حساويه
06-03-2008, 12:56 PM
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله رب العالمين والصلاة على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين.
قال الله تبارك وتعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين)(1) (http://www.14masom.com/14masom/03/mktba3/book02/12.htm#1).
اختص الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) برسول الله من حيث الانضمام والتربية والتأديب والتوجيه والأخوة والنفس وسائر الخصائص التي اختص بها كحديث الطائر المشوي وسد الأبواب وغير ذلك.
وعندما توفي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان هناك موقف لإمام من تلك الفاجعة العظمى والمصيبة الكبرى التي لم يشهد التاريخ مثلها،
فقد مرض رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بعد أن بلغ من العمر ثلاثاً وستين سنة، وكان النبي ينعى نفسه إلى أصحابه وأهل بيته وزوجاته، ويخبرهم أن تلك السنة آخر سنوات حياته الشريفة المباركة، وأن شمس وجوده قد اقتربت من الغروب،
ولهذا قام بتعيين الخليفة والإمام القائم مقامه، ومن جملة الأحكام الشرعية والتعاليم الإسلامية هو الوصية عند الإحساس بخطر الوفاة، قال الله تعالى: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية)(2) (http://www.14masom.com/14masom/03/mktba3/book02/12.htm#2).
فهل من المعقول أن يموت صاحب الشريعة الإسلامية والمقتدى لقوافل المسلمين على مر القرون والأجيال ـ بلا وصية؟؟ هل يمكن أن يأمر النبي أمته بالوصية ويتركها هو؟ وعمله حجة وسنة يأخذ بها المسلمون؟ وهو القائل: (من مات بلا وصية مات ميتة جاهلية).
إن الأخبار والأحاديث والنصوص الواردة حول وصية النبي (صلّى الله عليه وآله) مستفيضة متواترة، وقد زعم بعض الناس أن رسول الله مات بلا وصية وهم يبتغون من وراء هذا الافتراء تبرير مواقف بعض الأفراد، ولا يهمهم تشويه سمعة النبي والمس بكرامته والحط من مقامه.
وللمرحوم السيد عبد الحسين شرف الدين كلام قيّم حول هذا الموضوع تقتطف منه محل الحاجة، قال ـ تغمده الله برحمته ـ : ونصوص الوصية متواترة، عن أئمة العترة الطاهرة،
1)وحسبك مما جاء من طريق غيرهم في قول النبي (صلّى الله عليه وآله) وقد أخذ برقبة علي: (هذا أخي ووصيي، وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا).
رواه محمد بن حميد الرازي
2)عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (لكل نبي وصي ووارث، وإن وصيي ووارثي علي بن أبي طالب (عليه السلام)(3) (http://www.14masom.com/14masom/03/mktba3/book02/12.htm#3).
3)وروى الطبراني في الكبير بالإسناد إلى سلمان الفارسي قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (إن وصيي وموضع سري، وخير من أترك بعدي، ينجز عدتي، ويقضي ديني، علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وهذا نص في كونه الوصي، وصريح في أنه أفضل الناس بعد النبي، وفيه من الدلالة الإلتزامية على خلافته، ووجوب طاعته، ما لا يخفى على أولي الألباب.
4)وأخرج أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء عن أنس، قال: قال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يا أنس أول من يدخل عليك هذا الباب: إمام المتقين، وسيد المسلمين.
قال أنس: فجاء علي فقام إليه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، مستبشراً فاعتنقه وقال له: أنت تؤدي عني، وتسمعهم صوتي، وتبين لهم ما اختلفوا فيه من بعدي.
5)وأخرج الطبراني في الكبير بالإسناد إلى أبي أيوب الأنصاري، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: يا فاطمة، أما علمت أن الله عز وجل اطلع على أهل الأرض، فاختار منهم أباك فبعثه نبيا، ثم اطلع الثانية فاختار بعلك، فأوحي إلي فأنكحته واتخذته وصيا).
أنظر كيف اختار الله عليا من أهل الأرض كافة بعد أن اختار منهم خاتم أنبيائه، ونظر إلى اختيار الوصي وكونه على نسق اختيار النبي، وانظر كيف أوحى الله إلى نبيه أن يزوجه ويتخذه وصياً، وانظر هل كانت خلفاء الأنبياء من قبل إلا أوصياؤهم، وهل يجوز تأخير خيرة الله من عباده، ووصي سيد أنبيائه، وتقديم غيره عليه، وهل يمكن عقلاً أن يكون طاعة ذلك المتولي الحكم عليه، فيجعله من سوقته ورعاياه؟ وهل يمكن عقلاً أن تكون طاعة ذلك المتولي واجبة على هذا الذي اختاره الله كما اختار نبيه؟ وكيف يختاره الله ورسوله ثم نحن نختار غيره (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً)(4) (http://www.14masom.com/14masom/03/mktba3/book02/12.htm#4).
وقد تضافرت الروايات أن أهل النفاق والحسد والتنافس لما علموا أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سيزوج علياً من بضعته الزهراء ـ وهي عديلة مريم وسيدة نساء أهل الجنة ـ حسدوه لذلك وعظم عليهم الأمر.
ولا سيما بعد أن خطبها من خطبها فلم يفلح، وقالوا: أن هذه ميزة يظهر بها فضل علي، فلا يلحقه بعدها لاحق ولا يطمع في إدارته طامع، فأجلبوا بما لديهم من إرجاف وعملوا لذلك أعمالا، فبعثوا نساءهم إلى سيدة نساء العالمين ينفرنها، فكان مما قلن لها: إنه فقير ليس له شيء، لكنها (عليها السلام) لم يخف عليها مكرهن، وسوء مقاصد رجالهن، ومع ذلك لم تبد لهن شيئاً يكرهنه، ثم ما أراده الله عز وجل ورسوله لها، وحينئذ أرادت أن تظهر من فضل أمير المؤمنين ما يخزي الله به أعداءه، فقالت: يا رسول الله زوجتني من فقير لا مال له؟ فأجابها (صلّى الله عليه وآله) بما سمعت.
وإذا أراد الله نشر فضيلـــة طويت أتاح لها لسان حسود
6)وأخرج الخطيب في المتفق بسنده المعتبر إلى ابن عباس، قال: لما زوج النبي (صلّى الله عليه وآله) فاطمة من علي، قالت فاطمة: يا رسول الله زوجتني من رجل فقير ليس له شيء، فقال النبي (صلّى الله عليه وآله): أما ترضين أن الله اختار من أهل الأرض رجلين، أحدهما أبوك والآخر بعلك.
7)وأخرج الحاكم في مناقب علي (صلّى الله عليه وآله)129 الجزء الثالث من المستدرك عن طريق سريج بن يونس، عن أبي حفص الأبار، عن الأعمش، عن أبي صالح عن أبي هريرة، قال: قالت فاطمة: يا رسول الله زوجتني من علي وهو فقير لا مال له؟ قال (صلّى الله عليه وآله): يا فاطمة أما ترضين أن الله عز وجل اطلع إلى أهل الأرض فاختار رجلين، أحدهما أبوك والآخر بعلك،
7) وعن ابن العباس قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): أما ترضين أني زوجتك أول المسلمين إسلاما، وأعلمهم علماً، وأنك سيدة نساء أمتي، كما سادت مريم نساء قومها، أما ترضين يا فاطمة أن الله اطلع على أهل الأرض فاختار منها رجلين، فجعل أحدهما أباك، والآخر بعلك.
وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بعد هذا إذا ألمّ بسيدة النساء من الدهر لمم يذكرها بنعمة الله ورسوله عليها، إذ زوجها أفضل أمته، ليكون ذلك عزاءً لها، وسلوة عما يصيبها من طوارق الدهر، وحسبك شاهداً لهذا ما أخرجه الإمام أحمد في ص26 من الجزء الخامس من مسنده من حديث معقل بن يسار، أن النبي (صلّى الله عليه وآله) عاد فاطمة في مرض أصابها على عهده فقال لها: كيف تجدينك؟ قالت: والله لقد اشتد حزني واشتدت فاقتي وطال سقمي، قال (صلّى الله عليه وآله) أما ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلماً وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً.
الوصية بصورة أخرى:
وصية النبي (صلّى الله عليه وآله) إلى علي لا يمكن جحودها، إذ لا ريب في أنه عهد إليه ـ بعد أن أورثه العلم والحكمة ـ بأن يغسله، ويجهزه ويدفنه، ويفي دينه، وينجز وعده، ويؤدي دينه ويواريه في حفرته، أخرجه الديلمي وهو الحديث 2583 ج 6 من الكنز، وعن عمر من حديث قال فيه رسول الله لعلي: وأنت غاسلي ودافني الحديث، في ص393 ج 6 في الكنز، وفي هامش ص45 ج 5 من مسند أحمد، وعن علي: سمعت رسول الله، يقول: أعطيت في علي خمساً لم يعطها نبي في أحد قبلي، أما الأولى فإنه يقضي ديني، ويواريني...
الحديث في أول ص 403 ج 6 من الكنز، ولما وضع على السرير وأرادوا الصلاة عليه (صلّى الله عليه وآله) قال علي: لا يؤم على رسول الله أحد، هو إمامكم حياً وميتاً، فكان الناس يدخلون رسلاً رسلاً، فيصلون صفاً صفاً، ليس لهم إمام ويكبرون، وعلي قائم حيال رسول الله يقول: سلام الله عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، اللهم إنا نشهد أن قد بلغ ما أنزلت إليه، ونصح لأمته وجاهد في سبيل الله حتى أعز الله عز وجل دينه، وتمت كلمته، اللهم فاجعلنا ممن يتبع ما أنزل الله إليه، وثبتنا بعده وأجمع بيننا وبينه، فيقول الناس: آمين آمين، حتى صلى عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان، روى هذا كله باللفظ الذي أوردناه ابن سعد عند ذكره غسل النبي من طبقاته، وأول من دخل على رسول الله يومئذ بنو هاشم، ثم المهاجرون، ثم الأنصار ثم الناس، وأول من صلى عليه علي والعباس وقفا صفاً وكبرا عليه خمساً.
إلى هنا انتهى كلام سيدنا شرف الدين رحمه الله.
هذه بعض النصوص الواردة حول الوصية
وأما ما ذكره الشعراء في القرن الأول من المهاجرين والأنصار والتابعين حول وصاية أمير المؤمنين (عليه السلام) فلا مجال لبيان تلك الأبيات الشعرية والأراجيز التي تتضمن هذا الأمر.
والآن ننتقل إلى حديث وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقيام الإمام بإنجاز وصاياه، وقد ذكرنا فيما سبق أن علياً كان أول الناس عهداً برسول الله (صلّى الله عليه وآله) وسيظهر اليوم أنه كان آخر الناس عهدا به.
وفي كتاب أبي إسحاق قال: دخل أبو بكر على النبي (صلّى الله عليه وآله) وقد ثقل (اشتد مرضه)، فقال: يا رسول الله متى الأجل؟ قال: قد حضر، قال أبو بكر: الله المستعان على ذلك فإلى ما المنقلب؟ قال: إلى السدرة المنتهى وجنة المأوى وإلى الرفيق الأعلى والكأس الأوفى والعيش المهنى، قال أبو بكر: فمن يلي غسلك؟ قال رجال أهل بيتي، الأدنى فالأدنى قال: ففيما نكفنك؟ قال: في ثيابي هذه التي علي أو حلة يمانية أو في بياض مصر قال: كيف الصلاة عليك؟ فارتجت الأرض بالبكاء فقال لهم النبي (صلّى الله عليه وآله) مهلاً، عفا الله عنكم، إذا غُسلت فكُفنت فضعوني على سريري في بيتي هذا على شفير قبري ثم أخرجوا عني فإن الله تبارك وتعالى أول من يصلي علي ثم يأذن الملائكة في الصلاة علي فأول من ينزل جبرائيل (عليه السلام) ثم إسرافيل ثم ميكائيل ثم ملك الموت (عليه السلام) في جنود كثير من الملائكة بأجمعها ثم أدخلوا علي زمرة زمرة، فصلوا علي وسلموا تسليما ولا تؤذوني وليبدأ بالصلاة علي الأدنى من أهل بيتي ثم النساء ثم الصبيان زمراً.
قال أبو بكر: فمن يدخل قبرك؟ قال: الأدنى فالأدنى من أهل بيتي مع ملائكة لا ترونهم، قوموا فأدوا عني إلى من ورائكم؟ فقلت للحرث بن مرة: من حدثك هذا الحديث؟ قال: عبد الله بن مسعود.
عن علي (عليه السلام) قال: كان جبرائيل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي قبض فيه كل يوم وفي كل ليلة، فيقول،: السلام عليك إن ربك يقرؤك السلام فيقول: كيف تجدك؟ وهو أعلم بك ولكنه أراد أن يزيدك كرامة وشرفاً إلى ما أعطاك على الخلق، وأراد أن يكون عيادة المريض سنة في أمتك، فيقول النبي (صلّى الله عليه وآله) ـ إن كان وجعاً ـ : يا جبرائيل أجدني وجعاً فقال له جبرائيل: اعلم يا محمد إن الله لم يشدد عليك وما من أحد من خلقه أكرم عليه منك، ولكنه أحب أن يسمع صوتك ودعاك حتى تلقاه مستوجباً للدرجة والثواب الذي أعد لك، والكرامة والفضيلة على الخلق، وإن قال له النبي (صلّى الله عليه وآله) أجدني مريحاً في عافية.
قال له: فاحمد الله على ذلك فإنه يحب أن تحمد وتشكره ليزيدك إلى ما أعطاك خيراً فإنه يحب أن يحمد ويزيد من شكر.
قال: وإنه نزل عليه في الوقت الذي كان ينزل فيه فعرفنا حسه فقال علي (عليه السلام): فيخرج من كان في البيت غيري؟ فقال له جبرائيل: يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويسألك وهو أعلم بك كيف تجدك؟ فقال له النبي: أجدني ميتاً.
قال له جبرائيل: يا محمد أبشر فإن الله إنما أراد أن يبلغك بما تجد ما أعد لك من الكرامة.
قال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن ملك الموت استأذن علي فأذنت له، فدخل واستنظرته مجيئك فقال له: يا محمد إن ربك إليك مشتاق فما استأذن ملك الموت على أحد قبلك ولا يستأذن على أحد بعدك.
فقال النبي (صلّى الله عليه وآله): لا تبرح يا جبرائيل حتى يعود، ثم أذن للنساء فدخلن فقال لأبنته: أدني مني يا فاطمة فأكبت عليه فناجاها، فرفعت رأسها وعيناها تهملان دموعاً فقال لها: أدني مني فدنت منه فأكبت عليه فناجاها فرفعت رأسها وهي تضحك، فتعجبنا لما رأينا فسألناها فأخبرتنا أنه نعى نفسه فبكيت فقال: يا بنية لا تجزعي فإني سألت ربي أن يجعلك أول أهل بيتي لحاقاً بي فأخبرني أنه استجاب لي فضحكت، قال: ثم دعا النبي (صلّى الله عليه وآله) الحسن والحسين (عليهما السلام) فقبلهما وشمهما وجعل يترشفهما وعيناه تهملان.
في علل الشرائع: عن الإمام الصادق عن أبيه عن جده (عليهم السلام) قال لما حضرت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الوفاة دعا العباس بن عبد المطلب وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال للعباس: يا عم محمد تأخذ تراث محمد وتقضي دينه وتنجز عداته؟ فرد عليه وقال: يا رسول الله: أنا شيخ كبير كثير العيال، قليل المال، من يطيقك وأنت تباري الريح؟ قال: فأطرق هنيئة ثم قال: يا عباس أتأخذ تراث رسول الله وتنجز عداته وتؤدي دينه.
فقال: بأبي أنت وأمي أنا شيخ كبير كثير العيال قليل المال، من يطيقك وأنت تباري الريح؟ فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): أما إني سأعطيها من يأخذ بحقها.
ثم قال: يا علي يا أخا محمد أتنجز عداة محمد وتقضي دينه وتأخذ تراثه؟ قال: نعم بأبي أنت وأمي.
فنزع خاتمه من إصبعه فقال: تختم بهذا في حياتي فوضعه علي (عليه السلام) في إصبعه اليمنى فصاح رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يا بلال علي بالمغفر والدرع والراية وسيفي: ذي الفقار وعمامتي: السحاب والبرد والأبرقة والقضيب.
فقال: يا علي أن جبرائيل أتاني بها.
فقال: يا محمد إجعلها في حلقة الدرع واستوفر بها مكان المنطقة ثم دعا بزوجي نعال عربيين إحداهما مخصوفة والأخرى غير مخصوفه، والقميص الذي اسري به فيه، والقميص الذي خرج فيه يوم أحد والقلانس الثلاث قلنسوة السفر وقلنسوة العيدين وقلنسوة كان يلبسها.
ثم قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يا بلال علي بالبغلتين: الصهباء والدلدل والناقتين: العضباء والصهباء والفرسين الجناح الذي كان يوقف بباب مسجد رسول الله لحوائج الناس، يبعث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الرجل في حاجته فيركبه وحيزوم وهو الذي يقول أقدم حيزوم.
والحمار اليعفور.
ثم قال: يا علي إقبضها في حياتي حتى لا ينازعك فيها أحد بعدي.
وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في مرضه الذي قبض فيه لفاطمة (عليها السلام) بأبي وأمي أنت!!! أرسلي إلى بعلك فادعيه لي.
فقالت فاطمة للحسين (عليه السلام): إنطلق إلى أبيك فقل: يدعوك جدي.
فانطلق إليه الحسين فدعاه فأقبل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) حتى دخل على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وفاطمة (عليها السلام) عنده وهي تقول: واكرباه لكربك يا أبتاه.
فقال لها رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لا كرب على أبيك بعد اليوم يا فاطمة، إن النبي لا يشق عليه الجيب، ولا يخمش عليه الوجه، ولا يدعى عليه بالويل ولكن قولي كما قال أبوك على إبراهيم: تدمع العينان وقد يوجع القلب ولا نقول ما يسخط الرب وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون ولو عاش إبراهيم لكان نبياً.
ثم قال يا علي أدن مني.
فدنا منه فقال أدخل أذنك في في.
ففعل.
فقال: يا أخي ألم تسمع قول الله تعالى في كتابه (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية)؟(5) (http://www.14masom.com/14masom/03/mktba3/book02/12.htm#5) قال: بلى يا رسول الله.
قال: هم أنت وشيعتك يجيئون غراً محجلين، شباعاً مرويين، أولم تسمع قول الله في كتابه (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية)(6) (http://www.14masom.com/14masom/03/mktba3/book02/12.htm#6)؟ قال: بلى يا رسول الله.
قال: هم أعداؤك وشيعتهم، يجوزون يوم القيامة ظماء مظمئين، أشقياء معذبين، كفار منافقين، ذلك لك ولشيعتك، وهذا لعدوك ولشيعتهم.
ولما حضره الموت كان أمير المؤمنين (عليه السلام) حاضراً عنده فلما قرب خروج نفسه (صلّى الله عليه وآله) قال له: ضع يا علي رأسي في حجرك فقد جاء أمر الله تعالى فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها وجهك، ثم وجهني إلى القبلة وتول أمري وصل علي أول الناس، ولا تفارقني حتى تواريني في رمسي، واستعن بالله تعالى.
فأخذ علي (عليه السلام) رأسه فوضعه في حجره فأغمي عليه فأكبت فاطمة (عليها السلام) تنظر في وحهه وتندبه وتبكي وتقول:
وأبيض يستقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة الأرامل
ففتح رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عينه، وقال بصوت ضئيل: يا بنية هذا قول عمك أبي طالب لا تقوليه ولكن قولي (وما محمد إلا رسول الله قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل أنقلبتم على أعقابكم)(7) (http://www.14masom.com/14masom/03/mktba3/book02/12.htm#7) فبكت طويلاً وأومأ إليها بالدنو منه فدنت منه فأسرّ إليها شيئاً تهلل وجهها له.
ثم قبض (صلّى الله عليه وآله) ويد أمير المؤمنين (عليه السلام) تحت حنكه ففاضت نفسه (صلّى الله عليه وآله) فيها فرفعها إلى وجهه فمسحه بها، ثم وجهه وغمضه ومد عليه إزاره واشتغل بالنظر في أمره.
وقال جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أوصى إلى علي (عليه السلام) أن لا يغسلني غيرك فقال علي (عليه السلام): يا رسول الله من يناولني الماء؟ إنك رجل ثقيل لا أستطيع أن أُقلّبك؟ فقال: جبرائيل معك يعاونك، ويناولك الفضل الماء، وقل له فليغمض عينيه، فإنه لا أحد يرى عورتي غيرك إلا انفقأت عيناه.
كان الفضل بن العباس يناوله الماء وجبرائيل يعاونه، وعلي يغسله، فلما أن فرغ من غسله وكفنه أتاه العباس فقال: يا علي إن الناس قد اجتمعوا على أن يدفن النبي (صلّى الله عليه وآله) في بقيع المصلى، وأن يؤمهم رجل منهم، فخرج علي إلى الناس فقال: يا أيها الناس: أما تعلمون أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إمامنا حياً وميتاً؟ وهل تعلمون أنه (صلّى الله عليه وآله) لعن من جعل القبور مصلى؟ ولعن من يجعل مع الله إلهاً؟ ولعن من كسر رباعيته وشق لثته؟ فقالوا: الأمر إليك فاصنع ما رأيت.
فقال: إني أدفن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في البقعة التي قبض فيها.
ثم قام على الباب فصلى عليه ثم أمر الناس عشرة عشرة يصلون عليه ثم يخرجون.
لما أراد أمير المؤمنين (عليه السلام) غسل الرسول (صلّى الله عليه وآله) استدعى الفضل بن العباس فأمره أن يناوله الماء لغسله فغسله بعد أن عصب عينيه، ثم شق قميصه من قبل جيبه حتى بلغ إلى سرته وتولى (عليه السلام) غسله وتحنيطه وتكفينه والفضل يعطيه الماء ويعينه عليه فلما فرغ من غسله وتجهيزه تقدم فصلى عليه وحده، ولم يشترك معه أحد في الصلاة عليه، وكان المسلمون في المسجد يخوضون فيمن يؤمهم بالصلاة عليه، وأين يدفن، فخرج إليهم أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال لهم: إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إمامنا حياً وميتاً فيدخل عليه فوج بعد فوج منكم فيصلون عليه بغير إمام، وينصرفون، وإن الله تعالى لم يقبض نبياً في مكان إلا وقد ارتضاه لرمسه فيه، وإني لدافنه في حجرته التي قبض فيها.
فسلم القوم لذلك ورضوا به، ولما صلى المسلمون عليه أنفذ العباس بن عبد المطلب برجل إلى أبي عبيدة بن الجراح وكان يحفر لأهل مكة ويضرح، وكان ذلك عادة أهل مكة، وأنفذ (أرسل) إلى زيد بن سهل وكان يحفر لأهل المدينة ويلحد، فاستدعاهما وقال: اللهم خر لنبيك.
فوجد أبو طلحه فقيل له: احفر لرسول الله.
فحفر له لحداً، ودخل أمير المؤمنين والعباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس وأسامة بن زيد ليتولوا دفن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فنادت الأنصار من وراء البيت: يا علي إن نذكرك الله وحقنا اليوم من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن يذهب، أدخل منا رجلاً يكون لنا به حظ من مواراة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال ليدخل أنس بن خولي وكان بدرياً فاضلاً من بني عوف من الخزرج، فلما دخل قال له علي (عليه السلام) انزل القبر.
فنزل ووضع أمير المؤمنين رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على يديه ودلاّه في حفرته، فلما حصل في الأرض قال له أخرج.
فخرج ونزل علي (عليه السلام) إلى القبر، فكشف عن وجه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ووضع خده على الأرض موجهاً إلى القبلة على يمينه ثم وضع عليه اللبن وأهال عليه التراب.
وكان (عليه السلام) يرثي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ويقول:
الموت لا والداً يبقي ولا ولـد هذا السبيل إلى أن لا ترى أحد
هذا النبي ولم يخلد لأمتــــــه لـــو خلّد الله خلقاً قبله خلـــــدا
للموت فينا سهام غير خاطئة من فاته اليوم سهم لم يفته غدا
وكان (عليه السلام) يصلح قبر رسول الله بمسحاته، وكانت وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) في اليوم الثامن والعشرين من شهر صفر في السنة العاشرة من الهجرة كما هو مشهور عند أهل بيته عليهم و(عليه السلام).
الحمد لله رب العالمين والصلاة على سيد الأنبياء والمرسلين محمد وآله الطاهرين.
قال الله تبارك وتعالى: (وما محمد إلا رسول قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل انقلبتم على أعقابكم ومن ينقلب على عقبيه فلن يضر الله شيئاً وسيجزي الله الشاكرين)(1) (http://www.14masom.com/14masom/03/mktba3/book02/12.htm#1).
اختص الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام) برسول الله من حيث الانضمام والتربية والتأديب والتوجيه والأخوة والنفس وسائر الخصائص التي اختص بها كحديث الطائر المشوي وسد الأبواب وغير ذلك.
وعندما توفي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) كان هناك موقف لإمام من تلك الفاجعة العظمى والمصيبة الكبرى التي لم يشهد التاريخ مثلها،
فقد مرض رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بعد أن بلغ من العمر ثلاثاً وستين سنة، وكان النبي ينعى نفسه إلى أصحابه وأهل بيته وزوجاته، ويخبرهم أن تلك السنة آخر سنوات حياته الشريفة المباركة، وأن شمس وجوده قد اقتربت من الغروب،
ولهذا قام بتعيين الخليفة والإمام القائم مقامه، ومن جملة الأحكام الشرعية والتعاليم الإسلامية هو الوصية عند الإحساس بخطر الوفاة، قال الله تعالى: (كتب عليكم إذا حضر أحدكم الموت إن ترك خيراً الوصية)(2) (http://www.14masom.com/14masom/03/mktba3/book02/12.htm#2).
فهل من المعقول أن يموت صاحب الشريعة الإسلامية والمقتدى لقوافل المسلمين على مر القرون والأجيال ـ بلا وصية؟؟ هل يمكن أن يأمر النبي أمته بالوصية ويتركها هو؟ وعمله حجة وسنة يأخذ بها المسلمون؟ وهو القائل: (من مات بلا وصية مات ميتة جاهلية).
إن الأخبار والأحاديث والنصوص الواردة حول وصية النبي (صلّى الله عليه وآله) مستفيضة متواترة، وقد زعم بعض الناس أن رسول الله مات بلا وصية وهم يبتغون من وراء هذا الافتراء تبرير مواقف بعض الأفراد، ولا يهمهم تشويه سمعة النبي والمس بكرامته والحط من مقامه.
وللمرحوم السيد عبد الحسين شرف الدين كلام قيّم حول هذا الموضوع تقتطف منه محل الحاجة، قال ـ تغمده الله برحمته ـ : ونصوص الوصية متواترة، عن أئمة العترة الطاهرة،
1)وحسبك مما جاء من طريق غيرهم في قول النبي (صلّى الله عليه وآله) وقد أخذ برقبة علي: (هذا أخي ووصيي، وخليفتي فيكم، فاسمعوا له وأطيعوا).
رواه محمد بن حميد الرازي
2)عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (لكل نبي وصي ووارث، وإن وصيي ووارثي علي بن أبي طالب (عليه السلام)(3) (http://www.14masom.com/14masom/03/mktba3/book02/12.htm#3).
3)وروى الطبراني في الكبير بالإسناد إلى سلمان الفارسي قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): (إن وصيي وموضع سري، وخير من أترك بعدي، ينجز عدتي، ويقضي ديني، علي بن أبي طالب (عليه السلام)، وهذا نص في كونه الوصي، وصريح في أنه أفضل الناس بعد النبي، وفيه من الدلالة الإلتزامية على خلافته، ووجوب طاعته، ما لا يخفى على أولي الألباب.
4)وأخرج أبو نعيم الحافظ في حلية الأولياء عن أنس، قال: قال لي رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يا أنس أول من يدخل عليك هذا الباب: إمام المتقين، وسيد المسلمين.
قال أنس: فجاء علي فقام إليه رسول الله (صلّى الله عليه وآله)، مستبشراً فاعتنقه وقال له: أنت تؤدي عني، وتسمعهم صوتي، وتبين لهم ما اختلفوا فيه من بعدي.
5)وأخرج الطبراني في الكبير بالإسناد إلى أبي أيوب الأنصاري، عن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) قال: يا فاطمة، أما علمت أن الله عز وجل اطلع على أهل الأرض، فاختار منهم أباك فبعثه نبيا، ثم اطلع الثانية فاختار بعلك، فأوحي إلي فأنكحته واتخذته وصيا).
أنظر كيف اختار الله عليا من أهل الأرض كافة بعد أن اختار منهم خاتم أنبيائه، ونظر إلى اختيار الوصي وكونه على نسق اختيار النبي، وانظر كيف أوحى الله إلى نبيه أن يزوجه ويتخذه وصياً، وانظر هل كانت خلفاء الأنبياء من قبل إلا أوصياؤهم، وهل يجوز تأخير خيرة الله من عباده، ووصي سيد أنبيائه، وتقديم غيره عليه، وهل يمكن عقلاً أن يكون طاعة ذلك المتولي الحكم عليه، فيجعله من سوقته ورعاياه؟ وهل يمكن عقلاً أن تكون طاعة ذلك المتولي واجبة على هذا الذي اختاره الله كما اختار نبيه؟ وكيف يختاره الله ورسوله ثم نحن نختار غيره (وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم ومن يعص الله ورسوله فقد ضل ضلالاً مبيناً)(4) (http://www.14masom.com/14masom/03/mktba3/book02/12.htm#4).
وقد تضافرت الروايات أن أهل النفاق والحسد والتنافس لما علموا أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) سيزوج علياً من بضعته الزهراء ـ وهي عديلة مريم وسيدة نساء أهل الجنة ـ حسدوه لذلك وعظم عليهم الأمر.
ولا سيما بعد أن خطبها من خطبها فلم يفلح، وقالوا: أن هذه ميزة يظهر بها فضل علي، فلا يلحقه بعدها لاحق ولا يطمع في إدارته طامع، فأجلبوا بما لديهم من إرجاف وعملوا لذلك أعمالا، فبعثوا نساءهم إلى سيدة نساء العالمين ينفرنها، فكان مما قلن لها: إنه فقير ليس له شيء، لكنها (عليها السلام) لم يخف عليها مكرهن، وسوء مقاصد رجالهن، ومع ذلك لم تبد لهن شيئاً يكرهنه، ثم ما أراده الله عز وجل ورسوله لها، وحينئذ أرادت أن تظهر من فضل أمير المؤمنين ما يخزي الله به أعداءه، فقالت: يا رسول الله زوجتني من فقير لا مال له؟ فأجابها (صلّى الله عليه وآله) بما سمعت.
وإذا أراد الله نشر فضيلـــة طويت أتاح لها لسان حسود
6)وأخرج الخطيب في المتفق بسنده المعتبر إلى ابن عباس، قال: لما زوج النبي (صلّى الله عليه وآله) فاطمة من علي، قالت فاطمة: يا رسول الله زوجتني من رجل فقير ليس له شيء، فقال النبي (صلّى الله عليه وآله): أما ترضين أن الله اختار من أهل الأرض رجلين، أحدهما أبوك والآخر بعلك.
7)وأخرج الحاكم في مناقب علي (صلّى الله عليه وآله)129 الجزء الثالث من المستدرك عن طريق سريج بن يونس، عن أبي حفص الأبار، عن الأعمش، عن أبي صالح عن أبي هريرة، قال: قالت فاطمة: يا رسول الله زوجتني من علي وهو فقير لا مال له؟ قال (صلّى الله عليه وآله): يا فاطمة أما ترضين أن الله عز وجل اطلع إلى أهل الأرض فاختار رجلين، أحدهما أبوك والآخر بعلك،
7) وعن ابن العباس قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): أما ترضين أني زوجتك أول المسلمين إسلاما، وأعلمهم علماً، وأنك سيدة نساء أمتي، كما سادت مريم نساء قومها، أما ترضين يا فاطمة أن الله اطلع على أهل الأرض فاختار منها رجلين، فجعل أحدهما أباك، والآخر بعلك.
وكان رسول الله (صلّى الله عليه وآله) بعد هذا إذا ألمّ بسيدة النساء من الدهر لمم يذكرها بنعمة الله ورسوله عليها، إذ زوجها أفضل أمته، ليكون ذلك عزاءً لها، وسلوة عما يصيبها من طوارق الدهر، وحسبك شاهداً لهذا ما أخرجه الإمام أحمد في ص26 من الجزء الخامس من مسنده من حديث معقل بن يسار، أن النبي (صلّى الله عليه وآله) عاد فاطمة في مرض أصابها على عهده فقال لها: كيف تجدينك؟ قالت: والله لقد اشتد حزني واشتدت فاقتي وطال سقمي، قال (صلّى الله عليه وآله) أما ترضين أني زوجتك أقدم أمتي سلماً وأكثرهم علماً، وأعظمهم حلماً.
الوصية بصورة أخرى:
وصية النبي (صلّى الله عليه وآله) إلى علي لا يمكن جحودها، إذ لا ريب في أنه عهد إليه ـ بعد أن أورثه العلم والحكمة ـ بأن يغسله، ويجهزه ويدفنه، ويفي دينه، وينجز وعده، ويؤدي دينه ويواريه في حفرته، أخرجه الديلمي وهو الحديث 2583 ج 6 من الكنز، وعن عمر من حديث قال فيه رسول الله لعلي: وأنت غاسلي ودافني الحديث، في ص393 ج 6 في الكنز، وفي هامش ص45 ج 5 من مسند أحمد، وعن علي: سمعت رسول الله، يقول: أعطيت في علي خمساً لم يعطها نبي في أحد قبلي، أما الأولى فإنه يقضي ديني، ويواريني...
الحديث في أول ص 403 ج 6 من الكنز، ولما وضع على السرير وأرادوا الصلاة عليه (صلّى الله عليه وآله) قال علي: لا يؤم على رسول الله أحد، هو إمامكم حياً وميتاً، فكان الناس يدخلون رسلاً رسلاً، فيصلون صفاً صفاً، ليس لهم إمام ويكبرون، وعلي قائم حيال رسول الله يقول: سلام الله عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته، اللهم إنا نشهد أن قد بلغ ما أنزلت إليه، ونصح لأمته وجاهد في سبيل الله حتى أعز الله عز وجل دينه، وتمت كلمته، اللهم فاجعلنا ممن يتبع ما أنزل الله إليه، وثبتنا بعده وأجمع بيننا وبينه، فيقول الناس: آمين آمين، حتى صلى عليه الرجال ثم النساء ثم الصبيان، روى هذا كله باللفظ الذي أوردناه ابن سعد عند ذكره غسل النبي من طبقاته، وأول من دخل على رسول الله يومئذ بنو هاشم، ثم المهاجرون، ثم الأنصار ثم الناس، وأول من صلى عليه علي والعباس وقفا صفاً وكبرا عليه خمساً.
إلى هنا انتهى كلام سيدنا شرف الدين رحمه الله.
هذه بعض النصوص الواردة حول الوصية
وأما ما ذكره الشعراء في القرن الأول من المهاجرين والأنصار والتابعين حول وصاية أمير المؤمنين (عليه السلام) فلا مجال لبيان تلك الأبيات الشعرية والأراجيز التي تتضمن هذا الأمر.
والآن ننتقل إلى حديث وفاة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وقيام الإمام بإنجاز وصاياه، وقد ذكرنا فيما سبق أن علياً كان أول الناس عهداً برسول الله (صلّى الله عليه وآله) وسيظهر اليوم أنه كان آخر الناس عهدا به.
وفي كتاب أبي إسحاق قال: دخل أبو بكر على النبي (صلّى الله عليه وآله) وقد ثقل (اشتد مرضه)، فقال: يا رسول الله متى الأجل؟ قال: قد حضر، قال أبو بكر: الله المستعان على ذلك فإلى ما المنقلب؟ قال: إلى السدرة المنتهى وجنة المأوى وإلى الرفيق الأعلى والكأس الأوفى والعيش المهنى، قال أبو بكر: فمن يلي غسلك؟ قال رجال أهل بيتي، الأدنى فالأدنى قال: ففيما نكفنك؟ قال: في ثيابي هذه التي علي أو حلة يمانية أو في بياض مصر قال: كيف الصلاة عليك؟ فارتجت الأرض بالبكاء فقال لهم النبي (صلّى الله عليه وآله) مهلاً، عفا الله عنكم، إذا غُسلت فكُفنت فضعوني على سريري في بيتي هذا على شفير قبري ثم أخرجوا عني فإن الله تبارك وتعالى أول من يصلي علي ثم يأذن الملائكة في الصلاة علي فأول من ينزل جبرائيل (عليه السلام) ثم إسرافيل ثم ميكائيل ثم ملك الموت (عليه السلام) في جنود كثير من الملائكة بأجمعها ثم أدخلوا علي زمرة زمرة، فصلوا علي وسلموا تسليما ولا تؤذوني وليبدأ بالصلاة علي الأدنى من أهل بيتي ثم النساء ثم الصبيان زمراً.
قال أبو بكر: فمن يدخل قبرك؟ قال: الأدنى فالأدنى من أهل بيتي مع ملائكة لا ترونهم، قوموا فأدوا عني إلى من ورائكم؟ فقلت للحرث بن مرة: من حدثك هذا الحديث؟ قال: عبد الله بن مسعود.
عن علي (عليه السلام) قال: كان جبرائيل ينزل على النبي صلى الله عليه وسلم في مرضه الذي قبض فيه كل يوم وفي كل ليلة، فيقول،: السلام عليك إن ربك يقرؤك السلام فيقول: كيف تجدك؟ وهو أعلم بك ولكنه أراد أن يزيدك كرامة وشرفاً إلى ما أعطاك على الخلق، وأراد أن يكون عيادة المريض سنة في أمتك، فيقول النبي (صلّى الله عليه وآله) ـ إن كان وجعاً ـ : يا جبرائيل أجدني وجعاً فقال له جبرائيل: اعلم يا محمد إن الله لم يشدد عليك وما من أحد من خلقه أكرم عليه منك، ولكنه أحب أن يسمع صوتك ودعاك حتى تلقاه مستوجباً للدرجة والثواب الذي أعد لك، والكرامة والفضيلة على الخلق، وإن قال له النبي (صلّى الله عليه وآله) أجدني مريحاً في عافية.
قال له: فاحمد الله على ذلك فإنه يحب أن تحمد وتشكره ليزيدك إلى ما أعطاك خيراً فإنه يحب أن يحمد ويزيد من شكر.
قال: وإنه نزل عليه في الوقت الذي كان ينزل فيه فعرفنا حسه فقال علي (عليه السلام): فيخرج من كان في البيت غيري؟ فقال له جبرائيل: يا محمد إن ربك يقرئك السلام ويسألك وهو أعلم بك كيف تجدك؟ فقال له النبي: أجدني ميتاً.
قال له جبرائيل: يا محمد أبشر فإن الله إنما أراد أن يبلغك بما تجد ما أعد لك من الكرامة.
قال له النبي صلى الله عليه وسلم: إن ملك الموت استأذن علي فأذنت له، فدخل واستنظرته مجيئك فقال له: يا محمد إن ربك إليك مشتاق فما استأذن ملك الموت على أحد قبلك ولا يستأذن على أحد بعدك.
فقال النبي (صلّى الله عليه وآله): لا تبرح يا جبرائيل حتى يعود، ثم أذن للنساء فدخلن فقال لأبنته: أدني مني يا فاطمة فأكبت عليه فناجاها، فرفعت رأسها وعيناها تهملان دموعاً فقال لها: أدني مني فدنت منه فأكبت عليه فناجاها فرفعت رأسها وهي تضحك، فتعجبنا لما رأينا فسألناها فأخبرتنا أنه نعى نفسه فبكيت فقال: يا بنية لا تجزعي فإني سألت ربي أن يجعلك أول أهل بيتي لحاقاً بي فأخبرني أنه استجاب لي فضحكت، قال: ثم دعا النبي (صلّى الله عليه وآله) الحسن والحسين (عليهما السلام) فقبلهما وشمهما وجعل يترشفهما وعيناه تهملان.
في علل الشرائع: عن الإمام الصادق عن أبيه عن جده (عليهم السلام) قال لما حضرت رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الوفاة دعا العباس بن عبد المطلب وأمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) فقال للعباس: يا عم محمد تأخذ تراث محمد وتقضي دينه وتنجز عداته؟ فرد عليه وقال: يا رسول الله: أنا شيخ كبير كثير العيال، قليل المال، من يطيقك وأنت تباري الريح؟ قال: فأطرق هنيئة ثم قال: يا عباس أتأخذ تراث رسول الله وتنجز عداته وتؤدي دينه.
فقال: بأبي أنت وأمي أنا شيخ كبير كثير العيال قليل المال، من يطيقك وأنت تباري الريح؟ فقال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): أما إني سأعطيها من يأخذ بحقها.
ثم قال: يا علي يا أخا محمد أتنجز عداة محمد وتقضي دينه وتأخذ تراثه؟ قال: نعم بأبي أنت وأمي.
فنزع خاتمه من إصبعه فقال: تختم بهذا في حياتي فوضعه علي (عليه السلام) في إصبعه اليمنى فصاح رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يا بلال علي بالمغفر والدرع والراية وسيفي: ذي الفقار وعمامتي: السحاب والبرد والأبرقة والقضيب.
فقال: يا علي أن جبرائيل أتاني بها.
فقال: يا محمد إجعلها في حلقة الدرع واستوفر بها مكان المنطقة ثم دعا بزوجي نعال عربيين إحداهما مخصوفة والأخرى غير مخصوفه، والقميص الذي اسري به فيه، والقميص الذي خرج فيه يوم أحد والقلانس الثلاث قلنسوة السفر وقلنسوة العيدين وقلنسوة كان يلبسها.
ثم قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله): يا بلال علي بالبغلتين: الصهباء والدلدل والناقتين: العضباء والصهباء والفرسين الجناح الذي كان يوقف بباب مسجد رسول الله لحوائج الناس، يبعث رسول الله (صلّى الله عليه وآله) الرجل في حاجته فيركبه وحيزوم وهو الذي يقول أقدم حيزوم.
والحمار اليعفور.
ثم قال: يا علي إقبضها في حياتي حتى لا ينازعك فيها أحد بعدي.
وعن جابر بن عبد الله الأنصاري قال: قال رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في مرضه الذي قبض فيه لفاطمة (عليها السلام) بأبي وأمي أنت!!! أرسلي إلى بعلك فادعيه لي.
فقالت فاطمة للحسين (عليه السلام): إنطلق إلى أبيك فقل: يدعوك جدي.
فانطلق إليه الحسين فدعاه فأقبل أمير المؤمنين علي بن أبي طالب (عليه السلام) حتى دخل على رسول الله (صلّى الله عليه وآله) وفاطمة (عليها السلام) عنده وهي تقول: واكرباه لكربك يا أبتاه.
فقال لها رسول الله (صلّى الله عليه وآله): لا كرب على أبيك بعد اليوم يا فاطمة، إن النبي لا يشق عليه الجيب، ولا يخمش عليه الوجه، ولا يدعى عليه بالويل ولكن قولي كما قال أبوك على إبراهيم: تدمع العينان وقد يوجع القلب ولا نقول ما يسخط الرب وإنا بك يا إبراهيم لمحزونون ولو عاش إبراهيم لكان نبياً.
ثم قال يا علي أدن مني.
فدنا منه فقال أدخل أذنك في في.
ففعل.
فقال: يا أخي ألم تسمع قول الله تعالى في كتابه (إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات أولئك هم خير البرية)؟(5) (http://www.14masom.com/14masom/03/mktba3/book02/12.htm#5) قال: بلى يا رسول الله.
قال: هم أنت وشيعتك يجيئون غراً محجلين، شباعاً مرويين، أولم تسمع قول الله في كتابه (إن الذين كفروا من أهل الكتاب والمشركين في نار جهنم خالدين فيها أولئك هم شر البرية)(6) (http://www.14masom.com/14masom/03/mktba3/book02/12.htm#6)؟ قال: بلى يا رسول الله.
قال: هم أعداؤك وشيعتهم، يجوزون يوم القيامة ظماء مظمئين، أشقياء معذبين، كفار منافقين، ذلك لك ولشيعتك، وهذا لعدوك ولشيعتهم.
ولما حضره الموت كان أمير المؤمنين (عليه السلام) حاضراً عنده فلما قرب خروج نفسه (صلّى الله عليه وآله) قال له: ضع يا علي رأسي في حجرك فقد جاء أمر الله تعالى فإذا فاضت نفسي فتناولها بيدك وامسح بها وجهك، ثم وجهني إلى القبلة وتول أمري وصل علي أول الناس، ولا تفارقني حتى تواريني في رمسي، واستعن بالله تعالى.
فأخذ علي (عليه السلام) رأسه فوضعه في حجره فأغمي عليه فأكبت فاطمة (عليها السلام) تنظر في وحهه وتندبه وتبكي وتقول:
وأبيض يستقى الغمام بوجهه ثمال اليتامى عصمة الأرامل
ففتح رسول الله (صلّى الله عليه وآله) عينه، وقال بصوت ضئيل: يا بنية هذا قول عمك أبي طالب لا تقوليه ولكن قولي (وما محمد إلا رسول الله قد خلت من قبله الرسل أفإن مات أو قتل أنقلبتم على أعقابكم)(7) (http://www.14masom.com/14masom/03/mktba3/book02/12.htm#7) فبكت طويلاً وأومأ إليها بالدنو منه فدنت منه فأسرّ إليها شيئاً تهلل وجهها له.
ثم قبض (صلّى الله عليه وآله) ويد أمير المؤمنين (عليه السلام) تحت حنكه ففاضت نفسه (صلّى الله عليه وآله) فيها فرفعها إلى وجهه فمسحه بها، ثم وجهه وغمضه ومد عليه إزاره واشتغل بالنظر في أمره.
وقال جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام): إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أوصى إلى علي (عليه السلام) أن لا يغسلني غيرك فقال علي (عليه السلام): يا رسول الله من يناولني الماء؟ إنك رجل ثقيل لا أستطيع أن أُقلّبك؟ فقال: جبرائيل معك يعاونك، ويناولك الفضل الماء، وقل له فليغمض عينيه، فإنه لا أحد يرى عورتي غيرك إلا انفقأت عيناه.
كان الفضل بن العباس يناوله الماء وجبرائيل يعاونه، وعلي يغسله، فلما أن فرغ من غسله وكفنه أتاه العباس فقال: يا علي إن الناس قد اجتمعوا على أن يدفن النبي (صلّى الله عليه وآله) في بقيع المصلى، وأن يؤمهم رجل منهم، فخرج علي إلى الناس فقال: يا أيها الناس: أما تعلمون أن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إمامنا حياً وميتاً؟ وهل تعلمون أنه (صلّى الله عليه وآله) لعن من جعل القبور مصلى؟ ولعن من يجعل مع الله إلهاً؟ ولعن من كسر رباعيته وشق لثته؟ فقالوا: الأمر إليك فاصنع ما رأيت.
فقال: إني أدفن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) في البقعة التي قبض فيها.
ثم قام على الباب فصلى عليه ثم أمر الناس عشرة عشرة يصلون عليه ثم يخرجون.
لما أراد أمير المؤمنين (عليه السلام) غسل الرسول (صلّى الله عليه وآله) استدعى الفضل بن العباس فأمره أن يناوله الماء لغسله فغسله بعد أن عصب عينيه، ثم شق قميصه من قبل جيبه حتى بلغ إلى سرته وتولى (عليه السلام) غسله وتحنيطه وتكفينه والفضل يعطيه الماء ويعينه عليه فلما فرغ من غسله وتجهيزه تقدم فصلى عليه وحده، ولم يشترك معه أحد في الصلاة عليه، وكان المسلمون في المسجد يخوضون فيمن يؤمهم بالصلاة عليه، وأين يدفن، فخرج إليهم أمير المؤمنين (عليه السلام) وقال لهم: إن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) إمامنا حياً وميتاً فيدخل عليه فوج بعد فوج منكم فيصلون عليه بغير إمام، وينصرفون، وإن الله تعالى لم يقبض نبياً في مكان إلا وقد ارتضاه لرمسه فيه، وإني لدافنه في حجرته التي قبض فيها.
فسلم القوم لذلك ورضوا به، ولما صلى المسلمون عليه أنفذ العباس بن عبد المطلب برجل إلى أبي عبيدة بن الجراح وكان يحفر لأهل مكة ويضرح، وكان ذلك عادة أهل مكة، وأنفذ (أرسل) إلى زيد بن سهل وكان يحفر لأهل المدينة ويلحد، فاستدعاهما وقال: اللهم خر لنبيك.
فوجد أبو طلحه فقيل له: احفر لرسول الله.
فحفر له لحداً، ودخل أمير المؤمنين والعباس بن عبد المطلب والفضل بن العباس وأسامة بن زيد ليتولوا دفن رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فنادت الأنصار من وراء البيت: يا علي إن نذكرك الله وحقنا اليوم من رسول الله (صلّى الله عليه وآله) أن يذهب، أدخل منا رجلاً يكون لنا به حظ من مواراة رسول الله (صلّى الله عليه وآله) فقال ليدخل أنس بن خولي وكان بدرياً فاضلاً من بني عوف من الخزرج، فلما دخل قال له علي (عليه السلام) انزل القبر.
فنزل ووضع أمير المؤمنين رسول الله (صلّى الله عليه وآله) على يديه ودلاّه في حفرته، فلما حصل في الأرض قال له أخرج.
فخرج ونزل علي (عليه السلام) إلى القبر، فكشف عن وجه رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ووضع خده على الأرض موجهاً إلى القبلة على يمينه ثم وضع عليه اللبن وأهال عليه التراب.
وكان (عليه السلام) يرثي رسول الله (صلّى الله عليه وآله) ويقول:
الموت لا والداً يبقي ولا ولـد هذا السبيل إلى أن لا ترى أحد
هذا النبي ولم يخلد لأمتــــــه لـــو خلّد الله خلقاً قبله خلـــــدا
للموت فينا سهام غير خاطئة من فاته اليوم سهم لم يفته غدا
وكان (عليه السلام) يصلح قبر رسول الله بمسحاته، وكانت وفاة النبي (صلّى الله عليه وآله) في اليوم الثامن والعشرين من شهر صفر في السنة العاشرة من الهجرة كما هو مشهور عند أهل بيته عليهم و(عليه السلام).