أذكر عقيدة أهل السنّة ثم أُبين فساد ما ذكره، مع أنَّه لم يدّع دعوى إلاّ نقضها أو أوطد قاعدةً إلاّ هدمها ) (4)
4ـ شمس الدين الذهبي (م 748)
كان الشيخ الذهبي من الحنابلة المتعصّبين، فهو وإن لم يذكر في حق ابن تيمية شيئاً في كتاب «تذكرة الحفّاظ» - لكنه في الحقيقة ذكر ترجمته في في كتاب وسير اعلام النبلاء و اثنى عليه كيف و هو تلميذه كما يقال !!!!!
- لكنّه نصحه في رسالة بعثها إليه، وهذه الرسالة مطبوعة في تكملة السيف الصقيل للكوثري ص 190.
كتبه من خط قاضي القضاة برهان الدين ابن جماعة، وكتبه هو من خطّ الشيخ الحافظ أبي سعيد ابن العلائي وكتبه هو من خطّ الذهبي وفي آخر الرسالة جاء:
« .. أما آن لك أن تَرعَوي؟ أما حانَ لك أن تتوب وتُنيب، أمّا أنت في عمر سبعين وقد قرب الرحيل، واللّه ما أدَّكِر أنّك تذكر الموت، بل تزدري بمن يذكر الموتَ، فما أظنكَ تُقبل على قولي ولا تُصغي إلى وعظي، بل لك همَّة كبيرة في نقض هذه الورقة بمجلدات!... فإذا كان هذا حالُكَ عندي وأنا الشفوق المحبُّ الوادُّ فكيفَ حالُكَ عند أعدائك، وأعداوَك واللّه فيهم صلحاء وعقلاء وفضلاء كما أنَّ أولياءَك فيهم فَجَرَةٌ كَذَبةٌ جَهَلَةٌ...» (5)
5ـ صدر الدين المرحل (م حوالي 750)
كان إماماً كبيراً بارعاً في المذهب والاَصلين، يُضرب المثل باسمه فارساً في البحث نظّاراً مُفرط الذكاء عجيب الحافظة وله مع ابن تيمية المناظرات الحسنة وبها حصل عليه التعصب من أتباع ابن تيمية (6)
6ـ الحافظ علي بن عبد الكافي السبكي (م 756)
كان الشيخ الفقيه السبكي أحد المناضلين ضدَّ آراء ابن تيمية، خصوصاً في مسألة تحريم الزيارة والسفر إلى قبر الرسول.
يقول وَلدُه : إمام ناضَح عن رسول اللّه بنضاله، وجاهَدَ بجداله، حمى جناب النبوة الشريف بقيامه في نصره ... قامَ حين خلط على ابن تيمية الاَمر وسوّلَ له الخوضَ في ضحضاح ذلك الجمر، حين سدّ باب الوسيلة، وأنكر شدّ الرحال لمجرَّد الزيارة (7)
ويقول السبكي أيضاً في ديباجة كتابه «الدرَّة المضيئة في الردّ على ابن تيمية» ما هذا نصّه:
«.. لمّا أحدث ابن تيمية ما أحدث في أُصول العقائد ونقَضَ من دعائم الاِسلام الاَركان والمعاقد، بعد أن كان مستتراً بتبعية الكتاب والسنّة مُظهراً أنّه داع إلى الحق، هادٍ إلى الجنَّة، فخرج عن الاتباع إلى الابتداع، وشذَّ عن جماعة المسلمين بمخالفة الاِجماع، وقال بما يقتضي الجسمية والتركيب في الذات المقدّسة وأنّ الافتقار إلى الجزء ليس بمحال وقال بحلول الحوادث بذات اللّه تعالى ... » (8).
له كتاب آخر أيضاً أسماه «شفاءُ السقام في زيارة خير الاَنام عليه أفضل الصلاة والسلام» أثبت فيه استحباب الزيارة بروايات كثيرة كما أثبت جواز السفر للزيارة وطبع بمصر عام 1318، وقدَّم له مقدَّمة العلاّمة الشيخ محمّد بخيت أسماها بـ : «تطهير الفوَاد من دنس الاعتقاد».
7ـ محمد بن شاكر الكتبي (م 764)
إنّ الكتبي هو الذي ألّف كتاب «فوات الوفيات» تذييلاً لكتاب «وفيات الاَعيان» لابن خلكان، فقال في ترجمة ابن تيمية أنَّه ألّف رسالة في فضل معاوية وفي أنّ ابنه يزيد لا يُسَب (9) .
وهذه الرسالة - أبن تيمية - تُعرب عن نزعاته الاَموية ويكفي القول في «الوالد وما ولد» أنّ الاَوّل بدل الحكومة الاِسلامية إلى الملوكية الموروثة ودعى عباد اللّه إلى ابنه يزيد، المتكبر، الخمّير، صاحب الديوك، والفهودِ، والقرودِ، وأخذَ البيعةَ له على خيار المسلمين بالقهرِ والسطوةِ والتوعيدِ، وهو المجاهرُ بكفره بقوله:
لَعِبَتْ هاشمُ بالمُلكِ فلا * خبر جاءَ ولا وَحيٌ نَزَل
والثاني قتل الاِمام السبط الحسين أوّلاً، وارتكب مجزرة الحرّة ثانياً، وأحرق الكعبة ثالثاً.
8 ـ أبو محمد اليافعي (م 768)
قال في ترجمة ابن تيمية: ماتَ بِقَلعة دمشق تقي الدين أحمد بن تيمية مُعتقلاً ومُنِعَ قبل وفاته بخمسة أشهر عن الدواة والورقة، وسمع من جماعة، وله مسائل غريبة أُنكر عليه وحُبس بسببها مباينةٌ لمذهب أهل السنّة، ومن أقبحها نهيه عن زيارة النبي، وكذلك عقيدته في الجهة (10)
9ـ أبو بكر الحصني الدمشقي (م 829) :
يقول:
فاعلم إنّي نظرتُ في كلام هذا الخبيث الذي في قلبه مرض الزيغ، المتتبع ما تشابه من الكتاب والسنَّة، ابتغاء الفتنة وتَبِعه على ذلك خلقٌ من العوام وغيرهم ممّن أراد اللّه عزّ وجلّ إهلاكه، فوجدت فيه ما لا أقدر على النُّطق به، ولا لي أنامل تطاوعني على رسمه وتسطيره، لما فيه من تكذيب ربّ العالمين، في تنزيهه لنفسه في كتابه المبين، وكذا الازدراءُ بأصفيائه المنتخبين، وخلفائهم الراشدين، وأتباعهم الموفّقين، فعدلت عن ذلك إلى ذكر ما ذكره الاَئمّة المتّقون وما اتفقوا عليه من تبديعه وإخراجِهِ ببغضه من الدين .
(11)
10ـ شيخ الاِسلام شهاب الدين، أحمد بن حجر العسقلاني (م852) :
إنّ ابن حجر العسقلاني أعرف وأشهر من أن يُعرف قال في كتابه: «الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة» :
(... أول ما أنكروا على ابن تيمية من مقالاته في شهر ربيع الاَوّل سنة 698، قام عليه جماعة من الفقهاء بسبب الفتوى الحموية وبحثوا معه ومُنع من الكلام.
ثمّ ذكر معتقلاته وسجونه إلى أن أدركته المنية ...
فلاحظ ترجمته في الدرر الكامنة لابن حجر العسقلاني 2 | 247
ففي الدرر الكامنة : « نودي عليه بدمشق : من اعتقد عقيدة ابن تيمية حلّ دمّه وماله »
11ـ جمال الدين يوسف بن تغـري الاَتابكي (ت 812 ـ م874) :
هو موَلف «المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي» نقل فيه عن القاضي كمال الدين الزملكاني الجملة التالية:
ثمّ جرت له محن في مسألة الطلاق الثلاث وشدّ الرحال إلى قبور الاَنبياء والصالحين، وحبب للناس القيام عليه، وحُبس مرات في القاهرة والاِسكندرية ودمشق، وعُقِدَ له مجالس بالقاهرة ودمشق إلى أن ورد مرسومٌ شريف من السلطان في شعبان سنة 726 بأن يُجعل في قلعة دمشق، فأقام فيها مدَّة مشغولاً بالتصنيف، ثمّ بعد مدَّة مُنِعَ من الكتابة والمطالعة وأخرجوا ما كان عنده من الكتب ولم يتركوا عنده دواتاً ولا قلماً ولا ورقة.
ثمّ إنَّه نقل أنّه كُتِبَ عليه محضرٌ وقد أُمر فيه أنّه أشعري وإليك ما كتبه بخطه:
«أنا أعتقد أنّ القرآن معنىً قائم بذات اللّه وهو صفة من صفات ذاته القديمة وهو غير مخلوق وليس بحرف ولا صوت وأنَّ قوله: (الرحمن على العرش استوى) ليس على ظاهره، ولا أعلم كُنْه المراد به، بل لا يعلمه إلاّ اللّه، والقول في النزول كالقول في الاستواء، وكتبه أحمد ابن تيمية ثمّ أشهَدوا عليه جماعة أنّه تاب ممّا ينافي ذلك مختاراً وشهد عليه بذلك جمع من العلماء وغيرهم .(12)
12ـ شهاب الدين ابن حجر الهيثمي (م 973) :
إنَّ ابن حجر الهيثمي أشهر من أن يعرَّف. قال في ترجمة ابن تيمية:
«.. ابن تيمية عبدٌ خَذَلَه اللّه وأضلَّه وأعماه وأصمَّه وأذلَّه، وبذلك صرَّح الاَئمة الذين بيَّنوا فساد أحواله وكذِبَ أقواله ومن أراد ذلك فعليه بمطالعة كلام الاِمام المجتهد، المتفق على إمامته وجلالته وبلوغه مرتبة الاجتهاد، أبي الحسن السبكي وولده التاج والشيخ الاِمام العز بن جماعة وأهل عصرهم وغيرهم من الشافعية والمالكية والحنفية ولم يقصر اعتراضه على متأخري الصوفية، بل اعترض على مثل عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب ـ رضي
اللّه عنهما ـ (13) .
13ـ ملا علي القاري (م 1016)
إنّ كتاب «الشفاء في تعريف حقوق المصطفى» تأليف عياض بن موسى المتوفى عام 544، من أنفس الكتب وقد شرحه عدّة من الاَعلام منهم ملا علي القاري، قال في الفصل المخصّص بزيارة النبيّ:
إنَّ ابن تيمية من الحنابلة حَرَّمَ السفر لزيارة النبيّ وهو قد أفرط، كما أفرط غيره حيث قال: إنَّ الزيارة قربةٌ معلوم من الدين بالضرورة وجاحده محكومٌ عليه بالكفر، ولعلّ الثاني أقربُ إلى الصواب، لاَنّ تحريم ما أجمع العلماء فيه بالاستحباب يكون كفراً لاَنّه فوق تحريم المباح المتّفق في هذا الباب(14) .
14ـ أبو العباس أحمد بن محمد المكناسي، الشهير بابن القاضي (ت 960 ـ م 1025) :
لقد ترجم ابن القاضي هذا ابن تيمية في ذيل وفيات الاَعيان المسمى بـ : «درَّة الحجال في أسماء الرجال» بقوله: «أحمد بن عبد الحليم مُفتي الشام ومحدّثه وحافظه وكان يرتكب شواذّ الفتاوى ويزعم أنّه مجتهد» (15) .
و أخيراً نقول فلاحظ ترجمته والبدر الطالع للشوكاني 2 | 260
( صرّح محمد البخاري الحنفي المتوفى سنة 841 بتبديعه ثم تكفيره ، ثم صار يصرّح في مجلسه : أن من أطلق القول على ابن تيمية أنه شيخ الاسلام فهو بهذا الاطلاق كافر ))
المصـــــــــادر للبحث والتحقيق :
1)ابن كثير: البداية والنهاية ، ج14: 4.
(2) السبكي: طبقات الشافعية، ج9: 164ـ 169، والبداية والنهاية ج14:36ـ 38.
(3)المصدر نفسه ج9: 190ـ 191.
(4)السبكي: طبقات الشافعية ج 9: 34ـ35.
(5)تكملة السيف الصقيل: 190.
(6)السبكي: طبقات الشافعية ج 9: 253.
(7)المصدر نفسه ج10: 149ـ 150.
(8)السبكي: الدرَّة المضيئة ص 5.
(9)الكتبي: فوات الوفيات ج1: 77.
(10)اليافعي: مرآة الجنان ج4: 240 و 277 في حوادث سنة 728.
(11)الدمشقي: دفع شبه من شبه وتمرد : 216.
(12)ابن حجر : الفتاوى الحديثة : 86، نقله العلاّمة الشيخ محمد بخيت في كتاب «تطهير الفوَاد» ص 9، طبع مصر، ولابن حجر كلمة أُخرى في كتابه «الجوهر المنتظم في زيارة القبر الشريف النبوي المكرم» نقلها القضاعي العزامي في كتابه «فرقان القرآن» : 132 ـ وهو مقدمة لكتاب «الاَسماء والصفات» للبيهقي.
(13)ملاّ علي القاري: شرح الشفاء في هامش نسيم الرياض ج3: 514.
(14)ملاّ علي القاري: شرح الشفاء في هامش نسيم الرياض ج3: 514.
(15)المكناسي: درّة الحجال ج1: 30.
بالاستعانة :
1- ((في ظل أُصول الاِسلام )) آية الله جعفر السبحاني ( دام ظله )
2- (( الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية )) العلامة المحقق السيد علي الميلاني ( حفظه الله ) .
3- بعض التراجم المتوفرة .
وناهيك عن أقوال القوم الكثر في أبن تيمية من أصحابه :
مرسوم ابن قلاوون في ابن تيمية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله الذي تنزّه عن الشبيه والنظير وتعالى عن المثل ، فقال عزوجل ( ليس كمثله شى وهو السميع البصير (11) [ سورة الشورى]، أحمده على أن ألهمنا العمل بالسنة والكتاب ، ورفع في أيامنا أسباب الشك والإرتياب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة من يرجو بإخلاصه حسن العقبى والمصير، وينزّه خالقه عن التحيّز في جهة لقوله تعالى ( وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير (4)) [ سورة الحديد ] وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله الذي نهج سبيل النجاة لمن سلك سبيل مرضاته، وأمر بالتفكّر في آلاء الله ونهى عن التفكّر في ذاته، صلى الله عليه وآله وأصحابه الذين علا بهم منار الإيمان وارتفع ، وشيد الله بهم من قواعد الدين الحنيف ماشرع ، وأخمد بهم كلمة من حاد عن الحق ومال الى البدع ، وبعد ،
فإن العقائد الشرعية وقواعد الإسلام المرعية وأركان الإيمان العلية ومذاهب الدين المرضية، هي الأساس الذي يبنى عليه [ والموئل ](1) الذي يرجع كل أحد إليه ، والطريق التي من سلكها فقد فاز فوزا عظيما، ومن حاد عنها فقد استوجب عذابا عظيما، فلهذا يجب أن تنفذ أحكامها ، ويؤكد دوامها ، وتصان عقائد الملة عن الإختلاف ، وتزان قواعد الأئمة بالإئتلاف ، وتخمد ثوائر البدع ، ويُفرّق من فِرَقِها مااجتمع.
وكان ابن تيمية في هذه المدة قد بسط لسان قلمه، ومدّ [بجهله] عنان كلمه، وتحدّث في مسائل الذات والصفات، ونص في كلامه [الفاسد] على أمور منكرات، وتكلّم فيما سكت عنه الصحابة والتابعون، وفاه بما اجتنبه الأئمة الأعلام الصالحون، وأتى في ذلك بما أنكره أئمة الإسلام ، وانعقد على خلافه إجماع العلماء والحكام، وشهر من فتاويه في البلاد مااستخف به عقو العوام، وخالف في ذلك فقهاء عصره. وعلماء شامه ومصره، وبعث برسائله الى كل مكان ، وسمى فتاويه بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان.
ولما اتصل بنا ذلك ومسلكه المريدون له من هذه المسالك الخبيثة وأظهروه من هذه الأحوال وأشاعوه، وعلمنا أنه استخفّ قومه فأطاعوه، حتى قيل بأنهم صرّحوا في حق الله سبحانه بالحرف والصوت [والتشبيه] والتجسيم، قمنا في الله تعالى مشفقين من هذا النبأ العظيم، وأنكرنا هذه البدعة ، وعزّ علينا أن تُشيع عن ممالكنا هذه السمعة، وكرهنا ما فاه به المبطلون ، وتلونا قوله تعالى ( سبحان الله عما يصفون (91)) [ سورة المؤمنون ]، فإنه [ سبحانه وتعالى ]، تنزّه في ذاته وصفاته عن النظير ، ( لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير(103))[سورة الأنعام]، فتقدمت مراسيمنا باستدعاء [ ابن تيمية ] المذكور إلى أبوابنا العالية، عندما سارت فتاويه [ الباطلة ] في شامنا ومصرنا، وصرّح فيها بألفاظ ما سمعها ذو لبٍّ إلا وتلى قوله تعالى ( لقد جئت شيئا نكرا ( 74)) [ سورة الكهف ] .
ولما وصل إلينا تقدمنا إلى أولي العقد والحل، وذوي التحقيق والنقل ، وحضر قضاة الإسلام ، وحكام الأنام، وعلماء الدين وفقهاء المسلمين ، وعُقد له مجلس شرعي في ملأ وجمع من الأئمة، [ ومن له دراية في مجال النظر ودفع ] فثبت عندهم جميع مانُسب إليه ، [ بقول من يعتمد ويعول عليه] وبمقتضى خط قلمه الدال على منكَر معتقده ، وانفصل ذلك الجمع وهم لعقيدته الخبيثة منكرون، وآخذوه بما شهد به قلمه تالين ( ستُكتب شهادتهم ويُسألون (19))[سورة الزخرف] ، ونُقل إلينا أن كان أُستتيب مرارا فيما تقدم ، وأخرّه الشرع الشريف لما تعرّض لذلك وأقدم، ثم عاد بعد منعه ، ولم تدخل تلك النواهي في سمعه.
وصح ذلك في مجلس الحاكم العزيز المالكي حكم الشرع الشريف ، أن يُسجن هذا المذكور وأن يُمنع من التصرف والظهور، ويكتب مرسومنا هذا بأن لا يسلك أحد ماسلكه المذكور ويُنهى عن [ التشبيه في] مثل ذلك الإعتقاد، أو يعود له في هذا القول متبعا، أو لهذه الألفاظ مستمعا، أو يسري في التشبيه مسراه ، أو أن يفوه بجهة العلو بما فاه، أو أن يتحدث أحد بحرف أو صوت ، أو يفوه بذلك الى الموت، أو يتفوّه بتجسيم، أو ينطق بلفظ في ذلك غير مستقيم، أو خرج عن رأي الأئمة ، أو ينفرد به عن علماء الأمة ، أو يحيّز الله سبحانه وتعالى في جهة أة يتعرّض إلى حيث وكيف ، فليس لمعتقد هذا إلا السيف.
فليقف كل واحد عند هذا الحد، ولله الأمر من قبل ومن بعد، وليلزم من الحنابلة بالرجوع عن هذه العقيدة، والخروج عن الشبهات الزائغة الشديدة، ولزوم ما أمر الله تعالى به من التمسك بمذاهب أهل الإيمان الحميدة، فإنه من خرج عن أمر الله فقد ضل سواء السبيل، ومثل هذا ليس له إلا التنكيل ، والسجن الطويل ومستقرّه ومقيله وبئس المقيل.
[قد رسمنا بأن ينادى في دمشق المحروسة والبلاد الشامية، وتلك الجهات الدانية والقاصية بالنهي الشديد والتخويف والتهديد لمن اتبع ابن تيمية في هذا الأمر الذي أوضحناه ، ومن تابعه تركناه في مثل مكانه وأحللناه، ووضعناه من عيون الأمة كما وضعناه] ومن أصر عن الإمتناع وأبى إلا الدفاع أمرنا بإسقاطهم عن [مدارسهم]، ومناصبهم ووضعهم م مراتبهم مع إهانتهم، وأن لا يكون لهم في بلادنا قضاء ولا حكم ولا ولاية ولا تدريس. ولا شهادة ولا إمامة بل ولا مرتبة ولا إقامة، فإنا أزلنا دعوة هذا الرجل من البلاد، وأبطلنا هذه العقيد التي أضل بها كثيرا من العباد أو كاد [ بل كم أضل بها من خلق وعاثوا بها في الأرض الفساد، ولتثبت المحاضر الشرعية على الحنابلة بالرجوع عن ذلك وتسير المحاضر بعد إثباتها على قضاة المالكية]، وقد أعذرنا وحذّرنا وأنصفنا حيث أنذرنا ، وليقرأ مرسومنا هذا على المنابر، ليكون أبلغ واعظ وزاجر وأعدل ناهٍ وآمر إن شاء الله تعالى.
والحمدلله وحده وصلواته على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
والإعتماد على الخط الشريف أعلاه. وكتب ثامن عشري شهر رمضان سنة خمس وسبعمائة. أ. هـ.
وهذه المراسيم الصادرة في حقه بعد محاكمته أمام جماعة من كبار العلماء في عصره مسجلة في كتب التواريخ مثل : عيون التواريخ ، ونجم المهتدي ، ودفه شبه من شبّه وتمرد. ... وغيرها .
************************************************
*****************************************
يتبع إن شآء الله تعالى ...
{حيـــــــــــــــدرة}
الَلَّهٌمَّ صَلَِ عَلَىَ مٌحَمَّدْ وَآلِ مُحّمَّدْ وعَجِّلْ فَرَجَهُمْ وَالْعَنْ أَعْدَائَهُمْ
الْسَّلامٌ عَلَيٌكٌمْ وَرَحْمَةٌ الله وَبَرَكَاتٌهٌ
_______________________
وبالله أســـــــــــتعين ولرضاه أنا في أجتهاد رزين ...
ورجل أسمه أحــمد أبن تيمية ... وما أدراك ما أبن تيمية ........!!
وقد تعرّفت على مسألة العقائد الموروثة من ابن تيمية، في ظلّ الاَُصول المسلّمة الاِسلامية، وقد كانت تلك الاَفكار والعقائد مدفونةً في طيّات الكُُتُب، منسيةً غير معروفةٍ، لولا أنّ محمّد بن عبد الوهاب قام بدعمها وإحيائها من جديد في القرن الثاني عشر فانتشرت تلك البذور في الجزيرة العربية وتمت وتبلورت بالقهر والقوة.
ويجب إكمالاً للبحث التعرّف على حياة الموَسّس والمروّج حتى نستشف كيفية تلقّي العلماء عقائده من لدن ظهوره إلى عصرنا هذا فنقول:
وُلد أحمد بن تيمية عام 661 وتوفي عام 728 ، وقد ترعرع في أحضان عصر كانت القوارع فيه تنصب على روَوس المسلمين من الشرق والغرب وتهدم الديار ويُقتل الاَبرياء وتشق بطون النساء والاَطفال ويرفع الرجال على أعواد المشانق وتُخضّب الاَراضي بدماء المسلمين وذلك بسبب هجوم التتر (عبّاد الصنم) على بلاد المسلمين وسقوط الخلافة العباسية في بغداد.
وهي ظروف كان من المتوقع أن تساهم في انضاج الشخصية، وتزويدها بالتعقل والذكاء والعاطفة الدينية والحماس وغير ذلك ممّا تحتاج إليه الاَُمّة لرفع الظلم عنها، وإعادة الوحدة والقوة إلى كيانها الممزق.
نعم في هذا الوقت الذي كان المسلمون فيه بحاجة إلى أن يقوم علماوَهم بتنشيط العزائم ووعظ الملوك والساسة بالقيام بالوظائف،وفتح معسكرات لاِعداد الشباب وتدريبهم وإيجاد روح الكفاح أمام الوثنيين «التتر» والصليبيين المهاجمين... طرح ابن تيمية مسائلا تعود على المسلمين في تلك الظروف العصيبة بشيء سوى تعميق الخلاف وتعكير الصفوف وتشديد النزاعات المذهبية والطائفية، وأقل ما يقال عنها إنّها قضايا استهلاكية ومسائل جانبية لا تمتّ إلى انقاذ الاَُمّة من المحنة السياسية والعسكرية والغزو الصليبي الوثني الذي كانت تعاني منه.
وأوّل بادرة بدرت من الشيخ هو التقوّل بإثبات الجهة وذلك في عام 698 في «الرسالة الحمويّة» (منشورة و مطبوعة) حيث ادّعى بصراحة بأنّ الصفات الخبرية كالاستواء واليد والوجه والنزول والصعود يحمل على اللّه تعالى بنفس معانيها اللغوية من دون تصرّف.
ولما كانت «الرسالة الحمويّة» صريحة في إثبات الجهة والحركة والنقل دُعي الشيخ إلى دار السعادة بدمشق ليجيب على أسئلة القضاة.
يقول تلميذه ابن كثير في حوادث تلك السنة:
« ... قام عليه جماعة من الفقهاء وأرادوا إحضاره إلى مجلس القاضي جلال الدين الحنفي فلم يحضر، فنودي في البلد في العقيدة التي كان سأل عنها أهل حماة المسمى به (الحموية... )» (1)
ثمّ إنّه لم يكتف بهذا الرأي الشاذ وأخذ يحط من شأن الاَنبياء ومنازلهم فخرج بهذه الفتاوى:
1ـ يحرم شدّ الرحال إلى زيارة النبي وتعظيمه بحجّة أنّه يوَدي إلى الشرك.
2ـ يحرم التوسّل بالاَولياء والصالحين.
3ـ تحرم الاستغاثة بالاَولياء ودعوتهم.
4ـ يحرم البناء على القبور وتعميرها.
5ـ لا تصح أكثر الفضائل المنقولة في الصحاح والسنن في حقّ العترة الطاهرة.
إلى غير ذلك من الآراء الشاذة.
وهكذا نجده في الظروف التي كانت المحن الباهظة تحيط بالمسلمين من جانب الشرق (التتر) والغرب (الصليبيون)، أتى بهذه الاَفكار الهدّامة وشغل بال القضاة والحكام طيلة حياته.
ولاَجل ذلك كان يُعتقل سنة ويفرَّج عنه سنة أُخرى إلى أن لفظ آخر أنفاسه في سجن دمشق عام 728 هـ.
ومن أراد أن يقف على موقف العلماء من آرائه وأفكاره فعليه الرجوع إلى كتب المعاجم والتراجم، فهو يرى أنَّهم يترجمونه (مع الاِشادة بفضله وعلمه وإحاطته بالقرآن والسنّة) مشيرين إلى لجاجه وشذوذه واعوجاجه.
ولاَجل أن يكون ذلك الادعاء مشفوعاً بالبرهان نأتي بنصوصهم في هذا المجال حتى تقف على أنَّ آراء الرجل كانت تخالف الرأي العام بين أهل السنَّة إلى حدٍّ قد مُنِعَ من الكتابة حتى في السجن، فما حال من كان على خلافٍ مع قضاة المذاهب وعلمائهم وحكامهم، وبذلك تعرف أنَّ الدعايات الاَخيرة التي تريد أن تصوّره كشيخ الاِسلام ومحيي السنَّة و ... لا تقوم على واقع صحيح فإنّ علماء وقضاة عصره ومن تأخر عنهم أجمعوا على ضلاله وفساد عقيدته فكيف يكون شيخ المسلمين؟
وها نحن نذكر كلمات العلماء في حقّه سواء كان من معاصريه أو ممّن أتى من بعده حسب ترتيب التواريخ. ..:
1ـ صفي الدين الهندي (ت 644| م 715)
كان صفي الدين الهندي من أعلم الناس بالاَصلين، ومن تصانيفه في علم الكلام «الزبدة» وفي أُصول الفقه «النهاية» وكل مصنفاته حسنةٌ جامعةٌ لا سيَّما النهاية، وقد عُقد له مجلس بدار السعادة عام 715 هـ ليناظر أبن تيمية، وكان طويل النفس في التقرير، فلمّـا شرعَ يقرّر، أخذ ابن تيمية يعجِّلُ عليه على عادته، ويخرج من شيء إلى شيء.
فقال له الهندي: ما أراك يا ابن تيمية إلاّ كالعُصفور حيث أردتُ أن أقبضه من مكان فرَّ إلى مكانٍ آخر.
وكان الهنديُّ شيخُ الحاضرين كلِّهم، فالكلّ صَدَر عن رأيه.
وحبس ابن تيمية بسبب تلك المسألة وهي التي تضمّنت قوله بالجهة ونُودي عليه في البلاد وعلى أصحابه وعزِلوا من وظائفهم (2) .
2ـ كمال الدين الزملكاني (ت 667 | م 727)
الاِمام العلاّمة المناظر وُلِدَ في شوال سنة 667 هـ ودرس بالشامية، البرانية وولّـي قضاء حلب وألّف رسالة مستقلة في الردّ على ابن تيمية في مسألتي الطلاق والزيارة (3).
3ـ شهاب الدين الحلبي (م 733)
عرّفه السبكي بأنّه درس وأفتى وشغَلَ بالعلم مدةً بالقدس ودمشق، وله تصنيفٌ في نفي الجهة رداً على ابن تيمية، وقد جاء السبكي بنفس الرسالة في ترجمته وهي رسالة مفصَّلة، في تنزيهه سبحانه عن الجسم والجسمانيات، قال في مقدمته:
«أمّا بعد الذي دعا إلى تصدير هذه النبذة ما وقع في هذه المدّة ممّا علقه بعضهم في إثبات الجهة، واغترّ بها من لم يرسخ له في التعليم، قدم ولم يتعلَّق بأذيال المعرفة، فعجبت أن أذكر عقيدة أهل السنّة ثم أُبين فساد ما ذكره، مع أنَّه لم يدّع دعوى إلاّ نقضها أو أوطد قاعدةً إلاّ هدمها ) (4)
4ـ شمس الدين الذهبي (م 748)
كان الشيخ الذهبي من الحنابلة المتعصّبين، فهو وإن لم يذكر في حق ابن تيمية شيئاً في كتاب «تذكرة الحفّاظ» - لكنه في الحقيقة ذكر ترجمته في في كتاب وسير اعلام النبلاء و اثنى عليه كيف و هو تلميذه كما يقال !!!!!
- لكنّه نصحه في رسالة بعثها إليه، وهذه الرسالة مطبوعة في تكملة السيف الصقيل للكوثري ص 190.
كتبه من خط قاضي القضاة برهان الدين ابن جماعة، وكتبه هو من خطّ الشيخ الحافظ أبي سعيد ابن العلائي وكتبه هو من خطّ الذهبي وفي آخر الرسالة جاء:
« .. أما آن لك أن تَرعَوي؟ أما حانَ لك أن تتوب وتُنيب، أمّا أنت في عمر سبعين وقد قرب الرحيل، واللّه ما أدَّكِر أنّك تذكر الموت، بل تزدري بمن يذكر الموتَ، فما أظنكَ تُقبل على قولي ولا تُصغي إلى وعظي، بل لك همَّة كبيرة في نقض هذه الورقة بمجلدات!... فإذا كان هذا حالُكَ عندي وأنا الشفوق المحبُّ الوادُّ فكيفَ حالُكَ عند أعدائك، وأعداوَك واللّه فيهم صلحاء وعقلاء وفضلاء كما أنَّ أولياءَك فيهم فَجَرَةٌ كَذَبةٌ جَهَلَةٌ...» (5)
5ـ صدر الدين المرحل (م حوالي 750)
كان إماماً كبيراً بارعاً في المذهب والاَصلين، يُضرب المثل باسمه فارساً في البحث نظّاراً مُفرط الذكاء عجيب الحافظة وله مع ابن تيمية المناظرات الحسنة وبها حصل عليه التعصب من أتباع ابن تيمية (6)
6ـ الحافظ علي بن عبد الكافي السبكي (م 756)
كان الشيخ الفقيه السبكي أحد المناضلين ضدَّ آراء ابن تيمية، خصوصاً في مسألة تحريم الزيارة والسفر إلى قبر الرسول.
يقول وَلدُه : إمام ناضَح عن رسول اللّه بنضاله، وجاهَدَ بجداله، حمى جناب النبوة الشريف بقيامه في نصره ... قامَ حين خلط على ابن تيمية الاَمر وسوّلَ له الخوضَ في ضحضاح ذلك الجمر، حين سدّ باب الوسيلة، وأنكر شدّ الرحال لمجرَّد الزيارة (7)
ويقول السبكي أيضاً في ديباجة كتابه «الدرَّة المضيئة في الردّ على ابن تيمية» ما هذا نصّه:
«.. لمّا أحدث ابن تيمية ما أحدث في أُصول العقائد ونقَضَ من دعائم الاِسلام الاَركان والمعاقد، بعد أن كان مستتراً بتبعية الكتاب والسنّة مُظهراً أنّه داع إلى الحق، هادٍ إلى الجنَّة، فخرج عن الاتباع إلى الابتداع، وشذَّ عن جماعة المسلمين بمخالفة الاِجماع، وقال بما يقتضي الجسمية والتركيب في الذات المقدّسة وأنّ الافتقار إلى الجزء ليس بمحال وقال بحلول الحوادث بذات اللّه تعالى ... » (8).
له كتاب آخر أيضاً أسماه «شفاءُ السقام في زيارة خير الاَنام عليه أفضل الصلاة والسلام» أثبت فيه استحباب الزيارة بروايات كثيرة كما أثبت جواز السفر للزيارة وطبع بمصر عام 1318، وقدَّم له مقدَّمة العلاّمة الشيخ محمّد بخيت أسماها بـ : «تطهير الفوَاد من دنس الاعتقاد».
7ـ محمد بن شاكر الكتبي (م 764)
إنّ الكتبي هو الذي ألّف كتاب «فوات الوفيات» تذييلاً لكتاب «وفيات الاَعيان» لابن خلكان، فقال في ترجمة ابن تيمية أنَّه ألّف رسالة في فضل معاوية وفي أنّ ابنه يزيد لا يُسَب (9) .
وهذه الرسالة - أبن تيمية - تُعرب عن نزعاته الاَموية ويكفي القول في «الوالد وما ولد» أنّ الاَوّل بدل الحكومة الاِسلامية إلى الملوكية الموروثة ودعى عباد اللّه إلى ابنه يزيد، المتكبر، الخمّير، صاحب الديوك، والفهودِ، والقرودِ، وأخذَ البيعةَ له على خيار المسلمين بالقهرِ والسطوةِ والتوعيدِ، وهو المجاهرُ بكفره بقوله:
لَعِبَتْ هاشمُ بالمُلكِ فلا * خبر جاءَ ولا وَحيٌ نَزَل
والثاني قتل الاِمام السبط الحسين أوّلاً، وارتكب مجزرة الحرّة ثانياً، وأحرق الكعبة ثالثاً.
8 ـ أبو محمد اليافعي (م 768)
قال في ترجمة ابن تيمية: ماتَ بِقَلعة دمشق تقي الدين أحمد بن تيمية مُعتقلاً ومُنِعَ قبل وفاته بخمسة أشهر عن الدواة والورقة، وسمع من جماعة، وله مسائل غريبة أُنكر عليه وحُبس بسببها مباينةٌ لمذهب أهل السنّة، ومن أقبحها نهيه عن زيارة النبي، وكذلك عقيدته في الجهة (10)
9ـ أبو بكر الحصني الدمشقي (م 829) :
يقول:
فاعلم إنّي نظرتُ في كلام هذا الخبيث الذي في قلبه مرض الزيغ، المتتبع ما تشابه من الكتاب والسنَّة، ابتغاء الفتنة وتَبِعه على ذلك خلقٌ من العوام وغيرهم ممّن أراد اللّه عزّ وجلّ إهلاكه، فوجدت فيه ما لا أقدر على النُّطق به، ولا لي أنامل تطاوعني على رسمه وتسطيره، لما فيه من تكذيب ربّ العالمين، في تنزيهه لنفسه في كتابه المبين، وكذا الازدراءُ بأصفيائه المنتخبين، وخلفائهم الراشدين، وأتباعهم الموفّقين، فعدلت عن ذلك إلى ذكر ما ذكره الاَئمّة المتّقون وما اتفقوا عليه من تبديعه وإخراجِهِ ببغضه من الدين .
(11)
10ـ شيخ الاِسلام شهاب الدين، أحمد بن حجر العسقلاني (م852) :
إنّ ابن حجر العسقلاني أعرف وأشهر من أن يُعرف قال في كتابه: «الدرر الكامنة في أعيان المائة الثامنة» :
(... أول ما أنكروا على ابن تيمية من مقالاته في شهر ربيع الاَوّل سنة 698، قام عليه جماعة من الفقهاء بسبب الفتوى الحموية وبحثوا معه ومُنع من الكلام.
ثمّ ذكر معتقلاته وسجونه إلى أن أدركته المنية ...
فلاحظ ترجمته في الدرر الكامنة لابن حجر العسقلاني 2 | 247
ففي الدرر الكامنة : « نودي عليه بدمشق : من اعتقد عقيدة ابن تيمية حلّ دمّه وماله »
11ـ جمال الدين يوسف بن تغـري الاَتابكي (ت 812 ـ م874) :
هو موَلف «المنهل الصافي والمستوفى بعد الوافي» نقل فيه عن القاضي كمال الدين الزملكاني الجملة التالية:
ثمّ جرت له محن في مسألة الطلاق الثلاث وشدّ الرحال إلى قبور الاَنبياء والصالحين، وحبب للناس القيام عليه، وحُبس مرات في القاهرة والاِسكندرية ودمشق، وعُقِدَ له مجالس بالقاهرة ودمشق إلى أن ورد مرسومٌ شريف من السلطان في شعبان سنة 726 بأن يُجعل في قلعة دمشق، فأقام فيها مدَّة مشغولاً بالتصنيف، ثمّ بعد مدَّة مُنِعَ من الكتابة والمطالعة وأخرجوا ما كان عنده من الكتب ولم يتركوا عنده دواتاً ولا قلماً ولا ورقة.
ثمّ إنَّه نقل أنّه كُتِبَ عليه محضرٌ وقد أُمر فيه أنّه أشعري وإليك ما كتبه بخطه:
«أنا أعتقد أنّ القرآن معنىً قائم بذات اللّه وهو صفة من صفات ذاته القديمة وهو غير مخلوق وليس بحرف ولا صوت وأنَّ قوله: (الرحمن على العرش استوى) ليس على ظاهره، ولا أعلم كُنْه المراد به، بل لا يعلمه إلاّ اللّه، والقول في النزول كالقول في الاستواء، وكتبه أحمد ابن تيمية ثمّ أشهَدوا عليه جماعة أنّه تاب ممّا ينافي ذلك مختاراً وشهد عليه بذلك جمع من العلماء وغيرهم .(12)
12ـ شهاب الدين ابن حجر الهيثمي (م 973) :
إنَّ ابن حجر الهيثمي أشهر من أن يعرَّف. قال في ترجمة ابن تيمية:
«.. ابن تيمية عبدٌ خَذَلَه اللّه وأضلَّه وأعماه وأصمَّه وأذلَّه، وبذلك صرَّح الاَئمة الذين بيَّنوا فساد أحواله وكذِبَ أقواله ومن أراد ذلك فعليه بمطالعة كلام الاِمام المجتهد، المتفق على إمامته وجلالته وبلوغه مرتبة الاجتهاد، أبي الحسن السبكي وولده التاج والشيخ الاِمام العز بن جماعة وأهل عصرهم وغيرهم من الشافعية والمالكية والحنفية ولم يقصر اعتراضه على متأخري الصوفية، بل اعترض على مثل عمر بن الخطاب وعلي بن أبي طالب ـ رضي
اللّه عنهما ـ (13) .
13ـ ملا علي القاري (م 1016)
إنّ كتاب «الشفاء في تعريف حقوق المصطفى» تأليف عياض بن موسى المتوفى عام 544، من أنفس الكتب وقد شرحه عدّة من الاَعلام منهم ملا علي القاري، قال في الفصل المخصّص بزيارة النبيّ:
إنَّ ابن تيمية من الحنابلة حَرَّمَ السفر لزيارة النبيّ وهو قد أفرط، كما أفرط غيره حيث قال: إنَّ الزيارة قربةٌ معلوم من الدين بالضرورة وجاحده محكومٌ عليه بالكفر، ولعلّ الثاني أقربُ إلى الصواب، لاَنّ تحريم ما أجمع العلماء فيه بالاستحباب يكون كفراً لاَنّه فوق تحريم المباح المتّفق في هذا الباب(14) .
14ـ أبو العباس أحمد بن محمد المكناسي، الشهير بابن القاضي (ت 960 ـ م 1025) :
لقد ترجم ابن القاضي هذا ابن تيمية في ذيل وفيات الاَعيان المسمى بـ : «درَّة الحجال في أسماء الرجال» بقوله: «أحمد بن عبد الحليم مُفتي الشام ومحدّثه وحافظه وكان يرتكب شواذّ الفتاوى ويزعم أنّه مجتهد» (15) .
و أخيراً نقول فلاحظ ترجمته والبدر الطالع للشوكاني 2 | 260
( صرّح محمد البخاري الحنفي المتوفى سنة 841 بتبديعه ثم تكفيره ، ثم صار يصرّح في مجلسه : أن من أطلق القول على ابن تيمية أنه شيخ الاسلام فهو بهذا الاطلاق كافر ))
المصـــــــــادر للبحث والتحقيق :
1)ابن كثير: البداية والنهاية ، ج14: 4.
(2) السبكي: طبقات الشافعية، ج9: 164ـ 169، والبداية والنهاية ج14:36ـ 38.
(3)المصدر نفسه ج9: 190ـ 191.
(4)السبكي: طبقات الشافعية ج 9: 34ـ35.
(5)تكملة السيف الصقيل: 190.
(6)السبكي: طبقات الشافعية ج 9: 253.
(7)المصدر نفسه ج10: 149ـ 150.
(8)السبكي: الدرَّة المضيئة ص 5.
(9)الكتبي: فوات الوفيات ج1: 77.
(10)اليافعي: مرآة الجنان ج4: 240 و 277 في حوادث سنة 728.
(11)الدمشقي: دفع شبه من شبه وتمرد : 216.
(12)ابن حجر : الفتاوى الحديثة : 86، نقله العلاّمة الشيخ محمد بخيت في كتاب «تطهير الفوَاد» ص 9، طبع مصر، ولابن حجر كلمة أُخرى في كتابه «الجوهر المنتظم في زيارة القبر الشريف النبوي المكرم» نقلها القضاعي العزامي في كتابه «فرقان القرآن» : 132 ـ وهو مقدمة لكتاب «الاَسماء والصفات» للبيهقي.
(13)ملاّ علي القاري: شرح الشفاء في هامش نسيم الرياض ج3: 514.
(14)ملاّ علي القاري: شرح الشفاء في هامش نسيم الرياض ج3: 514.
(15)المكناسي: درّة الحجال ج1: 30.
بالاستعانة :
1- ((في ظل أُصول الاِسلام )) آية الله جعفر السبحاني ( دام ظله )
2- (( الإمامة في أهم الكتب الكلامية وعقيدة الشيعة الإمامية )) العلامة المحقق السيد علي الميلاني ( حفظه الله ) .
3- بعض التراجم المتوفرة .
وناهيك عن أقوال القوم الكثر في أبن تيمية من أصحابه :
مرسوم ابن قلاوون في ابن تيمية
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمدلله الذي تنزّه عن الشبيه والنظير وتعالى عن المثل ، فقال عزوجل ( ليس كمثله شى وهو السميع البصير (11) [ سورة الشورى]، أحمده على أن ألهمنا العمل بالسنة والكتاب ، ورفع في أيامنا أسباب الشك والإرتياب، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له ، شهادة من يرجو بإخلاصه حسن العقبى والمصير، وينزّه خالقه عن التحيّز في جهة لقوله تعالى ( وهو معكم أين ما كنتم والله بما تعملون بصير (4)) [ سورة الحديد ] وأشهد أن سيدنا محمد عبده ورسوله الذي نهج سبيل النجاة لمن سلك سبيل مرضاته، وأمر بالتفكّر في آلاء الله ونهى عن التفكّر في ذاته، صلى الله عليه وآله وأصحابه الذين علا بهم منار الإيمان وارتفع ، وشيد الله بهم من قواعد الدين الحنيف ماشرع ، وأخمد بهم كلمة من حاد عن الحق ومال الى البدع ، وبعد ،
فإن العقائد الشرعية وقواعد الإسلام المرعية وأركان الإيمان العلية ومذاهب الدين المرضية، هي الأساس الذي يبنى عليه [ والموئل ](1) الذي يرجع كل أحد إليه ، والطريق التي من سلكها فقد فاز فوزا عظيما، ومن حاد عنها فقد استوجب عذابا عظيما، فلهذا يجب أن تنفذ أحكامها ، ويؤكد دوامها ، وتصان عقائد الملة عن الإختلاف ، وتزان قواعد الأئمة بالإئتلاف ، وتخمد ثوائر البدع ، ويُفرّق من فِرَقِها مااجتمع.
وكان ابن تيمية في هذه المدة قد بسط لسان قلمه، ومدّ [بجهله] عنان كلمه، وتحدّث في مسائل الذات والصفات، ونص في كلامه [الفاسد] على أمور منكرات، وتكلّم فيما سكت عنه الصحابة والتابعون، وفاه بما اجتنبه الأئمة الأعلام الصالحون، وأتى في ذلك بما أنكره أئمة الإسلام ، وانعقد على خلافه إجماع العلماء والحكام، وشهر من فتاويه في البلاد مااستخف به عقو العوام، وخالف في ذلك فقهاء عصره. وعلماء شامه ومصره، وبعث برسائله الى كل مكان ، وسمى فتاويه بأسماء ما أنزل الله بها من سلطان.
ولما اتصل بنا ذلك ومسلكه المريدون له من هذه المسالك الخبيثة وأظهروه من هذه الأحوال وأشاعوه، وعلمنا أنه استخفّ قومه فأطاعوه، حتى قيل بأنهم صرّحوا في حق الله سبحانه بالحرف والصوت [والتشبيه] والتجسيم، قمنا في الله تعالى مشفقين من هذا النبأ العظيم، وأنكرنا هذه البدعة ، وعزّ علينا أن تُشيع عن ممالكنا هذه السمعة، وكرهنا ما فاه به المبطلون ، وتلونا قوله تعالى ( سبحان الله عما يصفون (91)) [ سورة المؤمنون ]، فإنه [ سبحانه وتعالى ]، تنزّه في ذاته وصفاته عن النظير ، ( لاتدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير(103))[سورة الأنعام]، فتقدمت مراسيمنا باستدعاء [ ابن تيمية ] المذكور إلى أبوابنا العالية، عندما سارت فتاويه [ الباطلة ] في شامنا ومصرنا، وصرّح فيها بألفاظ ما سمعها ذو لبٍّ إلا وتلى قوله تعالى ( لقد جئت شيئا نكرا ( 74)) [ سورة الكهف ] .
ولما وصل إلينا تقدمنا إلى أولي العقد والحل، وذوي التحقيق والنقل ، وحضر قضاة الإسلام ، وحكام الأنام، وعلماء الدين وفقهاء المسلمين ، وعُقد له مجلس شرعي في ملأ وجمع من الأئمة، [ ومن له دراية في مجال النظر ودفع ] فثبت عندهم جميع مانُسب إليه ، [ بقول من يعتمد ويعول عليه] وبمقتضى خط قلمه الدال على منكَر معتقده ، وانفصل ذلك الجمع وهم لعقيدته الخبيثة منكرون، وآخذوه بما شهد به قلمه تالين ( ستُكتب شهادتهم ويُسألون (19))[سورة الزخرف] ، ونُقل إلينا أن كان أُستتيب مرارا فيما تقدم ، وأخرّه الشرع الشريف لما تعرّض لذلك وأقدم، ثم عاد بعد منعه ، ولم تدخل تلك النواهي في سمعه.
وصح ذلك في مجلس الحاكم العزيز المالكي حكم الشرع الشريف ، أن يُسجن هذا المذكور وأن يُمنع من التصرف والظهور، ويكتب مرسومنا هذا بأن لا يسلك أحد ماسلكه المذكور ويُنهى عن [ التشبيه في] مثل ذلك الإعتقاد، أو يعود له في هذا القول متبعا، أو لهذه الألفاظ مستمعا، أو يسري في التشبيه مسراه ، أو أن يفوه بجهة العلو بما فاه، أو أن يتحدث أحد بحرف أو صوت ، أو يفوه بذلك الى الموت، أو يتفوّه بتجسيم، أو ينطق بلفظ في ذلك غير مستقيم، أو خرج عن رأي الأئمة ، أو ينفرد به عن علماء الأمة ، أو يحيّز الله سبحانه وتعالى في جهة أة يتعرّض إلى حيث وكيف ، فليس لمعتقد هذا إلا السيف.
فليقف كل واحد عند هذا الحد، ولله الأمر من قبل ومن بعد، وليلزم من الحنابلة بالرجوع عن هذه العقيدة، والخروج عن الشبهات الزائغة الشديدة، ولزوم ما أمر الله تعالى به من التمسك بمذاهب أهل الإيمان الحميدة، فإنه من خرج عن أمر الله فقد ضل سواء السبيل، ومثل هذا ليس له إلا التنكيل ، والسجن الطويل ومستقرّه ومقيله وبئس المقيل.
[قد رسمنا بأن ينادى في دمشق المحروسة والبلاد الشامية، وتلك الجهات الدانية والقاصية بالنهي الشديد والتخويف والتهديد لمن اتبع ابن تيمية في هذا الأمر الذي أوضحناه ، ومن تابعه تركناه في مثل مكانه وأحللناه، ووضعناه من عيون الأمة كما وضعناه] ومن أصر عن الإمتناع وأبى إلا الدفاع أمرنا بإسقاطهم عن [مدارسهم]، ومناصبهم ووضعهم م مراتبهم مع إهانتهم، وأن لا يكون لهم في بلادنا قضاء ولا حكم ولا ولاية ولا تدريس. ولا شهادة ولا إمامة بل ولا مرتبة ولا إقامة، فإنا أزلنا دعوة هذا الرجل من البلاد، وأبطلنا هذه العقيد التي أضل بها كثيرا من العباد أو كاد [ بل كم أضل بها من خلق وعاثوا بها في الأرض الفساد، ولتثبت المحاضر الشرعية على الحنابلة بالرجوع عن ذلك وتسير المحاضر بعد إثباتها على قضاة المالكية]، وقد أعذرنا وحذّرنا وأنصفنا حيث أنذرنا ، وليقرأ مرسومنا هذا على المنابر، ليكون أبلغ واعظ وزاجر وأعدل ناهٍ وآمر إن شاء الله تعالى.
والحمدلله وحده وصلواته على نبينا محمد وآله وصحبه وسلم .
والإعتماد على الخط الشريف أعلاه. وكتب ثامن عشري شهر رمضان سنة خمس وسبعمائة. أ. هـ.
وهذه المراسيم الصادرة في حقه بعد محاكمته أمام جماعة من كبار العلماء في عصره مسجلة في كتب التواريخ مثل : عيون التواريخ ، ونجم المهتدي ، ودفه شبه من شبّه وتمرد. ... وغيرها .
************************************************
*****************************************
يتبع إن شآء الله تعالى ...
{حيـــــــــــــــدرة}