melika
02-03-2008, 05:26 PM
http://al7osiny.com/up/uploads/bf1ae34ff4.jpg (http://al7osiny.com/up/)
تملك الشيعة أرصدة مشرقة من المناهج التربوية والأخلاقية أمدها بهم أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، ليكونوا قدوة حسنة في سلوكهم وآدابهم إلى أبناء الفرق الإسلامية وغيرهم.
إن التشيع بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة هو الإقتداء بالأئمة الطاهرين (عليهم السلام) في تقواهم وورعهم، وشدة تحرجهم في الدين، فإذا شذ من يدعي موالاتهم عن سلوكه، وانحرف عن الطريق القويم، وخالف أوامر الله تعالى، واقترف معاصيه فإن إطلاق التشيع عليه مسامحة، والصحيح أن يقال: أنه من محبي أهل البيت (عليهم السلام)، ويدعم ذلك ما أثر عن الإمام الحسن (عليه السلام) ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه وفد عليه شخص فقال له: (يا بن رسول الله إني من شيعتكم).
(يا عبد الله إن كنت لنا في أوامرنا وزواجرنا مطيعاً فقد صدقت، وإن كنت بخلاف ذلك، فلا تزد في ذنوبك بدعواك مرتبة شريفة لست من أهلها، لا تقل: أنا من شيعتك، ولكن قل: أنا من مواليكم ومحبيكم، ومعادي أعدائكم، وأنت في خير وإلى خير..)(1).
وقال الإمام زين العابدين (عليه السلام)
(وأبلغ شيعتنا أنه لن يغني عنهم من الله شيء، وإن ولايتنا لا تنال إلا بالورع)(2).
إن الورع عن محارم الله من أهم الوسائل التي يجب أن يتحلى به شيعة أهل البيت (عليهم السلام)، ليكونوا قرة عين لهم يوم يفدون على الله تعالى ويكونون زيناً لهم في الدنيا.
إن من أوثق الصلة بأهل البيت (عليهم السلام) إتباع مناهجهم، والسير على ضوء تعاليمهم، وما أثر عنهم من الزهد في الدنيا.
فقد أوصى الإمام الرضا (عليه السلام) شيعته قائلاً:
(اتقوا الله، أيها الناس في نعم الله عليكم فلا تنفروها عنكم بمعاصيه)(3).
إن تقوى الله من أهم الأرصدة الروحية التي تصد الإنسان عن معاصي الله واقتراف الآثام.
ولنستمع إلى وصية الإمام الصادق (عليه السلام) إلى عمرو بن سعيد، فقد قال له:
(أوصيك بتقوى الله، وصدق الحديث، والورع والاجتهاد، واعلم أنه لا ينفع لا ورع فيه، وإياك أن تطمح نفسك إلى من فوقك وكفى بما قال الله عز وجل لرسوله (صلى الله عليه وآله): (فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم)(4)، وقال الله عز وجل لرسوله: (ولا تمدن عينيك إلى ما متعناً به أزواجاً منهم زهرة الحيوة الدنيا)(5) فإن خفت شيئاً من ذلك فاذكر عيش رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإنما كان قوته الشعير وحلواه التمر، ووقوده السعف إذا وجده، وإذا أصبت بمصيبة فاذكر مصابك برسول الله (صلى الله عليه وآله) فإن الخلق لم يصابوا بمثله قط..)(6).
وحفلت هذه الوصية بغرر النصائح التي يسعد بها الإنسان وتطيب بها حياته، ويكون على اتصال وثيق بخالقه.
وعلى أي حال فإنا نعرض – بصورة موجزة - بعض النماذج من قضايا التربية والأخلاق التي أولى بها أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وهي من صميم التعاليم الإسلامية التي وضعت جميع المناهج الحية لإصلاح الإنسان وسعادته، وفيما يلي ذلك:
http://www.tebyan.net/image/big/1386/12/821731154166871161220231351302250135.jpg
التراحم والتعاطف:
وحث أئمة أهل الهدى الشيعة وغيرهم على التعاطف والتراحم فيما بينهم، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (اتقوا الله، وكونوا أخوة بررة متحابين في الله، متواصلين متراحمين، تزاوروا، وتلاقوا، وتذاكروا أمرنا وأحيوه)(7).
إن من أرقى ما شرعته الإسلام هو شيوع المودة وإذاعة المحبة بين المسلمين ليكونوا يداً واحدة على من سواهم، وقد دعا أئمة أهل البيت (عليهم السلام) شيعتهم وعموم المسلمين إلى تطبيق ذلك على حياتهم، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (يحق على المسلمين الاجتهاد في التواصل، والتعاون على التعاطف، والمواساة لأهل الحاجة، وتعاطف بعضهم على بعض حتى تكونوا كما أمركم الله عز وجل رحماء بينكم متراحمين لما غاب عنكم من أمرهم على ما مضى عليه معشر الأنصار على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله))(8).
وأكد الإمام الصادق (عليه السلام) على ضرورة ذلك فقال: (تواصلوا، وتباروا، وتراحموا وتعاطفوا)(9).
التزاور:
وحث أئمة الهدى شيعتهم على التزاور لأنه يعقد أوامر المحبة والإخاء فيما بينهم، يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (لقاء الأخوان مغنم جسيم ولو قلوا..).
وقال الإمام محمد الباقر (عليه السلام) إلى خثيمة: (أبلغ من ترى من موالينا السلام، وأوصهم بتقوى الله العظيم، وأن يعود غنيهم فقيرهم، وقويهم على ضعيفهم، وأن يشهد حيهم جنازة ميتهم، وأن يتلاقوا في بيوتهم، فإن لقيا بعضهم بعضاً حياة لأمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا)(10).
وأكد ذلك الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث له مع بعض شيعته قائلاً: (تزاوروا فإن في زيارتكم أحياءاً لقلوبكم، وذكراً لأحاديثنا، وأحاديثنا تعطف بعضكم على بعض، فإن أخذتم بها رشدتم ونجوتم وإن تركتموها ضللتم وهلكتم فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم)(11).
وكثير من الأخبار أثرت عن الأئمة الهدى (عليهم السلام) وهي تدعو شيعتهم إلى التزاور والتعاطف، لأنها من أقوى العناصر في جمع الكلمة وشيوع المحبة والمودة بينهم.
قضاء الحوائج:
من القضايا التربوية والأخلاقية التي حث عليها أئمة أهل البيت (عليهم السلام) هي قضاء حوائج الناس لأنها من أهم الوسائل في ربط المسلمين بعضهم ببعض، فقد روى صفوان الجمال وهو من خيار الشيعة قال: كنت مع أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) إذ دخل عليه رجل من أهل مكة يقال له ميمون فشكا تعذر الكراء عليه، فقال لي: (قم فأعن أخاك..).
وانطلق صفوان معه، فقضى حاجته، وقفل راجعاً إلى الإمام فبادره قائلاً: (ما صنعت في حاجة أخيك؟).
(قضاها الله بأبي أنت وأمي).
فسر الإمام بذلك وراح يقول له: (أما أنك إن تعين أخاك المسلم أحب إلي من طواف أسبوع بالبيت مبتدياً).
وأخذ الإمام يتحدث عن فضيلة حوائج المسلمين قائلاً:
(إن رجلاً أتى الحسن بن علي (عليه السلام) فقال له: بأبي أنت وأمي أعني على قضاء حاجة لي، فانتعل وقام معه، فمر على الحسين (عليه السلام) وهو قائم يصلي فقال له: أين كنت عن أبي عبد الله تستعينه على حاجتك؟ قال: قد فعلت فذكر – مبني للمجهول - أنه معتكف، فقال له: أما أنه لو أعانك كان خيراً من اعتكافه شهراً)(12).
وتضافرت الأخبار الواردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في الحث على قضاء حوائج المسلمين لأنه يبعث الحب والوئام ينضم ويؤدي إلى تماسك المجتمع.
الإغاثة والمواساة:
من بنود التربية المشرقة التي حث عليها أئمة الهدى (عليهم السلام) إغاثة المسلمين ومواساتهم في السراء الضراء، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (من نفس عن مؤمن كربة نفسَّ الله عنه كرب الآخرة، وخرج من قبره وهو ثلج الفؤاد، ومن أطعمه من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة ومن سقاه شربة سقاه الله من الرحيق المختوم..)(13).
وأكد الأمام الصادق (عليه السلام) في كثير من أحاديثه على ذلك فقال: (أيما مؤمن نفس عن مؤمن كربة، وهو معسر يسر الله له حوائجه في الدنيا والآخرة، ومن ستر على مؤمن عورة يخافها ستر الله عليه سبعين عورة من عورات الدنيا والآخرة، والله في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه، فانتفعوا بالغِطة وأرغبوا في الخير).
قال الإمام الباقر (عليه السلام): (إن أحب الأعمال إلى الله إدخال السرور على المؤمنين).
قال الإمام الرضا (عليه السلام): (من فرج عن مؤمن فرج الله قلبه يوم القيامة...)(14).
وكثير من أمثال هذه الأحاديث تضافرت عن أئمة أهل البيت وهي تدعو المسلمين إلى إغاثة بعضهم بعضاً وإلى شيوع المواساة فيما بينهم، ومن الطبيعي إن ذلك يؤدي إلى نشر المحبة والوئام.
http://www.tebyan.net/image/big/1386/12/1651981896312417153122250751482336218519.jpg
النهي عن عوامل التفرقة:
نهى أئمة الهدى (عليهم السلام) شيعتهم عن جميع العوامل التي تؤدي إلى تفرقة وشيوع الكراهة والبغضاء فيما بينهم، وهذه بعضها:
التقاطع:
ونهى أئمة أهل البيت (عليهم السلام) شيعتهم عن التقاطع فيما بينهم فقد خاطب الإمام الصادق (عليه السلام) شيعته قائلاً:
(لا يفترق رجلان على الهجران إلا استوجب أحدهما البراءة أو اللعنة، وربما استحق ذلك كلاهما..).
فانبرى إليه معتب فقال: (جعلني الله فداك للظالم فما بال المظلوم؟).
فأجابه الإمام (عليه السلام):
(لأنه لا يدعو أخاه إلى صلته، ولا يتعامس(15) له عن كلامه، سمعت أبي (عليه السلام) يقول: إذا تنازع اثنان: فسب أحدهما الآخر، فليرجع المظلوم إلى صاحبه، حتى يقوله له: أي أخي أنا الظالم حتى يقطع الهجران بينه وبين صاحبه، فإن الله تبارك وتعالى عدل يأخذ للمظلوم من الظالم)(16).
وتضافرت الأخبار عن الأئمة (عليهم السلام)، وهي تشجب التقاطع والتباعد، وتدعو إلى الألفة والمحبة لتسود روح الأخوة بين المسلمين.
عدم التعاون:
وكره أئمة أهل البيت (عليهم السلام) عدم التعاون بين المسلمين.
يقول الإمام الباقر (عليه السلام): (من بخل بمعونة أخيه المسلم والقيام في حاجته إلا أبتلي بالقيام بمعونة من يأثم عليه ولا يؤجر)(17).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) لأصحابه وهو متألم مغيظ: (ما لكم تستخفون بنا؟).
فانبرى إليه رجل من خراسان قائلاً: (معاذ الله أن نستخف بك أو بشيء من أمرك..).
(إنك أحد من استخف بنا).
(معاذ الله أن أستخف بك!!).
(ويحك ألم تسمع فلاناً ونحن بقرب الجحفة، وهو يقول لك: احملني قدر ميل، فقد والله أعييت، والله ما رفعت له رأساً، لقد استخففت به ومن استخف بمؤمن، فبنا استخف، وضيع حرمة الله عز وجل..)(18).
وخاطب الإمام أبو حسن (عليه السلام) شيعته قائلاً: (من قصد إليه رجل من إخوانه مستجيراً به في بعض أحواله فلم يجره بعد أن يقدر عليه فقد قطع ولاية الله عز وجل).
وكثير من أمثال هذه الأحاديث المشرقة، أدلى بها الأئمة الطاهرون وهي تنهى عن عدم التعاون لأنه يوجب انقطاع المودة والألفة بين المسلمين.
الإيذاء والتحقير:
ووردت كوكبة من الأخبار عن أئمة الهدى تنهى عن إيذاء الناس واحتقارهم، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (من استذل مؤمناً واحتقره لقلة ذات يده ولفقره شهره الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق)(19).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (من حقر مؤمناً مسكيناً أو غير مسكين لم يزل الله عز وجل حاقراً له ماقتاً حتى يرجع عن محقرته إياه)(20).
إن إيذاء الناس واحتقارهم لا يصدر إلا من النفس الشريرة التي لا تؤمن بالقيم الإنسانية، ولا بالمعاني الكريمة، ومن ثم حذر الأئمة عنها.
إرهاب الناس:
وحرم أئمة أهل البيت (عليهم السلام) إرهاب الناس وترويعهم لأن ذلك من الظلم الفاحش الذي حرمه الإسلام. قال الإمام الصادق (عليه السلام): (من روع مؤمناً بسلطان ليصيبه منه مكروه فلم يصبه فهو في النار، ومن روع مؤمناً بسلطان ليصيبه منه مكروه فأصابه فهو مع فرعون وآل فرعون في النار)(21).
وكثير من أمثال هذا الحديث أثرت عن الأئمة الطاهرين دلت بوضوح على حرمة ذلك، لأن فيه تدميراً للحياة الإسلامية القائمة على الأمن والسلام.
السباب:
وحرم الأئمة (عليهم السلام) السباب والشتائم، وأوصوا شيعتهم بذلك، قال الإمام أبو جعفر (عليه السلام): أن رجلاً أتى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: أوصني، فكان فيما أوصاه: (لا تسبوا الناس فتكسبوا العداوة بينهم).
وقال الإمام أبو جعفر (عليه السلام): (ما من إنسان يطعن في عين مؤمن إلا مات بشر ميتة، وكان قمناً أن لا يرجع إلى خير..)(22).
وكثير من الأخبار التي أثرت عن الأئمة الطاهرين قد حذرت من السباب لأنه يسب نشر العداوة والبغضاء بين الناس وذلك يتنافى مع يريده الإسلام من نشر الصفاء والوئام والمودة بين الناس.
تتبع العثرات والعيوب:
وكان مما حذر منه الأئمة الطاهرون تتبع عثرات الناس ونشر عيوبهم ونقائصهم، قال الإمام محمد الباقر (عليه السلام): ( من أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن يؤاخي الرجل على الدين فيحصي عليه زلاته ليعيره بها يوماً ما...)(23).
وتواترت الأخبار بمثل هذا المضمون وهي تهيب بالمسلمين من أن يتصفوا بهذه الصفة الذميمة التي تؤدي إلى شيوع الرذيلة بينهم.
الانتقاص:
ومن الرذائل التي حرمها الأئمة الطاهرون انتقاص الناس.
يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (من لقي أخاه بما يؤنبه أنبه الله في الدنيا والآخرة)، وأثر عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (من أذاع فاحشة كان كمبتدئها ومن عيَّر مؤمناً بشيء لم يمت حتى يركبه)(24). إلى غير ذلك من الأخبار التي أثرت عن الأئمة الطاهرين، وهي تحذر المسلمين من ذلك حفظاً على وحدة المسلمين وتضامنهم.
التفاخر:
وكان مما حذر منه الأئمة العظام التفاخر بالأنساب لأنه موجب لتصديع الوحدة الإسلامية فإن الناس في شريعة الإسلام سواسية كأسنان المشط لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح، وكان مما أثر عن الأئمة في ذلك أن عقبة بن بشير الأسدي وكان من الشخصيات البارزة في عصره تشرف بمقابلة الإمام أبي جعفر (عليه السلام) وأخذ يعرفه بنسبه ويفخر بآبائه قائلاً:
(أنا عقبة بن بشير الأسدي، وأنا في الحسب الضخم من قومي).
فرد عليه الإمام (عليه السلام): ( ما تمن علينا بحسبك، إن الله رفع بالإيمان من كان في الناس يسمونه وضعياً إذا كان مؤمناً، ووضع بالكفر من كان الناس يسمونه شريفاً إذا كان كافراً فليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى).
إن الإسلام رفع مكانة المؤمنين والمتقين، وإن كانوا ضعفاء بالمال والنسب فإنه لا جاه في حسب ولا نسب في شريعة الإسلام، كما حط من مكانة الكافرين والطغاة والجبابرة وإن كانت لهم منزلة مرموقة في الأوساط الاجتماعية.
وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض الأحاديث التي أثرت عن الأئمة في التحذير عن عوامل التفرقة بين المسلمين.
رسالة الإمام الصادق إلى الشيعة:
وزود الإمام الصادق شيعته برسالة حفلت بأروع النصائح وأمرهم بمدارستها والنظر فيها، وتعاهدها والعمل بما فيها وكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم فإذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها... ونقتطف منها بعض فصولها، قال (عليه السلام):
(أما بعد: فاسألوا الله ربكم العافية، وعليكم بالدعة(25) والوقار والسكينة، وعليكم بالحياء والتنزه عما تنزه عنه الصالحون قبلكم).
ثم ذكر الإمام جملة من الوصایا القيمة وأضاف يقول:
(إياكم والتجبر على الله، واعلموا أن عبداً لم يبتل بالتجبر على الله إلا تجبر على دين الله، فاستقيموا لله، ولا ترتدوا على أعقابكم فتقلبوا خاسرين، أجارنا الله وإياكم من التجبر على الله، ولا قوة لنا ولكم إلا بالله..)(26).
لقد حذرهم من التجبر الذي هو أعظم الرذائل التي يمنى بها الإنسان فهو مصدر الجرائم والكوارث التي يصاب بها المجتمع الإنساني.
ومن بنود هذه الرسالة:
(صبروا النفس على البلاء في الدنيا، فأن تتابع البلاء فيها والشدة في طاعة الله، وولايته، وولاية من أمر بولايته خير من عاقبة عند الله في الآخرة من ملك الدنيا، وإن طال تتابع نعيمها وزهرتها، وغضارة عيشها في معصية الله، وولاية من نهى الله عن ولايته وطاعته، فإن الله أمر بولاية الأئمة الذين سماهم في كتابه في قوله: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا)(27) وهم الذين أمر الله بولايتهم وطاعتهم، والذين نهى الله عن ولايتهم وطاعتهم هم أئمة الضلال الذين قضى الله أن يكون لهم دول في الدنيا على أولياء الله الأئمة من آل محمد (عليهم السلام) يعملون في دولتهم بمعصية الله ومعصية رسوله ليحق عليهم كلمة العذاب، وليتم أمر الله فيهم الذي خلقهم في الأصل أصل الخلق من الكفر الذي سبق في علم الله.. ومن الذين سماهم الله في كتابه في قوله: (وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار)(28).
لقد أمر الإمام (عليه السلام) شيعته بالصبر على بلاء الدنيا وكوارثها، كما أمرهم بالشدة في طاعة الله، وطاعة أوليائه وولاة أمره وهم الأئمة الطاهرون حملة الرسالة وخزنة علوم النبي (صلى الله عليه وآله)، الذين ابتلاهم بأئمة الجور والضلال في عصرهم، وهم الذين نهى الله عن ولايتهم...
ومن فصول هذه الرسالة قوله (عليه السلام):
(أيتها العصابة المرحومة المفحلة، إن الله تعالى أتم لكم من الخير، واعلموا أنه ليس من علم الله ولا من أمره أن يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوى ولا رأي ولا مقايس.. قد أنزل الله في القرآن جعل فيه تبينان كل شيء، وجعل للقرآن وتعلم القرآن أهلاً لا يسع أهل علم القرآن الذي آتاهم الله علمه على أن يأخذوا فيه بهوى، ولا رأي ولا مقايس، أغناهم الله عن ذلك بما آتاهم من علمه، وخصهم به، ووضعه عندهم، وكرامة من الله تعالى أكرمهم بها، وهم أهل الذكر الذين أمر الله هذه الأمة بسؤالهم، وهم الذين من سألهم، وقد سبق في علم الله أن يصدقهم، ويتبع أثرهم أرشدوه وأعطوه من علم القرآن ما يهتدي به إلى الله بإذنه، وإلى جميع سبل الحق، وهم الذين لا يرغب عنهم وعن مسألتهم وعن علمهم الذي أكرمهم الله به، وجعله عندهم إلا من سبق عليه في علم الله الشقاء في أصل الخلق تحت الأظلة(29) فأولئك الذين يرغبون عن سؤال أهل الذكر والذين آتاهم الله تعالى علم القرآن، ووضعه عندهم وأمر بسؤالهم، فأولئك الذين يأخذون بأهوائهم وآرائهم ومقائسهم حتى دخلهم الشيطان، لأنهم جعلوا أهل الإيمان في علم القرآن عند الله كافرين، وجعلوا أهل الضلالة في علم القرآن عند الله مؤمنين، وحتى جعلوا ما أحل الله في كثير من الأمر حراماً، وجعلوا ما حرم الله في كثير من الأمر حلالاً، فذلك اصل ثمرة أهوائهم، وقد عهد إليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل موته، فقالوا: نحن بعد ما قبض الله تعالى رسوله، وبعد عهده الذي عهده إلينا، وأمرنا به، مخالفين لله تعالى ولرسوله...
وتحدث الإمام (عليه السلام) عما حدث في الأمة من الانحراف والزيغ من جراء تركهم وصية نبيهم بإتباع عترته، وعد تسليم القيادة الروحية والزمنية لسيد العترة، الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن بنود هذه الرسالة قوله:
(أكثر من أن تدعوا الله، فإن الله يحب من عباده المؤمنين أن يدعوه، وقد وعد عباده المؤمنين بالاستجابة، والله مصير دعاء المؤمنين يوم القيامة عملاً يزيدهم به في الجنة، فأكثروا ذكر الله ما استطعتم في كل ساعة من ساعات الليل والنهار فإن الله تعالى أمر بكثرة الذكر له، والله ذاكر لمن ذكره من المؤمنين، واعلموا أن الله لم يذكره أحد من عباده المؤمنين إلا ذكره بخير، فأعطوا الله من أنفسكم الاجتهاد في طاعته، فإن الله لا يدرك شيء من الخير عنده إلا بطاعته، واجتناب محارمه التي حرم الله تعالى في ظاهر القرآن وباطنه، فإن الله تعالى قال في كتابه:
(وذروا ظاهر الإثم وباطنه)(30)، واعملوا ما أمر الله أن يجتنبوه فقد حرمه... واتبعوا آثار رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسنته فخذوا بها، ولا تتبعوا أهواءكم، وآراءكم فتضلوا، فأن أضل الناس عند الله من اتبع هواه ورأيه، بغير هدى من الله، وأحسنوا إلى أنفسكم ما استطعتم، فإن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها.
جاملوا الناس، ولا تحملوهم على رقابكم، تجمعوا مع ذلك طاعة ربكم وإياكم وسب أعداء الله حيث يسمعونكم فيسبوا الله عدواً بغير علم وقد ينبغي لكم أن تعلموا حد سبهم الله، كيف هو؟ إنه من سب أولياء الله، فقد انتهك الله...).
وبعد هذه الوصايا الحافلة بالقيم الكريمة والمثل العليا قال (عليه السلام):
(أيتها العصابة الحافظ الله لهم أمرهم، عليكم بآثار رسول الله، وسنته، وآثار الأئمة الهداة من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) من بعده وسنتهم فإنه من أخذ بذلك فقد اهتدى ومن ترك ذلك ورغب عنه ضل، لأنهم هم الذين أمر الله بطاعتهم وولايتهم، وقد قال أبونا رسول الله (صلى الله عليه وآله): المداومة على العمل في إتباع الآثار والسنن، وإن قل أرضى لله وأنفع عنده في العاقبة من الاجتهاد في البدع وإتباع الأهواء، إلا أن إتباع الأهواء وإتباع البدع بغير هدى من الله ضلال وكل ضلال بدعة، وكل بدعة في النار، ولن ينال شيء من الخير عند الله إلا بطاعته والصبر.
واعلموا أنه لن يؤمن عبد من عبيده حتى يرضى عن الله فيما صنع الله إليه، وصنع به على ما أحب وكره، وعليكم بالمحافظة على الصلوات، والصلاة الوسطى، وقوموا لله قانتين كما أمر الله به المؤمنين في كتابه من قبلكم وإياكم.
وعليكم بحب مساكين المسلمين فإنه من حقرهم وتكبر عليهم فقد زل عن دين الله، والله له حاقر وماقت، وقد قال أبونا رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أمرني ربي بحب المساكين المسلمين) واعلموا أنه من حقر أحداً من المسلمين ألقى الله عليه المقت، فاتقوا الله في إخوانكم المسلمين المساكين، فإن لهم عليكم حقاً إن تحبوهم فإن الله أمر نبيه بحبهم، فمن لم يحب من أمر الله بحبه فقد عصى الله ورسوله، وإن مات على ذلك مات وهو من الغاوين.
وإياكم والعظمة والكبر، فإن الكبر رداء الله تعالى، فمن نازع رداءه قصمه وأذلة يوم القيامة.
وإياكم أن يبغي بعضكم على بعض فإنها ليست من خصال الصالحين فإن من بغى صير الله بغية على نفسه، وصارت نصرة الله لمن بٌغي عليه ومن نصره الله غلب، وأصاب الظفر من الله.
وإياكم أن يحسد بعضكم بعضاً، فإن الكفر أصله الحسد.
وإياكم أن تعينوا على مسلم مظلوم، فيدعوا الله عليكم فيستجاب له فيكم، فإن أبانا رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقول: (إن دعوة المظلوم مستجابة) وليعن بعضكم بعضاً، فإن أبانا رسول (صلى الله عليه وآله) كان يقول: (إن معونة المسلم خير وأعظم أجراً من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام).
وإياكم وإعسار من إخوانكم المؤمنين، إن تعسروه بالشيء يكون لكم قبله وهو معسر، فإن أبانا رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقول: (ليس لمسلم أن يعسر مسلماً، ومن أنظر معسراً أظله الله يوم القيامة بظله يوم لا ظل إلا ظله).
وإياكم أيتها العصابة المرحومة المفضلة على من سواها حبس حقوق الله قبلكم يوماً بعد يوم، وساعة بعد ساعة، فإنه من عجل حقوق الله قبله كان الله أقدر على التعجيل له إلى مضاعفة الخير في العاجل والأجل، وأنه من أخر حقوق الله قبله كان الله أقدر على تأخير رزقه، ومن حبس الله رزقه لم يقدر أن يرزق نفسه، فأدوا إلى الله حق ما رزقكم يطيب لكم بقيته، وينجز لكم ما وعدكم من مضاعفته لكم الأضعاف الكثيرة التي لا يعلم بعدها ولا بكنه فضلها إلا الله رب العالمين).
ومن بنود هذه الوصية الخالدة قوله (عليه السلام):
(واعلموا أيتها العصابة أن السنة من الله قد جرت في الصالحين من قبل.
من سره أن يلقى الله وهو مؤمن حقا، حقا، فليتول الله ورسوله والذين آمنوا، وليبرأ إلى الله من عدوهم، وليسلم لما انتهى إليه من فضلهم، لأن فضلهم لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك، ألم تسمعوا ما ذكر الله من فضل أتباع الأئمة الهداة وهم المؤمنون قال: (فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً)(31).
فهذا وجه من وجوه فضل إتباع الأئمة، فكيف بهم وفضلهم ومن سره أن يتم الله له إيمانه حتى يكون مؤخراً حقاً حقاً، فكيف لله بشروطه وولاية أئمة المؤمنين، فإنه قد اشترط مع ولايته وولاية رسوله وولاية أئمة المؤمنين، إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإقراض الله قرضاً حسناً، واجتناب الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
وإياكم والإصرار على شيء ما حرم الله في ظهر القرآن وباطنه، وقد قال الله: (ولم يصروا على ما فعلوا وهو يعلمون)(32).
واعلموا أنه إنما أمر ونهى ليطاع فيما أمر به، ولينتهي عما نهى عنه فمن ابتع أمره فقد أطاعه، وقد أدرك كل شيء من الخير عنده، ومن لم ينته عما نهى الله عنه فقد عصاه، فإن مات على معصيته أكبه الله على وجهه في النار.
عليكم بطاعة ربكم ما استطعتم فإن الله ربكم، واعلموا أن الإسلام هو التسليم – أي التسليم لأمر الله - والتسليم هو الإسلام فمن سلّم فقد أسلم، ومن لم يسلم فلا إسلام له، ومن سره أن يبلغ إلى نفسه الإحسان فليطع الله.
وإياكم ومعاصي الله أن تركبوها، فإنه من انتهك معاصي الله فقد أبلغ في الإساءة إلى نفسه، وليس بين الإحسان والإساءة منزلة، فلأهل الإحسان عند ربهم الجنة، ولأهل الإساءة عند ربهم النار، فاعملوا بطاعة الله، واجتنبوا معاصيه، واعلموا أنه ليس يغني عنكم من الله أحد، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك، فمن سره أن تنفعه شفاعة الشافعين عند الله فليطلب إلى الله أن يرضى عنه..).
ومن بنود هذه الرسالة قوله (عليه السلام):
(وأكثروا من التهليل والتقديس والتسبيح والثناء على الله، والتضرع إلية، والرغبة فيما عنده من الخير الذي لا يقدر قدره، ولا يبلغ كنهه أحد، فاشغلوا ألسنتكم بذلك عما نهى الله عنه من أقاويل الباطل التي تعقب أهلها خلوداً في النار لمن مات عليها، ولم يتب إلى الله منها.
وعليكم بالدعاء فإن المسلمين لم يدركوا نجاح الحوائج عند ربهم بأفضل من الدعاء، والرغبة إليه والتضرع إلى الله والمسألة له، فارغبوا فيما رغبكم الله فيه، وأجيبوا الله ما دعاكم إليه لتفلحوا، وتنجوا من عذاب الله.
وإياكم أن تشره أنفسكم إلى شيء مما حرم الله عليكم فإنه من انتهك ما حرم الله عليه ها هنا في الدنيا حال الله بينه وبين الجنة ونعيمها ولذتها وكرامتها القائمة الدائمة لأهل الجنة أبد الآبدين.
ومن فصول هذه الوصية قوله (عليه السلام):
(إياكم ومماظة أهل الباطل، وعليكم بهدي الصالحين ووقارهم وسكينتهم وحلمهم، وتخشعهم، وورعهم عن محارم الله، وصدقهم ووفائهم واجتهادية لله في العمل بطاعته، فإنكم إن لم تفعلوا ذلك، لم تنزلوا عند ربكم منزلة الصالحين قبلكم.
واعلموا أن الله تعالى إذا أراد بعبد خيراً شرح صدره للإسلام فإذا أعطاه ذلك نطق لسانه بالحق، وعقد قلبه عليه فعمل به، فإذا جمع الله له ذلك تم إسلامه، وكان عند الله إن مات على ذلك الحال من المسلمين حقاً، وإذا أراد الله بعبد شراً وكله إلى نفسه، وكان صدره ضيقاً حرجاً، فإن جرى على لسانه حق لم يعقد قلبه عليه، وإذا لم يعقد قلبه عليه لم يعط الله العمل به، فإذا اجتمع ذلك عليه حتى يموت وهو على تلك الحال كان عند الله من المنافقين، وصار ما جرى على لسانه من الحق الذي لم يعطه الله أن يعقد قلبه عليه، ولم يعطه العمل به حجة عليه.
فاتقوا الله وسلوه أن يشرح صدوركم للإسلام، وإن يجعل ألسنتكم تنطق بالحق حتى يتوفاكم وأنتم على ذلك، وأن يجعل منقلبكم منقلب الصالحين قبلكم ولا قوة إلا بالله، والحمد لله رب العالمين..).
وانتهت معظم هذه الوصية، وقد خلفت بالدعوة إلى عمل الخير، والتحلي بتقوى الله تعالى وطاعته، والاجتناب عن معاصيه ومحارمه وغير ذلك من معالي الأخلاق ومحاسن الصفات.
لقد أراد الإمام الصادق (عليه السلام) أن تكون شيعته قدوة حسنة في آدابها وسلوكها لجميع الأمم والشعوب.
الهوامش:
1- حياة الإمام الحسن: 1/359 الطبعة الثالثة.
2- حياة الإمام زين العابدين: 1/68 الطبعة الأولى.
3- حياة الإمام الرضا: 2/77.
4- سورة التوبة: الآية 55.
5- سورة طه: الآية 131.
6- روضة الكافي: ص168.
7- أصول الكافي: 2/475.
8- أصول الكافي: 5/475.
9- النظام السياسي في الإسلام: ص221.
10- النظام السياسي في الإسلام: ص221.
11- النظام السياسي في الإسلام: ص222.
12- أصول الكافي.
13- النظام السياسي في الإسلام.
14- النظام السياسي في الإسلام.
15- يتعامس: يتغافل.
16- أصول الكافي.
17- أصول الكافي.
18- الوسائل كتاب الحج.
19- أصول الكافي.
20- النظام السياسي في الإسلام: ص223.
21- النظام السياسي في الإسلام: ص223.
22- أصول الكافي.
23- وسائل الشيعة.
24- النظام السياسي في الإسلام: ص35.
25- الدعة: الطمأنينة وخفض العيش.
26- أشعة من بلاعة الإمام الصادق 101و 111.
27- سورة السجدة: الآية 24.
28- سورة القصص: الآية 41.
29- الأظلة: هي أظلة العرش.
30- سورة الأنعام: الآية 120.
31- سورة النساء: الآية 69.
32- سورة آل عمران: الآية 135.
تملك الشيعة أرصدة مشرقة من المناهج التربوية والأخلاقية أمدها بهم أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، ليكونوا قدوة حسنة في سلوكهم وآدابهم إلى أبناء الفرق الإسلامية وغيرهم.
إن التشيع بالمعنى الدقيق لهذه الكلمة هو الإقتداء بالأئمة الطاهرين (عليهم السلام) في تقواهم وورعهم، وشدة تحرجهم في الدين، فإذا شذ من يدعي موالاتهم عن سلوكه، وانحرف عن الطريق القويم، وخالف أوامر الله تعالى، واقترف معاصيه فإن إطلاق التشيع عليه مسامحة، والصحيح أن يقال: أنه من محبي أهل البيت (عليهم السلام)، ويدعم ذلك ما أثر عن الإمام الحسن (عليه السلام) ريحانة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أنه وفد عليه شخص فقال له: (يا بن رسول الله إني من شيعتكم).
(يا عبد الله إن كنت لنا في أوامرنا وزواجرنا مطيعاً فقد صدقت، وإن كنت بخلاف ذلك، فلا تزد في ذنوبك بدعواك مرتبة شريفة لست من أهلها، لا تقل: أنا من شيعتك، ولكن قل: أنا من مواليكم ومحبيكم، ومعادي أعدائكم، وأنت في خير وإلى خير..)(1).
وقال الإمام زين العابدين (عليه السلام)
(وأبلغ شيعتنا أنه لن يغني عنهم من الله شيء، وإن ولايتنا لا تنال إلا بالورع)(2).
إن الورع عن محارم الله من أهم الوسائل التي يجب أن يتحلى به شيعة أهل البيت (عليهم السلام)، ليكونوا قرة عين لهم يوم يفدون على الله تعالى ويكونون زيناً لهم في الدنيا.
إن من أوثق الصلة بأهل البيت (عليهم السلام) إتباع مناهجهم، والسير على ضوء تعاليمهم، وما أثر عنهم من الزهد في الدنيا.
فقد أوصى الإمام الرضا (عليه السلام) شيعته قائلاً:
(اتقوا الله، أيها الناس في نعم الله عليكم فلا تنفروها عنكم بمعاصيه)(3).
إن تقوى الله من أهم الأرصدة الروحية التي تصد الإنسان عن معاصي الله واقتراف الآثام.
ولنستمع إلى وصية الإمام الصادق (عليه السلام) إلى عمرو بن سعيد، فقد قال له:
(أوصيك بتقوى الله، وصدق الحديث، والورع والاجتهاد، واعلم أنه لا ينفع لا ورع فيه، وإياك أن تطمح نفسك إلى من فوقك وكفى بما قال الله عز وجل لرسوله (صلى الله عليه وآله): (فلا تعجبك أموالهم ولا أولادهم)(4)، وقال الله عز وجل لرسوله: (ولا تمدن عينيك إلى ما متعناً به أزواجاً منهم زهرة الحيوة الدنيا)(5) فإن خفت شيئاً من ذلك فاذكر عيش رسول الله (صلى الله عليه وآله) فإنما كان قوته الشعير وحلواه التمر، ووقوده السعف إذا وجده، وإذا أصبت بمصيبة فاذكر مصابك برسول الله (صلى الله عليه وآله) فإن الخلق لم يصابوا بمثله قط..)(6).
وحفلت هذه الوصية بغرر النصائح التي يسعد بها الإنسان وتطيب بها حياته، ويكون على اتصال وثيق بخالقه.
وعلى أي حال فإنا نعرض – بصورة موجزة - بعض النماذج من قضايا التربية والأخلاق التي أولى بها أئمة أهل البيت (عليهم السلام)، وهي من صميم التعاليم الإسلامية التي وضعت جميع المناهج الحية لإصلاح الإنسان وسعادته، وفيما يلي ذلك:
http://www.tebyan.net/image/big/1386/12/821731154166871161220231351302250135.jpg
التراحم والتعاطف:
وحث أئمة أهل الهدى الشيعة وغيرهم على التعاطف والتراحم فيما بينهم، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (اتقوا الله، وكونوا أخوة بررة متحابين في الله، متواصلين متراحمين، تزاوروا، وتلاقوا، وتذاكروا أمرنا وأحيوه)(7).
إن من أرقى ما شرعته الإسلام هو شيوع المودة وإذاعة المحبة بين المسلمين ليكونوا يداً واحدة على من سواهم، وقد دعا أئمة أهل البيت (عليهم السلام) شيعتهم وعموم المسلمين إلى تطبيق ذلك على حياتهم، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (يحق على المسلمين الاجتهاد في التواصل، والتعاون على التعاطف، والمواساة لأهل الحاجة، وتعاطف بعضهم على بعض حتى تكونوا كما أمركم الله عز وجل رحماء بينكم متراحمين لما غاب عنكم من أمرهم على ما مضى عليه معشر الأنصار على عهد رسول الله (صلى الله عليه وآله))(8).
وأكد الإمام الصادق (عليه السلام) على ضرورة ذلك فقال: (تواصلوا، وتباروا، وتراحموا وتعاطفوا)(9).
التزاور:
وحث أئمة الهدى شيعتهم على التزاور لأنه يعقد أوامر المحبة والإخاء فيما بينهم، يقول الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام): (لقاء الأخوان مغنم جسيم ولو قلوا..).
وقال الإمام محمد الباقر (عليه السلام) إلى خثيمة: (أبلغ من ترى من موالينا السلام، وأوصهم بتقوى الله العظيم، وأن يعود غنيهم فقيرهم، وقويهم على ضعيفهم، وأن يشهد حيهم جنازة ميتهم، وأن يتلاقوا في بيوتهم، فإن لقيا بعضهم بعضاً حياة لأمرنا، رحم الله من أحيا أمرنا)(10).
وأكد ذلك الإمام الصادق (عليه السلام) في حديث له مع بعض شيعته قائلاً: (تزاوروا فإن في زيارتكم أحياءاً لقلوبكم، وذكراً لأحاديثنا، وأحاديثنا تعطف بعضكم على بعض، فإن أخذتم بها رشدتم ونجوتم وإن تركتموها ضللتم وهلكتم فخذوا بها وأنا بنجاتكم زعيم)(11).
وكثير من الأخبار أثرت عن الأئمة الهدى (عليهم السلام) وهي تدعو شيعتهم إلى التزاور والتعاطف، لأنها من أقوى العناصر في جمع الكلمة وشيوع المحبة والمودة بينهم.
قضاء الحوائج:
من القضايا التربوية والأخلاقية التي حث عليها أئمة أهل البيت (عليهم السلام) هي قضاء حوائج الناس لأنها من أهم الوسائل في ربط المسلمين بعضهم ببعض، فقد روى صفوان الجمال وهو من خيار الشيعة قال: كنت مع أبي عبد الله الصادق (عليه السلام) إذ دخل عليه رجل من أهل مكة يقال له ميمون فشكا تعذر الكراء عليه، فقال لي: (قم فأعن أخاك..).
وانطلق صفوان معه، فقضى حاجته، وقفل راجعاً إلى الإمام فبادره قائلاً: (ما صنعت في حاجة أخيك؟).
(قضاها الله بأبي أنت وأمي).
فسر الإمام بذلك وراح يقول له: (أما أنك إن تعين أخاك المسلم أحب إلي من طواف أسبوع بالبيت مبتدياً).
وأخذ الإمام يتحدث عن فضيلة حوائج المسلمين قائلاً:
(إن رجلاً أتى الحسن بن علي (عليه السلام) فقال له: بأبي أنت وأمي أعني على قضاء حاجة لي، فانتعل وقام معه، فمر على الحسين (عليه السلام) وهو قائم يصلي فقال له: أين كنت عن أبي عبد الله تستعينه على حاجتك؟ قال: قد فعلت فذكر – مبني للمجهول - أنه معتكف، فقال له: أما أنه لو أعانك كان خيراً من اعتكافه شهراً)(12).
وتضافرت الأخبار الواردة عن أئمة أهل البيت (عليهم السلام) في الحث على قضاء حوائج المسلمين لأنه يبعث الحب والوئام ينضم ويؤدي إلى تماسك المجتمع.
الإغاثة والمواساة:
من بنود التربية المشرقة التي حث عليها أئمة الهدى (عليهم السلام) إغاثة المسلمين ومواساتهم في السراء الضراء، يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (من نفس عن مؤمن كربة نفسَّ الله عنه كرب الآخرة، وخرج من قبره وهو ثلج الفؤاد، ومن أطعمه من جوع أطعمه الله من ثمار الجنة ومن سقاه شربة سقاه الله من الرحيق المختوم..)(13).
وأكد الأمام الصادق (عليه السلام) في كثير من أحاديثه على ذلك فقال: (أيما مؤمن نفس عن مؤمن كربة، وهو معسر يسر الله له حوائجه في الدنيا والآخرة، ومن ستر على مؤمن عورة يخافها ستر الله عليه سبعين عورة من عورات الدنيا والآخرة، والله في عون المؤمن ما كان المؤمن في عون أخيه، فانتفعوا بالغِطة وأرغبوا في الخير).
قال الإمام الباقر (عليه السلام): (إن أحب الأعمال إلى الله إدخال السرور على المؤمنين).
قال الإمام الرضا (عليه السلام): (من فرج عن مؤمن فرج الله قلبه يوم القيامة...)(14).
وكثير من أمثال هذه الأحاديث تضافرت عن أئمة أهل البيت وهي تدعو المسلمين إلى إغاثة بعضهم بعضاً وإلى شيوع المواساة فيما بينهم، ومن الطبيعي إن ذلك يؤدي إلى نشر المحبة والوئام.
http://www.tebyan.net/image/big/1386/12/1651981896312417153122250751482336218519.jpg
النهي عن عوامل التفرقة:
نهى أئمة الهدى (عليهم السلام) شيعتهم عن جميع العوامل التي تؤدي إلى تفرقة وشيوع الكراهة والبغضاء فيما بينهم، وهذه بعضها:
التقاطع:
ونهى أئمة أهل البيت (عليهم السلام) شيعتهم عن التقاطع فيما بينهم فقد خاطب الإمام الصادق (عليه السلام) شيعته قائلاً:
(لا يفترق رجلان على الهجران إلا استوجب أحدهما البراءة أو اللعنة، وربما استحق ذلك كلاهما..).
فانبرى إليه معتب فقال: (جعلني الله فداك للظالم فما بال المظلوم؟).
فأجابه الإمام (عليه السلام):
(لأنه لا يدعو أخاه إلى صلته، ولا يتعامس(15) له عن كلامه، سمعت أبي (عليه السلام) يقول: إذا تنازع اثنان: فسب أحدهما الآخر، فليرجع المظلوم إلى صاحبه، حتى يقوله له: أي أخي أنا الظالم حتى يقطع الهجران بينه وبين صاحبه، فإن الله تبارك وتعالى عدل يأخذ للمظلوم من الظالم)(16).
وتضافرت الأخبار عن الأئمة (عليهم السلام)، وهي تشجب التقاطع والتباعد، وتدعو إلى الألفة والمحبة لتسود روح الأخوة بين المسلمين.
عدم التعاون:
وكره أئمة أهل البيت (عليهم السلام) عدم التعاون بين المسلمين.
يقول الإمام الباقر (عليه السلام): (من بخل بمعونة أخيه المسلم والقيام في حاجته إلا أبتلي بالقيام بمعونة من يأثم عليه ولا يؤجر)(17).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام) لأصحابه وهو متألم مغيظ: (ما لكم تستخفون بنا؟).
فانبرى إليه رجل من خراسان قائلاً: (معاذ الله أن نستخف بك أو بشيء من أمرك..).
(إنك أحد من استخف بنا).
(معاذ الله أن أستخف بك!!).
(ويحك ألم تسمع فلاناً ونحن بقرب الجحفة، وهو يقول لك: احملني قدر ميل، فقد والله أعييت، والله ما رفعت له رأساً، لقد استخففت به ومن استخف بمؤمن، فبنا استخف، وضيع حرمة الله عز وجل..)(18).
وخاطب الإمام أبو حسن (عليه السلام) شيعته قائلاً: (من قصد إليه رجل من إخوانه مستجيراً به في بعض أحواله فلم يجره بعد أن يقدر عليه فقد قطع ولاية الله عز وجل).
وكثير من أمثال هذه الأحاديث المشرقة، أدلى بها الأئمة الطاهرون وهي تنهى عن عدم التعاون لأنه يوجب انقطاع المودة والألفة بين المسلمين.
الإيذاء والتحقير:
ووردت كوكبة من الأخبار عن أئمة الهدى تنهى عن إيذاء الناس واحتقارهم، قال الإمام الصادق (عليه السلام): (من استذل مؤمناً واحتقره لقلة ذات يده ولفقره شهره الله يوم القيامة على رؤوس الخلائق)(19).
وقال الإمام الصادق (عليه السلام): (من حقر مؤمناً مسكيناً أو غير مسكين لم يزل الله عز وجل حاقراً له ماقتاً حتى يرجع عن محقرته إياه)(20).
إن إيذاء الناس واحتقارهم لا يصدر إلا من النفس الشريرة التي لا تؤمن بالقيم الإنسانية، ولا بالمعاني الكريمة، ومن ثم حذر الأئمة عنها.
إرهاب الناس:
وحرم أئمة أهل البيت (عليهم السلام) إرهاب الناس وترويعهم لأن ذلك من الظلم الفاحش الذي حرمه الإسلام. قال الإمام الصادق (عليه السلام): (من روع مؤمناً بسلطان ليصيبه منه مكروه فلم يصبه فهو في النار، ومن روع مؤمناً بسلطان ليصيبه منه مكروه فأصابه فهو مع فرعون وآل فرعون في النار)(21).
وكثير من أمثال هذا الحديث أثرت عن الأئمة الطاهرين دلت بوضوح على حرمة ذلك، لأن فيه تدميراً للحياة الإسلامية القائمة على الأمن والسلام.
السباب:
وحرم الأئمة (عليهم السلام) السباب والشتائم، وأوصوا شيعتهم بذلك، قال الإمام أبو جعفر (عليه السلام): أن رجلاً أتى النبي (صلى الله عليه وآله) فقال: أوصني، فكان فيما أوصاه: (لا تسبوا الناس فتكسبوا العداوة بينهم).
وقال الإمام أبو جعفر (عليه السلام): (ما من إنسان يطعن في عين مؤمن إلا مات بشر ميتة، وكان قمناً أن لا يرجع إلى خير..)(22).
وكثير من الأخبار التي أثرت عن الأئمة الطاهرين قد حذرت من السباب لأنه يسب نشر العداوة والبغضاء بين الناس وذلك يتنافى مع يريده الإسلام من نشر الصفاء والوئام والمودة بين الناس.
تتبع العثرات والعيوب:
وكان مما حذر منه الأئمة الطاهرون تتبع عثرات الناس ونشر عيوبهم ونقائصهم، قال الإمام محمد الباقر (عليه السلام): ( من أقرب ما يكون العبد إلى الكفر أن يؤاخي الرجل على الدين فيحصي عليه زلاته ليعيره بها يوماً ما...)(23).
وتواترت الأخبار بمثل هذا المضمون وهي تهيب بالمسلمين من أن يتصفوا بهذه الصفة الذميمة التي تؤدي إلى شيوع الرذيلة بينهم.
الانتقاص:
ومن الرذائل التي حرمها الأئمة الطاهرون انتقاص الناس.
يقول الإمام الصادق (عليه السلام): (من لقي أخاه بما يؤنبه أنبه الله في الدنيا والآخرة)، وأثر عن النبي (صلى الله عليه وآله) أنه قال: (من أذاع فاحشة كان كمبتدئها ومن عيَّر مؤمناً بشيء لم يمت حتى يركبه)(24). إلى غير ذلك من الأخبار التي أثرت عن الأئمة الطاهرين، وهي تحذر المسلمين من ذلك حفظاً على وحدة المسلمين وتضامنهم.
التفاخر:
وكان مما حذر منه الأئمة العظام التفاخر بالأنساب لأنه موجب لتصديع الوحدة الإسلامية فإن الناس في شريعة الإسلام سواسية كأسنان المشط لا فضل لأحد على أحد إلا بالتقوى والعمل الصالح، وكان مما أثر عن الأئمة في ذلك أن عقبة بن بشير الأسدي وكان من الشخصيات البارزة في عصره تشرف بمقابلة الإمام أبي جعفر (عليه السلام) وأخذ يعرفه بنسبه ويفخر بآبائه قائلاً:
(أنا عقبة بن بشير الأسدي، وأنا في الحسب الضخم من قومي).
فرد عليه الإمام (عليه السلام): ( ما تمن علينا بحسبك، إن الله رفع بالإيمان من كان في الناس يسمونه وضعياً إذا كان مؤمناً، ووضع بالكفر من كان الناس يسمونه شريفاً إذا كان كافراً فليس لأحد على أحد فضل إلا بالتقوى).
إن الإسلام رفع مكانة المؤمنين والمتقين، وإن كانوا ضعفاء بالمال والنسب فإنه لا جاه في حسب ولا نسب في شريعة الإسلام، كما حط من مكانة الكافرين والطغاة والجبابرة وإن كانت لهم منزلة مرموقة في الأوساط الاجتماعية.
وبهذا ينتهي بنا الحديث عن بعض الأحاديث التي أثرت عن الأئمة في التحذير عن عوامل التفرقة بين المسلمين.
رسالة الإمام الصادق إلى الشيعة:
وزود الإمام الصادق شيعته برسالة حفلت بأروع النصائح وأمرهم بمدارستها والنظر فيها، وتعاهدها والعمل بما فيها وكانوا يضعونها في مساجد بيوتهم فإذا فرغوا من الصلاة نظروا فيها... ونقتطف منها بعض فصولها، قال (عليه السلام):
(أما بعد: فاسألوا الله ربكم العافية، وعليكم بالدعة(25) والوقار والسكينة، وعليكم بالحياء والتنزه عما تنزه عنه الصالحون قبلكم).
ثم ذكر الإمام جملة من الوصایا القيمة وأضاف يقول:
(إياكم والتجبر على الله، واعلموا أن عبداً لم يبتل بالتجبر على الله إلا تجبر على دين الله، فاستقيموا لله، ولا ترتدوا على أعقابكم فتقلبوا خاسرين، أجارنا الله وإياكم من التجبر على الله، ولا قوة لنا ولكم إلا بالله..)(26).
لقد حذرهم من التجبر الذي هو أعظم الرذائل التي يمنى بها الإنسان فهو مصدر الجرائم والكوارث التي يصاب بها المجتمع الإنساني.
ومن بنود هذه الرسالة:
(صبروا النفس على البلاء في الدنيا، فأن تتابع البلاء فيها والشدة في طاعة الله، وولايته، وولاية من أمر بولايته خير من عاقبة عند الله في الآخرة من ملك الدنيا، وإن طال تتابع نعيمها وزهرتها، وغضارة عيشها في معصية الله، وولاية من نهى الله عن ولايته وطاعته، فإن الله أمر بولاية الأئمة الذين سماهم في كتابه في قوله: (وجعلنا منهم أئمة يهدون بأمرنا)(27) وهم الذين أمر الله بولايتهم وطاعتهم، والذين نهى الله عن ولايتهم وطاعتهم هم أئمة الضلال الذين قضى الله أن يكون لهم دول في الدنيا على أولياء الله الأئمة من آل محمد (عليهم السلام) يعملون في دولتهم بمعصية الله ومعصية رسوله ليحق عليهم كلمة العذاب، وليتم أمر الله فيهم الذي خلقهم في الأصل أصل الخلق من الكفر الذي سبق في علم الله.. ومن الذين سماهم الله في كتابه في قوله: (وجعلناهم أئمة يدعون إلى النار)(28).
لقد أمر الإمام (عليه السلام) شيعته بالصبر على بلاء الدنيا وكوارثها، كما أمرهم بالشدة في طاعة الله، وطاعة أوليائه وولاة أمره وهم الأئمة الطاهرون حملة الرسالة وخزنة علوم النبي (صلى الله عليه وآله)، الذين ابتلاهم بأئمة الجور والضلال في عصرهم، وهم الذين نهى الله عن ولايتهم...
ومن فصول هذه الرسالة قوله (عليه السلام):
(أيتها العصابة المرحومة المفحلة، إن الله تعالى أتم لكم من الخير، واعلموا أنه ليس من علم الله ولا من أمره أن يأخذ أحد من خلق الله في دينه بهوى ولا رأي ولا مقايس.. قد أنزل الله في القرآن جعل فيه تبينان كل شيء، وجعل للقرآن وتعلم القرآن أهلاً لا يسع أهل علم القرآن الذي آتاهم الله علمه على أن يأخذوا فيه بهوى، ولا رأي ولا مقايس، أغناهم الله عن ذلك بما آتاهم من علمه، وخصهم به، ووضعه عندهم، وكرامة من الله تعالى أكرمهم بها، وهم أهل الذكر الذين أمر الله هذه الأمة بسؤالهم، وهم الذين من سألهم، وقد سبق في علم الله أن يصدقهم، ويتبع أثرهم أرشدوه وأعطوه من علم القرآن ما يهتدي به إلى الله بإذنه، وإلى جميع سبل الحق، وهم الذين لا يرغب عنهم وعن مسألتهم وعن علمهم الذي أكرمهم الله به، وجعله عندهم إلا من سبق عليه في علم الله الشقاء في أصل الخلق تحت الأظلة(29) فأولئك الذين يرغبون عن سؤال أهل الذكر والذين آتاهم الله تعالى علم القرآن، ووضعه عندهم وأمر بسؤالهم، فأولئك الذين يأخذون بأهوائهم وآرائهم ومقائسهم حتى دخلهم الشيطان، لأنهم جعلوا أهل الإيمان في علم القرآن عند الله كافرين، وجعلوا أهل الضلالة في علم القرآن عند الله مؤمنين، وحتى جعلوا ما أحل الله في كثير من الأمر حراماً، وجعلوا ما حرم الله في كثير من الأمر حلالاً، فذلك اصل ثمرة أهوائهم، وقد عهد إليهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) قبل موته، فقالوا: نحن بعد ما قبض الله تعالى رسوله، وبعد عهده الذي عهده إلينا، وأمرنا به، مخالفين لله تعالى ولرسوله...
وتحدث الإمام (عليه السلام) عما حدث في الأمة من الانحراف والزيغ من جراء تركهم وصية نبيهم بإتباع عترته، وعد تسليم القيادة الروحية والزمنية لسيد العترة، الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) ومن بنود هذه الرسالة قوله:
(أكثر من أن تدعوا الله، فإن الله يحب من عباده المؤمنين أن يدعوه، وقد وعد عباده المؤمنين بالاستجابة، والله مصير دعاء المؤمنين يوم القيامة عملاً يزيدهم به في الجنة، فأكثروا ذكر الله ما استطعتم في كل ساعة من ساعات الليل والنهار فإن الله تعالى أمر بكثرة الذكر له، والله ذاكر لمن ذكره من المؤمنين، واعلموا أن الله لم يذكره أحد من عباده المؤمنين إلا ذكره بخير، فأعطوا الله من أنفسكم الاجتهاد في طاعته، فإن الله لا يدرك شيء من الخير عنده إلا بطاعته، واجتناب محارمه التي حرم الله تعالى في ظاهر القرآن وباطنه، فإن الله تعالى قال في كتابه:
(وذروا ظاهر الإثم وباطنه)(30)، واعملوا ما أمر الله أن يجتنبوه فقد حرمه... واتبعوا آثار رسول الله (صلى الله عليه وآله) وسنته فخذوا بها، ولا تتبعوا أهواءكم، وآراءكم فتضلوا، فأن أضل الناس عند الله من اتبع هواه ورأيه، بغير هدى من الله، وأحسنوا إلى أنفسكم ما استطعتم، فإن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها.
جاملوا الناس، ولا تحملوهم على رقابكم، تجمعوا مع ذلك طاعة ربكم وإياكم وسب أعداء الله حيث يسمعونكم فيسبوا الله عدواً بغير علم وقد ينبغي لكم أن تعلموا حد سبهم الله، كيف هو؟ إنه من سب أولياء الله، فقد انتهك الله...).
وبعد هذه الوصايا الحافلة بالقيم الكريمة والمثل العليا قال (عليه السلام):
(أيتها العصابة الحافظ الله لهم أمرهم، عليكم بآثار رسول الله، وسنته، وآثار الأئمة الهداة من أهل بيت رسول الله (صلى الله عليه وآله) من بعده وسنتهم فإنه من أخذ بذلك فقد اهتدى ومن ترك ذلك ورغب عنه ضل، لأنهم هم الذين أمر الله بطاعتهم وولايتهم، وقد قال أبونا رسول الله (صلى الله عليه وآله): المداومة على العمل في إتباع الآثار والسنن، وإن قل أرضى لله وأنفع عنده في العاقبة من الاجتهاد في البدع وإتباع الأهواء، إلا أن إتباع الأهواء وإتباع البدع بغير هدى من الله ضلال وكل ضلال بدعة، وكل بدعة في النار، ولن ينال شيء من الخير عند الله إلا بطاعته والصبر.
واعلموا أنه لن يؤمن عبد من عبيده حتى يرضى عن الله فيما صنع الله إليه، وصنع به على ما أحب وكره، وعليكم بالمحافظة على الصلوات، والصلاة الوسطى، وقوموا لله قانتين كما أمر الله به المؤمنين في كتابه من قبلكم وإياكم.
وعليكم بحب مساكين المسلمين فإنه من حقرهم وتكبر عليهم فقد زل عن دين الله، والله له حاقر وماقت، وقد قال أبونا رسول الله (صلى الله عليه وآله): (أمرني ربي بحب المساكين المسلمين) واعلموا أنه من حقر أحداً من المسلمين ألقى الله عليه المقت، فاتقوا الله في إخوانكم المسلمين المساكين، فإن لهم عليكم حقاً إن تحبوهم فإن الله أمر نبيه بحبهم، فمن لم يحب من أمر الله بحبه فقد عصى الله ورسوله، وإن مات على ذلك مات وهو من الغاوين.
وإياكم والعظمة والكبر، فإن الكبر رداء الله تعالى، فمن نازع رداءه قصمه وأذلة يوم القيامة.
وإياكم أن يبغي بعضكم على بعض فإنها ليست من خصال الصالحين فإن من بغى صير الله بغية على نفسه، وصارت نصرة الله لمن بٌغي عليه ومن نصره الله غلب، وأصاب الظفر من الله.
وإياكم أن يحسد بعضكم بعضاً، فإن الكفر أصله الحسد.
وإياكم أن تعينوا على مسلم مظلوم، فيدعوا الله عليكم فيستجاب له فيكم، فإن أبانا رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقول: (إن دعوة المظلوم مستجابة) وليعن بعضكم بعضاً، فإن أبانا رسول (صلى الله عليه وآله) كان يقول: (إن معونة المسلم خير وأعظم أجراً من صيام شهر واعتكافه في المسجد الحرام).
وإياكم وإعسار من إخوانكم المؤمنين، إن تعسروه بالشيء يكون لكم قبله وهو معسر، فإن أبانا رسول الله (صلى الله عليه وآله) كان يقول: (ليس لمسلم أن يعسر مسلماً، ومن أنظر معسراً أظله الله يوم القيامة بظله يوم لا ظل إلا ظله).
وإياكم أيتها العصابة المرحومة المفضلة على من سواها حبس حقوق الله قبلكم يوماً بعد يوم، وساعة بعد ساعة، فإنه من عجل حقوق الله قبله كان الله أقدر على التعجيل له إلى مضاعفة الخير في العاجل والأجل، وأنه من أخر حقوق الله قبله كان الله أقدر على تأخير رزقه، ومن حبس الله رزقه لم يقدر أن يرزق نفسه، فأدوا إلى الله حق ما رزقكم يطيب لكم بقيته، وينجز لكم ما وعدكم من مضاعفته لكم الأضعاف الكثيرة التي لا يعلم بعدها ولا بكنه فضلها إلا الله رب العالمين).
ومن بنود هذه الوصية الخالدة قوله (عليه السلام):
(واعلموا أيتها العصابة أن السنة من الله قد جرت في الصالحين من قبل.
من سره أن يلقى الله وهو مؤمن حقا، حقا، فليتول الله ورسوله والذين آمنوا، وليبرأ إلى الله من عدوهم، وليسلم لما انتهى إليه من فضلهم، لأن فضلهم لا يبلغه ملك مقرب، ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك، ألم تسمعوا ما ذكر الله من فضل أتباع الأئمة الهداة وهم المؤمنون قال: (فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين وحسن أولئك رفيقاً)(31).
فهذا وجه من وجوه فضل إتباع الأئمة، فكيف بهم وفضلهم ومن سره أن يتم الله له إيمانه حتى يكون مؤخراً حقاً حقاً، فكيف لله بشروطه وولاية أئمة المؤمنين، فإنه قد اشترط مع ولايته وولاية رسوله وولاية أئمة المؤمنين، إقام الصلاة، وإيتاء الزكاة، وإقراض الله قرضاً حسناً، واجتناب الفواحش ما ظهر منها وما بطن.
وإياكم والإصرار على شيء ما حرم الله في ظهر القرآن وباطنه، وقد قال الله: (ولم يصروا على ما فعلوا وهو يعلمون)(32).
واعلموا أنه إنما أمر ونهى ليطاع فيما أمر به، ولينتهي عما نهى عنه فمن ابتع أمره فقد أطاعه، وقد أدرك كل شيء من الخير عنده، ومن لم ينته عما نهى الله عنه فقد عصاه، فإن مات على معصيته أكبه الله على وجهه في النار.
عليكم بطاعة ربكم ما استطعتم فإن الله ربكم، واعلموا أن الإسلام هو التسليم – أي التسليم لأمر الله - والتسليم هو الإسلام فمن سلّم فقد أسلم، ومن لم يسلم فلا إسلام له، ومن سره أن يبلغ إلى نفسه الإحسان فليطع الله.
وإياكم ومعاصي الله أن تركبوها، فإنه من انتهك معاصي الله فقد أبلغ في الإساءة إلى نفسه، وليس بين الإحسان والإساءة منزلة، فلأهل الإحسان عند ربهم الجنة، ولأهل الإساءة عند ربهم النار، فاعملوا بطاعة الله، واجتنبوا معاصيه، واعلموا أنه ليس يغني عنكم من الله أحد، لا ملك مقرب، ولا نبي مرسل ولا من دون ذلك، فمن سره أن تنفعه شفاعة الشافعين عند الله فليطلب إلى الله أن يرضى عنه..).
ومن بنود هذه الرسالة قوله (عليه السلام):
(وأكثروا من التهليل والتقديس والتسبيح والثناء على الله، والتضرع إلية، والرغبة فيما عنده من الخير الذي لا يقدر قدره، ولا يبلغ كنهه أحد، فاشغلوا ألسنتكم بذلك عما نهى الله عنه من أقاويل الباطل التي تعقب أهلها خلوداً في النار لمن مات عليها، ولم يتب إلى الله منها.
وعليكم بالدعاء فإن المسلمين لم يدركوا نجاح الحوائج عند ربهم بأفضل من الدعاء، والرغبة إليه والتضرع إلى الله والمسألة له، فارغبوا فيما رغبكم الله فيه، وأجيبوا الله ما دعاكم إليه لتفلحوا، وتنجوا من عذاب الله.
وإياكم أن تشره أنفسكم إلى شيء مما حرم الله عليكم فإنه من انتهك ما حرم الله عليه ها هنا في الدنيا حال الله بينه وبين الجنة ونعيمها ولذتها وكرامتها القائمة الدائمة لأهل الجنة أبد الآبدين.
ومن فصول هذه الوصية قوله (عليه السلام):
(إياكم ومماظة أهل الباطل، وعليكم بهدي الصالحين ووقارهم وسكينتهم وحلمهم، وتخشعهم، وورعهم عن محارم الله، وصدقهم ووفائهم واجتهادية لله في العمل بطاعته، فإنكم إن لم تفعلوا ذلك، لم تنزلوا عند ربكم منزلة الصالحين قبلكم.
واعلموا أن الله تعالى إذا أراد بعبد خيراً شرح صدره للإسلام فإذا أعطاه ذلك نطق لسانه بالحق، وعقد قلبه عليه فعمل به، فإذا جمع الله له ذلك تم إسلامه، وكان عند الله إن مات على ذلك الحال من المسلمين حقاً، وإذا أراد الله بعبد شراً وكله إلى نفسه، وكان صدره ضيقاً حرجاً، فإن جرى على لسانه حق لم يعقد قلبه عليه، وإذا لم يعقد قلبه عليه لم يعط الله العمل به، فإذا اجتمع ذلك عليه حتى يموت وهو على تلك الحال كان عند الله من المنافقين، وصار ما جرى على لسانه من الحق الذي لم يعطه الله أن يعقد قلبه عليه، ولم يعطه العمل به حجة عليه.
فاتقوا الله وسلوه أن يشرح صدوركم للإسلام، وإن يجعل ألسنتكم تنطق بالحق حتى يتوفاكم وأنتم على ذلك، وأن يجعل منقلبكم منقلب الصالحين قبلكم ولا قوة إلا بالله، والحمد لله رب العالمين..).
وانتهت معظم هذه الوصية، وقد خلفت بالدعوة إلى عمل الخير، والتحلي بتقوى الله تعالى وطاعته، والاجتناب عن معاصيه ومحارمه وغير ذلك من معالي الأخلاق ومحاسن الصفات.
لقد أراد الإمام الصادق (عليه السلام) أن تكون شيعته قدوة حسنة في آدابها وسلوكها لجميع الأمم والشعوب.
الهوامش:
1- حياة الإمام الحسن: 1/359 الطبعة الثالثة.
2- حياة الإمام زين العابدين: 1/68 الطبعة الأولى.
3- حياة الإمام الرضا: 2/77.
4- سورة التوبة: الآية 55.
5- سورة طه: الآية 131.
6- روضة الكافي: ص168.
7- أصول الكافي: 2/475.
8- أصول الكافي: 5/475.
9- النظام السياسي في الإسلام: ص221.
10- النظام السياسي في الإسلام: ص221.
11- النظام السياسي في الإسلام: ص222.
12- أصول الكافي.
13- النظام السياسي في الإسلام.
14- النظام السياسي في الإسلام.
15- يتعامس: يتغافل.
16- أصول الكافي.
17- أصول الكافي.
18- الوسائل كتاب الحج.
19- أصول الكافي.
20- النظام السياسي في الإسلام: ص223.
21- النظام السياسي في الإسلام: ص223.
22- أصول الكافي.
23- وسائل الشيعة.
24- النظام السياسي في الإسلام: ص35.
25- الدعة: الطمأنينة وخفض العيش.
26- أشعة من بلاعة الإمام الصادق 101و 111.
27- سورة السجدة: الآية 24.
28- سورة القصص: الآية 41.
29- الأظلة: هي أظلة العرش.
30- سورة الأنعام: الآية 120.
31- سورة النساء: الآية 69.
32- سورة آل عمران: الآية 135.