المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الكوفة مدينة ومدرسة الفقه الشيعي الاولى


ابن الكوفة
28-02-2008, 04:11 PM
الكوفة مدينة ومدرسة الفقه الشيعي الاولى :


ظهرت هذه المدرسة من اواسط القرن الثاني (حياة الامام الصادق )واستمرت الى الربع الاول من القرن الرابع (الغيبة الكبرى) .






http://masjed-alkufa.net/images/photoalbum/marqad_muslim_t2.jpg (http://javascript<b></b>:;)
(http://javascript<b></b>:;)
من المعروف والواضح لدى المتتبعين لتاريخ الشيعة والتشيع ان المدينة المنورة كانت المهد الاول للتشيع والوطن الاول لفقهاء الشيعة من الصحابة والتابعين وان رسول الله هو اول من بذر البذرات الاولى فيها عندما وسم الامام علي (ع) وشيعته بوسام الفوز حينما قال :" يا علي انت وشيعتك هم الفائزون يوم القيامة" وعرف على اثر ذلك جماعة من كبار فقهاء الصحابة بحبهم وتشيعهم لامير المؤمنين (ع) من امثال ابن عباس حبر الامة وفقيهها ،وسلمان الفارسي ، وابو ذر الغفاري وعمار بن ياسر وابو رافع ابراهيم مولى رسول الله وغيرهم من الصحابة اما من التابعين فكان جمع كثير من شيعة امير المؤمنين عليه السلام حفظوا (السنة النبوية) وتداولوها فيما بينهم ونقلوها الى الاجيال التي تليهم بامانة حتى قال الذهبي في ميزان الاعتدال : "فهذا - أي التشيع- كثر في التابعين وتابعيهم مع الدين والورع والصدق ، فلو رد حديث هؤلاء – أي الشيعة – لذهبت جملة الاثار النبوية " وفي عهد الامام الصادق بلغ هذا الازدهار الفكري غايته حيث ازدهرت المدينة المنورة في عصره وزخرت بطلاب العلوم ووفود الاقطار الاسلامية ، وانتظمت فيها حلقات الدرس ، وكان بيته جامعة اسلامية يزدحم فيه رجال العلم ، وحملة الحديث من مختلف الطبقات ينتهلون موارد علمه . يقول ابن حجر عن الامام الصادق عليه السلام : نقل الناس عنه من العلوم ما سارت به الركبان ، واتشر صيته في جميع البلدان ،وروى عنه الائمة الاكابر كيحيى بن سعيد وابن جريح ، ومالك والسفيانيين ، وأبي حنيفة وشعبة وأيوب السختياني ( 1 ) .\


ويطول بنا الحديث لو أردنا أن نحصي عدد الفقهاء من الشيعة في هذه الفترة ، وما تركوا من آثار ، ويكفي الباحث أن يرجع إلى كتب أعيان الشيعة ، ورجال النجاشي ، والكشي ، وتأسيس الشيعة لعلوم الإسلام ليعرف مدى الأثر الذي تركه ( فقهاء الشيعة ) في هذه الفترة التي تكاد .تبلغ قرنا ونصف قرن من تاريخ الإسلام في الدراسة الفقهية ، والمحافظة على السنة النبوية .


إذاً كانت ( المدينة المنورة ) في عهد ( الإمام الباقر والصادق ) عليهما السلام ( مدرسة للفقه الشيعي ) ، ومركزا كبيرا من مراكز الإشعاع العقلي في العالم الإسلامي . الا أن ملامح ( المدرسة الفقهية ) في هذه الفترة في ( المدينة المنورة ) كانت أولية إلى حد ما ، ولم تتبلور المسائل الخلافية في الفقه بين ( الشيعة والسنة ) كما تبلورت بعد في ( الكوفة ) على يد تلامذة ( الإمام الصادق ) عليه السلام واستمرت إلى أيام ( أبي الحسن الرضا) عليه السلام ، فالاختلاف في القياس والاستحسان والرأي والاجتهاد ، ومسائل الصلاة والوضوء ، والحج الخلافية لم تظهر واضحة في هذه الفترة ، وفي هذه المدرسة بالذات ، وإن كانت المدينة منطلق ( الفقه الشيعي ) والمركز الأول للبحث الفقهي عند الشيعة ، وعنها انتقلت المدرسة إلى الكوفة ، وتبلورت المفاهيم ، واتضحت نقاط الالتقاء والاختلاف بين المذاهب الفقهية الإسلامية .



ففي أخريات حياة ( الإمام الصادق عليه السلام ) انتقلت مدرسة الفقه الشيعي من ( المدينة ) إلى ( الكوفة ) ، وبذلك بدأت حياة فقهية جديدة في الكوفة . وكانت الكوفة حين ذاك مركزا صناعيا ، وفكريا كبيرا تقصده البعثات العلمية ، والتجارية . ذكر البلاذري أن أربعة آلاف من رعايا الفرس وفدوا إلى الكوفة ( 2 ) .


وقد أثر وفود العناصر المختلفة إلى الكوفة طلبا للعلم ، أو التجارة في التلاقح العقلي والذهني في هذه المدرسة ، كما كان لها الأثر البالغ في تطوير الدراسات العقلية فيها . وقد هاجر إليها فوق ذلك وفود : من الصحابة والتابعين ، والفقهاء وأعيان المسلمين : من مختلف الأمصار وبذلك كانت ( الكوفة ) حين انتقل إليها ( الإمام الصادق ) عليه السلام وانتقلت إليها ( مدرسة الفقه الشيعي ) من أكبر العواصم الإسلامية . وقد عد البراقي في تاريخ الكوفة 148 صحابيا من الذين هاجروا إلى الكوفة واستقروا فيها ، ما عدا التابعين والفقهاء الذين انتقلوا إلى هذه المدينة ، والذين كان يبلغ عددهم الآلاف ، وما عدا الأسر العلمية التي كانت تسكن هذا القطر . وقد أورد ابن سعد في الطبقات ترجمة ل‍ (850 ) تابعيا ممن سكن الكوفة ( 3 ) . في مثل هذا الوقت انتقل ( الإمام الصادق ) عليه السلام إلى الكوفة أيام ( أبي العباس السفاح ) واستمر بقاء ( الإمام الصادق ) عليه السلام في الكوفة مدة سنتين . وقد اشتغل ( الإمام الصادق ) عليه السلام هذه الفترة بالخصوص في نشر ( المذهب الشيعي ) ، لعدم وجود معارضة سياسية قوية في البين فقد سقطت في هذه الفترة ( الحكومة الأموية ) وظهرت ( الحكومة العباسية ) وبين هذا السقوط ، وهذا الظهور اغتنم ( الإمام الصادق ) عليه السلام الفرصة للدعوة إلى المذهب ، ونشر أصول هذه المدرسة ، فازدلفت إليه الشيعة من كل فج زرافات ووحدانا تتقي منه العلم وترتوي من منهله العذب.


وتروي عنه الأحاديث في مختلف العلوم ، وكان منزله عليه السلام في ( بني عبد القيس من الكوفة ) ( 4 ) . قال محمد بن معروف الهلالي : مضيت إلى الحيرة إلى ( جعفر بن محمد ) عليه السلام فما كان لي فيه حيلة من كثرة الناس ، فلما كان اليوم الرابع رآني فأدناني وتفرق الناس عنه ومضى يريد قبر ( أمير المؤمنين ) عليه السلام فتبعته وكنت أسمع كلامه وأنا معه أمشي . وقال الحسن بن علي بن زياد الوشاء لابن عيسى القمي : إني أدركت في هذا المسجد : يعني مسجد الكوفة تسعمائة شيخ كل يقول : حدثني جعفر بن محمد عليه السلام ( 5 ) .
وكان من بين أصحاب ( الإمام الصادق ) عليه السلام من فقهاء الكوفة : ( أبان بن تغلب بن رباح الكوفي ) نزيل كندة روى عنه عليه السلام ( 30000 ) حديثا . ومنهم : ( محمد بن مسلم الكوفي ) روى عن ( الباقرين ) عليهما السلام ( 40000 ) حديثا ) وقد صنف الحافظ أبو العباس بن عقدة الهمداني الكوفي المتوفى سنة 333 كتابا في أسماء الرجال الذين رووا الحديث عن ( الإمام الصادق ) عليه السلام فذكر ترجمة ( 4000 ) رجل ( 6 ) . كل ذلك بالإضافة إلى البيوتات العلمية الكوفية التي عرفت بانتسابها إلى ( الإمام الصادق ) عليه السلام ، واشتهرت بالفقه والحديث كبيت ( آل أعين ) ، وبيت ( آل حيان التغلبي ، وبيت ( بني عطية ) . وبيت ( بني دراج ) ، وغيرهم من البيوتات العلمية الكوفية التي عرفت بالتشيع ، واشتهرت بالفقه والحديث ( 7 ) .

وقد أدى كل هذا الالتقاء بشخصية ( الإمام الصادق ) عليه السلام في الكوفة ، والاحتفاء به إلى أن يأخذ ( الجهاز العباسي ) الحاكم حذره منه . وقد خاف ( المنصور الدوانيقي ) أن يفتتن به الناس ( على حد تعبيره ) لما رأى من إقبال الفقهاء والناس عامة عليه ، واحتفائهم به ، وإكرامهم له فطلبه إلى ( بغداد ) في قصة طويلة لا يهمنا نقلها . ومهما يكن من أمر فقد ازدهرت ( مدرسة الكوفة ) على يد ( الإمام الصادق ) عليه السلام وتلاميذه ، وبتأثير من الحركة العلمية القوية التي أوجدها ( الإمام الصادق ) عليه السلام في هذا الوسط الفكري .

ولم تبق الكوفة إلى حين ( الغيبة الكبرى ) مقاما للأئمة عليهم السلام ولم يتمركز ( فقهاء الشيعة ) كلهم بعد ذلك في الكوفة ، ولم تستمر طول هذه المدة المدرسة التي أنشأها ( الإمام الصادق ) في الكوفة إلا أن الكوفة كانت هي منطلق ( الحركة العقلية ) في ( العصر الثاني ) من عصور تأريخ ( الفقه الشيعي ) ومبعث هذه الحركة ، ومركز الإشعاع وظلت مع ذلك بعد من أهم مراكز ( الفقه الشيعي ) ، وظلت ( البعثات الفقهية الشيعية ) تقصد هذه المدينة بالذات ، ويتعاقب فيها ( فقهاء الشيعة ) مركز الصدارة في التدريس ، والفتيا ، والبحث الفقهي .
ورغم العقبات الكبرى التي اصطدم بها ( أئمة الشيعة ) من أهل البيت عليهم السلام ، وفقهاء الشيعة ورواة الحديث : من ضغط الجهاز الحاكم حتى كان بعضهم يعرض إذا رأى الإمام في الطريق ، لئلا يتهم بالتشيع .وبعضهم يلتقي بالإمام ليلا . خوفا من عيون الرقابة المسلطة على بيوت ( أئمة أهل البيت ) عليهم السلام . رغم ذلك كله ، ورغم المعارضات ، والتهم والافتراءات ، والتهريج الذي كان يقوم به الجهاز تقدمت الدراسة الفقهية الشيعية ، وتدوين الحديث شوطا كبيرا في هذه الفترة ، وتركت لنا هذا التراث التشريعي الضخم الذي تمتلئ به المكاتب ، وتحتفل به الدورات الضخمة : كدورات ( بحار الأنوار ، والجواهر ، والحدائق ، ووسائل الشيعة ) الكبيرة .
وصنف قدماء ( الشيعة الاثني عشرية ) المعاصرون للأئمة في الأحاديث المروية من طرق أهل البيت ما يزيد على ( ستة آلاف وستمائة كتاب ) مذكورة في كتب الرجال ، على ما ضبطه ( الشيخ محمد بن الحسن بن الحر العاملي ) في آخر الفائدة الرابعة من الوسائل ( 8 ) . ومن بين هذا العدد من الكتب الذي يعتبر وحده مكتبة ضخمة في الحديث والفقه والتفسير من آفاق ( الفكر الإسلامي ) امتازت أربعمائة كتاب اشتهرت بعد ذلك ب‍ : (الأصول الأربعمائة ) . وقد بقي شئ كثير من هذه الأصول الأربعمائة ، فكان شئ كثير منها محفوظا عند ( الشيخ الحر العاملي ) ، وبعضها عند ( العلامة المجلسي ) وبعضها عند ( العلامة النوري ) ، وفقد مع ذلك كثير منها ( 9 ) .

ومهما يكن من أمر فقد توسعت في هذه الفترة رواية الحديث وتدوينه وازدهرت بما لا مثيل له في أي عصر آخر ، وفي أي مذهب من المذاهب الإسلامية عامة . فلهشام الكلبي أكثر من مائتي كتاب . ولابن شاذان مائة وثمانون كتابا . ولابن دؤل مائة كتاب . ولابن أبي عمير أربعة وتسعون كتابا ( 10 ) . وقد ترجم ( الشيخ آغا بزرك ) في الذريعة لمائتي رجل من مصنفي تلامذة ( الإمام الصادق ) عليه السلام عدا غيرهم من المؤلفين من أصحاب سائر الأئمة عليهم السلام ، وذكر لهم من كتب الأصول 739 كتابا ( 11 ) . فقد روى ( أبان بن تغلب ) - كما يقول الشيخ في الفهرست - ثلاثين ألف حديث عن ( الإمام الصادق ) عليه السلام . وروى ( آل أعين ) وحدهم أضعاف هذا المقدار . و ( يونس بن عبد الرحمن ) و ( البزنطي ) ومئات من أمثالهم كانوا من كبار المؤلفين والمكثرين في التأليف والتدوين ، وقد جمع كل واحد منهم عشرات المدونات في الحديث والتفسير والفقه .

ولم تزدهر ( المدرسة الحديثية ) في مذهب من المذاهب الإسلامية كما ازدهرت عند ( الشيعة ) ، حتى رأينا أن الذهبي يقول في ميزان الاعتدال : لو أردنا أن نسقط رجال الشيعة من إسناد الروايات لم تسلم لنا من السنة إلا القليل النادر . ولا نطيل في تفصيل شرح هذه الحركة الفكرية التي انطلقت من بيت النبوة ، ورعاها فقهاء الشيعة ومحدثوها بعناية فائقة ، واهتمام كبير .




ملامح مدرسة الكوفة :



ولننتقل إلى تخطيط ملامح هذه المدرسة وجدنا فيما تقدم من حديث عن العصر الأول من عصور الفقه الشيعي (وهو عصر المدينة المنورة) عدة ظواهر:



الظاهرة الاولى :


أن تدوين الحديث لم يكن أمرا شائعا بين المحدثين الشيعة ، فلم تصلنا من ( ابن عباس ) مثلا رغم كثرة رواياته مدونة في الحديث إلا ما جمعه الفيروزآبادي من رواياته في التفسير والتأويل . وظاهرة التدوين ظهرت من أيام ( الإمام الباقر ) عليه السلام ونمت أيام ( الإمام الصادق ) عليه السلام ، ولا سيما فقد أخذ ( الإمام الصادق ) عليه السلام - لما رأى من ضياع الأحاديث والسنن - يحث الرواة والعلماء على تدوين السنة وكتابتها . قال عاصم : سمعت أبا بصير يقول : قال ( أبو عبد الله الصادق ) عليه السلام : اكتبوا ، فإنكم لا تحفظون إلا بالكتابة ( 12 ) . وعن أبي بصير قال : دخلت على ( أبي عبد الله ) عليه السلام فقال : ما يمنعكم من الكتاب ؟ ! إنكم لن تحفظوا حتى تكتبوا ، إنه خرج من عندي رهط من أهل البصرة يسألون عن أشياء فكتبوها . وعن أبي بصير قال : سمعت ( أبا عبد الله ) عليه السلام يقول : اكتبوا ، فإنكم لا تحفظون حتى تكتبوا . وكذلك نجد أن ( الإمام الصادق ) عليه السلام كان يدفع أصحابه .
وتلامذته إلى التدوين ، وكتابة الحديث ، خوفا عليه من الضياع والاضطراب .



الظاهرة الثانية:


من ملامح هذا العصرأن حاجات المسلمين توسعت في هذا الوقت ، وازدحم الناس على أبواب الفقهاء يطلبون منهم الرأي فيما تجدد عليهم : من وجوه الحاجات الجديدة ، ولم يكن ما بيد ( فقهاء السنة ) ومحدثيها من الحديث يكفي لسد هذه الحاجة ، ولم يجدوا في الكتاب الكريم جوابا على ذلك ، ولم يكن الجهاز القائم بالحكم يمسح لهم بمراجعة ( أئمة أهل البيت ) عليهم السلام الذين اعتبرهم صاحب الرسالة صلى الله عليه وآله عدلا للكتاب في حديث الثقلين المعروف . فاضطروا إلى اتخاذ القياس والاستحسان ، والأخذ بالظن والرأي . يقول الدكتور محمد يوسف موسى : بعد أن لحق الرسول صلى الله عليه وآله بالرفيق الأعلى ، وحدث من الوقائع والأحداث ما لم تشتمل نصوص القرآن والسنة على أحكامه كان لا بد من الوصول إلى هذه الأحكام بطريق آخر ، فكان من ذلك هذان الأصلان : ( الإجماع ، والقياس ) ( 13 ) .

والقياس والاستحسان - مهما قيل فيهما - معرضان للانحراف والزلل فوقف ( الإمام الصادق ) عليه السلام حين رأى شيوع الأخذ بالقياس والرأي موقف المعارض منهما ، ودعى أصحابه إلى عدم الأخذ بهما وعارض المذاهب الفقهية التي كانت تأخذ بالقياس أشد المعارضة . قال ابن تغلب : قلت ( لأبي عبد الله ) عليه السلام : ما تقول في رجل قطع إصبعا من أصابع المرأة كم فيها . .
قال : عشرة من الإبل . قلت : قطع اثنين ؟ قال : عشرون . قلت : قطع ثلاثا ؟ قال : ثلاثون . قلت : قطع أربعا ؟ قال : عشرون . قلت : سبحان الله يقطع ثلاثا فيكون عليه ثلاثون ، ويقطع أربعا فيكون عليه عشرون ؟ إن هذا كان يبلغنا ونحن بالعراق فنبرأ ممن قاله ونقول إن الذي جاء به شيطان . فقال عليه السلام : مهلا يا أبان لعلك أخذتني بالقياس ، و ( السنة إذا قيست محق الدين ، هذا حكم رسول الله صلى الله عليه وآله إن المرأة تعاقل الرجل إلى ثلث الدية ، فإذا بلغت الثلث رجعت المرأة إلى النصف ( 14 ) . هذه ظاهرة ثانية على ملامح هذا العصر .



الظاهرة الثالثة في هذه المدرسة :



هو حدوث الاختلاف بين نقل الرواة فقد شاع نقل الحديث عن ( أئمة أهل البيت ) عليهم السلام في هذه الفترة ، وكثر الدرس وظهر الاختلاف في متون الروايات ، فكان يبلغ البعض من الشيعة حديثان مختلفان في مسألة واحدة ، فكان الرواة يطلبون من ( أئمة أهل البيت ) عليهم السلام أن يدلوهم على مقياس لاختيار الحديث الصحيح بين الأحاديث المتضاربة التي تردهم في مسألة واحدة .
وقد ورد عنهم عليهم السلام أحاديث في معالجة الأخبار المتعارضة تسمى ( الأخبار العلاجية ) في الأصول . قال زرارة : سألت ( أبا جعفر ) عليه السلام فقلت : جعلت فداك يأتي عنكم الخبران والحديثان المتعارضان فبأيهما آخذ ؟ فقال عليه السلام : يا زرارة خذ بما اشتهر بين أصحابك ، ودع الشاذ النادر . فقلت : يا سيدي إنهما معا مشهوران مأثوران عنكم ؟ فقال : خذ بما يقول أعدلهما عندك وأوثقهما في نفسك . فقلت : إنهما معا عدلان مرضيان موثقان ؟ فقال : أنظر ما وافق منهما العامة فاتركه ، وخذ بما خالف ، فإن الحق فيما خالفهم ( يقصد من العامة علماء البلاط ، والفقهاء الذين كانوا يحفون بلاط الخلفاء ( الأمويين والعباسيين ) ويرتزقون عن هذا الطريق ، فقد كان الخلفاء يصطنعون هؤلاء العلماء في تدعيم حكمهم ، وتبرير أفعالهم ويطلبون إليهم كلما أحسوا بحاجة ، أو أقدموا على أمر يثير مشاعر الجماهير أن يجدوا ويخلقوا لهم مبررا في الفقه ، ويرغمون الناس على الاعتراف بهم في الفتيا والقضاء . وقد كان أثر هذه الفئة من مرتزقة الفقهاء كبيرا في ضياع وارتباك معالم الفقه الإسلامي ، ولذلك نجد ( أئمة أهل البيت ) عليهم السلام يحذرون شيعتهم عن مسايرة هؤلاء ، والاغترار بمكانتهم ) . قلت : ربما كانوا موافقين لهم ، أو مخالفين فكيف أصنع ؟ . قال : إذا فخذ بما فيه الحائطة لدينك ، واترك الآخر .قلت : إنهما معا موافقان للاحتياط ، أو مخالفان له فكيف أصنع ؟ فقال : إذا فتخير أحدهما فتأخذ به ، ودع الآخر ( 16 ) .

والأخبار العلاجية كثيرة لا نريد أن نحصيها هنا ، ويكفينا أن نقول : إن ظهور الأخبار العلاجية في هذا الفترة تنزل على توسع ( مدرسة أهل البيت ) عليهم السلام في الفقه ، وكثرة النقل ، وشياع الحديث عنهم ، وانتشار فقه ( أهل البيت ) في الإفطار . فقد فرضت مدرسة أهل البيت عليهم السلام وجودها على المسلمين في كثير من أقطار العراق ، وخراسان . والري ، والحجاز ، واليمن بشكل ملحوظ مما أدى إلى كثرة النقل والحديث عنهم ، وتداول فقههم عليهم السلام . وهذه هي الظروف الطبيعية لظهور الدس والاختلاق والتزييف في الحديث .
وهذه ظاهرة أخرى من ملامح هذا العصر . وفي هذه الفترة اتسعت شقة الخلاف بين ( المذاهب الفقهية الإسلامية ) وفي كثير من المسائل الخلافية . وكان موقف ( أئمة أهل البيت ) عليهم السلام مما يثار الخلافات - موقفا حازما حكيما ، فقد كانوا يعلمون أن الغرض من إثارة الخلاف تعكير الجو الفكري في ( الوطن الإسلامي ) ليتاح للجهاز أن يصيد في الماء العكر ، فكان كثيرا ما يتغاضى ( أئمة أهل البيت ) عليهم السلام عن وجود خلاف أو اشتقاق في المسألة الفقهية ، ويجارون الفقه ، فإذا خلوا إلى أصحابهم ذكروا لهم الوجه الحق وأمروهم بالكتمان والسر ما وسعهم ذلك ، وحتى أن يقضي الله بما هو قاض ، وينقذ الأمة من هؤلاء . الغاصبين المهرجين . وهذا هو ما يعنى ( بالتقية ) في ( الفقه الإسلامي ) .

وظاهرة أخرى في هذا الدور من ملامح المدرسة : تعيين موازين ومقاييس خاصة للاجتهاد والاستنباط من قبل ( أئمة أهل البيت ) عليهم السلام . كان الرواة ينتقلون إلى مناطق بعيدة ، وتمس بهم حاجة إلى معرفة حكم من الأحكام الشرعية ، ولا يجدون وسيلة للسؤال عن الإمام عليهم السلام ولا يجدون نصا في المورد ، فوضع لهم ( أئمة أهل البيت ) عليهم السلام قواعد خاصة للاستنباط والاجتهاد يستعرضها بتفصيل : كالاستصحاب والبراءة ، والاحتياط ، والتخيير ، وغيرها من القواعد الفقهية ، كقاعدة الطهارة ، واليد ، والإباحة ، والحلية ، وما شاكل ذلك مما يعين الفقيه على الاجتهاد والاستنباط .
وقد أسهب الفقهاء والأصوليون في شرح هذه القواعد والأصول بصورة وافية في كتب الفقه والأصول . ورغم ما تقدم فلم يكن هناك اجتهاد بالمعنى الذي نتعارف عليه اليوم وإنما كان الناس يطلبون إلى الإمام أن يعين لهم مرجعا فيما يعرضهم من المسائل الشرعية ، فيعين لهم بعض أصحابه ممن يطمئن إليهم ، وممن سمع إلى حديثه ووعاه ، ولم تمس الحاجة إلى الاجتهاد لمعاصرة الإمام وإمكان الاتصال به ولو على رأس كل سنة في موسم الحج . فلم يتجاوز أصحاب الأئمة عدا موارد قليلة ونادرة : من نقل الحديث ، والمجاميع الحديثية في غالب الأحوال لم تكن تجمع أبواب الفقه عامة ، أو تجمع كلما صح عن الإمام في هذا الباب ، أو في هذه المسألة .وربما يجوز لنا أن نقول : إن شيئا من المجاميع الحديثية التي دونت في هذا العصر لم يكن على هذا الغرار من استيعاب أبواب الفقه ، وما صح عن الإمام في كل باب ، فكانت الكتب والمدونات ، والأصول أشبه بمجموعات شخصية يجمع فيها كل راو ما سمعه عن مشائخه ، أو ما سمعه عن الإمام مباشرة بصورة مبعثرة ، أو منظمة غير مستوعبة . وقد يلتقي الباحث بكتاب ، أو كتابين يخرج عن هذا الأطار إلا أن الطابع العام للتدوين في هذا العصر كان الصورة التي قدمناها للقارئ . هذه هي أهم ملامح هذا العصر .







نقلا عن موقع مسجد الكوفة المعظم

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
( 1 ) الصواعق المحرقة 199 والصحيح السجستاني
( 2 ) راجع تاريخ الكوفة . 282 - 395
( 3 ) طبقات ابن سعد : 6
( 4 ) تاريخ الكوفة للبراقي : ص 408 .
( 5 ) رجال النجاشي ترجمة ( الوشا ) . ص 31 .
( 6 ) تاريخ الكوفة للبراقي ص 408
( 7 ) تاريخ الكوفة للبراقي ص 396 – 407
( 8 ) وسائل الشيعة . ج 3 . ص 523 .
( 9 ) أعيان الشيعة . ج 1 - القسم 2 . ص 37
( 10 ) الذريعة إلى تصانيف الشيعة . ج 1 . ص 17 .
( 11 ) الذريعة إلى تصانيف الشيعة . ج 6 . ص 301 - 374
( 12 ) وسائل الشيعة الجزء 18 . ص 236 . الباب 2 . الحديث 6
( 13 ) محاضرات في تاريخ الفقه الإسلامي : 17
( 14 ) راجع قوانين الأصول ، وكتاب من لا يحضره الفقيه الجزء 4 . ص 88 الباب 27 . الحديث 1
( 16 ) فرائد الأصول باب التعادل والترجيح
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

شيعية موالية
28-02-2008, 10:46 PM
بارك الله فيك على الطرح القيم

خادمة الشيخ المهاجر
29-02-2008, 12:16 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله الذي جَعَلَ الْحَمْدَ مفْتَاحاً لذِكْرِهِ وَخَلَقَ الاشْيَاءَ نَاطِقَةً بحَمْدِه وَشُكرِهِ
وَالصَّلاةُ وَالسَّلامُ عَلى نَبِيِّهِ مُحَمَّد الْمُشتَقِّ اسْمُهُ مِنْ اسْمِهِ الَْمحْمُودِ
وَعَلى آلهِ الطَّاهِرينَ اُولِي الْمَكارِمِ وَالْجُوِد
http://al7osiny.com/up/uploads/ac2946093d.bmp (http://al7osiny.com/up/)
بارك الله بكم أخي المؤمن الكريم أبن الكوفة ، وضعت بين أيدينا موضوعا متميزا لا يُستهان به عن عاصمة أمير المؤمنين عليه السلام عاصمة علم النبيين بل هي عاصمة الحق والحقيقة والكوفة مقصدا للباحثين عن الحق
أخي الكريم يحمل موضوعكم من جوانب التميز مالايحصى وتقديرا من أختكم الصغيرة أحب أن أهديكم عشرات من الصلوات نيابة عنكم إلى أمير المؤمنين علي ابن أبي طالب عليه السلام
وفقكم الله إلى كُل خير إن شاء الله تعالى ، وننتظر دائما مداد أقلامكم المباركة
دمتم برعاية بقية الله الأعظم

هـــادي
29-02-2008, 12:06 PM
أخي الفاضل ابن الكوفة
بالفعل الكوفة هي مدينة الفقه والحضور الشيعي الذي كان يهدف الإمام علي عليه
السلام أن يثبته في العراق كإشعاع حضاري وعالمي لكل المسلمين وقبلة تتوجه إليها أفئدة
المؤمنين ولهذا كان الإمام ينظر إلى القادم والمستقبل وتحقق ما كان ينظر إليه فنرى اليوم أن
العراق منارة العلم والفقه والرئة التي تضخ علوم أهل البيت لكل أصقاع الأرض .

بارك الله بكم وأثابكم الله